الفصل الأول

رحلة البحث عن المُحرِّكات الأبدية

مقدمة

يتناول هذا الفصل مراحل تطوُّر الصِّراع بين السَّاعين لإثبات وجود مُحَرِّكٍ أبدي وأولئك الحُرَّاس الساعين للحفاظ على مصونية الطاقة في الكون، وحتى الآن فإنَّ الكفة ترجح لصالح الفريق الثاني، ولكن قبل أن ندخل في تفاصيل هذه المَلحَمة العلمية، يجبُ أن نفرِّق بين جملة المصطلحات الآتية: حركة أزلية Eternal movement، وحركة أبدية أو حركة دائمة Perpetual motion، وذاتي الحركة Automata.

فالحركة الأزلية هي التي لا يكون لها بدايةٌ تبدأ منها ولا نهاية تنتهي عندها، أمَّا الحركة الأبدية فهي التي بدأَت في زمنٍ مُحدَّد ولن تقف في المستقبل، وهي تكافئ بذلك الحركة الدائمة. أمَّا الحركة الذاتية فهي التي تتمتَّع بها بعض الآلات؛ حيث إنها تعمل وَفْق برامجَ وخطواتٍ محدَّدة، وقد كانت معظم الآلات التي تُصنَع قبل عصر الكهرباء تُبرمَج ميكانيكيًّا؛ بمعنى تُصمَّم أقراص أو آلياتٌ أخرى تُوضَع عليها تعليمات عمل الآلة. وهذا النوع لا يندرج تحت عنوان آلات الحركة الدائمة التي سيتناولُها هذا الفصل، وإنما تحت عنوان الآلات الميكانيكية المُبرمَجة.

البحث في الحركة الدَّائمة مصطلحٌ عام يُعبِّر عن هدفَين كاملَين مُتميزَين؛ البحث في المحرِّك الدائم، والبحث في الجسم المُتحرِّك بشكلٍ دائم. والأصعبُ من هذَين الهدفَين الكاملَين هو البحث في المُحرِّك الدائم. ومثل هذا الهدَف هو تصوُّر الطحَّان الذي لديه كميةٌ مُعيَّنة من الماء في خزَّانه مستعدة للتدفُّق من عُلوٍّ معين، ويَحلُم الطحان بجمع مسيرات الحركة العجيبة التي قد تُخوِّله بأن يطحن كميةً من الحبوب بقَدْرِ ما يريد بدون رفع خزَّانه بوصة أو إضافة أوزانٍ إضافية إلى كمية الماء الموجودة لديه.١
الآن يُمكِننا تعريفُ المحرِّك الأبدي على أنه «آلةٌ افتراضية يمكنها أن تقوم بأداء عملٍ متواصل دون التزوُّد بطاقة، أو تعمل باستمرار على تحويل الطاقة إلى عملٍ بصورةٍ كلية، أو تُعطِي مزيدًا من الطاقة، دون انقطاع، أكثر مما تستهلك.»٢
وعلى هذا؛ فإنَّ المُحرِّك الأبدي هو آلةٌ لا تخضع لقانون بقاء الطاقة الميكانيكية، ولا تتغلَّب على قانون تقليل الطاقة الميكانيكية. إنه آلةٌ تُباشِر عملَها بمجرَّد تركيبه، وهو لا يتطلَّب أي مصدرٍ آخر من الخارج ليُزوِّده بالطاقة.٣ وذلك يعني أنَّ هذا المحرِّك يتحدَّى قوانين الترموديناميك المعروفة حاليًّا.
لقد كان المحرِّك الأبدي مقترحًا في الميكانيك. لكن الاحتكاكات والتصادُمات غير المرنة أدركَت بوصفِها ذاتَ نتيجة عكس المرغوبة؛ لأنها تمتَص العمل وتُفني الطاقة الحركية، وكلاهما يُنتِج حرارة.٤
من النَّاحية المِيكانيكيَّة؛ يُمكن أن تُوجَد ثلاثة أنواع للمُحركات الأبدية؛ فهي إمَّا أن تكون بالأساس تميل نحو مركز الكون، أو قد تكون مُتَّجِهة نحو مركز مسارٍ بسيط مثل جريان الماء، أو قد تنجُم عن خاصَّةٍ مُعينة مثل حركة الحديد نحو المغناطيس. وعلى ما يبدو، ينبغي أن نلتمس المحرِّكات الدائمة في حركتَي النوع الأول والثاني. الآن عندما يتم سحب وزنٍ بقوةٍ أكثر أو نعيده على نحوٍ أكثر فعاليةً ونشاطًا، فهو مُتَّسِق مع طبيعته وحركته الطبيعية، وهذا صحيح، ولكن بدون تحرُّرٍ في السُّرعة. أمثلة عن هاتَين الحركتَين نراها في أوزان الساعات. بالنسبة للحركة الدَّائرية، فإننا نراها بشكلٍ طبيعي في السماء والهواء، والثاني ليس مدفوعًا بآلية دائمة الوجود، بالنِّسبة للأجسام الأخرى، فإنَّ الحركة الدَّائرية، لديها دائمًا أساسها في الحركة العمودية، وهو ما نجده في الأنهار وبمعدل يصل إلى حد أن الماء متولد بفعل المصدر فهو يهبط باستمرار على طول منحدر القاع، لكن يتوجب على الحركة أن تكون دائمة، فمن الضروري أنَّ الأجسام التي تمَّت إزاحتُها ووصلَت إلى نهاية مسارها من شأنها أن تُعاد إلى مواقعها الأساسية، وذلك بأن يتمَّ حملها فورًا بواسطة زيادةٍ محدَّدة للقوة الحركية.٥
ومن الناحية الترموديناميكية، يمكن أن يُوجَد نوعان للمحركات الأبدية:
  • (١)
    الذي يُعطِي طاقةً بشكلٍ دائم من دون أن يستهلك أية طاقة من الوسط الخارجي، ويُسمَّى بالمُحرِّك الأبدي من النَّوع الأول. وقد وجدنا سابقًا، كيف أسهم في تأسيس الترموديناميك عددٌ من العُلماء، وقد صاغوا القانون الأول فيه ليكون بعنوان «مبدأ مصونية الطاقة» الذي يُطبَّق على تحوُّل الحرارة إلى طاقةٍ ميكانيكية وبالعكس. وقد وصفه الكيميائي الألماني فيلهلم أوستفالد W. Ostwald (١٨٥٣–١٩٣٣م) بأنه مبدأ استحالة الحركة الدائمة من النوع الأول؛ أي إنَّ الآلة التي تُعطينا طاقة من نوعٍ ما لا تكون قد زُوِّدت بها قبلًا بشكل أو بآخر. وبالتأكيد لا يشمل هذا المبدأ جميع الظاهرات الطبيعية.٦
  • (٢)
    المُحَرِّك الذي يستطيع تحويل الطاقة الحرارية إلى طاقةٍ ميكانيكية بشكلٍ كامل، ويُسمِّى المحرِّك الأبدي من النوع الثاني، ولكن القانون الثاني في الترموديناميك ينُص على أنه يستحيل صنعُ آلةٍ تعمل دوريًّا ولا تفعل شيئًا سوى أخذ الحرارة من مصدر ورفع ثقل. ومع أنَّ هذه الآلة مُمْكنة من ناحية المبدأ الأوَّل، إلا أنَّ القانون الثاني يُنكِر إمكانية وجودها؛ ولهذا السبب قام أوستفالد بتسمية هذا المبدأ، بمبدأ استحالة الحركة الدائمة من النوع الثاني؛ فبينما يمنحنا المبدأ الأول الأمل بتوليد الطاقة من العدَم، يحرمنا المبدأ الثاني من هذا الأمل.٧

البحث عن المُحرِّكات الأبدية التي يُؤخَذ منها عمل بشكلٍ دائم، مُجرد أن تبدأ الآلة بالعمل، كان حُلْم الكثيرين من الميكانيكيين وصُنَّاع الآلات المَهَرة، وهو أشبه بحلم الخيميائيين بحصولهم على الذهب من الرصاص وغيره من المعادن الرخيصة. مع أنَّ بعضهم كان دجَّالًا والآخر مخادع، بحيث جعل من عمله سِرِّيًّا للغاية لا يمكن كشفُه لأي شخصٍ كان، إلا أنه كان يضَع قريبًا أو خادمًا له ليعمل على تشغيل الآلة، فتبدو أنها أبديةُ الحركة.

مع كل ما أُهدِر من وقتٍ ومالٍ وجهدٍ في سبيل الحصول على المُحَرِّك الأبدي، إلا أن كَمَّ التصاميم والأفكار التي وُضعَت — كما سنشاهد في هذا الفصل — دفع بالآخرين أن يفكِّروا بطريقةٍ أكثر منطقيةً وعلمية للحصول على محرِّكٍ يمكنه أن يكون مفيدًا في عمله وأدائه.

كما أنَّ عدم جدوى الحصول على المحرِّكات الدائمة، إلا أن هؤلاء الباحثين قد قاموا بدَورٍ مفيد بجعل الآخرين يَصِلون إلى قانون حفظ الطاقة.٨ وأوحت تصاميمهم بإمكانية الاستفادة من مصادرَ جديدة في الطبيعة؛ إذ أَصبحَت ظاهرة المَد والجَزْر نوعًا من الساعات الكونية، وفعلًا وُضعَت محطات لها محرِّكات تعتمد على المدِّ والجَزْر على شواطئ البحر الأدرياتيكي وفي بريطانيا، وكان ذلك منذ القرن الحادي عشر، وتمَّ الاستفادةُ من تلك المحطات طيلة القرون الوسطى، مع وجود صعوباتٍ ناتجة عن التبدُّلات في ارتفاع المَد. يقول الباحث كرومبي Crombie: «في عام ١٥٨٢م، زوَّدت لندن بالمياه، مِضخةٌ دافعة تعمل بوساطة دولاب يحرِّكه المد، أقامه بالقرب من جسر لندن، المهندس الألماني بيتر موريس P. Morice (تُوفِّي ١٥٨٨م).»٩

المبحث الأول: اليونانيون

نشأ الاهتمام بآلات الحركة الأبدية منذ القرن الثالث قبل الميلاد لدى الميكانيكيين اليونانيين، وتطوَّر هذا الاهتمام في العصور الوسطى من خلال النظر إلى النَّاعورة التي يُديرها النهر الجاري بشكلٍ دائم، ومن حركة النجوم حول الأرض كل يوم؛ حيث ظهر الكون وكأنه آلةٌ دائمة الحركة، ونظرًا لإمكانية مُحَاكاة حركة الكون بوساطة الآلات الميكانيكية المُصَغَّرة، إذن يُمكِن أن تُقلَّد هذه الحركة ويُستفاد منها.١٠ ويكاد يكون أوطولوقوس البياتي الوحيد من بين اليونانيين الذين حاولوا تقديمَ تصميمٍ لآلة دائمة الحركة، حفِظَته لنا الترجمات العربية، مع أنه كان يهدف من هذا التصميم مُحَاكاةَ حركاتِ السماء وليس توليد الطاقة أو القيام بعمل مُحرِّكٍ دائم الحركة.

أرسطو (القرن ٤ق.م.)

وقف أرسطو عند حدود التعريف والتفريق بين المفاهيم من النَّاحية النظرية، ولم يقدِّم لنا أكثَر من ذلك، خصوصًا ما يتعلَّق بالحركة الأبدية وتأثيرها أو تأثُّرها بالأجسام.

حسب أرسطو فإنَّ الاتصال أمرٌ ضروري للأشياء الأزلية، فما يسكُن ليس بأزلي. ونقول بأن الزمان متصل؛ لأنه لا يمكن أن تكون قِطعٌ منه مبتورة. فيجبُ من ذلك أن تكون الحركة متصلة، فإنْ كانت الحركة المستديرة هي وحدَها متصلة، فيجب أن تكون هي الأزلية. ويجب أن يكون مُحَرِّك هذه الحركة أزليًّا؛ لأنَّ علة الأزلية يجب أن تكون أزلية؛ إذ لا يكون ما هو أخسُّ علَّة لما هو أفضل، فيجب أن يُحرِّك تحريكًا دائمًا؛ فإنه إن كان مُحرِّكًا لكن ليس تحريكُه بدائم، فتحريكُه لا يكون أزليًّا، وهذا لا يمكن أن يكون.١١

أوطولوقس (القرن ٣ق.م.)

عثَرنا في مجموعٍ موجود في المكتبة البريطانية على رسالة بعنوان «الكرة المتحرِّكة بحركةٍ دائمة»؛١٢ وهي ليست مأخوذةً أو مُقتبسةً من كتاب الكرة المُتحرِّكة لأوطولوقس البيتاني Autolycus of Pitane (تُوفِّي ٢٩٠ق.م.)، وإنما رسالةٌ مستقلة.١٣

ربما تُعَد هذه الرِّسالة أقدمَ وثيقةٍ تتحدَّث عن المُحرِّك الدائم الحركة وتصِفُ طريقةَ صنعه؛ إذْ يطلُب أوطولوقس توفير كرة، دون تحديد قياسٍ محدَّد لقُطرها، تُحاط الكرة بشريطٍ دائري عند وسطها عرضُه حوالي ٢٫٥سم، ويُحفَر عليه ستةُ دوائر في أعلاه وستةُ دوائر في أسفله، بحيث تكون السُّفلية أصغَر من العُلوية. يتم ملء ثلاثِ دوائرَ عُلويَّة بقِشْر القِنَّب (الأَبَق)، ولا يقول لماذا اختار هذه المادة بالذات، لكن يجبُ أن تكون وظيفتُها تقليل الاحتكاك والمحافظة على استمرارية الحركة، ثم يتم ملء ثلاث دوائرَ سُفلية بقِشْر القِنَّب أيضًا، بحيث يكون وزن القِشْر متساويًا في كل الدوائر، تُغطَّى الدوائر المحفورة مع القِشْر بلوحَيْن لمنعِ خروجِ القِشْر منها. ومع إعطاء الكرة دفعةً فإنها تبدأ بالحركة ولا تتوقَّف.

لكن ينقُص التصميمَ قاعدةٌ ترتكز عليها الكرة حتى تُحافِظ على استمراريتها في الحركة. وكذلك يجبُ تثبيت الشريط المُحيط في وسط الكرة حتى تتمكَّن من الحركة بحُرية.

يقول أوطولوقس: «هذه الرِّسالة للكُرة المُتحركة بحركةٍ دائمية، نعمل في وسط الكرة دائرة تحنية من لوح يكون ثخانتُها غلظَ إبهامٍ أو أكثر، ويُنقر عليه ستُّ دوائر منقورة أعلى الدوائر وستُّ دوائر منقورة أسفلها، ويكون الدوائر السفلى أصغر. ويُجعل ما بين الدائرة العليا ثلاثُ دوائر منها يملؤها أبَقًا١٤ وأيضًا يملأ الثلاث الدوائر من السفلى أَبَقًا مُخَالفًا على ما في هذا المثال، ويكون وزنا الأَبَق في كل نقرتَين متساويَين لا يزيد أحدُهما على الآخر، ثم نُطبِق على هذه الدائرة لَوحَين خفيفَين مهندَمَين خفيفَين من الجانبَين لئلا يخرج الأَبَق من الدوائر، فإذا أُديرَت الكرة فإنَّ الأَبَق من الدوائر الكبرى إلى الصغرى يجري بالمجرى ومن الصغرى إلى الكبرى، وهكذا دائمًا، وتتحرك [حركةً] دائمة.»١٥
figure
شكلٌ تخطيطي مُبسَّط يُعبِّر عن كرة أوطولوقس المتحرِّكة حركةً دائمة. المثلَّث أسفل الكرة هو ما اعتبرناه القاعدة التي ترتكز عليها الكرة، وأضفنا المثبِّت للشريط المحيط، ولم نُوضِّح على الشريط توزع الدوائر العليا والسفلى التي يُوجَد بداخلها مادة الأَبَق. (الشكل من تصميم المؤلِّف حسب الوصف الذي جاء في المخطوطة.)
قد تكونُ فكرةُ حركة الكرة الدائمة التي وضَعَها أوطولوقس تطويرًا لخريطة النجوم التي وضعها تاليس؛ أي مُحَاكاةً وتطبيقًا عمليًّا لحركة النجوم اليومية حول الأرض؛ فهي تُظهِر دوَران حقل النجوم الثابتة حول محورها الذي يَمُرُّ بنقطة القطب الشمالي. ويُمكِن لهذه الفكرة البسيطة أن تُقدِّم مُسَاعدةً كبيرة في الرؤية، وفي تحديد تغيُّرات النجوم المرئية على خطوط العرض المختلفة. وبذلك يُمكِن لهذه المعرفة الهندسية أن تساعد في تمييز النجوم الثابتة وتلك التي لا تُرى إلا في وقتٍ معيَّن وخطِّ عرضٍ محدَّد.١٦

المبحث الثاني: الهنود

جاء في مخطوطةٍ سنسكريتية قديمة بعنوان «سيدهانتا-سيروماني؛ أي تاج المقالات» التي كتَبَها الرياضياتي الهندي بهاسكار الثاني Bhaskar II (١١١٤–١١٨٥م) نحو عام ١١٥٠م. وقد تحدَّث فيها عن دولاب له أخاديدُ خاصة مملوءة بالزئبق. وأكَّد أنه إذا تم تثبيتُ مثل هذا الدولاب على محور وأُعطِي دفعةً أوليَّة فإنه سيدُور بشكلٍ دائم. وقد ظهَرَت فكرة هذا الدولاب مرةً أخرى في كتاب «القانون الفلكي» للملك الكاستيلي ألفونسو العظيم عام ١٢٧٢م.١٧

المبحث الثالث: العلماء العرب والمسلمون

منذ القرن العاشر للميلاد كان للعلماء العرب رأيٌ ذو شأن في الحركة الأبدية والمحرِّكات الدائمة الحركة، وقد انقسَموا قسمَين؛ منهم من اعتقد بإمكانيتها، ومنهم من قال باستحالة تحقُّقها نظرًا لتوقُّف المصدر المزوِّد لها بالقدرة. وما يُدهِش في الأمر هو مُحَاولة البعض بناءَ هذه المحرِّكات الأبدية بتصاميمَ كنا نعتقد حتى عهدٍ قريب أنها من أعمال الأوروبيين.

الفارابي (القرن ٤ﻫ/١٠م)

الحركة الدائمة عند الفارابي هي «التي لا بد لها من مُحرِّكٍ مُفارِق»١٨ عنها؛ أي تحتاج الحركة الدائمة إلى كائنٍ خارجي يُحرِّكها، ولا يُمكِن لها أن تتحرَّك من تلقاءِ نفسِها، وسيُكرِّر بهمنيار بن المرزبان — تلميذ ابن سينا — تعريف الفارابي نفسه.١٩ لكن الفارابي لم يُوضِّح لنا موقفَه: هل هو مؤيِّد أم مُعارِض لفكرة المحرِّك الأبدي.

ابن سينا (القرن ٥ﻫ/١١م)

رفض ابن سينا أن يكون وجود للحركة الدائمة؛ إذ يؤثِّر الوسط على الجسم المتحرِّك ويُعيق تقدُّمه ويُوقِفه. وبذلك يكون قد سبق ليوناردو دا فنشي L. da Vinci (١٤٥٢–١٥١٩م) الذي أكَّد على هذه الفكرة في عصر النهضة الأوروبية.٢٠ يقول ابن سينا في كتابه (الإشارات والتنبيهات): «لا يجوز أن يكون في جسم من الأجسام قوةٌ طبيعية تُحرِّك ذلك الجسم بلا نهاية.»٢١

أحمد بن خلف المرادي (القرن ٥ﻫ/١١م)

يُعَد أحمد بن خلف المرادي (القرن ٥ﻫ/١١م) أشهَرَ المهندسين التقنيين في الأندلس، وهو الذي صنَّف كتابًا يُدْعى «الأسرار في نتائج الأفكار في فن الحِيَل».٢٢ ويُعَدُّ كتابُ ابن خلف أوَّل كتابٍ أندلسي يتحدَّث عن التقنية الآلية، ومن المؤسف أنه لم يُعثَر إلا على نسخةٍ وحيدة منه، وفي قسمٍ كبير منها نالها التلَف، وقد تمكَّنَت هيئة المتاحف في قطر من إعادة تنظيمها من جديد بصورةٍ شبه تامة بالتعاون مع عدد من الخبراء الدوليين، حتى إنهم قاموا بإعادة صنع الآلات الواردة فيها ووَضْعِها في المُتحَف.٢٣
يصف الكتاب عدةَ ساعاتٍ مائيَّة يُمكِنها التحرُّك على فتراتٍ زمنية محدَّدة، وهو ما يمكِّن من استعمالها كساعاتٍ وبصورةٍ مَضْبوطة مُسْبقًا. ويُمكِن مقارنة الكتاب بأعمالٍ بارزة كأعمال هيرون، وابن موسى، والجزري، والطريقة التي يعالج بها المرادي موضوعاته التي تشير إلى احتمال عدم وجودٍ سابق له؛ فالمصطلَحات التي يستعملُها تختلف عن تلك المُستعمَلة من قِبَل هؤلاء، وهو ما ينمُّ عن اختراعٍ أصيل. وما من شك أنَّ الكتاب حَظِي بأهميةٍ كبيرة في الأوساط العلمية الأوروبية بعد ذلك؛ إذ نجد ما يُفيد أن أحد المهندسين ويُدعى فرنسيس فيلار دو هُنكور F. V. de Honnecourt (كان حيًّا ٦١٧ﻫ/١٢٢٠م) قد قام بصُنع آلة أو أكثر من الآلات القادرة على توليد حركةٍ دائمة،٢٤ مستفيدًا من أفكار ابن خلف.

ابن باجة (القرن ٦ﻫ/١٢م)

تُقسَّم الحركات عند ابن باجة إلى نوعَين:
  • (١)

    نوع يعود إلى (الحوادث المُفردة) كانتقال الأجسام وتحَرُّك النبات ومشي الإنسان، فهذه كلها حوادثُ مُتقطِّعة تقع بين حدَّين من قياس الزمن.

  • (٢)

    ثم هناك الحركات المُطلَقة التي تدفع هذه الأجسام وتُدير الكواكب، وهي دائمةٌ خالدة ليس لها بدء ولا يُنتظَر أن يكون لها نهاية؛ هذه الحركة الدائمة أشرفُ من الحركة المُتقطِّعة، والأجسام التي تتبدَّى فيها الحركة الدائمة أشرف من الأجسام التي تتبدَّى فيها الحركة المُتقطِّعة. وتكون الحركة الدائمة عادةً مستديرةً أو مستقيمةً ولكنها خالدة.

وقد برهَن ابن باجة على أن الحركة المُطلقَة دائمةٌ بطريقةٍ رياضياتية هندسية؛ فهو يقول: إن الأجسام التي نراها في عالمنا لم تُوجَد فورًا ولا ابتداءً في الأماكن التي هي فيها الآن؛ فكل جسمٍ إذن يجب أن يكون قد انتقل إلى مكانه الحاضر من مكانٍ سابق، وكذلك يجبُ أن يكون قد انتقل إلى مكانه السابق من مكانٍ آخرَ سابقٍ عليه، وهلُم جرًّا. وهكذا لا يُمكِن أن نَفرِض للحركات بدءًا؛ فهي من أجل ذلك أزليَّة من جهة الماضي. أمَّا من جهة المستقبل فهي أيضًا أبدية؛ وذلك لأن كل خطٍّ يُمكِن أن يمتد أبدًا إلى ما لا نهاية؛ إن قولنا هذا الخط يمتَد من «أ» إلى «ب» يدُل على أن «ب» هي فاصلٌ بين امتدادَين وأن وراء «ب» مسافةً أخرى. فإذا نقلنا «ب» إلى ما وراء مركزها الحالي فكأنَّنا نقَلْنا هذا الحد الفاصل مسافةً جديدة. وما دام كل مكانٍ جديد على هذا الخط هو فاصلٌ جديد بين مسافتَين، فالمفروض أن هذا الخط لا يتناهى، هذه الحركات الدائمة من جهة الأزل والأبد معًا يُسمِّيها ابن باجة الحركات «المتصلة من جهة الزمان».٢٥

رضوان بن محمد الساعاتي (القرن ٧ﻫ/١٣م)

يقترح الباحث الروسي كارتسيف أن فخر الدين الساعاتي (تُوفِّي حوالي ٦١٨ﻫ/١٢٢١م) قدَّم ثلاثة نماذج عن مُحرِّكاتٍ أبدية،٢٦ وذلك في كتابه (علم الساعات والعمل بها)، لكننا رجعنا لمخطوطة العمل المذكور٢٧ ولم نعثُر على أوصافِ هذه المحرِّكات. كما أن المؤرِّخ دونالد هيل في دراسته الهندسية والتصميمية لمخطوطات الكتاب السابق لم يُشِر إلى وجود أي شيءٍ من هذا القبيل؛٢٨ لذلك تبقى إسهاماتُ الساعاتي مُعلَّقة حتى نعثُر على الدليل الكافي.

محمد بن منكلي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

أورَدَ محمد بن منكلي الناصري (تُوفِّي ٧٧٠ﻫ/بعد ١٣٦٨م) في كتابه (الحِيَل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب) ١١ تصميمًا لمُحرِّكاتٍ أبدية تعمل بنفسها، وذكَر أنَّها تُستخدَم في مجال استخراج المياه، سنُورِد فيما يأتي صُورَ هذه المحرِّكات كما هي في المخطوطة، علمًا أنه سبق وأن صَنَّفها الباحث جلال شوقي على أنها مجهولة المؤلِّف.٢٩
figure
figure
figure
figure
figure

تقي الدين الراصد (القرن ١٠ﻫ/١٦م)

اعتَرضَ تقي الدين الراصد (تُوفِّي ٩٩٣ﻫ/١٥٨٥م) على فكرة المُحَرِّكات الدائمة في رسالته (رسالة في علم البنكامات)،٣٠ حيث يبدأ بتعريف علم البنكامات، ثم ينتقل إلى موضوعه قائلًا: «وموضوعُه حركاتٌ مخصوصة في أجسامٍ تنقضي بقطع مسافاتٍ مخصوصة لأنَّ الحركة الدائمة لذاتها في هذا العالم أمرٌ مُحال.»٣١ وهو بذلك يُدرِك تمامًا أنَّ الحركة لا بد لها من مصدر يحرِّكها، وستتوقَّف هذه الحركة حتمًا مع انقطاع المصدر.
ويرى المؤرخ فؤاد سزكين أن تقي الدين يُعَد أوَّل شخصٍ يدَّعي أن مفهوم الآلة التي تعمل دون طاقةٍ مستمدَّة من الخارج ليس أمرًا حقيقيًّا؛ كونَه منافيًا تمامًا للقوانين الفيزيائية.٣٢ ونحن نرى أنه ليس أوَّل شخص ينفي إمكانية صنع مُحرِّكٍ دائم الحركة، وإنما ينضم لقائمة العلماء العرب والمسلمين الذين سبقوه في هذا النفي كالفارابي وابن سينا وابن مدرك.

ابن مدرك (القرن ؟م)

جاء في كتاب «جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس» لمؤلِّفه محمد بن فتوح بن عبد الله الحميدي (تُوفِّي ٤٨٨ﻫ/١٠٩٥م) أبي عبد الله أنَّ الشاعر الأديب الأندلسي أبا سعيد بن قالوس (حوالي القرن ٧ﻫ/١٣م) قال في رجلٍ اسمه ابن مُدرك، لم نتمكَّن من معرفة أي شيءٍ عنه، كان ادَّعى صنع آلةٍ تتحرَّك في بئرٍ دون مُحرِّك، وقد رفض أبو سعيد هذا الادِّعاء وعَبَّر عنه بالهجاء شعرًا فقال:٣٣
قل لابنِ مدركٍ الذي لم يُدرِكِ
إخراجَ ماءِ البئر دونَ مُحرِّكِ
طُرقُ الحماقةِ جمةٌ مسلوكةٌ
وطَريقُ حُمقِكَ قبلُ لمًا يُسلَكِ
وقد يعكس لنا ذلك أمرًا عن طريقة التفكير الشائعة في ذلك العصر؛ فرُبَّما كانت هناك حاجةٌ لمصادر للطاقة تختلفُ عن تلك المعروفة في الأندلس حينَها بوساطة الرياح٣٤ أو المياه، وذلك لوضعها في أماكنَ لا تصلُها رياحٌ أو تتوفَّر فيها مياه.

تصاميمُ عربيةٌ وإسلامية مجهولة المؤلِّفين

في الكراس الخامس المعنون ﺑ «بحث حول الدواليب المائية والطواحين والمكابس المائية» لمؤلِّفٍ عربي أندلسي مجهول (قد يكون ابن خلف المرادي) حاول تقديمَ رسوماتٍ وأفكارٍ لصنع آلات دائمة الحركة٣٥ ويُمكن تشبيه إحدى آلاته بآلةٍ موجودة في دفتر٣٦ فرنسيس فيلار دو هُنكور المهندس المعماري الفرنسي والذي يقول: «لقَد تناقَش الأساتذة مرارًا في كيفية تدويرِ دولابٍ من تِلقاءِ نفسه. انظروا هنا كيف يُمكن فِعلُ ذلك باستخدام مطارقَ ذاتِ رأسَين عدَدُها فرديٌّ أو باستخدام الزِّئبق.» ويقولُ الباحث خوان فيرنيه J. Vernet: «إنَّ هذا العنصر، وتفاصيل أخرى لا أتوقَّف عندها هنا، تُتيح لي أن أؤكِّد أنَّ فيلار كان على علمٍ بتقنيات ذلك العالم العربي. لكنني أُضيف فقط أن مؤلِّفَي هذَين الكراسَين يشرحان عدة أشياء تقوم بحركاتٍ دائمة، وأنهما كانا يعرفان حتمًا آلاتٍ مائية وأنواعًا عديدة من الدواليب المسنَّنة (التي تتفاوت في عدَد أسنانها) وآليات انفلات، ومن المُحتمل جدًّا أنهما كان يعرفان أيضًا مشبك اللولب المسماري والدولاب الحر.»٣٧
يتناول الكراس الخامس من المخطوط في جُزئه الأكبر محرِّكاتٍ تتحرَّك حركةً دائمة، ونجد أنه لا يُمكِن ووَفْق الأوصاف التي تم سردُها، إدراكُ أهمية الكلمات التي كانت قد زيدَت بحروفٍ صغيرة جدًّا. وقد ظهر في مؤتمرٍ عُقد عام ١٩٨٢م أهميةُ ما كُتب بحروفٍ صغيرة وهو: «دواليب مائية تتحرَّك من تلقاء ذاتها». لكن النص لم يُنشَر إلا عام ١٩٨٨م. وقد تبيَّن أن أحد الدواليب الموصوفة يتعلَّق بدولابٍ مرسوم في دفتر فيلار دو هنكور.٣٨
ويذكُر الباحثُ جلال شوقي أنه عثَر في عدة مخطوطات٣٩ على عِدَّة تصاميمَ إسلامية لمحرِّكاتٍ أبدية مجهولة المؤلِّف تعُود للعصور الوسطى، ولا نعلم إن كان قد تم تنفيذُها عمليًّا أم لا، والأرجح أنه لم يتمَّ تنفيذُها لأنها ستصطدم بعوائقَ كثيرة؛ مثل فقدان الطاقة بوساطة الاحتكاك، وعدم تحقيقها لشرط استمرار الخلَل في التوازُن. نُورِد أشكال هذه التصاميم كما يأتي:٤٠
figure
دولاب يعمل بالزئبق؛ حيث إن الزئبق الموزَّع في الأنابيب المحيطة بالقُرص المركزي يختلُّ توازُنه فتُولد الحركة، إلا أن ذلك لن يحدُث، بل سيحدُث العكس؛ أي تصل لمرحلة التوازُن بعد عددٍ من الدورات.
figure
مُحرِّك يرفع الماء بشكلٍ دائم اعتمادًا على قواديس، ويقوم القُرص الذي في وسط المسافة بين سلسلتَي القواديس بوظيفة إحداث خللٍ في التوازُن؛ الأمر الذي يجعل من المنظومة تتحرَّك بشكلٍ دائم.
figure
تصميمٌ مأخوذٌ من مصادرَ إسلامية وموجودٌ في دفاتر ماريانو تاكولا M. Taccola (١٣٨٢–نحو ١٤٥٣م) ويبدو أنه كان يُتوقَّع استخدمه كأحد أنواع الأسلحة الحربية، مثل المقلاع أو المنجنيق. (مصدر الصورة والتعليق: Sezgin, Fuat, Science and Technology in Islam, Physics and Technology V, Publications of the Institute for the History of Arabic-Islamic Science, 2010, p. 61.)
figure
(إلى اليمين) دولاب فيلار دو هُنكور الذي يدور بشكلٍ أبدي والمأخوذ عن نصٍّ عربيٍّ مجهولِ المؤلِّف كما ورَدَ في رسوماته. (مصدر الصورة: Bowie, Theodore, The Medieval Sketchbook of Villard de Honnecourt, Dover Publications, Inc. Mineola-New York, 2006, p. 17.) (إلى اليسار) تم تنفيذ نموذج للدولاب في معهد تاريخ العلوم العربية في فرانكفورت بقُطر ٨٠سم، وهو يتألَّف من كُراتٍ رصاصية كما جاء وصفه في النص العربي. (مصدر الصورة: Sezgin, Fuat, Science and Technology in Islam, Physics and Technology V, Publications of the Institute for the History of Arabic-Islamic Science, 2010, p. 60.) لكنْ ثمَّة فارقٌ بينهما أنَّ مُحرِّك هنكور يعتمد المطارق في الحركة (عددها ٧)، أمَّا المُحرِّك العربي فيعتمد على الكُرات الرصاصية (عددها ٦٠).
figure
مجموعة تصاميمَ جديدة مختلفة عن السابقة، أيضًا مثل السابقة تُوجَد فيها مسنَّنات معشَّقة مع بعضها لتبادُل نقل الحركة، وبعضها الآخر يعمل بدون تماس (الشكل العلوي في أعلى اليسار).
figure
منظومة من ثلاثة مسنَّنات معشَّقة مع بعضها بعضًا، حيث تقوم السلاسل المعلَّقة بالمسنَّن الأفقي اليميني بالحركة دافعةً المسنَّن العمودي في الوسط للحركة، والذي يُحرِّك بدَوره المسنَّن الأفقي الثاني الموجود على اليسار فيُحرِّك السلسلة المعلَّقة فيه، والتي تنزل لحدٍّ معيَّن، ثم تقوم بحركةٍ رجعية أو عكسية تجعل المسنَّن الثاني يُحرك المسنَّن في الوسط، والذي في الوسط يُحرِّك المسنَّن الأول، وهكذا تستمر الحركة بلا نهاية.

المبحث الرابع: الأوروبيون

يعود تاريخ أول تسجيل لمُحاولة بناءِ آلةِ حركةٍ دائمة في أوروبا إلى القرن ٨م في ولاية بافاريا الألمانية. وقد كان هذا النموذج يقوم على وجود سلسلةٍ من المغانط الصغيرة الموضوعة على دولاب مثل دولاب فيريس Ferris Wheel؛ حيث وضع الدولاب أعلى مغناطيسٍ أكبرَ بكثير ومرتكزٍ على الأرض، ولدى مرور كل مغناطيسٍ على الدولاب فوق المغناطيس الكبير الثابت يُفترَض أن ينجذب ثم يَنفِر من المغناطيس الأكبر؛ وبالتالي يدفع الدُّولاب ويخلُق حركةً دائمة، وفي عام ١٦٣٥م مُنحَت أوَّل براءة اختراعٍ لآلة حركةٍ دائمة.٤١

وسنجدُ أنَّ الجهود التي بذلها الأوروبيون لا تقل أبدًا لا من الناحية التصميمية ولا من الناحية التنفيذية عن تلك التي بذَلَها العرب والمسلمون؛ فقد كان الهدف واحدًا هو الحصول على محرِّكٍ دائمٍ يقدِّم لنا الحركة مجَّانًا. وقد استمرَّت جهود الأوروبيين في هذا الاتجاه حتى القرن ٢٠م، وحتى بعد أن قرَّرَت الكثير من المؤسسات العلمية اعتماد قوانين الترموديناميك وعدم النظر في أية فكرة تتعلَّق بالمحرِّك الأبدي.

بيير دو ماريكور (القرن ١٣م)

اقترح بيير دو ماريكور P. De Marycour (القرن ١٣م) تصميم آلةٍ دائمة تعتمد على وضع مغناطيسٍ كُروي مُرَكَّب دون مغنطة، بحيث يكون مِحورُه موازيًا للمِحوَر السماوي؛ وعليه فإنه سيدور كما تدور الأفلاك نفسها؛ الأمر الذي سيُمكِّننا من صنع ساعةٍ ميكانيكية تقلِّد الحركة الكونية.٤٢ وهو تقليدٌ مأخوذ عن الميكانيكيين اليونانيين وأوطولوقس تحديدًا، الذين كانت لديهم رغبةٌ بمحاكاة الحركات السماوية كما وجدنا سابقًا.

ليوناردو دا فنشي (القرن ١٦م)

بذل ليوناردو دا فنشي عدة محاولات لصنع مُحركٍ أبدي، لكن جميع محاولاته باءت بالفشل؛ إذْ عُثِر على تعديلاتٍ مُختلفة للدولاب الذاتي الدوران الموصوف في بحوثه وملاحظاته المحفوظة في المتحف البريطاني. كما تُوجَد أيضًا رسومٌ تقريبية مماثلة في «المجلة الأطلسية»، وهذا يَدُلُّ على اطلاعه على المحاولات السَّابقة لصنع المُحرِّك الأبدي،٤٣ ولكنه لما يئس من الوصول إلى محرِّكٍ أبدي كتب يقول: «أيها الحالمون بالحركة الدائمة، كم من الأوهام الباطلة ولَّدها مطلبكم هذا؟ اذهبوا فخذوا مكانكم بين أولئك الذين يبتغون تحويل التراب إلى ذهب.»٤٤ أي أنكر ليوناردو إمكانية أن تبقى الحركة الدائمة مُستمرة على أساس أنَّ الطاقة أو القوة تمُد ذاتها باستمرار. من ناحيةٍ أخرى، تسعى الجاذبية إلى إعطاء حالة التوازُن، كل الحركات المتوضعة في سلسلة بفعل الجاذبية سيكون لديها نهايةٌ أبدية.٤٥
figure
في تصميم آلة الحركة الدَّائمة هذا، والذي فكَّر فيه ليوناردو دا فنشي، كان من المفترض أن تملأ الكُريات المرتبطة بالأذرع، جزئيًّا، بالزئبق الذي يؤدِّي ثقله إلى إدارة الدولاب بفضلِ مجموعةٍ من التروس المسنَّنة. لكنه لم يعمل كما أراد له. (مصدر الصورة: ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٦٢.)

لاحظنا مدى دقة ليوناردو دا فنشي وهو أستاذٌ كبير في الهيدروديناميكا، فهو يعود بطموحات الطحَّانين إلى الأرض والواقع؛ فقد أرادهم أن يصلوا المئات من حجر الرَّحَى بالعجلة المائية بدلًا من واحدة، كل حجر من هذه الأحجار ستطحن له بعدئذٍ حبوبًا أقل بمائة مرة، إنَّ وزنًا معينًا يسقط من عُلوٍّ مُعين يمثِّل قوةً دافعةً معيَّنة. يُمكِن للمرء أن يقسِّم هذه القوة أو يغيِّر استعمالها بشكلٍ لا نهائي، لكن أحدًا لا يستطيع أن يزيدَ فيها.

تُحطِّم هذه الحقيقةُ آمالَ أي شخصٍ يبحث عن المحرِّك الدائم، ومع ذلك، فإنها ما زالت تُقَدِّم هيمنةً حُرَّة لأحلام أولئك الذين يُريدون أن يُدركوا الجسم المُتحرك بشكلٍ دائم.

من السخف أن نتوقع حدوثَ الحركة الدَّائمة من قوة دفعٍ أوليَّة؛ لأنَّ القوة المُحرِّكة لهذه القوة الدافعة ثابتةٌ كونها مستهلكة، والتي يدعوها ليوناردو بفروزا forza أو ﺑ «القوة الدافعة»، وسيُطلِق عليها غوتفريد ليبنتز G. W. Leibniz (١٦٤٦–١٧١٦م) بعد ذلك اسم «القوة الحية». أيًّا كان لا يمكن أن نتوقَّع من أي ترتيبٍ للأوزان جسمًا يتحرَّك بشكلٍ دائم؛ لأن الجاذبية دائمًا تميل نحو التوازُن، وحركاتنا مرهونةٌ بها، وهي تميل لتحقيق حالة السكون.
يقول ليوناردو دا فنشي لا يُوجَد شيء ليس فيه حياةٌ قادرًا على الدَّفع أو السحب بدون أن يرافق الجسم حتى يتحرك. بإمكان هذه المحرِّكات أن تكون فقط «فروزًا» أو وزنًا ساقطًا. إذا سقط وزن وهو يُدفع أو يُسحب، فإنَّه يُمكِن أن يُقَدِّم هذه الإزاحة للجسم؛ لأنَّ الجسم يسعى نحو السكون، وبما أنَّه ليس بالجسم المُتحرِّك الذي يهبط فهو قادرٌ على العودة إلى موقعه الأصلي ويتوقَّف عن الحركة. معاصرو ليوناردو دا فنشي وافقوا معه بأنَّ القوة المُحرِّكة للقوة الدافعة المنقولة إلى مجموعة أجسامٍ ستتفرَّق، فعلًا كل الأرسطيين قَبِلوا ذلك كحقيقةٍ علمية بأن الحركة المُندفِعة تنتهي دائمًا باستهلاك نفسها. عندما يصف ليوناردو هذا الفقدان المستمر للقوة الحية ضمن نظامٍ في الحركة، فإنه يتناول تعبيرًا شاعريًّا: «سأوكد بالدليل بأن فروزا هي سمةٌ روحية وقوةٌ خفية تنبثق من خلال اندفاعٍ طارئ خارجي تسبِّبه الحركة، والتي يتم تقديمها وتَنسكِب في الأجسام، والتي بدَورها تكون مسْحُوبةً ومُنْتزعةً من حالتها الطبيعية، تمنَح هذه القوةُ الروحية لهذه الأجسام حياةً نشطة ذات قوةٍ إعجازية، وقُوى كل الأشياء مُتولِّدة لتُغيِّر من أشكالها بموجب أسبابها، يُحوِّلها البطء إلى نشاط وتجعلُها السرعة ضعيفةً غَيْر فعَّالة. الاندفاع المتولِّد، يموت بالحرية. الأكثر نشاطًا هو الأسرع الذي يستهلكُ ذاته. إنها تُطارِد بغضبٍ شديد أيَّ شيءٍ كان يعترضُ دمارها.»٤٦

ماركو أنطونيو زيمارا (القرن ١٦م)

figure
يتكوَّن محرِّك زيمارا من عجلةٍ مرتفعة من أربعة جوانب أو أكثر، مثل دولاب الرَّافعة ويقابلها منفاخان أو أكثر قويان، مرتبة بحيث تستطيع ريحُها أن تُدير العجلة بسرعةٍ فائقة. يتصل بالمحيط الخارجي للعجلة أو بمركزها، عددٌ من القضبان التي ستُشغِّل المنفاخَين حين يدور الدولاب بنفسه، وسيحدُث هذا عندما تأتي الريح من المنفاخَين أمام شفرات العجلة بحيث تسبِّب للعجلة الدوَران؛ وبالتالي يعمل المنفاخان على دوَران الدولاب، وهكذا يحدُث العمل بشكلٍ دائم. (مصدر الصورة والتعليق: Tallmadge, G. Kasten, Perpetual Motion Machine of Mark Antony Zimara, pp. 11, 13.)
في كتابه الطلسمي (كهف السحر الطبي) المنشور في بداية القرن ١٦م، يصف ماركو أنطونيو زيمارا M. A. Zimara (١٤٧٠–نحو ١٥٣٢م) الطاحونة الهوائية الأبدية؛ حيث اقترح وَضْع منفاخٍ مُقابل شفرات الطاحونة يعمل من خلال الطاحون نفسها، كان زيمارا متأكدًا على ما يبدو من أن الهواء الخارجي من المنفاخ سيتمكَّن من تدوير دولابِ الطاحونة نفسِه الذي يُحرِّك المنفاخ. إنه أشبه بعمل أرخميدس في تدوير حلزونه المائي الذي يدور بشكلٍ دائم بفعل قوة مياه الأنهار المُتدفِّقة.٤٧ ويدَّعي زيمارا أنه لم يطَّلِع على أن أحدًا قد عَمِل مثل عمله؛ لذلك فهو أصيل: «لعل هذا ليس بالأمر التافه، إنما هو منطلق للتقَصِّي والاكتشاف بأنه أمرٌ جلَل، وللحركة الدائمة، وهو المنطلَق الذي لم أقرأ عنه في أي مكان، ولا أعرف أي أحدٍ قد اشتغل عليه».٤٨

جيروم كاردان (القرن ١٦م)

حلُّ مسألة الحركة الدائمة في الديناميكا (علم التحريك) هو أسهلُ ممَّا هو عليه في الاستاتيكا (علم السكون). على أية حال، بالنسبة لليوناردو دا فنشي وجيروم كاردان بالإضافة إلى أرسطو، لم يكن يُوجَد عوائق يمكن تذليلُها بين هذَين العلَمَين. من ناحيةٍ أخرى، فقد قَبِل كُلٌّ من جاليليو وسيمون ستيفن S. Stevin (١٥٤٨–١٦٢٠م) استحالةَ الحركةِ الدَّائمةِ كحقيقةٍ علميةٍ قادرة على تقديم أساسٍ لإثباتاتٍ مُعيَّنة في عِلْم السكون. وقد قرأ كلاهما كاردان، ومن المُحتمل أنهما وجدا فيه دعمًا لثقتهما في هذه الحقيقة العلمية، لكن كاردان بذاته وفي مقالةٍ يُناهِض فيها الحركة الدائمة، لم يفعل شيئًا سوى أنه لخَّص ملاحظاتٍ متفرِّقة ومبعثَرة لليوناردو دا فنشي. وهكذا لا يُمكِننا الحصول على صورةٍ كاملة وواضحة عن أصول الاستاتيكا بدون مراجعة الاعتراضات التي أدلى بها كلٌّ من ليوناردو دا فنشي وكاردان عن الحركة الدائمة.٤٩
لقد تَنبَّه كاردان لعدم جَدْوى محاولات بناء المحرِّك الأبدي، وقد علَّق عام ١٥٥١م قائلًا: «حتى تحدُث الحركة الأبدية ينبغي على الجسم الثقيل المُتحرِّك، بوصوله إلى نهاية الطريق، أن يتمكَّن من العودة إلى وضعه الابتدائي، ولكن هذا غير ممكنٍ من دون وجود أرجحية، تمامًا كما لا يُمكِن للصنجة الهابطة في الساعة أن ترتفع وحدَها».٥٠
ومثل ليوناردو، أكَّد كاردان على استحالة الحركة الدائمة ما لم تكن الحركات الطبيعية في حالة سعي. سنقتبس من كتابه (الصفاء أو Subtilitate) عن هذا الموضوع قولَه: «إمَّا ستنشأ استمراريةُ الحركة من حقيقة بأن الحركة هي متطابقةٌ مع الطبيعة» (وبموجب ما استثناه كاردان عن حركة السموات) «أو وإلا فإنَّ هذه الاستمرارية لن تكون مُحتفِظةً بالمساواة مع نفسها. الآن وبما أنَّ الاستمرارية تضعُف ولن تزداد بفعلٍ خارجي ما، فلن تكون دائمة.»٥١

فيتوريو زونكا (القرن ١٧م)

اقترح المهندس المعماري الإيطالي فيتوريو زونكا V. Zonka (تُوفِّي عام ١٦٠٣م) في آخر كتابه (المسرح الجديد للآلة)٥٢ آلةً دائمة الحركة؛ فقد كان يسود في عصره فكرةٌ مفادُها أن في الكون كمياتٍ من الطاقة لا تنضُب ويُمكِن للإنسان أن يتصرَّف بها.٥٣
figure
تعمل آلة فيتوريو زونكا مبدئيًّا كالمِمَص (إلى اليمين)، أنبوبٌ كبير يمتَص الماء ويقودُه إلى العنفة. ومن هنا ينطلق الماء إلى الخارج، وسيتمكَّن من الدخول من جديد طبيعيًّا إلى المدار. (مصدر الصورة: تويلييه، بيير، العالم الصغير، ص٧٨.)

سيمون ستيفن (القرن ١٧م)

طرح سيمون ستيفن فكرة الكُرات المُتحرِّكة على مستوٍ مائل ليستنتج منها قانونَه عن توازُن الأجسام على المستوى المائل،٥٤ وقد توصَّل إلى عدم إمكانية أن تقوم هذه الكرات بحركةٍ دائمة أبدية.٥٥
figure
لقد توصَّل ستيفن لقانون توازُن القُوى على السطح المائل، دون الاستعانة بقاعدة متوازي أضلاع القوى، وإنما بمساعدة هذا الرسم، فإذا كان لدينا سلسلةٌ تتألَّف من ١٤ كرةً صغيرة متساوية الحجم، حول هرمٍ ثلاثي. ويُلاحَظ أن القسم السفلي، المتدلي كعِقدٍ من اللؤلؤ، يتوازن بنفسه. والكرتان الواقعتان على اليمين تُوازِنان الأربعَ الواقعاتِ على اليسار. وقد علَّل ستيفن المسألة كما يأتي: إن لفَرعي السلسلة — الطويل والقصير — وزنين مختلفين، ويزيد وزن أحدهما على وزن الثاني بعدَد من المرات، يساوي عدَد مرات زيادة ضلع الهرم الطويل على ضلعه القصير، وينتج عن ذلك، أن أي ثقلَين مربوطَين بحبل، يتوازنان مع بعضهما عند وضعهما على سطحَين مائلَين، إذا تناسب وزناهما مع طولَي السطحين المائلين. (مصدر الصورة والتعليق: بيرلمان، ياكوف، الفيزياء المسلية، ط٣، دار مير، موسكو، ١٩٧٧م، ص٨٤–٨٥.)

روبرت فلود (القرن ١٧م)

في الكتاب الذي نشَره الطبيب والخيميائي والفيلسوف الإنكليزي روبرت فلود عام ١٦١٨م، قَدَّم وصفًا لآلةٍ مُحركة أبدية بمساعدة لولب أرخميدس؛ حيث يرفَع اللولبُ الماءَ من الخزان، ويُدير الماءُ الدولابَ المائي، والذي يُحرِّك بدَوره لولب أرخميدس، وهكذا إلى ما لا نهاية.٥٦ لكنَّ وصْفَه بقي نظريًّا ولم تُنفَّذ آلته على أرض الواقع.

مارين ميرسن (القرن ١٧م)

مارين ميرسين أنكر إمكانية تحقيق الحركة الدائمة عام ١٦٤٤م، وبذل كل الجهود لبناء آلةٍ ذات حركةٍ دائمة وضَم جهودَه لجهود الكيميائيين لإيجاد حجر الفلاسفة،٥٧ ومع ذلك لم يظفَر بشيء.

جيوفاني باتيستا بالياني (القرن ١٧م)

عالج جيوفاني باتيستا بالياني G. B. Baliani (١٥٨٢–١٦٦٦م) حالة جسمٍ يتعرَّض لمسبِّبٍ دائم للحركة في كتابه (عن الحركة الطبيعية للأجسام الثقيلة)، لكنَّ ذلك أوصلَه لقانون ليوناردو للأجسام الساقطة، بدلًا من قانون جاليليو.٥٨

جورج أندرياس بوكلير (القرن ١٧م)

أصدر جورج أندرياس بوكلير G. A. Böckler (نحو ١٦١٧–١٦٨٧م) في ألمانيا عام ١٦٦١م كتاب «مسرح الآلات الجديدة»،٥٩ حيثُ وصَف ورسَم فيه بدقةٍ مجموعةً من الطواحين التي تعمل بنفسها وتعتمد على لولب أرخميدس، وأكَّد أنها فكرته هو. لكن مواطنه الأسقف التشيستيري جون ولكنز J. Wilkins (١٦١٤–١٦٧٢م) حلَّل عمل مثل هذه الطاحونة بشكلٍ موسَّع، وأثبت أنها لن تعمل بنفسها، بعد أن صنع نموذجًا أوليًّا لها.٦٠
figure
أحد تصاميم بوكلير ناعورة تدفع لولب أرخميدس لرفع الماء وإعادته إلى الخزَّان. وقد صمم الجهاز لتوليد الطاقة التي تكفي لإبقاء الأسنان عاملة بحركةٍ أبدية. (مصدر الصورة والتعليق: مجلة آفاق علمية، العدد ١٧، السنة ٣، كانون الثاني-شباط، تصدر عن مؤسسة عبد الحميد شومان، عمان، ١٩٨٩م، ص٥٧.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬)

كريستيان هويغنز (القرن ١٧م)

اقترح كريستيان هويغنز بأنَّ الحركة الدَّائمة قد تكون مُحقَّقة من خلال استعمال قوًى بديلة عن الجاذبية، وبشكلٍ خاص قوة المغناطيسية.٦١ لكننا لم نَشهَد له أي تصميم في هذا المجال.

يوحنا بيسلر(القرن ١٨م)

وضع يوحنا بيسلر J. Bessler (١٦٨٠–١٧٤٥م) المعروف بأورفيريوس Orffyreus، فكرةَ آلتِه الدائمة الحركة في كتابه (المعرفة الإجرائية) الذي طُبع عام ١٧١٧م في لايبزيك. وذلك بعد أن حلَّل ٣٠٠ نموذجٍ مختلف من هذه الآلات، واقترح واحدًا كان يتألَّف من عَجلةٍ قُطرها ٩٠سم، وثخانتُها ١٠سم، وقد سبق وأن عرضها في مدينة جيرا في مقاطعة ديوس عام ١٧١٢م. وعندما أعطاها دفعةً ضئيلة جدًّا بدأَت بالعمل؛ ومن ثَم بدأَت تعمل بنفسها بسرعة إلى أن وصلَت إلى سرعتها القياسية. كانت هذه الآلة قادرةً على أن تحمل ثقلًا من عدة باوندات في أثناء حركتها وذلك بوساطة لَفِّ حبلٍ ما حول المحور مع ثقلٍ مربوط به، إلا أن سكان مدينة جيرا لم يأبهوا لاختراعه، فكان أن توجَّه إلى مدينة دراخوتز بالقرب من لايبزيك حيث صنع فيها عَجلةً أخرى عام ١٧١٤م لكنها أكبر، وقد كان قُطرها ١٥٠سم، وثخانتُها ١٢سم، ويمكنها أن تدور خمسين دورةً في الدقيقة، وتحمل ثقلًا وزنُه أربعون باوندًا (أي ١٨كغ).٦٢
وفي عام ١٧١٧م صنَع أورفيريوس في قلعة ويسنستين، في ولاية هيس كاسيل، آلتَه الكبيرة التي بلَغ قُطرها ٣٦٠سم وثخانتُها ٣٥سم. وقد وصفَها العالم سفريغا ساند S. Sand من لندن في رسالةٍ أرسلَها إلى إسحاق نيوتن بقوله: «عَجلة مجوَّفة، أو شيءٌ شبيه بالطبل، مُغَطَّاة بقماشٍ سميك يمنع رؤيةَ ما بداخلها، وقد فحَصتُ المحاور واقتنَعتُ بشكلٍ تام أنه لا يُوجَد شيءٌ من خارج العَجلة يُشارِك في تحريكها على الأقل. وعندما أدرتُها برقَّة، هدأَت حالما رفعتُ يدي عنها …» ويروي أحد مُعَاصري أورفيريوس أنه كان ساعاتيًّا لفترة من الزمن، ويفترض الباحث ولسون أنه ثمَّة طريقةٌ ما لإخفاء نابضٍ آلي في مكانٍ ما في المساند، وقد وصف العلماء الذين فحَصوا الآلة إمكانية سماع حركاتِ حوالي ثمانيةِ أثقال من المفترَض أن تكون موضوعةً على إطار العَجلة، وهو ما يُعرَف بمبدأ «العجلة اللاتوازنية» والذي يُعتبَر سنَد المخترعين الذين حاولوا إحداث الحركة الدائمة، وهي الفكرة الأساسية التي تظهر في رسم روبرت غولد R. Gold.٦٣
figure
يوضِّح الرَّسم أعلاه والمأخوذ عن كتابٍ قديم، آلة أوفيريوس كما صنعها في عام ١٧١٤م؛ حيث يظهَر في الرسم دولابٌ كبير، يبدو وكأنه يقوم بالإضافة إلى الدوَران الذاتي (٥٠ دورة/دقيقة)، برفع حملٍ ثقيل وزنه ١٨كغ إلى ارتفاع يصل إلى ١٫٥ متر، ويستطيع تشغيل منفاخ الحدَّاد وآلة الشحذ. (مصدر الصورة والتعليق: بيرلمان، ياكوف، الفيزياء المسلية، ص٨٨.)
وقد جاء في الرَّسائل الحماسية التي حَرَّرها قيصر روسيا بطرس الأول Peter the Great (١٦٧٢–١٧٢٥م) في الفترة الواقعة بين عامَي (١٧١٥–١٧٢٢م) أنه أراد الحصول على المحرِّك الدائم الذي اختَرعَه أورفيريوس، وقد وافق المُخترع على بيع آلته مقابل ١٠٠ ألف روبل، لكن يبدو أن الصفقة لم تتم. لحسن حظ القيصر، فقد تبيَّن فيما بعد أن أورفيريوس شخصٌ مخادع أخفى شقيقَه وخادمتَه ليقوما بسحب حبلٍ ملفوف على العَجلة التي تدور.٦٤

وهكذا انتصر قانون مصونية الطاقة، وأثبت أن خَرْقه ليس بالأمر السهل، حتى مع كل التقدُّم التكنولوجي الذي كان في أوائل القرن الثامن عشر.

لازار كارنو (القرن ١٩م)

كان لازار كارنو Carnot L. (١٨٣٧–١٨٩٤م) والد سعدي كارنو، أحد المدراء في فرنسا، وفيما بعدُ أصبح واحدًا من الجنرالات الأَكْفاء والموالين لنابليون. وكان أيضًا رياضياتيًّا بارعًا نشَر كتابًا عن الآلات الميكانيكية في عام ١٨٠٣م بعنوان «المبادئ الأساسية للتوازُن والحركة» في ذلك الكتاب أيَّد لازار كارنو بقوةٍ رؤيةَ أن المحرِّك الأبدي مستحيل.٦٥ وقد خلفَه ابنُه سعدي في هذا التأييد ليكون بذلك أحد مؤسِّسي الترموديناميك الذي ستتعارض قوانينُه وبشدة مع فكرة المحرِّكات الأبدية.

ج. ج. طومسون (القرن ٢٠م)

قام الفيزيائي الشهير ج. ج. طومسون J. J. Thomson (١٨٥٦–١٩٤٠م)— الذي اكتشف الإلكترون — ببناء محرِّكٍ أبدي يعتمد على المغناطيسية والموادِّ المشعَّة، وهي الفكرة التي وجدنا أن هويغنز سبق وأن طرحها. وقد اعتقد أنه بوجود هذَين العنصرَين حل مشكلة المحرِّك الأبدي.
فقد اقتَرح أن تُؤخَذ قطعةٌ مستطيلة من المغناطيس، وتُوضَع على طاولة، ثم تُؤخَذ قطعةٌ صغيرة من الحديد الليِّن، وتُعلَّق بخيطٍ دقيق يُناط بسقف المكان وتُجعل النقطة التي يعلَّق فيها (س) غيرَ عمودية على القطب الجنوبي من المغناطيس، ولكن مائلة عنه مسافةً بحيث إن قطعة الحديد المُعلقة بالخيط تكون على بعدٍ ما عن المغناطيس بحيث يستطيع جذبَها إليه، ويُوضع بالقرب من جنوبي المغناطيس مصباحٌ مُشتعل (ص) حتى إذا بلغَت قطعة الحديد إلى المغناطيس والتصقَت به تقع فوق لهب المصباح؛ ومن ثَم إذا حمِيَت بحرارة اللهب انحلَّت مغناطيسيَّتُها فانفكَّت عن المغناطيس ورجعَت إلى مطاوعة الجاذبية الأرضية، فإذا بردَت عاد المغناطيس فجذبَها إليه، وهلُم جرًّا على التوالي. قال إلا أنَّ الشأن كله في أمر الحرارة التي يتوقَّف دوام الحركة على دوامها، وبما أنَّ الرَّاديوم فيه خاصية الحرارة الدائمة فباستعماله في هذا الجهاز تكون مسألة الحركة الدائمة قد انحلَّت.٦٦
figure
شَكْل المحرِّك الدائم الحركة الذي اختَرعَه ج. ج. طومسون، ولكن يبدو أنه من غير المفيد أن نُقدِّم طاقةً أكثر مما نستفيد بغَض النظر عن المصدر الحراري (سواء كان مشعًّا أو غير ذلك)؛ ففي النهاية العمل الذي يقدِّمه هذا المحرك أقلُّ بكثيرٍ من الذي يستهلكه. (مصدر الصورة: اليازجى، إبراهيم، الحركة الدائمة، ص٣٩٨.)

تصاميم أوروبية لمحرِّكاتٍ أبدية

تكاثَرَت المحرِّكات الأبدية بشكلٍ كبير في أوروبا، ولوضع حَدٍّ لهذا الأمر فقد أصدَرَت الأكاديمية الفرنسية في عام ١٧٧٥م، بيانًا رسميًّا تقَرر فيه ألا يُطرح على البحث والتجربة، أي مشروع يتعلَّق بالحركة الدائمة، كما وضَع الكثير من عُلماء الميكانيك في القرنَين السابع عشر والثامن عشر فرضياتٍ بعدم إمكانية الحركة الدَّائمة؛ كل ذلك قبل معرفة قانون بقاء الطاقة.٦٧
نورد فيما يأتي صورًا لأبرز وأشهر المحرِّكات الأبدية التي انتشَرَت في أوروبا حتى نهايات القرن التاسع عشر. وسنُلاحِظ أن نماذج المحرِّكات الأبدية الميكانيكية يُوجَد فيما بينها أوجه شبه واختلاف؛ حيث إنَّ جميع النماذج:
  • (١)

    تُحاول أن تتغلَّب على قوى التوازُن بين بداية الحركة ونهايتها.

  • (٢)

    تكاد تشترك جميع النماذج بوجود شكلٍ دائري لاستثمار الحركة. وعلى هذا يحاولون دومًا اصطناع دورة تتغذَّى من خلالها العناصر بالمواد نفسها، وتعمل وَفْق المبادئ نفسها.

figure
نموذج من المحرِّكات الأبدية التي تستخدم فقدان الوزن نتيجة وجودها في الماء. (مصدر الصورة: لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٨.) النموذج مصمَّم وَفْق قانون طفو الأجسام في الماء، يبلغ ارتفاعه ٢٠ مترًا، وقد وُضعَت في أعلى البرج وأسفله بكراتٌ يلتفُّ حولها حبلٌ متين على هيئة سير، وربط هذا السير ١٤ صندوقًا مكعبًا فارغًا من الداخل، وكلها مصنوعة من صفائحَ حديدية لا ينفُذ الماء داخلها، حجم كلٍّ منها ١ متر مكعب. ولدى وجود الصناديق في الماء ستُحاوِل أن تطفو إلى السطح مدفوعةً بقوة الدفع للأعلى، لكنها لن تستطيع بسبب التوازُن بين طرفي الدولابَين وقُوى الإعاقة والاحتكاك والثقل بين الصناديق الموجودة داخل البرج المائي. (مصدر الصورة والتعليق: إسماعيل، محمد طوسون، نماذج مثيرة لمحاولات الإنسان الأولى لإنتاج الطاقة من العدم، ص١٤.)
figure
من المفترض أن يعمل هذا التصميم بحيث إن السلسلة الثقيلة تمُرُّ خلال عَجلات بحيث يكون نصفها الأيمن أطول من النصف الأيسر في جميع الأحوال، وبذلك يُصبح الجانب الأيمن من السلسلة أثقل من الأيسر، ويختل التوازُن بين الجانبَين وتدُور العَجلات كلها. لكن الدوَران لن يحدُث لأن السلسلة الثقيلة اليمنى ستتوازن مع الخفيفة اليسرى إذا كانت القوى المسلَّطة عليهما مختلفة الميل؛ فاليُسرى مشدودة عموديًّا واليمنى مائلة؛ لذلك لن تتمكَّن — مع ثقلها — أن تسحب اليسرى وبالتالي لن تدور العَجلات. (مصدر الصورة والتعليق: إسماعيل، محمد طوسون، نماذج مثيرة لمحاولات الإنسان الأولى لإنتاج الطاقة من العدم، ص١٤.)
figure
نموذجٌ ضخم صُنع في أمريكا، يتهيأ للناس أن الكرات الثقيلة المتدحرجة هي التي تُحدِث الخلل في التوازن وتجعل العَجلة تدور، لكن تبَيَّن أنه يُوجَد آلةٌ أخرى تُدير المِحوَر المركزي للعَجلة. (مصدر الصورة والتعليق: إسماعيل، محمد طوسون، نماذج مثيرة لمحاولات الإنسان الأولى لإنتاج الطاقة من العدم، ص١٥.)
figure
تصميم لمحرِّكٍ أبدي بوساطة أولريش فون كرانش U. von Cranach عام ١٦٦٤م. (مصدر الصورة: Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 25.)
figure
أحد المحرِّكات التي تم اختراعُها عام ١٦٣٤م من قِبَل شخصٍ مجهول. (مصدر الصورة: لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٦.)
figure
نموذجٌ لمحرِّكٍ أبدي يستخدم سيفوناتٍ أو أنابيبَ شعرية. (مصدر الصورة: لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٨.)
figure
قام السير وليم كونجريف Sir W. Congreve (١٧٧٢–١٨٢٨م) بتصميم هذه الآلة. وكان من المُفترَض أن قِطع الإسفنج (المرمزة بالحرف «أ») أن تمتص الماء «ب» فتصبح أثقل، ولكن السلسلة «ج»، تعتصر منها هذا الماء على المنحدر «د» لتعود إلى خفَّتها. وهكذا يدُور حزام الإسفَنج بعكس اتجاه عقارب الساعة حول ثلاثِ بكرات. (ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٦٣.)
figure
(إلى اليسار) تصميمٌ بسيط لمحرِّكٍ دائم الحركة يعتمد على وضع قطعة مغناطيس كبيرة «أ» كان يُفترَض فيها أن تستطيع جعل الكرة الحديدية «ج» تَصعَد المنحدر «ف»، حتى إذا بلغَت هذه الكرة الثقب «ﻫ» سقطَت منه إلى المجرى «ز» الذي يحملُها إلى الثقب «د»، حيث يجذبها المغناطيس من جديد. (المرجع السابق نفسه، ص٦٣.) (إلى اليمين) تصميمٌ آخر لمغناطيسٍ يجذب كرةً حديدية تتدحرج على مُستوٍ مائل. (مصدر الصورة: الموسوعة العربية العالمية، مدخل «آلات الحركة الأبدية»، الرياض، ٢٠١٤م.)
figure
دولاب يفتقد للتوازُن ويحوي على أذرعٍ طويلة ذات مفاصل «أ» تسقط بصورةٍ عمودية تمامًا لتتلقَّى كرةً تتدحرج في مجرًى حتى «ﺟ». وكان المفروض في ثقل الذراع أن يُفقِد الدولاب توازُنَه فيجعلَه يدور، أما الواقع فهو أن الدولاب مُتوازِن. (ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٦٣.)
figure
في القرن السادس عشر استُخدم مبدأ أرخميدس في اللولب من أجل دولابٍ مائي ذاتي الدوران؛ فالأنبوب «ب» (في الأسفل) أسطوانةٌ لولبية، كان يستهدف رفع الماء في دوَرانه. وإذْ ذاك يجري الماء من الذروة «أ» إلى التجاويف «ﻫ، و، ز» ثم المجاديف «ح، ط، ك» المربوطة في الأسطوانة لجعلها تُواصِل دورانها. (ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٦٣.)
figure
تصميمٌ لمحرِّكٍ أبدي يعود لعام ١٨٢٣م، يعتمد على مبدأ تفاوُت الضغط بين الماء والهواء. تتكوَّن هذه الآلة من منفاخ F، يتم ضخ الهواء بوساطة أنبوب P، ويتم تحريكُها بوساطة الساعد N والعَجلة L؛ حيث يتم تدوير العَجلة L بوساطة القضيب K، الذي يتم تحريكُه بواسطة الساعد H المتَّصل مع المِحوَر B، الذي يوجد في خزان من الماء ويدفعه ٦ أكياس هوائية C. عندما يكون الكيس في أدنى نقطةٍ له، يمتلئ بالهواء من المنفاخ. وهذا يجعلها منتفخةً وبالتالي يتحوَّل المِحوَر B في اتجاه عقارب الساعة. عندما يُغادِر الكيس الماء، يفتح المقبض S صمام Q، الذي يُتيح خروج الهواء من الكيس. (مصدر الصورة والتعليق: http://www.sciencephoto.com/)
figure
محرِّكٌ أبدي من تصميم العالم البريطاني توماس يونغ T. Young (تُوفِّي ١٨٢٩م) في ١٨٠٧م. يقوم مبدؤها على أن يدُور القرص عكس عقارب الساعة. عندما تمُرُّ كل كرةٍ فولاذية فوق المركز تتَدحرَج إلى الحافة الخارجية. وبعد الدوَران نصفَ لفَّة تتجه الكرة نحو مركز الجزء العلوي من الدائرة. الفكرة هي أنه في الجزء السفلي، يكون كُل كُرة لديها المزيد من لحظة التحوُّل، أبعد من المركز، من تلك التي تتحرك للأعلى. لا يعمل التصميم عندما يُوجَد عددٌ أكبر من الكرات في الجانب الصاعد؛ لأنه يحدُث توازن لحظة التحوُّل الأكبر. يُحتفظ بهذا التصميم في المعهد الملكي في لندن. (مصدر الصورة والتعليق: http://www.sciencephoto.com/)
figure
صورة المحرِّك الدائم الحركة الذي اختَرعَه الفرنسي لاون باليس L. Pallice وعَرضَه في معرض باريس عام ١٩٠١م. (اليازجى، إبراهيم، الحركة الدائمة، ص٥٥١.) ويبدو أنه مُستوحًى من التصميم العربي وتصميم هنكور مع بعض التعديل.
figure
(إلى اليمين) تصميم للمحرِّك الأبدي الذي ظهَر في القرن ١٣م، وقد قامت إحدى المؤسسات العلمية في موسكو بإعادة تصميمه عام ١٩١٠م. (مصدر الصورة والتعليق: لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٦.) (إلى اليسار) حتى أوائل القرن العشرين كان للمُحرِّكات الأبدية صداها على غِلاف مجلَّة «بابولار ساينس» الصادرة عام ١٩٢٠م.

حتى اليوم فإن مكتب براءات الاختراع الأمريكي يرفُض فحصَ أي طلبٍ يتعلق بالمحرِّك الدائم الحركة، مهما كان نوعه أو القوى التي يرتكز عليها في مبدأ عمله، إنهم حُرَّاسٌ مخلصون وملتزمون بقوانين الترموديناميك.

في استبيانٍ أجراه مؤلِّف الكتاب عام ٢٠٠٩م على عيِّنةٍ مكوَّنة من ٢٠ مُخترِعًا سوريًّا حصلوا على براءة اختراعٍ واحدة على الأقل،٦٨ وقد طرحتُ عليهم السؤال الآتي: لو طُلب منك اختراعُ مُحرِّكٍ أبدي لا يقف عن الحركة، ماذا تفعل؟ فحصَلتُ على الإجابات الآتية:
  • أرفض العمل، لعدم إمكانية ذلك طبيعيًّا.

  • أصرف السائل بأدب.

  • أقول هذا الطرح غير منطقي.

  • أتوقَّف عن الاختراع.

  • هذا إعجاز وليس اختراعًا؛ لأن كل شيءٍ متحركٍ (ميكانيكي) قابلٌ للعطَب.

  • لا يُمكِن اختراعُه.

  • هذا هُراء.

  • أعتذرُ عن ذلك.

  • أعتمدُ في تغذيته على شيءٍ أبدي.

  • يُوجَد الكثير منه.

  • أُحاول.

  • سأخترعُه بلا شك إن كان وطني يطلُبه مني.

  • هذا مشروعي الآن وهو جاهز.

  • أفكِّر فيه، وأبحث عن الحلول التي تعترض العمل.

  • أبدأ بالخطوة الأولى.

  • أقوم بالعمل به لأنني إن لم أتوصَّل إليه، فإنني سأتوصَّل إلى أمورٍ أخرى؛ ذلك لأني في عملي في أي اختراعٍ أتوصل إلى أشياءَ أخرى تلقائيًّا، وذلك حتمي من حيث الفكرة وطريقة العمل وأدواته.

وقد وجدتُ من تحليل تلك الإجابات السابقة أن نسبة الذين رفضوا الفكرة كانت (٥٠٪)، مقارنةً بالآخرين الذي أجابوا بإمكانية المحاولة أو الاستفادة من العمل عليه، وهم من أبناء القرن العشرين. ولا تزال فكرة المُحرِّك الأبدي ساحرة وتجتذب الكثيرين؛ فما زالت البشرية متعطِّشة للطاقة، والبحث دائمٌ ودائبٌ عن مصادرَ جديدةٍ ومتجدِّدة، والأروع من ذلك أن تكون مجَّانيةً بلا مُقابِل.

١  Duhem, P., The Origins of statics, Kluwer Academic Publishers, 1991, p. 41.
٢  الموسوعة العربية العالمية، ج ١، مدخل «آلة الحركة الأبدية»، مؤسسة أعمال الموسوعة، الرياض، ٢٠٠٤م.
٣  لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ترجم بإشراف: داود المنير، ط٣، دار مير، موسكو، ١٩٧٨م، ص١١٥.
٤  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 24–25.
٥  Dugas, Rene, A History of Mechanics, Routledge & Kegan Paul ltd. London, 1957. p. 97.
٦  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٦.
٧  فوربس، ر. ج، وديكستر، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج٢، ص٥٨.
٨  لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٨.
٩  تويلييه، بيير، العالم الصغير، ترجمة: لطيفة ديب غرنوق، سلسلة العلوم ١٦، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٩٥م، ص٧٩.
١٠  تويلييه، بيير، العالم الصغير، ص٧٧.
١١  الخطيب، محمد، الفكر الإغريقي، ط١، ص١٩٥–١٩٦، دار علاء الدين، دمشق، ١٩٩٩م.
١٢  المجموع بعنوان: مُلخَّص علمي وفلسفي لأحمد بن سليمان غوجاراتي، كوديكس؛ ص ص. +iii+250. يعود تاريخه إلى ذي الحجة ١١٣٤ﻫ. اللغة أو اللغات المستخدمة: العربية والفارسية. النسخة الأصلية محفوظة في المكتبة البريطانية: مخطوطات شرقية. ويُوجَد منه نسخة في مكتبة قطر الوطنية، وهو يضم ٢٥ رسالةً متنوعة.
١٣  لقد قُمنا بمراجعة نسختَين من كتاب «الكرة المُتحرِّكة» ولم نجد أنَّ أوطولوقس قد أشار لتصميم هذه الكرة المتحرِّكة بشكلٍ دائم؛ فقد كان في هذا الكتاب يدرُس بعض المسائل المتعلِّقة بالكرة من الناحية الهندسية البحتة. النسختان اللتان توفَّر لنا الاطلاع عليهما هما:
• الكرة المتحركة، الرقم العام: ٤١/نت، عدد الأوراق: (٥ ورقات)، تاريخ النسخ: ٦٦٩ﻫ، مكان الوجود: مكتبة تشستربيتي رقم (٣٠٣٥)، دبلن، أيرلندا، وهي نسخة تامة، ذهبية، ترجمة ثابت بن قرة.
• تحرير كتاب الكرة المتحرِّكة أوطولوقس [(١ظ‎‎] (٢٠ / ١] المكتبة البريطانية: مخطوطات شرقية وIO Islamic 923, ff 1v-10r.
١٤  الأبَقُ: قِشْر القِنَّبِ. المُحيط في اللغة، الصاحب بن عباد، ج٢، ص٦. والقنب Hemp.
١٥  مُلخَّص علمي وفلسفي لأحمد بن سليمان غوجاراتي، صص. ٥٣و-٥٧ظ.
١٦  Berryman, Sylvia, The Mechanical Hypothesis in Ancient Greek Natural Philosophy, Cambridge University Press, 2009, p. 81.
١٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨.
١٨  آل ياسين جعفر، الفارابي في حدوده ورسومه، ص٢١١، عالم الكتب، ط١، بيروت، ١٩٨٥م.
١٩  بهمنيار، ما بعد الطبيعة، ص١٦.
٢٠  الدفاع، علي عبد الله، وشوقي، جلال، أعلام الفيزياء في الإسلام، ص١٧٩.
٢١  شوقي، جلال، العلوم والمعارف الهندسية في الحضارة الإسلامية، ص٣٧٥.
٢٢  عُرف الكتاب بواسطة أطروحة قدَّمَتْها الباحثة ماريا فيلونيداس M. Valonidas لنَيلِ الدكتوراه سنة ١٩٧٥م؛ ومن ثَم اهتم به كثيرٌ من الدارسين والباحثين في تاريخ الأندلس العلمي.
٢٣  انظر: مجلة تراث الإماراتية، عدد ١٢٢، أكتوبر ٢٠٠٩، ص٣٨–٤٩.
٢٤  فيرنيه، خوان، العلوم الفيزياوية والطبيعية والتقنية في الأندلس، بحث في كتاب الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، (١٩٩٨م)، (٢ / ١٣٠٢).
٢٥  فروخ، عمر، تاريخ الفكر العربي إلى أيام ابن خلدون، ص٦١٠.
٢٦  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨.
٢٧  مخطوطة إستانبول (Ms. Istanbul Koprulu.I.949)، منسوخة بخط العالم المصري بيلق عبد الله القبجاقي في القاهرة عام ٦٥٨ﻫ/١٢٦٠م، عن المخطوط الأصلي للمؤلِّف.
٢٨  الدراسة النَّقدية عن هذا الكتاب قام بها المؤرخ دونالد هيل، وقد نُشِرَت الترجمة العربية من قِبَل معهد التراث العلمي العربي في جامعة حلب، عام ٢٠٠٤م، بعنوان «الساعات المائية العربية»، ص١١٧ وما بعدُ.
٢٩  ابن منكلي الناصري، الحِيَل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب، مخطوطة المكتبة البريطانية، رقم (Add MS 14055)، ص١٥٠و-١٦٣ظ. وقد قام بتحقيق هذا الكتاب نبيل محمد عبد العزيز، ونشَرَتْه مطبعة دار الكتب المصرية سنة ٢٠٠٠م، لكن المُحقِّق لم يستخدم هذه النسخة ضمن النسخ الثلاث التي اعتمدَها في عمله. وصُور المُحرِّكات ونصوصها موجودة في الطبعة المحقَّقة في الصفحات ٢٣١–٢٨٧.
٣٠  تُعرف باسم آخر هو «الكواكب الدرية في البنكامات الدورية»، وهي مخطوطة من مقتنيات المكتبة الوطنية الفرنسية، رقم ٢٤٧٨.
٣١  الرَّاصد، تقي الدين، رسالة في البنكامات، صفحة ٤ظ.
٣٢  يلماز، عرفان، مكتشف الكنز المفقود فؤاد سزكين، ترجمة: أحمد كمال، دار النيل، القاهرة، ٢٠١٥م، ص٣١٨–٣١٩.
٣٣  الحميدي، محمد بن فتوح، جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس، تحقيق: بشار عواد معروف ومحمد بشار عواد، ط١، دار الغرب الإسلامي، تونس، ٢٠٠٨م، ص٥٨١.
٣٤  لقد أُنجز بحثٌ كامل عن/طواحين الهواء العربية/ وشملنا الأندلسية منها، البحث قيد التحكيم في مجلة آفاق الثقافة والتراث، التي تصدُر عن مركز جمعة الماجد في دبي.
٣٥  According to MS Gotha 1348, fol. 105b; Leiden, Warn. 499 (= or. 499), fol. 80 a. Cf. H. Schmeller, Beiträge zur Geschichte der Technik in der Antike und bei den Arabern, Erlangen, 1922, p. 21 (repr., op. cit., p. 221).
٣٦  للمزيد عن هذا الدفتر انظر: Bibliothèque nationale de France (BnF), Paris, under the shelfmark MS Fr 19093.
http://gallica.bnf.fr/ark:/12148/btv1b10509412z.r=villard%20de%20honnecourt.
٣٧  فيرنيه، خوان، الإنجازات الميكانيكية في الغرب الإسلامي، مجلة العلوم، المجلد ١٠، العددان ١٠ و١١، أكتوبر–نوفمبر، تصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، ١٩٩٤م، ص٧.
٣٨  الشراد، سليمان، الميكانيك الإسلامي في إسبانيا، مجلة الكويت، الكويت، ص٤.
٣٩  منها ما جاء بالمخطوط رقم: ٩٥٤ بمكتبة بودليان بجامعة أكسفورد، كذا بمخطوطَي جامعة إستانبول (سابقًا: Hagia Sophia): رقم: As ad 1884، ورقم: As 2755.
٤٠  شوقي، جلال، العلوم والمعارف الهندسية في الحضارة الإسلامية، ط١، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، إدارة التأليف والترجمة والنشر، ١٩٩٥م، ص٣٧٥ وما بعدُ.
٤١  كاكو، ميشو، فيزياء المستحيل، ترجمة: سعد الدين خرفان، سلسلة عالم المعرفة ٣٩٩، تصدُر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أبريل، ٢٠١٣م، ص٢٩٤.
٤٢  تويلييه، بيير، العالم الصغير، ص٧٧.
٤٣  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٩.
٤٤  ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٦٢.
٤٥  Dugas, Rene, A History Of Mechanics, p 79.
٤٦  Duhem, P., The Origins of statics, p. 41-42.
٤٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨.
٤٨  Tallmadge, G. Kasten, Perpetual Motion Machine of Mark Antony Zimara, The University of Chicago Press, Isis, Vol. 33, No. 1 (Mar., 1941), p. 11.
٤٩  Duhem, P., 1991, p. 41.
٥٠  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٩.
٥١  Dugas, Rene, A History of Mechanics, p. 97.
٥٢  نُشِر عام ١٦٠٧م. وقد اشتُهر هذا الكتابُ بأنه الأقرب إلى التطبيق الميكانيكي الحقيقي في عصره.
٥٣  تويلييه، بيير، العالم الصغير، ص٧٧.
٥٤  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨.
٥٥  فوربس، ر. ج. وديكسترهوز، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص١٦٤.
٥٦  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨.
٥٧  Tallmadge, G. Kasten, Perpetual Motion Machine of Mark Antony Zimara, p. 11.
٥٨  فوربس، ر. ج. وديكسترهوز، إ. ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، ج١، ص١٧٥.
٥٩  Theatrum Machinarum Novum.
٦٠  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٤٨–٤٩.
٦١  Tallmadge, G. Kasten, Perpetual Motion Machine of Mark Antony Zimara, p. 11.
٦٢  ولسون، كولن، موسوعة الألغاز المستعصية، ترجمة: مالك فاضل البديري، ط٢، دار الأهلية، عمان، ص١٣٦–١٣٧.
٦٣  المرجع السابق نفسه، ص١٤٠–١٤١.
٦٤  إسماعيل، محمد طوسون، نماذج مثيرة لمحاولات الإنسان الأولى لإنتاج الطاقة من العدم، مجلة العلوم والتقنية، العدد ٣، تصدر عن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، رجب/مارس، ١٩٨٨م، ص١٥.
٦٥  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 52.
٦٦  اليازجى، إبراهيم، الحركة الدائمة، مجلة الضياء، السنة الثامنة، مصر، ١٩٠٦م، ص٣٩٨–٣٩٩.
٦٧  لانداو، ل. وكيتايجورودسكي، أ، الفيزياء للجميع، ص١١٧.
٦٨  الدراسة منشورة في ملحق كتاب «أسس الاختراع»، د. سائر بصمه جي، ط١، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠١٦م، ص٣٨٥ وما بعدُ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤