اسم تلك الفتاة أو حكاية بيجو

لي زن

اسم تلك الفتاة أو حكاية بيجو

كيونير-بيجو، هو اسمها من عائلتها وانغ، و«ريزن» هو اسمها الشخصي الاجتماعي. انتماؤها يعود إلى شانغشان.

توفِّي أبوها وهي في السنة الثانية من عمرها؛ فحملتْها أمُّها إلى أهلها، وهُم من تونغ. وحين تزوجتْ من جديدٍ برجُلٍ غنيٍّ يُدعى «شن بيجي شن»، لم يكُن له أولاد من قبل، أحبَّها أكثر ممَّا لو كانت من صُلبه.

في سنِّ الثالثة عشرة من عمرها، كانت بيجو قد بلغتْ مَدركًا كبيرًا من الثقافة والخبرة بتلحين الأغاني ووضع الأشعار المغنَّاة، وكانت إلى هذا تعرف الموسيقى جيدًا. وأخيرًا، فإنَّها في باب التقاليد الخالصة والكلام العذب والثبات واللياقة؛ لا تترك أيَّ مجال لمؤاخذتها، والكلُّ حولها يخطب ودَّها ويتطلَّع لطلبِ يدها.

في تلك الفترة، كان هناك اثنان من الطامعين إلى هذه العلاقة: الأول يدعى «كسو كونغداو»، والثاني «ليو جونيو». كان نسب «كسو» يعود إلى عائلةٍ عريقة، ولكنه كان فقيرًا ونزيهًا. أمَّا ليو فقد كان من عامَّة الناس، ممَّن حصلوا فجأةً على ثروةٍ عظيمة. كان لكسو ابنٌ يُدعى «تياولانغ»، وابنُ ليو يُدعى «هانلاو». وكلا الشابَّين كانا على تمام الأناقة والوسامة، وفضلًا عن ذلك كانا، معًا، في سنِّ بيجو.

وقد فكَّر شن بيجي بتزويج ابنته إلى ليو، ولكنَّ أصوله جعلتْه يتردَّد. في حين أنَّ تزويجها بعائلة كسو يُثير متاعب أخرى؛ بسبب الفقر المُدقِع لهذه العائلة. ولذا بقي متردِّدًا لبعض الوقت، لا يعرف كيف يحسم اختياره. وذات يومٍ، ذهَبَ لطلب مشورةِ أحد كِبار الرأي من عُصبته؛ فأشار عليه هذا بما يلي:

«كل الأهمية ينبغي ألن تراها، في الإقدام على اختيار صهرٍ له قيمة. أمَّا الباقي فلا تشغل بالك به!»

– هذا أكيد — قال شن — ولكنْ كيف لي أن أعرف الشابَّ ذا القيمة عن غيره؟

– «أمرٌ في غاية السهولة! ليس عليك سوى أن تدعو لوليمةٍ كُبرى وتدعو إليها، بصفةٍ خاصَّة كلا الشابَّين. وتحضر أيضًا قدامى يتميَّزون بالتكتُّم، ومهمتهم مراقبتهما في السرِّ. وهكذا فإنهم أولًا: سيحكمون على طباعهما وشخصيتيهما. ثانيًا: سيُخضعانهما للامتحان للتعرُّف على مواهبهما الأدبية وثقافتهما. وعندئذٍ، فأنت تختار الأفضل لتزويجه ابنتك، وهكذا يتمُّ اختيار صهر!» ووجَدَ شن أنَّ هذه المسطرة جِد معقولةٌ.

في منتصف الشهر، أولَمَ شن ودعا أعيان ومشاهير المنطقة؛ فحضروا جميعهم، وحضر، بالطبع، كلٌّ من جونيو وكونغدا وبرفقة ولديهما.

كان هانلاو، في تمام قيافته وعلى أدب ورِقَّة لا يخلوان من حذلقة. بينما تباولانغ، متفتِّح الوجه والمستبشر، والذي كانت كلماته منتقاةً ورقيقة، قد حضر حليقًا ومرتديًا لباسًا بسيطًا ومنطلقًا في سلوكه بلا تكلُّف.

ومن بين المدعوِّين، كان هناك شخصٌ يُدعى جنجيان، أي «حارث الغيوم»، عمدة عُصبة شن، والملقَّب: زيرن، أي «العارف بالرجال». وبمجرَّد ما وقع بصرُه على الشابَّين ميَّز دفعةً واحدة في دخيلته أيهما الأجدر. ثم إنه ما لبث أن قام وأعلن أمام الملأ: «إنَّ لابن عمي بيجي فتاةً في عُمر الزواج، والسيدان كسو وليو يريدها كلُّ واحدٍ منهما لولده، والولدان معًا كاملان ومتميِّزان. بقي أن نعرف الآن لأيِّ واحدٍ منهما كتبت الأقدار الفتاة.» فوقف شن ليردَّ على العمدة: «هذه مسألةٌ لا يمكن أن تحلَّ سوى على يدَيك أيها العميد الجليل.» فواصل جنجيان: «كان القدماء لفضِّ مثل هذه الأمور، يحتكمون إلى إطلاق السهام بالأقواس، أو إلى خيوط الحرير، أو … إلخ؛ لاختيار صهر … أمَّا أنا فأقترح طريقة أخرى.»

ونادى الشابَّين أمامه وأبرز لهما أربعة رسوم كانت معلَّقة على الجدران، ومُعنوَنة كالتالي:
  • أن تكون كلِفًا بزهور الربيع وتستيقظ باكرًا،

  • أن تحبَّ الليالي المُقمِرة وتنام متأخِّرًا،

  • أن تقطف انعكاس القمر على الماء

  • وتلعب بالزهور مغمورًا بعبيرها.

«والآن أظهرا لنا بعض ما تملكان من موهبة وفِطنة، وحاولا ارتجال مقطعٍ شعريٍّ حول هذه المواضيع! إنه ما سيكون مقياسَ القبول أو الرفض!»

من سوء حظِّ هانلاو الذي ترعرع في عائلة أغنياء، ولم يسبق له أن أبان عن خللٍ في قرض الشِّعر أو التفنُّن في الخطِّ، من سوء حظِّه أن وقَفَ مُرتبِكًا لا يحار صنيعًا. وبعد طول تأمُّل، لم يتوصَّل إلى شيء. في حين أنَّ تياولانغ، أمسك بهدوءٍ ريشته، وبعد لحظاتٍ أنهى قصيدَهُ وقدَّمه إلى العميد الذي أغدق عليه بالمديح.

وأحسَّ جونيو بخجلٍ عظيم، أمام عجز ابنه الذي لم يستطع تسطير كلمة، وما لبثا أن غادرا الحفل قبل انتهائه. وأجمع باقي الحضور على أفضليَّة تياولانغ، وبالتالي أصبح الالتزام بتزويجه من بيجو مُحكمًا.

بعد شهرٍ على هذا، وقع الاختيار على يومٍ محدَّد لضبط الخطبة. ثم إنَّ شن الذي أحبَّ كثيرًا صهره للمستقبل القادم، وله رغبة في أن يتلقَّى كثيرًا زيارته، بادر إلى تخصيصه ببيتٍ لإقامته؛ حتى يتمكَّن من مواصلةِ دراسته.

وذات يوم، والسيدة تونغ طريحةُ الفِراش لعلةٍ طارئة، قصَدَها تياولانغ لاستطلاع أخبارها؛ ليلتقي صدفة مع بيجو. ولم تكن الفتاة تتوقَّع اقتحامه للمكان لحظتها، ولا أمكنها أن تتوارى لتتجنبه؛ فأُتيح له هو أن يراها وجهًا لوجه وهي عند سرير أمِّها. ولقد ميَّز واعتبر أنَّها على جمالٍ فاتن، ولقد كانت كذلك. وتراجع خارجًا، ثم سحَبَ من جيبه بطاقةً من ورقٍ أحمر، طلَبَ من إحدى الخادمات تسليمها لبيجو.

ففتحتْها هذه، لتجد أنها خلوٌ من أي كلام، وقهقهتْ ضحكًا وردَّت بهذه المقطوعة: انعكاس وجهي، هذا الورق القرمزي. ماذا دهاه؟ أيكون الفتى لهذا الحدِّ قد ابتُلي. العاشق يملك دومًا كلماتٍ نديَّة، فيما يصاب بالبكم هو، ولا يقول أهواكِ حتَّى.

ولقد استلم تياولانغ هذا القصيد، وراح يزهو به أمام هانلاو. وراح هذا الأخير المحتقن غيرةً من غريمه؛ يقصُّ الأمر على أبيه جونيو. وبدلًا من أن يؤاخذ هذا ابنه، ويحمِّله مسئُولية تقصيره في الدرس، ازداد غيظُه وحِقده من يومها على عائلتي كسو وشن. ولم يلبث أن لفَّق ضدَّهما تُهمةً مُريبة، لم تستطيعا الفكاك منها؛ فهجِّرت عائلة كسو إلى منفًى في أقصى الشمال في لياويانغ. بينما رحلت عائلة شن بكاملها، إلى مناطق حراسة الأقاليم الجنوبية.

وفي لحظات الوداع، اضطر الخطيبان للافتراق، الرُّوح مجروحة والدمع منسكِب، ولا كلمة مرسلةٌ بينهما، وكل الحضور يلوِّح بمناديل مبلولة. وافترقا، هو إلى الشمال وهي إلى الجنوب، لتنقطع الأخبار بينهما.

وبعد وقت وجيز، مات شن بيجي على حين غِرة، لتسوء أحوال العائلة من بعده، ولم يبقَ سوى السيدة تونغ وابنتها، يأويهما كوخٌ من قشٍّ وتبيعان الخمر على حافة طريق. وبسبب الفقر والتعاسة، فقدتْ بيجو نضارةَ الماضي، ولكنْ وهي في عزِّ شبابها، لم يمسَسْ جمالَها ضَير. ولقد وقعت موقعًا حسنًا في عين قائدٍ عسكريٍّ للمنطقة، يدعى ويو. أراد التزوُّج منها ليتخذها عشيقة؛ غير أن السيدة تونغ ردَّت طلَبَه متعلِّلةً بأنَّ ابنتها مخطوبة. فأوفد ويو الذي يعرف قصَّتها وكيلةً تطرح موضوعه، وقالت: «إن الشابَّ كسو في ثكنةِ لياودونغ، ولا أحد يعرف ما إن كان حيًّا أو ميتًا. وعلى افتراض أنَّ أيَّ أذًى لم يلحقه؛ كيف سيتأتَّى له أن يحضر هنا ويتزوَّج؟ ولذا بدلًا من الاحتفاظ بآمالٍ باهتة وإتلاف أشهُر بل وسنوات ثمينة؛ من الأفضل أنْ تأتيا عندي في حضن عائلةٍ سامية، يكون لكما عندها ما تشاءان، وهكذا لن يمرَّ عليكما العُمر عبثًا!»

غير أنَّ بيجو عاندت في رفضها. وجدَّد ويو طلَبَه بأنْ أرسل وسيطةً جديدة لتضغط على العجوز وابنتها عن طريق السُّلطات. وعندئذٍ انتاب الخوف السيدة تونغ؛ فمحضَت ابنتها بيجو النصيحة قائلةً: «منذ أن ذهَبَ الشابُّ كسو، انصرمتْ إلى الآن خمس سنوات. وكلُّ واحدٍ الآن في أقصى العالم «السمكة غرقتْ والبطُّ الوحشي اختفى.» كما يُقال … وهذا الرَّجُل ذو النفوذ يريدكِ له، وهو يُرغمنا على أن نفعل، وأنا أرملة وأنتِ يتيمة؛ فبأيِّ سلاحٍ نستطيع مقاومته؟»

فأجابتْ بيجو باكيةً: «إذا كانت عائلة كسو قد ابتُليتْ بالضَّرر؛ فالواقع أنَّ هذا تمَّ بسببي. وإذا تراجعتُ الآن لأتبع شخصًا آخر، يكون هذا منِّي تنكُّرًا لالتزامٍ مقطوع ومعصيةً كاملة، والحال أنَّ ما يميِّز الإنسان عن الدوابِّ والحيوانات المتوحِّشة؛ هو امتلاكه للصدق والوفاء. وأن أطرح رابطةً قديمة لأعقد أخرى جديدة؛ فهذا معناه التخلِّي عن الصدق والاستقامة. ومَن تخلَّى عن هاتَين الخَصلتَين، فهو والكلب أو الخنزير سواءٌ. وإنني لمستعدةٌ للموت على أن أقبل بالخضوع.»

وبعد ذلك، وضعتْ مقطوعةً شعرية على إيقاع «العبير يضوع في الدار»، وليلتها شنقتْ نفسها في غُرفتها. بَيدَ أنَّ أمَّها توجَّستْ شيئًا، وهبَّت لفكِّ الحبل من حول عُنُقها، وقد لزمها وقتٌ طويل لتستعيد حيويتها.

وما إن علِمَ القائد ويو بالخبر، حتى استشاط غضبًا؛ فأرسل مشاغِبين لتكسير كلِّ ما يجِدُونه في متجر العجوز. قصَدَ كسْرَ عنادِ الأسرة وإذلالها في الفقر.

في تلك الفترة، كان هناك عجوزٌ مندوب للبريد يُدعى «دو»، مسقط رأسه هو أيضًا من شانع شان، وكانت تربطه مع شن بيجي صداقةً حميمة؛ فعطف على السيدة تونغ وابنتها، وآواهما في إحدى غُرَف رواق البريد.

وذات يوم، كان من بين المسافرين العابرين ثلاثةٌ أو أربعة من حرَّاس الحدود، نزلوا في الرواق. وقد استفسرهم السيدُ دو عن مصدر قُدومهم؛ فردَّ أحدهم: «إننا ننتسب إلى فرقة ثكنة لياودونغ، ومهمَّتنا أن نتوجَّه إلى الجنوب لإحضار قوَّاتٍ جديدة، ونرغب في التوقُّف هنا لقضاء الليلة.»

واتفق أن السيدة تونغ قد لاحظتْ، وهي متوقِّفة خلفَ السِّتار، أنَّ واحدًا من الحرَسِ يختلف عن البقيَّة كما بدا عليه من سيما النُّبل والتميُّز. وخلال حركاتٍ عديدة ذهابًا وإيابًا في القاعة، تفحَّصتْه جيدًا وتأثرتْ؛ لمَا ينمُّ عن وجهه من ظِلال حُزن وألم. وفي غمرة انفعالها تقدَّمتْ إليه لتسأله: مَن تكون؟

– إنني أدعى تباولانغ، واسم عائلتي كسو، وأصولي من شانع شان. في شبابي الأول، خطَبَ لي والدي فتاةً من أُسرة شن بيجي من نفس المدينة. ولكن قبل أن يضمُّنا الزواج تورَّطتْ عائلتانا في قضيةٍ مُريبة؛ فأُرسل شن إلى أقاليم الجنوب وأنا إلى حِراسة المناطق الشمالية. وها هي عدَّة سنوات قد انصرمتْ والأخبار بيننا مقطوعة. وحين وصلنا قبل قليلٍ إلى هذا المكان، ووقعتْ عيني عليكِ أيتها السيدة الطيِّبة؛ أثارني شبَهُكِ بالمرأة التي كانت ستُصبح حماتي. ولذا، ودون انتباهٍ منِّي، استبدَّ بي الأسى. ولا شيء غير ذلك.»

وأجابت السيدة تونغ: «العائلة شن أين توجد حاليًّا؟ والفتاة ما اسمها؟»

– «اسم الفتاة بيجو. حين خُطبتْ كانت في الثالثة عشرة من عمرها؛ وبالتالي فإنَّ عمرها اليوم ثمانية عشر عامًا. غير أنني نسيتُ في أيَّة محافظةٍ يسكن أهلُها اليوم، وإنَّه لمن المستحيل أن أعثُر عليها.»

فهبَّت السيدة تونغ نحو ابنتها لتقصَّ عليها الأمر، وكمَن يهذي فرحًا أضافت: «إذا كان الأمر على ما يقول؛ فإنَّ السماء هي التي أرسلتْه!» وفي اليوم التالي دعَت المرأةُ الشابَّ إلى غرفتها؛ لتستفسر منه التفاصيل، وقد كان هو تياولانغ، بالذات والصفات! وقد أصبح يحمل الآن لقب «زلان»، وما تزوَّجَ بعدُ، ثم إنَّ السيدة تونغ انفجرتْ باكيةً وأفصحت: «إنني حماتُك، أمَّا صِهرُك فقد مات. أمَّا أنا وابنتي فقد عانينا شتَّى المِحَن لنستمرَّ في البقاء، ولم يخطر ببالي أننا سنلتقي بعد!»

وروَت القصةَ كاملةً للسيِّد دو ولأحَدِ رِفاق تياولانغ، وقد استولتْ على الجميع، واتَّفق رأيُهم على أنَّ الخطيبَين كانا مربوطَين بأواصرَ تعود إلى وجودٍ سابق. عقِب ذلك؛ جمَعَ السيد دو مبلغًا من المال وأعدَّ حفلةَ زواجٍ لكسو وبيجو.

ومساء الزواج، أسرَّت بيجو بقلَقِها إلى تياولانغ، وأعلمتْه أنَّها غيرُ قادرةٍ على تحمُّل فِراقه؛ فواساها زوجُها ودعاها ألَّا تُثقل نفسها بالهمِّ والخوف؛ إذ إنَّ حبًّا عظيمًا يجمع بينهما، وأن ما عليها سوى الانتظار إلى السنة القادمة ليأخذها معه إلى لياودونغ، فيُصبحا سعيدَين مثل السمك في الماء، ويحميها أبدًا أبدًا!

بَيدَ أنَّ أحدَ الحرَس من رِفاق تياولانغ، وهو العريف «دنغ» وكان رجُلًا مستقيمًا سخيًّا، بادر القول: «إنَّك في أول الزواج، ولن تترك عروستك بهذه السرعة! والسفر الذي ستقوم به، ليس من الضرورة أن تشارك فيه؛ سنتكلَّف بتسليم الوثائق إلى كلِّ محافظة على حِدَة. وإذن امكثْ هنا واهتمَّ بزوجتك، وحين سنستكمل مهمَّتنا ستعود معنا إلى لياودونغ.»

وقدَّم لهم تياو عشاءً وسقاهم عِرقًا وودَّعهم، إلى لقاء. لكنَّهم في هذا التفاهُم، لم يحسبوا حساب القائد ويو! فهذا الأخير ما إنْ علِمَ بالحكاية، حتى ألقى القبض على تياولانغ وزجَّ به في قعْرِ زنزانةٍ بدعوى الهَرَب، ثم إنَّه نزل فيه ضربًا مُبرحًا حتى الموت، وخبَّأ جثَّته في فرن.

وبعد ذلك، كلَّف وكيلته بالذهاب إلى السيدة تونغ وتهديدها: «والآن وقد مات الآخر؛ فلا معنى لمواصلة التفكير فيه، ولذا سأختار يومًا مناسبًا وسأُرسل مَن يأتي بابنتكِ. فإن لم تستجيبي؛ فكوني على يقينٍ بأنَّ الهول ينتظِرُكِ!»

وأمام هذا التهديد، حفَّزَت الفتاة أمَّها كي تتظاهر بالمطاوعة. وما إن انصرفَت الوكيلة؛ حتى قالت: «إنني إن لم أمُت الآن فسأقع ضحيةَ هذا الوحش الذي سيثلم عِرضي. سأنتظر هبوط الظَّلام لأضع حدًّا لحياتي.»

في المساء نفسه، حلَّ بالبلد فجأةً فخامة المحقِّق، الناظر الإمبراطوري السيد «فيو». ونزل برواق البريد؛ ففزعت إليه بيجو طالبةً حُكم السماء والانتقام للظُّلم الذي مسَّ زوجها، مقدِّمةً شِكايةً ومُلتمسةً الإنصاف. وقد اهتمَّ الناظر بالأمر مباشرةً وأخبر السُّلطات، وبعد شهرَين أمرَتْ، هذه، بالبدء في مسطرة التحقيق … لكنَّ أحدًا لم ينجح في العثور على الجثَّة!

وبينما كانت الاستنطاقات تتواصل؛ شُوهدت بغتةً زوبعةٌ تقوم أمام المحكمة، فألقى الناظر بهذه الملاحظة: «إنَّها رُوح المرحوم، تعرف الحقيقة. لتقُدْني إذن حيث ينبغي!»

وبعد هذا غيَّرت الزوبعة اتجاهها، وجاءت لتقِفَ فوق رأس الناظر، ثم تقوده أمام الفُرن، وتنشر رماده، وتكشف الجثَّة!

وعاين الناظر آثار الجُروح الظاهرة، ولم يملك ويو سوى أن يُعلن اعترافه. وطلَبَ الناظر من سُلطات المحافظة تشييعَ جُثمان تياولانغ، وسارت بيجو في جنازته باكيةً، ثم ارتمتْ في حُفرةٍ مُجاوِرة للقبر. وقد صدَرَ الأمر بدفنها. وبمجرد عودة الناظر إلى القصر، روى للإمبراطور القصة؛ فأصدر أمره بأنْ توضع على قبر بيجو شاهدةً شرفية تحمل الكتابة التالية:

قبرُ زوجةٍ فاضلة ووفيَّة.

أما السيدة تونغ، فقد تلقَّتْ من السُّلطات الثيابَ والمئُونة، وبقيتْ تستفيد من رعايتها إلى أن وافاها الأجَل.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤