الفصل الأول

التعريف بنهج الرؤى السلوكية

يُطبِّق نهج الرؤى السلوكية أدلةً حول السلوك البشري على مشكلاتٍ عملية. يمكن أن تُقدِّم الرؤى السلوكية وصفًا واقعيًّا للكيفية التي نأتي بها بأفعالنا ودوافعنا للإتيان بها، مما يسمَح لنا بتصميم أو إعادة تصميم السياسات والمنتَجات والخِدمات وفقًا لذلك. وقد أدَّت النتائج التي حقَّقها هذا النهج إلى اعتماده من قِبل الحكومات والمؤسَّسات والشركات في جميع أنحاء العالم. يشرَح هذا الكتاب المبادئ الأساسية لمنهج الرؤى السلوكية، ولماذا أثبَت شعبيتَه، وما الذي يمكن أن يُحقِّقه.

لنبدأ بمناقشة الجديد في هذا النهج؛ الجديد أنه يُمثِّل تحديًا للآراء المتعارَف عليها بشأن كيفية اتخاذ القرارات. غالبًا ما يفترض الأفراد، وكذا الحكومات والشركات، أن سلوكنا يخضَع في الغالِب لردودِ فعلٍ مدروسةٍ ومُتروِّية تجاه المعلومات والمُحفِّزات التي نتلقَّاها. ومن هذا المنظور، يُلاحِظ الناس كل معرفةٍ ذات صِلة، ويوازنون بعنايةٍ بين تكلفة وفوائد كل خيارٍ متاح، ويتَّخذون الخيار الذي يعتقدون أنه يُعظِّم من الفوائد التي ستعود عليهم (أو على أولئك الذين يهتمُّون لأمرهم).

على النقيض من ذلك، تتمثل «الرؤية» الأساسية لنهج الرؤى السلوكية في أن جزءًا كبيرًا من سلوكنا غيرُ واعٍ، واعتيادي، ومدفوعٌ بإشاراتٍ في بيئتنا أو بالطريقة التي تُقدَّم بها الخيارات. نحن قادرون على اتخاذ القرارات بطريقةٍ مدروسةٍ ومتروِّية، ولكن هذا يحدُث بمعدلٍ أقلَّ مما نفترض. وعوضًا عن ذلك، تُوجِّه الاختصارات الذهنية أو «القواعد الأساسية» البسيطة أفعالنا؛ على سبيل المثال، «افعل ما يفعله الآخرون» أو «اتخذ الخيارَ الأوسط». وغالبًا ما تُحَفَّز هذه الاختصاراتُ تلقائيًّا — خارج نطاق إدراكنا الواعي — عن طريق سمات الخيارات أو المواقف التي نُواجِهُها.

ونتيجة لذلك، قد تتحكم جوانب السياق أو الطريقة التي يُقدَّم بها قرارٌ ما في تشكيل سلوكنا على نحوٍ أكبَر بكثيرٍ مما نُدرك. لنتأمل سلوكنا الغذائي مثلًا، وهو المثال المُمتَد الذي سنستخدِمه خلال هذا الفصل. نظرًا لأن الناس يستخدِمون وجود السَّلَطة باعتبارها اختصارًا ﻟ «الطعام الصحي» عند تقييم خيارات الطعام المتاحة، فإن إضافة السلَطة إلى وجبة الهامبرجر تجعلنا نعتقد فعليًّا أنها تحتوي على سعراتٍ حرارية أقل بنسبة ١٢٫٦ في المائة من الوجبة نفسها بدون السَّلَطة.1 وتتأثر الكمية التي نأكلها بطرقٍ مُماثلة. فمضاعفة حجم الحصة الغذائية يعني أن استهلاك الناس من الأكل سيزداد بمقدار الثلث، في المتوسط،2 والإشارات التي تُحيط بطعامنا مهمةٌ أيضًا؛ إذ تعني عبوات الطعام الأكبر حجمًا وأواني التقديم الأكبر تناوُلَ المزيد من الطعام.3

جزءٌ كبير من سلوكنا غير واعٍ، واعتيادي، ومدفوعٌ بإشاراتٍ في بيئتنا أو بالطريقة التي تُقدَّم بها الخيارات.

وبالرغم من أن ردود الفعل التلقائية هذه تحدُث خارج إطار إدراكنا الواعي، فإنها غالبًا ما تكون قد تطوَّرَت باعتبارها وسائلَ فعَّالة وقوية لتحقيق أهدافنا. تأمَّل كم كانت حياتنا ستُصبِح أصعب بكثيرٍ لو اضطُررنا إلى التركيز عمدًا على كلِّ عنصرٍ من عناصرِ عمليةِ ربطِ رباطِ حذائنا كل صباح، أو تقييم إيجابياتِ وسلبياتِ كلِّ طعامٍ نشتريه بدقةٍ وعناية. فهذا النوع من التفكير «السريع» هو ما يسمَح لنا باتخاذ الآلاف من الأحكام والقرارات الناجحة كل يوم، دون أن نُدرِك حتى أننا نقوم بذلك.

غير أن قلة وعيِنا لها ثمَن أيضًا؛ إذ تعني أننا عادةً ما لا نُدرك الطريقة التي تُشكِّل بها هذه العمليات سلوكنا. ففي إحدى الدراسات، أخفَق أكثر من نصف الأشخاص الذين تلقَّوا عمدًا ما بين ٥٠٠ جرام و١٠٠٠ جرام من وجبة المكرونة بالجبن على الغداء (على مدار شهر) في ملاحظة أن حصصَهم من الوجبة قد تغيَّرَت من الأساس.4 حتى لو كنا نلاحظ مثل هذه الأشياء، فغالبًا ما نتوصل إلى تفسيراتٍ بديلة لسلوكنا. قد ندَّعي، على سبيل المثال، أننا أكلنا أكثر من المعتاد لأننا كنا في غاية الجوع. ولكن تُظهِر الدراساتُ نفسُها أن هذا ليس صحيحًا؛ فأحجام الحصَص، وليس الجوع، هي ما تسبِّب زيادة الأكل.

سواء كنا نفحَص حجم استهلاكنا من الطعام أو أي نوعٍ آخر من القرارات، فبيتُ القصيد هو أننا إذا لم نفهم سلوكنا بدقَّة، فمِن غير المُرجَّح أن نعتمد الخطط الشخصية أو السياسات العامة المُثلى لتحقيق أهدافنا. وسنظل نُطوِّر أنظمةً واستراتيجياتٍ تعتمد على الاعتقاد بأن قراراتِنا تعتمد على التفكير المُتأني بينما تُظهِر الأدلة العكس. ويمكن للرؤى السلوكية أن تُوضِّح لنا العواملَ المُحرِّكة لأفعالنا بحقٍّ في هذه الحالات. وبذلك، يوفِّر النهجُ التفسيراتِ والتوقُّعاتِ التي تُوجِّهنا إلى خطَطِ عملٍ أكثرَ فاعلية.

بعد مناقشة الجزء الخاص باﻟ «رؤى» من موضوعنا، نريد الآن توضيحَ أهميةِ التركيز على «السلوك». نحن مُهتمُّون بما يفعله الناس فعلًا؛ فالتغيُّرات التي تطرأ على المواقف والمعتقدات والنوايا المعلَنة أمرٌ مُهِم، ولكنها قد لا تتوافق مع التغيُّرات في السلوك.5 ونؤكِّد على الملاحظة المباشرة بسبب المشاكل التي تخُص الأشخاص الذين يُبلغُون عن سلوكهم. غالبًا ما لا يتذكَّر الأشخاص بصورةٍ صحيحة ما فعلوه، ويتوقعون ما سيفعلونه بلا دقةٍ. قد يكون هذا مدفوعًا جزئيًّا بالرغبة في الحفاظ على صورةٍ ذاتيةٍ إيجابية. وحتى لو كانت لديهم مثل هذه المعلومة، فقد يُنمِّقون كلامهم بما يعكس ما يعتقدون أنه مرغوبٌ فيه اجتماعيًّا أو يعكس ما يريدُ الباحثُ سماعه.6
على سبيل المثال، طلبَت إحدى الدراسات الوطنية من البالِغين تذكُّر مقدار النشاط البدني الذي قاموا به على مدى الشهر الماضي. وارتدَت مجموعة أصغر ممن أجابوا على الاستبيانِ جهازَ قياس التسارُع الحركي على مدى الأسبوع التالي للمسح. يقيس جهازُ قياسِ التسارُع مباشرةً مقدارَ حركةِ الأشخاص. في حالة الإبلاغ الذاتي، قال ٣٩ في المائة من الرجال و٢٩ في المائة من النساء إنهم حقَّقوا الحد الأدنى المُوصَى به من النشاط البدني. ولكن أظهرَت بيانات الجهاز أن ٦ في المائة فقط من الرجال و٤ في المائة من النساء قد حقَّقوا ذلك في الواقع.7

باختصار، يجمع نهج الرؤى السلوكية الأدلة على كيفية تفاعُل التفكير الواعي مع العمليات غير الواعية لتشكيل السلوك. ولكنه يبني أيضًا على هذه الأدلة لاقتراحِ حلولٍ جديدة، كما سنُوضح فيما يلي.

ما الذي يقدِّمه نهج الرؤى السلوكية؟

لتوضيحِ كيف يمكن للرؤى السلوكية أن تقترح طُرقًا جديدة لفعل الأشياء، دعُونا نستمر مع موضوع الطعام. لنفترِض أن صُنَّاع السياسات قرَّروا أن الإفراط في تناوُل الطعام مشكلةٌ تتطلَّب اتخاذ إجراء. في هذه الحالة، يمكن للرؤى السلوكية أن تُعزِّز خيارات السياسة الرئيسة المتاحة للحكومات والمواطنين؛ ألا وهي المعلومات (إخبار الناس عن كيفية أداء أو تجنُّب سلوكٍ ما ولماذا يتعيَّن عليهم القيام بذلك)، والحوافز (تغيير التكاليف أو الفوائد الناتجة عن السلوك)، والتشريع (منع أو فرض سلوكياتٍ مُعيَّنة بموجب القانون). وسنتناول كلًّا من هذه المجالات بإيجازٍ فيما يلي.

المعلومات

كان النهج التقليدي لتقديم المعلومات عن الأكل عمومًا هو إخبار الناس بالأطعمة التي ينبغي أو لا ينبغي عليهم تناوُلها. ولكن نظرًا لأن العديد من خياراتنا الغذائية مدفوعةٌ بالعادات وتحدُث خارج إطار إدراكنا الواعي، فقد يكون لتحسين الوعي بمخاطرِ وفوائدِ أطعمةٍ بعَينها تأثيرٌ محدود على السلوك. في الواقع، يمكن أن يأتي تقديم المعلومات بنتائجَ عكسية. على سبيل المثال، وجدَت إحدى الدراسات أن الناس كانوا في الواقع أكثر ميلًا لتناوُل دواءٍ ما بعد عَرضِ الكثير من آثاره الجانبية المُحتمَلة عليهم — على عكس ما قد يحدث حال عَرضِ أثَرٍ واحد فقط — وهذا بسبب طريقة إدراكنا للمخاطر.8
مع وضع هذه المبادئ في الاعتبار، قد يُساعِد نهج الرؤى السلوكية الأشخاص بدلًا من ذلك على تبنِّي «قواعد أساسية»؛ عملية جديدة تركِّز على خلق عاداتٍ جديدة. على سبيل المثال، يُمكننا وضع خططٍ بسيطة لتقليل احتمالية تعرُّضنا للطعام المُغري — مثل «إذا سأل النادل عما إذا كنتُ أرغب في الاطلاع على قائمة الحلوى، فسأطلبُ فنجانَ قهوة».9 وقد أثبت هذا النوع من التخطيط، الذي يمكن أن يؤدي إلى خلق عاداتٍ جديدة، فاعليَّتَه عَبْر الكثير من الدراسات.10 بعبارةٍ أخرى، قد يقترح نهج الرؤى السلوكية أن المعلومات يجبُ أن تركِّز بصورةٍ أقلَّ على ما يجب أن يأكله الناس، والتركيز بصورة أكبر على كيف يأكلون بالفعل. لا داعي للتخلِّي عن التوجيه الغذائي؛ ولكن بدلًا من ذلك، يجب أن يكون هناك تحوُّل نحو كيفية تحويل هذا التوجيه إلى أفعال.

الحوافز

دعونا ننتقل إلى الأداة التالية في صندوق أدوات صنع السياسات، ألا وهي الحوافز. تركَّز الكثير من الاهتمام، فيما يتعلق باستهلاك الغذاء، على كيفية استخدام الضرائب لزيادةِ أسعارِ الأطعمة غير الصحية. والفكرة هي التحوُّل بمشتريات المستهلكين بعيدًا عن الأطعمة غير الصحية — مما قد يؤدي إلى تحوُّلها نحو الأطعمة الصحية — تمامًا كما أدت الزيادات الضريبية إلى تقليل استخدام التبغ. على سبيل المثال، فرضَت المكسيك وتشيلي ومدنٌ مختلفة في الولايات المتحدة ضرائبَ على المشروبات المُحلَّاة لهذا الهدف.

إن محاولة التأثير على مشتريات المُستهلكين بهذه الطريقة أمرٌ يستحق التفكير. لكن نهج الرؤى السلوكية يشير إلى إمكانية استخدام الضرائب بطريقةٍ مختلفة، وربما أقوى، وهي تحفيز إعادة الصياغة. تُشير الدراسات إلى أن تقديم وجباتٍ تحتوي على سُعراتٍ حرارية أقلَّ بمقدار الربع جعل الناس يُقلِّلون استهلاكهم للطاقة بالمقدار نفسه.11 بعبارةٍ أخرى، لم يحتَجِ الناس إلى التعويض بتناوُل المزيد من الطعام، ولم يقلَّ شعورهم بالشبع عن الأشخاص الذين استهلكوا الوجبةَ ذاتَ السعرات الحرارية الكاملة. لذلك، فإن إعادة تشكيل الأطعمة للتخلُّص من السعرات الحرارية طريقةٌ فعَّالة لمعالجة الإفراط في تناوُل الطعام. فلن يُضطَر المستهلكون إلى بذل جهدٍ لتغيير سلوكهم؛ إذ يُمكنهم شراء المنتجاتِ نفسِها، ولكن بآثارٍ صحيةٍ سلبية أقَل.

كان هذا الهدف المُتمثل في دفع المُنتِجين إلى إعادة صياغة المنتَجات هو أساس تطبيقِ ضريبةٍ على المشروبات المُحلَّاة في المملكة المتحدة («ضريبة صناعة المشروبات الغازية»)، التي أعلِنَ عنها في عام ٢٠١٦. كان لهذه السياسة سِمتان أظهرَتا أن الهدف الأساسي كان سلوك المُنتِجين، وليس المُستهلِكين. أولًا، كانت الضريبة تصاعُدية وفقًا لمستويات السكر في المشروب. فتُعفى أي مشروباتٍ تحتوي على أقلَّ من ٥ جرامات من السُّكر لكل ١٠٠ مللي من الضريبة؛ وأيُّ مشروبات تحتوي على أكثر من ٨ جرامات من السكر لكل ١٠٠ مللي تخضع لأعلى معدَّل من الضريبة؛ وأي مشروبات بين هذا وذاك خضعَت لمعدَّلِ ضريبةٍ أقَل. كانت الفئات الضريبية ابتكارًا مُهمًّا. فلم تكن هناك فئاتٌ في المحاولات السابقة لفرضِ ضرائبَ على المشروبات المحلَّاة؛ إذ كانت تُطَبَّق فقط وَفقًا للحجم؛ فكلَّما زاد حجم المشروب، زادت الضرائب المُطبَّقة. على النقيض من ذلك، شكَّل إنشاء فئاتٍ للضريبة حافزًا للمُنتِجين لإعادة صياغة منتَجاتهم، في حين قلَّت تكلفة القيام بذلك لأن المستويات تحدَّدَت بحيث لا تكون معظم المنتَجات الحالية بعيدةً جدًّا عن أي عتبةٍ من العتبات الضريبية. ثانيًا، لا تدخُل الضريبة حيِّز التنفيذ لمدة عامَين، مما يمنح المُنتِجين الوقتَ اللازم لإعادة صياغة منتَجاتهم.

fig1
شكل ١-١
أثَّرَت الضريبة على سلوك المُنتِجين كما هو متوقَّع. فبسرعةٍ أعادوا صياغةَ محتوى كلٍّ من المشروبات ذات الأسماء الشهيرة والعلامات التجارية الخاصة بهم. وفي غضون ثلاث سنواتٍ فقط، انخفضَت كمية السكَّر المباع للفرد من المشروبات الغازية بنسبة ٣٠ في المائة؛ أي ما يعادل ٥ جرامات لكل شخصٍ يوميًّا. وكان السبب في حدوث ذلك هو تغيُّر السوق؛ إذ انخفض إجمالي حجم مبيعات المشروبات التي كانت خاضعةً للضرائب بنسبة ٥٠ في المائة، في حين ارتفعَت مبيعاتُ المشروبات المنخفضة السكَّر والخالية من السكَّر المُعفاة من الضرائب بنسبة ٤٠ في المائة. كان الجزء الأكبر من هذا التغيير ناتجًا عن إعادة الصياغة، وليس بسبب تبديل المُستهلِكين لاختياراتهم.12 فقد أدَّى اختلافُ التفكير بشأن السلوك إلى سياسةٍ ساهَم فيها ولاءُ المُستهلكين لشراء علامةٍ تجارية بعَينها بحكم العادة في النجاح، وليس الفشل، وحيث تمَّت هيكلة الضرائب بحيث تدفع الشركات لتحمُّل العبء الأكبر لتحقيق النتيجة المرجوَّة بدلًا من ذلك.

التشريعات

أخيرًا، يُمكننا أن نرى كيف يمكن للرؤى السلوكية أن تُغيِّر طريقة تفكيرنا في القوانين التي تضعها الحكومات وكيفية تطبيقها لهذه القوانين. فيما يتعلق بالأكل، يُوجَد اقتراحٌ شائع وهو مطالبة مُصنِّعي الأغذية وبائعيها قانونًا بعَرضِ المعلومات الغذائية على العبوات وقوائم الطعام. وكثيرٌ من هذه القوانين تُحدِّد الطريقة الدقيقة التي يجب أن تُعرَض بها المعلومات. ومن الخيارات الشائعة (التي تتبنَّاها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي) في هذا الشأن الاعتماد في الغالب أو كليًّا على عرض الأرقام، مثل السعرات الحرارية. الفكرة من وراء ذلك هي أن يُتابعَ الناسُ استهلاكهم من السعرات الحرارية ويتخذوا الخيارات على هذا الأساس. ولكن هل هذا نهجٌ واقعي أو أمثل؟

مرةً أخرى، تُشير الأدلة المُستقاة من علم السلوك إلى عكس ذلك. لنضع جانبًا مشكلةَ أن أقليةً فقط من الناس (٣٩ في المائة من النساء و٢٤ في المائة من الرجال في المملكة المتحدة، على سبيل المثال) هم من يعرفون عدد السعرات الحرارية التي عليهم استهلاكها يوميًّا أساسًا.13 إن المشكلة الأساسية تكمن في أنَّ الناس يُنقِّحون المعلوماتِ الغذائية، ويعالجونها باستخدام اختصاراتٍ ذهنيةٍ سريعة. ولا تتوافق المعلومات العددية الخاصة بالسعرات الحرارية مع هذه الاختصارات، بل تعتمِد على تقييمِنا المُتأنِّي للسعرات الحرارية، وإضافتها إلى حصيلةٍ مُستمرة. ويبدو أن المُلصَقات التي تستفيد من عملية اتخاذ القرارات السريعة والحدْسية تعمل بشكلٍ أفضل. على سبيل المثال، تَستخدِم الملصَقات القائمة على ألوان إشارات المرور نظامًا لونيًّا بسيطًا يمكن تفسيره بنظرةٍ سريعة، دون انخراطٍ واعٍ. وقد أظهر كثيرٌ من الدراسات أن ألوانَ إشارات المرور لها تأثيرٌ أكبر على خيارات الطعام من حسابات السعرات الحرارية العددية البسيطة، التي غالبًا ما لا يبدو أن لها أيَّ تأثير.14 وأعلنَت الحكومة الألمانية أنها ستُدخِل نظامًا واحدًا قائمًا على ألوان إشارات المرور لملصقات الحقائق الغذائية (نظام «نوتري سكور») يستعين بهذه المبادئ.

النقطة الأساسية الكامنة وراء هذه الأمثلة هي: التأكُّد من أن السياسات أو البرامج تسترشد بأفضل الأدلة حول ما يؤثِّر على السلوك. إذا كنتَ ستطرح قانونًا جديدًا، فعليك فهم الخيار الذي من المرجَّح أن يُغيِّر السلوك. وإذا كنتَ ستطرح حوافز، فعليك ضبط توقيتها وحجمها وهيكلها وشروطها لتعظيم تأثيرها. وعند إنشاء حملة معلومات، ضع في اعتبارك كيفية ملاحظتنا للمعلومات ومعالجتها. وبشكلٍ عام، تأكَّد من أن لديك فهمًا واقعيًّا لما يؤثِّر وسيؤثِّر على السلوك ولماذا.

نهج الرؤى السلوكية باعتباره عدسة

ربما تكون الطريقة المثلى لفهم نهج الرؤى السلوكية هو اعتباره عدسةً نرى من خلالها السياسات والبرامج والخدمات، وتُمكِّننا من تقديم خياراتٍ جديدة، وتعزيز الخيارات القائمة، وإعادة تقييم النشاط الحالي.

تميل الخيارات الجديدة التي توفِّرها الرؤى السلوكية إلى جذب أكبر قَدْر من الاهتمام. فكما يتضح من قضية الاستهلاك الغذائي، قد يكون للأدلة تداعياتٌ مفاجئة تتعارَض مع افتراضاتنا وتفتَح الآفاق لأفكارٍ جديدة. وكما سنُناقش لاحقًا، قد يتعامَل كثيرٌ من هذه الأفكار مع الطريقة التي تُنظَّم بها الاختيارات، فيما يُسمى ﺑ «هندسة الاختيارات».15 على سبيل المثال، يُظهِر كثير من الأشخاص «تأثير الحل الوسط»، الذي يستخدمون بموجبه اختصارًا ذهنيًّا لفكرة «اختيار الخيار الأوسط».16 قد يكشف الوعي بتأثير الحلِّ الوسط عن نُهُجٍ جديدة. فقد أظهَرَت الدراسات أنه يمكن تقليلُ استهلاكِ المشروباتِ الغازية عن طريق إزالة أكبر حجمٍ للكوب المعروض وإضافة كوبٍ أصغر في آخر المقياس؛ لأن الناس غالبًا ما يختارون الخيار الأوسط، بغَض النظر عن حجمه.17 والتفكير بحرصٍ أكبر في الترتيب الذي تُقَدَّم به الخيارات يوفِّر فرصةً جديدةً أخرى. على سبيل المثال، انخفضَت مبيعات المشروبات الغازية المُحلَّاة بالسكر عندما نُقِلَت من المركز الأول إلى المركز الثالث في قائمة الخيارات في الأكشاك الإلكترونية التي تعمل باللمس في ٦٢٢ فرعًا من سلسلة مطاعم ماكدونالدز.18

غير أن نهج الرؤى السلوكية لا يقدِّم فقط أدواتٍ جديدة. فيمكن أن يؤدِّيَ استخدامُه باعتباره عدسةً أيضًا، على سبيل المثال، إلى الكشف عن كيف يُمكن أن تؤدِّيَ الإجراءات الحالية إلى خلق سلوكياتٍ غير مقصودة وغير مرغوب فيها؛ ويمكن أن تسلِّط الضوء على التحيُّزات التي تؤثِّر على صُنَّاع السياسات أنفسهم؛ ويمكن أن تُظهِر الافتراضاتِ المعيبةَ حول السلوك في قاعدةٍ مقترحة وتوضح كيفية تغييرها؛ أو قد تُظهِر أن الحل الأفضل قد لا يكون محاولة تغيير السلوك على الإطلاق، بل إعادة تصميم الخِدمات لترتكز حول ما يحدُث بالفعل.

ويجدُر التشديد على أهمية هذه النقطة؛ لأنها تتعارَض مع بعض التصوُّرات الخاطئة حول النطاق الحقيقي والقيمة الحقيقية للرؤى السلوكية. أحد هذه التصوُّرات أن نهج الرؤى السلوكية هو مجرَّد بديلٍ للأدوات التقليدية مثل المعلومات أو الضرائب أو التشريعات، وليس لدَيه ما يقوله بشأن هذه الخيارات. وكما أوضحنا للتو، يمكن أن يُقدِّم نهج الرؤى السلوكية توصياتٍ حول الكيفية التي يجب أن تطبَّق بها هذه النُّهُج التي يمكن أن تُحدِث فارقًا بين النجاح والفشل. ثمَّة تصوُّرٌ خاطئٌ آخر، وهو أن النهج يتعامل فقط مع التعديلات أو التغييرات المتزايدة، أو أنه يركِّز فقط على قرارات الأفراد. وكما هو مُوضح آنفًا، يمكن استخدام هذا النهج لإعادة النظر في الأنظمة أو السياسات وإعادة تصميمها كليًّا، كما هو الحال في الضرائب المفروضة على المشروبات المُحلَّاة بالسكر. والتصوُّر الخاطئ الأخير هو اعتبار نهج الرؤى السلوكية «أداةً» إضافيةً اختيارية يمكن لصنَّاع السياسات استخدامها (أو لا) إذا رغبوا في ذلك. ولكن نظرًا لأن معظم السياسات الحكومية تهتم بالتأثير على السلوك (بدايةً من قوانين جرائم القتل وصولًا إلى التثقيف الجنسي)، فسوف يكون لدى نهج الرؤى السلوكية ما يقدِّمه فيما يخُص معظم السياسات.

يجمع شكل (١-٢) بين هذه المفاهيم من خلال إظهار «المجال» الواسع المحتمل الذي يمكن فيه تطبيق الرؤى السلوكية. على طول المحور السُّفلي نقدِّم مجموعةً مبسَّطة من الأنشطة التي ذكرناها سابقًا؛ المعلومات، والحوافز، والتنظيم. وعلى طول المحور الجانبي، لدَينا طريقتان أساسيتان يمكن استخدام نهج الرؤى السلوكية بهما؛ تكتيكيًّا، لإجراء تغييرات على الطريقة التي تُطبَّق بها السياسة؛ واستراتيجيًّا، لهيكلة الجوانب الأساسية للسياسة نفسها. ونملأ المساحة الناتجة بين المحورَين ببعض الأمثلة لإظهار التطبيقات المختلفة الممكنة.
fig2
شكل ١-٢

نهجُ الرؤى السلوكية نهجٌ عملي وتجريبي

لقد أجملنا الأدلة التي تقوم عليها الرؤى السلوكية، وناقشنا كيف يمكن أن تفتح هذه الأدلة آفاقًا جديدة. ولكن لن تتحقق هذه الإمكانية إلا إذا أكمل الجانبان الآخران لنهج الرؤى السلوكية هذه الأدلة؛ إذ إنه عملي وتجريبي أيضًا.

fig3
شكل ١-٣

إن المقصود بوصف النهج بأنه عملي أن ثمَّة تركيزًا على إيجاد حلولٍ محدَّدة للمشكلات التي يعتبرها الأفراد أو المنظمات أو الحكومات مهمَّة. وفي الفصل الرابع سنسرد بالتفصيل عمليةً لتطبيق الرؤى السلوكية. تبدأ هذه العملية بتحديد السلوكيات ذات الصلة التي يجب أن تبدأ أو تتوقف أو تستمر أو تتغيَّر، وهذا قبل تكوين فهم للحواجز والعوامل التمكينية لتطبيق هذه السلوكيات. وبمجرد تشخيص طبيعة المشكلة، يُصبح لدينا عملية لتصميم مقترحاتٍ ملموسة للتأثير على السلوكيات ذات الصلة.

وعلى الرغم من أن هذا النشاط سيسترشد بفهمٍ دقيق للأدبيات الأكاديمية، وسيُحاوِل تطبيق النتائج الحالية بأمانة، إلا أن اهتمامه الأساسي اهتمامٌ عملي. كيف يُمكننا تطوير خطةٍ واقعية تُراعي مطالب الأشخاص المكلَّفين بتقديم الخِدمات، أو خطةٍ لن تفرض مطالبَ يستحيل على الأفراد الذين يستخدمونها تنفيذها؟ كيف يُمكننا بناءُ شيءٍ يتسم بالمرونة أمام الضغوط التي سيواجهها؟

بالمثل، يركِّز نهج الرؤى السلوكية على تفاصيل الكيفية التي سيتحقَّق بها أي اقتراحٍ جديد على أرض الواقع بالضبط. بما أن الأفراد يستجيبون إلى حدٍّ كبير إلى الكيفية التي تُقدَّم بها الخيارات، فإن حدوث سلوكٍ ما قد يعتمد على الاختيار المحدَّد للكلمات المُستخدمة في رسالةٍ ما، أو العدد المحدَّد للخطوات المطلوبة لإكمال فعلٍ ما. وبعض الأمثلة الأشهر للرؤى السلوكية ينتمي إلى هذا النوع، وأدَّت شعبيتها ببعض المُراقبين إلى الادِّعاء بأن نهج الرؤى السلوكية ينتهي به الأمر إلى تعديل الممارسات الحالية لا أكثر. ولكن، كما لُوحِظ بالفعل، فإن مساهمة نهج الرؤى السلوكية تمتدُّ إلى أبعدَ من ذلك بكثير.

السمة الأخيرة لنهج الرؤى السلوكية هي أنه تجريبي. يُوجَد تركيزٌ قوي على جمع الأدلة لتحديد تأثير أي تدخُّلٍ قائم على نظريات عِلم السلوك. وجزء من هذا الدافع إلى التقييم يتبع مباشرةً الحُجج التي طُرِحَت للتوِّ حول كيفية تأثُّر الناس بسمات العرض والسياق؛ أي كيف تتحقَّق الأشياء على أرض الواقع. وعلى الرغم من أننا يُمكننا استخدام العلوم السلوكية لصياغة توقعاتٍ عامة حول كيفية تفاعل الناس، فإن السلوك البشري معقَّد؛ فقد تؤثِّر عواملُ عديدة على قرارٍ معين. حتى لو كنَّا نعتمد على أدلةٍ قوية ظاهريًّا، فسِمات التدخُّل (وهي العرض والتوقيت) ستحتاج إلى التكييف والتعديل لتُناسِب السياق الجديد. ولا يُمكننا التأكُّد من أن مزيجًا ما من الكلمات أو الصور لن يأتي بنتائجَ عكسيةٍ بطرقٍ لم نتوقَّعها. وغالبًا ما تُولِّد حقيقةُ ظهورِ نتائجَ غيرِ متوقَّعة تسلسلًا من الشك والتواضُع حول مقدار ما لا نزال نجهله عن السلوك البشري.

مثل هذا الشك والتواضُع يعنيان أن نهج الرؤى السلوكية يُعطي الأولوية للتجارب العشوائية المضبوطة (RCTs) التي تقيس النتائج السلوكية في ظروفٍ واقعية. وقد ناقشنا بالفعل سببَ التركيز على التأثير في السلوك، بدلًا من التأثير في المواقف أو المُعتقدات. وسنشرح التجارب العشوائية المنضبطة بمزيدٍ من التفصيل لاحقًا، ولكنَّ مبدأَها الأساسي هو أن استخدام فرصةٍ عشوائية (مثل رمي نَرْد) لتقسيم الأشخاص إلى مجموعاتٍ يعني أن هذه المجموعات لها خصائصُ متشابهة في المتوسط؛ كالتشابُه في العمر، والثروة، والمكان، والمواقف … إلخ. ويعني هذا التشابُه أننا سنتوقَّع أن تتصرَّف المجموعتان بالطريقة نفسها إذا تُركَت وشأنها. لذا، إذا أجرينا تدخلًا في مجموعةٍ واحدة فقط من المجموعتَين، فيمكننا القول إن أيَّ تغييراتٍ في سلوك تلك المجموعة ترجع إلى التدخل، وليس إلى أي سببٍ آخر. ويُعَد إجراء التجارب العشوائية المنضبطة الطريقةَ القياسيةَ لمعرفة ما إذا كانت الأدوية فعَّالة؛ إذ تُعطَى مجموعةٌ واحدة الدواء التجريبي، بينما تُعطَى المجموعة الأخرى حبة سكر (دواء وهمي أو بلاسبو).
بالإضافة إلى ذلك، يجدُر بنا هنا توضيح السبب وراء أهمية التركيز على ظروف العالَم الحقيقي. يُجرى كثيرٌ من التجارِب العشوائية المضبوطة التي تقيس السلوك في المختبَرات. تُعتبَر المختبَرات مفيدةً للغاية؛ لأنها تخلق الظروف التي تسمح بتنفيذ التدخُّلات بطريقةٍ ممنهجة وتسمح بقياس النتائج بدقة. ولكن قد تعني هذه الظروف أيضًا أن سلوك الأشخاص فيها يختلف عن سلوكهم في العالم الحقيقي.19 على سبيل المثال، التجارب التي تسعى إلى فهم الامتثال الضريبي غالبًا ما تخلُق مواقفَ مصطَنعةً شبيهة باللعبة، تُلعَب في مقابل مخاطر أقلَّ بكثيرٍ تحت المراقبة الدقيقة، باستخدام مجموعات من الطلاب الذين ليس لديهم خبرة في دفع الضرائب.20 ونظرًا لأن تركيز الرؤى السلوكية ينصَبُّ على مشاكل العالَم الواقعي، كانت هناك رغبةٌ قوية في التحقُّق مما إذا كانت النتائج التي تُنشَأ في المختبرات صحيحةً في هذه الظروف. ونتيجةً لذلك، فنهجُ الرؤى السلوكية لا يستهلك الأبحاث ويُطبِّقها فحسب، بل يُحاول إنشاء إطارٍ معرفي جديد لما «يصلح» في الممارسة العملية.

غير أن هناك تنبيهًا في هذا المقام؛ قد لا يكون من الممكن دائمًا إجراءُ تقييمٍ يجمع بين العشوائية، وظروف العالَم الحقيقي، والمقاييس المباشرة للسلوك. فإذا كنَّا ندخل سياسة تتعامَل مع الأنظمة على المستوى الوطني (على سبيل المثال، ضريبة المشروبات المُحلَّاة في المملكة المتحدة)، فلن تكون العشوائية مُمكنة. وإذا كنا نتعامَل مع سلوكياتٍ يصعُب ملاحظتُها (على سبيل المثال، العنف ضد الشريك الحميم)، فقد تُمثل مقاييس السلوك المباشرة تحديًا. ففي بعض الأحيان، قد تكون هناك حواجزُ أخلاقية أمام إجراء التجارب في ظروفٍ واقعية، وقد تكون تجارب المُحاكاة هي الخيار الأفضل التالي. بعبارةٍ أخرى، لا يُقيَّم كل مشروع للرؤى السلوكية باستخدام تجربةٍ عشوائيةٍ منضبطة، وليس كل ما يخضع للتقييم باستخدام تجربةٍ عشوائيةٍ منضبطة يقع تحت مظلة الرؤى السلوكية. ولكن يجب أن يكون هناك دائمًا دافعٌ للتساؤل: «إلى أي مدًى نثِق في نجاح ذلك؟ كيف يُمكننا اختبار التأثير الذي قد نشهده؟»

تأثير الرؤى السلوكية

لقد قدَّمنا السمات الأساسية للرؤى السلوكية، ألا وهي: الاهتمام بالمشكلات العملية، وتطبيق الأدلة حول السلوك البشري لخلق حلولٍ مُحتملةٍ جديدة لهذه المشاكل، واستخدام التجريب لتقييم تأثير هذه الحلول على السلوك. وتعريفُنا لنهج الرؤى السلوكية في جملةٍ واحدة هو أنه «نهجٌ يستخدم أدلةً على الدوافع الواعية وغير الواعية للسلوك البشري لمعالجة القضايا العملية».

وقد أثبت هذا النهج أنه جذَّاب وفعَّال. ففي غضون ثماني سنواتٍ فقط، بدأ عشرة ملايين موظف آخرون في الادخار من أجل الحصول على معاشٍ تقاعُدي في مكان العمل في المملكة المتحدة، وارتفعَت تغطية القطاع الخاص من ٤٢ في المائة إلى ٨٥ في المائة؛ وذلك ببساطة لأن الخيار التلقائي قد تحوَّل إلى نظام التسجيل التلقائي.21 كما وجدَت النظم الصحية في جميع أنحاء العالم أن إعطاء تقييم للمعايير الاجتماعية للأطباء يُمكن أن يُساعد في الحد من وصف المضادات الحيوية غير الضرورية، مما يساعد في الحفاظ على هذا المورد الحيوي للأجيال القادمة.22 وأظهَرَت سلسلةٌ من الدراسات أن الرسائل النصية البسيطة المنخفضة التكلفة التي تُرسَل إلى الآباء والأمهات والطلاب يُمكن أن تُحسِّن من حضور الطلاب وإنجازهم.23
يمكن تحقيقُ ما هو أكثر من ذلك، بالطبع، كما سنشرح لاحقًا. ولكن هذا التأثير جذب اهتمامًا كبيرًا. فنظرًا لأن مصطلح «الرؤى السلوكية» قد صاغه «فريق الرؤى السلوكية» التابع للحكومة البريطانية في عام ٢٠١٠، فإن هذا النهج (على حدِّ تعبير «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»)، «قد ترسَّخ بعدة طُرق عَبْر كثيرٍ من البلدان في جميع أنحاء العالم، وعَبْر مجموعةٍ واسعة من القطاعات ومجالات السياسة».24 فقد أُنشِئَت فرقٌ مخصَّصة في حكومات دول مثل الولايات المتحدة والهند وفرنسا واليابان وقطر وتشيلي وكندا وهولندا وسنغافورة وأستراليا وألمانيا وغيرها الكثير. وانضَم إليهم البنك الدولي والمفوضية الأوروبية والأمم المُتحدة ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأنشأَت بعض كبرى الشركات في العالم — مثل جوجل وولمارت وسويس ري — وحداتٍ داخليةً خاصة بها لتقديم رؤًى سلوكية. كما نشأَت منظماتٌ وشبكاتٌ ومراكزُ وفعالياتٌ وكتبٌ ودورياتٌ أكاديمية أخرى لتطبيق النهج وتطويره ومناقشته. كذلك تبنَّي الأفراد بعض أفكار النهج لتحقيق أهدافهم بشكلٍ أفضل. وفي الفصل التالي سنَستكشِف كيف حدث كل هذا.

الرؤى السلوكية هي نهجٌ يستخدِم أدلةً على الدوافع الواعية وغير الواعية للسلوك البشري لمُعالجة القضايا العملية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤