الليمون

كاجي موتوجيرو

بعد أن بدأ كاجي موتوجيرو (۱۹۰۱–۱۹۳۲م) دراسةً تقنية ليُصبح مهندسًا؛ تحوَّل إلى الأدب، واكتشف الجيل الجديد للكتَّاب اليابانيين، مع تانيزاكي جين إشيرو، شيغانوويا، أرشيما تاكيو، وموشنيكوجي سنيتزو. بدأت مرحلة الكتابة الحقيقية لديه، إثرَ مرضه مرضًا شديدًا وتركه الدراسة.

في سنة ١٩٢٤م يُقبل في جامعة طوكيو الإمبراطورية ويؤسِّس زملاء له من مدينة كيوطو مجلةَ «أووزورا» (السماء الزرقاء) التي صدرت من ١٩٢٥م إلى ۱۹۲۷م، ونشر فيها أهمَّ أعماله. وفي العدد الأول من المجلة، نُشرت هذه القصة.

وفي فترةِ نقاهةٍ عاشها في جزيرة أيزو، ارتبط بإعجاب بكواباطا ياسوناري. وحتى وفاته المبكرة سنة ١٩٣٢م، نشر الكثير من القصص في مجلاتٍ مختلفة. ولدى اشتداد المرض عليه، بادر أصدقاؤه إلى نشْرِ مجموعته القصصية بعنوان «الليمون». وعلى الرغم من أنَّ كاجي موتوجيرو لا يعدُّ من الوجوه البارزة للأدب الياباني؛ فإنَّ قصة الليمون دخلتْ في عداد النصوص الكلاسيكية للنثر الشعري.

القصة الحالية مترجَمة إلى الفرنسية في سلسلةِ «قصص يابانية»، المجلد الأول (المصدر السابق).

الليمون

ثمَّة كتلةٌ لا تعريف لها، ولا تُنبِئ بخير، تضغط بدون انقطاع على قلبي. هل هو التحسُّس الحادُّ أو القرف؟ شيءٌ يُشبه الغثيان الذي يعقب ليلة السُّكر، ويستمرُّ حين نشرب الساكي كلَّ يوم. هذه كانت حالتي، ولم يكُن هذا مريحًا. وما لم يكُن على ما يُرام، ليس ناجمًا عن الزُّكام الشديد المُزمِن، ولا ناتجًا عن الإنهاك العصبي، ولا الديون التي تُحرق الظَّهر أيضًا. ما ليس على ما يُرام، هو هذه الكتلة من النذير. وقد وصَلَ بي الأمر ألَّا أتحمَّل أيَّ موسيقى أو أبياتٍ من الشِّعر التي أحببتُ دائمًا مهما بلَغَ جمالها، ويحدُث أنني حين أذهب إلى أحدهم قصدًا لسماع الموسيقى من الغراموفون؛ فسرعان ما أحسُّ برغبةٍ الانصراف تستبدُّ بي وبشيء ما يمنعني من البقاء في المكان عينه. وهكذا أستمرُّ بتيهي متنقِّلًا من حيٍّ إلى آخر.

أتذكَّر أنني كنتُ في هذه الفترة، ولسبب لا أعرفه، جِد مُنجذِب إلى الأشياء الجميلة والبائسة في آنٍ واحد. فمن المشاهد، كنت أحبُّ الأحياء الخرِبة. وفي هذه الأحياء التي تشبه برودتها برودةَ الطُّرقات الرئيسية، كان تفضيلي يذهب إلى أُلفة الأزقَّة الخلفية؛ حيث الغسيل الرثُّ المنشور والأشياء العتيقة المتناثِرة والباحات الحزينة للبيوت التي تلوح لك وأنت تمرُّ، وتبقى لهذه نكهتها الخاصَّة على الرغم من جدرانها المتآكِلة بفعل المطر والرياح وواجهات بيوتها الرطبة ونصف المنهارة، والنباتات وحدها مُزهِرة، وتباغتك زهرةٌ هنا وزهرةٌ هناك بين الفينة والأخرى. وأنا أمشي في مثل هذه الأزقَّة أبذل الجهد في أن أتوهَّم بأنني، فجأةً، لستُ في كيوطو، ولكنْ مَثلًا في سنداي أو نجاساكي على بُعد مئات الأماكن، وأنني في واحدةٍ من هذه المُدن. ولو كان هذا ممكنًا لهرولتُ فارًّا من هذا المكان؛ لأذهب إلى آخر مجهول. أذهب في البدء نشدانًا للراحة التامة إلى غرفةٍ في فندق مُقفِر، حيث السرير الوثير، والفِراش من القطن النضيد. وأبقى هنا شهرًا كاملًا في حالة استلقاء، ولا أفكِّر في أي شيء. آه، لو أنَّ هذا المكان، الذي أُوجد فيه، تحوَّل فجأةً إلى هذه المدينة.

حين يشرع الوهم في التجسُّد، أبدأ في تمشيطه لمسةً لمسةً بألوانٍ من خيالي، وليس الأمر سوى مطابقةِ هذا الاستيهام بحيٍّ في حالة تفكُّك. وهو ما كان يولِّد عندي متعةً إلى الحدِّ الذي أضيع فيه أناي الحقيقية.

وطفقتُ، أيضًا، أحبُّ هذه الأشياء التي يسمُّونها الشُّهب الاصطناعية. والشهاب نفسه ثانوي؛ لأنَّ ما كنت أحبُّ هو حُزَم الصواريخ برسومها وخطوطها من الأنواع كافَّة، بألوانها الحُمر والصُّفر والزُّرق والبنفسجية، وبأسمائها: «نزول الكواكب على شوجان-جي»، «معركة الزهور»، «حُزمة القصب الذابلة». وكان هناك، أيضًا ما يسمَّى «الجرذان» على شكل حلقةٍ تُباع في صندوقٍ صغير، لشدَّ ما أثارني هذا الشيءُ الغريب! كما صرتُ أحبُّ هذه الأقراص من الحلوى الزجاجية، المذهَّبة والملوَّنة، ومصُّها كان يُثير فيَّ لذةً لا نظير لها. ما أظنُّ أنَّ هنالك نكهةً أكثر إنعاشًا من هذه الأقراص. في طفولتي الغضَّة كنتُ أضعها في فمي متعرِّضًا للنَّهْر من والدي. ولعل هذه الذكرى العذْبَة تعود إليَّ وقد بلغتُ سنَّ الرُّشد، ونزلت إلى الحضيض حيث تستمرُّ نكهةُ هذا التذوُّق مُنعِشةً وذات جمالٍ يكاد يكون شِعريًّا تمامًا. وكما لا يحتاج الأمر إلى كبيرِ تخمين؛ فقد كنتُ مُفلسًا. ومع ذلك، فإن قلبي حين يهتزُّ لدى رؤية هذه الأشياء كنتُ أشعُر بالحاجة إلى فعل حماقةٍ تواسيني. حماقة بفِلس أو فِلسَين، ولكنْ من نوعٍ فخم؛ بما يحمل إليَّ رفاهًا طبيعيًّا.

ماروزين، على سبيل المثال، هو أحد الأماكن التي أحببتُ في وقتٍ سابق، حين لم تكُن حياتي مهزوزةً؛ حيث كنتُ أقضي الساعات وأنا أُشاهد هذه الأشياء: الكولونيا الحمراء أو الصفراء، قَنانِي العطر الرفيعة والناعمة، عشرات الأنواع من الغلايين الطويلة والرفيعة، السكاكين الصغيرة، الصابون … السجائر … وفي النهاية لا أسمح لنفسي إلا برفاهٍ واحدٍ، أو شراء قلمٍ رصاص من نوعٍ ممتاز. والآن، فليست مازورين إلا مكانًا خانقًا بالنسبة إليَّ.

ذات صباح، وقد كنتُ أسكن تارةً عند صديقٍ وتارةً عند آخَر، متنقِّلًا بين البيوت؛ غادَرَ رفيقي إلى الثانوية ووجدتُني وحيدًا في فراغ، ووجَبَ عليَّ أن أخرجَ؛ لأتيه مدفوعًا بهذا الشيء الذي يُلاحقني. رُحت أتنقَّل من حيٍّ إلى آخر، عابرًا الأزقَّة الصغيرة التي سبق أن تحدَّثتُ عنها، متوقِّفًا عند متجرٍ يبيع الحلويات بثمنٍ بخْسٍ، أو متأمِّلًا أقراص العجين المصنوعة من السوجا أو القريدس، صاعدًا أخيرًا نحو جادة تيراماشي، وصولًا إلى متجر الفواكه القائم في ناحيةٍ من جادة نيجو.

لن أصِفَ هذا المكان إلا بإيجاز، فمن بين المتاجر كلِّها التي أعرف؛ لا يوجد عندي تفضيلٌ آخر عليه. لم يكُن متجرًا بديعًا، ولكنَّك تحسُّ فيه بقوة الجمال الخاصة لمحلات بيعِ الفاكهة. كانت الفواكه مرصوصةً على رفٍّ جِد مُنحنٍ، يبدو مصنوعًا من خشبٍ أسوَدَ عتيقٍ. شيءٌ شبيه بتدفُّق إيقاع «اليغرو»، جميلٌ ولمَّاع، موضوعٌ قبالةَ زهرةِ البحر التي تُحوِّل الناظرين إليها إلى حَجَر. هكذا كانت الفواكه مرتَّبة، أمَّا الخضراوات فهي بدورها مصفوفةٌ بعضها فوق بعض في الأعلى؛ حيث تأخذ أوراق الجزر شكلًا فائق الجمال، وكذلك البازلاء المغموسة في الماء.

كان هذا البيت مزدهيًا في الليل خاصة، ومع إنارة الواجهات المتدفِّقة في مويجاتٍ تبدو جادَّة، تيراماشي حيَّةٌ على العموم وإن كانت أكثر هدوءًا من جادات طوكيو أو أوساكا. ولسببٍ مجهول فإن الجوانب المحيطة بالبناية تبدو مُعتِمة وحدها. وكان هذا يظهر طبيعيًّا؛ فأحد جوانبها يشكِّل الزاوية مع جادة نيجو المظلمة هي الأخرى. ولكنَّ الالتباس هو أنَّ البيت المجاور، وعلى الرغم من موقعه في جادة تيراماشي، يبقى مُعتمًا أيضًا. ومع ذلك، فلو كان هذا البيت غيرَ مُظلِم؛ فما أظنُّ أني سأحسُّ نحوه بكلِّ هذا الانجذاب. وهناك شيءٌ آخر، لا بد من التوقُّف عنده، وأقصد الإفريز المنحني، والشبيه بمقدمة قبَّعة غاطسة حتى العينَين، إلى الحدِّ الذي يجعلك تقول: «ها إنَّ ذاك المتجر هناك، يعني بخشوع مقدمة قبعته!» وفوق الإفريز تبقى الظُّلمة مُسيطِرة. ولأنَّ الظَّلام يسود حوالي المكان؛ فلا شيء من هذا المشهد البديع يستطيع أن يحول الأنظار عن فتنة المصابيح الكثيرة المعلَّقة في المدخل، والتي يتناثر ضوءُها كمطرٍ برتقالي؛ إنَّها لقليلة. وحتى في تراماشي، الأشياء التي كانت تعنيني إلى هذا الحد؛ وأنا أُلقي ببصري إلى متجر الفواكه الذي أتسمَّر لمراقبته وقوفًا في الشارع، والأشعة الطويلة للمصابيح العارية تخترق بصري، أو حين أجلس أيضًا للغاية نفسها في الطابق الأول لمقهى «كجيا» المجاوِر.

في هذا اليوم، وعلى نحوٍ استثنائي، اشتريتُ فاكهةً من المتجر؛ ذلك أنه كان يبيع، يا للعجب، ليمونًا. أجل، إنَّ الليمون شيءٌ عادي، وعلى الرغم من هذا لم يسبق لي أن رأيتُه، على الأغلب، معروضًا في هذا المحل الذي إن اتفقنا على أنه ليس بائسًا؛ فهو متجرٌ لبيع إنتاج الفصول الأربعة العادية. ودون أن أُخفي عليكم شيئًا، فأنا أحبُّ الليمون؛ لونه الخالص، شكله، وقامته المضمومة. وهذا ما جعلني أقرِّر أخيرًا شراء ليمونة. واستأنفتُ سيري بعد ذلك، دون أن أدري أين أو كيف مشيتُ طويلًا في الطريق. وبدا لي أنَّ الكتلة التي تقبض على قلبي، راحتْ تنفرج في اللحظة التي قبضت فيها على الليمون، ثم وأنا أحسُّ بأنِّي مفعمٌ بالسعادة. وهكذا، فإنَّ اكتئابي العنيد، راح أيضًا يتبدَّد بفعل هذا الشيء الصغير. ومَهمَا بدأ الأمر مخالِفًا للمعقول فإنَّها الحقيقة تمامًا، ولْنتفق؛ فما أغربه هذا الشيء الذي اسمه القلب!

برودة الحامض أمتعتْني على نحوٍ لا نظيرَ لها. في ذلك الوقت، كانت رئتاي مريضتَين والحمى لا تُفارقني، ولكي أكشف عن حالتي؛ كنتُ أشُدُّ على أيدي صحابي بما يجعل راحتي أشدَّ سخونة. ولا شكَّ أنَّ الحمَّى هي التي أظهرت لي أن إنعاش الحامض ينفذ تدريجيًّا في جسمي انطلاقًا من راحتي، وهو ما استمتعتُ به كثيرًا.

وما أكثر ما حملتُ إلى أنفي هذه الفاكهة لأشمَّها! وفورًا تحتلُّ مخيِّلتي كاليفورنيا، البلد القادمة منه، وأستعيد إلى الذاكرة عبارة «يضرب الأنف» التي سبق أن درستُها في نَص من الصينية الكلاسيكية بعنوان «أقوالٌ لبائع المندرين». ولأنني كنت أستنشق بملء رئتي فوحانًا معطرًا، وأنا الذي لا يستنشق البتة بعُمق، فقَدْ تصاعدتْ في جسمي ووجهي دفقةٌ من دمٍ دافئ فأحسستُ بعُنفوانٍ يدبُّ فيَّ.

والواقع أنَّ هذا الإحساس العادي بالبرد، وهو لمسيٌّ وشَمِّي ومرئي في آنٍ واحد، كان منسجمًا وإيَّاي انسجامًا عجيبًا، حتى إنَّه ولَّد لديَّ رغبةً في القول بأنَّ هذا الإحساس هو ما بحثتُ عنه دائمًا، وبخاصة أنَّ هذا الشيء حدث في هذه الفترة.

وأنا تحت تأثير تهيُّجٍ خفيف، بل لديَّ ما يُشبه الشعور بالاعتزاز، طفقتُ أذرع الطريقَ مستحضِرًا الشاعر المتأنِّق وهو يسير عاليَ الجبين، وفي هذا كلِّه أُحاول قياس انعكاسات لون الليمونة وأنا أضعها على منديلي الوسِخ أو ألصقها بسُترتي أو أُضيف قائلًا: «وإجمالًا فهذا هو وزنها …»

وإنَّه الوزن الذي بحثتُ دومًا عنه، وإليه انقادتْ بدون شكٍّ كلُّ الأشياء الجيدة والجميلة، لقد كان قلبي مُفعَمًا بزهوٍ أقربَ إلى الدعابة؛ إذ إنَّ هذه التفاهات هي ورد على خاطري، وعلى كلٍّ فقَدْ كنتُ سعيدًا.

كنت أمشي دون أن أعرف أين أو كيف، ولكني أعود دائمًا لأجِد نفسي أمام «مازورين»، وبدا لي أنَّ بوُسعي الدخول اليوم بسهولة في هذا المازورين الذي كثيرًا ما تهرَّبتُ منه بشكلٍ عادي.

هذا، ودون أن أفهم لماذا، فإنَّ إحساس السعادة الذي يغمرني راح يغرق شيئًا فشيئًا. ولم يعُد تفكيري قادرًا على الاعتماد على قَنانِي العِطر أو الأنواع المختلفة من الغلايين. وتكاثفت كآبتي، وقُلت مع نفسي إنَّ تعب المشي هو ما يولِّد فيَّ هذا الإحساس. وتوجهتُ نحو رفوف الكتب الفنية مفكِّرًا: «إنني لفي حاجةٍ إلى قوةٍ تفوق العادة؛ كي أحملها!» ومع ذلك طفقتُ أحملها واحدًا واحدًا، ولكنْ لم يخطر ببالي أن أتصفَّحها ببعض العناية … إلا أنني، وكما لو كنت واقعًا تحت لعنة ما، حملتُ أيضًا المجلد التالي وظلَّ الشعور نفسه. ورغم ذلك لم أحسَّ بالارتياح قبل تصفُّحه مرةً واحدة، ولم أتحمَّل هذا كثيرًا؛ فأعدتُه إلى مكانه، بل إنني ما استطعت أن أفعل وأعدت الكرَّة مع عدَّة كتب. وأخيرًا وضعتُ المجلَّد البرتقالي الضخم الذي أحببتُه دائمًا، وما عُدت أطيقه. أيُّ لعنة هذه! وقد بقي التعب عالقًا بعضلات يدي. ثم وأنا في قمَّة اكتئابي رُحت أتأمَّل الكومة التي تكوِّنها الكتب التي أخذتُ.

ترى ما الذي حصل لكتب الفنِّ التي كثيرًا ما شدَّتْني إليها في الماضي؟ سابقًا، وبعد أن كنت أملأ العين منها صفحة بعد صفحة، كنت أتذوَّق الانطباع الغريب في التنافر لوجودي في وضعٍ جِد عادي.

«وإذن، آه، فهذا هو …!» وتذكَّرت في هذه اللحظة الليمونة في كم سترتي. وكان بمستطاعي أن أجمع بكيفية مختلطة ألوان كتبي وأن أخضعها لاختبار الليمون؛ «هذا هو.»

وعاد التهيُّج الخفيف للحظة السابقة يُسكنني؛ فقد أخذت على سبيل المثال أركُمُ الكتبَ كيفما اتَّفق، ثم أشتتها، ثم أعود لأكوِّمها على عجَلٍ، وأعود فآخذ كُتبًا أخرى أضيفها إلى سابقاتها، أو أُزيحها ويصبح القصر العجائبي في كلِّ مرةٍ أحمر أو أزرق.

وانتهى أخيرًا كلُّ شيء؛ إذ وأنا أضغط على الدقَّات الخفيفة لقلبي كنتُ أضَعُ بحذرٍ الليمونة في قمَّة الحواجز، وبدا لي الوضعُ جيدًا. وبما أن نظَري راح يشمل المجموع؛ فإن لون الليمون الذي اندمج في هرمونية الألوان المُتصادِمة أعطى صفاءً خالصًا. ولأمرٍ ما، خُيِّل إليَّ أنَّ الجوَّ المغبر لمازورين، يمتدُّ بغرابة حول حافة الليمونة. وبقيتُ أتأمَّل هذا بعضَ الوقت.

وفجأةً خطرتْ لي فكرةٌ جديدة، تتعلَّق بمؤامرةٍ غريبة، سرعان ما أفزعتْني، وهي أن أترك كلَّ شيءٍ على ما هو، وأن أخرج كأنَّ شيئًا لم يكُن، وقلتُ: أخرج؟ طيِّب، هلمَّ بنا، وخرجتُ مسرِعًا.

وجعلني هذا الإحساس الفريد أبتسم وقد أصبحت في الشارع؛ إذ ماذا لو كنتُ مجرمًا خطيرًا جاء ليضع قنبلةً مروِّعة على رفوف مازورين؟ وماذا لو سمعت بعد عشر دقائق من مغادرتي رجَّة انفجارٍ مهول في جناح الكتب الفنية؟ إذن لكان هذا شيئًا مثيرًا!

وأنا في حماسي كنت أطارد هذا الحُلم. «بهذه الطريقة سيُصبح هذا المازورين الذي شعرت فيه بالتضايُق الشديد خرابًا تمامًا …!»

ثم إنني اتجهتُ صوب كيوجوكو، حيث ملصقات الأفلام السينمائية تلوِّن الشوارع بفتنةٍ غريبة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤