الفصل الحادي عشر

اللجوء إلى وكالة خدمات حماية الكبار

إحدى الحقائق القاسية بشأن الخرف أن الأمور أحيانًا تخرج عن السيطرة بصورة مريعة، رغم النوايا الصادقة لأفراد الأسرة المراعين والحنونين. ويمكن لهذا أن يحدُث في أي وقت، حتى في المراحل المبكرة من المرض، لكن في العموم تتفجر مشكلاتٌ أكثر مع زيادة تفاقم المرض. توجد عدة سيناريوهات قد يكون فيها اللجوء إلى وكالة خدمات حماية الكبار أمرًا مبرَّرًا.1 فقد يكون الشخص المصاب بالخرف منخرطًا بالفعل في علاقة رومانسية غير ملائمة، أو بعد أن يجري تشخيص مرضه قد يدخل حياته شخص جديد؛ شخص متآمر وينوي استغلاله. فالخرف لا يسمح له بأن يرى ما هو جليٌّ للآخرين جميعًا. وثمة مواقف أيضًا يكون فيها أحد أفراد الأسرة مهملًا أو حتى مسيئًا. وطبقًا لما ورد عن شخصٍ أعرفه، وتواصل مع وكالة خدمات حماية الكبار، أن موظف الوكالة الذي تلقَّى اتصاله أخبره أن غالبية المكالمات التي تصل الوكالة تكون ذات صلة بإهمال مقدِّم الرعاية.

وفي بعض الأحيان لا تنطوي المشكلة على طرفٍ ثانٍ. بل بالأحرى، يُصبح الفرد الذي شُخِّصت حالته مصدرَ خطر على نفسه برفضه تلقي الرعاية، أو رفضه فكرةَ الانتقال إلى مرافق الرعاية الداعمة، أو حتى إلى منزل أحد أقاربه. فمن منظور المريض بداء ألزهايمر، يمكن للبيت أن يكون حصنًا، لكن يمكن أن ينطوي الأمر على قَدْر هائل من الخطورة إذا ما عاش في ذلك الحصن بمفرده.

يوجد بكل ولاية أمريكية وكالة خدمات حماية الكبار، وتوجد اختلافات بين ولاية وأخرى، لكن الأساسيات واحدة. فإذا ورد تقريرٌ بأن أحد الأشخاص الذين يتجاوز عمرهم الستين يتعرَّض لسوء معاملة أو لإهمال، أو إذا كانت ثمة شكوك حول تعرُّضه لاستغلال — سواء كان جسديًّا أو ماليًّا أو معنويًّا — فإن وكالة خدمات حماية الكبار ستفتح تحقيقًا في ذلك. وإذا ما قرَّرت الوكالة أن التقرير يبرِّر ذلك، فسيُتبِعون تحقيقهم بإجراء مقابلة مع الشخص الذي يُقال إنه يتعرَّض للاستغلال، وأيضًا مع أفراد الأسرة ومقدِّمي الرعاية المعنيين. وفي الحالات الشديدة، تملك وكالة خدمات حماية الكبار خيارَ إشراك الشرطة في الأمر. ويحدث الأمر بالتسلسل نفسه إذا ما رفض الشخص مغادرةَ منزله. ستحقق الوكالة ما إن كان ذلك الفرد يشكل خطرًا على نفسه.2

وفي عالم الخرف، يمكن أن تكون الأمور خادعة وشائكة. على سبيل المثال، سيدة لها والدة مطلَّقة، شُخِّصَت حالتها بداء ألزهايمر، وكانت تلك الوالدة تواعد رجلًا تعتقد ابنتها أنه يستغلُّها ماديًّا ولا يعتني بها عنايةً ملائمة. يذهب الرجل معها إلى زيارات الأطباء، ونصَّب نفسه مسئولًا عن أدويتها، ويتخذ قراراتٍ انفرادية من جانبه حول ما ينبغي أن تتناوله من دواءٍ وما لا ينبغي لها تناوله. أمُّها هي في الأساس مَن يعوله، ولكن حتى لو كان يوجد دليل مالي يثبت أن الرجل أخذ هذا المال، فأمها تزعم أنها هي مَن أرادت أن تعطيه إياه، ولا ترى أنه يهمل احتياجاتها. قد تكون المرأة في حالة نكران بشأن شدة إصابتها بالخرف، وقد تشعر بأنها ليست في حاجة لمساعدة من أحد، وتلك عقبة كبيرة أخرى.

يمكن للابنة أن ترفع تقريرًا لوكالة خدمات حماية الكبار، وعلى الأرجح ينبغي أن تفعل. ولو وجدت وكالة خدمات حماية الكبار أن هناك ما يحتاج التحقيق، فستحدِّد موعدًا للتحدُّث مع الأم. لكن إن أخبرتهم بأن كل شيء على ما يُرام، وأنها لا تتعرض لاستغلال على الصعيد المالي، وأنه لا يوجد وجهٌ من أوجه الإهمال، فسيتعيَّن على ممثِّل الوكالة القبول بذلك. بالطبع، يتحتَّم أيضًا على وكالة خدمات حماية الكبار أَخْذ شكوى الابنة في الاعتبار. لكن ليس باستطاعتها أن تأمر الرجل بالخروج من حياة الأم. وإن كان الرجل مذنبًا باستغلال الأم ماليًّا، فيرجح أنه بارع في خداع الناس وإظهار نفسه بمظهر البريء. ويمكن لموقفٍ كهذا أن يصبح معقَّدًا جدًّا والنتائج ليست دائمًا ما ترغب فيه الشاكية. لكن عمل شكوى يفتح على الأقل سجلًّا في حال ظلت الأمور تسوء.

ويمكن اتخاذ إجراءات احترازية أخرى. إذ يمكن لأفراد الأسرة مخاطبة البنك لجعله على دراية بقلقهم وشكوكهم المتعلقة بالشخص العزيز عليهم، وبهذا يكون البنك في حالة تأهب. ويوجد أيضًا محامو رعاية المسنين الذين يتخصصون في هذه المواقف المعقَّدة.

وفي بعض الأحيان، قد يرغب شخصٌ ما في تقديم شكوى إلى وكالة خدمات حماية الكبار دون الكشف عن هويته، وهو ما يمكن فِعله. على سبيل المثال، إن كان أحد أفراد الأسرة مهملًا أو مسيئًا، قد يرغب الأقرباء الآخرون في تلقي مساعدة من وكالة خدمات حماية الكبار وفي إبقاء هويتهم مخفية لتجنُّب تفجُّر الموقف. أو يمكن لأحد الجيران أن يرى أشياءَ تثير الريبة والقلق، لكنه قد لا يرغب في أن يتورَّط في الأمر بصفة شخصية. إن وكالة خدمات حماية الكبار تحقِّق في الشكاوى المقدمة من مجهولين.

والمحزن أن ثمة الكثير من الحالات التي يوضع فيها شخص مريض بالخرف تحت رعاية أحد أفراد أسرته، وقد يعيش حتى في منزل ذلك الفرد من أسرته، ويُعثَر على هذا الشخص المريض يتجوَّل هائمًا في الحي، أو يبدو عليه أنه غير مُحمَّمٍ أو غير مهندم. لا شك أن في ذلك مدعاةً لإبلاغ وكالة خدمات حماية الكبار، ويمكن لأي أحد أن يفعل ذلك؛ سواء أكان جارًا أو حتى موظَّف توصيل طلبات أو ساعي بريد. لكن إذا ما جاء ممثلو وكالة خدمات حماية الكبار ولم يُسمح لهم بدخول المنزل، فلا يمكنهم أن يدخلوا عَنوة. وقانونيًّا، إذا وجد ممثلو الوكالة ذلك ضروريًّا، فسيتعيَّن عليهم حينها إشراكُ الشرطة في الأمر والحصول على مذكِّرة.

وبمجرد دخولهم المنزل، يفتِّش ممثلو الوكالة البيئةَ المحيطة ويقيِّمون الأوضاع الجسدية والذهنية للمصاب بالخرف. ويلتقطون صورًا فوتوغرافية من داخل المنزل ليوثِّقوا ما إن كان مأمونًا على ذلك الفرد أن يعيش هناك. ويحاولون تحديدَ ما إن كان ذلك الفرد مؤهلًا لأن يحافظ على نظافته، ويعرف كيف يستخدم أدوات المطبخ وأجهزته، ويفهم ما ينبغي له تناوله من طعام وما لا ينبغي له وضعه في فمه. وسيبحثون عن علامات على سوء المعاملة أو الإهمال. وإن كان فردٌ من أفراد الأسرة يتمتع بوكالة قانونية عنه، فسيرغبون بكل تأكيد في التحدث إليه.

وحين تقرِّر وكالة خدمات حماية الكبار أن المصاب بالخرف بحاجة إلى أن يكون في منشأة رعايةٍ ما، وكان أفراد الأسرة، حتى ولو كانوا يحملون وكالة قانونية، مهمِلين، فسيتحتَّم تعيينُ وصيٍّ. ويتطلَّب هذا اللجوء إلى القضاء. ويتولَّى محامو رعاية المسنين هذا الشأن. فيجب على المحكمة أن تقرِّر أن المريض غير قادر على رعاية نفسه، ولا يتعيَّن بالضرورة أن يكون الوصيُّ من أفراد الأسرة. فقد يكون اختصاصيًّا اجتماعيًّا أو شخصًا آخر تعيِّنه المحكمة.3

أحد المواقف التي كنت أسمع عنها كثيرًا في مجموعة الدعم، وأظن أنه يحدث باستمرار، أن يرفض شخصٌ جرى تشخيص حالته بداء ألزهايمر أو أحد أشكال الخرف الأخرى أن يغادر المنزل، أو أن يسمح لمقدِّم رعاية بدخول المنزل. وقد سمعت عن حالاتٍ جاء فيها ممثل وكالة خدمات حماية الكبار ليتحدَّث إلى المريض، ولم يُسمَح له بالدخول من باب المنزل. كما سمعت أيضًا بمرضى الخرف يكذبون، ويزعمون أنهم يتعرَّضون لسوء معاملة على يد فرد من الأسرة، في حين أن ذلك ليس حقيقيًّا. وفي بعض الأحيان لم يكن باستطاعة فرد الأسرة المتَّهم بسوء المعاملة أن يدخل إلى المنزل أيضًا. وعملاء وكالة خدمات حماية الكبار مدرَّبون على تقييم الحالات التي يتقدَّم فيها المصابون بالخرف بادعاءات؛ سواء بأنهم على ما يُرام، أو بأنهم يتعرَّضون لسوء معاملة. ولكن لا يوجد نظام مثالي، وعملاء الوكالة لا يملكون قدرات خارقة للطبيعة؛ لذا يمكن لهذه التجربة أن تكون مرهقةً للغاية. ويمكن لكثيرٍ من الأمور أن تنحرف عن المسار الصحيح.

والظروف التي تجعل من المستحسن التواصلَ مع وكالة خدمات حماية الكبار، أو توكيل محامٍ مختص برعاية المسنين، يمكن أن تدفع أفراد الأسرة إلى شفير الانهيار. فهي تأخذ موقفًا متأزمًا بالفعل، ومليئًا بالانفعالات، وتزيد من حدَّته. ومع ذلك، فكلفة عدم اتخاذ إجراء يمكن أن تكون خَطِرة.

شخصٌ ما في مجموعة الدعم الخاصة بي، كان والده يرفض أن يغادر المنزل أو أن يسمح لأي أحد بالدخول، صرخ حرفيًّا تعبيرًا عن السخط، قائلًا: «لماذا لا يمكنني الدخول إلى والدي؟»، ملقيًا باللائمة على نفسه؛ لأنه لم يكن قادرًا على حل هذه الأزمة. كنت أعرف أن العلاقة بينهما لم تكن يومًا وثيقةً أو تتسم بالتواصل. وتذكَّرت شيئًا قالته ماريان ويليامسون قبل سنوات عديدة. كانت تتحدث عن العمل الذي قامت به مع المصابين بالإيدز في بداية حياتها المهنية، وقالت إنها ذات مرة سألت الرب عن السبب في أنها لا يمكنها ببساطة أن تلمس شخصًا مصابًا بنقص المناعة المكتسَب وتشفيه. إذ كانت في نهاية المطاف تلقي محاضرةً عن المعجزات؛ وكانت تعرف أن حالات شفاء إعجازية قد جرت على مدار التاريخ، وكانت تؤمن بها، فلماذا إذن لا تستطيع أن تُجري معجزة كتلك؟ وكان الرد الذي سمِعته في ذهنها: «لماذا لا يمكنكِ الحفاظ على هدوئكِ حين تتصل بكِ والدتكِ؟»

عادةً ما نظن أنه ينبغي أن نكون قادرين على فِعل شيء هائل، في حين أننا لم نتقن حتى الخطواتِ الصغيرة، كالحفاظ على هدوئنا حين تتصل والدتنا. هذا هو الوقت الذي يكون فيه حل، رغم كونه مُستَهجَنًا، كالتواصل مع وكالة خدمات حماية الكبار هو الإجراء الأفضل. في بعض الأحيان لا يمكنك ببساطة أن تصلِح الأمور بنفسك.

•••

تَذَكَّر أن وكالة خدمات حماية الكبار وكالةٌ حكومية؛ لذا لن تكون بالقدْر الذي توده من السرعة أو الدقة. وإن تحتَّم عليك سلوك هذا المسار، ينبغي لك أن تكون استباقيًّا وصبورًا. وقد تحتاج إلى إجراء عدد من المكالمات الهاتفية قبل أن تتلقى ردًّا. ولكن، كما قلتُ من قبل، الخيارات المتاحة محدودة إذا كان الشخص العزيز عليك يتعرَّض لسوء معاملة بشكلٍ ما، أو يرفض تلقي الرعاية في منزله.

قد يبدو مستحيلًا أن تجدَ ما يدعو للامتنان في هذه الظروف، لكن فَكِّر في الآتي: ماذا لو لم تكن توجد وكالةٌ تلجأ إليها؟ ماذا لو تُرِكتَ لتتصرَّف وحدَك بينما والدك المسن يحبس نفسه داخل البيت، ويرفض الرعاية؟ أو كان يتعرَّض لاستغلالٍ مالي أو جسدي على يد فردٍ آخرَ من أفراد الأسرة، أو مقدِّم رعاية مستأجَر، أو شخص آخر سُمِح له بدخول حياته؟

في حالات إساءة المعاملة، تواصل دائمًا مع وكالة خدمات حماية الكبار وتقدَّم ببلاغ. وإن كنت واثقًا من أن الإيذاء الجسدي أو الإهمال يقع، فقد ترغب في أن تشدِّد على أن تتدخَّل الشرطة في الأمر. وفي حال كان الشخص العزيز عليك يتهرَّب من الرعاية في البيت، ويرفض أن يغادره ويذهب إلى مكانٍ أكثر أمنًا، فجرِّب أولًا الحلول الأخرى كلها؛ كالتدخُّل الأسري، أو تدخُّل رجل دين إن كان ذلك ملائمًا. وإن لم يُجدِ أيٌّ من هذه الحلول نفعًا، فإن قرار إقحام وكالة خدمات حماية الكبار في الأمر هو أفضل ما يمكنك فِعله. إن السيناريوهات المأساوية المحتملة التي يمكن أن تقع جراء ترك مريض بالخرف وحدَه؛ عديدةٌ ومرعبة، ولن ترغب أبدًا في أن يتحمَّل ضميرك أيًّا منها.

في بعض الأحيان يكون الناس قد قطعوا وعودًا لآبائهم بأنه سيكون بإمكانهم دومًا البقاءُ في المنزل، مهما يكن. لا يمكنك أن تتراجَعَ عما سبق أن قلتَه، لكن إن كنت تفكِّر في قَطْع مثل هذا الوعد، فمن الأفضل ألَّا تفعل. فأنت لا تملك أدنى فكرةٍ عن المنعطفات التي يمكن أن تسلكها مجريات الحياة. ومع أنه قد يبدو من النبل والشهامة أن تؤكِّد لوالدك أنه لن يُضطر أبدًا إلى مغادرة بيته، فقد يتبيَّن أن هذا ليس واقعيًّا. أعرف أناسًا قطعوا هذا التعهد، ثمَّ تعيَّن عليهم بعد ذلك أن يواجهوا حقيقةَ أن داء ألزهايمر جعل من المستحيل أن يظل الوالد في البيت، وكان الخيار الوحيد الذي ينم عن المسئولية هو نقله إلى منشأةٍ يحصل فيها على رعايةٍ مستمرة. ولا يسع أولئك إلا أن يأملوا أن يُنسى ذلك التعهُّد.

من المؤسف أن المريض بالخرف لا ينسى ما تتمنَّى أنت أن ينساه.

«ابحث في داخلك عن البهجة، والبهجة ستُخمِد الألم.»

جوزيف كامبل

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤