الكاهن الأكبر بينوزم الثاني

هذا الكاهن الأكبر هو كما قلنا الابن الأصغر للكاهن «منخبر رع» وزوجه «إستمخب»، وقد خلف أخاه الأكبر «سمندس» في هذه الوظيفة،١ ويظن «برستد» (A. R. IV § 662) أنه قد أصبح كاهنًا أكبر «لآمون» في عهد الفرعون «أمنمأبت» الذي كان يحكم في «تانيس»، ويحتمل أن ذلك كان قبل السنة الثانية والعشرين من حكم هذا الفرعون،٢ وأنه مكث على كرسي الكهانة على أقل تقدير حتى السنة العاشرة من عهد «سيآمون» خلف «امنمأبت»، كما سنرى بعد، غير أننا قد ذكرنا فيما سبق أن «منخبر رع» كان لا يزال يشغل وظيفة الكاهن الأكبر حتى السنة الثامنة والأربعين من عهد «أمنمأبت» الذي مكث على العرش مدة تسع وأربعين سنة على أقل تقدير، وعلى ذلك فإن مدة كهانة «بينوزم» الثاني لا يمكن على هذا الزعم أن تكون قد ابتدأت في نهاية حكم الفرعون «أمنمأبت» أو من باب أولى قبل بداية حكم «سيآمون».

وقد جعل «مسبرو» مدة إقامة «بينوزم» على عرش كهانة «آمون» في السنة السادسة عشرة من عهد «بسوسنس الثاني» (وهذا خطأ على حسب رأي «شرني»، الذي شرحناه فيما سبق؛ فقد جعل موته في السنة العاشرة بدلًا من السادسة عشرة. انظر الكاهن الأكبر «بينوزم» … إلخ) خلف «سيآمون». وقد حكم الأخير على أقل تقدير سبع عشرة سنة، وقد جعل مدة حكم «بينوزم» خمسًا وثلاثين سنة.

وإذا كانت مدة رياسة «بينوزم» لكهنة «آمون» «بالكرنك» قد وقعت حقًّا في عهد الملكَيْن «سيآمون» و«بسوسنس الثاني»، فيمكن أن نتردَّد بين هذين الحكمين لعزو كل تواريخ لفائف الموميات المصنوعة، كما يقول «مسبرو» لحياة هذا الكاهن الأكبر نفسه؛ غير أن «جوتييه» يميل إلى نسبتها إلى حكم الفرعون «بسوسنس الثاني»؛ وذلك لأنه ليس من المؤكد أنه في السنة الأولى من عهد «سيآمون» كان «بينوزم» قد تولى فعلًا منصب الكاهن الأكبر «لآمون». والواقع أن لفافة المومية رقم ١٠٥ جاء عليها ذكر السنة الثامنة والأربعين من حكم «أمنمأبت»، والسنة الأولى من حكم خلفه «سيآمون» وكانت لا تزال باسم الكاهن الأكبر «منخبر رع».٣

(١) تابوته

وقد عُثر على تابوت «بينوزم» الكاهن الأعظم «لآمون» ملك الآلهة والرئيس الأعظم للجيوش والمقدم.

وصندوق المومية الخارجي مُحلى على طول الساقين بورقة من النحاس طُبع عليها النقوش الخاصة به، ويبلغ طول المومية قبل فكها ١٫٧٢ متر، وقد فتحت في ٢٨ يونيو عام ١٨٨٦ ووجدت سليمة، وقد وجد تحت الغطاء الأول كفن كبير مُحلى بصورة «أوزير» رسم بالحبر وزخرف بالألوان. وقد لُون الوجه واليدان باللون الأخضر كما لون تاج الوجه البحري باللون الأصفر. أما القلادة واللحية فقد لُونتا باللون الأزرق في حين أن النقوش كتبت بالحبر الأحمر. وأمام وجه «أوزير» كتب: «أوزير» الكاهن الأكبر «لآمون» ملك الآلهة «بينوزم». وعلى الشريط الأوسط كتب: «أوزير» الكاهن الأكبر «لآمون» بن «منخبر رع» ابن الملك «بينوزم» محبوب «آمون» بجانب «التاسوع».

ونعلم من النقوش التي خُطت بالمداد الأسود أن اللفائف كانت قد صنعت في حياة ذلك الكاهن نفسه: لفائف عُملت بوساطة الكاهن الأول «لآمون» «بينوزم» بن «منخبر رع» للسيد «خنسو» … في السنة التاسعة و«لآمون» في السنة السابعة. ولدينا قطع أخرى أُرخت بالسنة الأولى وبالسنة الثالثة من عهده، ولدينا لفافة كتب عليها: «مختارة، موافق»، وعلى أخرى «جميلة جدًّا» بالمداد الأسود. وقد وُضعت أشياء مختلفة في الكفن، إذ وجد فيه سواران رشيقان من الذهب المحلَّى بالكرنلين واللازورد، وحلي قفلاهما بدلايتين من الذهب على شكل زهرة، وقد صف حول الرقبة من اليمين إلى الشمال صورة علامة الثبات، وصورة الإلهة «حتحور» من الفخار المطلي المائل للخضرة، وقلب، ورأس ثعبان من الكرنلين، ومروحة من حجر الفلدسبات الأخضر، وصورة «حور» جالسًا من اللازورد وعلامة الثبات ، وصقر من الذهب، وقلب من حجر الفلدسبات الأخضر، وعامود من الكرنلين، وكل هذه كانت ذات حجم صغير ولكنها دقيقة الصنع، وكذلك وُجد جعران كبير عند منبت الرقبة، وتحته صقر ناشر جناحيه من الذهب أو النحاس المذهب موضوع على الصدر.

(٢) المومية: (انظر الشكل ١)

وقد جاء في وصف المومية نفسها نقلًا عن «إليوت سميث» باختصار ما يأتي: كانت المومية ملفوفة مثل مومية كل من «ماعت كارع» و«حنت تاوي» في نسيج من الكتان الشفاف الجميل بكمية عظيمة، كما وضع بينها عدة طبقات من عجينة رتنجية. ولم يكن نسيج الكتان الذي لفت فيه المومية جميلًا بدرجة عظيمة وحسب، بل كانت له حواف وهدَّابات ملونة، وعلى صدره بقايا من سيرين من الجلد الأحمر.

ويلاحظ أن اختيار موضع فتحة التحنيط كانت في مكانها المعتاد، خلافًا لما شوهد في فتحة تحنيط الكاهن الأكبر «ماساهرتا»، فنجد أن فتحة «بينوزم» كانت فتحة عمودية ممتدة من الضلوع حتى العمود الأيسر الأعلى من الجزء الأعلى للعظم الحرقفي، ويبلغ اتساع هذه الفتحة ١٤٨ ملليمترًا، وفتحتها عظيمة. والوجه جميل أبيض الصورة ذو أنف ضيق محدب. وقد تعلم المحنطون الآن ألا يفرطوا في حشو الخدَّيْن؛ ولذلك نجد أن تقاسيم «بينوزم الثاني» قد حُفظت دون أن يظهر عليها التشويه الذي وجدناه في وجه «ماساهرتا» سلفه المباشر لفرط حشو خدَّيْه.

fig30
شكل ١: مومية الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني».

وقد رُش الوجه براتنج مطحون، تجمد كثير منه ولصق بالجلد. ولا تزال المومية محتفظة بلحية غزيرة بيضاء على الذقن وتحتها، ولكن الشفة العليا كانت حليقًا.

وقد وضعت اليدان عموديتين ممتدتين على الجانبين، ويلاحظ أن الذراعين قد حُشيتا بالطين، هذا وقد وضعت عدة كتل من الأحشاء في حوض الجسم، ويبلغ ارتفاع المومية باللفائف ١٫٧٠٦ متر (Royal Mummies p. 107).
وأهمُّ من كل ذلك وُجدت مع المومية بردية طولها ٢٫٢٨ متر، تحتوي على عدة مراسيم أصدرها «آمون» موضوعة على الصدر، وكذلك على البطن مطوية طيتين وليست ملفوفة، وكذلك وجدت نسخة من كتاب الموتى ملفوفًا بين الساقين. والواقع أن «بينوزم» كان يحمل على موميته كنزًا حقيقيًّا، أقل قيمة من الكنز الذي وجد مع الملكة «أعح حتب»،٤ ولكنه مع ذلك كان جديرًا بأن يحتل مكانة شرف في المتحف المصري، وسنتحدث الآن عن مرسوم «بينوزم الثاني».

(٢-١) مرسوم «بينوزم»

والواقع أن هذا المرسوم هو أحد المراسيم الهامَّة، التي وصلت إلينا من خبيئة «الدير البحري» الملكي؛ وبخاصة لأن الذي أصدره هو الإله «آمون» في صالح أعضاء أسرة الكهنة العظام في عهد الأسرة الواحدة والعشرين، وأتم هذه المراسيم هو مرسوم الأميرة «نسخنسو»، وسنتحدث عنه بعد (راجع Maspero, Les Momies Royales p. 594).
ومرسوم «بينوزم الثاني» عثر عليه كما ذكرنا مكتوبًا على بردية يبلغ طولها ٢٫٢٨ متر، وعرضها ٢٫٣٥ متر فقط، وقد وجدت البردية مطوية طيتَيْن على جسم المومية في وسط اللفائف. وسنترك الكلام على الأنشودة التي في أول المرسوم لفحص محتوياتها عند الكلام على مرسوم «إستمخب»، وسنقتصر على ذكر مواد مرسوم «بينوزم» هنا لأهميتها واختلافها عن مرسوم زوجه «إستمخب»:

(١) يقول «آمون» ملك الآلهة العظيم مبدئ الخلق: إني أعبر هكذا عن إرادتي السامية جدًّا لتأليه «بينوزم» بن «إستمخب» بنت «تواي»، خادمي في الغرب.

إني أؤلهه في عالم الآخرة، وأؤلهه في الجبانة، وأؤلهه في كل مكان تؤلَّه فيه روح. وإني أجعله يتسلم الماء في الغرب، وأجعله يتسلم القربان في الجبانة، وأجعله يتسلم الخبز والبخور مثل أتباع الآلهة، وأجعله يتسلم الماء والجعة واللبن والنبيذ وشراب شدح.

وإني أؤله روحه وجسمه في الغرب، وإني أؤله روحه وجسمه في عالم الآخرة وفي الجبانة، وإني أؤله روحه وجسمه في كل مكان سيكونان فيه مثل كل إله وكل آلهة مؤلهة للجبانة (٣٨) ومثل كل ملاك ذكرًا كان أو أنثى أو أي شيء مؤله للجبانة، وإني لن أجعل روحه يهلك بل على العكس يبقى في آباد الدهر سرمديًّا. وإني أجعله يتسلم من كل إله وإلهة ومن ملاك، ومن كل شيء مؤله في الغرب، وفي عالم الآخرة أو في الجبانة من الأشياء الطيبة التي تؤخذ، وإني أمنحه هدوء القلب، وإني آمر أن يعملوا له كل الأشياء الطيبة سواء أكانت مما يؤتى به من هدايا الناس أو مما يؤتى إليه به من تمثاله (أي قربان تمثاله)، أو مما يقدم له ليحمل إليه في الغرب، وفي عالم الآخرة وفي الجبانة، وهؤلاء قد ألهوه وقدموا له كل الأشياء الجميلة هناك (وكذلك جعلته يعمل على أن يقوموا له بما هو حسن) وأن يجعلوه يتسلم الماء والطعام وأن يتسلم الخبز، وجعلتهم يعملون ذلك «لبينوزم» خادمي.

وعملت على أن يخرج روحه (نهارًا) وعملت على أن يدخل (في القبر) كما يريد قلبه (٤٥) دون أن يمنع، وعملت على أن يطير إلى كل مكان كما يحب، وعملت على أن يهذب في كل محل على حسب رغبته، وعملت على أن يقطع كل طريق في أي وقت على حسب رغبته دون أن يقفه أحد؛ وإني أخلصه من أي شيء آخر يقال عنه معذب الروح؛ لأني لا أريد أن يسرقوا روحه بل على العكس. وإني أؤله روحه وأحمي جسمه (وإني أورد له أشياء من الحقل السماوي لأجل جسمه البشري، وإني أجعل جسمه يتمتع بحقول عديدة).

وإني أعظم روحه في الغرب، وفي عالم الآخرة، وفي الجبانة. وكل العدول الذين أراهم أؤلِّه روحهم، وأعمل على أن يتركوا ذكرًا حسنًا في الغرب، وفي عالم الآخرة، وفي الجبانة، وإني أضع حمياتي خلفهم. أما الأشقياء فإني آمر بأن يُلتهموا؛ لأن أرواحهم لم تحفظ من أعدائهم. وعلى حسب ما يفعل فإني آمر أن يتسلم العظمة في الجبانة، والسؤدد في عالم الآخرة، والعزة في الغرب باستقبال حسن وبقلب فرح، وألا يصل إليه الشر، (٥٣) وإني آمر أن تفتح أبواب التأليه في الجبانة وفي كل مكان يذهب إليه، وآمر أن يصرح له بالخروج، وآمر أن يصرح له بالدخول كما يحب، وآمر أن يعطى وثيقة إيراد من حقولهم من المكان الذي يسمى «حقول يارو» بجانبهم، وإني آمر أن تكون عظمته كعظمة الأرواح الذين أعطيتهم عظمتهم، وإني أؤلهه بنفس حالة أولئك الذين ألهتهم، وإني آمر أن ينادى روحه عند النداءات (٥٧) وإني آمر أن يتسلم وقفه. وقد جعلت روحه يعيش، وإني لا أوافق على موته، وإني رفعت روحه، ولم أعمل على أن يكون ضعيفًا، وإني ألهت روحه للأبدية السرمدية مثل كل مقرب نظرت إليه وضاعفت خبره على الأرض، ولم أسمح بأن يُنتزع بل على العكس يبقى حتى الأبدية.

يقول «آمون» ملك الآلهة وإله الخلق العظيم جدًّا: «ليت كل كلام طيب خاص بالتقديس نطق به في صالح «بينوزم» بن «إستمخب» خادمي يكون له تأثير في تأليهه، وأن يؤله روحه، ويحمي جسمه، ويعظم نفسه، ويجعله يتسلم الماء والمأكولات والخبز والبخور، ويجعله يتسلم الماء والجعة واللبن والفاكهة والنبيذ وشراب شدح، وأن يجعل روحه يخرج ويدخل على حسب رغبة قلبه دون أن يمنع، وأن يكون (الكلام الطيب) مفيدًا لتأليهه، وإني سأجعله ذا تأثير تمامًا «لبينوزم» بن «إستمخب» خادمي دون أن أترك شيئًا كما هي الحال مع الإله العظيم.»

(٦٧) وعليهم أن ينفذوا كلام الإله العظيم.

تعليق: وسنلاحظ كما سنرى بعد أن الجزء الأول من هذه الوثيقة يتألف من أنشودة للإله «آمون» خالق العالم في صورة شعرية. والسطر الأول منها منفصل، وهو عبارة عن تهليل للإله الأعلى، وباقي هذا الجزء من الوثيقة يفسر لنا لماذا كان له الحق في أن تعبده الآلهة والناس كلهم، وهذا ما سنفحصه بعد.

بعد ذلك نجد أن المتن قد قُسم مقطوعات يتألف كل منها من خمسة أبيات من الشعر، ست منها منظمة والأخرى غير منظمة.

أما متن المرسوم نفسه الذي أوردناه هنا فليس فيه أي روح شعري، بل كتب بلغة عادية نطق بها الإله «آمون» للكاهن الأكبر «بينوزم» فمنحه به الحقوق التي يجب أن تكون له في عالم الآخرة. وإذا قرنا هذا المتن بمتن الأميرة «نسخنسو» وجدنا أنه أقصر منه بكثير، ولا أدلَّ على ذلك من أن متن «نسخنسو» (انظر الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني») يتألف من ست مَوَادَّ لا تجد منها في مرسوم «بينوزم» إلا الأولى فقط موحدة والباقية مختلفة.

والإنعامات التي منحها الإله «آمون» للكاهن الأكبر «بينوزم» ليست عديدة، والواقع أنه يمكن حصرها في ثلاثة مواد؛ الأولى: أن «بينوزم» قد قُبل في عامل الآخرة على قدم المساواة مثل الآلهة الآخرين. الثانية: أنه أصبح ذا حق في كل المؤن. والثالثة: أصبحت لروحه الحرية في الذهاب إلى حيث يريد.

على أن التأليه في حد ذاته لا يضمن الأبدية؛ وذلك لأن الأرواح «كاو» تحتاج إلى أن تأكل وتشرب. ولدينا متون كثيرة نعرف منها الحالة الخطيرة التي يكون عليها سكان عالم الآخرة بدون طعام، فهم دائمًا كانوا في انتظار تسلم ما يلزم لهم من المؤن ليعيشوا منها، وهذه المؤن لم تكن متروكة تحت تصرف الأرواح، بل كانت توزع هذه المأكولات بمثابة قربان إلهي حفظ لذلك خصيصًا. وكانت تتألف من هبات الأحياء ومما تنتجه الحقول السماوية، ولكن كان يعم السرور عندما يضع الأتقياء بوساطة كلمات طيبة مؤنة جديدة تحت تصرف الآلهة، وقد كانت تقدس بِصِيغ جنازية، وتضرب الأشياء التي قدست بعصا خاصة، وعلى ذلك عندما كان الأخيار ينطقون بالصيغ الخاصة بالقربان مطالبين بما يلزمهم؛ فإنه كان يورِّد لهم ما يطلبون إذا كان موجودًا، ولكن كان يلزم قبل ذلك أن يحصل المتوفى على تصريح من ملك الآلهة، وهذا ما كان يفعله «آمون» للكاهن الأكبر «بينوزم» إذا كان يعلن أن هذا الشيء كان حسنًا له فيعطاه. ومع ذلك فإن المؤلهين إذا أظهروا شرهًا حادًّا فإنهم لا يتسلمون إلا قرباتهم الشخصية ويقنعون بالنصيب الكافي لهم، وقد عمل «آمون» كل ما يمكن عمله ليحصل على صداقة الآلهة الآخرين حتى يعاملوا «بينوزم» معاملة حسنة، ويعلنهم عند توزيع المؤمن بألا يسرقوا نصيبه.

(٣) أول ظهور أجداد اللوبيين الذين أسسوا الأسرة الثانية والعشرين

عثر «ماريت» على لوحة من الجرانيت يبلغ طولها حوالي ١٫٢٠ × ٠٫٠٥ متر في الجهة الجنوبية من المدخل الغربي «لكوم السلطان» بالعرابة المدفونة، (راجع Brugsch A. Z. (1871) p. 85) وتنسب لهذا العهد، ويقول: إنه تركها في مكانها، غير أن «فيدمان» يقول: إنه رآها بالمتحف المصري٥ ونقلها. وقد نشرها «ماريت»،٦ وقد ضاع الجزء الأعلى من هذه اللوحة، وتدل شواهد الأحوال على أن نسخة «ماريت» ناقصة وغير دقيقة.
وعلى أية حال نحصل مما بقي من هذه اللوحة على أول لمحة عن اللوبيين أجداد الأسرة العظيمة التي قامت في مصر على أنقاض أسرة «تانيس»، وهي الأسرة الثانية والعشرون، وذلك أن «شيشنق» جد «شيشنق الأول» مؤسس الأسرة الثانية والعشرين كان زعيمًا قويًّا لقبيلة «المشوش» الذين كانوا ذوي نفوذ ومكانة في مصر بعد حروب «رعمسيس الثالث»، وكان أحد أحفاده المسمى «موش» مسيطرًا في «هركلوبوليس»، وبعد خمسة أجيال من ذلك استولت الأسرة على عرش البلاد وأسست الأسرة الثانية والعشرين. وكانت هذه الأسرة تحافظ على ألقابها القديمة أو ما يقابلها بالمصرية، غير أن «شيشنق» كان قد تمصر تمامًا حتى إنه دفن ابنه «نمروت» بكل المراسيم المصرية والنقوش الجنازية الدالة على ذلك، ولكنه رأى فيما بعد أن الموظفين الذين كانوا يقومون على أداء الشعائر الدينية لم يؤدوها، واستولوا على دخل الأوقاف الخاصة بها، مما يدل على اضطراب الأحوال في البلاد فذهب إلى «طيبة»، حيث كان يمكنه محاكمة الجاني، وقد قضت المحكمة بإدانة المعتدي، ولا بد أن ذلك قد حدث في عهد الملك «أمنمأبت» أو الملك «سيآمون». وهذه القضية كان مثلها كمثل القضايا الأخرى التي من هذا النوع في هذا العصر قد فصل فيها أمام «آمون» بوساطة الوحي؛ واللوحة التي نحن بصددها الآن وهي التي قد ضاع الجزء الأول منها، يبتدئ المتن الباقي منها في وسط خطاب للإله وجهه إليه الفرعون. وفيه نجد أن الإله قد أدلى بوحي حكم فيه على الموظفين الجناة بالموت. وبعد ذلك حمل «شيشنق» تمثال ابنه إلى العرابة، حيث دُوِّنت كل أوقافه الجنازية في سجلات المعبد، وقدر ثمنها بالفضة، وبذلك قدم لنا أسسًا مفيدة لتحديد القيم القديمة للأمتعة المنوعة على حسب المقاييس الحديثة،٧ وسنورد هذا المتن فيما بعد (انظر الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني»).

والواقع أن حكم «آمون» في هذه القضية الجنائية ذو أهمية عظيمة جدًّا، وهو خاص بهذا العصر أي عصر الحكم بوساطة الوحي، ويلاحظ أن قضية الذين نُفوا إلى الواحة في عهد الكاهن الأكبر «منخبر رع»، كما ذكرنا آنفًا (انظر الكاهن الأكبر والملك «منخبر رع») وهم الذين قد عفا عنهم الإله عندما التمس ذلك الكاهن الأكبر، كانت قضية تلعب فيها السياسة دورها، ولكن قضيتنا لم تكن من هذا الصنف.

ولدينا قضية من هذا النوع حدثت في عهد «بينوزم الثاني»، خاصة ببعض الموظفين الخونة الذين حكم عليهم بالإعدام لما ارتكبوه من اختلاسات في حسابات المعبد، والنقوش الخاصة بذلك منقوشة على أحد البوَّابات الجنوبية، وهي المعروفة ببوَّابة «حور محب»،٨ وقد سجل معها براءة مدير بيت عظيم وكاهن يدعى «تحتمس»، وقد ظهر في هذا النقش بوضوح «تحتمس» هذا هو مدونها. وسنتحدث عن هذه الوثيقة قبل أن نثبت ترجمة لوحة المشوش السالفة الذكر، وذلك إظهارًا لوجه الشبه في المقاضاة وقتئذ.

(٣-١) النقوش التاريخية الخاصة بالفرعون والكاهن «بينوزم الثاني»

Inscription Historique de Pinodjem III, Grand Pretre d’Amon a Thebes, Edward Naville Paris (1883).

وهذه النقوش تحتوي على معلومات عظيمة قيمة، غير أنها بكل أسف مهشمة بدرجة كبيرة، وعلى الرغم من هذا التهشيم، فإنه في استطاعتنا أن نستخلص منها فكرة عامة عن موقف الوحي والدور الذي كان يلعبه في هذه الفترة من تاريخ البلاد. ويلاحظ أن النقوش الهيروغليفية التي على جدران هذه البوَّابة صغيرة ولم يبقَ منها شيء سليم من وسط الأسطر.

يشاهد في الجهة اليسرى حيث يبتدئ النقش صورة تمثل عبدًا عظيمًا، وقد مثل ثالوث «طيبة»: «آمون» و«موت» و«خنسو» سائرين بفخار محمولين في سفنهم المقدسة. أما الذين كانوا يحملون هذه السفن على أكتفاهم فهم الكهنة، وبخاصة هؤلاء الذين يحملون لقب خادم الإله (حم)، ونعلم من المنظر الذي نحن بصدده، ومن المناظر الأخرى التي من هذا العصر أن كل كاهن يمثل مكانته الخاصة على حسب درجته في حمل هذه السفن. فكان أعظم الكهنة مكانة يمثل في المقدمة، ثم يأتي الآخرون من الكهنة خلفهم. وقد كانت هناك شعائر دينية معينة متبعة بدقة لتنظيم الموكب، فيشاهد في هذا المنظر الذي نتحدث عنه أمام سفينة «آمون» كاهن يحرق البخور، ويسير خلفه رجل آخر يحمل شيئًا يشبه لوحة منقوشة لتوضع أمام الإله، ويأتي خلف سفينة «آمون» في صفين الواحد فوق الآخر سفينتان: إحداهما للإله «آمون»، والأخرى لابنه الإله «خنسو»، ويحمل كلًّا منهما كذلك كهنة. ويوجد في كل سفينة محراب كان فيه بلا شك تمثال الإله. وسفن هذا الثالوث متشابهة ويتبع كلًّا منها حاملو المراوح. وقد كان لكل سفينة من الثلاث علامة مميزة؛ فكان يزين نهايتي كل منها صورة رأس الإله الخاصة به، وكانت سفينة «آمون» تميز برأس كبش يرتدي قرص الشمس، ويميز سفينة «خنسو» رأس صقر عليه قرص الشمس، أما الإلهة «موت» فكان يميز سفينتها رأس بشري يرتدي التاج المزدوج لمصر.

ويلاحظ في المنظر أنه كان يقدم للإلهة «موت» وكذلك الإله «خنسو» عطورًا، كما كان يقدم للإله «آمون». وهاك ترجمة النقوش الصغيرة التي تتبع هذه السفن الثلاث.

«الحفل المقدس لهذه الإلهة المبجلة، «موت» العظيمة سيدة «إشرو» بنت «رع» الشبيهة بقرصه، الملكة المحسنة في سفينتها (المسماة) «نتربح».»

الحفل المقدس «لخنسو نفرحتب» صاحب «طيبة»، سيد الفرح، ورب الصدق الذي يسكن فيها، وهو الذي يسهر على الآلهة الذين يوجدون فيها، والسيد المحسن القاطن في السفينة «نتربح».

ترجمة النقش الذي أمام الإله «آمون»:  

(السطر الأول) … في هذا اليوم في بيت «آمون رع» ملك الآلهة، الشهر الأول واليوم السادس من ظهور هذا الإله.

(السطر ٢) المحترم، سيد الآلهة «آمون رع» ملك الآلهة، و«موت» العظيمة سيدة «إشرو» و«خنسو».

(سطر ٣) «نفرحتب» على «الأرضية المفضضة» لبيت «آمون»، وعندئذ ذهب الكاهن الأول «لآمون رع».

(سطر ٤) ملك الآلهة والقائد الأعلى، الأمير «بينوزم» بن «منخبر رع» لأجل أن يعالج شئون.

(سطر ٥) هذا المكان في حضرة هذا الإله العظيم. وكان قد انقضى شهران وستة أيام … هذا الإله العظيم.

(سطر ٦) الذي يمقت كل قبيح لم يكن قد ظهر في محرابه في عيد «إبت» (أي عيد الأقصر) منذ زمن.

(سطر ٧) قديم؛ وذلك لأن الإله العظيم كان قد عين الكتَّاب.

(سطر ٨) والمراقبين والملاحظين الذين كانوا قد ارتكبوا.

(سطر ٩) أعمال اختلاس في مسكن (معبد) مدينته.

(سطر ١٠) وقد عاقب الإله الكتاب.

(سطر ١١) والمراقبين بسبب أعمال.

(سطر ١٢) اختلاس قد ارتكبوها، عندما ظهر الإله العظيم على «الأرضية المفضضة» لبيت «آمون» في وقت الصباح، وعندئذ ذهب «بينوزم» الكاهن الأول «لآمون» ملك الآلهة.

(سطر ١٣) أمام الإله العظيم — وقد عمل الإله إشارة استحسان عظيمة — ووضع مكتوبين أمام الإله العظيم، وأُخذ هذان المكتوبان.

(سطر ١٤) قال: يا «آمون رع» ملك الآلهة، يا سيدي الطيب. يقال: إنه توجد اختلاسات ارتكبها «تحتمس» بن «سوعع آمون».

(سطر ١٥) «مدير البيت». والكتاب الآخر قال: يا «آمون رع» ملك الآلهة، يا سيدي الطيب. يقال: إنه لا توجد.

(سطر ١٦) اختلاسات ارتكبها «تحتمس» ابن «سوعع آمون مدير البيت». وقد ظهر من جديد الكاهن الأول «لآمون رع» ملك الآلهة «بينوزم» قائلًا:

(سطر ١٧) يا سيدي الطيب، إنك تميز … إنك أحسن من أي شيء ممتاز، وعمل الإله العظيم إشارة استحسان كبيرة.

(سطر ١٨) ونشر المكتوبين أمام الإله … فأخذ الإله العظيم أحد المكتوبين وهو الذي قيل فيه: يا «آمون رع» يا ملك الآلهة.

(سطر ١٩) يا سيدي الطيب. لقد قيل إنه ليس هناك اختلاسات ارتكبها «تحتمس» بن «سوعع آمون» مدير البيت، الإله العظيم.

(سطر ٢٠) … يا سيدي الطيب، لقد قيل إنه توجد اختلاسات ارتكبها …

(سطر ٢١) … نحو الإله العظيم، لأجل عرض هذين المكتوبين للمرة الثانية أمام الإله العظيم. فأخذ.

(سطر ٢٢) … وقد علم أنه حقيقة لا توجد اختلاسات ارتكبها.

(سطر ٢٣) … مدير البيت «تحتمس» بن «سوعع آمون» أمام الإله العظيم.

(سطر ٢٤) … الكاهن والد الإله «لآمون»، حارس حسابات مخازن القربان والكاتب الإداري.

(سطر ٢٥) لبيت «آمون»، ومدير البيت المكلف بالمخازن «تحتمس».

(سطر ٢٦) … في حضرتك، وهاك … الإله العظيم.

ومما يؤسف له جد الأسف أن نجد نهاية النقش مهشم بهذه الكيفية، وعلى ذلك لا يمكننا أن نعرف على وجه التأكيد ماذا فعل الإله الذي وُضع أمامه هذان المكتوبان اللذان أحدهما يتهم «تحتمس»، والآخر على العكس ينفي عنه التهمة. ومع ذلك يمكننا أن نستنبط من الكلمات القليلة التي بقيت لنا أن المكتوب الثاني هو الذي قبله الإله، وعلى ذلك أعلنت براءة «تحتمس». وسنرى بعد من الأسطر الأفقية من هذا المتن التي ستأتي بعد أنها تحتوي على نوع من الاختلاس اتهم به، وهو اتهام إذا ثبت يؤدِّي إلى عقاب الموت. ومما يؤسف له أن النقش المؤلف من الثمانية عشر سطرًا التي سنترجمها وجد كذلك في حالة سيئة كالأسطر السابقة، ولكن نجد في مقابل ذلك أن تكرار نفس العبارات كثيرًا مما يسهل ملء بعض الفجوات لتشابهها، وبذلك أمكن فهم المتن بعض الشيء:
(السطر الأول) (قيل بوساطة) الكاهن والد الإله مدير البيت «تحتمس» في حضرة الإله العظيم: إن الاستردادات التي يطلبها «آمون» هي ويبات من الحبوب كان يشملها مخزن غلال «آمون» وهي التي كالها الكيالون.٩ وقد عمل الإله العظيم علامة استحسان … وحساب ويبات من القمح الذي أمرت بعمله وقد أنجز. وعمل الإله العظيم علامة استحسان. قيل بواسطة الكاهن والد الإله «لآمون» ومدير البيت «تحتمس» في حضرة الإله العظيم، أما عن حساب ضرائب القربان المقدسة «لآمون»، فإن ما قد قرر لم يختلسه أحد أمامه (؟) (أي أمام الإله). وعمل الإله العظيم علامة استحسان، وقد ظهر من جديد الكاهن الأول «لآمون» ملك الإله «بينوزم» أمام الإله العظيم (قائلًا):

(سطر ٢) يا سيدي الطيب، إن الناس فرحون وأنت تبتهج؛ لأنك تميز … بكلامك؛ وعمل الإله العظيم علامة قبول. قال الكاهن والد الإله «لآمون»، مدير البيت «تحتمس» في حضرة الإله العظيم … وعمل الإله العظيم علامة قبول. قيل بواسطة الكاهن والد الإله «لآمون» … الاستردادات (الاختلاسات) التي طلبها «آمون» … «لآمون» الكاهن «تحتمس» في حضرة الإله العظيم الحسابات الخاصة ﺑ (؟) … التي لم يزوِّرها (؟) قط المراقب الذي عمل (؟) … وهذا ما ينبغي «لآمون» أن يطلب استرداده؛ وعمل الإله العظيم علامة قبول. وهكذا تكلم «آمون رع» ملك الآلهة وهو الإله العظيم الذي يوجد قبل كل شيء. اجعله يضعها.

(سطر ٣) في بيت «آمون رع» ملك الآلهة على حسب تصميمه الحسن (وقد ظهر من جديد الكاهن الأكبر «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا): يا سيدي الطيب؛ هل هناك استردادات أخرى تطلب من «تحتمس» بن «سوعع آمون» مدير البيت … «آمون» يميز خلافًا لبيت «آمون»، اجعل قرباتي تحمل. وقد عمل الإله العظيم علامة قبول (وقد ظهر من جديد الكاهن الأكبر «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا): يا سيدي الطيب؛ هل هناك استردادات أخرى تطلب من «تحتمس» بن «سوعع آمون» مدير البيت. فعمل الإله العظيم علامة قبول. قيل بوساطة الكاهن والد الإله «لآمون» … في حضرة الإله العظيم حساب القربان المقدسة التي عملت …

(سطر ٤) … التي توجد خارج مخزن غلال بيت «آمون»، المراقب … في مكانه، وقد عمل الإله العظيم علامة قبول. قيل بوساطة الكاهن والد الإله «لآمون» مدير البيت «تحتمس» في حضرة الإله العظيم: حسابات … اجعلها تحمل … في حضرة «آمون رع». قبل أن كانت قد أُعطيت للخدم والخادمات، وقد عمل الإله العظيم علامة قبول. وقد ظهر من جديد أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، هل هناك استردادات أخرى تطلب من «تحتمس» مدير البيت، فعمل الإله العظيم علامة قبول. قيل بوساطة الكاهن والد الإله «لآمون» مدير البيت «تحتمس» في حضرة الإله العظيم؛ حسابات القربان المقدسة التي …

(سطر ٥) … لمخزن غلال «آمون» على حسب تصميمك من جهة العدالة. وقد عمل الإله العظيم علامة قبول … (وظهر الكاهن الأعظم) أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، هل هناك استردادات أخرى تطلب من «تحتمس» بن «سوعع آمون» مدير البيت … «تحتمس» … فعمل الإله العظيم علامة قبول. وقد ظهر من جديد «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب؛ فليوضع أمام «تحتمس» بن «سوعع آمون» مدير البيت … كل ما قال «آمون» بإنجازه سينقش على حجر … فعمل الإله العظيم علامة قبول. وهكذا يتكلم «آمون رع» ملك الآلهة والإله العظيم والقوي.

(سطر ٦) … وعندما وجه الإله العظيم إلى مسكنه وقعد على عرشه العالي الموضوع على «الرقعة الفضية» لبيت «آمون» قال: اعملوا … مدير بيت «آمون» ورئيس حراس حسابات … الحفل المقدس … سيد الآلهة «آمون رع» ملك الآلهة والإله العظيم الذي يوجد قبل كل شيء على «الرقعة الفضية» لبيت «آمون» في سفينة «نتربح» … الرئيس والكاهن الأكبر «لآمون» «بينوزم» بن «منخبر رع».

(سطر ٧) … لبيت «آمون» … وقد ظهر من جديد الكاهن الأول «لآمون» ملك الآلهة «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، من جديد … في حضرتك، أعمل … الأرض، وإني … يا سيدي الطيب في بيت … كلام كل الخدم الذين كانوا هناك. اعمل يا «آمون» يا سيدي الطيب أن … اليوم … لي للخدم وإلى …

(سطر ٨) الكاهن الأول … على عرشه الرفيع الموضوع على الرقعة الفضية لبيت «آمون». السنة الثانية، اليوم الثاني من شهر … في هذا اليوم في بيت «آمون» … الحفل المقدس للإله المحترم والمحبوب كثيرًا، «آمون رع» ملك الآلهة و«موت» العظيمة … من فصل الفيضان الحفل المقدس … الكاهن الأول «لآمون رع» ملك «يبنوزم» بن الكاهن الأول «لآمون» «منخبر رع» … الإله العظيم الحفل المقدس … طيب في هذا اليوم … مقر الكاهنة الإلهية التي تجلس على عرشها الرفيع، وعندئذ ظهر الإله العظيم … الخادمة، ومن جديد الكتاب والمراقبون والمشرفون …

(سطر ٩) … الكاهن الأول «لآمون» في حضرة الإله العظيم. قيل بوساطة الكاهن الأول … والإله العظيم ثاوٍ على الرقعة الفضية لبيت «آمون»، وعندئذ أتى الكاهن الأول «لآمون» «بينوزم» في حضرة … في حضرة «آمون رع» ملك الآلهة أول المخلوقات، وقد وقف نفسه … في حضرة الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، إن الكتاب الذي في يدى، «آمون رع» … قال، إني آخذ الكتاب … فعمل الإله علامة استحسان كبيرة.

(سطر ١٠) … «آمون رع» … الإله … في اليوم … الكتاب، وأخذه … في حضرة «آمون رع» ملك الآلهة، في السنة الثانية في شهر كيهك … كلام «تحتمس» … الإله من جديد … نجى، فعمل الإله العظيم علامة قبول. وقد اقترب من جديد من الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، إنك …

(سطر ١١) عمل إشارة قبول كبيرة … وتقدم في حضرة … ليت «آمون رع» ملك الآلهة، يقول: إن «تحتمس» خادمي قد وجد عفوًا في حضرتي؛ ليت «آمون رع» يعمل على أن ينال خادمه عفوًا … الإله العظيم من جديد تقدم في حضرة الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب … مدن، وجعله يردُّها بوساطة مصادرة ممتلكاته، وجعله يدفع كل غرامة لكل … «لآمون» و«موت» و«خنسو». وقد عمل الإله العظيم إشارة قبول عظيمة. وعندما استأنف الإله العظيم «سيره» …

(سطر ١٢) السنة الثالثة، اليوم الثاني عشر من شهر بشنس، آوى «آمون» … الحفل المقدس لهذا الإله المبجل، سيد الآلهة، «آمون رع» ملك الآلهة «موت» أو «خنسو» آووا في المحراب العظيم الفاخر «لآمون» (؟) بأمر الكاهن الأول … في حضرة الإله العظيم، وقد مثل من جديد الكاهن الأول «لآمون» «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب … الكتابان … من فمك، السنة … وستكتب وستقول: إنه وجد عفوًا أمامي، أنا «آمون» ملك الآلهة، وإني سآخذهم في … ومن جديد خاطب الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب: انظر، إن «آمون» ملك الآلهة وأول المخلوقات يقول: إني أتسلم كتابي «تحتمس» … خادمك.

(سطر ١٣) قد وجد عفوًا أمامك. وقد عمل الإله العظيم إشارة قبول … قائلًا: يا سيدي الطيب، هب أن ينال عفوًا من (غضبك؟) هب أن ينال عفوًا من الموت بالسيف، هب أنا ينال عفوًا من كل الأشياء الممقوتة ومن كل غرامة «لآمون». وقد عمل الإله العظيم إشارة قبول. وقد مثل من جديد أمام الإله العظيم قائلًا: إنك إذ جعلت «تحتمس» يموت … إنك توطد … وقد منحه عفوًا من الموت بالسيف، ومنحه عفوًا من كل عمل تعسفي، ومنحه عفوًا بألا يتخذ بوصفه … (؟) ومنحه عفوًا من كل … في مسكن الأشقياء، وقد منحه عفوًا من مصادرة كل ممتلكاته، ومنحه عفوًا من كل غرامة «لآمون» و«موت» و«خنسو». وقد عمل الإله العظيم الذي يقعد على عرشه الرفيع في بيت «آمون» إشارة قبول. في السنة الخامسة شهر بئونة في معبد «آمون» اليوم التاسع، أقيم الحفل المقدس للإله.

(سطر ١٤) المبجل أمير الآلهة، «آمون رع» ملك الآلهة، و«موت» و«خنسو» … جميل جدًّا، سيد «إبت» الذي عمله «رع» للمرة الأولى. مثل الكاهن الأول «لآمون»، «بينوزم» بن «منخبر رع» أمام الإله العظيم، وعمل الإله العظيم إشارة قبول وتقدم أمامه ووقف … في هذا اليوم قاعدًا على … في «إبت الجنوب» (الكرنك) … على عرشه الرفيع في الكرنك، وقد ظهر في سفينة «نتربح»؛ وذهب الكاهن الأول «لآمون» «بينوزم» بن «منخبر رع» … وقد مثل من جديد الكاهن «لآمون» «بينوزم» أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، إن «تحتمس» بن «سوعع آمون» قد أتى في سلام أمامك … وقد أحيطت الرقعة … (؟)

(سطر ١٥) إنك ستمكنه في وظيفة الكاهن والد الإله «لآمون» مدير البيت، ورئيس مخازن الغلال، وكاتب حسابات معبد «آمون»، والحارس الأول لكتب مخازن الغلال، والمراقب الأول للكاهن الأول «لآمون» في مكان والده «سوعع آمون» بن «نسآمون». وقد عمل الإله العظيم علامة استحسان، وقد مثل من جديد (بينوزم) الإله العظيم قائلًا: إن «منخبر رع» خادمك قد قال: إن «تحتمس» … لمعبد «آمون» مدير البيت، ورئيس مخازن الغلال، والكاتب، وصراف اﻟ … قال: إنه وجده رجلًا صادق القول، وإن كل الحسابين.

(سطر ١٦) وهم «بامسحمو» … ابن «ست … آ …» قد قالوا: إني أطلب من «آمون» وظيفة مدير البيت، ورئيس مخازن الغلال، وحاسب معبد «آمون»، والحارس الأول لدفاتر مخازن الغلال، والمراقب الأول للكاهن الأول «لآمون». ليت «تحتمس» بن «سوعع آمون» يمكن في هذه الوظيفة، وأنه عندما يرجو «آمون»، فليت «آمون رع» ملك الآلهة، الإله العظيم الذي يوجد قبل كل الأشياء ينشر … «تحتمس» بن «سوعع آمون» … صراف معبد «آمون»، والحارس الأول لدفاتر مخازن غلال معبد «آمون»، والمراقب الأول للكاهن الأول «لآمون»؛ وقد عمل الإله العظيم علامة قبول. وقد مثل من جديد أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، ليت «آمون رع» ملك الآلهة، الإله العظيم الذي يوجد قبل كل الأشياء يمكن «تحتمس» بن «سوعع آمون» في وظيفته بوصفه الكاهن والد الإله «لآمون»، ومدير البيت، ورئيس مخازن الغلال، وكاتب.

(سطر ١٧) الحسابات لمعبد «آمون»، والحارس الأول لدفاتر مخازن الغلال، والمراقب الأول للكاهن الأول «لآمون»، ليعمل على أن يجد «تحتمس» بن «سوعع آمون» عفوًا أمام «آمون رع» ملك الآلهة على شرط ألا يرتكب اختلاسات في مسكن مدينتك، وما عمله تحتمس … فعمل الإله العظيم إشارة قبول. وقد تقدم من جديد في حضرة الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، إذا طلب منك رجل ما، أو أي شخص ما إلى «آمون» وظيفة الكاهن والد الإله «لآمون»، ومدير البيت … وصراف معبد «آمون» والمراقب الأول للكاهن الأكبر «لآمون» التي أعطاها «آمون» «لتحتمس» … «تحتمس»، فليت «آمون رع» ملك الآلهة، والإله العظيم الذي وجد قبل كل الأشياء لا يقيم لذلك وزنًا … ويمكن بنفسه «تحتمس» بن «سوعع آمون» في وظيفته بوصفه الكاهن والد الإله «لآمون»، ومدير البيت رئيس مخازن الغلال، وصراف معبد «آمون»، والحارس الأول.

(سطر ١٨) لدفاتر مخزن الغلال لمعبد «آمون»، والمراقب الأول للكاهن الأكبر «لآمون»، وعلى ذلك أومأ الإله الكبير إيماءة قبول، وتقدم من جديد أمام الإله العظيم قائلًا: يا سيدي الطيب، إذا قال رجل أو شخص ما «لتحتمس» بن «سوعع آمون» … وظيفة … الكاهن والد الإله «لآمون رع» … الكاهن الأكبر «لآمون رع» … «آمون رع» ملك الآلهة، الإله العظيم الذي يوجد قبل كل الأشياء ليجعلوه يقترب، فإنه هو قد مكن «تحتمس» بن «سوعع آمون» في وظيفة … وصراف معبد «آمون» … جالسًا على عرشه الرفيع في معبد «آمون» بالكرنك.

تعليق: هذا هو ما تبقى من نقوش الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني»، ويمكن أن نفهم منه ما كانت عليه الوثائق الرسمية في مصر القديمة من طول وتكرار. والواقع أننا لم نصادف وثيقة في اللغة المصرية بمثل هذا الإسهاب والتطويل في موضوع كان يمكن التعبير عنه في عبارة قصيرة، ولعل السبب في ذلك أن الكاهن تحتمس كان يقصد بذلك تفهيم زوَّار المعبد الموقف براءته تمامًا.

والوثيقة على حسب ما نفهم مما تبقى لنا منها تعبر عن عفو منحه الإله «آمون» لكاهن يلقب والد الإله، ويدعى «تحتمس»، وهو على ما نفهمه من ألقابه كان تابعًا لإدارة حسابات المعبد، وقد كان ضمن أفراد آخرين اتُّهموا باختلاسات من متاع الإله نفسه، وهو كما قلنا لم يكن وحده، بل كان له شركاء من كبار الموظفين الذين انصب عليهم غضب الإله وسخطه وحكم عليهم.

والنقش ينقسم عدة حوادث وقعت في فترات متتابعة، وكان لكل حادثة على ما يظهر تاريخ معين شاء سوء الحظ أن نجده قد هُشم في النقش الأصلي. والحادث الأول هو المنظر الذي على المدخل الذي وصفناه، وقد ذكر في الأسطر العمودية التي ترجمناها فيما سبق، وقد حدث في عيد «إبت» أي عيد «آمون» بالأقصر عندما ظهر الإله في بقعة مقدسة، وهي التي تسمى «الرقعة الفضية» بالمعبد، وفي هذه اللحظة يمثل الكاهن الأكبر «بينوزم» أمام الإله «آمون» ويضع أمامه وثيقتين: إحداهما تحتوي على اتهام «تحتمس» في حين أن الأخرى تبرئه. وإنه لمن السهل أن نفهم أن الإله بحكمته ينتخب الوثيقة التي تعلن براءة «تحتمس»، وتقرر أنه بعيد عن كل مظنة (وهذا أمر طبعي؛ لأن كاتب النقش هو «تحتمس» نفسه) والحادث الثاني يشتمل على الأسطر الخمسة الأول من النقش الأفقي، إذ يظهر «تحتمس» أمام «آمون»، ويبرئ نفسه من التهم الرئيسية التي وجهت إليه. وتدل شواهد الأحوال على أن هذه التهم كانت اختلاسات قيل إنه ارتكبها؛ وذلك لأننا نقرأ في النقش مرات عدة عن حسابات قربان. ولما كانت هذه الحسابات والديون عبارة عن ضرائب فإنه قد وقع فيها بعض اختلاسات، وقد دافع «تحتمس» عن براءته منها أحيانًا بقوله «لآمون»: إن ما أمر به قد فعل، وأحيانًا بإلصاق التهمة على الكيالين أو على المراقب، ولا بد أنه كان يوجد لهذين الحادثين تاريخ، ويحتمل جدًّا أنه كان في السطر الأول من النقش العمودي. ولا يمكن أن يكون هذا التاريخ إلا السنة الثانية.

والحادثة الثالثة تشتمل على الأسطر من السادس إلى العاشر، ولكن مما يؤسف له جدَّ الأسف أنه من الصعب جدًّا أن نكوِّن عنها فكرة تقريبية. وهذا هو الجزء من المتن الذي قد مزق أكثر من غيره. وما نفهمه منه هو أنه يتحدث عن خدم المعبد والكاهنة التي تلقب «المتعبدة الإلهية» ويحتمل أنها كانت قد دُعيت لتأدية شهادة. وقد حدث ذلك في السنة الثانية في شهر من أشهر فصل الفيضان.

ونعود الآن بعد ذلك للوثيقتين اللتين قُدمتا للإله «آمون» في المنظر الأول، ولما كنا نجد هنا تاريخ السنة الثانية شهر كيهك وهو تاريخ سابق للحادثة السالفة، فإنه من الجائز أن توجد هناك إشارة إلى ما كان قد حدث في البداية، وأن هذا التاريخ هو الذي نجده ناقصًا في بداية النقش. ولم يكن كافيًا أن تعلن براءة «تحتمس»، بل كان لا بد أن يعلن الإله «آمون» ذلك بخاصة، وأن يجعل ذلك الإعلان يكتب على لوحة تذكارية موضحًا فيها أنه كان بعيدًا عن كل النتائج التي تؤثر على شخصه أو على أملاكه. وتدل ظواهر الأحوال على أن المقصود من هذا النقش أن يمحي «تحتمس» عن نفسه كل عار كان قد بقي من التهمة التي لحقت به سابقًا، وكان من الممكن أن تعوقه عن الترقية إلى الوظائف التي كان قد وعده «بينوزم» بالترقية إليها.

وأخيرًا في السنة الخامسة، اليوم التاسع من شهر بئونة، قُلد «تحتمس» بمناسبة أعياد كبيرة «لآمون» وظائف هامة في إدارة المعبد، فقد أصبح تحت إشراف الكاهن الأكبر، ولكنه فوق ذلك أصبح مدير حساباته الأول، وكلف بكل ما يخص مخازن الغلال. وبذلك نرى أنه عفا عنه عفوًا تامًّا. فنرى أن «تحتمس» لن يُوقع عليه أي عقاب، بل إن الإله نفسه اتخذ منه موظفًا من أهم موظفيه، ووعده أن يبقيه في كل وظائفه إذا حدث أن قام منافسون له يزاحمونه فيها.

ومما لا جدال فيه أن المعابد والمقابر في هذا الوقت لم تكن في مأمن من أيدي الموظفين العابثين، حتى الذين يشغلون منهم وظائف عالية، ويمكننا أن نحكم على ذلك من النقشين اللذين تحدثنا عنهما سالفًا، وأعني بذلك اللوحة التي تحدثنا عن أول ظهور اللوبيين، وهي التي سنورد ترجمتها فيما بعد، ونقوش «تحتمس» التي نحن بصددها الآن. ومن ثم نفهم السبب الذي من أجله خبأ ملوك الأسرة الواحدة والعشرين موميات الفراعنة الغالية في خبيئة الدير البحري. ولا غرابة في ذلك إذ إن تدهور السلطة في أيدي ملوك الأسرة الواحدة والعشرين الضعفاء، وكذلك الاغتصابات التي كان يقوم بها بعض الكهنة العظام، ويحتمل كذلك بعد الكثير من ملوك هذه الأسرة الذين اتخذوا «تانيس» عاصمة لملكهم. كل هذه الأشياء كان من نتائجها أن أصبح سهل «طيبة» والمعابد والجبانات مأوى للناهبين واللصوص من كل الطبقات، والواقع أن اللصوص لم يقتصروا على سلب المقابر الملكية كما فصلنا القول في ذلك سابقًا، بل نجد أن الكهنة أمثال «تحتمس» وشركائه استولوا على ممتلكات المعبد ودخلها؛ ولذلك نجد في نقوش مثل نقش الملكة «ماعت كارع» أو نقش الأميرة «إستمخب» أن أهميته تنحصر في مسائل الملكية، وكذلك في أي عقاب صارم يقع على كل من كان يجسر على سلب شيء منها، وسنرى فيما بعد كيف أن ملك أثيوبيا «بيعنخي» قد قام بفتح مصر، وأنه كان يهتم في كل جهات القطر التي مر بها بفحص أحوال مخازن غلال المعابد. كل هذه الأحوال تدل على أن الأمور في البلاد كانت غير مستقرَّة، وأن الثورة كانت على الأبواب، وأن السبب في ذلك كان يرجع إلى أسباب سياسية قوتها المنافسات التي كانت قائمة في البلاد، وهي التي انتهت بنزع الحكم من يد الرعامسة وتولي حكم «تانيس» عرش الملك.

والآن يتساءل المرء: هل يحق لنا أن نعد الأحداث الثلاثة التي تحدثنا عنها فيما سبق، وهي غضب «آمون» على المنفيين الذين تدخل «منخبر رع» في أمرهم وطلب لهم العفو، ونهب دخل قبر «نمروت»، ثم ذكر الجرائم التي ارتكبها شركاء «تحتمس» في زمن قديم، بأنها تنسب إلى حقيقة واحدة بعينها. والواقع أن كل ظواهر الأحوال تدل على ذلك؛ لأنه لا بد أنه كانت توجد في هذا العهد أزمة سياسية قد تركت آثارها وذكرياتها مدة عهد طويل، فالمنفيون الذين توسط «منخبر رع» لصالحهم أمام الإله «آمون»، عندما بدأ يأخذ مقاليد وظيفته بوصفه الكاهن الأكبر «لآمون» في «طيبة» لم يكونوا من الدخلاء، وكذلك الحال مع «تحتمس» هذا الكاهن الذي حكم عليه بالإعدام ولم يحصل لنفسه على العفو إلا بعد أن تقدم «بينوزم» للإله الأعظم «آمون» ثلاث مرات مستعطفًا إياه. وعلى أية حال لماذا دُوِّنت هذه النقوش الكبيرة وأقيمت هذه الآثار التذكارية إذا لم تكن هناك جرائم فاضحة وأمور قضائية، كما كان ينبغي أن يحدث كل يوم؟ والظاهر أنه كان هناك حرب بين حزبين يتنازعان السلطة في البلاد وسينتهي الأمر كما سنرى بعد بينهم بالصلح بعد أن تغلب أحدهما على الآخر ونفاه. وسنرى فيما بعد — في الواقع — أن حكم البلاد قد انتقل إلى طائفة اللوبيين (المشوش) الذين كانوا قد استوطنوا البلاد منذ زمن بعيد، بوصفهم جنودًا مرتزقة وموظفين في مختلف مصالح البلاد.

والواقع أن «آمون» كان هو القاضي في هذه الفترة من تاريخ البلاد كما يرى القارئ من المثل الذي ضربناه الآن وغيره مما ذكرنا آنفًا، وكان يفصل في كل الأمور، حتى في الوصايا ونقل الملكيات الخاصة بأقارب الكهنة العظام بوساطة الوحي، والمراسيم التي يصدرها «آمون». ولا نزاع في أن مسائل الحكم بالوحي والمراسيم الأهلية قد احتلت جزءًا في وثائق هذا العصر، وقد ذكرنا بعضها وسنذكر الباقي في مناسبته. ولا نرى الآن بعد كل ذلك غرابة إذن في أن قضية «شيشنق» اللوبي قد قدمها الفرعون أمام «آمون». وهاك ما تبقى منها:
  • نص لوحة اللوبيين: «… العظيم، رئيس الرؤساء «شيشنق» المنتصر، ابنه في المكان الفاخر بوساطة والده «أوزير» حتى يمكنه أن يضع جماله ليستريح في مدينة «العرابة» قابلة … وإنك ستجعله يبقى ليصل إلى سن الشيخوخة في حين أن قلبه (٢) … وإنك ستجعله ينضم إلى أعياد جلالته متقبلًا انتصارًا تامًّا.» وقد هز هذا الإله العظيم رأسه بعنف.
  • «آمون» يدين اللصوص: وبعد ذلك تكلم ثانية، جلالته أمام هذا الإله العظيم: «يا سيدي الطيب، إنك ستذبح اﻟ … (٣) (ضابط حربي) والمدير، والكاتب، والمراقب، وكل فرد كان قد أرسل في أي مهمة إلى الحفل من هؤلاء الذين سرقوا أشياءه من مائدة قربان «أوزير» عظيم «مي» (المشوش) «نمروت» المنتصر ابن «محت نوسخت» الذي في «العرابة» (٤) وكل الناس١٠ الذين نهبوا قربانه المقدسة، وأهله، وماشيته، وحديقته، وكل قربة، وكل أشيائه الممتازة. وإنك ستعمل على حسب روحك العظيمة في كل ذلك، فاملأها واملأ عدد النساء، وأطفالهم.» فهز الإله العظيم رأسه بشدة.
  • الصلاة النهائية «لآمون»: وقد قبَّل جلالته الأرض أمامه، وقال جلالته: اجعل «شيشنق» المنتصر يظفر رئيس «مي» العظيم، ورئيس الرؤساء العظيم … وكل من أمامك (٦) وكل الجنود … (وقال له) «آمون رع» ملك الآلهة … سأفعل … لك، وإنك ستبلغ سن الشيخوخة عائشًا على الأرض، وسيكون وارثك على عرشك أبديًّا.
  • تمثال «نمروت» يرسل إلى «العرابة»: وأرسل جلالته تمثال «أوزير» رئيس «مي» العظيم، ورئيس الرؤساء العظيم «نمروت» المنتصر نحو الشمال إلى «العرابة» وكان … جيشًا عظيمًا ليحميه ومعه سفن عديدة … يخطئها العدُّ، وكذلك رُسُل رئيس «مي» العظيم ليضعوه في المكان الفاخر، وهو محراب العين اليمنى للشمس لتعمل قربانه الخاصة بالعرابة على حسب الشروط الخاصة بعمل قربانه، والبخور … في قاعة الشكاوى.
  • سجلات الوقف: وقد سجل مرسومه في قاعة الكتابات (سجل المعبد) على حسب ما قاله سيد الآلهة (آمون)، وقد نُصبت له لوحة من جرانيت «إلفنتين» (أسوان) وعليها المرسوم باسمه لتوضع في المحراب المقدس حتى نهاية الأبدية السرمدية. وبعد ذلك أسست مائدة قربان «لأوزير» رئيس «مي» العظيم «نمروت» المنتصر ابن «محت نوسخت» القاطن في «العرابة».
  • رجال الوقف: وقد أحضر هناك الناس اﻟ … تابعين رئيس «مي» العظيم الذين أتوا مع التمثال خادم سوري يدعى «إخ آمون» … وسوري يدعى «إكبتاح»، وكان ثمن الأول أربعة عشر دبنًا من الفضة، وقد أعطى جلالته عشرين دبنًا من الفضة (ثمنًا) للثاني، فيكون المجموع خمسة وثلاثين دبنًا من الفضة (وهذا هو ثمن العبدان).
  • أراضي الوقف: وما دفع ثمنًا لخمسين أرورا من الأرض التي في الإقليم العالي جنوبي «العرابة» المسمى «أبدية المملكة»: خمسة دبنات من الفضة.

    والذي في … التابعة للبركة التي في «العرابة» خمسون أرورا من الأرض. ويبلغ ثمنها خمسه دبنات من الفضة.

    مجموع أراضي المواطنين … مكانان وهما: الإقليم العالي جنوبي «العرابة» والإقليم العالي (١٣) شمالي «العرابة»: مائة أرورا، ويبلغ ثمنها عشرة دبنات من الفضة.

  • قائمة الرجال: عبده المسمى «بور» بن … عبده «إبك»؛ وعبده «بوبن-آمن-خع»، وعبده «ناي-شنو-مح» = (الشجر المملوء) وعبده «دنا»؛ مجموع العبيد: ستة، ويبلغ الثمن ثلاث دبنات وقدت واحدًا من الفضة، والكل ١٨ دبنًا وستة قدات من الفضة.
  • الأطفال: الطفل الخاص … ابن «حورسا إسي» المنتصر يبلغ ثمنه قدت من الفضة.
  • الحديقة: الحديقة التي في الإقليم العالي (شمالي) العرابة يبلغ ثمنها دبنان من الفضة.
  • البستانيون: البستاني «حور موسى» المنتصر ابن «بن» يبلغ (ثمنه) … قدت من الفضة؛ وبني — المنتصر … حار نبي-ر — المنتصر وثمنه قدت من الفضة.
  • الرجال والنساء: … «نسي-تتات» وأمه هي «تديموت» الأمة، «وتد-إسي» بنت «نبت-حابي»، وأمها «إرو-إخ» (١٦) (الأمة)؛ و«تبيرا منف» بنت «بينحسي» المنتصر؛ لكل واحد منهن؛ و قدات من الفضة، وهي ثمن كل رجل، فيكون المجموع دبنات (هذا العدد غير مؤكد، ولا نعرف ما إذا كان خاصًّا بالسابق أو باللاحق).
  • قائمة بالأشياء المورَّدة: شهد المنصرف يبلغ … دبنًا من الفضة مستحقة للخزانة ثمن «هن» من الشهد صرف من خزانة «أوزير» (لقربان أوزير المقدسة) رئيس «مي» العظيم، رئيس الرؤساء العظيم «نمروت» ابن رئيس «مي» العظيم «شيشنق» … والنقد الخاص بذلك كان يدفع لخزانة «أوزير» لا أكثر ولا أقل.
  • البخور: المنصرف يبلغ أربعين دبنًا من الفضة تدفع لخزانة «أوزير» عن أربعة قدات من البخور صرفت من خزانة «أوزير» يوميًّا لأجل قربانه المقدسة، رئيس «مي» العظيم «نمروت» المنتصر، وأمه هي «محت نوسخت» أبد الآبدين من الذي يصرف من اﻟ … بخور والنقود لأجل ذلك تدفع من خزانة «أوزير» لا أكثر ولا أقل.
  • المر: المنصرف يبلغ قدات من الفضة تدفع لخزانة «أوزير» … (٢٠) … قدت من المر صرف من خزانة «أوزير» لأجل مبخر «أوزير» رئيس «مي» العظيم المسمى «نمروت» المنتصر، وأمه «محت-نوسخت» أبد الآبدين من الذي يصرف من المرِّ … والنقود اللازمة لذلك كانت مستحقة لخزانة «أوزير» لا أكثر ولا أقل.
  • الحب: … عن كل رجل … عن كل رجل نفقة تصرف تبلغ ثلاثة قدات من الفضة، وقدتًا واحدًا من الفضة تدفع لخزانة «أوزير» لحب الحقل هذا الذي يصرف يوميًّا من … (٢٢) من خزانة «أوزير» واﻟ … «أوزير»، لأجل مائدة قربان «أوزير» رئيس «مي» العظيم «نمروت» المنتصر، وأمه هي «محت نوسخت» أبد الآبدين، من ضرائب اﻟ … خاص بخبز الفطائر … والنقود اللازمة لذلك كانت تدفع لخزانة «أوزير» (٢٣) وهي خزانة حبوب حقل … والنقود اللازمة لذلك كانت تدفع لخزانة «أوزير» … لا أكثر ولا أقل.
  • الملخص: مجموع فضة هؤلاء الناس التي تدفع لخزانة «أوزير» (٢٤) … ١٣ (؟) رجلًا … صرفت من … اﻟ … خاص «بأوزير» رئيس «مي» العظيم «نمروت» المنتصر ابن «شيشنق»، ومن أمه هي «محت نوسخت» لأجل أن يعطى … إلى «أوزير» رئيس «مي» العظيم «نمروت» المنتصر ابن «محت نوسخت» الذي في «العرابة».

    الأراضي … ١٠٠ أرورا.

    الرجال والنساء … ٢٥.

    حديقة … ١.

    فضة … ١٠٠ دبن (ويحتمل أكثر من ذلك).

    العرابة.١١

(٣-٢) التأشيرات التي سجلت على موميات الكهنة في عهد «بينوزم الثاني»

الكشف عن خبيئة «الدير البحري» الثانية: بينما كانت الحفائر قائمة على قدم وساق لتنظيف الطابق العلوي من معبد «الدير البحري» في شهر يناير سنة ١٨٩١ جاء «محمد أحمد عبد الرسول»، الذي أنبأ عن خبيئة «الدير البحري» الأولى التي كانت تحتوي على موميات الملوك والكهنة العظام إلى «المسيو جرييو» مدير مصلحة الآثار وقتئذ، وأخبره أنه يوجد بالقرب من مقبرة الملكة «نفرو» الواقعة في محيط معبد «الدير البحري» في سفح الجبل مكان بكر، وأنه لا بد من وجود مقبرة في هذه النقطة.

ولم يكد يسمع المسيو «جرييو» بذلك الخبر حتى بدأ العمل في المكان الذي أرشد عنه «محمد أحمد عبد الرسول»، حيث وُجدت بعض أحجار كبيرة بعد إزالة طبقة الرمل التي كانت تغطي هذه البقعة. وبعد رفع هذه الأحجار ظهرت رقعة مرصوفة (سدادة) تخفي تحتها فوهة بئر، وفي أسفل ذلك طبقة من اللبنات، ثم رقعة أخرى مرصوفة بالأحجار. وقد وجد أن البئر مملوءة بالرمل وبالأحجار وبقطع من الفخار. وبعد النزول فيها نحو ثمانية أمتار من تحت السدادة العليا وجد في الجدار الشمالي مدخل حجرة «مسدودة» بأغصان شجر وبقايا توابيت من الخشب وقطع الأحجار، ووجد في البئر نفسها طريق كاذبة مملوءة بجذوع الأشجار وقطع الحصير، وفي أسفل من ذلك وجد أن البئر كانت مملوءة بأحجار غليظة يتخللها الرمل. وأخيرًا على عمق أحد عشر مترًا وصل الحفارون إلى قعر البئر.

وفي الجدار الجنوبي ظهر ما يدل على وجود فتحة سدت كلية بجدار من اللبنات، وقد عملت فتحة في هذا الجدار أدَّت إلى ممرٍّ مكدس بالتوابيت الخشبية. وهنا يقول الأثري «دارسي»: إنه عند رؤية هذه التوابيت، تبادر إلى ذهني أنني أمام خبيئة تشبه التي عثر عليها «مسبرو» في هذه الجهة منذ عشرة أعوام مضت. وقد دل طراز التوابيت على أنه من فن الأسرة الواحدة والعشرين، وعلى ذلك فإن الخبيئتين تكونان من عهد واحد، غير أنه في الأخيرة ظهر أن الشخصيات التي في هذه الخبيئة الجديدة بدلًا من أن يكونوا ملوكًا وكهنة عظامًا، تبين أنهم كانوا مجرد كهنة عاديين، غير أنهم كانوا تابعين لعبادة الإله «آمون» أيضًا.

وقد وجد أن الممر ليس بواسع، إذ لم تكن مساحته أكثر من ١٫٧٠ من الأمتار طولًا في ١٫٩٠ منها عرضًا ومثلها ارتفاعًا. وقد حفر هذا الممر في الصلصال الصلب، وهو ينحدر أولًا انحدارًا خفيفًا ثم يتجه أفقيًّا نحو الجنوب. وقد كان هذا الممر ينزل في بادئ الأمر حوالي ثلاثة وتسعين مترًا ينتهي بعدها بحجرة تكاد تكون مربعة، وطول كل ضلع منها أربعة أمتار، وتوصل إلى حجرة أخرى أضيق منها. وعلى بعد ٧٦٫٢ مترًا من المدخل، وعلى مستوى أقل من مترين حفر فرع أفقي بالنسبة للممر العظيم متجهًا نحو الغرب، والسلالم التي فيه كانت أولًا بقدر اتساع الممر، وبعد ذلك أخذت تنقص إلى النصف، ثم تغير الاتجاه بعد «بسطة» مربعة. وبهذا الوضع قطعت الطبقة العليا شقين دون أن يتصل واحد منهما بالآخر.

وقد وجد أحد الكهنة الذين كانوا مكلفين بالحراسة أن أسهل طريقة للذهاب إلى قعر الممر أن يضع على «البسطة» غطاء أحد التوابيت مستعمِلًا إياه بمثابة سلم.

والممر الأسفل منحوت كله في الصخر، ويبلغ طوله ٥٢٫٤٠ مترًا، ويبلغ الطول الكلي للممرِّ الذي تحت الأرض ١٥٥ مترًا، أي عشرة أمتار أكثر من ممر مقبرة «سيتي الأول». وقد وجدت صناديق موميات مكدسة في كل أجزاء هذا المدفن الأرضي. فبالقرب من المدخل المؤدِّي إلى مكان الدفن كانت الموميات موضوعة بغير نظام، إذ كانت طريق المرور في مكانين مسدودة تمامًا، فقد وجد فيها ثلاثة توابيت في مواجهة الطريق، وكدس فوقها توابيت أخرى، وقد كان من الضروري أن يزحف الإنسان على بطنه تفاديًا لهذه العقبات التي كانت تعترضه في طريقه. وبعد ذلك بمسافة وجدت التوابيت موزعة في صف مزدوج على طول الجدران تاركة طريقًا في الوسط، وكانت رءوس التوابيت دائمًا متجهة عادة نحو البئر، وكانت توجد مع هذه التوابيت بعض الصناديق التي تحتوي على التماثيل المجيبة، «أوزيرا» التي تحتوي على ورق بردي، والصناديق التي فيها أواني الأحشاء، وكان منشورًا على رقعة الممر فواكه وأزهار وتماثيل جنازية من التي وقعت من الصناديق المكسورة.

والحجرات الداخلية التي في قعر الممر كانت مفعمة بالتوابيت والآثار؛ لدرجة أن الإنسان بدأ يتساءل: كيف أمكن هؤلاء القوم إدخال كل هذه التوابيت، مع العلم بأن هذا كان — على وجه خاص — أكبر كنز عُثر عليه من هذا القبيل؟

وقد لاحظ الكاشف في التوابيت التي كانت مزخرفة زخرفة ثمينة أن الأوجه والأيدي كانت مغطاة بورق من الذهب، وأن هذه الأوراق قد انتزعت منها. ومن المحتمل إذن أن نفس اللصوص الذين نهبوا توابيت ملوك الفراعنة قد نهبوا توابيت كهنة «آمون»، وعلى ذلك فإن هذه التوابيت لم يسرقها اللصوص الأحداث؛ بل سرقها اللصوص القدامى.

ويلاحظ أن معظم التوابيت كانت مزدوجة، وكان التابوت الداخلي هو المغلق، وأن الدسر التي كانت لازمة لتثبيت الغطاء في التابوت لم تُدق. والظاهر أن المقصود من ذلك تيسير نزول التابوت في البئر، وكان يُدلى كل تابوت على حدة، ولم يُعِر الكهنة اهتمامهم بدَقِّ دُسُر التابوت الثاني بعد إنزاله، وقد كان أمر حراسة هذه التوابيت موكلًا إلى خفراء الآثار بالقرنة، وإلى بحارة سفينة مصلحة الآثار والكاشف نفسه.

وقد بدأ إخراج الآثار في الخامس من فبراير، وقد دون الكاشف هذه التوابيت بأرقام استعملها المؤرخون مراعاة للاختصار عند التحدث عن هذه الموميات ومحتوياتها. وقد نُظفت الحجرة العلوية ولم يوجد فيها إلا بعض بقايا تابوت من عهد الأسرة التاسعة عشرة، والمفروض أن هذه البئر قد حفرت في هذا العهد. وقد استفاد منها الخلف فعمقوها ونقروا الدهليز الذي يؤدي إلى حجرة كان مصيرها لأسرة الكاهن الأكبر «منخبر رع»، ولكن بعد ذلك تغيرت الفكرة وأصبح هذا المدفن الذي تحت الأرض، بعد أن كبر، مأوى لأعضاء كهنة «آمون» بدون تمييز؛ وهؤلاء هم الذين لم يكن لديهم موارد لإعداد قبر خاص لكل أولئك الذين رغبوا في حماية مومياتهم من سطو اللصوص الذين كانوا يعيشون في المقابر فسادًا طلبًا للثروة.

ويتلخص ما استخرج من هذه الخبيئة فيما يأتي:
  • (١)

    ١٥٣ تابوتًا منها عشرة ومائة تابوت مزدوج واثنان وخمسون منفردًا.

  • (٢)

    عشرة ومائة صندوق من التماثيل الجنازية.

  • (٣)

    سبعة وسبعون تمثالًا «أوزيري» الشكل من الخشب معظمها مجوف ويحتوي على بردي.

  • (٤)

    ثمانية لوحات من الخشب.

  • (٥)

    تمثالان من الخشب (إزيس ونفتيس).

  • (٦)

    ست عشرة آنية أحشاء.

  • (٧)

    خشب سرير واحد.

  • (٨)

    عشر سلات من البوص.

  • (٩)

    خمس سلات مستديرة من سيقان البوص مجدولة.

  • (١٠)

    مروحتان.

  • (١١)

    خمسة أزواج من الأخفاف.

  • (١٢)

    أحد عشر مقطفًا من المأكولات (لحمة وفاكهة … إلخ).

  • (١٣)

    ستة مقاطف من الفاكهة والأكاليل.

  • (١٤)

    خمسة أوانٍ كبيرة.

  • (١٥)

    خمسة صناديق فخار.

  • (١٦)
    صندوق (يد) ولحى من الخشب مفصولة من التوابيت، ولم يُكشف عن أي متن لا في البئر ولا على جدران المخبأ السفلي، وقد وُجد في هذا المكان كوَّات مساحة الواحدة متر ونصف متر، وارتفاعها على قدر ارتفاع مصباح. وقد وجدت مادة بيضاء تشبه الشمع سائلة على طول الجدران، وبالتحليل الكيمائي أمكن معرفة المادة التي كان يستعملها المصريون للإضاءة في هذه المقابر السفلية. وعند دخول هذه الممرَّات التي كانت مسدودة منذ ما يقرب من ثلاثة آلاف سنة كانت الحرارة خانقة؛ غير أنه لم يتصاعد منها رائحة كريهة. وقد أثر تغيير الجو في سطح التوابيت؛ إذ أخذ الجبس الذي عليها يتفكك. وقد وصلت هذه التوابيت إلى متحف القاهرة في أوائل مايو، ولم تُعرض إلا في شتاء سنة ١٨٩٢، وكان قد فحصها الدكتور «فوكيه» من قبل وكتب عنها تقريرًا (A. S. Vol. I. p. 14. ff).
وقد كُتب على لفائف موميات هؤلاء الكهنة بعض حقائق تاريخية، نعرف منها أن «منخبر رع» قد خلف في رياسة كهانة «آمون» آخر يدعى «نسبا نبدد»، الذي عرفنا من منشور الكرنك أنه ابن «منخبر رع» (راجع Rev. Archeol. P. 28 Térage à Part 9, 10).

وقد خلف «نسبا نبدد» هذا ابنًا آخر «لمنخبر رع» يدعى «بينوزم الثاني» في رياسة كرسي الكهانة «لآمون»، وذلك في عهد ملك «تانيس» (أمنمأبت)، ويحتمل أن ذلك قبل السنة الثانية والعشرين كما تبرهن على ذلك السجلات التالية. وقد كانا يقومان بإدارة الملك له في «طيبة» حتى السنة العاشرة من عهد الملك «سيآمون».

(٣-٣) أسرة الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني»

زوجاته

نعلم من مرسوم كتب على ورقة بردي محفوظة الآن «بالمتحف المصري» باسم «نسخنسو» أن «بينوزم الثاني» كان له على الأقل زوجان؛ إذ نجده في مواضع كثيرة يتكلم عن نسائه بصيغة الجمع (راجع Mospero, Momies Royales Pl. p. 608 et 609).

زوجتاه «نسخنسو» و«إستمخب»

بردية نسخنسو: وأهم زوجاته على ما نعلم هي «نسخنسو» بنت «سمندس» الأخ الأكبر «لبينوزم الثاني» كما سنرى بعد. ووالدته تدعى «تاحنت تحوتي» وقد توفيت في السنة الخامسة من حكم الفرعون الذي كان يحكم وقتئذ (راجع الكاهن الأكبر «بينوزم»). وأهم أثر تركته لنا هو المرسوم الذي أصدره الإله «آمون رع» في السنة السادسة. وهذا المرسوم قد وجد في داخل تمثال أوزيري الشكل مصنوع من الخشب في خبيئة الدير البحري مع غيره من هذه المراسيم في تماثيل أخرى (راجع Maspero, Ibie p. 592).
وهذا النوع من ورق البردي يؤلف نوعًا من الوثائق لم يكن قد وصل إلينا منها إلا أمثلة قليلة. وما هو معروف لدينا من هذا الصنف هو بعض لوحات من الخشب الملون عثر عليها في «طيبة»، وبخاصة لوحة «روجرز»، وكذلك لوحة أخرى ملك «ماك كلم» وجدت في «الدير البحري» (راجع Mac. Collum, Proceeding. of the Bib. Archeol. 1883 p. 76–8).
وفي هذا المرسوم يظهر «آمون» بوصفه الملك الحقيقي «لطيبة» التي كانت تحت سلطة الكهنة العظام، وقد أصدره ليمنح المتوفى بعض امتيازات لا تفيده إلا في عالم الآخرة. وقد كانت بعض هذه المراسيم تُكتب على لوحات من الخشب وتوضع في القبر مع المتوفى، أو كما قلنا كانت تكتب على إضمامات من البردي وتوضع في تماثيل أوزيرية الشكل كما كانت الحال في ورقة «نسخنسو»، أو كانت تنشر على المومية تحت اللفائف، كما حدث في ورقة «بينوزم الثاني» وورقة «نسيتانب-إشرو»، وأسهل طريقة لإعطاء فكرة حقة عن محتويات مثل هذه الوثائق هو أن ننشر واحدة منها، وسننتخب لهذا الغرض المراسيم التي نشرت تكريمًا للأميرة «نسخنسو»، ولدينا منها نسختان: واحدة على لوحة كبيرة من الخشب، والأخرى على بردية طويلة مكتوبة من الوجهين (راجع Momies Royles, Pls, XXV–XVII).

ومن هذين المتنين يمكننا أن نؤلف متنًا صحيحًا، وقد سبق أن نشرنا مرسوم «بينوزم الثاني» (راجع الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني») غير أن متن «نسخنسو» أطول منه ويحتوي على مادة أكثر؛ ولذلك آثرنا نقله هنا على الرغم من تشابه بعض الفقرات في كل من المرسومين. وقبل أن نضع أمام القارئ صورة هذا المرسوم نلخصه في بعض جمل:

أمر الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» بكتابة بردية لزوجه «نسخنسو»، وينقسم متنها قسمين: الأول أنشودة للإله «آمون»، والثاني اعتراف للإله «آمون» خاص بالمتوفاة، وهذا الاعتراف بلا نزاع قد أوحى به «بينوزم» نفسه. وتدل شواهد الأحوال مما جاء في المتن على أن «بينوزم»، على ما يظهر، كان لديه من الأسباب ما يدعوه إلى الخوف من انتقام زوجه؛ مما جعله يوجه للإله عبارات مهدئة ومسكنة كان الغرض الرئيسي منها أن يطلب إلى نفسه وإلى جميع أفراد أسرته الآخرين حماية «نسخنسو»، وقد حتم عليها بوساطة الإله أن تكون على ولاء لزوجها، وأخذت عليها المواثيق بذلك مما ألقى بعض الضوء على أخلاق الحريم الملكي المصري في ذلك العهد؛ وذلك أن المصريين في ذلك العهد وغيره كانوا يعزون إلى المتوفى، الذي أصبح مؤلهًا بوساطة «آمون» قوة عظيمة جدًّا يمكن استعمالها لا في عالم الآخرة وحسب، بل كذلك في عالم الدنيا. وهذا الاعتقاد في أن المتن يمكنه أن يضايق الأحياء أو يحاسبهم موجود منذ زمن بعيد جدًّا في مصر Gardiner–Sethe, Letters to The Dead.

والظاهر أن هذا الاعتقاد في قوة السحر كان شائعًا في تلك الفترة من تاريخ البلاد، ولا أدل على ذلك من موضوع المؤامرة التي قامت في قصر الفرعون للقضاء على «رعمسيس الثالث». (راجع مصر القديمة ج٧).

وفي المرسوم الذي نحن بصدده، يقول «آمون»: إن «نسخنسو» لم تبحث قط لتختصر حياة زوجها، أو تعمل على أن تختصر حياته على يد آخرين، وأنها لم تستعمل معه أي عمل إجرامي. وكذلك قد أله هذا الإله «نسخنسو»، ووجه قلبها توجيهًا حسنًا نحو «بينوزم».

وهذا المنشور كما قلنا ينقسم قسمين: الأول يشمل أنشودة للإله «آمون رع»، وتعد من أهم الأناشيد التي تدل على التوحيد، والثاني يشمل نصوص المرسوم. وسنتناول كل قسم منهما على حدة ونترجمه، ثم نعلق عليه، وسنبدأ أولًا بالأنشودة (راجع Momies, Royales, p. 594).
نص الأنشودة: «هذا الإله المبجل سيد كل الآلهة «آمون رع»، سيد عروش الأرضين، ورئيس الكرنك، والروح الفاخر الذي وجد في البداية، الإله العظيم الذي يعيش من العدالة، وأول موجود أزلي خلقته (٣) الآلهة القدامى، ومن وجد منه كل إله آخر، الواحد الأحد الذي بدأ المخلوقات عند البداية الأولى للأرض، (٤) العظيم السرية في الولادة، ومَنْ صوره عديدة، ومَنْ ظهوره لا يعرفه أحد.

والقوة الفاخرة، والمحبوب والمهاب، والقوي في إشراقه، (٦) والعظيم القدر، والإله الخالق الجبار الذي صورته برأت كل صورة، (٨) وبدونه لا يبقى شيء منذ بدء الخليقة.

وعندما أضاءت الأرض للمرة الأولى (عندما خلق أول صباح) صار هو الشمس، وأمير النور والأشعة، وعندما يمنحها١٢ تعيش كل الدنيا، وعندما يخترق السماء لا يصيبه أي نَصَبٍ، وفي الصباح الباكر يستمر على حاله. وبعد الشيخوخة يقف كالفتى ويهزم حدود السرمدية؛ فيعبر السماء، ويخترق العالم السفلي، ويضيء الأرض لمن برأ.

الإله المؤله الذي صاغ نفسه بنفسه، والذي خلق السموات والأرض على حسب لُبِّه، أمير الأمراء، وعظيم العظماء، والأمير الذي تفوق عظمته الآلهة، والثور الفتي ذو القرنين الحادين، ومن لعظمة اسمه ترتعد الأرضان، والذي لقوته تأتي الأبدية، ومن يهزم نهاية السرمدية.

(١٣) الإله العظيم منذ بداية الخلق، الذي يستولي على الأرضين بانتصاره، وإنه المهاب، وجيه الوجهاء، القديم الوجود، (١٤) المحبوب أكثر من كل الآلهة، ولكنه الأسد المفترس النظرات، ذو العينين الحمراوين، (١٥) رب اللهيب، على أعدائه، وإنه «نون» العظيم (ماء الفيضان) الذي يخرج في ميعاده ليحيي (أي «آمون») ما صنعته عجلته (شبه «آمون» هنا بالإله «خنوم» إله الشلال) وهو الذي يخترق السماء ويطوف بالعالم السفلي، ويضيء السماء على حسب عادته بالأمس، سيد القوة، والبهي بعظمته، والسرية في ضوء أشعته موجودة في جسمه عن يمينه وعن شماله، والشمس والقمر والسموات والأرض مملوءة بجماله، الملك صاحب الأعمال الطيبة الذي لا يصيبه نصب، بل قوي القلب عند الشروق وعند الغروب. وهو الذي خرج الناس من عينيه الإلهيتين،١٣ والآلهة من نطق فمه، صانع الطعام وخالق المأكولات، ومنشئ كل كائن. الأبدي الذي يقطع السنين دون أن ينتهي أجله، ومن يعيش أبدًا شيخًا ويافعًا، وعندما يشيخ فإنه يعيد صباه، وهو صاحب الأعين العديدة، والأذن الكثيرة، والملايين تسير بنوره.
رب الحياة، والذي يعطي من يحب، ومحيط الأرض تحت نظره، والآمر والمنفذ دون معارض، ولا شيء يقضي عليه (٢٥) مما فعله، صاحب الاسم الحلو والحب الهني، وفي الصباح يذهب كل العالم ليصلوا إليه، عظيم الفزع، شديد البأس، ومن نهاية كل الآلهة، والثور الفتي، ومن يقهر القرن، ويسقط عدوه بساعديه القويتين. وهذا الإله قد برأ الأرض على حسب تصميمه، وهو روح (٢٨) يرسل النار من عينيه، وهو روحاني خلق المخلوقات، وفاخر مجهول، (٢٩) وأنه ملك يصنع الملوك وينظم الأراضي عندما يقوم برحلته،١٤ والآلهة والإلهات تنحني أمام شخصه من رهبته العظيمة، ومن يمشي في المقدمة ويصل إلى الهدف، وإنه خلق الأرضين على حسب تصميمه، وهو الصورة الخفية التي لا تُعرف، وإنه خفي أكثر من كل الآلهة، فإنه يجعل نفسه خفيًّا في الشمس (أي إنه يضيء في الشمس)، ومع عدم معرفته فإنه يضيء أمام من خرج منه، وهو المصباح المشع العظيم الضوء، ومَنْ يُرى عندما يتأمل، ومَنْ (٣٤) بمشاهدته يمضي الإنسان اليوم دون أن يشعر به.

وعندما تضيء الأرض فإن جميع الأرض على ذلك تتعبد له، (٣٥) وهو المضيء الذي يشرق بين التاسوع وصورته مأخوذ منها كل إله، ويأتي «نون» (الفيضان) بهبوب الريح نحو الشمال في هذا الإله الخفي، وهو الذي تنتشر مرسوماته في ملايين الملايين، ومن لا تردُّد (٣٧) في مرسوماته (المكتوبة) وكلمته ثابتة في مرسوماته وممتازة ولا تخيب قط.

وأنه أقام جدارًا من حديد السماء وهو على قناته (السماوية) وليس في مقدور أحد أن يغير طريقه (في سيره في السماء بوصفه الشمس) وإنه يأتي لمن يدعوه (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ)، ويشرح القلب الذي يعظمه، ويسر من ينطق باسمه.

وإنه يمنح الحياة ويضاعف السنين لمن يشاء، فإنه حامٍ ممتاز لمن يجعله في قلبه.

وهو منشئ السرمدية والأبدية ملك الوجه القبلي والوجه البحري «آمون رع» ملك الآلهة، ورب السماء والأرض والماء والجبال وبارئ الأرض بوجوده، والعظيم القوي، وهو الذي رفع نفسه فوق كل آلهة التاسوع الأول.»١٥
تعليق: والآن نلقي نظرة عامة على محتويات هذا المتن، ونبرز ما يشمله من فكرة عن الإله «آمون» وعبادته في تلك الفترة.

فأول ما يلاحظ في هذا المتن أنه كسائر المتون الدينية قد كرر فيه المصري بشيء من التطويل ما أراد أن يعبر عنه. والواقع أنه ليس من الصعب على الإنسان أن يعبر عن الفكرة الأصلية بألفاظ جديدة في عبارات عدة، ومع ذلك تكون الفكرة دائمًا واحدة، غير أننا نجد هنا أن الأدعية كانت بصيغة الأدعية القديمة العديدة المدونة والمعروفة لنا، وكذلك الأناشيد التي أُنشدت «لآمون» وللشمس وللإله «بتاح»، هذا إلى العبارات التي استعيرت حرفيًّا، غير أننا نجد من جهة أخرى أن الفروق بينها كانت عظيمة، ومن هذه الفروق نستخلص الأهمية التاريخية الدينية للمتن الذي نحن بصدده. ويلاحظ أن التقدم في الأفكار التي ظهرت حتى الآن في هذا المتن هي التي نجدها قد عُبر عنها بعبارات جديدة، فأول ما يظهر أمامنا مفاجئا هو أن العناصر الخرافية، وكذلك الصلة بين صورة الإله وصفاته قد حددت تمامًا بصورة بينة لا تغيير فيها ولا تبديل. ففي أناشيد «آمون» العظيمة التي وضعت له من قبل نجد أنه قد ذكرت فيها سلسلة التيجان المنوعة التي كان يلبسها الإله في صور وأوضاع مختلفة، هذا إلى ذكر ما كان يزينها من قرون وريش وأصلال، يضاف إلى ذلك الصولجانات والأسواط التي كان يمسكها في يديه، ولكن في المتن الذي نحن بصدده الآن لا نجد شيئًا يذكر من هذا القبيل، وحتى عندما يوصف الإله الخالق مرة بأنه «الثور الفتي ذو القرنين الحادين»، أو بأنه «الأسد صاحب النظرات الغاضبة»، فإن ذلك لا يقصد منه معناه الحقيقي، بل هو تعبير مجازي لقوة الإله، وكذلك نجد هنا بدلًا من وصف الإله بأنه «صاحب العينين الإلهيتين» أنه «ذو الأعين العديدة والآذان الكثيرة»؛ وذلك لأنه في التأملات الخرافية القديمة والرموز كان يعبر عنها بطريقة واحدة لا تغيير فيها ولا تبديل، وهذا هو نفس ما يلاحظ في التعبيرات المماثلة لها في الأدب العبري الخاص بالأنبياء والعبادات، إذ نجد فيها تعبيرات شعرية وتشبيهات من هذا القبيل، وقد كانت عين الإله عند المصريين في العادة تدعى «العين السليمة» (واز) وقد استمرت كذلك، غير أنه لم يُشَر إليها في المتن الذي نحن بصدده بأية كلمة مما كانت توصف به قديمًا، وكذلك نجد هنا أن التعبير العادي عن انتصار إله النور على أعدائه (سطر ١٣، ٢٢، ٢٧) وهو التعبير المستعار من خرافة الحرب، التي كانت تشب يوميًّا بين إله الشمس «رع» في أثناء سيره في القبة الزرقاء وبين الثعبان «أبوفيس» وغيره من الثعابين التي كانت تعترض طريقه، ليس لها أثر، بل عبر عنه هنا بكل بساطة بأنه الإله المسيطر الذي يخترق العالم كله يوميًّا ويحكمه.

أما عن وصف سير إله الشمس اليومي فقد عُبِّر عنه بطريقة مفهومة؛ إذ وصف بأنه صار مُسِنًّا ثم أعاد لنفسه الصبا؛ أما عن سفينة الشمس التي كنا نقرأ عنها في المتون القديمة، فقد أصبحت لا وجود لها، وأصبح لا علاقة لإله الشمس مع بلاد «بنت» أو مع بلاد «المازوي» (أي بآسيا أو السودان) وهو ما نشاهده مدونًا في أناشيد «آمون»، التي سبقت المتن الذي نحن بصدده (راجع كتاب الأدب المصري القديم ج٢ ص٩٤ إلخ).

كذلك نلحظ أن صيغة الأسطورة القديمة القائلة بأن الناس قد خلقوا من عين الإله، والآلهة من فمه، قد استعيرت حقًّا من أناشيد «آمون» القديمة، ولكن هذا لم يكن بالوصف الحقيقي لقصة تكوين الخليقة، بل يعدُّ صيغة مستعارة لقدرته على الخلق، كما أنه هو الذي منح الطعام الذي مكن الإنسان من الحياة.

ومن الأمور الهامة المدهشة التي نلحظها هنا كذلك أن توحيد الإله «آمون» بآلهة آخرين مما نجده يلعب دورًا هامًّا في المتون الأخرى السابقة لمتننا، قد اختفى هنا جملة. ونعلم من جهة أخرى أن اسم الإله «رع» كان يؤلف جزءًا من اسم الإله «آمون رع» رب طيبة، وخلافًا لذلك نجد أن اسم «خبري» قد حوفظ عليه، واستمر مستعملًا ليحل محل اسم «آمون»، غير أن هذا الإله «خبري» لم يعد بعد يدل على الإله «الجعل» أو أنه إله خلق نفسه بنفسه كما كان الاعتقاد من قبل،١٦ بل أصبح لفظه يدل على الخالق، ومن جهة أخرى نجد أن الإله «حور» (الصقر) و«آتوم» إله «هليوبوليس» والإله «شو» قد أصبحوا لا يذكرون إلا قليلًا مثل «بتاح» رب «منف»، الذي استعار منه «آمون» كل نفوذه ونعوته بدرجة عظيمة جدًّا.

ولا نزاع في أن أسماء هؤلاء الآلهة كلهم قد حذفت قصدًا في هذا المتن؛ وذلك لأن العقيدة الأساسية في نظر كل الرجال الذين في مصر في هذا العهد قد أصبحت عقيدة التوحيد للإله الخالق الذي يسيطر على العالم، وأن الاعتقاد في تعدد الآلهة على حسب الخرافات القديمة قد تخلص منه المصري، وهذا الإله الواحد هو «آمون رع».

وهذا الإله الخالق قد تمثل بوضوح أمام الناس في الشمس التي تطوف العالم أجمع أمام أعينهم باستمرار وبانتظام، وكذلك تسبح في السموات والعالم السفلي دون أن يكون لذلك نهاية، وأصبح يسيطر على حدود السرمدية والأبدية، غير أن كل ذلك لا يخرج عن كونه مظهرًا له في عالم المحسنات؛ ولكن نلحظ أن الإله نفسه في بادئ المتن، وفي أماكن أخرى منه ليس إلا كائنًا روحانيًّا، أي روحًا مبجلة لا تمت لعالم المادة بشيء، فنجده كائنًا شفيفًا لطيفًا لا يُرى، وعلى الرغم من ظهوره في الشمس والضوء والقمر فإنه لا يُرى؛ إذ يخفي نفسه ولا يمكن أن يُحس، وكذلك أخفى نفسه عن الآلهة كما يدل على ذلك اسم «آمون» نفسه العادي، إذ إن معناه «الخفي». وقد كانت هذه الأفكار قد برزت من زمن بعيد في ديانة «إخناتون»، غير أنه قد حدث تقدم في الفكرة الجديدة تمتاز عن الفكرة الدينية في عهد «إخناتون» فيما يتعلق بالشمس، فالإله «آمون رع» يدل هنا على شيء أكبر من الشمس (آتون)، إذ نلاحظ أولًا أن صورته لم توصف كما وصف «آتون» في عبادة «إخناتون»، وكذلك بحث له عن صفة كونية، كما بحث من قبل في قصة نظرية أصل اللاهوت المنفي،١٧ أو في نص قصة تاريخ التكوين (في التوراة) سواء أكانت خرافية كما جاء في الفصل الثاني من سفر التكوين، أو عقلية كما جاء في الفصل الأول من نفس السفر. ونحن نعرف أن الإله «آمون رع» على حسب الصيغة التي عبر عنه فيها باختصار هي: «الإله الأكبر من بداية التكوين» وكل الكائنات، وكذلك الآلهة خلقت منه وبوساطته. ولكن كيف اتخذت هذه العملية مجراها، وكيف أن هذا الإله في البداية قد أوجد نفسه بنفسه (سطر ١٠) ثم برأ الآلهة، وأنشأ العالم أو صوَّره؟ كل ذلك قد بقي مخفيًّا عن كل المخلوقات، ومن ذلك أيضًا الصيغة القديمة الواقعية «ثور أمه»، التي نجدها في المتون القديمة، فإن مؤلف المتن الذي نحن بصدده قد تجنبها عن قصد. وذلك أن صاحب العقيدة الخالصة يكون لزامًا عليه أن يكتفي بوصف فضائلها دون أن يدخل في البحث عن حل معضلاتها وألغازها. ونجد في مجموع النظريات اللاهوتية المصرية، وكذلك في ديانة «آمون» أن الفكرة الأساسية كانت ترمي إلى عقيدة التوحيد: «آمون» هو الواحد (سطر ٣). ومما تجدر ملاحظته هنا أن عقيدة عدم الشرك والجدل، التي كانت تسود حقيقة ديانة «آتون»، وكذلك الديانتين اليهودية والإسلامية١٨ بعيدة كل البعد عن ديانة «آمون».

حقًّا إن «آمون» تجسم فيه الوجود المطلق، كما أن فيه يتمثل مجموع الوظائف الإلهية ومصدرها. غير انه على حسب التقارير القديمة كان لا يزال باقيًا تحته آلهة معلومون لم ينقص عددهم. ففي «طيبة» مثلًا نجد أن القوم يعبدونه ومعه من قبل ومن بعد زوجه «موت» وابنه «خنسو»، وهما اللذان نفهم من وثائق هذا العصر أنهما كانا يعملان كثيرًا معه. وكذلك كل الآلهة الآخرين — إلا في «عهد إخناتون» — فقد كان لهم كهنتهم العاديون وقربانهم وعطاياهم. هذا إلى أن تاريخهم المقدس الذي كان يحكي عنه قد بقي مستمرًّا دون أي تغيير يتناقله الخلف عن السلف، غير أنهم مع ذلك كانوا كلهم تحت سلطان «آمون»، وكانوا خاضعين لإرادته مهما كان شأنهم.

ولدينا وثيقة تدل على مقدار ما كان للإله «آمون» من نفوذ وسلطان على هذه الآلهة، وأنهم كانوا يعدون من رعاياه، وأنه كان يعاملهم معاملة إنسانية محضة، فقد ذكرنا فيما سلف أن الخلود في الحياة الآخرة كان يُعنى بأمره رسميًّا الإله «آمون»، ولدينا كذلك ورقة من العهد الفارسي (A. S. XVIII p. 218).

وهي صورة من مرسوم أصدره الإله «آمون رع» ملك الآلهة والإله الأعظم منذ بداية الخليقة، وهذا المرسوم كان في هذه الحالة مستعملًا «لأوزير» بنفس الطريقة التي استعمل بها المرسوم الذي أصدره «آمون» لكل من الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» وزوجه «نسخنسو».

وليس لدينا شك في أن هذا المرسوم من حيث اللغة، ومن حيث المحتويات يرجع إلى العهد الذي نحن بصدده الآن، أي الأسرة الواحدة والعشرين، وأنه قد استعمل ثانية في العهد الفارسي، وقد بدئ بالكلام الآتي: «إني أؤله الروح المبجلة «لأوزير» «ننفر» المرحوم، وإني أهتم بجثمانه في العالم السفلي، وإني أضم أعضاء جسمه سويًّا، وأؤله موميته، وإنه في وسط العالم السفلي مثل «ثور الغرب»١٩ … وقبره سيبقى سرمديًّا، وإني سأُعنى بصورته على الأرض في كل وقت، وسأمدُّ محرابه بكل المؤن، وسأجعل الآلهة والإلهات جميعًا يحافظون على أعضائك … وسأجعل روحك وأعضاءك تعيش بماء الشباب الذي أعاد له شبابه في زمنه بدون انقطاع، وأن تحيا مصر بفيضانه، وسيكرر ذلك مرة أخرى حتى لا تنقص قط في محرابه المؤن. هذا فضلًا عن الدنيا التي ينبغي أن تبقى لأجل أن يخرج إليها (أي يكون طريق الدنيا مفتوحًا أمامه ليخرج من قبره إليها ويعود فيه ثانية).

وفي الفقرة الثانية من هذه الوثيقة يوضح «آمون» أنه سيصير «حور» بن «إزيس» و«أوزير»، المنتقم لوالده، والوارث الذي أنجبه، وهو الذي منحه تاج الملك، وإنه سيصير كذلك ملك الأرضين على عرش والده «وننفر» المنعم، والصولجان سيكون في قبضته بمثابة رمز لوراثة الملك، وإنه يشع على عرش «رع» بمثابة حاكم الأحياء، وتخر تحت قدميه ممالك الأقواس التسعة معًا.» ومما تبقى من المتن المهشم الذي يتلو ذلك نفهم أن الإِله «ست» وعصبته قد أصبحوا أشقياء تعساء، ولم يبقَ لهم وجود، أي إنهم أصبحوا بلا حول ولا قوة.

وفي الفقرة الثالثة التي هشمت تهشيمًا مريعًا يعد «آمون» «أوزير» بالحفظ في الأماكن الآتية: العرابة، وإلفنتين، وقفط (ثم اسم مهشم)، وبوَّابة الجنوب، «وأزيوم» (بهبيت بالدلتا) و«رامر نفرت»، وكل مقاطعة ومدينة «لأوزير»، كما وعد بأن يكون أولاده سكان هذه الأماكن حكام الجنوب والشمال، وأنه سيمدها بسخاء: «وإني سأجعلها متينة سرمديًّا مثل «هليوبوليس»، و«منف»، وسكان المقاطعات … وكل آلهة الجنوب والشمال.»

ولا بد أن المقصود هنا بدهيًّا تقديم قائمة بأسماء أمهات المدن التي كان يعبد فيها «أوزير»، ومنها اثنتان غير معروفتين، وكذلك يظهر أن انتخابها كان من المعضلات العويصة. ومن المدهش أن «بوصير» لم تذكر بين هذه الأماكن، وبخاصة عندما نعلم أنها في الأصل كانت مهبط عبادة «أوزير»، ولكن من جهة أخرى نجد أن «هليوبوليس» و«منف» قد ضُرب بهما المثل، وهذان البلدان المقدسان لهما كذلك مكانة ممتازة على أماكن «أوزير». ويدل المتن الذي في أيدينا على أن كل هذه المدن كانت تحت سلطان «آمون».

والفقرة الرابعة جاء فيها ما يأتي: «إني أنشر نطقي الأول المحترم بالنسبة «لإزيس» العظيمة، الإلهة الأم، وأخت الإلهة، «نوت»، وأول زوجة ملكية «لأوزير» «وننفر» المنعم، وهي أول أطفالي. وقد أمر لها والدها الطيب «آمون» بالسرور والحماية من كل همٍّ ومتاعب تصيب القلب.»

ومن مجموع فقرات هذا المتن نرى أن كل ديانة «أوزير» قد انضمت لعبادة «آمون»، ونرى هنا أن خرافة «أوزير» قد عدت بأنها حادثة تاريخية بسيطة. وأنها نقلت برمتها إلى ديانة «آمون» بعد أن كانت تؤلف ديانة قائمة بذاتها، ولكن نلحظ أن الملك الطيب «وننفر»؛ أي «أوزير» بعد موته قد ذهب إلى عالم الآخرة، وأُلِّه هناك، وخلد، وبقيت له عبادته. وكذلك انتقم له ابنه «حور» ثم نصب ملكًا على مصر، في حين أن الإله «ست» قد أصبح لا حول له ولا قوة. كل هذه الأحداث كانت من عمل الإله «آمون»، كما يدل على ذلك المتن الذي نحن بصدده، وكذلك نفهم منه أن «إزيس» قد أثبتت وجودها في عالم الآخرة، وهذه نقطة هامة بوجه خاص، وذلك أن ما كان «لإزيس» من مكانة عظيمة فيما بعد بوصفها قوة منشئة وإلهة رئيسية في مصر بالنسبة للعبادة الشعبية، وكذلك فيما يخص الدعاية العظيمة التي كانت في ازدياد لانتشار عبادتها في العالم؛ كل ذلك لم يُشَر إليه بكلمة واحدة في هذا المتن. هذا بالإضافة إلى أن عبادتها لم يشر إليها هنا، وكل ما قيل عنها إنها الزوجة الأولى للملك «أوزير» وحسب. ولا نزاع في أن الكهنة العظام في هذا الوقت كانوا يريدون الإعلاء من شأن عبادة «آمون»، وجعل كل عبادة أخرى ثانوية بالنسبة لعبادة «آمون»، ولا أدل على ذلك من أنهم جعلوا «أوزير» معبود الشعب في كل العصور شخصًا عاديًّا قد مات وأحسن إليه الإله «آمون» بعد الممات، وجعل ابنه ينتقم له. أما «إزيس» زوجه فلم تكن شيئًا مذكورًا، مع أننا سنرى بعد أن عبادتها قد انتشرت في كل أنحاء العالم الغربي بصورة بارزة واضحة، وبخاصة في العهود المتأخرة من تاريخ البلاد.

المرسوم: وهاك نص المرسوم كما جاء في متن «نسخنسو»:
(١) يقول «آمون رع» ملك الآلهة العظيم جدًّا مبدئ الخليقة:

إني أؤله «نسخنسو» هذه البنت التي وضعتها «تاحنت تحوتي» في الغرب، وإني أؤلهها في الجبانة، وإني أجعلها تتسلم ماء الغرب، وإني أجعلها تتسلم قرابين الجبانة، وإني أؤله روحها وجسمها في الجبانة، وإني لن أسمح قط بأن تهلك روحها في الجبانة، وإني من جديد، أؤلهها في الجبانة مثل كل إله وكل إلهة مؤلهة، ومثل كل شيء مؤله في الجبانة، وإني أجعلها تتسلم كل إله وإلهة وكل شيء على وجه عام مؤله في الجبانة، وإني أجعلها تتسلم في الجبانة كل شيء من أي شكل يحسن أخذه، وإني آمر بأن يُعمل لها كل الطيبات الخاصة بالإنسان، عندما تصبح في هذه الصورة الجديدة لتكون ملكًا لها (أي نسخنسو) سواء أكان مما يتسلمه الإنسان في الجبانة؛ أم مما يؤله له، أم من الخدمات الطيبات التي تعمل له خاصة بالمكان، أم بالأمر له بتسلم فطائره التي يتسلمها أولئك الذين ألهوا، وبالأمر له بتسلم شعائره من الشعائر التي يتسلمها أولئك الذين ألهوا.

(٢) يقول «آمون رع» ملك الآلهة، الإله العظيم جدًّا، مبدئ الخليقة:

إني أجعل «نسخنسو» هذه البنت التي أنجبتها «تاحنت-تحوتي» تتسلم من المأكولات والمشروبات التي يتسلمها كل إله وكل إلهة من الذين ألهوا في الجبانة، وإني آمر أن يكون «لنسخنسو» كل شيء جميل يكون لكل إله وكل إلهة من الذين أُلِّهوا في الجبانة، وبسبب ذلك سأخلص «بينوزم» خادمي من كل مجرم مؤذٍ، وبسبب ذلك لن أضايق «نسخنسو» بأية حالة يمكن مضايقتها بها في الجبانة، ولكني آمر بأن تخرج روحها إلى عالم الدنيا، وآمر بأن تدخل على حسب ما يرغب قلبها دون أن تطرد قط.

(٣) يقول «آمون رع» ملك الآلهة، الإله العظيم جدًّا، مبدئ الخلق:

إني أرشد قلب «نسخنسو» هذه الابنة التي وضعتها «تاحنو تحوتي» على ألا تعمل أية إساءة «لبينوزم» بن «إستمخب». وقد أرشدت قلبها، ولم أسمح لها بأن تفكر في أن تقصر بنفسها حياة (بينوزم) ولم أسمح لها بأن تختصر عمره (بوساطة آخرين) وقد أرشدت قلبها، ولم أسمح لها بأن ترتكب بنفسها جريمة ما ضد «بينوزم» من الجرائم التي يمكن ارتكابها ضد أي إنسان حي. وقد أرشد قلبها، ولم أسمح لها بأن تأمر أن يفعل آخرون ضده أي شيء فظيع مما يمكن عمله لقلب رجل حي.

(٤) يقول٢٠ «آمون رع» الإله العظيم جدًّا مبدئ الخليقة:
لقد كنت سببًا في أنها لم تفكر قط لترتكب ضد «بينوزم» بن «إستمخب» عملًا من الأعمال المسيئة القاتلة. وقد لاحظتها فلم تأتِ معه إساءة، ولا شيئًا من الأشياء الأخرى التي تضايق الرجل، ولم تأمر بفعل شيء من هذا ضده بوساطة أي إله ولا أية إلهة مقدَّسة، ولا بأي ملاك ذَكر مقدس، ولا بأي ملاك أنثى مقدسة، ولم تأمر بفعل ذلك ضده بوساطة أي طائفة من الناس الذين يكشفون عن كل أنواع الحظوظ؛ حتى يسمع كل الناس على اختلافهم (أو الأشياء) صوتهم (يقصد هنا السحرة). وقد لاحظتها وهي تبحث «لبينوزم» عما هو طيب، عندما كان على الأرض، وقد كنت السبب في أن تبحث عما يضمن له — بوساطة ما عمله — الحياة الطويلة على الأرض، والعيشة الهنيئة، والقوة، والغنى، والشجاعة؛ وكنت السبب في أن تبحث له بكل أعمالها في كل مكان يسمع فيه كلامها عن ضمان كل أنواع السعادة؛ وكنت السبب في أنها لم تبحث له عن أي عمل مسيء، ولا أي شيء مما يضايق الرجل، ولا أي شيء مما يخشاه «بينوزم» بن «إستمخب». وقد كنت السبب في أنها لم تبحث عن أي إساءة أو أذى سحري يجلب الموت، أو أي عمل مسيء من النوع الذي يملأ الرجل بالهلع (مثال ذلك): الأشياء التي تضايق الرجل أو المرأة من أحباب «بينوزم»، وذلك بملء قلبه بالرعب منهم بسبب الضرر الذي رموا٢١ به. وقد كنت السبب في أن تكون العلاقات القلبية بين «نسخنسو» وروحها ذات نظام حسن، يعني ألا يُلقى بعيدًا قلبها عن روحها، وأن روحها لا يُلقى به بعيدًا عن قلبها، وأن قلبها نفسه لا يُلقى به بعيدًا عنها، وبالاختصار ألا تبعد «نسخنسو» بأية حال بذلك البعد الذي يمكن أن يحدث لأي شخص يكون في هذه الحالة التي هي فيها بوصفه مثلها مؤلها في الجبانة بأية حالة كانت، وألا يحدث «لنسخنسو» ضرر من الأضرار التي يتعرض لها الإنسان الذي يكون في نفس الحالة التي توجد هي فيها، ولكن على العكس (لقد كنت سببًا) في عمل كل ما يدخل السرور على «نسخنسو»، أي إن كل ما يمكن أن يتأتى من خير، وأن يجعل الحياة المضاعفة الطول على الأرض عظيمة وقوية.

كل ذلك قد عمل لأجل «بينوزم» حتى لا يتأتى له أي نقص في مدة حياته، وألا يحدث ضرر من أي نوع كان من أولئك الذين يضايقون الناس، ويكونون غلاظ القلوب لأجل «بينوزم»، وكذلك حتى لا يحدث لأزواجه ولا لأطفاله ولا لإخوته ولا «لآتوي» ولا «نسيتانب إشرو» ولا «ماساهرتا» ولا «ثاوي نفر» أولاد «نسخنسو»، وألا يحدث ذلك لإخوة «نسخنسو»؛ ولقد كنت سببًا في كل ما يمكن أن يكون مفيدًا لها بأية حال، وكل ما يمكن أن يكون ملائمًا لها في كل حالة، وما يحدث لرجل في مثل هذه الحالة أن يحدث لها، أي إن كل سعادة وكل طول حياة عُملت بجمال مضاعف «لبينوزم»، وكذلك لأزواجه وأولاده وإخوته ولأولاد «نسخنسو» وأخواتها.

(٦) يقول «آمون رع» ملك الآلهة مبدئ الخليقة العظيم جدًّا:
إن كل الأشياء على العموم مهما كان نوعها تحدث للرجل الذي يوجد في الحالة التي فيها «نسخنسو»، والتي يرجع إليها السبب في تأليهه، فإني آمر بأن تكون «لنسخنسو»، وإني أجعل الناس يقولون أو ينشدون بأسمى الأناشيد السبعة والسبعين الخاصة «برع»، وهي لا تهزم بوساطتها روحه في الجبانة.٢٢
(٧) يقول «آمون رع» ملك الآلهة مبدئ الخليقة العظيم جدًّا:
إن كل كلام طيب «لنسخنسو» يؤلهها ويجعلها تتسلم الماء والقربان، وهو الذي سيُتلى أو سيقال أمامي من أي شخص فإني أستعمله لها جميعه بدون حذف. وكل كلام طيب سيقال في حضرتي لأجل «نسخنسو» سأعمله لها في كل فصل محدد للسماء،٢٣ عندما يخرج «شو»٢٤ حتى لا يحيق بها ضرر من الأضرار التي يمكن أن تلحق برجل يكون في هذه الحالة، التي فيها «نسخنسو» في كل فصل محدد للسماء، عندما يخرج «شو» إلى الماء بذراعيه، ويبتدي النهار في القبة الزرقاء، وكل كلام مسيء لرجل يكون في حالة «نسخنسو»٢٥ وينطق به، أو يقال على لسان أي واحد فإني أمنع مفعوله جميعه دون أن يحذف في كل فصل محدد (أي في أية ساعة) عندما يخرج «شهو» إلى الماء بأسلحته، وعندما يبتدئ النهار في القبة الزرقاء. وكل كلام قبيح، لرجل في الحالة التي فيها «نسخنسو»، سيقال أو سيقصه أي إنسان مهما كان فإني سأبعد مفعوله كلية، دون أن أبقى على شيء منه في كل ساعة عندما يخرج «شو» من الماء بأسلحته ويبتدئ اليوم في القبة الزرقاء.
(٨) يقول «آمون رع» ملك الآلهة مبدئ الخليقة العظيم جدًّا:

إني أجعل أناشيد «رع» السبعين تتلى باسمي، ولم أسمح بأن يحذف من أجل «نسخنسو» شيء من المتاع الخاص بمن يكون في هذه الحال التي توجد فيها «نسخنسو»، وآمر بأن تتسلم القربان والخبز والجعة والماء والعطر والنبيذ وشراب «شدح» والحبوب (؟) وآمر بأن تتسلم كل المتاع وكل الأشياء الطيبة للفرد الذي يكون في الحال التي توجد فيها «نسخنسو» المتمتعة بالحظوة لديه والتي ألهتها، وإني آمر بأن تكون على قدم المساواة مع كل إله وكل إلهة في تسلم المتاع الذي يتسلمه أولئك الذين قد ألِّهوا في الجبانة، وإني آمر بأن تتسلم شعائرها من مجموع ما للآلهة.

(٩) يقول «آمون رع» ملك الآلهة إله الخليقة العظيم:

وإذا لم يكن هذا الكلام — الذي يقرب به قربان إقليم «يارو» وحقوله — طيبًّا لمن يكون في هذه الحال التي فيها «نسخنسو» لم يُؤدَّ قط، فإني سأقدم قربان إقليم «يارو» وقربان أحد حقوله «لنسخنسو» بنت «تاحنت تحوتي» في اللحظة التي يظهر فيها ما هو طيب لها من هذا النوع. وهذا لا يسبب أي نقص حقًّا مما هو طيب لها من هذه القربان.

(١٠) يقول «آمون رع» ملك الآلهة إله الخليقة العظيم جدًّا:

إن كل الطيبات التي ذكرت في حضرتي وهي: إنها عملتها «نسخنسو» بنت «تاحنت تحوتي» فإني أعملها لها وإنها لم تنتقص حقًّا قط، وإنها لم تؤخذ منها قط، ولن يحدث منها شيء جديد في كل ساعة عندما يخرج «شو»، بل على العكس ستتسلمها مملوءة بباكورة كل ما هو طيب لها ككل رجل وكل إله قد قدِّس، ممن يخرجون ويدخلون في القبر، وممن يذهبون إلى كل مكان يرغبون فيه.

(١١) يقول «آمون رع» ملك الآلهة إله الخليقة الذي تناهت عظمته:

كل طيبات تذكر في حضرتي وهي: أعمل هذه الأشياء «لبينوزم» وابنه «من إستمخب» وخادمي، ولأزواجه ولأولاده ولإخوته ولأي شخص يحتل قلبه، ولمن فؤاده ملئ — من أجلهم — بالوجل، فإذا حدث لهم مكروه فإني أبعث بمرسومي العظيم السامي إلى كل مكان ليعمل كل طيب «لبينوزم» ولزوجاته ولأولاده ولأخواته، ولكل من يحتل مكانًا في قلبه حتى وإن لم يأتِ من يقول: لينفذ مرسوم «آمون رع» ملك الآلهة إله الخليفة العظيم، فإني آمر بأن ينفذ ما قاله هذا الإله العظيم.

تعليق: ولا نزاع في أن المطلع على هذا المتن يرى فيه أنه تعاقد صريح بين الإله والمتوفاة. ومعنى الوثيقة — على الرغم مما تحتويه من ألفاظ قانونية صعبة الفهم — ظاهر، فالمقدمة في الواقع، شديدة الغرابة بالنسبة لتاريخ الأفكار الدينية؛ إذ نعلم منها إلى أي حد قد تقدم علماء اللاهوت الطيبيون في طريق فكرة وِحدة الإِله، وكيف أنهم وفَّقوا بينها وبين وجود آلهة أخرى غير «آمون». ولا غرابة في ذلك فإن فكرة التوحيد التي جاءت على يدي «إخناتون» قد ضربت بأعراقها في أصول الديانة المصرية، حتى إنها بعد أن اختفت ظاهرًا باختفاء مؤسسها قد تركت أثرها الباقي الذي نشاهده في هذا المتن وغيره من المتون الدينية، التي ظهرت في عهد الأسر التي تلت الأسرة الثامنة عشرة، ولكن بصورة مختلفة بعض الشيء.
وهذا وتؤكد لنا المواد المختلفة التي يحتويها المتن — مرة أخرى — الأفكار التي استخلصناها من دراسة كنه الروح، وكذلك تصوِّر الحياة الأخرى. هذا إلى نوع الأشياء التي كان يعتقد فيها أنها لازمة للمتوفى، فكانت «نسخنسو» تتسلم ما تأكله وما تشربه دون أن تتحدث عن ملكية صغيرة في حقول «يارو»،٢٦ وكانت في مأمن تام من الأخطار الخارجة عن حد المألوف. فقد أعلن «آمون» في صراحة أنها مدينة بهذه السعادة إلى حسن السلوك، الذي برهنت عليه بما فعلته مع زوجها من حسن معاشرة والبعد عن ارتكاب ما يغضبه. وكان هذا الحكم مسببًا بأسباب قوية، ولا بد أنه كان صورة صادقة للأحكام التي كان يصدرها الفرعون وقضاته. وينبغي أن نلاحظ هنا مرة أخرى هنا أن الأحكام والعادات التي كانت تتبع في عالم الآخرة ليست إلا صورة لما كان يجري في الحياة الدنيا؛ لأن المصري — كما ذكرنا من قبل — كان يعتقد أن عالم الآخرة ليس إلا صورة تقريبية لعالم الدنيا (راجع Maspero, Momies p. 594 ff).

تابوت «نسخنسو»

وقد عُثر على تابوتين في خبيئة «الدير البحري» لهذه الأميرة، غير أن الفحص قد دل على أنهما كانا قد جُهزا في بادئ الأمر للأميرة «إستمخب»، ثم غُطي اسم هذه الأميرة الأخيرة بطلاء أحمر كتب عليه اسم «نسخنسو» باللون، وقد سقطت طبقة اللون فيما بعد، وظهرت من تحتها الكتابة الأصلية في جهات مختلفة من سطح التابوتين (راجع A. Z. 1883 p. 70 ff) والألقاب المشتركة لهاتين الأميرتين ذكرت على السطح الأعلى للتابوت في سطرين عموديين، وهي:

(١) «أوزير» رئيسة كبار الحظيات الأولى «لآمون» ملك الآلهة، وكبيرة بيت «خنسو» في طيبة «نفرحتب»، وكاهنة «آمون» رب «تاورت»، وكاهنة الإلهة «نخبت» البيضاء، وكاهنة «أوزير» و«حور» بن «إزيس» في «العرابة»، وكاهنة «حتحور» سيدة «قوص»، والأم المقدسة «لخنسو» الابن الأكبر «لآمون رع» ملك الآلهة «تاحرتي شبسس» «نسخنسو» المرحومة (٢) «أوزير» رئيسة كبريات الحظيات الأولى «لآمون»، ملك الآلهة، كبيرة بيت «موت» العظيمة، ربة «إشرو»، وكاهنة «موت» العظيمة ربة «إشرو»، وكاهنة «أنحور شو» بن «رع»، وكاهنة «مين حور» و«إزيس» في «أبو»؛ وكاهنة «حور» رب «زوف» والأم المقدسة «لخنسو» الابن الأكبر «لآمون» ملك الآلهة، «تاحرتي شبسس» «نسخنسو» المرحومة.

وقد اتضح من فحص محتويات هذين التابوتين عند وصولهما إلى «متحف القاهرة» أن أحدهما، وهو رقم ٥٢٠٩ يحتوي على مومية «رعمسيس الثاني عشر» كما يظن «مسبرو» (راجع Maspero Ibid 566 ff). ويحتوى التابوت الآخر رقم ٥٢٠٨ على مومية «نسخنسو». (انظر صورة المومية ٢) وقد دل الفحص على أنهما لم ينهبهما اللصوص الأحداث. وعندما نزعت الأربطة وجد على المومية نوع من الحصير الذي وجد على مومية «بينوزم الثاني»، وتحت ذلك قماط سميك من الأشرطة التي ربطت بعناية فائقة، وكان الجسم محفوظًا حفظًا جيدًا. ومن المدهش أن العينين والفم كانت قد غطيت بقشرة بصل بحيث تغطي الجزء الذي وضعت فوقه، وقد وجد في أثناء فحص المومية لفافة مزقت اثنتين باسم الكاهن الأكبر «لآمون بينوزم» بن «منخبر رع» لسيده «آمون» في السنة الثالثة، ثم حلية من الجلد كُتب عليها الكاهن الأكبر «لآمون بينوزم» ابن الملك «بسوسنس» بالمداد الأحمر.
وقد وجد لهذه السيدة لوحة من الخشب في حيازة «روجرس»،٢٧ وكذلك لوحة أخرى نشرها الأثري «برش».٢٨ وكذلك لوحة في «المتحف المصري» قد أشرنا إليها فيما سبق عند الكلام على مرسوم «آمون» الخاص بهذه الأميرة.
هذا وقد اشترى «ديوك هاملتون» عام ١٨٧٦ أواني أحشاء هذه الأميرة (راجع Rec. Trav. IV, 1883, p. 80-81).

ومن كل ما سبق يمكن أن نستنبط أن «نسخنسو» كانت ابنة «تاحنت-تحوتي»، وأنها توفيت في السنة الخامسة من حكم الفرعون «سمندس» على ما يظن، وأن الحوادث الرئيسية التي ذكرت في المرسوم قد حدثت في السنة السادسة. وهذا المنشور كما ذكرنا يماثل المرسوم الذي وضع لأجل «ماعت كارع»، فهو يقدم لنا نوعًا من التقديس العظيم للحقوق والمزايا التي منحتها هذه الأميرة وورثتها من بعدها أولادها.

والواقع أن مثل هذا الحفل أو التقديس كان لا يؤدَّى إلا في الأعمال الهامة من أعمال الحياة. ويرجع الفضل إلى «نسخنسو» في أنه أصبح في حيازتنا الصيغ التي كان يستعملها «آمون رع» في عالم الآخرة، كما يرجع الفضل إلى الأميرة «ماعت كارع» في أنه أصبح في متناولنا الصيغ التي كانت تستعمل في الزواج، عندما انتقلت هذه الأميرة إلى إقليم الجنوب، وقوِّم لها مهرها. وعلى الرغم من أن متن «إستمخب» الثانية كان ممزقًا شر ممزق، فإنه لا يمكن أن نتجاهل أنه كان يشبه كثيرًا متن الأميرة «ماعت كارع»، وأنه كان يشير إلى زواج ومهر هذه الأميرة.

وعلى أية حال فإن العقود التي من هذا النوع كان لا يمكن أن تعلق في المعبد إلا إذا كان لها علاقة مباشرة بشخص الرئيس الديني للدولة الطيبية. والواقع أن الأميرات كنَّ كثيرات في حريم أعضاء أسرة الكهنة، حتى إنه إذا أريد نشر عقد كل منهن لا تتسع له جدران المعبد. والسبب الذي من أجله منحت «إستمخب» شرف نشر مرسومها هي أنها على ما يظن قد تزوَّجت من الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني». وهي مثل جدتها «إستمخب الأولى» قد أصبحت زوجة عمها، وذلك في السنة السادسة من حكم الفرعون، أي بعد وفاة «نسخنسو» بنت «تاحنت تحوتي»، وعلى ذلك فالفقرة التي جاء فيها ذكر «نسخنسو» بنت «سمندس» قد وضعت للموازنة بين ما فعله «سمندس» لابنته «نسخنسو» وما يفعله لابنته الأخرى «إستمخب» الثانية. وعلى ذلك يظهر أنه يشير إلى زواج عقد على «نسخنسو» في أحوال مشابهة للتي تم فيها زواج «إستمخب» الثانية؛ أي عندما تزوجت عمها «بينوزم»، وعلى ذلك يمكن وضع سلسلة نسب هذه الأسرة كالآتي:

الكاهن الأكبر «منخبر رع» تزوج «إستمخب» (وهي بنت أخيه) وقد أنجبا الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» و«نسوبانبدد».

وتزوج الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» من أختين له، الواحدة بعد الأخرى، وهما «نسخنسو»، وقد ماتت في السنة الخامسة من عهد الفرعون، ثم تزوج «إستمخب٢٩ الثانية» في السنة السادسة من عهد الفرعون بعد موت «نسخنسو»، وهي أختها من أبيها «سمندس»، وقد أنجب «بينوزم الثاني» من «نسخنسو» أربعة أطفال، وهم: الأميرة «آثاوي»، والأميرة «نسيتانب إشرو»، والأميرة «ماساهرتي الثالث»، ثم الأميرة «تاوي نفر».

ومهما يكن من أمر سلسلة النسب هذه فإن نسخنسو كانت صاحبة مرتبة علية في الحكومة؛ فلم تكن زوج الإله أو متعبدة الإله وحسب، بل إن الألقاب التي كانت تحملها تلقي بعض الضوء على تاريخ هذا العصر.

ونجد هذه الألقاب موزعة على لوحتها، وعلى أواني أحشائها، وعلى تابوتها، وعلى كفنها. فتحمل الألقاب التالية على إحدى أواني أحشائها: الرئيسة العظيمة لحريم «آمون» الأولى، وابن الملك صاحب «كوش»، ومدير البلاد الأجنبية الجنوبية. وعلى أخرى: الرئيسة العظيمة الأولى لحريم «آمون»، وكاهنة الإله «خنوم» رب «كبحت حرتي شبست».

أما لوحتها فقد اشتريت من الأقصر، وقد مثلت عليها الأميرة واقفة أمام «أوزير» متعبدة له، وقد جاء عليها من الألقاب خلافًا لما ذكرنا على أواني الأحشاء ما يأتي: (راجع Maspero, Ibid p. 712) المشرفة الرئيسة الأولى لحريم «آمون رع» ملك الآلهة، وكاهنة «خنوم» رب «كبحو» (الشلال) وابن الملك صاحب «كوش»، ومدير بلاد الجنوب … إلخ.
وهذه هي المرة الأولى التي نجد فيها أميرة من بيت الكهنة العظام تحمل لقب «نائب بلاد كوش» و«مدير البلاد الأجنبية الجنوبية». وهذان اللقبان كانا خاصين بالرجال كما نعلم من كل ما لدينا من النقوش. والواقع أن أملاك الكهنة الأول كانت تمتد حتى نهاية بلاد النوبة جنوبًا وإلى بلدة الحيبة شمالًا، حيث قد أقيمت هناك عدة تحصينات. ولا نزاع إذن في أن لقب نائب «بلاد كوش» لم يكن لقبًا أجوف، فنحن نذكر من جهة أخرى أن «حريحور» ومن بعده ابنه «بيعنخي» كانا يحملان هذا اللقب بحق؛ ولذلك يتساءل الإنسان هل كان هذا اللقب مجرد ذكرى بقيت في ألقاب الكهنة العظام الذين أتوا بعدهما؟ وعلى أية حال يجب أن نذكر هنا أنه في عهد كل الأسرات المصرية كانت بلاد النوبة كلها تحت سلطان النائب على «بلاد كوش». ولا غرابة في ذلك فإن بلاد النوبة التي من الشلال الأول حتى الشلال الثاني كانت في كل عهود التاريخ المصري قطعة طبيعية من مصر، لدرجة أنها كانت تتبع التقلبات التي تمر بالبلاد المصرية نفسها، ويكون مصيرها في معظم الأحيان مصير مصر نفسها، فنجد أن هذا الجزء من وادي النيل يسمى الدود كثير في العهد الإغريقي، ويسمى Ccommilitonium في العهد الروماني، وإقليم «الدر» في العهد التركي، وكان كل منها مرتبطًا بالإقليم الواقع في شمال «أسوان» وحتى إلى عهد قريب كان هذا الإقليم الواقع بين «أسوان» و«وادي حلفا» ضمن مديرية «إسنا»، وهو الآن تابع لمديرية أسوان. وعلى ذلك فإنه من المحتمل جدًّا أن الكهنة العظام الذين كانوا يسيطرون على «إلفنتين» كما تدل النقوش على ذلك كانوا يحكمون كذلك بلاد النوبة، وهذا هو السبب الذي جعلهم يحملون لقب نائب بلاد النوبة، وكذلك يخلعونه على أبنائهم ذكورًا وإناثًا (راجع Maspero, Iibid p. 714).

أولاد «بينوزم الثاني»

بسوسنس

وهو الذي أصبح فيما بعد الكاهن الأكبر «لآمون» (راجع L. R. III, p. 283). أما أولاده الآخرون فهم: «أتاوي»، و«نسيتانب إشرو»، و«ماساهرتي»، و«ثاوي نفر» وكلهم من الأميرة «نسخنسو» كما ذكرنا آنفًا (راجع Ibid p. 283).
fig31
شكل ٢: مومية الملكة «نزمت» (انظر الكلام عليها «حريحور»).
وقد وجدت مومية «نسيتانب إشرو» وتابوتاها في خبيئة الدير البحري.٣٠ وقد وجد على مومية هذه الأميرة نسيج كتب عليه «إستمخب» والدة «نسيتانب إشرو» في السنة الثالثة عشرة من حكم ملك يحتمل أنه «بسوسنس الثاني» (؟) (انظر صورة مومية هذه الأميرة ٢ من هذا الكتاب وقد كتب تحتها «خطأ» مومية الملكة «نزمت») (راجع Maspero, Ibid. 573–710) وكذلك وجد لها تماثيل جنازية صغيرة محفوظة «بالمتحف المصري».٣١
ويظن «مسبرو» أن «نسيتانب إشرو» هذه قد تزوَّجت من كاهن «آمون» المسمى «رد بتاحنعنخ» وهو الذي قد حفظت كل من موميته وتابوته «بالمتحف المصري»، وأنه مات في عهد «شيشنق الأول» الذي بدأت به الأسرة الثانية والعشرون البوبسطية. وهذه الشخصية العظيمة قد جاء ذكرها على تابوت٣٢ الكاهن الثاني، والكاهن الثالث «لآمون رع» ملك الآلهة … ابن «رعمسيس رد بتاحنعنخ». وله كذلك تماثيل صغيرة، وكذلك صناديق فيها تماثيل صغيرة (راجع Maspero, Ibid p. 59).
١  راجع: Wreszinski, Die Hohenpriester des Amon § 39.
٢  راجع: Daressy, Rev. Archeol. 1896 Tom. I pp. 87 & 89.
٣  راجع: Daressy, Rev. Archeologique. 1896, t. I p. 77.
٤  راجع مصر القديمة ج٤.
٥  راجع: Wiedemann, Gesch, p. 543.
٦  راجع: Mariette, Cat. Gen. Abydos Nr. 1222; Mariette, Abydos II, p. 36, 37.
٧  راجع: Spiegleberg, Rechnung Text. 87 ff.
٨  راجع: Naville, Inscription Historique Pinodjem III (?) 1883.
٩  ووظيفة الكيال كانت من الوظائف الهامة الوراثية التي كان يتعاقبها الابن عن الأب ولا تزال هذه مهنة موجودة في مصر الحديثة تتوارث أيضًا.
١٠  هذه الفقرة لا تشير إلى إصلاح قبر «نمروت» الذي خرب بل تهدد بالموت كل فرد يجرؤ على نهبه.
١١  راجع: Br. A. R. IV § p. 671.
١٢  أي الأشعة والنور.
١٣  الاعتقاد القديم أن بني البشر خلق من دموع الإله الأزلي «رع».
١٤  أي في دورته بالليل والنهار.
١٥  راجع: Ed. Meyer, Gottestaat, Militarherrschaft und Standewesen in Aegypten, Akademie der Wissenschaften zur Berlin Phil-hist, Kr 1928 p. 495–532.
١٦  راجع مصر القديمة ج٦.
١٧  راجع الأدب المصري القديم ج٢ ص٧ الخ.
١٨  كما هي الحال مع أهل السنة فإنهم لا يدخلون في تفاصيل عن الخالق وكنهه.
١٩  إله الشمس «رع».
٢٠  راجع: Schott, Altagyptische Liebeslieder p. 152.
٢١  المقصود من هذه العبارة على ما يظهر هو أن «نسخنسو» لم تقم بأي عمل سحري يكون من جرائه الموت أو يملأ قلب «بينوزم» بالهلع والكره من الناس الذين يحبهم، وهذه هي أفانين السحر الذي نسمع به في أيامنا مما يقوم به الدجالون.
٢٢  أي في كل ساعة من ساعات النهار.
٢٣  أي في كل ساعة من ساعات النهار.
٢٤  الإله «شو» هنا يعادل قرص الشمس.
٢٥  أي في عالم الآخرة.
٢٦  حقول في جنة الآخرة ينعم بمحاصيلها المقربون.
٢٧  وتحتوي لوحة «روجرس» على ملخص لمرسوم «آمون» الذي عمل للأميرة «نسخنسو» وهي مؤرَّخة بالسنة الثامنة من حكم الفرعون «سيآمون»، وهي الآن في «متحف اللوفر» وقد جاء عليها اسم والدتها، وهي «تاحنت نحوتي» بدلًا من «تاحن تحوتي» الذي وجد في البردية (راجع L. R. III p. 281 N. 2).
٢٨  راجع: Birch. Proceeding of Bib. Arch. 1882-1883 pp. 76–80.
٢٩  ويقول «جوتييه»: (راجع L. R. III p. 282, Note 2) إن «إستمخب» هذه هي بنت «سمندس»، وعلى ذلك تكون أخت «نسخنسو» ويجب ألا نخلط بينها وبين سميتها بنت الكاهن الأكبر «منخبر رع» (راجع Ibid. p. 272-3) وقد عُزي خطأ إلى «إستمخب» هذه الآثار التي تنسب لابنه «منخبر رع» التي وجدت في خبيئة الدير البحري (راجع Petrie, Hist. III p. 216) و«إستمخب» التي نتحدث عنها الآن هي «إستمخب» الثانية التي ذكرها «مسبرو» وهي التي تزوجت من عمها الكاهن الأكبر «بينوزم الثاني» بعد وفاة «نسخنسو» زوجه الأولى، أي بعد السنة الخامسة، ويحتمل السنة السادسة من حكم الفرعون.
ويقول كذلك إن «إستمخب» هذه هي بنت «سمندس» (راجع Ibid. p. 283 Note 1) و«حنت تاوي» الثانية (Ibid. p. 273 Note 3) وعلى ذلك تكون أخت «نسخنسو» من أبيها ولكن كل واحدة منهما من أم مختلفة. وذلك لأن «نسخنسو» هي بنت «حنت تحوتي» ومن المحتمل أن «إستمخب» هذه قد تزوجت من «بينوزم الثاني»، ولكن ليس لدينا أي برهان على صحة هذا الزواج.
٣٠  راجع: Elliot Smith. The Royal Mummies No. 6109 pp. 109–111 & Pl. LXXXV etc.
٣١  راجع: Cat. Gen. Cerceuil des Cachettes Royales p. 200.
٣٢  راجع: Ibid, No. 61034, p. 200 ff.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤