الجحيم والمَطهَر

كويو

الجحيم والمطهر

كان يوان زشي ينتمي إلى بلدةِ شاندونغ، وتبدو عليه سيماءُ الفطرية والغباء، ولم يكُن محصِّلًا لأيِّ تعليم، وإن توفَّر على معرفةٍ جيدة بالموروث، وجهده سيصرفه كلَّه في استغلال أرضه. في نفس القرية، كان هناك شخصٌ يُدعى ميو عيِّن في مَنصِبٍ وظيفيٍّ في منطقة مين، غير أنَّه لم يكُن لديه ما يساعده للالتحاق بوظيفته؛ فطرَقَ باب زشي ليقترض منه مائتي أونسة فضيَّة. وبما عهد عن زشي من كرمٍ؛ فإنه استجاب لطلب ابن بلدته دون أن يطلب منه الإمضاء على وصلٍ بالدَّين.

في نهاية عهد شيشنع (١٣٤١–١٣٦٧م) تعرَّضتْ بلدة شاندونغ للخراب؛ بسبب الاضطرابات، وبسبب النهب. ألفى زشي نفسه لا يملك شَروَى نقير.

في هذه الفترة، كان شن يودنغ يقوم بإدارة فوجيان، والمناطق السبع لبلاد مين تعرف الكثير من الرخاء.

وحمل زشي ما تبقَّى له من حِملٍ خفيف، وصحب زوجه وأولاده آخذِين طريق البحر نحو فوزو بنيَّة اللقاء بالسيد ميو، والاستغاثة به على ماله.

ولدى وصوله، علِمَ فعلًا أنَّ السيد ميو هو بالفعل أحد معاوني شنع يودنغ، وأنَّه بحُكم مهامِّه الكبرى، يمتلك سُلطانًا قويًّا. ويتمتَّع، بناءً على هذا، بامتيازٍ وقوة معتبرتَين، ويقطن في إحدى أهمِّ الإقامات.

ولقد سُر زشي بهذا كله أيَّما سرور، بَيدَ أنَّ الشقاء الذي أصابه والسفر الطويل والمُمضَّ الذي قطَعَه نالا منه شديدًا؛ فثيابه استحالت خرقًا وبدا فاقد القُوى، بائس المظهر ممَّا جعله لا يجرؤ على المسارعة للقاء ميو … بادر أولًا بتأجير سكَنٍ في المدينة، أنزل فيه زوجه وأطفاله، وأصلح من حال ملبسه بصورةٍ لائقة. وبعد أن تحيَّن فرصةَ يومٍ ملائم، قصد السيد ميو.

واتفق أنَّ هذا الأخير، كان خارجًا للتوِّ من منزله. وقد اضطرب زشي قليلًا أمام قامته. وأظهر ميو، للوهلة الأولى، حالَ مَن لا يعرف مَن يقابل. وليس إلا بعد أن عيَّن زشي مسقطَ رأسه وأفصح عن هويته، حتى أبدى الاعتراف به معتذرًا وقد أخذته المفاجأة، ثم استقبله في البيت حسب أصول الضيافة المرعيَّة. ولوقتٍ من الزمن استغرق المُضيف والزائر في شُرب الشاي … وبقي الأمر عند هذا الحدِّ.

وفي الغداة، ذهب زشي مرةً ثانية للقاء ميو، فقدَّم له هذا الأخير ثلاثة أقداح من الخمر لا غير. وبلا مبالاة، تظاهَرَ بأنَّه لا يُلقي بالًا لمَن أحسن إليه في الماضي. وبالنسبة للباقي، فلم يصدُر منه أي تلميح للمائتي أونسة من الفضة.

وما إن عاد زشي إلى مسكنه البارد والبائس، حتى تلقَّى شديدَ التعنيف من عائلته: «إنَّك تنقَّلتَ في ألف مكان — قالت زوجته مشتعلةً غضبًا — من أجل طلَبِ النجاة من هذا الشخص، وما هي النتيجة؟ ظاهريًّا يبدو أنَّك تركتَ نفسك تستسلم مقابل ثلاثة أقداح من الخمر الرديئة دون أن تنتهز الفرصة لتُطلق كلمةً واحدة حول موضوع الدَّين! والآن، ماذا بوُسعنا أن نفعل؟»

وألفى زشي نفسه مضطرًّا ليُعيد الكرَّة في اليوم التالي. ولكنه هذه المرة شعَرَ بأنَّه غيرُ مرغوبٍ فيه. وفي اللحظة التي كاد ينبس فيها ببنتِ شفة، تدفَّق كلامُ ميو مندفعًا بلا تردُّد: «في الماضي أقرضتني مبلغًا من المال، وأنا لم أنسَ لك ذلك؛ إنَّ الأمر منحوتٌ في قلبي! والمهمَّة التي أشغل حاليًّا صعبة، والراتب الذي أتقاضاه ليس ذا بال، ولكن بما أنك صاحبٌ آتٍ من بعيد، فلا يمكن بحال أن أنسى جميلك عليَّ. وكل ما أطلبه منك هو أن تُعيد إليَّ الوصل، وعندئذٍ سأردُّ لك بالتدريج المبلغ المتعلِّق به!»

– ما هذا؟ ردَّ زشي مستغربًا ومأخوذًا بالغضب، ألسنا من قريةٍ واحدة، وأصدقاء حميمين منذ الطفولة؟ وحين شرحتَ لي مبلغ تضايُقك وحاجتك؛ فأنا لم أطلب منك، بالطبع، أيَّ وصل! فلماذا، إذن تحدِّثني اليوم بهذه الطريقة؟

وهنا جاء رد السيد ميو حادًّا: «لا جدال في أنه كان هناك صكُّ اعتراف بالدَّين. وخشيتي الوحيدة أن تكون أنت مَن ضيَّعه عقب ما حلَّ من حروب وحملات نهب! وعلى كلٍّ، فسواءٌ كان بحوزتك أو لا؛ فهذا ليس شيئًا ذا أهميةٍ قصوى بالنسبة إليَّ … ولكنْ عليك أن تترك لي فقط بعض الأجل حتى يكون بمقدوري أن أفعل ما أستطيع!»

وانصرف زشي محتقنًا غضبًا وحقدًا أمام مثل هذا الخطاب الذي وجَّهه إليه، وإزاء هذا اللؤم. وتمامًا مثل جديٍّ حُجز قرناه بحاجز حظيرة؛ فإنه ما كان يعرف أن يتقدَّم أو يتأخَّر.

بعد خمسة عشر يومًا على هذا اللقاء، تحامَلَ زشي على نفسه وتوجَّه إلى مَدينِه فاستُقبل بكلامٍ معسول، ولا قلامة ظفر بعد ذلك! ومن شدَّة التهرُّب والأعذار المائعة، نجح ميو في جرجرة الموضوع طيلة ستة أشهُر أخرى.

في وسط السوق، كان هناك موضع صغير للخطابة. وحين كان زشي يتوجَّه إلى السيد ميو، يتوقف قبالته؛ لأنَّه يقع في طريقه، ليأخذ نفَسًا من الراحة. وكان الموضع في عُهدة عجوز يُدعى كسوان يوان. متصوِّف طاوٍ تبيَّن محجته، وكثيرًا ما لاحظ المتصوِّف ذهابَ وجيئة زشي. ومن كثرة مروره، راحا ينخرطان في المحادثة، وتألَّفتْ بينهما صداقةٌ عظيمة.

كان الوقت شتاءً والعام الجديد مُقبِل؛ فتوجَّه زشي، وقد ضاقتْ به أسباب العيش وانقطع عنه القُوت، توجَّه إلى السيد ميو ووقَفَ أمامه بائسًا باكيًا.

«أنت تعرف أننا على وَشْك العام الجديد، وزوجي وأطفالي يُقاسون الجوع والبرد، ولم يبقَ في جيبي فِلسٌ واحد ولا في مسكننا حبَّةُ رزٍّ، والمال الذي اقترضتَه سابقًا ما عادت لي الجُرأة للمطالبة به اليوم، وكلُّ ما ألْتمسه منك حاليًّا سطلُ ماءٍ يُنقذ سمكةً من الجفاف!

هو آنية طعام لمَن يستبدُّ به الجوع منذ ثلاثة أيام. ستكون هدية لائقة بصديق. إنني أترجَّاك وأتشفَّع بك أن تُشفق عليَّ من باب الصدَقَة!»

عند هذه الكلمات انكفأ أمامه على الأرض فأنهضه ميو، وشرع يعدُّ الأيام على أصابعه ليواسيه: «لم يبقَ إلا وقتٌ وجيز على ليلة العام الجديد. انتظر ببعض الصبر في بيتك؛ سأقتطع من راتبي كيسَين من الرز وسبيكتَين من الفضَّة، وسيصلك هذا الحمل مع رجالي، وسيُصبح في حوزتك ما تقضي به العام الجديد، وآمل ألَّا تؤاخذني على تواضُع هذه الهديَّة.» وبالإضافة إلى هذا، وهي التي ألحَّ عليها ميو كثيرًا، فإنه لا ينبغي لزشي بأيِّ ثمَن أن ينتظر الحمل في الخارج …!

ولقد أجزل له زشي الشُّكر وقفل عائدًا بسرعة إلى أهله ليُسرِّي عنهم ويُغدق عليهم بوعود ميو. وفي اليوم الموعود، كان البيت كلُّه في حالة انتظارٍ متوهِّجًا بالأمل. زشي جالسٌ بكامل الوقار فوق سريره، مُعطيًا الأمر لابنه الأصغر كي يقف مترقِّبًا عند باب الحي. وبعد وقت وجيز، دخَلَ الصبيُّ راكضًا ومُعلنًا: «هناك شخصٌ قادم على ظَهره حِملٌ من الرزِّ!» وهبَّ زشي مباشرةً لاستقباله.

لكنَّ الرَّجل مرَّ أمامهم دون أن يُعيرهم الْتفاتًا، وفكَّر زشي بأنه ربما لم يتعرَّف على البيت؛ فلحق به واستفسره، فجاء جواب الحمَّال: «إنه غرضٌ لمحصِّل ضرائب المُلَّاك الكبير زانُغ!» وبعد حين عاد الصبي ليعلن مرةً ثانية: «هناك رجُل يصل بالفضة!» فخرج زشي لانتظاره، لكن الرجُل مرَّ أمام الباب دون أن يدخُل؛ فلحق به زشي مستفهِمًا، ليأتيه الجواب: «إنها هديةٌ من نائب عمدة إلى أحد الزوَّار العابرين.»

فقفل راجعًا دون أن تصدُر عنه كلمةٌ واحدة. وقد تكرَّر المشهد لمرَّاتٍ أُخرى إلى أن نزل الظَّلام دون أن يقدُم الرسولُ المُنتظَر. وفي اليوم التالي المصادف للعام الجديد، انتبه لأمره؛ لقد خُدع إذن! وألفى نفسه محرومًا خاوي الوِفاض بادي الإنفاض أمام زوجه وأبنائه وهُمْ يبكون، وعندئذٍ فقَدَ كلَّ سيطرة على غضبه. وبسريَّة تامَّة، أخفى في نِطاقه خِنجرًا، وجلس ينتظر الفجر. وما إن صاح الدِّيك وخفَتَ ضاربُ الطبل حتى خرج قاصدًا إقامةَ ميو بنيَّة انتظاره أمام بيته ليطعنه.

في مثل هذه الساعة، لم يكُن الفجر بعدُ قد شرع يُضيء على الشرق. والأزقَّة بعدُ مُقفِرة. ووحده العجوز كسيو يوان أوقد في مجلسه بالساحة شمعدانًا؛ ليتلو صلواته. ومن موقعه، أمكنه أن يرى زشي متبوعًا بفِرقة من عشرات الشياطين ذات القامات الغريبة. بعضهم كانوا يحملون خناجر وسيوفًا وبعضهم الآخر عِصيًّا أو مناجل، عراةً ومجرحين وبهيئة مُفزِعة ورهيبة.

وبما لا يتجاوز ما يكفي لتناول مقدار آنية من الرزِّ، كان زشي عائدًا ومحفوفًا هذه المرَّة، بمائة محارب ذوي قبَّعاتٍ ذهبية ومُنطَّقين بحزاماتٍ جلديَّة فخمة. كان مظهره وديعًا ومريحًا، وعليهم سيماء الهدوء والسلام.

وفكَّر العجوز كسيو يوان بأن زشي ربما يكون قد مات الآن. ولذلك قرَّر أن يذهب إليه بمجرد ما يُنهي صلواته … وما إن وصَلَ؛ حتى وجَدَه في أنعم صحة. ثم ما كان يجلس، حتى بادره بالسؤال: «أين كنت تتَّجه فجرَ هذا اليوم؟ وكيف حدَثَ أنَّك مررتَ على عجلٍ في الذهاب، وبكامل الهدوء لدى العودة؟ أريد أن تشرح لي هذا كلَّه!»

ولم يجرؤ زشي على إخفاء شيء، وقصَّ عليه الأمر: «إنَّ خداع السيد ميو وضعني في أشدِّ الضِّيق. والحقيقة أنني هذا الصباح أخفيتُ في ثيابي سلاحًا حادًّا وعولتُ على وضع حدٍّ لحياته. ولكنْ ما إن وصلتُ إلى بابه، حتى انتابتْني هذه الفكرة: «لا جدالَ في أن ميو أذنب في حقِّي. ولكنْ أيُّ جُرمٍ اقترفه زوجه وأولاده؟ وبالإضافة إلى هذا؛ فهو يتكفَّل بأمِّه العجوز. فإن هممتُ الآن بقتله؛ فأين ستجِدُ عائلته السند؟ وإنه لمن الأفضل تحمُّل آثام الآخرين على أن أكون أنا نفسي آثمًا.» … وبعدها عقدتُ العزم على الصبر وقفلتُ راجعًا.

وما إن سمِعَ كسيو يوان هذا الكلام حتى خرَّ بجسمه إلى الأرض … مهنِّئًا زشي: «إنَّ سعادةً عظيمة في انتظارك، يا بُنيَّ وإنَّ العناية الربانية لتعرف ذلك من الآن.» واستفسر زشي عن سبب هذا الكلام؛ فشرح العجوز: «حين سكنتْك النوايا السيئة، حفتْ بك أشباح مثيرة. ولكن ما إن الْتفتَّ صوبَ الخير، حتى دنتْ منك أرواح الخير؛ مثل الظِّل يتبع الجسد والصَّدى يردُّ على الصَّوت. ومن هنا، فإنه من البديهي، سواءٌ كنت في قعْرِ غرفة مُظلِمة أو في أشدِّ أوقات الضِّيق، إنَّه ليس من الملائم لا الإنصات للأفكار القبيحة ولا اقتراف جرائمَ ضدَّ الفضيلة!»

ثم سرَّى عن زشي بأنَّه سرَدَ عليه تفاصيل ما تكشَّفَ له، وفرَّج أيضًا عن كُربته بأنْ قدَّم له رزًّا ومالًا.

ولم يمنع هذا زشي من أن يبقى عند حافة اليأس. وحين حلَّ المساء، توجَّه إلى أسفل جبل الأرواح الثلاث وألقى بنفسه في البئر ذي الثماني زوايا القائم هناك. بَيدَ أنَّ الماء صار فجأةً محجوزًا من هذا الجانب وذاك بأحجارٍ ملساء يخترقها ممرٌّ ضيِّق يسمح بالمرور. وتقدَّم زشي متلمِّسًا طريقه، وبعد مئاتٍ من الخطوات اجتاز نهاية الجدار، وانفتح الممرُّ على مجازٍ حيث الشمس والقمر يلمعان، وحيث هناك عالمٌ آخر تمامًا. وعاين زشي قصرًا منيفًا تعتليه لوحةٌ كُتب عليها بحروفٍ ذهبية:

الإقامة السعيدة للجبال الثلاثة

ورفع حالمًا عينَيه، ودخل عابرًا أروقةً مُضيئة وصامتة وقاعاتٍ عتيقةً، ومتأمِّلًا حوله دون أنْ يحسَّ بحضورِ أيِّ وجودٍ بشري، ووحدها كانت ترنُّ في مسمعه دقَّاتٌ غريبة لنواقيس كأنَّها آتيةٌ من أعلى عِليِّين. ومن شدَّة ما به من جوع، كفَّ عن التقدُّم. وإذْ بلغ به العياءُ مبلغه، استسلم للنوم قُرب مذبحٍ من حجر، وفجأةً ظهَرَ شيخٌ طاوٍ لابسًا جبَّةً واسعة بلونٍ لازوردي ومتمنطِقًا بحزامٍ من يشْبٍ يُضيء مثل القمر، وتقدَّم نحوه وهو يدعوه للاستيقاظ، ثم سأله ضاحكًا: «هل وجَدَ سيدي الفقيه السفر على ما يُرام؟» ضمَّ زشي يدَيه إلى صدره بأدبٍ وأجاب: «بالنسبة للسفر، لم يعُد لديَّ ما أشتهيه. أمَّا لقب الفقيه هذا، فأريد أن أعرف بأيِّ احتقارٍ يتعلَّق الأمر؟»

– ألَا تتذكَّر بأنَّك حرَّرتَ الفتاوى الإمبراطورية لمنطقة التبت في قصر القداسة العُظمى؟ ردَّ الطَّاوي.

– إنني لستُ سوى واحدٍ من الناس من شاندونغ — عقَّب زشي — واحد من الأشقياء. على مدى أربعين عامًا، بقيت لا أعرف شيئًا عن الكتب. وفي حياتي بأكملها، لم أزُر العاصمة لأتمتَّع بمباهجها! وإذن، كيف يمكن لمسوَّدات الفتاوى، هذه، أن تعنيني؟

– «لا شكَّ أنه الجوع ما يجعلك في هذه الحال، ويمنعك من استرجاع الماضي!»

وعند هذه الكلمات، أخرج الطاوي من كمِّه خوخًا وإجاصًا. جعل زشي يبتلعها، وواصل: «إنَّها إجاصاتٌ من معدنٍ وخشب» وخوخًا من نار. ومَن أكل هذه الفواكه السِّحرية؛ فإنه يُمسي قادرًا على معرفة الماضي والمستقبل!»

وحين أنهى زشي الأكل، بدا كمَن انبثق منه كشفٌ نوراني. وراح يتذكَّر، كما لو أنَّ الأمر البارحة، العهدَ الذي كان فيه مثقَّفًا كبيرًا يحرِّر مسوَّدات الإمبراطورية للتبت في قصر القداسة العُظمى لدادو، عاصمة المغول! وعندئدٍ استفسر الطاويَ: «أيُّ ذنبٍ اقترفتُه في وجودٍ سابق لأتحمَّل مثل ما حلَّ بي من نقمة؟

– إنَّك لم تقترفْ أيَّ ذنب قَط! بَيدَ أنَّك حين كنتَ تشغل مهمَّتك الرسمية، مزهوًّا بمعرفتك الأدبية؛ رفضتَ أن تُخرج من الظُّلمات المواهبَ الشابَّة، ولهذا جُعلتَ في الحياة الحاضرة غبيًّا وأميًّا. وبسبب أنك، وأنت المغترُّ بأهمية موقعك، لم تفتحْ صدرك للمتعلِّمين الضائعين؛ ترى حالك اليوم وقد آل إليه التِّيه والافتقار إلى كلِّ سَنَد!»

وهنا راح زشي يتحدَّث عن كبار موظَّفي عهده، ويتساءل مستغرِبًا: «إذا كان الأمر على ما تقول؛ فماذا سيكون عقاب الوزير الفلاني، الذي لم يكُن ينفِّذ أيَّ عملٍ إلا تحت تأثير الرِّشوة؟»

– «هذا — قال الطاوي — هو الملك الشيطان للمدنيين في العالم السفلي. وهناك عشرة أفران لصَهْر الأموال التي جناها غشًّا. وعلى كلٍّ، فقد شارف نهايةَ سعادته، وما ينتظره هو مِحَن سُجناء الجحيم!

– وذاك، نائب رئيس الوزراء، الذي لا يعرف هُدنة؛ يقتل ويفتك بالأبرياء، أيُّ شرٍّ سيناله؟

– ذاك الملك الشيطان للمجرمين الكبار. وهناك ثلاثمائة محاربٍ في العالم السفلي بصلعات برونزية وخوذات حديدية يساعدونه في الفصاعة. والآن فإنَّ مصيره وشيك وإلى انطفاء. وما ينتظره هو أن تُفكَّك أطرافه ويقطَّع إربًا.»

وواصَلَ زشي تعداد أسماءٍ عديدة من المسئُولين يعرف خطاياهم ويستفسر عن ألوان العقاب الذي سيطالهم؛ فيأتيه جواب الطاوي أفظعَ حالةً بحالة. وأخيرًا، أشار إلى غشِّ مدينه السيد ميو.

– «أمَّا هذا — أجاب الطاوي — فهو مسئُول خزينة الجنرال وانغ، فبأيِّ حقٍّ يتصرَّف في ثروات الآخرين؟ … وعلى كلٍّ، فقبل انصرام ثلاثة أعوام ستهز أحداث خطيرة العالم محمَّلة بكوارث، ما أفزعها! وإنَّ من المُلائم، إذن، أن تختار لك مكانًا تُقيم فيه بمنجًى عمَّا سيحدُث. وإلَّا، فيا للهَول!»

فترجَّى زشي الطاوي أن يرشده إلى ملاذٍ يقيه ويلاتِ الحُروب.

«قال الطاوي: هناك فوكنغ وهي لا بأس بها، ولكن فوننغ أفضل بكثير … وبعد هذا، نبَّه الطاوي زشي: «ها قد مرَّ وقتٌ طويل وأنت هنا، ولا شكَّ أنَّ أسرتك قلِقةٌ عليك؛ فعليك أن تعود حالًا.»

وإذ بدا زشي حائرًا؛ أيَّ اتجاه يأخذ؟ أرشَدَه الطاوي إلى ممرٍّ ضيِّق ليتَّبعه؛ فأخذ طريقه إلى أن وجَدَ نفسه في الجهة الأخرى من الجبل. وحين عاد إلى بيته، تبيَّن أنَّهم بانتظاره منذ خمسة عشر يومًا انصرمتْ.

وحمَلَ، على عجلٍ، زوجَه وأولاده قاصدًا قريةً بضواحي فوننغ، حيث استقرَّ. وشرع يقلِّب الأرض؛ ليزرع له بستانًا. وبينما هو يفعل، رنَّ في مسمعه صوتٌ معدِني، وإذا به يستخرج أربعَ سبائك من الفضَّة كانت مطمورةً في باطن الأرض … وفي وقتٍ لاحق، وحين سيطر زانغ شكسي على مقاليد الأمور وعلى الأختام، لدى استسلام من كانت بيده، حاكم إقليم تاش تيمور، ومع اقتراب جيوشه القوية من المدينة؛ وقع الحاكم الإقليمي شي يودنغ في الأَسر. ومن الموظفين الآخرين في حاشيته، لم يستطع العديدون إنقاذ رأسهم من الموت. أمَّا السيد ميو فقَدْ نُفِّذ فيه حُكم الإعدام، على يد الجنرال وانغ، الذي استولى على كلِّ أملاكه.

وبتعداد السنوات والشهور، فإنَّ الأمر استغرق بكامل الدقَّة ثلاثة أعوام بعد نُبوءة الطاوي التي تحقَّقتْ بالتمام والكمال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤