الفصل الثاني

الآلات الحرارية: تحويل الحرارة إلى عمل

مقدمة

لقد قامت النار بدَورٍ حيوي ورئيس في تطوير الحضارة الإنسانية؛ فقد حَفَّزَت التقانة من صنع الطوب الأحمر إلى الفخار إلى الأسلحة فالطب، إلى تطبيقاتٍ أكثر من أن تُعَدَّ أو تُحصَى؛ كل ذلك تطوَّر من تطبيق النار واللهب والحرارة،١ بما فيه خدمة الإنسان وحاجاته.

وسنقوم في هذا الفصل باستعراضِ ما حصلنا عليه من وثائقَ لبعض الآلات الحرارية الشهيرة تاريخيًّا التي كانت لها استخداماتٌ عسكرية أو مدنية؛ فقد عُرف عن اليونانيين اختراعُهم للنار اليونانية وإيوليبل هيرو، كما عُرف عن الرومانيين ابتكاراتُهم في مجال غلَّايات الحمَّامات.

وما قد ندهشُ له هو عثورُنا على وثائقَ لبعض الآلات الحرارية العربية المغمورة جدًّا، والتي لا يذكُر مؤرخو العلم أو التقانة الغربيَّين أهميَّتَها أو موقعَها في تاريخ التقانة الحرارية؛ فقد قدَّم لنا أبناء موسى بن شاكر خلاطًا مائيًّا آليًّا، كما اخترع الجزري إبريقًا يقدِّم ماءً حارًّا أو باردًا حسب الطلَب، وقدَّم لنا تقي الدين تصميمًا فريدًا من نوعه لمبخرةٍ جيروسكوبية وآلة سيخِ شيٍّ تعمل بطريقتَين؛ إحداهما تعتمد على تحريك الهواء الحارِّ الصاعد لمروحة وأخرى بخارية. ولعل الإسهام المُهِمَّ هو ذلك الذي صمَّمه عربيٌّ مجهول لمضخَّة لاستخراج المياه بطريقة الضغط المنخفض، والذي سيعود الأوروبيون ويُعيدون ابتكاره من جديد ويُطوِّرونه ليصلوا — بعد الدمج بين نظريات الترموديناميك والهندسة الميكانيكية — إلى المحرِّك البخاري الذي أشعل فتيل الثورة الصناعية في أوروبا والعالم.

المبحث الأول: اليونانيون

تنوَّعَت الآلات الحرارية القديمة التي ابتكَرها اليونانيون، والمُدهش في الأمر أن معظمها أُعيد اختراعُه من جديد من قِبَل الأوروبيين؛ فالمدفع البخاري الذي صنع أرخميدس أعاد تصميمه دافنشي، وصُمِّمَت عربةٌ تعمل بشكلٍ مُعاكس له، كذلك فإنَّ فكرة إليوبيل هيرو أُعيد تصميمُها لتُصبِح المحرِّك البخاري، وتحوَّلَت النار الإغريقية من جديد في القرن ٢٠ إلى سلاحٍ فردي فعَّال.

أرخميدس (القرن ٣ ق.م.)

خطَّط ليوناردو دا فنشي لصُنع قطعةٍ غريبة من المِدفَعية البخارية، عرَّفَها باسم الأركيترونيتو Architronitro (أو الرعد القوي)، وقال بأنه نسخَها من بعض الملاحظات التي خلَّفَها أرخميدس. وعلى ضوءِ تفاصيلَ أخرى يبدو بأن الملاحظات معقولة؛ فقد جهَّز الجيش الصقلي السفن الأيبيرية بهذه الآلة لمحاربة السفن السلتية.٢
figure
(إلى اليسار) رسمٌ ليوناردو دا فنشي لآلة الأكريترونيتو (Ms. B, f.33). (إلى اليمين) اقتُرح تصميم هذه «العربة البخارية النفَّاثة» في القرن السابع عشر كتطبيقٍ عملي للقانون الثالث لنيوتن (الفعل ورد الفعل)، إلا أنها لم تُنفَّذ على أرض الواقع؛ فقد كانت تتألَّف من أربعِ عَجلات، وتُحرِّكها نفثات بخار من أنبوبةٍ دقيقة متجهة بفُوَّهتها إلى الخلف ومتصلة بغلايةٍ كروية. (مصدر الصورة: ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص٣٤.) ومن الواضح أن فكرة العربة البخارية معاكسة تمامًا لفكرة الأكريترونيتو.
يُصَنَّف المِدفَع البخاري الغامض ضمن عائلة الأسلحة نفسها التي تعمل بتمدُّد الهواء، وقد نسب دا فنشي بصدق وأمانة هذا الاختراع إلى أرخميدس بقوله: «الأركيترونيتو هي آلةٌ من النحاس الرقيق، اخترعَها أرخميدس، تُطلِق كُرات الحديد بقوة ونشاط كبيرَين.» ويستحقُّ هذا التأكيد بعض المصداقية التي تَطرحُها التفاصيل المُهِمَّة الآتية: بالنسبة لوصف وظيفة الأسلحة، لا يستخدم ليوناردو دا فنشي المقاييس الخطِّية والتأمُّلية ليومه، أو المقاييس الرومانية التي كان معتادًا عليها، وإنما وحدات القياس اليونانية القديمة التي لم يكن مُعتادًا عليها على الإطلاق. بشكلٍ خاص، يتركَّب السلاح من «مِدفَع يعتمد على توليدٍ مفاجئ للبخار ليُطلِق طلقةً خارج السبطانة». كان الأخمص أو مؤخرة السلاح مصنوعًا من النحاس مثل سلَّة وقد احتوى على فَحمٍ محترق، بعد حزم الاستدارة والقيام بالتسخين الكافي لذلك القسم من المؤخرة، يتم إدخال القليل من الماء الذي هو بالأساس في حُجرة، و«يتم إطلاقه من الأسفل فيهبط ماؤه كله نحو القسم الناري، وهناك يتم تحويلُه إلى دخانٍ كثيف جدًّا عجيب، ومن الرائع رؤية الهيَجان وسماع الضجيج. لقد دُفعَت الكرة التي تزن تالينتًا واحدًا لتَبعُد ستة مدرجات.»٣ وتؤكِّد كلمات دا فنشي على الحقيقة بأن مثل هذا المِدفَع تم إنشاؤه بالفعل سابقًا.٤

هيرو السكندري (القرن ١م)

figure
(الإيوليبل) كرةٌ دوَّارة من البرونز ترتكز على محورَين جانبيَّين يُزوِّدانها بالبخار من الوعاء السفلي، وتقوم بردِّ فعلٍ نتيجة اندفاع البخار من مكانَين متعاكسَين على محيطها. والواقع أنه لم يتم الاستفادة من هذه الفكرة كمصدرٍ للحركة إلا بعد حوالي ألفَي سنة مع ظهور المحرِّك البخاري وافتتاح عصر الثورة الصناعية. وقد أطلَق هيرو اسم الإيوليبل (أي كرة الريح) على شرف إله الرياح (إيولوس). (مصدر الصورة اليمنى: موقع www.art.com، أما مصدر الصورة اليسرى فهو: www.britannica.com.)
figure
تطبيق «الباب السحري» هيرو يعمل بقوة تمدُّد الهواء داخل وعاء، وليس على قوة البخار، وقد استخدمه على أبواب المعابد لإضفاء مَسحة من الهَيْبة في قلوب المتعبِّدين. (هودجز، هنري، التقنية في العالم القديم، ص١٩٤.)
تَنبَّه هيرو السكندري إلى فكرة تمدُّد الهواء وازدياد حجم بخار الماء عند تسخينه، فكان منه أن استفاد من هذه الفكرة في تطبيقها على تصميم أبوابٍ تُفتَح آليًّا، إضافةً لمُحرِّكه الشهير (الإيوليبل Aeolipile).٥،٦ والواقع أنَّ مُحرِّكه لم يكن أكثر من لعبة للتسلية، وقد استقى هيرو فكرته من تعاليم أرسطو القائلة بوجود أربعة عناصر، معتقدًا بأنَّ الماء عندما يُسخَّن يتحول إلى هواء، كما أن هيرو استفاد من عمل كستيسيبيوس Ctesibius (٢٨٥–٢٢٢ق.م.)، المُخترع وعالم الرياضيات اليوناني في الإسكندرية، أيام مصر البطلمية، الذي كتب أطروحاته الأولى عن علم الهواء المضغوط واستخداماتها في المضخات؛ يقول هيرو في كتابه (Pneumatica): «إن الماء يتحوَّل بالحرارة، ليُصبِح هواء، والأبخرة الصاعدة من البواتِق ليست إلا سائلًا مُمدَّدًا صار هواء، ما دامت النار تُفكِّك كل صُلبٍ وتُحوِّله.»٧
لقد أدرك هيرو القوة الحركية للبُخار بسبب تجاربه المتعدِّدة وتحقيقاته في هذا الأمر؛ حيث فحص استعمالَه مع الماء السائل في المحرِّكات، وفي أثناء قيامه بذلك لاحظ بأنَّه عند وضع حاويةٍ معدنية مختومة بإحكامٍ بثقبٍ صغير، مليئة جزئيًّا بالماء، فوق لهب، فإنه سرعان ما تعلن الصافرة عن وجود البخار. بوضع ذراعِ تحريكٍ صغيرة أمام مُطلِق البخار فإن الذراع تدور بسرعة، إلى أن يُستهلك كل الماء. مع ذلك لم يكن هذا المحرِّك برهانًا مهمًّا على القوة الحركية للبخار، لقد أدرك أنَّ المادة الثانية مُذهلة لدرجةٍ كبيرة في ذلك العصر. كان المحفِّز معزَّزًا بالملاحظة؛ فعندما أطلق «المِرجَل» البخار، فإنه تحرَّك بعض الشيء في اتجاهٍ معاكس. لم تكن الظاهرة بالجديدة فهي شبيهة بالكيس العائم عندما يتم تفريغُه على سطح الماء فيُعطِي قوة دفع للخلف. لدراسة التناظُر، بنى كرةً مفرَّغة من البرونز، وجَهَّزها بمحورٍ مع أربع فُوَّهات تميل على استواء متعلِّقٍ بها. عندما تكون الكرة مليئةً بالماء والمحور موضوع على شوكتَين، وضع أداةً واحدة على المَوْقد. حالًا يبدأ البخار بالخروج بشدة من الفُوَّهات، مسببًا ردَّة فعل عزم تدوير على حاوية المرجل، جاعلًا منه يدُور. لعل هيرو أحَسَّ بالسبب، ولعله تخَّيل أهميتَه، لكنه ولا بأي وسيلة تمَكَّن من التكُّهن بتطبيقاته من تلقاء ذاته.٨

كالينيكوس الهليوبوليسي (القرن ٧م)

اشتهر اليونانيون أيضًا — من الناحية الحربية — بما يُسمَّى «النار اليونانية» أو «النار الإغريقية» Greek fire، والتي يُعزى اختراعُها إلى كالينيكوس الهليوبوليسي، لكن لم يكُن لهذه النار ما للبارود من قوة انتشار.٩
بدايةً، فيما يتعلق بالتسمية فقد أثبتَت البحوث الحديثة أنَّ الزيت المعدني وأحد المساحيق كانا معروفَين منذ وقتٍ بعيد من قِبَل آخرين، وأن الرومانيين ليسوا أوَّل من استخدَمها، وأول مرة يُشارُ فيها إلى مصطلح «النَّار اليونانية» عام ٦٧٤م لدى استخدامها ضد الأسطول العربي المسلم.١٠
figure
صورة من مخطوطةٍ يونانية تمثِّل استخدام النار اليونانية في إحدى المعارك البحرية، كانت الأشياء الوحيدة المفتَرض أنها فعَّالة لإطفاء النار اليونانية هي الرمل والبول والخل. والخل كان يُقصَد به المحلول الملحي القوي، الذي يكوِّن قشرةً بعد البخر تُطفِئ اللهب بعزله عن الأكسجين. أمَّا البول فهو محلولٌ مركز كان يُؤخَذ من تجمُّعات البول القديمة التي تُعرَّض للبخر، والتي تحوي على رواسبَ كثيرة. (مصدر الصورة موقع: en.wikipedia.org، أما التعليق فهو من: كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٧٦.)
تتألَّف النار اليونانية من مزيج من المواد الآتية: الزيت الإسفَلتي، إما وحدَه أو مضافًا له الكبريت والقطران، وقد كشف أثينيه Athens ويوليوس الإغريقي Greek Julius عن أوَّل أمزجةٍ تلقائيَّة الاشتعال، وأساسها كان خليطًا من الهيدروجين والكربون، ويدخُل فيها الكلس (الجير الحي أو أكسيد الكالسيوم) لرفع درجة الحرارة بتماسِّه مع رطوبة الماء وملح البارود.١١ وقد تغيَّرَت من بعدُ لتحوي على النفط، ونترات البوتاسيوم، وزيت التربنتين. وبحلول القرن الثالث عشر الميلادي تشابهَت مع بارود البنادق الذي لم يكن معروفًا وقتَها.١٢ أما عن دَور الرومانيين في الموضوع فهو الترويج والتطوير؛ كونَهم محاربين يرغبون بالسيطرة على العالم لا أكثَر ولا أقل.
غير أن الباحث جون هالدن J. Halden من جامعة برنستون فكان لديه رأيٌ شخصي آخر؛ فهو يشُك في أنَّ هذه المادة كانت سائلًا نفطيًّا في الأساس، وقد عُدِّل بحيث تزدادُ قُوَّته، وهو يعتقد أنَّ المكوِّنات الأساسية كانت زيتًا خامًا شديد الاشتعال يُسمَّى «النفتا» والراتنج الصنوبري اللزِج الذي يجعل المزيج يَحترِق بدرجات حرارة أعلى ولمدة أطول. وفيما يتعلَّق بلُغز النار اليونانية، كان هناك ما هو أكثر من مجرَّد المكوِّنات، فيُشير هالدن: «عندما استولى الأعداء على أجزاء من المُعدَّات، عجزوا عن اكتشاف طريقة استخدامها لإعادة إحداث النتائج نفسها»، وعانى المؤرخون من المشكلة نفسها، لكنهم استنتجوا أنه رُبَّما كانت هناك مضخَّةٌ برونزية لكبس الزيت الساخن الذي كان يندفع بعدئذٍ عَبْر فُوَّهةٍ ويشتعل. وفي عام ٢٠٠٢م، صُمِّم نموذجٌ من أجل برنامجٍ تلفزيوني لقناة «ناشونال جيوجرافيك» باستخدام خليطٍ من الزيت الخام الخفيف والراتنج الصنوبري، اللذَين دمَّر لهبُهما سفينةً في ظرف دقائق.١٣
figure
كان الجهاز المولِّد للنار اليونانية يتألَّف من حاويةٍ تضُم الموادَّ الكيميائية حيث يُوقَد عليها من الأسفل بالنار، ويتمُّ ضَخُّ الهواء عليها من الأعلى لزيادة قوَّة دفعها عَبْر أنبوبٍ معدني يحتمل الحرارة المتولِّدة، وهي أشبه بمِدفَع اللهَب الذي يُستخدَم في الحروب الحديثة. (مصدر الصورة موقع: en.wikipedia.org)
figure
خطر لأحدهم أن يجمع بين النار وبين كباش الحرب التي تُستخدَم في الحصار لقذف الحصون، فكانت النتيجة هذا المركَّب الغريب الذي يُحتمَل أنه استُحدِث في العصور الوسطى؛ فقد كان الكبريت الملتهب يُوضَع في البرميلَين الموجودَين على جانبَي الكبش، بينما يقوم السقف ذو الحوافِّ الناتئة بحماية المجذافَين من حُمم النيران المتساقطة ومن السهام والحراب. (مصدر الصورة: ويلسون، ميتشل، الطاقة، ص١٠٠.)
لقد أُوقِف الفتح الإسلامي الذي قام به الأمويون على القسطنطينية في القرن السابع للميلاد، تحديدًا عام ٦٧٤م بسبب استخدام النَّار اليونانية من قِبَل الرومان.١٤ لكن لم يدُم سر هذه النار كثيرًا فقد كشفه العرب والمسلمون، وواجهوا به الأوروبيين في أثناء الحملات الصليبية على سورية ومصر، ورُبَّما استُخدِم في حصار القسطنطينية في القرن الثالث عشر الميلادي. وقد اختفت النار اليونانية ولم تعُد تُستخدَم بهذا الشكل بعد سقوط القسطنطينية سنة ١٤٥٣م.١٥

المبحث الثاني: الرومانيون

figure
غلَّايةٌ رومانية عُثر عليها في بومبي، وهي عبارة عن قارورةٍ برونزية تتسع حوالي ٤٠ لترًا، مع صنبور عند أسفلها، تُشبِه صمامات الإغلاق التي تم وصفها مسبقًا. القسم الأسفل ينتصب عموديًّا على ثلاث دعامات، الحد الأقصى من القسم الأعلى كان مفتوحًا بالكامل وكان مُقحَمًا داخل أُسطوانةٍ مركزية من أجل الجمر، مع شبكة عند الأسفل، وفي داخل الجزء الداخلي للقارورة شبكة تأخذ شكل غطاءٍ كان يتم استعمالها لإغلاق هذا القسم الأخير، تاركًا الأسطوانة مفتوحةً بحيث يمكن إضافة الجمرات الجديدة، وتُوضَع تحت الشبكة المفرغة والنظيفة. (مصدر الصورة والتعليق: Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, pp. 252–253.)
نظر المهندس الروماني فيتروفيوس Vitruvius (القرن ١م) إلى إيوليبل هيرو على أنه جهازُ رصدٍ جوي؛ حيث إنه توقَّع عندما ترتفع درجة حرارة الجو فإنها تسخِّن الإيوليبل حتى درجة الغليان؛ وبالتالي يقوم بالدوران، وقد كتب يقول في كتابه (فن العمارة):١٦ «الريح هي الموجة المُتحرِّكة من الهواء مع حركةٍ مجهولة غير محدَّدة؛ فهي تظهر في الحر والرطوبة، وضغط الحرارة يؤدي إلى هبوب عاصفةٍ قوية. إثباتًا لذلك يُمكن الاستشهاد بالإيوليبلات النحاسية، وبهذه تُعرف الحقيقة الإلهية عن علاقات القوانين الخفية للسماء بمساعدة الأدوات المخترعة. وبالضبط: تُصنع أوعيةٌ نحاسية جوفاء ذات فتحةٍ شديدة الضيق، وعَبْر هذه الفتحة تُملأ بالماء، وبعد ذلك تُوضع على النار. قبل أن يُسخَّن الماء لا تُوجَد هبَّات، ولكن عندما يبدأ بالغليان ينطلق نفخٌ قوي، وبهذه الطريقة، من هذا التصوُّر الصغير يمكن أن نتعرَّف على فكرة قانونٍ واسع وكبير من قوانين الطبيعة.»١٧
كما استعمل الرومان الغلَّايات القديمة التي تُسمى «السماور Samovar»؛ إذْ يجد المُتجوِّل بطرقات بومبي القديمة عددًا كبيرًا من الغرف العامَّة التي كانت تُستخدَم لشرب النبيذ الحار مع عدة مزائجَ أخرى. وقد كان من الواضح بأنَّ أصحاب الطبقات الثرية هم القادرون على التمتُّع بالشراب نفسه بالبيت مع وجباتهم؛ ولذلك استعملوا غلايةً ذات سَعةٍ كبيرة. العديد من هذه الغلايات كانت مشقوقة، وهي تتشابه جميعها بالشكل والحجم. على عكس الغلايات الحديثة، فإنه عندما يتم ملء الغلايات الرُّومانية بالجمر في حجيراتها المركزية، مع وجود شبكة في الأسفل لإزالة الرماد، يمكن أن يتم ملؤها باستمرار، وذلك باستخدام قمعٍ جانبي خاص، يمنع موقعُه قِطَع الفحم أو الجمر أن تُلوِّث الشراب.١٨

المبحث الثالث: العلماء العرب والمسلمون

اهتم المهندسون العرب بصناعة آلاتٍ حرارية، بحيث يكون لها فائدةٌ مباشرة للمُستخدِمين؛ منها ما يُستخدَم في طهي الطَّعام مثل سيخ الشيِّ البخاري والآلي الذي اختَرعَه تقي الدين الراصد، ومنها ما يُستخدَم كخلَّاط للمياه البَاردة والحارَّة، ومنها ما يُستخدَم كمِبخَرة جيروسكوبية تحافظ على وضعيَّتها الأفقية كيفما تدَحرجَت، والاختراع الأخير لم نجد له مثيلًا في اختراعات الأمم السابقة.

وقد أشار ابن النديم (القرن ٤ﻫ/١٠م) إلى وجود عملٍ عربي تكلَّم عن نوع من النار اليونانية عنوانه «كتاب العمل بالنار والنفط والزراقات في الحروب».١٩

المأمون (القرن ٣ﻫ/٩م)

figure
مبخرةٌ كُروية الشكل (قطرها ٨٫٦سم) ومعدنية (من النحاس الأصفر المطعَّم بالفضة) مصنوعة في سورية أو إيران، وتعود للقرن (١٥ / ١٦م)، وهي تُشبه كثيرًا الوصفَ الذي ذكره ابن الطقطقا. (مصدر الصورة: http://art.thewalters.org/detail/38050/incense-burner-or-handwarmer)
وَضْع المجمرة أو المبخرة تحت الثياب كان من العادات السائدة عند العرب؛ فقد روي في كتاب «الفخري في الآداب السلطانية» لمحمد بن علي بن طباطبا المعروف بابن الطقطقا (تُوفِّي ٧٠٩ﻫ/١٣٠٩م) في خبر مصرع أحمد بن يوسف (تُوفِّي ٢١٤ﻫ/٨٢٩م) كاتب الخليفة المأمون (تُوفِّي ٢١٨ﻫ/٨٣٣م)، حيث قال: «وكان سبب موته أنه دخل يومًا إلى المأمون والمأمون يتبخَّر فأخرج المأمون المجمرة من تحته، وقال اجعلوها تحت أحمد تكرمةً له، فنقل أعداؤه إلى المأمون أنه قال ما هذا البخل بالبخور هلا أمر لي ببخورٍ مُستأنَف؟ فاغتاظ المأمون لذلك وقال ينسبني إلى البخل وقد علم أن نفقَتي في كل يوم ستة آلاف دينار، وإنما أردتُ إكرامه بما كان تحت ثيابي! ثم دخل عليه أحمد بن يوسف وهو يتبخَّر مرةً أخرى، فقال المأمون اجعلوا تحته في مجمرة قِطَع عنبر وضعوا عليه شيئًا يمنع البخار أن يخرج. ففعلوا ذلك به، فصبر عليه حتى غلبه الأمر فصاح: الموت الموت. فكشفوا عنه وقد غُشي عليه، فانصرف إلى منزله فمكث فيه شهورًا عليلًا من ضيق النفس حتى مات بهذه العلة.»٢٠

والواضح من وصف ابن الطقطقا أن المجمرة كانت بهيئة كُرةٍ معدنية مغلَقة بإحكام وصغيرة بحجم الكَف، يُوضَع بداخلها بخورٌ مشتعل، أو جمرٌ يُرش عليه بخور، وعندما يحترق تخرج الرائحة من ثقوبٍ ناعمة موزَّعة على الغِطاء فقط.

أبناء موسى بن شاكر (القرن ٣ﻫ/٩م)

figure
(إلى اليمين) نموذج للمورِّد الآلي الذي تم تنفيذه في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت، وذلك حسب الوصف الذي جاء به في مخطوطة «كتاب الحِيل» لأبناء موسى بن شاكر. (إلى اليسار) تصميم المورِّد كما ورد في الشكل ٧٠، من مخطوطة طوبقابي سراي أحمد الثالث رقم «٣٤٧٤». ونُلاحظ على الشكل كيف حدَّد المؤلِّفون مكانَ دخول الماء البارد والآخر الحار ومكان خروجهما. (مصدر الصورتَين: Science and Technology in Islam, V, Publications of the Institute for the History of Arabic-Islamic Science, Edited by: Fuat Sezgin, Frankfurt am Main, 2010, p. 49-50.)
قام الإخوة أبناء موسى بن شاكر (وهم محمد وأحمد والحسن) باختراعِ مورِّدٍ آلي Automatic Vender (أو خلَّاطٍ مائي آلي) يقوم بتقديم الماء الحارِّ من طَرف، والماء البارِد من طرفٍ آخر، لمدة من الزَّمن ثم يقوم بالتبديل بينهما؛ فقد ورَدَ في «كتاب الحيل» قولهم: «صنعةٌ أخرى تفعل ما قدَّمنا ذِكْره في هذه الثلاثة الأشكال قبل هذا الشكل، ويصلُح أن نعمل ذلك في بِزالَي حمَّام؛ أعني بِزالَي البارد والحار، حتى يكون جميعَ دَهْره يسيل من أحد البِزالَين حارٌّ ومن الآخر بارد، فإذا مضى مقدارٌ من الزَّمان ابتدل فيخرج من بِزال البارد حار، ومن بِزال الحار بارد، فإذا مضى ذلك المقدار من الزمان ابتدل أيضًا فعاد إلى ما كان أولًا وكذلك لا يزال جميعَ دهره. ويستقيم أن نعمل هذا العمل أيضًا في المواضع التي يكون فيها حمَّامات وأنهار ماؤها حار وأنهار ماؤها بارد، ونُركِّب بالقرب منها بِزَالَين وتِمثالَين، والتماثيل أحسن، فيكون دهرها أجمع مرةً يجري الماء الحار من فم أحد التِّمثالَين والماء البارد من فم التمثال الآخر، ثم يتبدَّل فيجري من بِزال الحار بارد ومن بِزال البارد حارٌّ، فإذا مضى ذلك المقدار من الزمان عاد الأمر إلى ما كان عليه، والبِزالان والتمثالان في هذا المعنى سواء.»٢١
لكن محقِّق «كتاب الحِيل»، الباحث أحمد يوسف الحسن، يرى أنَّه لم تكُن لهذه الآلة فائدةٌ عملية كبيرة في الحمَّامات العامَّة؛ لأن تبدُّل الماء بين الحار والبارد من المخرجَين يكون بتواترٍ عالٍ.٢٢ مما يعني أنها كانت مفيدةً في الحمامات الخاصة المنزلية.

بديع الزمان الجزري (القرن ٧ﻫ/١٣م)

figure
تصميم الجزري لإبريق يُصَب منه ماءٌ حار وماءٌ بارد وماءٌ ممزوج، جاء وصف هذا الإبريق في الشكل الأول من النوع الثالث. (مصدر الصورة: الجزري، أبو العز بن إسماعيل، كتاب الجامع بين العلم والعمل النافع، تحقيق: أحمد يوسف الحسن، جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٧٩م، ص٣٢٠.)
ابتكر ابن الرزاز الجزري إبريقًا يَعجَب منه في زمانه الناس؛ فهو في المرة الأولى يسكب ماءً معتدلًا، ثم يسكب ماءً حارًّا لا يستطيع الشخص لمسه، ثم يسكب ماءًا باردًا لا يمكن لمسه، ثم يتوقَّف عن السكب، ويسكب لمن يريد ما يريد. يمكن استخدام هذا الإبريق من أجل الوضوء أو غسل اليدَين بعد تناوُل الطعام، قال الجزري: «وهو إبريق حَسنُ الصنعة ذو عروة وبلبلة يأتي به الغلام عند رفع الطعام في طَسْت، ويضعُهما بين يدَي المخدوم، ويرفَع الإبريق من الطست ويصُب منه على أيدي المخدوم ماءً معتدلًا يتم به وضوءه أو غسل يدَيه، ثم يصُب على يدَي من يليه ماءً حارًّا، يُمنع مَسُّه فلا يقدر على غسل يدَيه، ثم يصُب على يدَي من يليه ماءً باردًا شديد البرد يُمنع مَسُّه، ثم يميل الإبريق ليصب على يدَي من يليه فلا ينصَب من الإبريق شيء فهو يصُب لمن يريد ما يريد ويمنَع من يريد من الجماعة.»٢٣

محمد بن منكلي (القرن ٨ﻫ/١٤م)

يذكُر المؤرخ الألماني إيلهارد فيدمان وجود عربي مجهول٢٤ قام بصُنع آلةٍ كبيرة تعتمد على فكرة استحالة الخلاء؛ حيث صنَع آلةً ترفع الماء من بئرٍ عميق بوساطة النار، والتي أعاد تجربتَها المهندسُ والفيزيائي الإيطالي جيوفاني فونتانا G. Fontana (نحو ١٣٩٥–نحو ١٤٥٥م) ووصفَها الباحث فون روموكيس von Romockis في كتابه (تاريخ المتفجِّرات).٢٥،  ٢٦
هذه الفكرة كان سبق وأن طرح مبدأَها فيلون البيزنطي أيضًا في كتابه (في الحيل الروحانية وميخانيقا الماء)، وذلك بجعل شمعة تُوضع في داخل حوجلةٍ مقلوبة رأسًا على عقب، وكلتاهما موضوعتان داخل وعاءٍ فيه ماء، فإذا ما احتَرق الهواء داخل الحوجلة وانطفأَت الشمعة تَمَّ سحب المياه لداخل الحوجلة، وهي الفكرة التي نراها اليوم تُستخدَم مِن قِبل مَن يقومون بالحجامة والتي تُسَمَّى ﺑ «كاسات الهواء».٢٧
figure
أُعيد بناء وتصميم المِضخَّة الحرارية المخصَّصة لسحب المياه التي ورَدَ وصفُها عند العربي المجهول في معهد تاريخ العلوم العربية في فرانكفورت، لقد كانت مصابيح النفط تقوم بطرد الهواء من أعلى القبة، أو تستهلكه، ولدى تبريد القبة فإن الضغط ينخفض؛ الأمر الذي يجعل الماء ينسحب في القناة ويصعد للأعلى (ارتفاع النموذج المصنوع المصغَّر عن الحقيقي ٦٠سم، حيث اعتبر سزكين أن الذراع = ٦٠سم). (مصدر الصورة والتعليق: Science and Technology in Islam, V, p. 36.)
وقد استطعنا أواخر عام ٢٠١٧م الكشف عن الوثيقة التي تذكُر استخدامها في سحب مياه بئر سطحية يتراوح عمقُها بين «٥–٢٥ مترًا»٢٨ تحت سطح الأرض، وهي تعود للقرن ١٤م؛ فقد أورَدَ محمد بن منكلي النَّاصري (تُوفِّي بعد ٧٧٠ﻫ/١٣٦٨م) في كتابه (الحِيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب) صفةَ هذه الرافعة الحرارية بقوله تحت عنوان صفة إطلاع الماء بالنار: «إذا أردت أن ترفع الماء من بئر عشرةَ أذرع إلى خمسين ذراعًا وأكثَر من ذلك بالنار بإذن الله تعالى، فاتخذ قناةً بطول البير التي تريد رفع الماء منها وزايد عشرةَ أذرع فوق الأرض واجعلها مُرَبَّعة فترًا في مثله مُحكمةً لا يدخلها ريح ولا يخرج منها، واثقُب على رأس شبر من هذه القناة أربَعَ ثُقُب في جوانبها واسعة يدخل منها الماء، واتخذ قناةً أخرى في طولها شبرٌ واحد، وحُزَّ أحد طرفَيها من الجانبَين كما يُحزُّ القلم، واجعل على طَرفها المحزوز جلدَ أديم كهيئة رأس القِربة، واجعل طول الجلد شبرًا، واجعل هذه القناة الصغيرة جوفَ القناة الكبيرة من الجانب المُثقب الذي فيه الثقُب الأربعة، وابدأ بإدخال الجلد، وارفَع القناة حتى تُجاوِز الثقوب، وسُدَّ ما حولها لئلا يرجع أو يخرج من الماء منحدرًا، ثم اجعل في البئر على ذراع من أسفلها لوحًا عريضًا وارتَقِب القناة فيه لئلا يدخلها الطين، وليكن الرَّأسُ الذي فيه الثقوب على اللوح، ثم أطبق على رأس البئر ألواحًا حول القناة، وقيِّرها وصهرجها ناعمًا لئلا يدخل البئر شيء من الماء، ولا يخرج منها ريح، ثم ابنِ على رأس البئر حول القناة حوضًا مُربَّعًا يكون عشر أذرع في مثل ذلك، وسَمِّكه مثل ذلك؛ حتى يُحاذي البناءُ رأسَ القناة الخارج من البئر، ثم اعقد على ذلك أزَجًا وقُبَّة، واجعل له بابًا يدخل من الرجل ويخرج، واجعل الأزَج فوق الماء رفًّا كيما يدور، واجعل نُفاطاتٍ كالقناني — شبة أو نحاس — واجعل فيها فتالًا غِلاظًا واملأها نفطًا أو زيتًا وأشعِل النار في الفتل، وتصف القناني على الرف في الأزج، والقُبة كيما تدور، حتى يجعل منها عشرين نفاطة، ثم أطبق الباب وسُدَّه بالطين حتى لا يخرج منه شيء من الدخان ولا يدخله ريح، ثم دعه يومًا وليلة، بقَدْر ما تعلم أن الزيت أو النفط قد نفد والنار قد انطفأَت، ثم افتح باب الأزج تجد الحوضَ مملوءًا إلى طرف القناة ماءً — بإذن الله تعالى — فاصرفه حيث شئت، وأعِد القناني إذا شئت، تغتبط بإذن الله تعالى. وقد انقضى الكلام في ذكر التدبيرات المقصورة على عمارة البلاد التي تدعو الحاجة إليها عند احتباس الأمطار وقلة المياه.»٢٩

نُلاحظ من النص السابق أن ابن منكلي اعتمد في سحب مياه من بئر سطحية على قوة التخلية الكبيرة، وهذا يعني وجود كميةٍ كبيرة من المادة المُحْترِقة التي تُحتجز داخل وعاءٍ عملاقةٍ محكمة الإغلاق، إضافةً لوجود آلية تصريفٍ دقيقة تُوزِّع الماء بعد سحبه من البئر.

تقي الدين الراصد (القرن ١٠ﻫ/١٦م)

من الآلات الحرارية التي اخترعها تقي الدين الراصد الدمشقي (تُوفِّي ٩٩٣ﻫ/١٥٨٥م) آلتين لهما نفعهما لكل منزل وهما: آلتا شي ومبخرة جيروسكوبية. وقد ورد وصفهما في كتابه (الطرق السنية في الآلات الروحانية)٣٠

الآلة الحرارية الأولى هي آلة للشيِّ صمَّمها، تعاون فيها مع أخيه الكبير عام (٩٥٣ﻫ/١٥٤٦م) بحيث تتحرك الآلة لوحدها، وتستفيد من حركة نزول الثقل المعلَّق (الرقَّاص) وحركة شفرات المروَحة العُلوية.

figure
(إلى اليمين) نموذجٌ مُجسَّم لسيخ الشي الذي صمَّمه تقي الدين، وقد تم تنفيذه في معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية في فرانكفورت، وذلك بحسب الوصف الذي جاء به في المخطوطة. (مصدر الصورة: Science and Technology in Islam, V, p. 39.) (إلى الوسط) التصميم نفسه منفَّذ في الواقع من قِبل الإيطالي فيتوريو زونكا كما تُصوِّره إحدى المخطوطات الأوروبية. (مصدر الصورة: تويلييه، بيير، العالم الصغير، ص٧٣.) (إلى اليسار) تصميم الجهاز نفسه وُجد في مخطوطة لليوناردو دا فنشي تعتمد المبدأ نفسه. (مصدر الصورة: Science and Technology in Islam, V, p. 39.) والواقع أنَّ التصاميم الثلاثة ظهرت في القرن ١٦م، ويصعب أن نحكم من أول من ابتكره، قد يكون زونكا أخذه عن دا فنشي، لكن لا نعلم إذا كان دا فنشي قد أخذه عن تقي الدين، أو أنهما صنَعاه في الوقت نفسه.
figure
رسم مع نموذج يوضِّح كيفية عمل الآلة البخارية ذات السيخ التي جاء وصفُها عند تقي الدين، والتي تحوِّل القدرة البخارية لعملٍ مفيد مثل سيخ شَيِّ اللحم. (مصدر الصورة والتعليق: Science and Technology in Islam, V, p. 37.) وكما سنلاحظ أن هذه الآلة سبقَت آلات غريمالدي وبرانكا وبابان وسيفري.
figure
شكل توضيحي لمبخرة تقي الدين الجيروسكوبية. وقد قمنا برسمها اعتمادًا على الوصف الذي جاء في نص مخطوطة مكتبة دبلن. (مع أن النص في المخطوطة يشير لوجود صورة، لكن الناسخ لم يرسمها؛ لذلك قمنا بإعادة الرسم والتوضيح لتسهيل فهم التصميم.) ما يميز هذه المبخرة هو — ربما لأول مرة — تضع فكرة السكرجة التي تُعتبَر بمثابة وعاءٍ ثقيل يوازي الأفق دومًا؛ أي يصنع أفقه ذاتيًّا ليُحافِظ على التوازُن بشكلٍ دائم. في الأصل لا يُوجد قاعدة؛ فالتصميم قائم على جعل المبخرة تتدحرج بحيث تبقى السكرجة على خط الأفق دومًا.
قال تقي الدين: «وعملوا أيضًا على حركة الدخان البارز من الأوجاق، ورتَّبوا أيضًا حركتَه على حركة ثقَّالة من الرصاص كما في السواقي التي تدور بالدولاب والرقَّاص، غير أنه في سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة بدار السلام القسطنطينية العظمى، فكَّرتُ أنا وأخي الأكبر في عملِ ذلك على أسلوبٍ غير هذه الأساليب قابلٍ للنقل والتحويل من جهة إلى أخرى غير متوقِّف على أمر خارج عن ذلك، كالإبريق المذكور وما يحتاج إليه من الماء والنار، وكالدخان والثقال الرصاص المُعَلَّق في جهة من البيت لا يمكن تحويله إلى غيرها، فعملنا قفصًا مُربَّعًا مستطيلًا من الحديد قائمًا على أربع أرجل وفيه ثلاثةُ دواليب، وفي وسطه محورٌ مربَّع بارز في مقابلته محورٌ آخر كذلك، فإذا أراد الإنسان استعماله وضَعَه في أحد جوانب المنقل وأثبَت طرف السيخ وأدار المحور الأول بمفتاح معدَّلُه عشر دورات أو أقل أو أكثر بحسب ما يقتضيه العمل في تركه ابتداء السيخ في الدوران، فيدور بكل دورة من الدورات التي أدرتها عشر دورات لا بالسريعة ولا البطيئة بحيث إنها ما تنقضي إلا وقد استوى اللحم، وإن تخلف عنها في الاستواء فتُعيد الإدارة بالمفتاح مرةً أخرى.»٣١
كما وصف تقي الدين آلةً بُخارية تُستعمل في توجيه سيخ لشيِّ اللحم بحيث يدور بنفسه بوساطة قوة البخار دون تدخُّل من أي كائن لتحريكه: «وقد عَمِله الناس على أنحاءٍ شتَّى منها أن يكون في طرفه دولاب بفراشات، ويُوضَع بحذائها إبريقٌ من النحاس المفرَّغ المسدود الرأس المملوء بالماء ويكون بلبلته قبالة فراشات الدولاب، ويُوقَد تحته النار؛ فإنه يبرز البخار محصورًا من البلبلة المذكورة فيُديره، فإذا فرغ الماء من الإبريق، قُرِّب إليه ماءٌ بارد في إناء بحيث تغطس البلبلة فيه فإنه يجتذب بحرارته جميع ما في الإناء من الماء ثم يبدأ بدفعه.»٣٢
مبخرة المأمون التي وردَت عند ابن الطقطقا لم نعرف لها وصفًا موسَّعًا؛ ولذلك قمنا بتخيُّل شكلِها ووصفِها من عندنا، في حين أن تقي الدين وصَف لنا طريقة صنع «مبخرة مِدْوَارَة أو جيروسكوبية Gyroscopic censer» وهي مُتقدمة تقانيًّا على تلك الشائعة؛ بحيث تُوضَع داخل كُرة مُثقبة من كل الجهات، وتُوضَع بداخلها النار والبخور ثم يُمكِن دحرجتُها، ومع ذلك تبقى النار مستقيمةً بشكلٍ أفقي مهما حرَّكها المُستخدم دون أن تنقلب وتُسبِّب مشكلات الاحتراق لمستخدميها.
يقول تقي الدين في وصف مبخرته: «مبخرة الفرش: وهي قطعتان كل واحدةٍ نصف كرة متصلة كل واحدة منهما بالأخرى بنرمادجة٣٣ ولها إفريز بحيث تنطبق كل واحدة على أختها، ولها قفل يضبطها وهي مبخَّشة من سائر جهاتها؛ بحيث إنه إذا وُضع في جوفها النار والبخور صَعِد من الأبخاش دخانه، وفائدتُها أنها إذا أُدرجَت في الفرش لا تحرقُ شيئًا، ولا تنقلبُ النار في وسطها، بل لا تزال النار في المكان الذي وضَعْتَها فيه لازمةً وضعًا واحدًا. وصفتها: أن تعمل الكرة كما ذُكر، ثم تعمل طوقًا ملحوم الطرفين كالدائرة أصغر من الكرة، وتعمل على محيطها محورَين ملحومَين فيه على نقطتَين متقابلتَين، وتعمل لكل محور لبنةً مبخوشةً مثبتة في حافتَي أحد القسمَين من الكرتَين وكل محور داخل في لبنته، وتعمل طوقًا آخر صغيرًا أصغر من هذا وتُركِّبه في هذا كما ركَّبتَ الأول في القسم الواحد من النصفَين، لكن كل لبنة من هذه تركَّب في النصف مما بين محورَي الطوق الأول من الجهتَين، ثم تعمل طوقًا آخر وتُركِّبه في وسط هذا بلبنتَين بعد كل واحدةٍ من المحوَر بقَدْر ثلث ما بين المحورَين من محيط الطوق، ثم تعمل سكرجة٣٤ من النحاس المفرَّغ قَدْر نصف كرة يكون محيطها أصغر من الطوق الثالث بحيث يدور فيه وتكون ثقيلة السفل أصغر من هذا الطوق وتُركِّبها فيه في محورَين متقابلَين في شَفتِها على لبنتَين في هذا الطوق، بُعد كل واحدةٍ من محوَرها بقَدْر ثلثِ ما بين المحورَين من محيط الطوق في الجهة المخالفة لجهة الثلث الأول. ويكون دوَران هذه المَحاوِر في أقطابها دورانًا سلسًا؛ فمن المعلوم أنه إذا وضع النار والبخور في السكرجة وطُبقَت الكرة ودُحرجَت فإن السكرجة يثقل سفلُها لا يزال سطحها موازيًا للأفق وتتبدَّل المحاور في الدوَران ولا ينقلب ما في السكرجة من النار أصلًا، ولا يزال ساكنًا في وسطها.»٣٥
الواقع أنَّه لم يسبق وأن عثرنا على تصميم لمثل هذه المبخرة في الوثائق التي بين أيدينا؛ إذْ أوَّل جهاز جيروسكوبي كان يُدعى «منظار سيرسون» اخترعه المخترع الإنكليزي جون سيرسون J. Serson (تُوفِّي عام ١٧٤٤م) عام ١٧٤٣م، واستخدَمه كمقياس ارتفاع لتحديد الأفق في الظروف الضبابية في أثناء الملاحة البحرية.٣٦

المبحث الرابع: الأوروبيون

مع زيادة الوعي العلمي في مجال الحرارة وتطبيقاتها في عصر النهضة الأوروبية، تَنَبَّه العلماء والمهندسون الأوروبيون لخصائص بخار الماء وبدءوا يُخضِعونها للتجربة والتمحيص بهدف كشف المزيد من أسرارها، والاستفادة منها في الحياة العملية، سواء في المنزل أو الصناعة والنقل.

ديلا بورتا (القرن ١٧م)

اخترع الفيزيائي الإيطالي جيوفاني بابتيست ديلا بورتا عام ١٦٠١م جهازًا خاصًّا من أجل تسجيل كم جزءًا من الهواء يُمكن أن يتحول إليه جزءٌ واحد من البخار. وربما أدَّت تجاربه غالبًا إلى حدوث انفجارات؛ حيث إنه ذكَر «القوَّة المخيفة» في مؤلفه أكثر من مرة.٣٧

سولومون دي كاوس (القرن ١٧م)

أصدر المهندس الفرنسي سولومون دي كاوس S. de Caus (١٥٧٦–١٦٢٦م) في عام ١٦١٥م في فرانكفورت كتاب «أسباب القوة الدافعة ذات الحكايات المفيدة والمسلية المختلفة»، وقد وصَف في هذا الكتاب اختراعه الآتي: «يُمكن استخدام طريقة رفع الماء بمُساعدة النار أساسًا للآلات المُختلفة، والتي أَصِفُ واحدةً منها هنا.» ثم يصف نافورةً سبق وأن اخترعَها هيرو السكندري من قبلُ؛ حيث يرتفع الماء في هذه النافورة بقوة النَّار، ولكنها بعيدةٌ تمامًا عن أن تكون آلةً بُخارية؛ فهو لم يَلحَظ الفرق بين البخار والهواء الساخن، ولكنه بعد أن قدَّر قوة البخار الهائلة قام بإجراء تجاربَ على الآلات البُخارية؛ حيث وصف في كتابه السابق التجربة الآتية: «… تُصبِح هذه القوة أكبر أيضًا، عندما يُتحصَّل على الهواء من الماء الساخن في الوعاء والمتحوِّل إلى بخار، وهذا البخار يبقى في الوعاء. خذ مثلًا كرةً نحاسية بقُطر داخلي يساوي قدمًا واحدة، وسُمك جدارها بوصةٌ واحدة، املأها بالماء من خلال ثقب في الجدار، سُدَّ الثقب بسِدادة سدًّا مُحْكمًا بحيث لا يستطيع الماء الخروج، وضَع الكرة على النار. وستجد أنه عندما تسخن الكرة جيدًا، سيقطعها الضغط الداخلي بقعقعة مثل البيتوردا.»٣٨،  ٣٩

جيوفاني برانكا (القرن ١٧م)

figure
(إلى اليمين) تصميم للعنفة البخارية التي وضعها برانكا في كتابه (آلات مختلفة) ويُستبعَد أنه قد نفذَّها عمليًّا. (مصدر الصورة: en.wikipedia.org/wiki/Giovanni Branca) (إلى اليسار) مخطط آخر لمُحرِّك المخترع الإيطالي فوستو فيرانزيو F. Veranzio (١٥٥١–١٦١٧م) البخاري، لكنه استخدمه في تشغيل طاحونة الماء، وهو يشبه كثيرًا محرِّك برانكا. (مصدر الصورة: Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 229.)
في عام ١٦٢٩م وصف المهندس الإيطالي جيوفاني برانكا G. Branca (١٥٧١–١٦٤٥م) في كتابه (آلات مختلفة) جميع الآلات التي عَرفَها، وقد كان يفتخر باختراعه لإحدى الآلات التي تتكوَّن من رأسٍ بشري من النحاس دقيق الصنع ومملوء بالماء، وعندما أُضرمَت النار تحت الرأس انطلق من فَم التمثال تيَّار من بُخار توجَّه إلى دولاب بمجاديف. كان الدولاب يتحرك تحت ضغط البخار، ويحرِّك — من خلال مجموعة مُعَقَّدة من آليات الحركة والمسنَّنات — مدقَّات ثقيلة لسحق خاماتٍ مُختلفة. تصميمه لهذه الآلة كان مجرَّد رسم، ولم ينفِّذه على أرض الواقع نظرًا لوجود صعوباتٍ تقنية عديدة، والتي أمكن تذليلها بعد ٢٥٠ سنة.٤٠ في حين أننا وجدنا كيف أن تقي الدين نَفَّذ آلته واستخدمها قبله بحوالي ٦٠ سنة في سيخ الشي البخاري.

إدوارد سومرست (القرن ١٧م)

في عام ١٦٦٣م نشر رجل السياسة البريطاني المركيز إدوارد سومرست E. Somerset (١٦٠٢–١٦٦٧م) كتابه (قرن الاختراعات)، حيث وضع فيه تفاصيل أكثر من ١٠٠ اختراع، بما في ذلك الجهاز الذي من شأنه أن يكون واحدًا من أقدم المحرِّكات البخارية؛ إذ استخدم فوَّهة مدفع ليصنع مُحرِّكًا بخاريًّا يجذب المياه لأغراض الري. وقد كتب يقول: «لقد اخترعتُ وسيلةً مُدهشةً وقديرة بالمقدار نفسه لرفع الماء بمساعدة النار ودون مضخَّات … في وسيلتي ليس للعمل حدود على أن يكون الوعاء متينًا إلى درجةٍ كافية. للقيام بالتجربة أخذتُ مدفعًا كُسرَت نهايتُه، سكبتُ فيه ماء حتى ثلاثة أرباعه، أغلقتُ بالصنابير تلك الفتحةَ الموجودة في أسفل المدفع والمخصَّصة لفتيل البارود، والنهاية المكسورة. ووضعتُ المدفع في النار فانفجر بعد أيام مُحدِثًا دويًّا قويًّا. وعندما وجدتُ وسيلة لتحصين الأوعية تجاه القوَّة الداخلية، وملئها بالماء وعاءً بعد الآخر، رأيتُ أنَّ الماء وكأنه يندفع من نافورة اندفاعًا ثابتًا إلى ارتفاع ٤٠ قدمًا (= ١٢ مترًا). إن وعاءً واحدًا مملوءًا بالماء الذي تخلخَل بالنار رفع أربعينَ وعاءً من الماء البارد. يجب على العامل الذي يُراقِب سَيْر العمل أن يفتح صنبورَين فقط بحيث عندما يفرغ أحد الوعاءَين يمتلئ بالماء البارد من جديد، ويبدأ الآخر بالعمل، وهكذا دواليك. ويجبُ أن يحافظ على النار بمستوًى ثابت للتأثير من قِبل ذلك العامل الذي يجد وقتًا كافيًا في الفترة الفاصلة بين فَتْح الصنابير.» هذا كل ما كتَبه المركيز عن اختراعه، وعلى أساس هذا الوصف المُبهَم أعاد المهندس البريطاني هنري ديركس H. Dircks (١٨٠٦–١٨٧٣م)، كاتب سيرة إدوارد سومرست، إنشاء التصميم المُفترَض للآلة، والتي مَنحَت سومرست أحقيةَ اختراع الآلة البخارية؛ الأمر الذي أثار حفيظة الفرنسيين واحتجاجاتهم؛ فهم يزعمون أن الآلة البخارية اختَرعَها سولومون دي كاوس، ثم اطلع عليها سومرست نفسُه أثناء إقامته في فرنسا حيث أعاد صُنعها في إنكلترا.٤١

صموئيل مورلاند (القرن ١٧م)

الأكاديمي والمخترع الإنكليزي صموئيل مورلاند S. Morland (١٦٢٥–١٦٩٥م) رجلٌ مُتعدِّد الاهتمامات، وقد قدَّم في عام ١٦٨٣م إلى ملك فرنسا لويس الرابع عشر مخطوطةً غنية بالزخرفة، وضع لها عنوانًا شديد التصنُّع هو «بداية القوة الجديدة للنار، التي اكتشفها الفارس مورلاند عام ١٦٨٢م، وقدَّمها إلى صاحب الجلالة المسيحية». وقد مضى مورلاند في هذا العمل أبعد من أسلافه نوعًا ما؛ إذْ يُعتبَر أوَّل من فهم ضرورة تحديد العلاقة الكمية في مسألة استخدام الطاقة الحرارية، وقد وضَع أرقامًا مُحدَّدة وقال: «عندما يتحوَّل الماء بالنار إلى بخار، فالبخار يشغل فجأةً حجمًا من الفراغ، أكبر بكثير (بألفَي مرة) تقريبًا من ذلك الذي يشغَله الماء من قبلُ، وهو سيُفجِّر المدفع بأسرعَ من أن يبقى فيه، ولكن إذا سيطرنا عليه بقوانين علم الميكانيك وحوَّلناه بالحسابات إلى مقياسٍ للثقل والتوازن، فهو يحملُ حملًا بهدوء، كما يحمله الحصان الجيد، وينجز عملًا مفيدًا …» لكن لم يحتوِ كتابُه على معلوماتٍ عملية تفيد بأنه صنَع آلتَه النارية هذه.٤٢

دنيس بابان (القرن ١٨م)

figure
قِدْر ضغطٍ خاصة بملك بريطانيا تشارلز الثاني، صنعه بابان، حيث ركَّز فيه على حماية ووقاية الملك إذا أراد استخدامه بشكلٍ شخصي؛ فالغطاء (إلى اليسار) مُثقل ومُحكَم الإطباق على القِدْر، كما أحاط القِدْر بحاجزٍ معدني للوقاية لدى حدوث أيِّ انفجار. (مصدر الصورة والتعليق: يمين، يوسف، المادة والذرة، ط١، مكتبة السائح، طرابلس (لبنان)، ١٩٨٩م، ص١٢٨–١٢٩.)
figure
تصميم لمحرك بابان البخاري يعود لعام ١٧٠٢م، (مصدر الصورة: en.wikipedia.org/wiki/Denis Papin) لكنه لم يُنفَّذ عمليًّا.
كان الفرنسي دنيس بابان D. Papin (١٦٤٧–نحو ١٧١٢م) أوَّل من كثَّف الماء ورفع ثقلًا بالعمل؛ فقد امتلك بابان أنبوبًا طويلًا من النحاس الأصفر قطره ٥سم. بعض الماء في الأسفل جرى تبخيره، وتَمَكن من رفع المكبس piston،٤٣ كان مثَّبتًا بقطعةٍ منزلقة bolt. بعدئذٍ أخذ الأنبوب من النار، تكثف البخار وتكون خواء تورشيلي Torricelli Vacuum في الداخل؛ أي يُصبح الضغط المنخفض مساويًا لضغط البخار المناسب لدرجة الحرارة الباقية. عندما نزعت القطعة المنزلقة، ضغط الهواء دفع المكبس نزولًا، وهكذا كان قادرًا على رفع وزن ستة باوندات (= ٦٫٧٢كغ). وبكلماتٍ أقل نصف الطريقة التي تعمل بها القدرة المُحرِّكة للبخار: خلق خواء أو فراغ من خلال التكاثف. عرف بابان خواص البخار المُشَبَّع جيدًا، والنتيجة أنه عرف أيضًا أن الماء تحت ضغوط فوق ١ ضغط جوي يغلي عند درجة حرارة أعلى من ١٠٠° مئوية. لقد أفاد من هذه التجربة في صنع قِدْرٍ تعمل بضغط البخار. في وعاءٍ مُغلَق يُمكِن لبعض اللحم القاسي أن يسخن في الماء؛ فالبخار المُتراكم يرفع الضغط وبالتالي نقطة غليان الماء، بالنتيجة فإنَّ اللحم يجد نفسه مغمورًا في ماءٍ ساخن حتى ١٥٠° مئوية (مثلًا). وهكذا يُصبح مطبوخًا على نحوٍ وافٍ في زمنٍ قصير. دُعي بابان ليشرح عن الوعاء الذي يستعمله في المعالجة الحرارية للجمعية الملكية في لندن وقد طبخ وجبة طعام رائعة للملك تشارلز الثاني. من ناحية ثانية، فإن أنبوب بابان المصنوع من النحاس الأصفر لم يكن محرِّكًا بخاريًّا بعد؛ فهو يقوم بحركةٍ واحدة في كل مرة. المُحرِّكات البخارية الحقيقية طوِّرت فيما بعد عندما نشأَت حاجةٌ مُلحة في إنكلترا في باكورة القرن الثامن عشر، كانت إنكلترا تُعاني من نوع من أزمة الطاقة؛ قُطعَت أشجار البلاد ولم يبقَ من الأشجار التي كانت تحتاج إليها القوات البحرية ولا يمكن استعمالها للوقود، وفي الوقت نفسه فإنَّ إنتاج مناجم الفحم كان في هبوط، وهدد بالانقطاع تمامًا بسبب صعوبات التصريف عند العمق حيث وصلت المناجم. زوَّد الوضع بحافزٍ قوي للمخترعين، وهكذا أتى المحرِّك البخاري في وقته تمامًا.٤٤
وقد كشفَت الرسائل التي جرت بين دنيس بابان وغوتفريد ليبنتز والتي نشَرها جيرلان، أن ليبنتز أعطى الفكرة الجوهرية لاستعمال الأسطوانة والمكبس في المُحرِّك البخاري الأول.٤٥ كما أنَّ بابان استفاد من تصميم توماس سيفري للمضخة البخارية. وكان من بابان — بالاشتراك مع بويل — أن قام بدراسة خصائص بخار الماء. وقد سبق لبابان أن اكتشف خاصية الماء المغلي عند الضغط العالي بدرجة غليانٍ قريبة من ٢١٠° مئوية، وهي التي استفاد منها في اختراع قِدْرِه في الضغط، ثم فكَّر بأن يستفيد منها مرةً أخرى من أجل حركة المكبس في أسطوانة آلة البارود٤٦ البخارية، بحيث يكثِّف بخار الماء.٤٧
ظهَرَت مقالة بابان (طريقةٌ جديدة للحصول على قوًى دافعة كبيرة بثمنٍ زهيد) في عام ١٦٩٠م، والتي عرض فيها فكرة آلته البخارية الجديدة، وقد قال: «اسكُب في الأسطوانة قليلًا من الماء، وأنزل فيها المكبس إلى سطح الماء نفسه، وأخرج الهواء المحبوس تحت المكبس من خلال فتحة حنفية خاصة، عندئذٍ وبتأثير النَّار المُوقَدة تحت الأسطوانة، يبدأ الماء بالغلَيان والتحوُّل إلى بخار، يُنتِج ضغطًا على المكبس ويرفعُه، مُتغلبًا على الضغط الجوي. في هذا الوقت يُوقِف المسندُ الداخل في التجويف، والمصنوع على قضيب، المكبسَ في الأعلى، وبعد ذلك تُبعد النار، ويُنشِئ البخار المُتكثِّف خلال تبريده فراغًا في الأسطوانة. الآلة الآن في حالة تسمح لها بإنتاج عملٍ ميكانيكي؛ لأنه بنزع المسند سيهبط المكبس بقوةٍ مساوية للضغط الجوي، وسيستطيع التغلب على المقاومة بقوة مساوية للضغط الجوي، وسيستطيع التغلب على المقاومة بمساعدة حبل وبكرات.» للأسف لم يكن لهذا المشروع قيمةٌ عملية، وكان عُرضةً للانتقاد، كان أحد هؤلاء النقاد الفيزيائي روبرت هوك، الذي أشار إلى أن حركة المكبس بطيئة، كما أن ضرورة تحريك النار تحت الأسطوانة جعلَت الآلة مستحيلة التحقيق.٤٨

توماس سيفري (القرن ١٨م)

figure
(إلى اليمين) آلة سيفري لسحب الماء كما ظهَرَت عام ١٦٩٨م. (إلى اليسار) رسمٌ توضيحي لآلة النار لسيفري، وقد بقِيَت تُنتَج في بريطانيا حتى أواخر القرن الثامن عشر وتُستخدَم في مصانع النسيج ومضخَّات المياه ومنشآت الصناعات الخفيفة. (المرجع السابق نفسه، ص١٩٤. مصدر الصورة اليمنى: en.wikipedia.org/wiki/Thomas Savery. مصدر الصورة اليسرى: موقع يوتيوب.)
عاد المهندس الإنكليزي توماس سيفري Th. Savery (١٦٥٠–١٧١٥م) وأحيا فكرة المحرِّك البخارية، لكن بشكل أكثر تنظيمًا عندما حصل في عام ١٦٩٨م على براءة اختراع٤٩ لآلته التي أطلَق عليها اسم «آلة النار» فقد كانت تحَوِّل الطاقة الحرارية إلى عمل. وهي عبارة عن آلةٍ بخارية ومضخَّة بدون مكبس أو محور ناقل للحركة لآلاتٍ أخرى. أمَّا عن مبدأ عملها فقد كان كما يأتي: ينطلق البُخار من مرجل يغلي، ثم يتوجه لوعاءٍ ليتكثَّف فيه، فيُحدِث فراغًا جزئيًّا، يُسبِّب هذا الفراغ سحب الماء المطلوب ضخُّه؛ حيثُ إنَّ الوعاء مُتصل بهذا الماء بوساطة أنبوبٍ مزوَّد بصمامات، بعدها تأتي دفعة بُخار جديدة تطرد السَّائل المائي الموجود في الوعاء، وهكذا تتكرر الحالة. إلا أنَّ هذه الآلة لم تكن تخلو من العيوب؛ فقد كانت تُبدِّد كميةً هائلة من الطاقة، إضافةً لعدم إمكانية رفع القوة فيها إلا بزيادة الضغط، وكانت بعضُ آلات سيفري تعمل بقوة ثلاث وحدات ضغطٍ جوي، وهي حدود الأمان. وبسبب نوعية المواد المُستخدَمة، ولطريقة معالجة المعدن آنذاك، كان تجاوُز هذا الحد يؤدي حتمًا إلى حدوث انفجار، بحسب ما اختبَره بعض العاملين على هذه الآلات.٥٠
عَمِل الكثيرون على تحسين تصميم المضخَّة البُخارية، من بينهم العالم الفرنسي جون ديزاغولييه J. Desaguliers (١٦٨٣–١٧٤٤م)، الذي اتهَم سيفري بانتحال فكرة المضخَّة من سومرست، وإخفاءً لذلك اشترى كل النسخ التي نشَرها وأتلفَها. التطوير الذي أحدَثه ديزاغولييه هو إجراء تكثيف البخار دون سكب الماء البارد على وعاء البخار، وذلك بحقن الماء فيه. وقد انتشَرَت آلة ديزاغولييه في فرنسا وهولندا، حتى إنَّ بطرس الأوَّل طلَب منه شخصيًّا آلةً لتزويد نوافير الحديقة الصيفية بالماء، فصُنعَت ورُكِّبَت في بطرسبرغ عام ١٧١٧م لتشيع الراحة في جمهور المُستجمِّين.٥١

توماس نيوكومن (القرن ١٨م)

figure
يمثِّل محرِّك نيوكومن البخاري مرحلةً جديدة في صناعة الآلات الحرارية البخارية، فقد توصَّل لصُنعه عام ١٧١٢م، بالتعاون مع شريكه كالي، وما يدُل على الانتشار الواسع لآلة نيوكومن هو أن آخر آلةٍ من هذا الطراز تم فكها في بريطانيا عام ١٩٣٤م. (مصدر الصورة: Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 49.)
كان المخترع البريطاني توماس نيوكومن Th. Newcomen (١٦٦٣–١٧٢٩م) حدَّادًا ماهرًا وذكيًّا، وقد اطلَع على إحدى آلات سيفري التي أنُشئَت بالقرب من دارتموث، فخَطر بباله أن يُطوِّر الآلة بدمج مكبس بابان معها، الذي تعرَّف عليه عن طريق روبرت هوك، وبالمشاركة مع المهندس البريطاني جون كالي J. Calley٥٢ (١٦٦٣–١٧١٧م).
عملَت آلة نيوكومن على حقن الماء البارد في الأسطوانة. وهكذا كان البُخار يكثَّف ويتطوَّر إلى فراغ أو خواءٍ حقيقي، الذي يُجذب إلى أسفل المكبس بحركةٍ قوية. بعد ذلك يُدفع بخارٌ جديد من غلاية المكبس عائدًا إلى فوق، قبل أن يُحقن الماء من جديد،٥٣ وهكذا فإنَّ تكثيف البخار لم ينتج بسبب إبعاد النار من تحت الأسطوانة، كما اقترح بابان، وإنما بسبب تكثيف البخار عند التبريد، كما حدَث في آلة سيفري.٥٤
استعمل نيوكومن آلته لضَخ المياه من مناجم القصدير والفحم في دارتموث، والنتيجة أنه أمكن إحضار الفحم إلى فوق من عمقٍ أكبر، كان يصعُب الوصول إليه سابقًا؛ لذا رُبَّما لم يكن مهمًّا كثيرًا جدًّا، أن جزءًا ضخمًا من الفحم كان يُستعمَل لتسخين غلاية المحرِّك. في الواقع إن محرِّك نيوكومن كان مُبذِّرًا إلى حدٍّ بعيد للوقود.٥٥

جيمس واط (القرن ١٩م)

في عام ١٧٦٣م لجأ أستاذ الفيزياء أندرسون إلى المهندس الإنكليزي جيمس واط لإصلاح نموذج لآلة نيوكومن، فقام واط بإصلاح النموذج، وتبيَّن له أن آليَّته ناقصةٌ جدًّا، كما أدرك أن سبب التبذير الكبير في الوقود يعود إلى وجود مقدار كبير من البخار الساخن الجديد الثمين الذي يتكثَّف بينما يُعيد تسخين الأسطوانة والمكبس، الذي قد بُرِّد حديثًا جدًّا بالماء المَحْقون. حسَّن واط الآلة باختراع مُبردٍ مستقل، أو مكثِّف؛ حيث كان البخار يُدفع إليه قبل التكاثُف، ثم كان الماء المكثَّف يُضَخ إلى الوراء إلى الغلاية، أدخل واط أيضًا تحسيناتٍ أخرى، مثل:٥٦
  • (١)

    الإبقاء على جدار الأسطوانة دافئًا بتسخينه بالبخار القادم.

  • (٢)

    إدخال نظام صِماماتٍ بارع، والنتيجة أنَّ المكبس يُمكِنه العمل في الوقت نفسه في الحركة النازلة والصاعدة.

  • (٣)

    إغلاق صِمام البُخار قبل نهاية الحركة. صحيح أنَّ هذا زوَّد بعملٍ أقل في الدورة، إلا أنه كان إجراءً كفئًا، فهو حتى الآن يستهلك بخارًا أقل.

figure
مبدأ عمل المحرِّك البُخاري بأبسط أشكاله — والذي يعتمد مبدأ واط — أن تُسخِّنَ الحرارةُ الماءَ وتُولِّد بخارًا ينتقل إلى أسطوانة، ويؤدِّي تغيير ضغط ودرجة الحرارة في البخار إلى تحريك مكبس. حركة المكبس تؤدِّي إلى دوران دولاب يؤدِّي إلى رفع حمل. النتيجة النهائية هي تحويل الحرارة إلى عملٍ ميكانيكي مفيد. (مصدر الشكل: العمر، محمد علي، مسيرة الفيزياء على الحبل المشدود بين النظرية والتجربة، مجلة عالم الفكر، تصدر عن وزارة الإعلام في الكويت، المجلد ٢٠، العدد ١، أبريل – مايو – يونيو، الكويت، ١٩٨٩م. ص٤٢.)
figure
رُكِّب مُحرك واط البخاري أكثر من المُحركات السابقة وفي أكثر من مضخَّة. لقد حَوَّل الحركة الصاعدة والنازلة للمكبس إلى دوران عَجلة في محركه الدائر الشهير بناقل حركة من نوع شمس وكوكب sun and planet (نظام عجلات مسنَّنة يتألف من عجلةٍ مركزية (مسنَّن الشمس أو عَجلة الشمس) حولها تتحرك العَجلات الأخرى (مسنَّنات الكوكب)). وسَّع هذا النظام كفاءة المحرك بشكل كبير؛ لأنه يُمكن الآن استعماله لتسيير المخارط، والمثاقب، ودواليب الغزل والأنوال، ثم السفن والقاطرات. وهكذا أصبحَت آلة واط البخارية محركًا للثورة الصناعية برُمَّتها. (مصدر الصورة والتعليق: Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 49.)
سَجَّل واط براءته لاختراع محركه البُخاري في عام ١٧٦٩م، واستمَرَّ بعد ذلك في إجراء تحسينات على آلته، ويعتقد كثير من النَّاس خطأً أنَّ واط اخترع المُحرك البخاري، والواقع أنه قام فقط بإدخال تحسينات على التصميمات السابقة التي ابتكرها نيوكومن وخفض تكلفة استخدام محركات البخار المكثفة، وبذلك صَارَ مُمْكنًا استخدام هذه المحركات في أعمال أخرى غير الضخ.٥٧ وفي عام ١٧٨٢م حصل واط على براءة اختراع لآلة يعمل فيها المكبس شوطًا. وقد قال: «إنَّ تحسيني الثاني للآلات البخارية أو النارية يكمُن في استعمال القوَّة المرِنة للبخار، لتحريك المكبس إلى الأعلى، وكذلك لدفعه إلى الأسفل بالتناوب، مُولدًا فراغًا فوق المكبس أو تحته في وقت، مُستعملًا تأثير البخار على المكبس في تلك النهاية أو في ذلك الجزء من الأسطوانة، الذي لا يجري فيه انفلات البخار. يمكن أن تُعطي الآلة المُصَمَّمة بهذه الطريقة كميةً مُضاعفة من العمل أو أن تكتسب استطاعةً مضاعفة بالوقت نفسه … بالمُقارنة مع الآلة التي تؤثِّر فيها القوة الفعَّالة للبخار على المكبس في اتجاهٍ واحد فقط، إمَّا إلى فوق، وإما إلى تحت.» هذه الآلة التي سمَّوها آلة التأثير المزدوج أصبحَت في النهاية محركًا بخاريًّا يعمل دون تَوقف.٥٨
١  Krebs, Robert E.& Krebs, Carolyn A., Groundbreaking, Scientific Experiments, Inventions, and Discoveries of the Ancient World, p. 245.
٢  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 230.
٣  في وحدات القياس اليونانية، يتوافق التالينت مع ٦٠ مينا؛ كل واحدة تزن ٤٣٦٫٦ غرامًا، ولا واحد من هذه الوحدات لديها مكافئ في الوحدات الرومانية، بينما المدرَّج كان ١٨٤ مترًا إذا كانت رومانية، و١٢٥ مترًا إذا كانت إغريقية. بتوافُقٍ واضح تَزِن القذيفة حوالي ٣٠ كيلوغرامًا لمسافةٍ تصل تقريبيًّا إلى واحد كيلومتر.
٤  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 230.
٥  يُطلَق عليه أيضًا: aeolipyle, eolipile, Heron’s engine.
٦  مصدر الصورة: هودجز، هنري، التقنية في العالم القديم، ط١، الدار العربية للتوزيع والنشر، عمان، ١٩٨٨م، ص١٩٤.
٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٥٥.
٨  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 232.
٩  فيرنيت، خوان، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، ط ١، ترجمة: نهاد رضا، دار إشبيلية، دمشق، ١٩٩٧م، هامش ص٣٢٧.
١٠  جيل، برتران، تاريخ التكنولوجيا، ص٣٧٢.
١١  جيل، برتران، تاريخ التكنولوجيا، ص٣٧٢.
١٢  الموسوعة العربية العالمية، النسخة الإلكترونية، الرياض، ٢٠٠٤م.
١٣  كوندليف، جايمي، كنوز علمية مفقودة، مجلة نيو ساينتيست، المجلد ٢١٣، العدد ٢٨٥٠، ٤ فبراير ٢٠١٢م، ص٤٠–٤٥.
١٤  فيرنيت، خوان، فضل الأندلس على ثقافة الغرب، هامش ص٣٢٧.
١٥  كوب، كاتي ووايت، هارولد جولد، إبداعات النار، ص٧٧.
١٦  “De Architectura”: Chapter VI (paragraph 2).
١٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٥٥–٥٦.
١٨  Rossi, Cesare & Russo, Flavio & Russo, Ferruccio, Ancient Engineers’ Inventions, p. 252.
١٩  Fihrist, op. cit., p. 315; J. Reinaud, De l’art militaire, op. cit., p. 196.
٢٠  ابن الطقطقا، الفخري في الآداب السلطانية والدولة الإسلامية، دار صادر، بيروت، (د.ت)، ص٢٢٦.
٢١  بنو موسى بن شاكر، كتاب الحيل، تحقيق: أحمد يوسف الحسن، جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٨١م، ص٣٨٥.
٢٢  المرجع السابق نفسه، ص٣٨٨.
٢٣  الجزري، أبو العز بن إسماعيل، كتاب الجامع بين العلم والعمل النافع، تحقيق: أحمد يوسف الحسن، جامعة حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٧٩م، ص٣١٥.
٢٤  Istanbul, Ayasofya 3187, Oxford, Bodl. Marsh 669, 1348, Leiden, Warn. 499 (= or. 499, v. P. Voorhoeve, Handlist of Manuscripts, Leiden 1957, pp. 116–117).
٢٥  von Romockis, J., Geschiechte der Explosivstoffe, Vol.1, p. 232.
٢٦  فيدمان، إيلهارد، بحث ضمن مجموعة مقالات في تاريخ العلوم العربية والإسلامية، مجلد ١، جمع وإعداد: دوروتيه جيركه وديتر بيشوف، معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية، جامعة فرانكفورت، فرانكفورت، ١٩٨٤م، عنوان البحث: Wiedemann, Eilhard, Uber das Experiment im Altertum un Mittelater, 1906, p. 152.
٢٧  وردَت تفاصيل هذه التجربة في كتاب: أصول الحيل الهندسية في الترجمات العربية، شوقي، جلال، ط١، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، الكويت، ١٩٩٥م، ص٥٠.
٢٨  أو ما بين «١٠–٥٠ ذراعًا» كما ذكر ابن منكلي (ص١٦٦و)، والذراع يعادل حوالي «٥٠سم». انظر: موسوعة وحدات القياس العربية والإسلامية، ص١٠٠.
٢٩  ابن منكلي الناصري، الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب، مخطوطة المكتبة البريطانية، رقم (Add MS 14055)، ص١٦٦و-١٦٨ظ. وقد قام بتحقيق هذا الكتاب نبيل محمد عبد العزيز، ونشرته مطبعة دار الكتب المصرية سنة ٢٠٠٠م، لكن المُحقِّق لم يستخدم هذه النسخة ضمن النسخ الثلاث التي اعتمدها في عمله، والنص السابق موجود في الطبعة المحقَّقة في الصفحات ٢٨٨–٢٩٠.
٣٠  المخطوطة المنشورة من قِبل معهد التراث العلمي العربي في حلب مأخوذة عن مكتبة تشيستر بيتي، دبلن، أيرلندا، رقم «٥٢٣٢».
٣١  تقي الدين الراصد، الطرق السنية في الآلات الروحانية، مخطوطة مصوَّرة ومنشورة في كتاب تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية، إعداد الدكتور أحمد يوسف الحسن، منشورات جامع حلب، معهد التراث العلمي العربي، حلب، ١٩٨٧م، ص٦٣و–٦٣ظ.
٣٢  تقي الدين الراصد، الطرق السنية في الآلات الروحانية، مخطوطة منشورة في كتاب تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية، ص٦٢ظ–٦٣و.
٣٣  مفصلة: hinge.
٣٤  وقد يُضاف لها ألف فتصبح (اسكرجة)، وهي مصطلحٌ فارسي معرَّب يعني الإناء الصغير.
٣٥  تقي الدين الراصد، الطرق السنية في الآلات الروحانية، مخطوطة منشورة في كتاب تقي الدين والهندسة الميكانيكية العربية، ص٦٠ظ–٦٢ظ.
٣٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٥٨.
٣٨  البيتوردا علبة صفيح (تنكة) مَحشوَّة بالبارود، التي تُستخدَم من أجل تفجير شيءٍ ما.
٣٩  المرجع السابق نفسه، ص٥٨.
٤٠  المرجع السابق نفسه، ص٥٨–٥٩.
٤١  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٥٩–٦٠.
٤٢  المرجع السابق نفسه، ص٦٢–٦٣.
٤٣  المِكبس هو قرصٌ أو أسطوانةٌ قصيرة يُفسَح لها بدقة مكانٌ داخل أنبوبٍ تتحرك فيه إلى فوق وإلى تحت مقابل سائل أو غاز، تُستعمَل في محرِّك الاحتراق الداخلي لتستمد الحركة، أو في مضخَّة لتمنح حركة.
٤٤  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 47–48.
٤٥  جارودي، روجيه، النظرية المادية في المعرفة، تعريب: إبراهيم قريط، دار دمشق، (د.ت)، ص٨١.
٤٦  هكذا كان يُسمِّي الآلة التي عمل عليها عندما كان عند هويغنز، حيث كان يستخدم البارود المتفجر في أسطوانة المكبس لإحداث خلاءٍ جزئي.
٤٧  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٧٠.
٤٨  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٧٠–٧١.
٤٩  نصَّت براءة اختراع سيفري على أنه: «اختراعٌ جديد لرفع الماء للحصول على حركةٍ لكل أنواع الإنتاج بمساعدة القوة الدافعة للنار، وله قيمةٌ كبيرة في تجفيف المناجم، وإمداد المدن بالماء، ومن أجل الحصول على القوى الدافعة للمصانع بكل أنواعها، والتي لا تستطيع الحصول على قوة الماء أو عمل الريح المتواصل.» عن: كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٦٣.
٥٠  لاند، دافيد، أوروبة التقنية، القسم الأول، ترجمة: روزيت خوري، وزارة الثقافة، دمشق، ١٩٨٤م، ص١٩١–١٩٢.
٥١  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٦٤.
٥٢  المرجع السابق نفسه، ص٧٢.
٥٣  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 48.
٥٤  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٧٢.
٥٥  ومع ذلك كانت من الآلات ناجحة جدًّا. في عام١٧٧٥م أُقيم منها ستون في كورنوال وحدها، ويُوجد حوالي مائة واحدة في حوض تلين Tlyne. وَفقًا للاو R. J. Law: في «المحرك البخاري»، كُتيب مُتحف العلم، دار النشر صاحبة الجلالة، لندن، (١٩٦٥م)، الصفحة ١٠.
٥٦  Müller, Ingo, A History of Thermodynamics, p. 49.
٥٧  الموسوعة العربية العالمية، مدخل «المحرك البخاري»، الرياض، ٢٠٠٤م.
٥٨  كارتسيف، فلاديمير وخازانوفسكي، بيوتر، آلاف السنين من الطاقة، ص٨٨.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤