الفصل الثالث

تطوُّر نظرية الاحتراق والتنفُّس

مقدمة

يُعَرَّف الاحتراق Combustion على أنَّه تفاعُلٌ كيميائي ينتج عنه حرارة وضوء. وغالبًا ما يتضمَّن الاحتراق الامتزاج السريع للأكسجين مع وقود من نوعٍ ما ليتولَّد عنه الاشتعال. وأحيانًا تحلُّ بعض المواد الكيميائية كالفلور والكلور محل الأكسجين في عملية الاحتراق. وعندما يمتزج الأكسجين ببطءٍ بمادةٍ أخرى يُطلَق على التفاعُل الناتج اسم الأكسدة، وتُعَدُّ عملية صدأ الحديد مثالًا حيًّا على عملية الأكسدة.١
إذن حتى يتشكَّل الاحتراق التقليدي٢ لا بُدَّ من توفُّر ثلاثة عناصر: الأكسجين (المأخوذ غالبًا من الهواء)، والوقود (أو المادة القابلة للاحتراق)، والحرارة (وسيلة الإشعال كالاحتكاك أو البرق). والمادة التي تحترق تخضع لتفاعُلٍ كيميائي غير معكوس؛ أي لا يُمكِننا استعادة المادة بعد حرقها كما كانت عليه، فالرَّوابط الجُزيئية بين ذرات المادة المُحترقة (خصوصًا الكربون والهيدروجين والأكسجين) تتكسَّر صانعةً مُرَكَّباتٍ جديدة.
يشعر الإنسان بالاحتراق عندما تقترب النَّار من الجلد؛ وذلك لأنَّ ذرات الجلد تبتدئ في التحرُّك بسرعة حين مُلامستها للحرارة، فكُلَّما ازدادت الحرارة ازدادت حركتُها، فإذا تخطت الحرارة المُعَدَّل الطبيعي قامت الذرات بكسر الرَّوابط التي تربط بينها. وقد يتحول الهواء إلى نار من خلال النفخ الشديد في جذوةٍ مشتعلة فذلك لأنه يزيد من اشتعالها، وهو ما يُعتبر دليلًا على أن شيئًا من الهواء نفسه يشتعل ويتحول إلى نار.٣

ومع حاجة عملية الاحتراق التقليدي إلى عنصر الهواء، ومع كل التقدُّم الذي أحرزَتْه نظرية الاحتراق من ناحية قدرتها التفسيرية، إلا أنَّ آلية حدوث الاحتراق وما يتعلق به في ظروف انعدام الجاذبية والهواء لا تزال مَحطَّ أنظار علماء وكالة الفضاء ناسا؛ فقد أجرَوْا تجربة عام ٢٠١٧ على مركبةٍ فضائيةٍ غير مأهولة يستبينون من خلالها كيف تتم هذه العمليات في تلك الظروف، ومن شأن نتائج هذه التجربة أن تُساعدهم في تجنُّب الحَرَائق التي يُمكن أن تحدُث في المركبات الفضائية المأهولة مستقبلًا.

للنظرية التي تفسِّر عملية الاحتراق (بغض النظر عن المصدر الحراري) تاريخٌ طويل حتى تمَّ الوصول إليها، وهو ما سنتعرَّف عليه في هذا الفصل. وقد حاول كل العلماء ومن مختلف الحضارات أن يقدِّموا رؤيتهم لتفسير هذه الظاهرة، خصوصًا وأنها مسئولة عن تشكُّل النيران،

كما نسعى من خلال هذا الفصل إلى التأريخ لبداية الكشف عن وجود صلة وعلاقة بين الاحتراق والتنفُّس منذ أيام اليونانيين مرورًا بالعلماء العرب والمسلمين الذين تأكدوا من هذه الصلة تجريبيًّا في القرن العاشر الميلادي، إلى الأوروبيين الذين توصَّلوا إلى هذه العلاقة تجريبيًّا في القرن السابع عشر الميلادي.

المبحث الأول: اليونانيون

يَطْغَى الجانب النظري في أعمال اليونانيين الذين حاولوا تفسير عملية الاحتراق وعملية التنفُّس على جانبه التجريبي. وقد بدأَت ملامح التفسير ترتسم بشكلٍ مُشْترك بين الأطباء والفلاسفة، خصوصًا أرسطو، الذي ستكون له اليد الطولى في ذلك.

أبقراط (القرن ٥ق.م.)

كان ثمَّة إشارة إلى وجود علاقة بين التنفس والتغذية منذ عهد أبقراط؛ فقد كان أبقراط Hippocrates (تُوفِّي ٣٧٠ق.م.) يرى — كما أخبرنا جالينوس — بأنَّ غاية التنفُّس هو «النترات والتبريد» والذي عنى به بأنَّ وجود النترات يمُدُّ الحياة الداخلية للكائن الحي بالوقود، وفي الوقت نفسه يمنعُ الحرارة الداخلية من استهلاك وقودها بسرعةٍ كبيرة بوساطة التبريد.٤

أرسطو (القرن ٤ق.م.)

أخذ أرسطو بنظرية العناصر الأربعة التي نظمها إمبيدوقليس، ووافق على أن النار أحد العناصر الأربعة التي تتكوَّن منها المادَّة، وقد فسَّر الاحتراق بأنه إطلاق النار من المادة.٥
ومع تبنِّي أرسطو لنظرية العناصر الأربعة وإضافتِه للكيفيات الأربع (الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة)، وأنَّ كل عنصر من العناصر الأربعة ينتُج عن اتحاد زوجَين من هذه الكيفيات (انظر الشكل الآتي)، تأسَّسَت نظرية الاحتراق الأرسطية وتَمَّ تبنِّيها من قِبَل معظم العلماء والفلاسفة اللاحقين من عرب وأوروبيين.٦
figure
وفقًا لنظرية أرسطو في تكوُّن المادة، وهي النظرية البديلة لنظرية الذرات لديموقريطس، فإنَّ النار لها خاصيَّتا الحرارة واليبوسة، وللهواء خاصيَّتا الحرارة والرطوبة، وللماء خاصيَّتا الرطوبة والبرودة، وللتراب خاصيَّتا البرودة واليبوسة. من سلبيات هذه النظرية أنها أطلقَت شرارةَ إمكانية تحويل المواد الرخيصة كالحديد والنحاس إلى موادَّ نفيسة كالذهب والفضة. (مصدر الصورة والتعليق: الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٢–١٠٣.)
ولبناء نظريته، شرع أرسطو في توضيح أثَر الحرارة سواء على الجماد أو الحيوان، فالأجسام لا تحترق إلا لأنها مُهَيَّأة للاحتراق، قال أرسطو: «وقد يَدُلُّ أيضًا دلالةً عظيمة على أنَّ الحرارة والبرودة فاعلتان أنَّ كل واحدةٍ منهما تُوجد سببًا لكون الأجسام وفسادها، وذلك أن الحرارة يتولَّد عنها الحيوان ويغتذي، والأجسام التي فيها تهيُّؤ للاحتراق تحترق … والحرارة أيضًا تبرُد بالعَرَض، ولهذه العلَّة نجد الاستمرار والنضج في الصيف أقل.»٧
وكان أرسطو يرى بأنَّ الجسم المُحترق «هو الذي له منافذُ تقبل النار، وفيه رطوبةٌ قابلة للأثَر منها، وأمَّا غير المُحترق فالمضاد له؛ فمتى كان الجسم يابسًا، ولم تكن له منافذُ تقبل النار، لم يحترق، بمنزلة الجليد والخشب الرَّطْب، وبعض الأجسام المُحترقة لا تشتعل منها النار، وهذه الأجسام إمَّا أن تشتعل وحدها، وإما مع جسم، والمُشتعلة وحدها منها ما لها جمر، بمنزلة خشب البلوط والزيتون، ومنها ما يُفضِي إلى الرَّماد بمنزلة القصب والبردي، وأما التي تشتعل مع أجسام أخر فبمنزلة الزيت مع الفتيلة والشمع مع البردي.»٨
وقد حاول تفسير وتصنيف سبب حدوث عملية الاحتراق في بعض الموادِّ وعدم حدوثها في البعض الآخر إلى أربعة أنواع:
  • (١)

    أجسام تحترق وتذوب مثل الشَّمْع، ويعودُ ذلك إلى وجود رطوبة في كلتا المادتَين.

  • (٢)

    أجسام تنصهر ولا تحترق مثل النحاس، وسبب ذلك استجابة رطوبته للانصهار وعدم استجابتها للاحتراق.

  • (٣)

    أجسام تحترق ولا تَنصهِر مثل الخشب، وسبب ذلك استجابة رطوبته للاحتراق وعدم استجابتها للانصهار.

  • (٤)

    أجسام لا تحترق ولا تَنصهِر مثل الحجر، وسبب ذلك لأنَّ رطوبته لا تستجيب لا للاحتراق ولا للانصهار. طبعًا ولكل قاعدةٍ شواذ؛ إذْ يُوجَد حجرُ أسايطس الذي يمكنه أن يحترق إذا سُكب عليه زيت، ورُبَّما قصد النفط.

قال أرسطو: إنَّ «بعض الأجسام تشتعل وتذوب معًا، بمنزلة الشمع، والسبب في ذلك أن بعض رطوبته متصلة وبعضها مُتبدِّدة، ولهذه العِلَّة يقبل الأثرَين جميعًا، وإذا أُفرد وحدَه ذاب، وإذا تركَّب مع البردي اشتعل. وبعضها يذوب ولا يشتعل، بمنزلة النَّحاس؛ فإن هذا بسبب تبدُّد الرطوبة فيه يجيب إلى الذوبان ولا يُجيب إلى الاشتعال. ومنها مشتعلةٌ غير ذائبة، بمنزلة الخشب؛ فإن هذا لسببِ اجتماع الرطوبة التي فيه يُجيب إلى الاشتعال ولا يُجيب إلى الذوبان. وبعضها لا يشتعل ولا يذوب، بمنزلة حَجَر المطر وسائر الأجسام التي لا تُوجَد فيها رطوبة — لا مُجتمعة ولا متفرقة — خلا المُمْسكة لأجزائها مثل الحَجَر المُسمَّى باليونانية أسايطس؛٩ فإن هذا الحجر لا يحترق إذا كان مُفردًا بسبب يُبْسه، فمتى سُكب عليه زيت احترق لأنه رطْب.»١٠ وقد أكدَّ أرسطو في مواضعَ أخرى على نظريته في احتراق المواد، مُتوسعًا في الأمثلة التي طَرحَها والحالات التي تكون فيها نسبةُ كيفية الرطوبة أو الهوائية أو اليبوسة زائدة عن الحد «فأمَّا الخشب فإنه يحترق بالنار ولا ينحلُّ ولا يذوب؛ لأنَّ الغالب عليه الهواء والأرض لا المائية والأرض. والدليل على ذلك أنه يطفو على الماء ما خلا خشب الأبنوس فإنه يغرق لأن الأرضية أغلب عليه من الهوائية، والدليل على ذلك سواد لونه.»١١ «وبعض الأشياء تحترق بالنار وتشتعل بها كالخشب والصوف والعظام، وما أشبهَ ذلك من الأجسام التي منافسها ومجاريها الطبيعية غير مُضادَّة للنار، بل شبيهةٌ بها فتحترق لمُخَالطة النَّار إيَّاها، وأمَّا ما كان رطْبًا مُفرِطًا في الرطوبة فإنه لا يحترق ولا يشتعل كمثل الجليد والثلج وما أشبه ذلك. وبعض الأجسام تنحرق وتفسَد وتصير يابسةً أرضية إذا عادت رطوبتها بخارًا، وبعضها يصيرُ ريحًا وبخارًا بالنار كالدهن وما أشبهه. والبخار هو هواءٌ مُحتقنٌ في الجسم الخارج منه غائصٌ فيه مخالطٌ لقوة ذلك الجسم، وقد يُقال إن ذلك الجسم يحترق إذا كان ممكنًا أن يصير رمادًا. والتي تحترق فهي الأجسام الجامدة بالحر والبرد، فأمَّا المُحترِقة بالحرارة الجامدة فالعظام وما أشبهَها. وأمَّا المُحترِقة الجامدة بالبرد فكالأحجار المُحترِقة والمتكلِّسة.»١٢
أمَّا موقفه من عملية التنفُّس فقد أوضحه أرسطو قائلًا: «لا يُمكِننا أن نقبل الفكرة بأن الغرض من التنفُّس هو التغذية، وبذلك يعني بأنَّ النار الداخلية تغذِّيها النفس، وأنَّ التنفُّس هو إلقاء الوقود في الفرن.»١٣ وبذلك فإنَّ عملية التنفُّس التي تحدُث عند الكائنات الحيَّة فإن مُهمتها دعم الحرارة الحيوية التي هي حالة الحياة. ومن ناحية عِلم وظائف الأعضاء (الفيزيولوجيا) الأرسطية فإنَّ تشكيل الجسم يتم بوساطة النسل والتغذية، وهو يُقَدِّم مِعْيارًا لتصنيفه لكل أشياء الحياة الأعلى تلك التي إمدادها للحرارة يسمح للأجيال الولودة والبياضة بأن تتشكَّل، الرُّوح المُغذية الموجودة في الأرواح الحساسة والعاقلة التي «تُحرِّك» كلًّا من التغذية والنسل وهي متوضِّعة في القسم الأكثر حرارة من الجسم، في منطقةٍ متوسِّطة بين تلك حيث يدخل الطعام إليها، وتلك التي يتم إفراغ الطعام منها؛ أي القلب في الحيوانات ذات الدم الحار أو القاني. النار هي في القلب الذي يغذِّيه الوقود وهذا معنيٌّ به الطعام الذي يتصاعَدُ على شكل بخار. إذا استهلَكَت النار الوقودَ أسرع من المعدة يُمكن استبدالُها أو إذا كانت النار مُسْتعرة، فإنَّ الأعضاء الحية تموت من الإنهاك. لمنع هذا، يجبُ الإبقاءُ على النار ضمن روابط. هذه هي وظيفة التنفُّس، إنه يقوم بتلطيف حرارة القلب بالتبريد، بالإضافة إلى أن جالينوس تصوَّر تلك الحركات التنفسية زفَرَت أبخرة بادية، والتي ما عدا ذلك فإنها ستتجمَّع وتخنُق اللهَب الحيوي التي نشأَت منه.
إن اعتماد الحياة على الحرارة والتنفُّس ضمن نشاط التغذية تَصوَّره علم وظائف الأعضاء القديم والذي عَبَّر عنه أرسطو كما يأتي: «النسل هو أساس المُشاركة، وهو توسُّط بالمادة الخام الدافئة، في نشاط التغذية، والحياة هي صيانة هذه المشاركة؛ الشباب هو فترة نمو العضو الأوَّلي للتبريد، والشيخوخة انحدارها، في حين أنَّ الزَّمن الفاصل مُقتبل العمر». تتفاوت آلية التنفُّس؛ حيث إنَّ الحيوانات الشاحبة تُنتِج حرارةً طفيفة جدًّا ليس لها ترتيباتٌ خاصَّة ضرورية لتبريدها؛ إذْ إن استحمامًا بسيطًا على أَدمَتِها بوساطة الهواء أو بالماء يكون كافيًا عادة. أمَّا الحيواناتُ ذاتُ الدمِ الحارِّ فهي ذات طبيعةٍ أسخن وتتطلَّب آليةً خاصة، كما في الأسماك وخياشيمها والتي تسبح بالماء؛ ولهذا في الطبيعة فإنَّ الحيوانات الأسخن أكثر نبلًا وذات رئاتٍ يغمرها الهواء، يُشبه عمل الرئتَين كيرَين؛ عندما تُصبح الحرارة في القلب زائدة، تسبِّب التمدد للرئة المجاورة مباشرة، ويتدفَّق الهواء البارد فيها ويخفِّف من الحرارة، وتهمد الرِّئة والهواء المُستنشَق والذي قد سخَّنه الاتصال بالدم تم زفره. ثانيًا: ترتفع الحرارة وتتكرر العملية. فيما بعدُ وفي عصر جالينوس هذا التفسير المبدع عن التنفس والزفير نبذَتْهما فكرةٌ استندَت على الفعل العضلي. على أي حال، فإنَّ وظيفة التنفُّس في التعاليم القديمة كان للمحافظة على لهب الحياة من الاستنفاد، وذلك بالحرارة المُفرطة، ومن خَنقِه بالأبخرة الظاهرة.١٤ هذه الأفكار سيُكتَب لها الظهور في الأدبيات العلمية العربية والأوروبية، لكن مع تعديلٍ وتفصيلٍ أكثر أهمية.

بيرو (القرن ٣ق.م.)

ظهر تيار الفلسفة الشكِّية في الفترة الهلينستية، وقد انتشر هذا المذهب على امتداد القرنَين الرابع والثالث قبل الميلاد، ثم راج في القرنَين الأول والثاني للميلاد. وقد انطلَق الشاكُّ من تعليق الحكم، أو التوقُّف عن تفضيل أحد الحكمَين المتناقضَين على الآخر، فالحُكم ونقيضه متعادلان عندهم. ويُعَدُّ بيرو Pyrrho (حوالي ٣٦٥–٢٧٥ق.م.) رائد المدرسة الشكِّية؛ فقد اعتَبر أن الإنسان الذي يطمح لبلوغ السعادة، عليه أن يجيب على الأسئلة الآتية:
  • (١)

    مم تتألَّف الأشياء؟

  • (٢)

    كيف يجب أن يكون موقفُنا منها؟

  • (٣)

    ما الفائدة التي نجنيها من موقفِنا؟

كما ناقَش في إطار فلسفة الشك خاصيَّة الإحراق في النار؛ إذْ من البديهي أن يسلِّم الإنسان بوجود خاصية الإحراق في النار، ولكنه قد يعجز عن إطلاق حكم لماذا تملك هذه الخاصية. قال بيرو: «إن الشك يُقِر بأن الشيء الفلاني يبدو لنا أبيض، وأنَّ العسل يبدو حلو المذاق، وأن النار تحرق، ولكنه يمتنع عن الحكم بأن الشيء الفلاني أبيضُ بحد ذاته، أو أن العسل حلو، وأن من طبيعة النار أن تحرق.»١٥

أبولونيوس التياني (القرن ١م)

قدَّم لنا أبولونيوس التياني رُبَّما أول إشارةٍ مباشرة لوجود علاقة بين النار والهواء عند بدء عملية الإشعال؛ حيث إنَّ الأصل في تسمية النار هو انقداحُها من الهواء، وهكذا يُصبح سبب حمرة النار هو الهواء الذي يستمد هذه الخاصية من الرطوبة واللين، قال أبولونيوس: «إنما سُمِّيت النارُ نارًا لما اقتدحَت من الهواء؛ ولذلك سمَّى قرسطوفر وإرسانوس١٦ محدث العجائب، يعني الهواء احمرَّ وزعم أنَّ النار لا تحمر أبدًا دون أن تتصل بالهواء، فعِلَّة حُمرة النار الهواء، وعلَّة الهواء الرطوبة وعلَّة الرطوبة اللين وعلَّة اللين الحر، فجميع الأشياء إنما تكوَّنَت من الحر الذي هو الجوهر الباقي، وما كان سواه فهو فانٍ زائل.»١٧

المفيدروس (القرن ٦م)

اعتقد المفيدروس Olympiodorus (تُوفِّي نحو ٥٧٠م) أنَّ شدة الحرارة وجفافها هو السبب في عملية الاحتراق، والتي غالبًا ما تكون سطحية، وقد بنى اعتقاده على نظرية أرسطو في العناصر والكيفيات الأربع. كما عَزَّز كلامه بضرب مثال المادة المشوية حيث إنَّ سطحها يتأثَّر بشدة الحرارة أكثر من عُمقه، قال المفيدروس: «الشيُّ يكون عن حرارةٍ يابسةٍ بفعل رطوبة ذلك المشوي، والمشوي بالصناعة يصير قبولُه للشيِّ على الاستواء في جميع أجزائه؛ وذلك أن النار بسبب قوة حرارتها ويبسها تحرق ظاهره بسُرعة فيتكاثَف سطحه، ولا يمكنها أن تغور في عمقه.»١٨

المبحث الثاني: الصينيون

ترتكز فكرة الاحتراق في الفكر العلمي الصيني على أنَّ الأشياء تَقبَل ما هو مُمَاثل لها وترفُض ما هو مُخالف، فإذا تعرَّضَت قطعتان متماثلتان من الخشب للنار فإنَّ النار ستتجنَّب القطعة الرطبة وتُشعِل القطعة الجافَّة. وهذا نوعٌ من التناغُم والتجاوُب بالرنين.١٩

المبحث الثالث: العلماء العرب والمسلمون

فعل الحرق من الناحية اللُّغوية العربية يُفيد معنى احتكاك جسمٍ بآخر مع ظهور حرارة، وهو يقترب من المفهوم الاصطلاحي العلمي، كونه يُشير إلى توليد الحرارة التي يُرافقها لهب؛ فقد ورَدَ في معجم مقاييس اللغة لابن فارس مادة «حَرَقَ»: «الْحَاءُ وَالرَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا حَكُّ الشيْءِ بِالشيْءِ مَعَ حَرَارَةٍ وَالْتِهَابٍ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ. وَالْآخَرُ شَيْءٌ مِنَ الْبَدَنِ. فَالْأَولُ قَوْلُهُمْ حَرَقْتُ الشيْءَ إِذَا بَرَدْتَ وَحَكَكْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: «هُوَ يَحْرُقُ عَلَيْكَ الْأُرَّمَ غَيْظًا» وَذَلِكَ إِذَا حَك أَسْنَانَهُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ. وَالْأُرَّمُ هِيَ الْأَسْنَانُ.»٢٠
أمَّا من الناحية الاصطلاحية العلمية، فقد مَيَّز العُلماء العرب والمُسلمون علميًّا بين مُصطلَحَين هما «الاحتراق» و«الإحراق»؛ إذْ يقول أبو عبد الله الخوارزمي في كتابه (مفاتيح العلوم) فيما يتعلَّق بمصطلح الاحتراق من الناحية الفلكية هو: «أن يكون الكوكب مقارنًا للشمس وبينهما أكثر من دقائق التصميم.»٢١ وقد شَرحَه البيروني بمعنى اختفاء الجِرْم السماوي بسبب نور الشمس كما في كتابه (القانون المسعودي) أنَّ «الكوكب العديم العَرضِ من الكواكب الثابتة، فإذا لحقَتْه الشمس وقارنَتْه كان مُحترقًا، ولكن أصحاب الصناعة قَلَّمَا أوقعوا هذا الاسم على الثوابت من أجل أنَّ احتراق الكوكب هو تشبيه لخفائه في الشُّعاع المُشبَّه باللهيب بالشيء المُدخَل للنار وحصوله مع الشمس وصولًا إلى صميم الجحيم، وما كثُر عرضه في الشمال فغير مُختفٍ بالشعاع.»٢٢
وقد استُخدم مصطلح «الاحتراق» من قِبَل الكيميائيين أيضًا للتعبير عن عملية الحرق إذْ يقول الجلدكي في كتابه (البرهان): «إنَّ في بيان حقيقة المُماثَلة ما تراه من مماثلة الكبريت للنار العنصرية في الحرارة، واليُسر لسرعة قبوله لها واحتراقه بها بخلاف بقية الأدهان، وإن كانت قابلةً للاحتراق بالنار فلا تحترق إلا بالتدريج لمُقارنتها النار بما فيها من الرُّطوبة الزائدة على رطوبة الكبريت مع برودةٍ ما.»٢٣ كما استُخدم مصطلح الإحراق — من الناحية الفيزيائية — ليُعبِّر عن فعل وأثَر النار في الأجسام القابلة للحرق. وقد كانت تَتِم تفسيراتُ بعضِ العلماء العرب والمسلمين لظاهرة الإحراق اعتمادًا على نظرية الكيفيات الأربع السائدة في ذلك الوقت، وتجنَّب بعضُهم الآخر الاعتماد عليها.

أما بخصوص عملية التنفُّس وما يُرافِقها من تغيُّر في طبيعة الهواء وأنها تُشْبِه عملية الاحتراق، فإنَّ الطوسي والجلدكي والإيجي وغيرهم، ميَّزوا بين مفهومَي «الحرارة الغريبة» التي تكون من خارج الجسم، و«الحرارة الغريزية» التي تكون من داخل الجسم الحي. وسنجد لاحقًا أن التميمي وابن سينا قد أدركا هذه الحقيقة وعبَّرا عنها بمصطلحاتِ عصرهما وبطريقةٍ أفضل من اليونانيين.

الإمام جعفر الصادق (القرن ٢ﻫ/٨م)

قد يكون الإمام جعفر الصادق (تُوفِّي ١٤٨ﻫ/٧٦٥م) أوَّل من خرج على نظرية أرسطو في العناصر الأربعة، مُعْتبرًا أنه لا بُدَّ وأن الهواء وبقية العناصر، مُكوَّنة من أجزاءٍ أخرى وليست عناصرَ أساسية كما يقول أرسطو، والجُزيئات التي يتركَّب منها الهواء تحديدًا ضرورية للتنفُّس ولبقاء الحياة والاحتراق.٢٤ ويرى أحدُ الباحثين أنَّ جعفرًا الصادق قام بإجراء تجاربَ قادَتْه للتوصُّل إلى النتيجتَين الآتيتَين:٢٥
  • (١)

    وجود عنصر في الهواء، لم يُسمِّه جعفر، يفوق بأهميته للحياة والتنفُّس العناصر الأخرى المكوِّنة للهواء.

  • (٢)

    هذا العنصر قادر بمرور الوقت على التغيير على الأشياء (من ناحية فسادها وتحلُّلها وتآكُلها) والتأثير فيها.

لكن الدعوى الحماسية التي قدَّمها الباحث أعلاه تفتقر إلى الدليل؛ فهو لم يذكُر لنا في أي كتابٍ عثَر على ذلك، وما هو النص الذي جعلَه يقدِّم دعواه السابقة تلك. نحن نعلم أن الإمام كانت له ميولٌ نحو الكيمياء، ورُبَّما اطلع على كتب ابن خالته خالد بن يزيد الذي كان له اهتمامٌ واسع بالكيمياء القديمة والصنعة، واستقى ثقافته العلمية منها،٢٦ لكننا لا نستطيعُ التأكيد على وجود أية رسالةٍ أو عملٍ علمي قام بتأليفه الإمام جعفر، باستثناء ما يُنسَب إليه.٢٧

جابر بن حيان (القرن ٣ﻫ/٩م)

لم يتقبَّل جابر بن حيان نظرية إنبادوقليس٢٨ وأرسطو في تفسير عملية الاحتراق التي تنال الأجسام، فأدخل عليها بعض التعديل بإعلانه نظرية الزِّئبق والكبريت البديلة، والتي شَرحَها في الكثير من أعماله، مثل كتاب الإيضاح، وكتاب المائة وغيرهما.٢٩ وهي النظرية التي تميَّز بها جابر عن أسلافه الهلينستيين، فالزِّئبق يحوي على عُنصرَي التراب والماء، أمَّا الكبريت فيحوي على النار والهواء، وبذلك بات الزِّئبق والكبريت يحويان على العناصر الأربعة.٣٠
ومفادُ نظرية الزئبق والكبريت الجابرية — كما يُلَخِّصها لنا هولميارد — أنَّ المعادن لها مقوِّمان (دخان أرضي) و(بخار مائي)، وتكثيف هذه الأبخرة في جوف الأرض يُنتِج الكبريت والزئبق، وباجتماعهما تنتُج المعادن، وتنجُم الاختلافات بين المعادن الأساسيَّة بسبب الاختلاف في النِّسَب التي يدخُل بها الكبريت والزئبق في تكوينها؛ ففي الذَّهب تكون نسبة الكبريت إلى الزئبق مُتساوية، وفي النحاس يكون فيه العنصر الأرضي أكثر من الفضة. ونظرًا لوجود مقوِّماتٍ مُشتركة بين المعادن، فإنَّ تحويل بعضها إلى بعضٍ يُصبِح أمرًا مُمْكنًا، وعندما يقوم الكيميائي بهذا التحويل فإنه يؤدِّي خلال وقتٍ قصير، ما تؤدِّيه الطبيعة في وقتٍ طويل؛ ولذلك يُقال: إنَّ الطبيعة تستغرقُ ألف سنةٍ لصناعة الذهب. لكن يجبُ التنبُّه إلى أن جابرًا لم يأخذ نظرية الكبريت والزئبق هذه مأخذًا حرفيًّا ظاهريًّا، وإنما فهمها على أنها صورةٌ تقريبية لما يحدُث (أي تشبيهٌ لما هو غائب بما هو معروف)؛ فهو يعلم تمامًا بأن الزئبق والكبريت العاديَّين إذا تفاعَلا مع بعضهما لن يُنتِجا سوى الزئبق الأحمر، لذلك فإن المقصود بالكبريت والزئبق عنصران افتراضيان تتكوَّن منهما المعادن ويكون الكبريت والزئبق المألوفان أقرب مادتَين إليهما،٣١ وإلى الأفهام بشكلٍ عام.
وهكذا فإنَّ «الزئبق الافتراضي» يُمثِّل العنصر الأصلي في المعادن، والباعث على لمعانها وقابليتها للطرق، أما «الكبريت الافتراضي» فيَدُلُّ على العنصر المُحترِق والملوَّن.٣٢
وانطلاقًا من تحديده لخصائص «الكبريت الافتراضي»، فإن زيادة نسبة الكبريت في المعدن تُكسِبه صلابةً أكثر، ويُصبِح أخفَّ وزنًا، وهشًّا، وأكثر قابليةً للصدأ. أمَّا إذا زادت نسبة «الزئبق الافتراضي» في المعدن فإنه يُصبح أثقل وزنًا، وأكثر ليونةً، وأقل قابليةً للصدأ.٣٣
ويرى هولميارد أنَّ نظرية جابر في الاحتراق تُعَدُّ تَقَدُّمًا واضحًا على النظريات العلمية السابقة لليونانيين، وأصحاب مدرسة الإسكندرية.٣٤ وعلَّق مؤرخ العلوم جورج سارتون على هذه النظرية بقوله: منذ أن شرع المسلمون يتشكَّكون في النظريات الكيميائية القديمة بدأَت مرحلة وصولهم إلى مستوًى عالٍ من التفكير الكيميائي. ومع أنَّ هذه النظريةَ عديمةُ القيمة من الناحية العلمية في كيمياء القرن العشرين، إلا أنَّها تمثِّل إضافةً علمية، وتطويرًا لنظرية العناصر الأربعة، ومُحاولة أخرى لفهم طبيعة المادة، كما تَدُلُّ بشكلٍ واضح على معرفة جابر بن حيان، والكيميائيين المسلمين من بعده، لخصائص وصفات المعادن من ناحية الصلابة والليونة، ومن ناحية قابليتها للصدأ أو مُقاومتها له، كما تُشير إلى نضجٍ رائد في التفكير العلمي والتجريبي. والدلالة على قوة نظرية جابر هو انتشارُها والاعتمادُ عليها حتى القرن ١٨م.٣٥
والواقع أنَّ سبب اختيار جابر لهذَين العنصرَين بالتحديد دون غيرهما ليكونا ركيزةَ نظريته، هو استخراج معظم المواد المعروفة في عصره من كبريتيداتها عن طريق التحميص (الشيِّ)؛ حيث كان غاز الكبريت ينطلق أثناء عملية التعدين. ونظرًا لوجود الزئبق مُلغمًا مع أكثر العناصر المعروفة أيضًا، فهو يتحد ببعضها كيميائيًّا عن طريق تكوُّن آصرةٍ معدنية، فيُغيِّر من خصائص المعادن نفسها، ويُظهِرها بمظهرٍ آخر. وقد تحدَّث جابر نفسه عن ذلك في كتابه (الخواص الكبير).٣٦
ناقش جابر أيضًا في رسالة «كتاب الإحراق» كيفية تأثير النار الخارجية على عمليتَي التكليس والتصعيد، وكيف تقوم النار هنا بدور المُخَلِّص للمواد من خلال حرقها للشوائب، فقال: «واعلم أنَّ هذا الحرق يا أخي في علم الصنعة لا بد منه — وحق سيدي — في كل شيء حتمًا ضرورةً منها في الجوانيات والبرانيات، وأنه مخصوصٌ به الأجساد؛ لأنَّ الإحراق ابتداء التكليس، والتكليس لا يكون إلا للأجساد، وقد تقدَّم القولُ في كتاب الإحراق من هذه الكتب إنَّ الإحراق يكون حسيًّا وعقليًّا، وإنَّ ما كان منه حسيًّا فهو إحراق الجسد، وما كان عقليًّا فهو إحراق النفس، غير [أن] ابتداء التكليس يا أخي ليس هو تكليسها، فاعلم ذلك. والنفوس والأرواح لا تحتمل التكليس إذ إن التكليس لا يكون إلا بشدة النار، والأرواح لا تحتمل شدة النار لأنها نافرةٌ عنها هاربةٌ منها، ولأنَّ التكليس أيضًا إنما يُراد به إفسادُ أوساخ الأجساد وإحراقُها كلها ليطهُر ويُنقَّى خاليًا صافيًا. والروح ليس فيها مثل علَّة الجسد، وإنما احتاجت إلى ابتداء التكليس ليكون إذا فُعل بها ما يجري مجرى التكليس للجسد.»٣٧ ويقصد جابر هنا بالأجساد المعادن السبعة (الفضة والذهب والنحاس والحديد والأسرب والرَّصاص والخارصين)٣٨ التي تثبُت عند مُعالجتها بالنار، وتمتاز بأنها مُنطرِقة، أمَّا الأرواح فهي المواد غير الثابتة في النَّار؛ أي التي تتطاير أو تتسامى لدى تعرُّضها للحرارة، مثل الزاج الأزرق والأسود والشب والنشادر والكبريت والزئبق والزرنيخ.٣٩

إبراهيم النظَّام (القرن ٣ﻫ/٩م)

فسَّر النظَّام عملية الاحتراق انطلاقًا من نظريته في الكمون٤٠ التي جاء بها، وأن الجسم ينجذب لمثيله. مثلًا العود الذي يحترق فإنَّ النار الكامنة فيه تقوى وتشتد بالنَّار التي تأتيه من الخارج. وبذلك فإنَّ التوازن الكائن بين مكوِّناته من ماء وخشب وطعم ولون يبدأ بالانهيار، وهنا يحدُث ما يأتي:٤١
  • البرودة المحسوسة الموجودة في العود تنجذب إلى الأرض أو الهواء حيث مستقرها الدائم.

  • الحرارة الكامنة التي لم نكن نشعر بها تُثيرها النَّارُ الخارجية وتُحرِّرها؛ لكن هذا لا يعني أن البرودة هي التي منعَتْها طيلة ذلك الوقت، إنما منعَها اتحادُ كل العناصر الأخرى من الظهور.

أي إنَّ ما يُساعد على احتراق المواد هو وجود النار الكامنة بداخلها التي تتحد مع النار الخارجية وبذلك تتم عملية الاحتراق، وهو لا يُشير هنا إلى أي دَورٍ للهواء كوسيط في هذه العملية. والتفسير نفسه ينطبق على الأشعة الحرارية المُحرقة للشمس؛ فهي تعمل على إخراج النيران الكامنة في الأجسام القابلة للاحتراق، طبعًا ولا تفعل في الأجسام غير القابلة للاحتراق؛ نظرًا لوجودِ موانعَ تمنعُها من القيام بعملها، لكن لدى زوال الموانع فإنها ستَحترِق.

قال الجاحظ نقلًا عن النظَّام: «وكان أبو إسحاق يزعُمُ أنَّ احتراق الثوب، والحَطَب، والقطن إنما هو خروجُ نيرانه منه وهذا هو تأويل الاحتراق، وليس أنَّ نارًا جاءت من مكانٍ فعَمِلَت في الحطب، ولكن النَّار الكامنة في الحطَب لم تكن تقوى على نفي ضِدِّها عنها، فَلَمَّا اتصلت بنارٍ أخرى واستمدَّت منها قوِيَتَا جميعًا على نَفْي ذلك المانع، فلما زال المانِعُ ظهَرَت فعند ظهورها تجزَّأ الحطبُ وتجفَّفَ وتهافتَ لمكان عملها فيه، فإحراقك للشيء إنما هو إخراجك نيرانه منه. وكان يزعُم أنَّ حرارة الشمس إنما تُحرقُ في هذا العالم بإخراج نيرانها منه، وهي لا تُحرق ما عقد العَرض وكَثفَ تلك النَّداوة؛ لأنَّ التي عقدَت تلك الأجزاء من الحر أجناسٌ لا تحترق كاللون والطعم والرائحة والصوت، والاحتراقُ إنما هو ظهورُ النار عند زوال مانِعها فقط.»٤٢

أبو بكر الرازي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

أدرك أبو بكر الرَّازي ضرورة وجود الهواء الجوي كوسيطٍ فعَّال في عملية الاحتراق، وقد استدلَّ على ذلك من ظاهرة ضرب الحَجَر بالحديد، وتطايُر الشرر بينهما الذي يُولِّد النار، طبعًا دون أن يحترق كلٌّ من الحجر أو الحديد. قال أبو بكر الرَّازي إنَّ: «حدوث النار في الهواء من ضرب الحَجَر على الحديد إنما يكون لأنَّ الحَجَر والحديد يُصيِّران الهواء أكثر تخلخلًا مما كان عليه حتى يُصبح نارًا.»٤٣ وما حدث هو تفكُّك بنية الهواء الكائن بين الحَجَر والحديد نفسها «وقال: إنَّ ما صار من أجزاء الهيولى مُتجمعًا جدًّا كان منه جوهر الأرض، وما صار أكثر تفرُّقًا من [جوهر الأرض] كان منه جوهر الماء، ثم إنَّ ما صار أكثر تفرُّقًا من [جوهر الماء] كان منه جوهر الهواء، وما صار أكثر تفرُّقًا من جوهر الهواء كان منه جوهر النار. وقال: إن ما صار من الماء أكثر تجمُّعًا مما هو عليه تحوَّل أرضًا، وما صار منه أكثر تفرُّقًا مما عليه جوهره تحوَّل هواء، وكذلك ما صار من جوهر الهواء أكثر تجمُّعًا مما هو عليه تحوَّل ماء، ما صار منه أكثر تفرُّقًا مما هو عليه تحوَّل نارًا. ومن أجل ذلك تظهَر النار عند ضرب الحَجَر بالحديد لأنَّ الهواء الذي يكون بينهما يتفرَّق ويتمزَّق. ويتوهَّم الجاهل أنَّ النار تظهر من الحَجَر والحديد أنفسهما، ولو كان كذلك لحوَّلَت النار الحَجَر والحديد حارَّين مُضيئَين مثلها؛ لأن من خاصية النار أن تُحوِّل إلى حالها كل ما يتصل بها.»٤٤

الهمداني (القرن ٤ﻫ/١٠م)

قد يكون ابن الحائك الهمداني أوَّل عالمٍ عربي يُقدِّم لنا دليلًا تجريبيًّا علميًّا على وجود علاقة بين الهواء الجوي وعملية الاحتراق. لكنه قبل ذلك قام بإجراء تصنيفٍ للمواد حسب قابليتها للاحتراق، وهو تصنيفٌ مُختصرٌ عن تصنيف أرسطو؛ فقد قسَّم المواد إلى قابلةٍ للاحتراق (مثل القطن والحطب والنفط)، وغيرِ قابلةٍ للاحتراق (مثل الحجر)، ويُفسِّر ذلك تفسيرًا جُزيئيًّا منطقيًّا، فالرَّوابط والذرات بين هذَين النوعَين مختلفة.

قال الهمداني: «ثم تفعل الطبيعة كل واحدٍ منها على قَدْر الانفراد فعلًا من الأفعال في كُلية الأركان، وفي أجزائها، ويقبلُ كل رُكن وكل جُزء من أجزائه قوى طبائعها قبولًا مُختلفًا، على قَدْر ما في طبيعة كل ركنٍ وكل جزءٍ من تلك الطبيعة من القبول، كجميع ما يقبل النار، فإنه مُتفاضل في القبول على قَدْر ما فيه من أجزاء النار كالحُرَّاق٤٥ يقبل القادِحَة التي لا يقبلُها غيره، والكرة التي تقبل داخل الزند، ثم الكُرسْفة٤٦ التي تقبل شُعل السِّراج عن بُعد من محاذاته، والكبريت والنفط، ثم بعد ذلك الحَلْفا٤٧ واليَراع٤٨ والسختُ٤٩ من الحطَب، ثم الجَزْلُ٥٠ حتى يبلغ الدَّوْحَ،٥١ وكذلك أشياءُ أخرى لا تقبل النار قَبول الحطب؛ إذْ ليس فيها من أجزاء ما فيه، ولكن قَبول صدفة، كالحجرة التي تصير نَورةً٥٢ والحَجَر الذي يصيرُ حديدًا، والحديد الذي يصير أُسْرُبًا٥٣ ومَرتكًا٥٤ وفضَّة، والطين الذي يَصِيرُ فخَّارًا، وآخر يصير حجرًا مثل الآجُرِّ المُحترِق. ويقبل الماء النار عن حاجز وتقبل النار الهواء وتقوى به لاتصالها، ولا تبقى في موضع لا هواء فيه».٥٥
وقد أكَّد على مُلاحظته الأخيرة بقوله: «وتقبل النَّار الهواء وتقوى به لاتصالها ولا تبقى في موضع لا هواء فيه» في كتاب «الإكليل»٥٦ في باب القبوريات، وذلك عندما انتقَد خبر رجلَين دخلا مغارةً وأمضيا فيها وقتًا طويلًا، وهما يحملان شمعةً يستدلَّان بها على الطريق المتعرِّجة العميقة وقال: «هذا الحديث فيه زيادة لا تُمكِن؛ لأنهم ذكروا المسلك في المغارة ثم دخولهم منها إلى هوَّة وأبيات، فقل به النسيم، ويعجز بها التنفس، ويموت فيها السِّراج، ومن طباع النفس وطباع السِّراج أن يحيا ما اتصل بالنسيم، فإذا انقطع في مثل هذه المغارات العميقة، والخروق المستطيلة، لا يثبُت فيها روح ولا سراج.»٥٧
figure
أراد الهمداني أن يُقدِّم دليلًا تجريبيًّا على أن الهواء يقوم بدَورٍ مهم في عملية الاحتراق، فافترض إشعال سراجٍ بفتيلٍ جديد، ثم وضع وعاءً مقلوبًا عليه، بحيث يكون فم الوعاء للأسفل ومُغلقًا بإحكام من أسفله فلا يُمرِّر أي نسمة هواء للداخل، عندها لن يستمر السراج بالاشتعال طويلًا، وإنما سينطفئ. هذه التجربة سبق بها أعضاء الجمعية الملكية البريطانية (الفيزيائيان روبرت بويل وروبرت هوك والطبيب ريتشارد لوير R. Lower (١٦٣١–١٦٩١م)) بأكثر من ٧٠٠ سنة، عندما أجرَوْا تجاربهم على شمعة وفأر؛ حيث انطفأَت الشمعة ونفق الفأر. (مصدر الشكل: من رسم المؤلف.)
ثم يطرح أمثلةً واقعية أخرى حدثَت مع أشخاص لم يعرفوا كيف يُفسِّرون انطفاء السراج، فنَسَبوا السبب إلى الجن: «ومن ذلك خَرقُ قلعة ضهر وهو مستطيل جدًّا، ويقول الناس: فيه مالٌ عظيم، وقد دخلَه جماعةٌ بالمصابيح والشمع أحدهم أبو محجن بن طريق غلام آل يعفر وكان أميرًا يطلب ما فيه من ضنين، فلمَّا تغلغَلوا حصُرَت السرج في موضع انقطاع النسيم، ثم طُفئَت، وأُخذ حاملُها بالكظم فنكصوا، وهم يرون أنَّ الجن أطفأَت السرج وليس كذلك. ولعل هذا الخَرْق لا شيء فيه، وإذا بلغَت السُّرُج موضع انقطاع النسيم تنشَّطَت السرج لأن النار لاحقة للهواء؛ إذْ هو مجانس لعنصرها، والدليل على ذلك: أنك لو أخذتَ سراجًا وملأته زيتًا صافيًا أو سَليطًا،٥٨ وصيَّرت فيه ذُبالة٥٩ جديدة، وألقيتَ على ظهرٍ مستوي السطح، ثم قلبت على السراج مكبًّا لا خلل فيه، وطينت على ما يتخلل من النسيم من بين خروقها ووجه السطح، لمات السراج مكبًا إذا انقطع عنه النسيم».٦٠
ثم يقدِّم الهمداني دليلًا عمليًّا إضافيًّا لضرورة وجود الهواء من أجل عملية الاحتراق: «ومن ذلك أن التنُّور تُسجَر٦١ للهريس والفرني والمشوي من الحملان والجدار ويكثُر جمرها، فإذا خُتِمَ عليها طُفئَت بالنار، ورجع الجمر فحمًا، ولم يبقَ النضج إلا بالتهر،٦٢ فإذا فتَحتَ لم تجد نارًا، ولم تجد إلا حرارة التهر الواصلة من الجدار وأسفل التنور.»٦٣
figure
الصفحات التي وردَت فيها أفكار الهمداني في الاحتراق. (مصدر الصورة: الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الإكليل، ج٨، مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون، رقم (oct382)، ص٦١–٦٢.)

وبذلك فإنَّ الهمداني برهن بشكلٍ قاطع على وجود علاقة الهواء الجوي باحتراق الأجسام، قبل ظهور أي نظريةٍ مماثلة في أوروبا بنحو ستة قرون.

الفارابي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

خاصية قابلية الاحتراق في الأجسام ناقشها الفارابي، وأكد على ضرورة توفُّر هذه الخاصية حتى تتم عملية الاحتراق، وإلا فإنَّها لن تحدث، وقد قال في ذلك: «قد يُظن بالأفعال والآثار الطبيعية أنها ضرورية كالإحراق في النار والترطيب في الماء والتبريد في الثلج، وليس الأمر كذلك. لكنها مُمْكِنة على الأكثر؛ لأجل أنَّ الفعل إنما يحصُل باجتماع معنيَين؛ أحدهما تهيُّؤ الفاعل للتأثير، والآخر تهيُّؤ المنفعل للقبول، فحيثما لم يجتمع هذان المعنيان لم يحصل فعل ولا أثَرٌ البتة، كما أنَّ النار، وإن كانت مُحرقة، فإنها متى ما لم تجد قابلًا متهيِّئًا للاحتراق لم يحصُل الاحتراق، وكذلك الأمر في سائر ما أشبهَهُما، وكُلما كان التهيُّؤ في الفاعل والقابل جميعًا أتمَّ كان الفعل أكمل. ولولا ما يَعرِض من التمنُّع في المنفعل لكانت الأفعال والآثار الطبيعية ضرورية.»٦٤

التميمي المقدسي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

لاحظ محمد التميمي تشابهًا كبيرًا بين عملية احتراق الأجسام وعملية التنفُّس، وقد حاول أن يشرح آلية التنفس التي تحدث عند الإنسان والأساسية لحياته؛ ففي الشهيق تُدخِل الرئة هواءً باردًا وفي الزفير تَطْرح هواءً ساخنًا ناجمًا عن احتراق من نوعٍ ما أشبه بالنار التي تستمد وجودها من الهواء الجوي وتطرح أبخرة وأدخنة، وإذا بلغَت نسبة هذه الأبخرة والأدخنة في الجسم أكثر من قدرة الرِّئة على الطرح حدَث الاختناق والموت، مثلها في ذلك مثل الحطب المُتراكم على النار الضعيفة غير المُطفأة، فهي تَعسُّ عسيسًا ويصدُر لها دخانٌ أكثر من شعلة النَّار؛ قال التميمي: إنَّ «حياة الإنسان وبقاؤه في هذا العالم بالتنفُّس الكائن عند حركة الرئة الدائمة الترويح على القلب بإخراجها عنه هواءً حارًّا وإدخالها إليه بالتنفُّس هواءً باردًا تحيا به الحرارة الغريزية كحياة النار بالهواء، فإذا استحال برد الهواء الذي يُستنشق بما يتصَعَّد إليه من تلك الأبخرة فصار دخانيًّا فاسدًا أشد حرًّا مما تُخرِجه الرِّئة عن القلب بالتنفُّس ودام جذبُها إياه ساعةً أطفأ الحرارة الغريزية التي مسكنُها القلب وأماتها، كالذي يفعل حَرُّ الشمس بالنار الموقَدة من إضعاف قوَّتها وإماتتها عند ركود الرياح، وكالذي يفعلُه الحطب المتراكم على النار الضعيفة من إطفائها.»٦٥

إخوان الصفا (القرن ٤ﻫ/١٠م)

أدرك إخوان الصفا وجود علاقة بين اشتعال السراج والهواء، وقد استَدَلُّوا على هذه العلاقة بما يتعرَّض له عُمال المناجم والمنقِّبون عن المعادن.

قال إخوان الصفا: «وأمَّا سطح كرة النَّسيم مِمَّا يلي الأرض فتَبيَّن أنه مُتدَاخِلُ الأجزاء أيضًا إلى عُمق الأرض، بحسب تخلخُل الأجزاء الأرضية إلى نهايةٍ ما، ثم يقف ولا يدخل إلى أكثر من ذلك. ومن الدليل على ذلك ما يَعرِض لحافري المعادن إلى أسفل حتى إنهم ربما يحتاجون لترويح النسيم هناك بالمنافيخ والأنابيب، ليستنشقوا النسيم وتُضيء سُرجهم هناك، فمتى انقطع النسيم لعارضٍ طُفئَت سُرُجهم واختنق من كان في المعادن فمات، ولا يُمكن أن يكون في المواضع التي لا يخترقها النَّسيم حيواناتٌ كما بيَّنَّا في رسالة الحيوان.»٦٦

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

انطلاقًا من خبرته في الطب والطبيعيات، حاول ابن سينا أن يفسِّر عملية التنفس التي تحدُث عند الإنسان، مُعتبرًا أنَّ الهواء الجوي يقوم بدورٍ رئيس فيها. وقد كان شرح ابن سينا للعملية مُفصَّلًا أكثر من التميمي، من الناحية الفيزيولوجية، إلا أنَّ التميمي تشبيهاتُه تُقرِّب الفهم أكثر.

عملية التنفس عند ابن سينا تتم بحركتَين ووقفتَين تشبه في ذلك النبض، إلا أنها تختلف عن النبض بكونها حركةً إرادية في حين أنَّ النبض ليس كذلك. وقد حدَّد الهدف من عملية التنفس هو تزويد الرئة بالهواء البارد لتُزوِّد به القلب الذي يُجري عملية مُبادلةٍ معه فيطرح البخار الدخاني إلى الرئة ليخرج مع الزفير؛ قال ابن سينا: «يتم [التنفُّس] بحركتَين ووقفتَين بينهما على مثالِ ما عليه الأمر في النبض، إلا أنَّ حركة التنفس إرادية يمكن أن تُغيَّر بالإرادة عن مجراه الطبيعي، والنبض الطبيعي صرف، والغرض في التنفُّس أن يملأ الرِّئة نسيمًا باردًا حتى يعج النبضات القلبية، فلا يزال القلب يأخذ منه الهواء البارد، ويردُّ إليه البخار الدخاني إلى أن يَعرِض لذلك المستنشق أمران؛ أحدهما استحالته عن برده ما يُجاوره، وما يُخالطه، واستحالتُه عن صفاته بمخالطة البخار الدخاني له، فحينئذٍ يزول عنه المعنى الذي يصلُح لاستمداد النبض منه، فيحتاج إلى إخراجه والاستدلال منه.»٦٧

ويبدو أنَّ ابن سينا قد لاحظ بأن الهواء الداخل للرئتَين يختلف عن الهواء الخارج من الرئتَين، وذلك لدى دراسته مفهوم الشهيق (الترويح) والزفير (التنقية)، حيث إن كلًّا منهما يُسهِمان بتعديل المزاج لدى ارتفاع الحرارة إضافةً للتخلُّص من الهواء الفاسد.

قال ابن سينا: «الهواء عنصرٌ لأبداننا وأرواحنا، ومع أنَّه عنصر لأبداننا وأرواحنا فهو مدَد يصل إلى أرواحنا ويكون علَّة إصلاحها لا كالعنصر فقط لكن كالفاعل؛ أعني المعدَّل. وقد بيَّنَّا ما نعني بالروح فيما سلف، ولسنا نعني به ما تسميه الحكماء النفس. وهذا التعديل الذي يصدُر عن الهواء في أرواحنا يتعلق بفعلَين هما الترويح والتنقية، والترويح هو تعديلُ مزاج الروح الحار إذا أفرط بالاحتقان في الأكثر وتغيره، وأعني بالتعديلِ التعديلَ الإضافي الذي عَلِمتَه وهذا التعديل يُفيده الاستنشاقُ من الرئة ومن منافس النبض المتصلة بالشرايين. والهواء الذي يُحيط بأبداننا باردٌ جدًّا بالقياس إلى مزاج الروح الغريزي، فضلًا عن المزاج الحادث بالاحتقان، فإذا وصل إليه صدَمه الهواء وخالطَه ومنَعه عن الاستحالة إلى النَّارية والاحتقانية المؤدية إلى سوء مزاجٍ يزول به عن الاستعداد لقبول التأثُّر النفساني فيه الذي هو سببُ الحياة، وإلى تحلُّل نفس جوهره البخاري الرطب. وأمَّا التنقية فهي باستصحابه عند ردِّ النفَس ما تُسلِّمه إليه القوةُ المميزة من البخار الدخاني الذي نسبتُه إلى الروح نسبة الخلط الفضلي إلى البدن. والتعديل هو بوُرُود الهواء على الروح عند الاستنشاق والتنقية بصدوره عنه عند رد النفس؛ وذلك لأن الهواء المستنشَق إنما يحتاج إليه في تعديله أول وروده أن يكون باردًا بالفعل، فإذا استحال إلى كيفية الروح بالتسخين لطول مُكثه بطلَت فائدتُه فاستُغني عنه. واحتيج إلى هواءٍ جديد يدخُل ويقوم مقامه فاحتيج ضرورةً إلى إخراجه لإخلاء المكان لمعاقبة، ولتندفع معه فضولُ جوهر الروح، والهواء ما دام معتدلًا وصافيًا ليس يُخالِطه جوهرٌ غريب منافٍ لمزاج الروح فهو فاعل للصحة وحافظ لها، فإذا تغيَّر فعَل ضد فِعله.»٦٨

ابن حزم الأندلسي (القرن ٥ﻫ/١١م)

لا يشترط ابن حزم الأندلسي أن تكون النَّارُ حاملةً للحرارة بشكلٍ دائم؛ إذْ يمكن أن تُوجَد نارٌ دون أن تكون لها القدرة على الإحراق، كما أنه لا يشترط أن كلَّ ما هو أحمر أن له قدرةً على الإحراق أيضًا، ثم يُحدِّد صفة الجسم الذي يُمكِنه القيام بإحراق غيره من الأجسام بأنه كل عنصرٍ مادي بسيط غير مركَّب جافٍّ يُمكِنه الصعود للأعلى ومضيء وطارد للرُّطوبات يتحول إلى غاز كالهواء الجوي في الوقت نفسه. وهذه الشروط يفرِضُها التفكير المنطقي وما نراه في عملية الاحتراق.

قال ابن حزم الأندلسي: «ونجد النار مضيئةً حمراء حارَّة، فمن قال إن الضياء علَّة الإحراق أريناه أشياءَ مضيئة كالمرايا وغيرها وهي غيرُ مُحرِقة، ومن قال الحمرة علَّة الإحراق أريناه الدمَ غيرَ مُحرِق، ومن قال الحرارة علَّة الإحراق أريناه أشياء تحرُّ الجسم ولا تُحرِق، فوجب ضرورةً ألا يكون شيءٌ مما ذكرناه علة — وهي صفاتٌ مطردة كما ترى — لكن كل عنصرٍ بسيط حارٍّ يابس صعَّاد مضيء مصعد للرطوبات قد يسفل بالقهر ويستحيل هواءً فهو مُحرِقٌ بلا شك؛ لأنَّ طبيعة العقل تقتضي ذلك، ومن سلك الطريق التي نهينا عنها لم يَسلَم من حَيْرة أو تناقُض أو تحكٌّم بلا دليل.»٦٩ ونتلمَّس من كلامه اعتمادَه على نظرية أرسطو في العناصر، لكنه حاول أن يستدلَّ على وجود حالاتٍ قد تُخالِف ذلك المنطق العام في التفكير.

ابن متويه (القرن ٥ﻫ/١١م)

يحُسب ابن متويه على تيار المتكلِّمين الذين أوجدوا مصطلحاتهم الخاصة مقابل المصطلحات التي وضَعَها الفلاسفة والعلماء في محاولةٍ منهم لاستخدام الفلسفة والعلم في الدفاع عن الدين؛ فمُصْطلَح «الاعتماد» الذي يَرِد كثيرًا في كُتبهم يُقابله مصطلح «الميل» عند الفلاسفة، وهو يعني لدى كل منهما: القوة الخفية التي لا يُعرف سببُها، أو السعي والانحدار.٧٠ وقد استخدَم هذا المعنى في محاولته لتفسير ظاهرة الاحتراق، مُضيفًا بذلك عنصرًا جديدًا هو ارتباط الحرارة بجهة الاحتراق؛ فالاحتراق يكون أشدَّ كلما كانت الحرارة تتجه نحو مكانٍ محدد، كما أن قُرب وبُعد النار يؤثِّر على شدة الاحتراق.
قال ابن متويه: «فأمَّا إحراق النار فهو لأجل ما تختص به من الاعتماد دون الحرارة، لأن الحرارة لا جهة لها، فكيف تُولد في غير محلها، والإحراق يحصل في غير محل الحرارة؟ وبعدُ، فإن الإحراق يحصُل بحسب الجهات التي يحصُل فيها اعتماد النار، والحرارة حالها مع الجهات سواء، فيجبُ أن ينصرف التوليد إليه دونها، وبين هذا أن قوة الحريق تقف على ما يحصُل فيها من الاعتمادات، فإذا قرَّب النارَ أحدُنا من موضع واعتمد عليها، كان الإحراق أقوى. وبعد، فالإحراق تفريقٌ مخصوص وهو مقدور لنا، فلو ولَّدَتْه الحرارة لقدرنا عليها لأن للقادر على المسبَّب قادر على سببه.»٧١

وجود الهواء الجوي كوسيط في عملية الاحتراق الذي أكَّد عليه أبو بكر الرازي والهمداني ليس شرطًا عند ابن متويه، فالعنصر الرئيس في العملية هو الاعتماد، فهو الذي يسبِّب تفرُّق أجزاء المادة بغَض النظَر عن وجود الهواء أو عدمه. ويُقدِّم دليله على صحة كلامه في الثوب الذي يُوضَع على سطح صقيل مثل مرآةٍ فإنه لا يحترق، مع أنَّ للمرآة خاصيةَ عكس الأشعة الحارة للشمس، والإحراق ليس بسبب عدم تخلُّله الهواء، وإنما لأنَّ صقالة السطح هي التي تمنَع النار من القيام بفعلها، ثم يُحاوِل أن يفسِّر التجربة التي تكلَّم عنها الهمداني بشكلٍ معمَّم أكثر على ظاهراتٍ أخرى مثل عدم اشتعال النار في بئر أو موت الإنسان إن قُطِع عنه الهواء الجوي؛ فإن السبب يعود برأيه إلى كثافة الهواء العالية التي تشكِّل ثقلًا ضاغطًا يمنع المصباح والنار من الاستمرار بالاشتعال وبقاء الحياة. وهذه مُخالفةٌ صريحة للهمداني ودور الهواء الجوي كعنصرٍ مهم في عملية الاحتراق، ولا نجد في هذه المُخالفة مبررًا سوى التمسُّك بفكرة الاعتماد والدفاع عنها وإن كان بتفسيراتٍ خاطئة.

قال ابن متويه: «ولا يقف إحراق النار لما تُحرِقه على هواءٍ يتخلل بين النار وبين ما يحترق بها، ولا أن تقف حركتها على الهواء، على ما قال الأوائل؛ فإنَّ الاعتماد هو الذي يولِّد التفريق، [سواء] كان هناك هواء أو لم يكن، فأمَّا الثوب إذا وُضِع على الصقيل كالمرآة وغيرها فلا يحترق لا لأن الهواء لا يتخلَّله؛ فإنه لو وُضِع على خشبٍ لاحتَرق ولا هواء يتخلَّله، وإنما الصقالة تمنع من تخلُّل النار فيه، وأمَّا امتناع اشتعالُ النار في البئر وامتناع اشتعال المصباح إذا وضَعتَ عليه ما يمنع الهواء، وامتناع بقاء الحياة في المرء إذا مُنِع من النفس فإن كثافة هواء البئر تُطفِئ السراج كما يُطفَأ إذا دُسَّ تحت الرمل، وإذا وُضِع عليه جبٌّ أو غيره لم يجد منفذًا فيتراجع.»٧٢

مؤيد الدين الطغرائي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

قسَّم الطغرائي الآثار النَّاجمة عن النار إلى ستة أقسام؛ الثلاثة الأولى منها تشترك فيها حرارة الشمس بالتأثير، وهي تُشكيل المعادن والنبات والحيوان؛ أمَّا الحرارة التي قامت بدَورٍ في تشكيلِ الإنسان وتحضيرِ غذاء النبات المُساعد على نُموِّه والحرارة التي تُحوِّل الغذاء إلى موادَّ يستفيد منها جسم الكائن الحيواني فإنَّ حرارة النار تَنفرِد بذلك. ولا يمكن لأي حرارة من الحرارات السابقة أن تحلَّ محل الأخرى للمساعدة في القيام بالوظائف المناسبة.

والطغرائي هنا يُقدم لنا وجهةَ نظر علميةً مُتقدِّمة ترتكز على خلفيته الكيميائية وليس الفلسفية؛ فهو يعلم أن معالجة أية مادة تتطلَّب مقاديرَ محدَّدة من الحرارة لإتمام العمل عليها.

قال الطغرائي: «اعلم أنَّ النار عبارة عن الحرارة التي يُدبِّر الله بها عالم التركيب وولَّد بها المواليد؛ فكل حرارة لم تكن مشابهة للحرارة التي بها تُدبَّر المركَّبات لم يحصُل بها صلاحٌ أبدًا، و[تُقسَّم] تلك الحرارة ستة أقسام:
  • القسم الأول: الحرارة التي دَبَّر الله بها المركَّب المعدني حتى صار معدنيًّا وهي حرارة طبخ المعدن.
  • الثاني: الحرارة التي دبَّر الله بها تركيب النبات حتى صار نباتًا وهي حرارة طبخ النبات.
  • الثالث: الحرارة التي دبَّر الله بها المركَّب الحيواني حتى صار حيوانًا.
  • الرابع: الحرارة التي دبَّر الله بها المركَّب الإنساني حتى صار إنسانًا وهي الحرارة الطابخة لتدبير تركيب الإنسان حتى صار إنسانًا.
  • فأمَّا الخامس: الحرارة الطابخة لغذاء المركَّب النباتي حتى حصل النمو والزيادة في الطول والعَرْض والعُمق، وبذلك يُتصوَّر سبب صيرورة الحبة من البُرِّ بعد صغرها في مقدارٍ من العظم، وما ذاك إلا بسبب بعد صغرها في مقدار من العظم، وما ذاك إلا بسبب التغذية التي تلتصق بها وتستحيل إلى نوعها وتُسَمَّى بالحرارة الطابخة للغذاء النباتي.
  • السادس: الحرارة الطابخة للأغذية في أجوفة الحيوان إلى [أن] تصير تلك الأغذية مشابهةً لجسد ذلك الحيوان وجزءًا منه؛ فهذه أقسام النار التي فيها أسرار الحكمة، وبها يكون الصلاح في العالم ويشترك ويعُم الأقسامَ الثلاثةَ الأُوَل حرارةُ الشمس؛ فإنَّ لها دخلًا في طبخ المعدن، وكذا في طبخ النبات وطبخ غذائه. وكل واحد من هذه الأقسام صنفٌ يُخالِف الأخرى بحيث لو دُبِّر بحرارة أحدها الآخر لما تمَّ تركيبه لعدم [توفُّر] القسط الذي يحتاجه من الحرارة الملائمة.»٧٣

ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)

استعرض ابن باجة آراء أرسطو في منشأ الحرارة في الأجسام الحيَّة التي تتنفَّس؛ حيث إن الحرارة الموجودة هي التي تُسهِم في بناء الأجسام من خلال تحويل الغذاء، ولا يمكن للبرودة فعل ذلك. ولكنه لا يعزي أيَّ دَور للهواء الجوي في عملية التنفس وإصدار الحرارة؛ لذلك فإننا نجد بونًا شاسعًا بين تفسير أرسطو وابن باجة لعملية التنفس، وبين تفسير كلٍّ من التميمي وابن سينا؛ إذْ نجد أنَّ الأخيرَين قد قدَّما شرحًا علميًّا أكثر قربًا للحقيقة والواقع من التفسير الأرسطي وأتباعه القائم على مبدأ القوة والفعل.

قال ابن باجة: «فأمَّا الأجسام المُتنفسة ففي كلها قوة مكوِّنة، وهي في الجملة التي تكوِّن من الغذاء بالقوة جسمًا شبيهًا بما هي فيه، فيكون ضرورة ذلك الجسم المُتنفِّس في وجودها الذي يخصُّها معنًى به تُحرَّك إلى الوجود الذي يخصُّها. وهذه ومنها رئيسة في ذلك الجسد، وهي التي [في جزء منها] هو مبدأ لذلك الجسم كالقلب في الحيوان، ومنها خادمةٌ جزئية وهي في عضو عضو؛ فإنَّ صورة العظم فيه قوة تحمل الغذاء بالقوة فتصير عظمًا بالفعل، وكذلك في اللحم وكذلك في سائرها. والذي في المبدأ يصير من الغذاء الذي هو ذلك الموجود، وقد لَخَّص ذلك في غير هذا الموضع. وبيَّن أنَّ الجسم الذي له مثل هذه الصورة مركَّب من الأسطقسات، وأنه مركَّب من الأرض والماء، وأنَّ المركَّب كما تبيَّن إنما يمتزج أولًا بأن يتحرَّك أجزاؤه في المكان فيدنو بعضها من بعض، ثم بعد ذلك يستحيل كل واحدٍ منهما على الوجه الذي تبيَّن في الأُولى من كتاب الكون والفساد. وذلك لا يمكن بالبرودة وإنما يكون بالحرارة. وهذه الحرارة هي آلة النفس وهي التي تُدعى الحرارة الغريزية النفسانية، وقد لخَّص القول فيها في السابعة عشرة من كتاب الحيوان؛ فالحار الغريزي هو آلة هذه النفس؛ فالنفس الغاذية تُحرِّك أولًا الحارَّ الغريزي وهو المُتحرِّك من تلقائه، وتحرَّك بالحار الغريزي الغذاء؛ فإنَّ ما لا يتحرك لا يمكن أن يحرِّك ما ليس هو فيه إلا أن يُحرَّك أولًا بجسم هو فيه حسبما تبيَّن في الثامنة من السماع.، وهذه القوة تحرِّك مثل هذه الحركة، وتُصيِّر ما هو بالقوة المعنى الذي هو فيه إلى أن يكون مثلَه بالفعل.»٧٤

ابن ملكا البغدادي (القرن ٦ﻫ/١٢م)

حاول أبو البركات أن يُميِّز بين مفهومَي الطبخ والإحراق؛ ففي عملية الطبخ يتسخَّن الجسم بشكلٍ غير مباشر بوساطة وجود الماء الذي يتسخَّن، ثم يمارس تأثيره على المادة المطبوخة بأن تتفكَّك مُكوِّناتُها وتبقى في الماء. أمَّا الإحراق أو الشي فهو تعرُّض الجسم مباشرةً للنار وتفرُّق مُكوِّناته في الهواء. ومع دقة الملاحظة في هذا التمييز إلا أنه لم يقدِّم لنا رأيه في سبب عملية الإحراق نفسها أو العوامل الداخلة فيها.

قال ابن ملكا: «الطبخ هو تسلُّط الحرارة على أجزاء المطبوخ في الماء دون الهواء؛ لأنَّ الماء يمنع إحراقَ النار للمطبوخ فإنه لا يتكيَّف من النار بكيفيةٍ يبلُغ حدُّها الإحراق، بل إلى حدٍّ يفعل في المطبوخ بإسخانه تمزيقًا وتفريقًا لتحريكِ الحرارة أجزاءَه حركاتٍ مُختلفة بحسب اختلاف طبائعها، فيتفرَّق بذلك اجتماعُها ويبعُد السابق من اللاحق واللازم عن المفارق، ثم لا تُبَدَّد فيه مع تفرُّقها كتبدُّدها في الهواء، بل تبقى موجودةً مغمورة بالماء مع تفرُّقها، فبهذا يُخالِف الطبخُ الإحراقَ والشي؛ فإن [الجسم] المُحترِق تتبدَّد أجزاؤه وتَفترِق افتراقًا لا تجتمع، والمشوي تنحلُّ منه رطوباتٌ وأبخرةٌ تُفارِقه مُتبدِّدة عنه، والمطبوخ يحفظ الماءُ الذي يُطبَخ فيه ما تفرَّق من أجزائه، مع وصوله برطوبته الطبيعية وحرارته المُكتسبة إلى عمق المطبوخ، ودخوله في مَسَامِّه وبين أجزائه فيُفرِّقها.»٧٥

فخر الدين الرازي (القرن ٧ﻫ/١٣م)

أعاد الإمام فخر الدين مُعالجة الأفكار التي سبق وعالجها ابن سينا، والمُتعلقة بالحرارة الداخلية في الكائنات الحية، لكنه لم يعتبر أي دَور للرئة في تلقِّي الهواء البارد وضَخِّه للقلب، ليحلَّ محلَّ الهواء الساخن، وإنما عَالَجَ الموضوع على أن القلب مصدر الحرارة الداخلية ويحتاج هذا المصدر لتعديل حرارته بوساطة انبساطِه في تلقِّي الهواء البارد، وانقباضِه في طرد الهواء الحار، ومن خلال هذا تتم عملية التنفُّس في الكائن الحي.

قال الإمام: «كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته، والخير لأجل العمل به، وجوهر النفس في أصل الخلقة عارٍ عن هذَين الكمالَين، ولا يُمكِنُها اكتساب هذه الكمالات إلا بواسطة هذا البدن، فصار تخليق هذا البدن مطلوبًا لهذه الحكمة، ثم إنَّ مصالح هذا البدن ما كانت تتم إلا إذا كان القلب ينبوعًا للحرارة الغريزية، ولمَّا كانت هذه الحرارة قويَّة احتاجت إلى الترويح لأجل التعديل، فدبَّر الخالق الرَّحيم الحكيم هذا المقصود بأن جعل للقلب قوَّة انبساط بها يجذب الهواء البارد من خارج البدن إلى نفسه، ثم إذا بقي ذلك الهواء في القلب لحظةً تسخَّن واحتدَّ وقَوِيَت حرارتُه، فاحتاج القلب إلى دفعه مَرَّةً أخرى، وذلك هو الانقباض؛ فإنَّ القلب إذا انقبَض انعصَر ما فيه من الهواء وخَرَج إلى الخارج، فهذا هو الحكمة في جعل الحيوان متنفِّسًا، والمقصود بالقصد الأول هو تكميلُ جوهرِ النفس بالعلم والعمل، فوقع تخليقُ البدن في المرتبة الثانية من المطلوبية، ووقع تخليقُ القلب وجعلُه منبعًا للحرارة الغريزية في المرتبة الثالثة، ووقَع إقدار القلب على الانبساط الموجب لانجذاب الهواء الطيب من الخَارج لأجل الترويح في المرتبة الرَّابعة، ووقَع إقدار القلب على الانقباض الموجب لخروج ذلك الهواء المُحترق في المرتبة الخامسة، ووقع صرف ذلك الهواء الخارج عند انقباض القلب إلى مادة الصَّوت في المرتبة السادسة، ثم إنَّ المقدِّر الحكيم والمدبِّر الرَّحيم جعل هذا الأمر المطلوب على سبيل الغرض الواقع في المرتبة السابعة مادة للصوت، وخلق محابس ومقاطع للصوت في الحلق واللسان والأسنان والشفتَين، وحينئذٍ يحدُث بذلك السبب هذه الحروف المُختلفة، ويحدُث من تركيباتها الكلماتُ التي لا نهاية لها، ثم أودَع في هذا النُّطق والكلام حِكَمًا عالية وأسرارًا باهرة عجزَت عقول الأولين والآخرين عن الإحاطة بقطرة من بحرها وشعلة من شمسها، فسبحانَ الخالق المُدَبِّر بالحكمة الباهرة والقدرة غير المتناهية!»٧٦

عضد الدين الإيجي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

تنبَّه عضد الدين الإيجي — مثل الطوسي والجلدكي — إلى أنَّ طبيعة الحَرَارة في النَّار تختلف عن طبيعة الحرارة في الأجسام الحية، أو حتى تلك التي تصدُر عن الشمس، واستدلَّ على ذلك من اختلافٍ أثَّر كلٌّ منها على الجسم نفسه «يُقال الحار لِما تُحَسُّ حرارتُه بالفعل، يُقال أيضًا لما لا تُحَسُّ حرارتُه بالفعل، ويُحَسُّ بها بعد مُماسَّة البدَن والتأثُّر منه كالأدوية الحارَّة ويُسَمَّى حارًّا بالقوَّة، ولهم في معرفته التجربة والقياس فباللون وهو أضعفها، وبالطعم، والرائحة، وسرعة الانفعال مع استواء القوام أو قُوَّته.»٧٧
ويؤكِّد على وجود اختلاف بين طبيعة الحرارة (الغريبة) عن العضوية (الغريزية) بقوله: «والحرارة النَّارية أنواعٌ مُتخالفة بالماهية لاختلاف آثارها اللازمة لها الدَّالة على اختلاف ملزوماتها في الحقيقة، فيفعل حَرُّ الشمس في عين الأعشى من الإضرار بها ما لا يفعله حَرُّ النار، فلا بد أن يتخالفا بالماهية والحرارة الغريبة المُلائمة للحياة أشد الأشياء مُقاومة ومدافعة للحرارة النارية التي لا تُلائم الحياة.»٧٨ أي لاحظ الإيجي أنَّ الحرارة الخارجية قد تتدافع مع الحرارة الموجودة في الجسم وتُقاومها، حتى إنَّ هذه الحرارة العضوية تقوم بدورٍ مُهِمٍّ في دفع السموم الحارَّة التي قد تدخُل الجسم، كما أنَّ الحرارة العضوية تُسْهِم بدفع البَرد الخارجي الذي قد يَعرِض للجسم، وبذلك يُحفَظ الجسم ويُصان من كل أذًى. وهذا يُثبِت أنَّ طبيعة وماهية الحرارة العضوية تختلف عن طبيعة النارية.
قال الإيجي: «فإنَّ الحرارة الغريبة إذا حاولَت إبطال اعتدال المزاج الحيواني قاومَتْها الحرارة الغريزية أشد مقاومة، حتى إنَّ السموم الحارة لا يدفعها إلا الحرارة الغريزية فإنها آلة للطبيعة يُدفَع بها ضررُ الحارِّ الوارد بتحريك الروح إلى دفعه، وتَدْفع الحرارة أيضًا ضررَ البارد الوارد بالمضادَّة بخلاف البرودة؛ فإنها لا تُنازِع البارد بل تُقاوِم الحارَّ بالمضادة فقط؛ فالحرارة الغريزية تحمي الرطوبات الغريزية عن أن تَستوليَ عليها الحرارة الغريبة كالحرارة النارية، فهي مُخالفة لها في الماهية.»٧٩

ويُبدِي الإيجي تَحَفُّظَه على ما طَرحَه الإمام الرازي الذي جعل من طبيعة الحرارة العضوية والنَّارية واحدة؛ حيثُ إنَّ الأُولى تكون داخلةً في تركيب العضو، أمَّا الأخرى فخارجة عنه، ويُمكن لهما أن يجتمعا في عضوٍ واحد دون أي تدافُع أو تنافُر.

«ومنهم من جعلهما — أي الغريزية والنَّارية — من جنس أي نوع واحد؛ فإنَّ الإمام الرازي قال: والذي عندي أنَّ النار إذا خالطت سائر العناصر وأفادتها طبخًا ونضجًا واعتدالًا وقوامًا، ولم تبلُغ في الكثرة إلى حيث تُبطِل قوامها وتُحرِقها، ولم تكن في القلة بحيث تَعجِز عن الطبخ الموجب للاعتدال فحرارتها هي الحرارة الغريزية أفادت المركَّب من الطبخ والنضج ما يعسُر معه على الحرارة الغريبة تفريق أجزائه؛ فالتفاوت بين الغريزية والغريبة النارية ليس في الماهية بل في كون الغريزية داخلةً في ذلك المُركَّب دون تلك الغريبة؛ حتى لو توهَّمنا الغريبة داخلةً فيه، والغريزية خارجة عنه لكان كل واحدةٍ منهما تفعل فعل الأخرى. وإلى ما نقلناه أشار المُصَنِّف بقوله: فالغريزية هي الحرارة النَّارية التي خرجَت عن صرافتِها واستفادت بالمزاج مزاجًا مُعتدلًا حصل به التئامٌ تامٌّ بين أجزاء المُرَكَّب، فإذا أرادت الحرارة الغريبة أو البرودة تفريقَها؛ أي تفريق أجزائها وتغييرها عن اعتدالها، عَسَر عليها ذلك التفريقُ والتغيير. والفرق بين الجارَين الغريزي والغريب أن أحدهما جزء المركَّب والآخر خارجٌ عنه مع كونهما متوافقَين في الماهية.»٨٠

مناقشة الإيجي لطبيعة الحرارة مُتقدِّمة على من سَبقَه، كما لاحظنا؛ فقد بدأ من المصادر وانتقل لتمييزه بين أنواع الحرارات التي نَجِدها من حولنا، سواء في أجسادنا أو في البيئة المحيطة بنا، ليُقرِّر بوجود اختلافٍ جوهري بين حرارة الجسم والحرارة الصادرة عن النار.

نشكر للإيجي جهوده في شرح هذا التمييز؛ إذْ إنَّ نظرية الاحتراق لم تكن واضحة المعالم بعدُ في عصره؛ فقد احتاجت ٥٠٠ سنة من جهود جيشٍ من أجيال العُلماء الأوروبيين حتى تكاملَت لديهم عناصر النظرية الذرية وفَهِموا بِنية الهواء الجوي وآليات حدوث التفاعُلات الكيميائية، حتى تمكَّنوا من إدراك الفرق بين طبيعة الحرارة العضوية الناجمة عن التنفُّس وحرارة النار الناجمة عن الاحتراق.

التفتازاني (القرن ٨ﻫ/١٤م)

لم يأتِ سعد الدين التفتازاني بجديد؛ وإنما كَرَّر أقوال من سَبَقه؛ إذْ إننا نراه يكثر من «قِيل» و«حُكِي» أكثر مما يُبدي رأيَه الخاصَّ في الموضوع؛ فنراه يقولُ في مناقشته لطبيعة الحرارة العضوية أو الغريزية في الكائن الحي: «وأمَّا الحرارة الغريزية التي بها قِوام الحياة، فقيل نارية، وقِيل سماوية، وقيل مُخالفة لهما بالحقيقة لاختلاف الآثار، حتى إنها تدفع الحرارةَ الغريزية.»٨١

ثم يُورِد التفتازاني رأي الإمام فخر الدين الرازي وأرسطو في طبيعة الحرارة الموجودة في الكائن الحي بأنَّها من ماهيةٍ واحدة، وآراء الآخرين الذين خالفوهم وجعلوا ماهية الحرارة العضوية تختلف عن ماهية الحرارة النَّارية، وفي النهاية يُرجِّح الرأيَ (القول) بأن الحرارة العضوية تتولَّد في الداخل بتأثير الحرارة الخارجية السماوية البعيدة أو النارية القريبة، وهو رأيٌ مخالف لما طَرحَه الإيجي.

قال التفتازاني: «واختلفوا في الحرارة الغريزية التي بها قِوام حياة الحيوان؛ فاختار الإمام الرَّازي أنها هي النارية، فإنَّ النار إذا خالطَت سائر العناصر أفادت حرارتُها للمُرَكَّب طبخًا واعتدالًا وقوامًا لتوسُّطها بانكسار سَوْرتها عن تفاعُل العناصر بين الكثرة المفيضة إلى إبطال القوام، والقلة القاصرة عن الطَّبخ المُوجب للاعتدال، فتلك الحرارة المُسَمَّاة بالحرارة الغريزية، وحُكِي عن أرسطو أنها من جنسِ الحرارة التي تفيض من الأجرام السماوية، فإنَّ المزاج المُعتدل يُوجِّه ما يناسب لجوهر السماء لأنه يبعث عنه، يعني أنه إذا امتزجَت العناصر وانكسَرَت سَوْرةُ كيفيَّتها حصل للمركَّب نوعُ وحدةٍ وبساطة بها يُناسِب البساطة السماوية، ففاضَت عليه مزاجًا معتدلًا به حفظ التركيب، وحرارة غريزية بها قِوام الحياة، وقبول علاقة النفس، وبعضهم على أنها مُخالفة بالماهية للحرارة النَّارية، والحرارة السماوية لاختصاصِها بمقاومة الحرارة الغريزية، ودَفعِها عن الاستيلاء على الرُّطوبات الغريزية، وإبطال الاعتدال حتى إنَّ السموم الحارَّة لا تدفَعُها إلا الحرارة الغريزية، فإنها آلةٌ للطبيعة تدفَع ضَرر الحار الوارد بتحريك الروح إلى دفعه، وضَرر البارد الوارد بالمضادَّة. وأجاب الإمام: بأن تلك المقاومة إنما هي من جهة أن الحرارة الغريزية تُحاوِل التفريق، والغريزية أفادت من النضج والطبخ ما يُعتبَر عنده كالحرارة الغريبة تفريق تلك الأجزاء، وبالجملة يجوز أن تكون هي الحرارة السماوية أو النارية، ومُستنَد آثاره المختصة بها إلى خصوصية حصولها في البدن المعتدل، أو صيرورتها جزءًا من المزاج الخاص.»٨٢

المبحث الرابع: الأوروبيون

لم يكن الأوروبيون في العصور الوسطى بأحسن حالًا من نظرائهم العرب؛ فقد حاولوا في بداية بحثهم في ظاهرة الاحتراق (بغَض النَّظر عن المصدر الحراري) أن يرتكزوا أيضًا على نظرية العناصر الأربعة الأرسطية لتفسير هذه الظاهرة. وكانت وظيفة الهواء الجوي بالنسبة لخيميائيِّي العصور الوسطى هي الحفاظ على الاحتراق بوصفها عمليةً ميكانيكية غامضة، أو بوصفها طريقةً تنتقل بها الحرارة والنار. لكن المُشكلة التي كانت تظهَر لدى الحدَّادين المشتغلين بالقصدير والرصاص أنَّ الموادَّ التي يتعاملون معها يزداد وزنها بالتسخين،٨٣ وهذا يعني أن ثمَّة تناقُضًا مع نظرية أرسطو؛ إذْ كيف لعنصر النار أن يُغادِر المادة عند الاحتراق وفي الوقت نفسه يزداد وزن المادة؟!

بدأَت محاولات تفسير عملية الاحتراق عند الأوروبيين منذ القرن السادس عشر، ومع ظهور نظرية الفلوجيستون في القرنَين ١٧م و١٨م تَمَّ الاعتماد عليها في التفسير، وبَقِيَت حتى ظهور نظرية لافوازييه بتعريف الاحتراق على أنه اتحادٌ بين أكسجين الهواء الجوي مع المادة القابلة للاحتراق.

كاردانوس (القرن ١٦م)

سعيًا منه لإنقاذ نظرية أرسطو قام كاردانوس (جيرولامو كاردانو) Cardanus (١٥٧٦–١٦٠١م) بافتراض أنَّ عنصر النَّار يعمل ضِدَّ الجاذبية بشكلٍ أو بآخر، كونَه يرتفع للأعلى، وأنه يجعل المعدن يطفو عندما يكون جزءًا منه.٨٤

باراسيلسوس (القرن ١٦م)

أصداء النظرية الأرسطية والجابرية في تفسير الاحتراق نجدُها عند باراسيلسوس paracelsus (فيليب فون هوهنهايم) (١٤٩٣–١٥٤١م)؛ فقد كان يعتقدُ بأنَّ كل ما يشتعل يحوي على الكبريت؛ لذلك كان يعتبر أن هذه المادة عنصر ومُكوِّن من مُكوِّنات الأشياء المركَّبة.٨٥

جاليليو (القرن ١٧م)

كان جاليليو يعتقد أنَّ المواد التي تُنتِج الحرارة في أجسامنا وتجعلنا نشعر بالدفء، والتي تُعرفُ بالاسم العام «النار»، لا بد أنها تتكوَّن من العديد من الجُسيمات الدقيقة التي لها أشكالٌ مُعيَّنة وتتحرَّك بسرعاتٍ مُعيَّنة، وعندما تتقابل هذه الجسيمات مع أجسامنا تخترقها لرقَّتها الشديدة. وتلامُسُها معنا نشعُر به عند عبورها خلالنا، وهو الإحساس الذي نُطلِق عليه «الحرارة»، وهي إما سارَّة أو غير سارَّة تبعًا لسرعتها الكبيرة أو الصغيرة عندما تثقب وتخترق أجسامنا، فهي سارة إذا كانت تقصد عملية إفراز العرق الضرورية، وبغيضة وكريهة عندما تتسبَّب في الكثير من التحلُّل والفناء لمادَّتنا؛ وبناءً على فكرة الجُسيمات يُمكِن تفسيرُ أن النار ما هي إلا مُجرَّدُ حركة لجُسيماتها التي تخترق بها كل الأجسام مُسببةً سرعةَ تدميرِها أو بُطئها وتحلُّلها بما يتناسب مع أعدادها وسُرعتها (أعداد جُسيمات النار وسُرعتها) وكثافتها أو رقَّتها. وتتحوَّل كثير من المواد في أثناء تحلُّلها إلى جسيماتٍ دقيقةٍ إضافية، ويستمرُّ هذا التحلل ما دامت استمرَّت هذه الموادُّ في استقبال موادَّ أخرى قادرة على أن تتحلل. وكان جاليليو لا يعتقد أنه بجانب الشكل والعدَد والحركة والاختراق واللمس، يُوجَد صفةٌ أخرى للنار تتعلَّق ﺑ «الحرارة» لدرجة أنه إذا أُزيل الجسمُ الحي لا تُصْبح الحرارة سوى اسمٍ بسيط لا أكثر.٨٦

جان فان هلمونت (القرن ١٧م)

مال معظم العاملون الأوائل في الكيمياء إلى تركيز انتباههم على السوائل والمواد الصُّلبة، وتجاهلوا مختلف أنواع الغازات الناشئة من التفاعُلات الكيميائية المُختلفة، ويعود السبب في ذلك إلى أن الغازات بدت شيئًا غير ملموسٍ إذا ما قُورِنَت بالسوائل والمواد الصُّلبة، لقد كانت أصعَبَ من أن يتم عَزلُها ودراستها. ملاحظة مثل هذه الغازات غالبًا ما تُقدِّم اختلافاتٍ جليةً في الخواص، مثل اللون والرائحة، والتي كانت تُفسَّر بسهولة على أنها أحد أشكال الهواء المختلفة أو ربما هي مزيجٌ من الهواء والمواد الصُّلبة والسوائل الشائبة. في الحقيقة، لم تُوجَد تسميةٌ عامة ﻟ «الغاز» إلى أن حان النصف الأول من القرن السابع عشر عندما قام البلجيكي جان فان هلمونت بنَشْر أعماله في عام ١٦٤٤م. مع أنَّ هذا الكيميائي أظهر تبعيَّتَه لمن سبقَه بخصوص هذه الغازات بوصفها أنواعًا من الهواء، إلا أنَّه قام بتحضير هذه الغازاتِ بمختلف السبل، وبملاحظة خواصِّها الفيزيائية والكيميائية والكمية، وبتخصيصها بأسماءٍ مختلفة، ومن بعده شُرع بعملية تصنيف وتعريف للغازات ستبلُغ ذروتها نهاية القرن التالي، وفي تمييزها بوصفها وحداتٍ كيميائية، وهكذا بَيَّن فان هلمونت بأن ثنائي أوكسيد الكربون ناتجٌ عام لاحتراق المواد الأوَّلية العضوية المختلفة، وتخمُّر الخمر والبيرة وتفاعُل الحُموض على أصداف سرطان البحر التي تحوي على الكربونات. وقد سمَّاه في البداية ﺑ «غاز سيلفستر Sylvester Gas» أو بالغاز «البري» مُشيرًا لاعتقاده بعدم إمكانية احتوائه أو تكثيفه أو حتى رؤيته. الغريب في الأمر أنه منَح الاسمَ نفسَه لأوكسيد النتروجين والذي حضَّره بتسخين نترات البوتاسيوم أو بتفاعُل الفضة مع حمض النتريك، وأوكسيد الكبريت وناتج احتراق الكبريت. عرف فان هلمونت بأن ثنائي أوكسيد الكربون لا يدعم الاحتراق وركَّزه مع الغاز الناجم عن تفاعُل المعادن على الحموض، والذي ندعوه الآن بالهيدروجين أو (الغاز القابل للاشتعال)، وهذه التسمية أطلقها أيضًا على الغازات الشديدة الاحتراق. لكن لم ينجح فان هلمونت في عزل الغازات التي حَضَّرها أو حصَرها في أوعية؛ فقد كانت جميعُها ملوَّثةً بالهواء. في الواقع، كان له رأيٌ بأن مثل هذه الغازات لا يُمكِن احتجازُها بسبب خاصيَّتها «الطائشة».٨٧

رينييه ديكارت (القرن ١٧م)

على الجانب الفرنسي، ناقش رينييه ديكارت عملية الاحتراق في كتابه (العالم) فقال: «إنَّ اللهَب الذي قلتُ عنه سابقًا إن كل أجزائه تتحرَّك باستمرار ليس سائلًا فحسب، ولكنه يجعل غالبية الأجسام الأخرى سائلة. وعليكم أن تُلاحِظوا أنَّ اللهَب عندما يُذيب المعادن لا يفعل بقوةٍ غير التي يفعل بها عندما يُحرِق الخشب، ولكن لأنَّ أجزاء المعادن مُتساويةٌ كلها تقريبًا، فإنَّه لا يستطيع أن يُحرِّك منها جزءًا دون آخر، وهكذا يؤلِّف منها أجسامًا سائلة كليًّا، في حين أن أجزاء الخشب غير مُتساوية بحيث إنَّ اللهب يستطيع أن يفصل صُغراها ويجعلها سائلة؛ أي يجعلها تطير دُخانًا، دون أن يُحرِّك بذلك الأجزاء الكبرى.»٨٨
وهنا نُلاحِظ أن ديكارت لا يُميِّز بين «الاحتراق Combustion» و«الإسالة Liquefaction»، حسب رأيه أنه يتم بوساطة عملية الاحتراق فصلُ الأجزاء اللطيفة في جسمٍ ما عن الأجزاء الكثيفة، مثل الخشب الذي تتحوَّل أجزاؤه اللطيفة إلى مادةٍ سائلة في الدخان، وتبقى أجزاؤه الكثيفة صُلبة تتحوَّل إلى رماد. أمَّا في عملية الإسالة فتتحوَّل كافَّة أجزاء الجسم إلى مادةٍ سائلة، نظرًا لكونها جميعًا على درجة من اللطافة نفسها مثل الحديد. وواضح من هذا التفسير أن ديكارت يبتعد فيه عن النَّظرية الأرسطية التي أثَّرَت على معاصريه، لكنه كما ذكَرنا يخلط بين الاحتراق والإسالة.
ويتابع ديكارت قائلًا: «لكن يمكنكم أن تسألوني في هذا الموضع أنه إذا كانت حركة أجزاء اللهب وحدها هي التي تجعله يُحرق وتجعله سائلًا، فلماذا نرى حركة أجزاء الهواء التي تجعله سائلًا إلى أقصى الحدود، لا تُعطيه مع ذلك القدرة على الإحراق، بل تجعل، على العكس، أيدينا غير قادرة تقريبًا على الإحساس به؟ فأجيب عن ذلك أنه ينبغي ألا نحصُر اهتمامنا بسرعة الحركة وحسب، بل وبضخامة الأجزاء كذلك، فالأجزاء الأكثر صِغرًا هي التي تصنع الأجسام الأكثر سيولة، والأجزاء الأكثر ضخامةً هي التي تمتلك من القوة مقدارًا أكبر لإحراق الأجسام الأخرى، والفعل فيها على العموم.»٨٩

ويقصد بكلامه هذا أن النار مادةٌ سائلة تشتمل على أجزاءٍ صغيرة وأخرى أكبر حجمًا، وما يمنح قدرةَ اللهب على الإحراق هي الأجزاء الكبيرة. ويضع ديكارت شرطًا آخر إضافةً لشرط وجود الأجزاء الكبيرة هو سرعة حركتها؛ فالهواء ليس لديه القدرة على الإحراق لأنه لا يملك أجزاءً ضخمة وسريعة الحركة إلى درجة تمكِّنه من القدرة على الإحراق، بخلاف النار والأحماض التي تملكُها.

أمَّا عن سبب القُدرة على الإحراق فيرى ديكارت أنَّ اللهَب يتخلل أجزاءً أصغر من أجزاء الهواء؛ كونَ هذا اللهب لديه القدرة على أن يتغلغل من خلال عددٍ من الأجسام ذات المسام الشديدة الضيق التي لا يستطيع الهواء نفسه أن يخترقها، وأن تتخلَّله أجزاءٌ أضخم أو مماثلة في ضخامتها لأجزاء الهواء ولكن بعدَدٍ أكبر، هذا ما نراه بوضوح في كون الهواء وحده لا يكفي لتغذيته. وتتحرَّك هذه الأجزاء بسرعةِ أشد، هذا ما نستفيده من عنف حركتها، وأخيرًا تكون أضخم هذه الأجزاء لا غيرها، لها القدرة على الإحراق، والدليل على ذلك فإن اللهب الذي يخرج من ماء الحياة، أو من الأجسام الأخرى الشديدة اللطافة، لا يكاد يُحرِق البتة، أما ذاك الذي يتولَّد في الأجسام الصُّلبة والثقيلة فهو على العكس شديد الإحراق.٩٠

جون مايو (القرن ١٧م)

في عام ١٦٧٤م توَصَّل الطبيب جون مايو J. Mayow (١٦٤١–١٦٧٩م) — وهو مساعد الفيزيائي البريطاني روبرت بويل — إلى أنَّ الزيادة التي تحصُل في وزن الجسم المُحترِق تُعزى إلى «جزءٍ فعَّال ولطيف من الهواء»،٩١ وقد أسماه spiritus nitroaereus أو روح نترات الهواء على اسم نترات البوتاسيوم التي كان يُسخِّنها، وأكَّد أنَّ هذا العنصر هو الذي يُحوِّل دم الشرايين إلى اللون الأحمر في الرئتَين.٩٢ كما لاحظ مايو أيضًا أن الأنتيموان يزدادُ وزنُه عندما يُسخَّن، واستنتج من ذلك أنَّ المادَّة التي أسماها روح الهواء النترات هي التي تتَّحد مع المعدن.٩٣
لقد كان مايو على ثقةٍ بأنه أوَّل مُكتشِف للأكسجين، لكن هذه الادَّعاءات قد دحضَها الباحث تي. سي. باترسون T. C. Patterson، الذي بَرهن بأنَّ أفكار مايو تم أخذها بدون امتنانٍ من أعمال بويل والآخرين. لقد قَدَّم مايو في أطروحته عن التنفُّس عام ١٦٦٨م مُلخَّصًا بليغًا وواضحًا عن عمَل مَن سبقه. وبعد أن نَشَر كتابه في «الإجراءات الفلسفية» تم قراءته، وأشار القارئ إلى مفهوم مايو عن دور الهواء في التنفُّس قائلًا: «ويستفسر، ما الذي يمكن أن يكون في الهواء وهو ضروري جدًّا للحياة؟ وهو يُخمِّن بأنَّها الجُسيمات الرقيقة جدًّا والنترات التي يعجُّ بها الهواء، التي تنفُذ من خلال الرئتَين، وتكون على علاقة مع الدم، ولكن مايو لا يجعل «منطقة النترات» لازمةً لكل الحياة؛ فالنباتات بحد ذاتها لا تنمو في تلك الأرض؛ لأنها محرومةٌ من ذلك المصدَر، فإذا تعرَّضَت للهواء، ولَقَّحَها ملح التخصيب مجدَّدًا، تُصبح عندئذٍ ملائمةً ثانية لتغذية تلك النباتات.»٩٤
figure
ليُثبِت مايو صحة فرضيَّته أن جزءًا من الهواء فقط وليس كله يدخُل في عمليتَي الاحتراق والتنفُّس، قام بتنكيس وعاءٍ زجاجي فوق شمعة أو فوق حيوانٍ جاثم على قاعدة في حوضٍ به ماء، وساوى بين مستوى الماء داخل وخارج الوعاء الزجاجي بواسطة سيفون، ثم أخذ يُلاحِظ ارتفاع مستوى الماء داخل الوعاء مع استمرار اشتعال الشمعة أو تنفُّس الحيوان القارض؛ ولأن جزءًا من الهواء كان يتبقَّى عندما تنطفئ الشمعة أو ينفق الحيوان، فقد عرف أن هذا النوع الثاني من الهواء لا يُساعِد على الاحتراق أو التنفُّس. (مصدر التعليق من: كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٦–١٣٧. أما مصدر الصورة فهو: commons.wikimedia.org)
حسب براون ومايو فإنَّ الطبيعة الكيميائية والكونية للنترات متشابهة؛ ففي كلتَيهما، يجب على الكبريت أيضًا أن يكون موجودًا ليجتمع مع النترات. لكن من ناحية فهمهما للأدوار المتعلِّقة بالنترات والكبريت في عملية الاحتراق والتنفُّس فإنهما يختلفان، ثم يتبع مايو بويل ولوير؛ فهو يمضي في التركيز على أهمية النترات وبراون على الكبريت. ليس النترات فحسب، بل أيضًا الهواء هو الذي يَلفِت انتباه مايو؛ فالهواء بمثابة مصدر وخزان وقود الاحتراق. على أية حال، بالنسبة لبراون فإنَّ الهواء يُقدِّم فقط مَعْبرًا للزفير الذي ينشأ من الاحتراق. علاوةً على ذلك، وجدنا كيف أخفَق براون في إيجاد صلةٍ أكيدة بين عمليتَي الاحتراق والتنفس؛ فقد قال بأن الكبريت يُشكِّل «الدهن الزيتي وأجزاءً دهنية وهي مصادرُ قابلية الاشتعال». وكذلك الكبريت ومادة الكبريت للبندقية، التي ينطلق منها «الإطلاق القوي والحاد»، وهو «جسمٌ معدني لأجزاءٍ دهنية وقابلةٍ للاشتعال»، كما يعتمد الاحتراق على الزيت المفروش بالكبريت. أمَّا الإيقاد، وهذه هي الفكرة الرئيسة، فإنَّه ينبثق من الخارج ضمن أجسامٍ مضطرمة بنفسها؛ لأنها مادةٌ خام زيتية وكبريتية. واعتقد مايو بأنه أثبت أن نفُوق الحيوان قد لا يكون بسبب نواتج الاحتراق: «ولا يمكن حتى الافتراضُ بأن الحيوان في مثل هذه الحالة قد خَنقَه دخان الشمعة، فإذا تم تزويد اللهب بحرق روح الخمر فلا يُوجَد دخان منطلق ومع ذلك فإنه يموت الحيوان».٩٥

توماس براون (القرن ١٧م)

حتى عهد السير توماس براون Sir T. Browne (١٦٠٥–١٦٨٢م) كانت لا تزال الأفكار الأرسطية حاضرة، خصوصًا فكرة أنَّ الطبيعة تُوظِّف الأعضاء نفسها من أجل التغذية، والتي يحتاجُها كل حيوانٍ من أجل الحياة، كما يحتاج كل حيوانٍ للتنفُّس لينجو بنفسه من الموت. التنفس متعلِّق بالهضم وذلك تشريحيًّا وعضويًّا. وكان على براون أن يُصارِع لدرجة الإيمان بأن المري والقصبة الهوائية كلاهما مَعْبر من أجل الطعام والشراب، في سلسلة أحداثٍ عضوية، فإن الدم الذي قد نشأ من هضم الغذاء يُقدَّم مع روح الطبيعة في الكبد، ويتغيَّر بطريقةٍ ما في القلب والرئتَين من اللون الداكن إلى الفاتح ومن الوريدي إلى الشرياني، وقد تمَّ وهبُ ذلك للأرواح الحية، كيف تحدُث هذه العملية كانت مشكلة التنفُّس الرئيسة بالنسبة لعلماء القرن السابع عشر. وكان السؤال الكبير: لماذا يحدث التغير بين الدم الوريدي والشرياني؟ ولماذا نحن نتنفس؟
على نحوٍ بالغ الأهمية، قدَّم براون مُلاحظاتِه عن التنفس بشكلٍ مُترابط مع ملاحظاتِه عن الهضم. لقد اكتشَف معاصروه العلاقة العميقة بين التنفُّس والاحتراق، وكان لهذا تأثيره على خياله العلمي بشكلٍ كبير فعلًا. بواعث براون أمام القيم الغذائية في الهواء إبداع وتنوع؛ فهي مُختارة بشكلٍ كبير من أرسطو: الهواء شيء غير ملموس «إنه هضمٌ خالٍ من كل لذة ومذاق»، في حين يجبُ على الغذاء أن يتفق مع التذوُّق، وهو نوع من اللمس، ويُوجَد الهواء فينا فقط لكونه «أحد المبادئ المُشتركة البعيدة جدًّا عن الحياة»، أي تجاهل العنصر اللاعضوي بدلًا من الطعام المادي العضوي الذي يجبُ أن يكون وَفْق الشرط الأساسي للعادة بين الطعام والجسم. تقوم الحرارة بتمديد الهواء وتجهيزه تمامًا للانطلاق، بينما يتلقَّى الطعام «اكتنازًا» أو تكثيفًا، يتم حفظ الهواء فقط بشكلٍ مؤقت، في حين يجب أن يتم حفظ الطعام لوقتٍ كبير وهذا حسب أبقراط، أمَّا الهواء فليس بالوسع استيعابه وقد لا يكونُ حتى عنصرًا أو مقومًا للأجسام، حسب رأي الكيميائي باراسيلسوس، لكن يتقبل هذا بحد ذاته، تحوُّل العناصر سؤالٌ مُحيِّر؛ فهو يظهر بأنه «ليس سهلًا البرهان بأن الهواء كثير التحوُّل إلى ماء» وهذا حسب فرضية فان هلمونت الأساسية؛ ولذا فإن تحول الهواء إلى لحم فيه «شكٌّ عميق»؛ فالهواء ليس طعامًا أبدًا حتى يقوم باحتراقٍ خفي لتزويد الحياة، إنه بلا ريب ذلك الطعام الذي يكون طبيعيًّا للنار، وأخيرًا «عنصر الهواء بعيدٌ جدًّا عن تغذية الجسم، وهو ما استفسر عنه البعضُ بشأن قوة الماء، والكثير يَرونَه بأنه لا يدخل الجسم في قوة التغذية.» مع هذه المجموعة من الحُجَج، إلا أن براون فسَح مجالًا للتناظُر الأساسي بين الهواء والطعام عندما يتم طرحُهما مع بعض النظريات الجديدة في أيامه؛ لهذا يُمكِن للهواء وكما وضَعَه براون، بأن يكون محفوظًا «بشكلٍ مؤقت … في أجسامنا، وطويلًا بما يكفي لتبريد الحرارة، التي تمَّت تأديتُها لمرَّةٍ واحدة، خشية أن يتم تسخينُها ثانية، والتي ينبغي أن تخنُق ذلك الجزء الذي يفصلُها ولا يجعلها باقية، لكن سرعان ما تعود الطريقَ نفسَه الذي عبَرَت منه.»٩٦
فكرة النترات التي أشار إليها مايو، كما سنجد لاحقًا، أثارت الكثير من الصخب في الفلسفة وكذلك في الحرب؛ إذْ الأمر يتعلَّق بطبيعتها الكيميائية، ويتفق براون مع مايو في ذلك، كما يتعلَّق دورُها في التنفُّس والاحتراق، لكنهما يختلفان بأنَّ النترات حامضية. بالنسبة لمايو تُوجَد جسيمات النترات الهوائية في «الروح الحامضية» وهي تُشَكِّل جزءًا من النترات، والتي هي «في الدرجة الأعلى». يُلاحظ براون بأنَّ الحديد في «الماء القوي أو حمض النتريك Aqua fortis» سينتفخ مثل الخميرة ويُطلِق ضجيجًا ودخانًا، كل ذلك بسبب الكبريت الذي يجتمع مع «الحمض وروح نترات Aqua fortis». النترات هي أيضًا ملح الأرض، يدعوها مايو: «ملح الكون الراسخ» نظرًا إلى «طبيعة النترات الملحية».٩٧ إنه ذلك «الملح الهوائي» الذي تغذَّى منه جُسيمات نار مايو، ويدعوها براون ﺑ «الملح المتطاير». يقبع هذا المفهوم في مبدأ باراسيلسيوس الكيميائي للعناصر الثلاثة؛ الملح والكبريت والزئبق. والذي كما ذكَرنا سبقَه إليه جابر بن حيان؛ حيث نظر براون إلى هذا المفهوم على أنه تحسينٌ للمبدأ القديم ذي العناصر الأربعة، الملح هو أرضي أو ذو منشأٍ ثابت، والكبريت القابل للاحتراق أو ذو منشأٍ قابل للاشتعال، والزئبق ذو منشأٍ متطاير.٩٨

إذن فقد فشل براون مع كل الجهود التي بذلها في تفسير ظاهرتَي الاحتراق والتنفس؛ وذلك بسبب اعتماده على الأسس الأرسطية القديمة، وعدم تمكُّنه من الرَّبط بين المُعْطَيات الحديثة والقديمة.

يوهان بيشر (القرن ١٧م)

في عام ١٦٦٧م حاول يوهان يواكيم بيشر J. J. Becher (١٦٣٥–١٦٨٢م) بكل الطرائق أن يصل إلى العناصر الأساسية التي تتكوَّن منها كل المواد عن طريق النظرية وليس التجربة، وبعد جهدٍ ولأْيٍ تَوصَّل إلى ما يأتي: يُوجَد خمسة عناصر هي الماء والهواء، والقابل للانصهار والدهني والمائع (أسْمَى الثلاثة الأخيرة بالعناصر الأرضية). وقد تَصوَّر أنَّ عملية الاحتراق يُمكِنها أن تُفسَّر بفقدان العنصر الأرضي الدهني (تيرا بيجونيس) فقط، وهو الذي أسماه فيما بعدُ جورج إرنست شتال G. E. Stahl (١٦٦٠–١٧٣٤م) باسم «الفلوجيستون»٩٩   phlogiston.
ووفق نظرية الفلوجيستون فإنَّ عملية الكلسنة Calcination أو التكليس أو التحميص١٠٠ فهي تُفسَّر كما يأتي: تحوي المعادن على عنصرٍ قابل للاحتراق يذهب من المعدن للهواء تحت تأثير اللهب، ويترك كلس المعدن. ويبدو أنه كان يعرف أنَّ المعادن تكتسب وزنًا إضافيًّا في أثناء عملية الكلسنة، فحاول أن يُفسِّر ذلك بدخول جسيمات اللهب ذات الوزن المحسوس في المعدن، وأحيانًا أخرى بمُساعدة الفلوجيستون الذي يمكنه تخفيف وزن المعدن من مبدأ «إذا طَرحتَ من الشيء شيئًا آخر وزنُه أصغر من لا شيء فإن الوزن يزداد.»١٠١
نظَر بعض الكيميائيين للفلوجيستون على أنَّه عنصر النار نفسه؛ أي مجرَّد شكلٍ من أشكال عنصر النار القديم، في حين أنَّ البعض الآخر اتفَق مع تعريف بيشر للفلوجيستون القائل: إن «المعادن تحوي على جوهرٍ قابل للاشتعال ينطلق في الهوا بفعل الاحتراق.» مُتقبِّلين عدمَ وضوح الخطوط الفاصلة بين «العناصر» و«جواهر» الخيمياء.١٠٢

روبرت بويل (القرن ١٧م)

وضع روبرت بويل خلاصة تجاربه في باكورة أعماله وهو كتاب «تجارب فيزيائية ميكانيكية تتعلق بنابضية الهواء وتأثيراته» الذي أكَّد فيه على أنَّ الصوت لا ينتقل في الفراغ، وأن الهواء ضروري للحياة والنار. وقد اعتبَر بويل ومعاصروه أنَّ الهواء مادةٌ واحدة، ويعود سبب الاختلاف في القدرة على التفاعُل إلى درجة نقاء الهواء؛ فقد شاهدوا أن الهواء الذي يتولَّد من تفاعُل خُراطة الصُّلب مع الحمض يشتعل إذا قُرِّبَت منه شمعة، بينما هواء الغرفة لا يشتعل.١٠٣
كما درَس بويل ظاهرةَ ازدياد وزن المعادن التي تُسخَّن بشدة في الهواء (الكلسنة). ونعلَم حاليًّا أن المعادن إذا سُخِّنَت بهذا الشكل فإنها تكتسبُ وزنها الزَّائد؛ كونَها تتحد مع الأكسجين في الهواء. وفي إناءٍ مغلَقٍ بإحكام (ملحوم) فإنَّ وزن النظام ككل — أي المعدن والهواء والإناء — يجب أن يبقى ثابتًا. وعندما قرَّرَ بويل إجراء هذه العملية في إناءٍ مغلقٍ بإحكامٍ لم يأخذ بعينِ الاعتبارِ اندفاعَ الهواء داخل الإناء عند فتحه بعد التسخين، فكان يحصل على زيادةٍ في وزن النظام ككل، وقد توصل إلى نتيجةٍ مفادها أن الزيادة تعود إلى دخول النار إلى الإناء من خلال مَسامِّ الزجاج.١٠٤ ويعني أنَّ الزيادة في الوزن ناجمةٌ عن امتصاص الجسم للحرارة أو الضوء أو اللهب.
في عام ١٦٦٠م نشَرَت صحيفة «التجارب الجديدة» تجربةً أساسية في علم وظائف الأعضاء الحيوية عن التنفُّس، بيَّنَت بأنه لو أدخلنا فأرًا وشمعةً في حُجرة، وتمَّ سحب الهواء تدريجيًّا منها، فإنَّ الفأر سينفُق وستنطفئ الشمعة تقريبًا في الوقت نفسه. وهكذا فإن ظاهرتَي التنفس والاحتراق كان لديهما شيءٌ مشترك. إضافةً إلى ذلك، كانت هذه النتيجة ممكنةً جدًّا خصوصًا بعد إحاطة حجرة الاستنفاد بالجليد الذي أبقى الهواء ضمن درجة حرارة أدنى من الطبيعي. نفَق الحيوان تمامًا بالطريقة ذاتها عندما كانت ظروف التبريد المُفترضة للمبدأ القديم مناسبة جدًّا. لكن ما الذي سبَّب نفوق الفأر؟ النظرية الجديدة التي ظهَرَت لتفسير الهدف من التنفُّس وجدَت أن أساسها لا يُوجَد في الخاصية الفيزيائية للهواء ودرجة حرارته، وإنما في مقوِّمه الكيميائي. السبب الذي نفَق من أجله الحيوان أو انطفأ اللهيب عندما بقي مقدارٌ محدود من الهواء غير المتجدد، هو أنَّ التنفُّس والاحتراق إمَّا مأخوذان من عنصرٍ ما موجود في الهواء كان لازمًا إلى مكوِّنهما، أو أن شيئًا ما مضافًا إلى الهواء أتى بهما إلى نهايتهما. كانت وجهة النظر السابقة هي التي مال إليها الباحثون الإنكليز، أما وجهة النظر الثانية عن التأثيرات المؤذية للهواء المستهلَك لم يتم دمجها مع النظرية الجديدة حتى القرن الثامن عشر. هنا اقترح بويل بأنَّ ضرورة الهواء النقي للإبقاء على الحياة يعتمد على وجود بعض المادة الأولية فيه؛ لأنها «تخوِّله للحفاظ على لهبٍ باقٍ، في حين أنَّ الهواء المستهلَك أو الفاسد لا يُبقِي على اللهب.» لقد جَعلَت المادة الخام الخاصة بالتنفُّس بويل يفكِّر بوجود شبيهٍ لها، لكن ليس متماثلًا معها، بحيث إنه يقوم بعملية الاحتراق. وقد اقترح بأن ذلك الشبيه هو «النترات المتطايرة»، وهي ليست من مكوِّنات الهواء بحد ذاته، إنما «بعض المادة الخام الشمسية الشاذة أو النجمية أو من طبيعةٍ أخرى غريبة تمامًا» اختَلطَت بالهواء. وهكذا اعتقد بويل أنه برهن على أن اللهب انطفأ فقط بسبب نقص الهواء عندما أحرقَه في حجرة استنفاد بوجود روح الخمر، والتي تُطلِق دخانًا مخفيًّا.١٠٥
الخطوة الأولى في حل مشكلة جمع الغازات التي كان يعاني منها فان هلمونت قام بها بويل، الذي وصَف في عام ١٦٦١م أولًا مجموعة الهدروجين الصافية، وذلك بقلب زجاجة حمض كبريت ممدَّد تحوي على عدَّة مسامير حديد في وعاءٍ مليء بالحمض. بعد ثمانين عامًا، بَيَّن جون مايو كيف يُمكِن أن ينقل الغاز من زجاجة إلى أخرى بفتح فم الزجاجة التي تحوي على الغاز تحت الفم والزجاجة الأخرى التي تم ملؤها وقلبها بالماء. أكَّد مايو على أهمية الضغط لدى حساب حجوم الغازات، وأوصى بأن الحجوم يتم وضعها تحت الضغط الجوي وذلك بمساواة مستويات الماء داخل وخارج العُبْوة. ووجد بهذا الصدَد أن قانون بويل الذي تم تطبيقُه فقط على الهواء، أنه يصلُح أيضًا للهدروجين وأوكسيد النتريك. بعدها قام بيورهاف باستعمال هذا الاكتشاف، في وقتٍ ما قبل عام ١٧٣٢م، عندما أجرى تفاعُلًا لغازٍ ناتج في الخواء، ولاحَظ الزيادة في الضغط؛ ومن ثَم استخدم قانون بويل ليُحوِّل الحجوم إلى الضغط نفسه. كانت خطوةً قصيرة للتحوُّل من جهاز بويل لجمع الغاز إلى وعاءٍ مملوء بالهواء وصَفَه ستيفن هالس S. Hales (١٦٧٧–١٧٦١م) في عام ١٧٢٧م، تضمَّنَت دفع الغازات من مولِّدٍ خارجي بوساطة أنبوب إلى داخل فوهة الزجاجة التي كانت مملوءةً بالماء ومقلوبةً في الحوض. باستخدام تقنية الجمع هذه، سَخَّن هالس أوزانًا محددةً لموادَّ صُلبة ذاتِ تنوُّعٍ واسع ثم حسب حجم الغاز المنطلق في كل حالة. أيضًا لاحظ النقصان في الحجم المُرافِق لمحلول غازاتٍ معيَّنة كلما علَت الماء. بهذه الطريقة، أنتَج هالس وجمَع الكثير من الغازات الشائعة ما عدا تلك التي كانت قابلةً للانحلال في الماء.١٠٦

روبرت هوك (القرن ١٨م)

رُبَّما كان روبرت هوك أوَّل من وضع نظريةً معقولة — لكن غير كاملة — عن الاحتراق؛ فقد قال بأنَّ الهواء ضروري ﻟ «تحلُّل المواد الكبريتية» أي القابلة للاشتعال، وأنَّ عملية التحلُّل هذه تُنتِج «مقدارًا كبيرًا من الحرارة وهو ما ندعوه بالنار». لكنه عجز عن فصل الأكسجين أو تحضيره.١٠٧ وقد وضع هوك نظريته عن الاحتراق في كتابه (ميكروغرافيا) مُعتبرًا أنَّ عامل الاحتراق هو مادةٌ مشتركة مع كلٍّ من نترات البوتاسيوم والهواء.١٠٨
التجربة المُهِمَّة التي تَوصَّل من خلالها هوك ليدُلَّ على أنَّ الهواء ضروري للتنفُّس أُجرِيَت في عام ١٦٦٧م؛ فقد أبقى حيوانًا حيًّا بضع ساعات، مع منع رئتَيه من الحركة، والإبقاء على اندفاعٍ قوي للهواء على الرئتَين بوساطة منفاخَين، الهواء المدفوع خلالهما ينفُذ باستمرار من خلال ثقوبٍ دقيقة في الرِّئة. وقد أثبت هذا بأنَّ السِّمة الأساسيَّة للتنفُّس هي مرور الهواء من خلال الرئتَين وليست حركات التنفُّس كما ذكر جالينوس. عند إتمام التَّجربة، سأل هوك سؤالًا في محله تمامًا: هل يكفي أن يدور الدم الوريدي من خلال وعاءٍ مُعَرَّض للهواء النقي بشكلٍ مفتوح من أجل حياة الحيوان بدلًا من الرئتَين والتنفس؟ وقد أخذ الخطوةَ التالية زميلُه الطبيب ريتشارد لوير الذي أشار إلى وجود علاقة بين الهواء والدم في الرئتَين. بعد سنتَين من تجربة هوك، قارَنَ لوير لونَ الدم عند دخول وعند خروج الرِّئتين، وجد الأوَّل داكنًا والثاني أحمرُ زاهٍ. واستنتَج أولًا، بأنَّ تغيُّر لون الدم نجم عن تعرُّض الدم للهواء في الرِّئة، وثانيًا، بأن الدم توافَق مع بعض هذا الهواء.١٠٩

جورج شتال (القرن ١٨م)

حتى أيام لافوازييه، كان الكيميائيون ما زالوا يقبلون — بشكل عام — المفهوم الخيميائي القديم بأن المادة تحكُمها ثلاثُ موادَّ أولية هي: الزئبق (الذي يجعل الأشياء سائلة)، والملح (الذي يجعلها صُلبة)، والكبريت (الذي يجعلها تحترق). وقد حَظِي حمض الكبريتوز بالاهتمام فكان مصدرَ سِحرٍ خاص.١١٠ ووجدنا كيف أعاد الكيميائي الألماني جورج شتال إحياء نظرية الفلوجيستون الخاصَّة ببيشر، ووضع لها جملةً من المفاهيم التي يمكنها أن تُفسِّر معظم الظاهرات الكيميائية كالأكسدة والتنفُّس والتحلُّل.١١١
افترض شتال بأنه كُلَّمَا زادت كميَّة الفلوجيستون في الجسم زادت قابليَّتُه للاحتراق، إلا أنَّ الجسم يفقد الفلوجيستون بعد أن يحترق. وقد كان يُعتقد أنَّ الفلوجيستون حفيد الكبريت الذي وضَع فكرتَه جابر بن حيان كجوهرٍ يُعَبِّر عن قابلية المادة للاحتراق، إلا أنَّ النظرية عَجزَت عن تفسير سبب ازدياد وزن الجسم المُحترق بدلًا من أن يقل، وهو ما برهن عليه بويل وغيره لاحقًا.١١٢
مع ذلك فقد ظهر لهذه النَّظرية أشياعُها من المؤيدين؛ فقد قال كونانت Conant: ما الذي يمكن أن يكون أكثر صوابًا من الافتراض بأنَّ المادة الخام تستوعب، في كل لحظةٍ من تسخينها مع الفحم النباتي، أساسًا معدنيًّا يُضفي عليها خواصَّ المعدن؟ فإذا أطلقنا على هذه المادة المفترضة اسم «الفلوجيستون» فسنصل إلى تفسير لصناعة التعدين وفق المعادلة الآتية:
خام المعدن (أكسيد) + فلوجيستون (من الفحم النباتي) معدن
وهذا يعني أنَّ الفلوجيستون ينطلق عند التسخين ويتحد بالهواء، وقيل بشكلٍ عام، إنَّ المواد التي تحترق في الهواء عادةً ما تكون غنية بالفلوجيستون. والدليل على ذلك أنَّ عملية الاحتراق تتوقَّف بسرعة في الحيز المُغلَق، مِمَّا يعني أنَّ للهواء القدرة على امتصاص كميةٍ محدودة فقط من الفلوجيستون.١١٣
وتوصل شتال إلى أنَّ النبات بدوره يُزيل الفلوجيستون من الهواء؛ لهذا فإنَّه يصبح غنيًّا بهذه المادة، ويحترق عندما يصير جافًّا. وكجميع النظريات الكيميائية الجيدة، فقد قدَّمَت نظرية الفلوجيستون تفسيرًا لنتائج العديد من التجارب العلمية المختلفة، بما فيها العمليات البيولوجية كالتنفُّس وروائح النباتات، وكانت مفتاحًا للباحثين ليتَّجهوا نحو حقولٍ دراسية يُمكِن أن ينتُج عنها اكتشافاتٌ جديدة؛ لهذا السبب فقد لاقت نظرية الفلوجيستون قَبولًا واتساعًا في القرن الثامن عشر الميلادي، وقادت للعديد من الاكتشافات في مجال الكيمياء.١١٤
بناءً على ما سبق، وُضِعَت مجموعة من القواعد المُتعلِّقة بعلاقة الهواء مع الفلوجيستون نُورِدها فيما يأتي:١١٥
  • (١)

    لا يصلُح الهواء المُشبع بالفلوجيستون للحياة فيه؛ وذلك لأنَّ دَور الهواء في عملية التنفُّس هو التخلُّص من فلوجيستون الجسم.

  • (٢)

    لا يستطيع الهواء، بعد تشَبُّعه تمامًا بالفلوجيستون، أن يُساعِد على احتراق أية مادة.

  • (٣)

    لا يُعطي المعدن المسخَّن في الهواء المُشبع تمامًا بالفلوجيستون أية بقايا.

كُتِب لهذه النظرية القَبول في فرنسا عام ١٧٤٠م، وأصبحَت عام ١٧٥٠م النظريةَ الأساسية في الكيمياء. وأصبَح الفلوجيستون في القرن الثامن عشر مثل الطاقة المُظلمة في عصرنا الحالي التي تدفع بتوسُّع الكون، كما يقول الفيلسوف الفرنسي نيكولاس دو كوندرسييه N. de Condorcet (١٧٤٣–١٧٩٤م): «يُدفع بفعل قُوًى تُعطيه اتجاهًا مُعَاكسًا لاتجاه الجاذبية.» كما صاغ أحد الكيميائيين هذه الفكرة بطريقةٍ شاعرية قائلًا: إنَّ الفلوجيستون «يعطي أجنحةً للجُزيئات الأرضية.»١١٦

ميخائيل لومونوسوف (القرن ١٨م)

لم يكن الروسي ميخائيل لومونوسوف يقبل بنظرية الفلوجيستون التي طَرحَها وسوَّق لها الباحثون الأوروبيون؛ لأنَّه لم يكن هناك شيءٌ يراه منها، ولإثبات صحة دعواه قام بتسخين المعادن في أوعيةٍ مُغلقة بإحكام، فوجد — على عكس بويل — أنه لا تُوجَد زيادة في وزن النظام ككل. واقترح بعدم وجود أية ضرورة للجوء إلى الفلوجيستون لتفسير النتائج. وإنما يُمكن تفسيرُ ما حدَث بافتراض أنَّ شيئًا ما من الهواء قد اتَّحد مع الفلز.١١٧ لكن، وكما قد يحدُث في كل عصر، إما أنه تمَّ تجاهُل دعواه أو لم يصِل صداها للآخرين.

أنطوان لافوازييه (القرن ١٨م)

في الوقت الذي بدأ فيه جوزيف بريستلي يكشف فيها عن طبيعة الغازات؛ أي في عقد السبعينيات من القرن ١٨م، كان أنطوان لافوازييه مُستغرِقًا بالكامل في البحث في مسألة الاحتراق، وكيف يعمل الاحتراقُ على تحميص المواد في الهواء، وهي المسألة التي لم تكن مفهومةً بشكلٍ جيد في ذلك الوقت.١١٨
في عام ١٧٧٢م، كان لافوازييه لا يزال مُقتنعًا بفِكرة الفلوجيستون، ولكنَّه بدأ يشُكُّ في أنَّ الأمر برُمَّته يتعلَّق بالاحتراقِ وحسب. وقد اقترح في نهاية ذلك العام أنَّ المعادن تستولي على الهواء «المثبَّت» عند التكليس، وتُطلِق المواد المُكلسنة هذا الهواء المثبَّت عند «اختزالها» مرة أخرى إلى معادن بوساطة الفحم والحرارة. جاء هذا الاقتراح عندما سمع عن الهواء المثبَّت الذي أشار إليه الكيميائي الاسكتلندي جوزيف بلاك عام ١٧٧٣م، وأوضح أنَّها المادة التي تتحد معها المعادن لتُشكِّل المواد المُكلسنة؛ الأمر الذي يُفَسِّر الزِّيادة في الوزن على الأقل، وهو ما يعني عدم الحاجة للاستعانة بالفلوجيستون.١١٩
وما أكَّد شكوك لافوازييه هو الصيدلي الفرنسي بيير باييه P. Bayeh، الذي وجد أنَّ مادة «الزئبق المكلسنة» التي تُدعى أكسيد الزئبق الآن، يُمكن تحويلها إلى زئبقٍ ببساطة عن طريق التسخين، دون الحاجة إلى الفحم الغني بالفلوجيستون، إضافةً لذلك لم يكن الغاز المنبعث في هذه العملية هواء بلاك المُثبَّت، وإنما شيءٌ آخر مُختلف تمامًا، ستتَّضِح معالمه بعد زيارة بريستلي للافوازييه على مائدة العشاء.١٢٠
ما يميِّز لافوازييه هو تقنينه للظاهرة، فقد أراد من خلال استخدام القياسات الدقيقة في التجربة أن يحصُل على الجواب الشافي لها دون الاكتفاء بالمُلاحظة؛ حيث كان قبل أن يقوم بحرق أي مادةٍ يقوم بوزنها بأقصى دقَّةٍ مُمْكِنة في عصره؛ ومن ثمَّ يعيد قياس المادة مرةً أخرى بعد الحرق. إلا أنَّه ارتبك مع حصوله على ثلاثِ نتائجَ مُختلفة عن بعضها تمامًا١٢١ في أثناء عملية الاحتراق، ولعلها تُذكِّرنا بتصنيف أرسطو لأسباب احتراق المواد:
  • فقد وجد موادَّ تخلِّف موادَّ وراءها أخفَّ من المادة الأصلية، مثل الخشب.

  • ووجد موادَّ لا تخلِّف وراءها أيةَ مادةٍ من المادة الأصلية، مثل الألماس.

  • أخيرًا وجد موادَّ تخلِّف وراءها مادةً أثقل من المادة الأصلية، مثل احتراق المعادن.

فهل الاحتراق يُدَمِّر المادة أم يزيد في وزنها كليًّا أم جزئيًّا؟ وهل يُصْبِح ناتج الاحتراق «هواء رقيق» يمتزج مع خليط الهواء؟

رُبَّما كان الأمر كذلك كما يعتقد لافوازييه؛ ففي عام ١٧٥٦م قام جوزيف بلاك بتسخين الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم CaCO3)، ووجد أنَّه يُطلِق غاز ثنائي أكسيد الكربون، وقد نقص وزن الحجر الجيري، إلا أنَّ الوزن المفقود كان يُعادل الغاز الناتج. وفي الحالة المُعَاكِسة، فإن المعادن كان يزداد وزنُها بعد الاحتراق بسبب الاتحاد بغازٍ ما مع هذا المعدن.١٢٢ وهكذا قدَّم بلاك للافوازييه مفاتيحَ حلِّ اللغز المُتعلِّق بنظرية الاحتراق، وما على لافوازييه سوى تحديد الغاز الذي يُسبِّب هذه الزيادة أو النقصان.
ومنذ عام ١٧٧٧م وحتى أواخر حياته، ادَّعى لافوازييه أنَّ الأكسجين هو «مبدأ ذري للحموضة» وأنَّ هذا الغاز — الذي هو الأكسجين — يتشكَّل فقط عندما يتَّحد مع السيال الحراري Caloric ليصنع الحرارة، وهذا يعني أنَّه حتى عام ١٧٧٧م لم يكن الأكسجين قد اكتُشِف بعدُ، وقد أُبعِد بعد عام ١٨١٠م مبدأ الحموضة من الكيمياء، كما أنَّ فكرة السيال الحراري عاشت حتى عام ١٨٦٠م.١٢٣
عندما قرأ لافوازييه نبأ اكتشاف كارل فيلهلم شيله المستقل عن هواء النار (وهو اسم الأكسجين عنده)، اقتنَع بالتجربة بصحة التفسير القائل بأنَّ احتراق الهيدروجين في الهواء يَصْنَع الماء، كما ثبت أيضًا صِحَّة التجارِب التي أجراها هنري كافندش. وبناءً عليه نشَر لافوازييه كتابه (تأملات في الفلوجيستون) عام ١٧٨٣م، مُوضحًا أنَّ هذا المفهوم غيرُ ضروري ومتناقضٌ مع نفسه. وقد أيَّدَه في ذلك بلاك وقام بتدريسها في محاضراته في أدنبره.١٢٤
وقد قال لافوازييه في عام ١٧٨٥م، مُستنكرًا نظرية الفلوجيستون: «لقد جعل الكيميائيون الفلوجيستون جوهرًا غامضًا؛ فهو ليس مُحدَّدًا بدقة ويتناسب من ثم مع كل التفسيرات المطلوبة منه. أحيانًا يكون له وزن، وأحيانًا لا وزن له، وأحيانًا يكون نارًا فحسب، وأحيانًا نار متحدة مع التراب، وأحيانًا يمُر عَبْر مسامِّ الأوعية، وأحيانًا لا يستطيع اختراقها، ويُفسِّر الحمضية وعدمها في الوقت نفسه، والشفافية والتَّعتيم، واللون وغيابه، إنه بروتيوس١٢٥ حقيقي يُغيِّر شكلَه كل لحظة.»١٢٦
إن وضع البحث الكيميائي على أساسٍ علمي على نحوٍ دقيق من قِبَل لافوازييه — الذي تَجارِبه الدقيقة والبَارعة واستعماله الدقيق للتوازُن التحليلي افتتح العصر الحديث للكيمياء ودحَض بشكلٍ خاص نظرية الفلوجيستون — المادة الغامضة ذات الثقل السلبي المتشابه على نحوٍ مدهش جدًّا لعنصر «الخفَّة المطلقة» المنسوب إلى أرسطو.١٢٧
وهكذا أرسى لافوازييه ومؤيدوه١٢٨ وجهةَ نظرهم، واتفَقوا على استخدام مصطلح «الغاز Gas» للموادِّ التي كان هو والآخرون يُسَمُّونها «هواء». وقد ضمَّن مقالته السابقة نظريتَه عن أن الحرارة والضوء عنصران — وهي بالتأكيد أحد جوانب ضعف منظومته — إلَّا أن تفسيره للتكلُّس والاحتراق والاختزال عن طريق الأكسجين، وليس الفلوجيستون كان على جانبٍ كبير من الثقة التي مَنحَت النظرية القوة لتصمُد. طبعًا لم يقتنع المُجتمع العلمي الكيميائي بما طَرحَه فورًا؛ فقد مات شيله وهو مؤمن بنظرية الفلوجيستون، أمَّا كافندش فقد كان يعتقد أنَّ تفسيرات لافوازييه لا تختلف عن تفسيرات نظرية الفلوجيستون، فتَرك الكيمياء وتَوجَّه للفيزياء، وكتب بريستلي دراستَين من آخر ما نشَره مدافعًا عن الفلوجيستون. أمَّا الجيل الحديث فقد كان مقتنعًا بنظرية لافوازييه؛ فقد نشَرَت إليزابيت فولهام، وهي كيميائيةٌ أمريكية «مقال في الاحتراق» سنة ١٧٩٤م، واحتفل أنصار لافوازييه بشكلٍ درامي، حيثُ ألبسوا زوجته ماري ملابسَ قسيسة (أو كاهنة) وأخذَت تُشعِل النار في كتابات بيشر وشتال على المذبح.١٢٩
كذلك فقد اقتنع وليم هويغنز W. Huygens أيضًا بما طَرحَه لافوازييه، فنَشَر عام ١٧٨٩م كتابه (نظرة مقارنة في النظرية الفلوجيستونية والمضادة للفلوجيستونية)، ودافَع فيه عن الرأي القائل بأنَّ جُزيئات المُركَّبات الكيميائية هي اتحاد لذرات العناصر المكوِّنة لها، بل وصل إلى حد الاعتقاد بأنها لا تتَّحد إلا وَفْق نِسبٍ وَزْنيَّة محدَّدة.١٣٠
في المقابل، تلقَّى لافوازييه هجومًا عنيفًا عندما أشار إلى أنَّ الماء يتألَّف من الأكسجين والهيدروجين، وفي حين يُمكن للماء أن يُطفئ الحرائق فإنَّ الهيدروجين قابل للاشتعال على نحوٍ هائل. فردَّ عليه أحدهم: «إنَّ الماء هو أقوى مضاد نملكُه للفلوجيستون.» فالأكسجين سيتسبَّب بالتخلِّي عن الفلوجيستون لتفسير عملية الاحتراق، التي تنتهي عندما يُصبح الهواء خاليًا من الأكسجين، وليس عندما يكون مُشبعًا بالفلوجيستون.١٣١
مع أن لافوازييه أخرج الفلوجيستون بوصفه مادَّةً مسئولة عن عملية الاحتراق من الباب، لكنه أدخل من الشباك السيَّال الحراري بوصفه مادةً فيزيائية،١٣٢ وليس عنصرًا قديمًا. وقد بدَت مادة السيال الحراري كأنها فلوجيستون لكن بشكلٍ آخر؛ فالسيال هو ما يجعل المواد غازية؛ لذلك فإنَّ غاز الأكسجين زاخر به. وعندما كان الأكسجين يتفاعل مع المعادن لتشكيل المواد المكلسنة، كان السيال يتحرر، ونتيجةً لذلك يُصبِح الأكسجين كثيفًا وثقيلًا.١٣٣
أخيرًا وللكشف عن طبيعة العلاقة بين الاحتراق والتنفُّس قام لافوازييه بالاشتراك مع الفلكي وعالم الرياضيات الفرنسي الماركيز بيير سيمون دي لابلاس، بتجاربَ عملية أثبتَت أنَّ عملية التنفس في الحيوانات، تُشبه كيميائيًّا عملية الاحتراق، وتُعَدُّ دراساتُهما للعمليات الكيميائية في الكائنات الحيَّة من بين أوائل التجارب في فرع الكيمياء الحيوية.١٣٤

جوزيف بريستلي (القرن ١٩م)

بقي جوزيف بريستلي مُتشبثًا بنظرية الفلوجيستون، وهو ما عَبَّر عنه من خلال نشره لبحثه (مذهب الفلوجيستون يتأكَّد وتكوين الماء يُدحَض) عام ١٨٠٠م، ولم يستطع التخلُّص منها حتى عندما بقي المؤيِّد الوحيد لها إلى يوم وفاته عام ١٨٠٤م.١٣٥
لقد أجرى بريستلي تجاربه على الهواء النتروجيني المُشبع بالفلوجيستون (ثنائي أكسيد النتروجين)، ونجح بعده كارل شيله في تحضير «هواء النار» أو «هواء الحريق»١٣٦ أي الأكسجين، قبل عام ١٧٧٣م،١٣٧ وأكَّد أنَّ الهواء — كما كان يُعتقد سابقًا — ليس مادةً بسيطة، بل مزيجٌ بين غازَين هما الأكسجين والنتروجين.١٣٨ كما أجرى بريستلي تجاربه على مادة تُسَمَّى كلس الزئبق (أو ثنائي أكسيد الزِّئبق)١٣٩ وهي مادةٌ كان يبيعُها الصيادلة في باريس لعلاج مرض الزهري؛ حيث يُسخِّنها بوساطة عدسةٍ مُكبِّرة ويجمع الأدخنة المُنبعثة، وقد قال في ذلك: «ما أدهشَني أكثر مما أستطيع التعبير عنه هو أن شمعةً اشتَعلَت في هذا الهواء بلهبٍ ملحوظ القوة … احترتُ تمامًا كيف أفسِّر ذلك.» وبعد أنْ وجد فأرَ تجاربَ انتعش وهو يستنشق هذا الغاز، راح يُجربه على نفسه، فقال حينها: «لقد خُيِّل إليَّ أن صدري خفيف ومرتاح على غير العادة لفترة من الوقت بعد ذلك. والذي يُمكِنُني قوله إنَّ هذا الهواء الخالص رُبَّما يصبح في يومٍ ما سلعة رفاهية رائجة، إلا أنَّ أحدًا لم يحظَ حتى الآن بشرف استنشاقه إلا أنا وفأران.» وقد أطلق بريستلي على هذا الغاز اسم «الهواء منزوع الفلوجيستون»؛ أي الهواء في أنقى صوره على الإطلاق.١٤٠ وهو أيضًا غاز الأكسجين نفسه الذي اكتشَفه شيله ولافوازييه.
في عام ٢٠٠١م، عُرضَت مسرحيةٌ اسمها «أكسجين»؛ حيثُ تخيَّل فيها الكيميائيان كارل جيراسي C. Djerassi ورولد هوفمان R. Hoffmann العلماء الثلاثة؛ شيله وبريستلي ولافوازييه وقد استدعاهم ملك السويد إلى استوكهولم؛ ليُقرِّر من يستحق التقدير بوصفه المكتشف الحقيقي للأكسجين فكان شيله أول من استخلص الغاز، وبريستلي أول من نشر كلمةً عن وجوده، لكن لافوازييه كان الوحيد الذي فهم وأدرك حقيقةَ ما وجد.١٤١ بمعنى أنَّ ما يميز ادعاء لافوازييه لم يكن الملاحظات، وإنما التفسير١٤٢ هو الذي أوصلَه إلى أن الأكسجين ما هو إلا عنصرٌ من الهواء يساعد في عملية الاحتراق.

بيير لابلاس (القرن ١٩م)

عَمِل المركيز بييرسيمون دو لابلاس مع لافوازييه لاستقصاء حقيقة النار؛ حيث طوَّرا مسعرًا، وهو جهاز لقياس كميَّة الحرارة المُنطلقة أثناء التنفُّس والاحتراق. كان هذا الجهاز يتألَّف من حجرةٍ مُحَاطة بفراغٍ مملوء بالثلج، وكانت كمية الماء التي تُجمع من الجليد المُنصهر تُستخدَم كمقياسٍ للحرارة المُنطلقة في الحجرة الداخلية. ومن أجل الحصول على دقةٍ أكبر في القياس، كان الجهاز يُحَاط من الخارج بغِلافٍ مملوء بالجليد، حتى إنَّ التجارب كانت تُجرى في الأوقات التي تكون فيها درجة الحرارة أعلى قليلًا من درجة التجمُّد. وقد استطاع كلٌّ من لابلاس ولافوازييه تعيين كمية الحرارة المنطلقة أثناء احتراق الفحم وتكوين ثنائي أكسيد الكربون بوساطة هذا الجهاز، ثم قاما بتعيين كمية الحرارة المتولِّدة بوساطة أحد خنازير غينيا (حيوان تجارب) أثناء تنفُّسه،١٤٣ وأيضًا جمعا ثنائي أكسيد الكربون من الزفير. وقارنا كمية الحرارة المتولِّدة من الحيوان بكمية الحرارة المتولِّدة بالاحتراق والتي تُعطي الكمية نفسها من ثنائي أكسيد الكربون. وقد حصلا على نتائجَ دقيقةٍ لدرجةٍ جعلَتهما يستنتجان أن التنفس نوع من الاحتراق. ومع أنَّ البحث التجريبي مُهِمٌّ إلا أنَّ تفسير لافوازييه لطبيعة الضوء والحرارة قد بدأ مُفْتعلًا؛ ففي حين كان لابلاس يُفضِّل التفسير المِيكانيكي للحرارة، على أنَّها حركةُ جُسيمات المادة — كما نعرفها اليوم — إلا أن لافوازييه كان يصف الحرارة بأنها مادة. وقد أطلق عليها اسم «سعري» أو كالوري، أو مادة النار، ووصفها بأنها عديمة الوزن، وهو التفسير الذي جعل من الحرارة إحدى صور الفلوجيستون، كما وجدنا ذلك سابقًا. لكن على عكس الفلوجيستون، كان لافوازييه قادرًا على قياس مادة النار كميًّا، لكنه لم يستطع أن يفصل بشكلٍ واضح بين الحرارة والضوء، وكان وصفه للضوء غير كمِّي.١٤٤

يوليوس ماير (القرن ١٩م)

نظرًا لكون يوليوس ماير طبيبًا في الأصل، فقد كان الدَّافع الذي حثَّ ماير للوصول إلى «مبدأ لحفظ أو مصونية الطاقة» هو احمرار الدَّم المُدهِش عند البحارة الجُدُد الذين قام بفحصهم على متن المركَب التجاري الذي كان يعمل عليه، ووجد أنَّ ذلك ناجم عن حرارة الإقليم الاستوائي؛ حيث إنَّ معدل الاستقلاب (الأيض) يُساعد على إبقاء درجة حرارة الجسم على حالها في الطقس الحار، مما يعني أنَّ كمية الأكسجين التي يجبُ أخذها من الدَّم الشرياني الأحمر هي أقل. وقد وجد ماير أنَّ مصدر الحرارة لدى الحيوان هي أكسدة الطعام، وتَوصَّل إلى أنه يُمكِن تقدير كمية الطاقة الكيميائية الكامنة في الطعام من خلال كمية الحرارة النَّاتجة عن أكسدة هذا الطعام. وقد اعتقد بأنَّ قوة العضلة وحرارة الجسم تُستمدَّان من الطاقة الكيميائية الموجودة في الطعام، وطالما أنَّ صرف الطاقة والتزوُّد بها مُتعادل لدى الكائن الحي فلا بد من وجود مبدأ لحفظ الطاقة١٤٥ energy conservation الذي ينُص على الطاقة لا تُخلق من العدم ولا تفنى وإنما تتحوَّل من شكلٍ لآخر.
بعد الكشف عن الأكسجين بوصفِهِ عنصرًا مُهمًّا في عملية الاحتراق العادية، تمكَّن علماء الأحياء الأوروبيون من وضع تفسير للحرارة التي تنتُج عن الأجسام الحيَّة، وقد وجد الباحث و. ﻫ. أوليري W. H. O’Leary بأنه تُوجَد ثلاثة مصادرَ كبيرة تشتق الموادَّ المؤكسَدة التي تُنتِجها حرارة الحيوان:
  • أولًا: أنواع الطعام المولِّدة للحرارة والدهون، والتي تستوعبها القناة المعوية.

  • ثانيًا: المادة المُتحلِّلة المشتقَّة من النسج العضلية ونسج أخرى نتيجة نشاط.

  • ثالثًا: المواد المولِّدة للحرارة مُختزنة في النظام الحي؛ أي المادة الدهنية وغيرها.

وبعد عددٍ من التَّجارب المُفصَّلة في هذا التقرير مال أوليري إلى الإثبات بشكلٍ حاسٍم بأن إنتاج حرارة الحيوان يتمُّ بأكسدة المواد المذكورة أعلاه، مُنجزةً ذلك في الدورة الدموية، وليس في الأنسجة؛ أي إنها تُنتَج بشكلٍ رئيس في النظام الشرياني، وتبدأ من لحظة تلقِّي الأكسجين في الرئتَين. هذا التأثير يحدُث أيضًا في الأوردة، لكن بدرجةٍ أقل بكثير، حيث إنَّ الحرارة الضرورية للحفاظ على الأنسجة العضلية والأنسجة الأخرى بدرجةِ حرارة طبيعية مُستمَدَّة من عبور الدم الشرياني خلالها، وليس من أي أكسدةٍ تحدُث في أنسجتها الصحيحة.١٤٦

وهكذا؛ كُشف أخيرًا للبشرية — بعد كل تلك الجهود الجبَّارة للعلماء والباحثين — أن الأكسجين هو العنصر الرئيس لعمليتَي الاحتراق والتنفُّس، وبات سببُ توليد الحرارة الناتج عن العمليتَين السابقتَين مفهومًا، وعندما نفهم ظاهرةً يعني أنه يُمكِننا السيطرةُ والتحكُّم بها.

١  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «الاحتراق»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٢  يُوجد أنواعٌ أخرى يحدُث فيها الاحتراق دون الحاجة للهواء أو الأكسجين مثل التسخين الكهربائي الذي يعتمد على وجود مِلفاتٍ أو وشائع تسخين يمكنها أن تعمل في ظل ظروفٍ عديمة الهواء.
٣  الدمرداش، أحمد سعيد، ص٣٧٧.
٤  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, Osiris, Vol. 10 (1952), pp. 209.
٥  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ترجمة: فتح الله الشيخ، ط١، سلسلة عالم المعرفة، رقم ٢٦٦، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ٢٠٠١م، ص١٣٥.
٦  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٢.
٧  بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص١٦٤.
٨  بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص١٨٤.
٩  هكذا كانت مكتوبةً في النص المحقَّق لبدوي. وحاولتُ معرفة هذا الحجر بعد عملية بحث عنه ولم أتمكَّن من معرفته.
١٠  بدوي، عبد الرحمن، شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية (ورسائل أخرى)، ص١٨٤.
١١  ابن رشد، تلخيص الآثار العلوية، ص١٩٦.
١٢  المرجع السابق نفسه، ص٢٠٤.
١٣  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 210.
١٤  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 209.
١٥  جماعة من السوفييت، موجز تاريخ الفلسفة، ص٧٩–٨٠.
١٦  لم نتمكَّن من معرفة هذَين الشخصَين.
١٧  بلينوس الحكيم، سر الخليقة وصنعة الطبيعة، ص٤٦٨.
١٨  المفيدروس، تفسير كتاب أرسطوطاليس في الآثار العلوية، نقل حنين بن إسحاق وإصلاح إسحاق بن حنين، عن كتاب شروح على أرسطو مفقودة في اليونانية ورسائل أخرى، تحقيق: عبد الرحمن بدوي، دار المشرق، بيروت، ١٩٦٨م، ص١٧٠.
١٩  نيدهام، جوزيف، موجز تاريخ العلم والحضارة في الصين، ص٢٧٢.
٢٠  ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، ج٢، ص٤٣.
٢١  الخوازرمي، مفاتيح العلوم، ص٢٣٢.
٢٢  البيروني، أبو الريحان، القانون المسعودي، ج٣، ص١١٢٧.
٢٣  الجلدكي، أيدمر، البرهان في أسرار علم الميزان، ج٣، مخطوطة في الخزانة التركية وزارة الأوقاف، رقم (٨٢٨)، ص١٨٥.
٢٤  الإمام جعفر الصادق في نظر عُلماء الغرب، ترجمة: نور الدين آل علي، دار الفاضل، دمشق، ١٩٩٥م، ص١٢٢.
٢٥  المرجع السابق نفسه، ص١٢٣.
٢٦  سزكين، فؤاد، تاريخ التراث العربي، ج٤، الكيمياء والسيمياء، ص١٩٢.
٢٧  المرجع السابق نفسه، ص١٩٤.
٢٨  صبحي، أحمد محمود، وحملها الإنسان: مقالات فلسفية، ط١، دار النهضة العربية، بيروت، ١٩٩٧م، ص١٦.
٢٩  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٤.
٣٠  هيل، دونالد، العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ص١١٦.
٣١  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٤.
٣٢  الخالدي، روحي، الكيمياء عند العرب، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة، ٢٠١٤م، ص٥٢.
٣٣  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٥.
٣٤  محمود، زكي نجيب، جابر بن حيان، ص٢٢٥.
٣٥  الشكيل، علي جمعان، الكيمياء في الحضارة الإسلامية، ص١٠٥–١٠٦.
٣٦  المرجع السابق نفسه، ص١٠٦.
٣٧  جابر بن حيان، كتاب الإحراق، مخطوط محفوظ في مكتبة شستربيتي، إيرلندا، دبلن، مجموع رقم (٣٢٣١) م. ك، مج٢، ص١٩و.
٣٨  هو نفسه عنصر الزِنْك أو التُوتِياء.
٣٩  بربوتي، محمود مهدي، المنهج البحثي لدى الكيميائيين العرب الأوائل، ص٤٤.
٤٠  سنُناقِش هذه النظرية بشكلٍ موسَّع في الباب الرابع.
٤١  إس، فان، الكلام والطبيعة عند أبي إسحاق النظَّام، ص٣٧.
٤٢  الجاحظ، عمرو بن بحر، الحيوان، تحقيق: عبد السلام هارون، ج٥، ص٢٠–٢١.
٤٣  الرَّازي، أبو بكر محمد بن زكريا، رسائل فلسفية، تحقيق: لجنة إحياء التراث العربي في دار الآفاق الجديدة، ط٥، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ١٩٨٢م، ص١٧٣.
٤٤  المرجع السابق نفسه، ص٢٢١–٢٢٢.
٤٥  جاء في لسان العرب: «العُشَرُ: شَجَرٌ لَهُ صَمْغٌ وَفِيهِ حُرَّاقٌ مِثْلُ الْقُطْنِ يُقْتَدَح بِهِ. قَالَ أَبو حَنِيفَةَ: العُشر مِنِ العِضاه وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الشجَرِ، وَلَهُ صَمْغٌ حُلْوٌ، وَهُوَ عَرِيضُ الْوَرَقِ يَنْبُتُ صُعُدًا فِي السمَاءِ، وَلَهُ سُكر يَخْرُجُ مِنْ شُعَبِه وَمَوَاضِعِ زَهْرِه، يُقَالُ لَهُ سُكَّرُ العُشَر، وَفِي سُكَّرِه شيءٌ مِنْ مَرَارَةٍ، وَيَخْرُجُ لَهُ نُفَّاخٌ كأَنها شَقاشِقُ الْجِمَالِ التِي تَهْدِرُ فِيهَا، وَلَهُ نَوْرٌ مِثْلُ نورِ الدِّفْلى مُشْربٌ مُشرق حَسَنُ المنظَر وَلَهُ ثَمَرٌ»، ج٤، ص٥٧٤.
٤٦  يقصد القطن.
٤٧  «الْحَلْفَاءُ نَبَاتٌ حَمْلُه قصَبُ النُّشَّابِ. قَالَ الأَزهري: الحَلْفَاء نَبْتٌ أَطْرافُه مُحَددةٌ كأَنَّها أَطْرافُ سَعَفِ النخْلِ وَالْخُوصِ»، لسان العرب، ج٩، ص٥٦.
٤٨  «اليراعُ فَراشةٌ إِذَا طارَتْ فِي الليْلِ، لَمْ يَشُك مَن لَمْ يَعْرِفْها أَنها شَرَرةٌ طارتْ عَنْ نارٍ»، لسان العرب، ج١، ص٢٩٧.
٤٩  يقصد البقايا.
٥٠  يقصد الحطَب اليابس.
٥١  «الدَّوْحةُ: الشجَرَةُ الْعَظِيمَةُ الْمُتسِعَةُ مِنْ أَي الشجَرِ كَانَتْ»، لسان العرب، ج ٢، ص٤٣٦.
٥٢  يقصد تصبح زهرة.
٥٣  الرصاص الأبيض تحديدًا.
٥٤  «المَرتك فارسي معرَّب. وفي القاموس: المرتَك: المُردَاسَنجُ. وأَراد الآنك؛ أي الرصاص أسودَه أو أبيضَه» لسان العرب، ج١٠، ص٤٨٦.
٥٥  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الجوهرتَين العتيقتَين المائعتَين من الصفراء والبيضاء (الذهب والفضة)، ص٨٨.
٥٦  الهمداني، الإكليل، ج٨، تحقيق: محمد بن علي الأكوع، دمشق، ١٩٧٩م، ص٢١٣–٢١٨.
٥٧  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الإكليل، ج ٨، مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون، رقم (oct382)، ص٦١.
٥٨  «السلِيطُ عِنْدَ عَامةِ الْعَرَبِ الزيْتُ، وَعِنْدَ أَهل الْيَمَنِ دُهْنُ السمْسِم»، لسان العرب، ج٧، ص٣٢٠.
٥٩  «الذُّبَالَةُ: الفَتِيلة التِي تُسْرَج»، لسان العرب، ج١١، ص٢٥٦.
٦٠  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الإكليل، ج ٨، مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون، رقم (oct382)، ص٦١–٦٢.
٦١  يقصد مُلئَت نارًا.
٦٢  يقصد بالتهر هنا الرمل.
٦٣  الهمداني، الحسن بن أحمد، كتاب الإكليل، ج ٨، مخطوطة في مكتبة جامعة برنستون، رقم (oct382)، ص٦١–٦٢.
٦٤  الفارابي، رسالتان فلسفيتان، حققه: جعفر آل ياسين، ط١، دار المناهل، بيروت، ١٩٨٧م، ص٥٢–٥٣.
٦٥  التميمي، محمد، مادة البقاء في إصلاح فساد الهواء والتحرز من ضرر الأوباء، ص١٢٨–١٢٩.
٦٦  إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، دار صادر، بيروت، (د.ت)، مجلد ٢، ص٦٩–٧٠.
٦٧  ابن سينا، القانون في الطب، ج٣، تحقيق: إدوارد القش وعلي زيعور، مؤسسة عز الدين للطباعة والنشر، بيروت، ١٩٩٣م، ص١١٢٦.
٦٨  ابن سينا، القانون في الطب، ج١، وضع حواشيه محمد أمين الضناوي، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٩٩٨م، ص١١٣–١١٤.
٦٩  ابن حزم الأندلسي، رسائل ابن حزم، تحقيق: إحسان عباس، ط١، ج٤، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ١٩٨٣م، ص٣٠٤.
٧٠  انظر تفصيل المعنى الميكانيكي للميل في كتابنا (تاريخ علم الميكانيك)، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٦م، ص٣٦٢ وما بعدُ.
٧١  ابن متويه، الحسن، التذكرة في أحكام الجواهر والأعراض، ص٣٠٥.
٧٢  المرجع السابق نفسه، ص٣٠٥–٣٠٦.
٧٣  الطغرائي، مخطوطة مفاتيح الرحمة وأسرار الحكمة، ص٣٨ظ–٣٩و.
٧٤  ابن باجة، كتاب النفس، ص٥٤–٥٥.
٧٥  ابن ملكا البغدادي، المعتبر في الحكمة، ص١٨٢.
٧٦  فخر الدين الرازي، مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)، ج١، ط٣، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٩٩٩م، ص٣٩–٤٠.
٧٧  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩٢.
٧٨  المرجع السابق نفسه، ص٥٩٨.
٧٩  الإيجي، كتاب المواقف، ج١، ص٥٩٩.
٨٠  المرجع السابق نفسه، ص٥٩٩.
٨١  التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد في علم الكلام، ج٢، ص٢٣١.
٨٢  التفتازاني، سعد الدين، شرح المقاصد في علم الكلام، ج٢، ص٢٣٣.
٨٣  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٥.
٨٤  المرجع السابق نفسه، ص١٣٦.
٨٥  المرجع السابق نفسه، ص١٣٥.
٨٦  جاليليو جاليلي، اكتشافات وآراء جاليليو، ص٣٠٦–٣٠٧.
٨٧  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 313.
٨٨  ديكارت، رينييه، العالم أو كتاب النور، ص٦٠.
٨٩  ديكارت، رينييه، العالم أو كتاب النور، ص٦١.
٩٠  المرجع السابق نفسه، ص٦٢.
٩١  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢١٩.
٩٢  بول، فيليب، العناصر، مقدمة قصيرة جدًّا، ترجمة: أحمد شكل، مؤسسة هنداوي للثقافة والتعليم، القاهرة، ٢٠١٦م، ص٣٥.
٩٣  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٧.
٩٤  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 212.
٩٥  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 213.
٩٦  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 207–208.
٩٧  اقتبس ذلك مايو من فوستر في كتابه (النابض ووزن الهواء) عام ١٦٦٠م، والذي وصَفَه أيضًا بتأثير الماء القوي على بُرادة الحديد؛ حيث إن هذا التأثير يُولِّد «الهواء» وهذا حسب رأيه.
٩٨  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 212.
٩٩  اشتُق الاسم من اليونانية القديمة فلوجيستون (γοσιότόν) التي تعني «حرق»، أو منفلوكس φλόξ التي تعني «اللهب». أما في العربية فقد تُرجِم إلى «اللاهوب».
١٠٠  وهي عملية تسخينِ معدنٍ تحت لهبٍ شديد يُخلف على إثرها مادةً هشةً مبيضةً أو كلسًا.
١٠١  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٨.
١٠٢  بول، فيليب، العناصر، ص٣٣.
١٠٣  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣٠–١٣١.
١٠٤  المرجع السابق نفسه، ص١٣١.
١٠٥  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 210, 213.
١٠٦  Barnett, Martin K., The Development of Thermometry and the Temperature Concept, p. 314.
١٠٧  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢١٩.
١٠٨  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٣١.
١٠٩  Merton, E. S., Sir Thomas Browne’s Theories of Respiration and Combustion, p. 211.
١١٠  جونسون، جورج، أجمل عشر تجارب على الإطلاق، ترجمة: طارق عليان، ط١، هيئة أبو ظبي للسياح والثقافة مشروع كلمة، أبو ظبي، ٢٠١٤م، ص٧٥.
١١١  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢١٩.
١١٢  مطلب، محمد عبد اللطيف، تأريخ علوم الطبيعة، ص٢٤٩.
١١٣  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢١٩.
١١٤  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «الكيمياء»، الرياض، ٢٠٠٤م.
١١٥  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢١٩.
١١٦  جونسون، جورج، أجمل عشر تجارب على الإطلاق، ص٧٧.
١١٧  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٦٣.
١١٨  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٥٣.
١١٩  بول، فيليب، العناصر، ص٣١.
١٢٠  المرجع السابق نفسه، ص٣٤.
١٢١  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٥٤.
١٢٢  أسيموف، إسحاق، أفكار العلم العظيمة، ص٥٥.
١٢٣  كوهن، س. توماس، بنية الثورات العلمية، ص١٠٢.
١٢٤  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢٢٢.
١٢٥  يقصد أنه يشبه بخصائصه خصائص إله البحر الصغير بروتيوس Proteus الذي لديه قُدرة على التنبُّؤ، لكنه يتخذ أشكالًا متعددة حتى يتجنَّب الإجابة على الأسئلة. عن: en.wikipedia.org/wiki/List of Greek mythological.
١٢٦  بول، فيليب، العناصر، ص٣٧.
١٢٧  Samursky, Shmuel, Physical Thought, p. 21.
١٢٨  لقد ساعد كلٌّ من بيرثيلو وفور كروي ودي مورفيه وغيرهم على إرساء فكرة لافوازييه واستقرار نظريته في المجتمع العلمي.
١٢٩  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٨٠.
١٣٠  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢٢٣.
١٣١  بول، فيليب، العناصر، ص٣٧.
١٣٢  معروف أنَّ لافوازييه لاقى مصيرًا مأساويًّا بقطع رأسه بالمقصلة، بعد الثورة الفرنسية، لكن المُفارقة أن الكونت رمفورد يتزوَّج أرملته، والأخير هو الذي أخرج فكرة السائل الحراري من الفيزياء بعد أن أدخلها لافوازييه. انظر: في سبيل موسوعة علمية، ط٦، أحمد زكي، دار الشروق، ١٩٩٤م. ص٤٠٤.
١٣٣  بول، فيليب، العناصر، ص٣٨.
١٣٤  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «الكيمياء»، الرياض، ٢٠٠٤م.
١٣٥  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢٢١.
١٣٦  جونسون، جورج، أجمل عشر تجارب على الإطلاق، ص٨٣.
١٣٧  الذي توصل إليه قبل عام ١٧٧٣م وإن لم يُنشَر إلا سنة ١٧٧٥م. وقد قال شيله: «لقد تيقَّنتُ بسرعة أنه من غير الممكن أن أُكوِّن فكرةً عن ظاهرة النار ما دمتُ لا أفهم الهواء.» كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٤٨.
١٣٨  فوربس، ر. ج.، وديكستر، إ. ج.، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص٢٢٠.
١٣٩  كان يعدُّ إجراء التجارب على هذه المادة يُماثل تلك التي تُجرى على الألماس؛ حيث إن مادة كلس الزئبق غالية الثمن؛ فالأونصة الواحدة منها كان ثمنها ١٨ ليرة فرنسية وأكثر (حوالي ١٠٠٠ دولار اليوم).
١٤٠  جونسون، جورج، أجمل عشر تجارب على الإطلاق، ص٨٢–٨٣.
١٤١  المرجع السابق نفسه، ص٨٧–٨٨.
١٤٢  بول، فيليب، العناصر، ص٣١.
١٤٣  لم تكن الخنازير فقط ما كان يستخدمه لافوازييه في تجاربه على التنفُّس، بل كان يستخدم مساعده أرماند سيغوين؛ حيث كان لافوازييه يُدخِل سيغوين في كيسٍ حريري مدهون بالورنيش ووضَع قناعًا من النحاس الأصفر على وجهه ليتمكَّن من تنفُّس الأكسجين من مُستودَع له وإخراج هواء الزفير وحده بحيث يتمكَّن لافوازييه من جمعه. انظر: كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٨٢.
١٤٤  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص١٧٤–١٧٥.
١٤٥  موتز، لويد وويفر، جيفرسون هين، قصة الفيزياء، ط١، ص١٦٦–١٦٧.
١٤٦  O’Leary, W. H., On Animal Heat, Proceedings of the Royal Irish Academy (1836–1869), Vol. 10 (1866–1869), pp. 65–66.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤