الفصل التاسع

جوناثان يتحسن ولوسي تتدهور

كم كان ذلك خبرًا مؤلمًا ومطمئنًا في الوقت ذاته! وأي حزن ذلك الذي شعرت به مينا. لقد سمعت أخيرًا خبرًا عن جوناثان، في صورة رسالة من مديره السيد هوكينز.

وفقًا لما جاء في الرسالة، كان جوناثان مريضًا في أحد مشافي بودابست طيلة الأسابيع الستة الماضية. لم يكن قادرًا على التواصل بوضوح، فقد كان يعاني حمى في المخ، ويهذي بأشياء عن الذئاب والسم والدماء والأشباح والشياطين. لم تعرف الممرضات ماذا كان يعني هذا بالضبط، لكنهم صبروا عليه ورعوه حتى استرد صحته.

غادرت مينا متجهة إلى بودابست على وجه السرعة. وعندما وصلت المشفى ورأت خطيبها، كانت تلهث من روع ما رأت. كان جوناثان في غاية الضعف والشحوب.

قال وقد أجهش بالبكاء: «آه يا مينا، إذا كنت لا تزالين ترغبين في الزواج مني، فلن تكون بيننا أسرار. لا أستطيع حقًّا أن أتذكر ما حدث لي قبل وصولي هنا، ولكني أعلم أنني حتمًا دوَّنتُه في مذكراتي اليومية. تقول الممرضات إنها كانت معلقة فوق جسدي عندما وصلت.»

قال جوناثان وهو يعطيها الدفتر الصغير: «أسراري مطوية بين غلافَيْ هذا الدفتر. اقرئيها في الظرف والوقت المناسبين.»

أخذت مينا الدفتر ووضعته جانبًا دون أن تفتحه. وافقت على الزواج بجوناثان وأقاما حفل الزفاف في ذلك اليوم، بينما كان لا يزال في فراشه بالمشفى. لقد أهدرا ما يكفي من الوقت!

في الوقت ذاته، في لندن، حيث عادت لوسي بعد رحيل مينا من ويتبي إلى بودابست، استمرت معاناة لوسي من الأحلام الغريبة التي لازمتها في ويتبي. لم تستطع قطُّ تذكر التفاصيل، لكنها كانت تصحو دائمًا والخوف يملؤها. كان وجهها يزداد شحوبًا على نحو غامض، وكان الجرح في رقبتها يتدهور يومًا بعد يوم.

قلق خطيب لوسي — آرثر هولموود — للغاية، وطلب من صديقه الدكتور جون سيوارد أن يحضر للغداء ليأخذ رأيه. قال له آرثر: «لا تخبرها بسبب مجيئك.»

لاحظ جون سيوارد أن لوسي كانت متغيرة كثيرًا. وأخبر آرثر أنه يفضل الكتابة إلى صديقه القديم ومعلمه الطبيب العظيم الأستاذ الجامعي فان هيلسنج في أمستردام؛ حيث كان يعرف عن الأمراض غير المألوفة أكثر من أي شخص آخر في العالم.

وافق آرثر وحضر الأستاذ فان هيلسنج. بدا قلقًا ولم يذكر السبب بعد، لكنه طلب بدلًا من ذلك إمهاله بعض الوقت للتفكير في حالة لوسي. في الوقت نفسه، طلب من الدكتور سيوارد أن يبقي عينيه على لوسي ويسجل كل التفاصيل مهما كانت بسيطة.

استمرت حالة لوسي في التدهور. عندما رآها فان هيلسنج كانت شديدة الشحوب حتى إنه لم يتبق عمليًّا أي احمرار في شفتيها أو لثتها. عبس فان هيلسنج وأخذ دكتور سيوارد إلى الرواق، ثم صاح قائلًا: «لا بد أن نجري لها نقل دم على الفور!»

تبرع آرثر بالدم، وفي غضون دقائق عادت الحياة إلى وجنتي لوسي. تنهدت وحركت رأسها حركة خفيفة. تحركت ياقة ثوب النوم الذي كانت ترتديه فكشفت عن العلامات الحمراء على رقبتها.

وعندما رأى فان هيلسنج العلامات، شهق بسرعة كبيرة حتى كاد يُسمع لنفَسه صفيرٌ. لم يلاحظ آرثر هذا لكن الدكتور سيوارد لاحظه. انتظر حتى اختلى بفان هيلسنج ليسأله: «ما الذي تستنتجه من تلك العلامات على رقبتها؟»

أجاب فان هيلسنج: «لست مستعدًّا للإجابة الآن، عليَّ العودة إلى أمستردام الليلة للرجوع إلى كتبي. ويجب أن تبقى هنا طوال الليل ولا تدعها تغيب عن نظرك.» ثم أمسك بذراع سيوارد وقال: «أنا جادٌّ في ذلك. يجب ألا تنام. سأعود سريعًا، وعندها سنبدأ.»

سأله: «نبدأ ماذا؟»

أجاب: «سوف ترى.»

اتفق الرجلان على عدم إخبار آرثر بالكثير، حتى لا يزيد قلقه. فهما على كل حال طبيبان مستعدَّان لمواجهة مثل هذه الأمور. وتنفيذًا للتوجيهات، راقب دكتور سيوارد لوسي طوال تلك الليلة والليلة التي تلتها. نامت لوسي كالطفل الصغير مطمئنة بوجود الطبيب إلى جوارها. وبسبب نقل الدم والراحة التامة، بدت في أتم صحة بعد يومين فقط.

أما الدكتور سيوارد المسكين، فقد كانت حالته مختلفة. في اليوم الثالث، أمسكت لوسي يده، وقالت: «لن تسهر الليلة. تبدو في حالة مزرية وقد أصابك إعياء شديد. وكما ترى، لقد استرددت عافيتي ثانيةً.»

تردد دكتور سيوارد، لكنه كان متعبًا كثيرًا، ووعدته لوسي بأن تنام في الغرفة المجاورة لغرفته وأن تترك الباب مفتوحًا حتى يسمعها إذا احتاجت إلى أي شيء.

استيقظ دكتور سيوارد في الصباح التالي بعد أن هزه فان هيلسنج الذي كان عابسًا. سأله: «كيف حال مريضتك؟»

قال دكتور سيوارد: «لقد كانت بخير الليلة الماضية.»

ذهب الرجلان للاطمئنان عليها. عندما فتحا ستائر الغرفة المجاورة، اعترتهم صدمة كبيرة، فقد كانت لوسي أكثر شحوبًا وضعفًا مما كانت عليه قبل ذلك بيومين. كان يبدو أن جسدها لم يعد يحمل قطرة دم واحدة.

تمتم فان هيلسنج مستهجنًا: «ضاع مجهودنا سُدًى، علينا أن نبدأ من جديد!»

كان جون سيوارد هو من تبرَّع بالدم هذه المرة. ولأنه كان مسئولًا عما حدث، شعر براحة كبيرة وهو يرى التأثير الفوري لنقل الدم مرة أخرى على المريضة.

في الصباح التالي، أحضر فان هيلسنج للوسي زهورًا، ورتبها في أنحاء غرفتها بعناية.

قالت لوسي: «إنها رائعة، ولكن ما هذه الرائحة؟» ثم أدركت ماذا كانت هذه الزهور؛ لقد كانت ثومًا! فقالت: «هل هذه مزحة؟»

أجاب فان هيلسنج في حدة: «الموقف لا يحتمل أي مزاح، وسوف تتركين هذه الزهور هنا، من أجل الآخرين إن لم يكن من أجل نفسك.» بدت لوسي خائفة، فقال لها فان هيلسنج بلطف: «أعتذر بشدة، لم أقصد أن أفزعك. هلا قبلت مني هذه الزهور المتواضعة على سبيل المجاملة؟ وهلا أسديتني معروفًا آخر بوضع إكليل منها حول رقبتك وعدم خلعه؟»

قالت لوسي: «يشرفني أن أقبل زهورك.»

قال فان هيلسنج: «يبقى أمر أخير، لا تفتحي نوافذ غرفتك أو أبوابها.»

لم تفهم لوسي، لكنها وافقت.

•••

في الصباح التالي، قابل الطبيبان سيوارد وفان هيلسنج والدة لوسي في الرواق بالأسفل.

سألها فان هيلسنج مبتهجًا: «كيف أصبحت مريضتنا؟» حرصًا عليها، لم يخبرها أي منهما بمدى خطورة حالة لوسي.

قالت السيدة ويستينرا: «حسنًا، ربما لم تكن في أحسن حال، لكنني عالجت الأمر.»

سألها دكتور سيوارد منفعلًا: «ماذا تقصدين؟»

شرحت له السيدة ويستينرا: «حسنًا، عندما ذهبت لأطمئن عليها الليلة الماضية، كانت الغرفة ممتلئة بأزهار ثوم كريهة الرائحة وكانت عديمة التهوية لأن النوافذ كانت مغلقة. لذا، ألقيت الزهور بعيدًا وفتحت النافذة ليدخل بعض الهواء النقي. أنا متأكدة من أن ابنتي نعمت بنوم أفضل الليلة الماضية بفضلي.»

دون إبداء أي رد فعل أمام والدة لوسي، انتظر الرجلان حتى مرت، ثم هرعا إلى غرفة لوسي. بالطبع، حدث ذلك ثانيةً. كانت لوسي أكثر شحوبًا من أي وقت مضى. ثار غضب فان هيلسنج لحظة فصاح قائلًا: «كيف يمكننا محاربة هذه الشياطين؟» لم يفهم دكتور سيوارد دلالة هذا التعليق بالتحديد. لكنه تمالك نفسه بعد دقيقة وعاد لعمله. هذه المرة، كان فان هيلسنج هو من تبرع بالدم.

اضطر دكتور سيوارد للعودة إلى المصحة لتفقد بعض مرضاه، لذا وافق فان هيلسنج على البقاء مع لوسي. وكان آرثر قد ذهب في رحلة عمل.

بعد مرور بضع ليالٍ، كان الدكتور سيوارد في مكتبه يقرأ بعض الكتب الطبية بعد العشاء، عندما انفتح الباب فجأة وباغته رينفيلد ممسكًا سكينًا. قبل أن يتسنى للدكتور سيوارد أن يبدي أي رد فعل، كان رينفيلد قد جرح معصم الدكتور بالسكين، فتساقطت بعض نقاط الدم على الأرض.

دخل الموظفون المقيمون متأهبين للتصرف معه، لكن رينفيلد كان مطروحًا على الأرض بالفعل. كان راقدًا على بطنه يلعق الدماء مثل الكلب في مشهد مثير للاشمئزاز. وخلد الدكتور سيوارد للنوم وهو منزعج بشدة.

وزاد انزعاجه في الصباح التالي عندما تسلم برقية وصلت متأخرة يومًا كاملًا. كانت رسالة عاجلة من فان هيلسنج يقول فيها إنه اضطر للمغادرة إلى أمستردام على الفور ويطلب من دكتور سيوارد أن يمضي الليلة مع لوسي. أدرك دكتور سيوارد مع الأسف أن الرسالة كانت تشير إلى الليلة الماضية. وقد أمضت لوسي الليلة وحدها.

هرع دكتور سيوارد والخوف يتملكه إلى منزل عائلة لوسي. وعندما وصل، التقى فان هيلسنج وهو يركض لاهثًا في الرواق. وكما هو متوقع، رأى الرجلان مشهدًا مرعبًا.

حكت لهما لوسي فيما بعد أنها وجدت نفسها وحيدة الليلة الماضية، وكانت مطمئنة إلى زهور فان هيلسنج — التي كان قد أعاد وضعها — وحرصت على وضعها حول رقبتها قبل أن تأوي إلى الفراش. لكن عندما حاولت أن تغمض عينيها، استيقظت على أصوات نباح كلاب جاءت من بعيد ورفرفة غريبة على نافذتها.

كانت قد شعرت بوهن وتوتر شديدين، حتى إنها طلبت من والدتها أن تستلقي إلى جوارها. وأردفت لوسي قائلة إنه في خلال دقائق سمعت صوت عواء منخفض خارج النافذة مباشرةً. ثم حدث اقتحام بشع حيث قفز ذئب عملاق من النافذة مخترقًا الزجاج.

ملأ الرعب صدر والدة لوسي، فتشبثت بزهور الثوم التي كانت حول رقبتها فمزقتها. لكن الزهور لم تكن لتنقذها: مزَّق الذئب رقبتها، فقتلها ثم اندفع خارجًا من النافذة مرة أخرى.

تجمدت لوسي في مكانها مرتعدة، وحيدة، مع جثة والدتها. لم تجرؤ على الخروج. ولم تجرؤ على الحراك. لكنها ظلت تصلي فقط.

كانت هذه المرة هي أصعب معارك فان هيلسنج على الإطلاق. لقد استطاع أن ينعش لوسي قليلًا باستخدام بعض الأملاح كريهة الرائحة، لكنها كانت تحتاج إلى مزيد من الدماء وكلا الطبيبين كانا قد أجريا نقل دم بالفعل.

انطلق صوت يقول: «هل يمكن الاستعانة بي؟» وعندما نظرا، وجدا كوينسي موريس، الرجل الذي جاء من تكساس وعرض الزواج على لوسي. كان آرثر قد طلب من موريس أن يمر بلوسي ليطمئن عليها في غيابه. وأجرى فان هيلسنج نقل الدم.

شُفيت لوسي مرة أخرى، لكن كان بها شيء مختلف هذه المرة. ربما كان هذا الشيء في عينيها؟ ربما كانت تحمل قسوة جديدة عليها؟ كان من الصعب تحديد هذا الشيء. بالإضافة إلى ذلك، كانت أسنانها قد نمت قليلًا. وهذه الحقيقة هي أكثر ما أقلق فان هيلسنج.

في يقظتها، كانت تجذب زهور الثوم بالقرب منها. لكن أثناء نومها، كانت تبعدها عن نفسها وتكشف رقبتها. وظلت أسنانها تزداد طولًا. لكن سرعان ما لاحظ الدكتور سيوارد أن الجروح التي كانت في رقبتها قد اختفت تمامًا.

صاح دكتور سيوارد: «يا له من خبر سعيد!» لكن فان هيلسنج استنتج من هذا أمرًا مختلفًا، فأعلن قائلًا: «إنها تحتضر. ولم يبق أمامها وقت طويل. اذهب وأحضر آرثر، لا بد أن نخبره.»

انحنى آرثر منفطر القلب مرتبكًا نحو عروسه التي لن يتزوجها أبدًا. وعندما رأته لوسي، دبت فيها قوة مفاجئة. صاحت: «آرثر، أنا سعيدة جدًّا لأنك أتيت. قبِّلني! قبِّلني!»

أمسكت عنقه وجذبته نحوها بكل قوتها المفاجئة. هرع فان هيلسنج نحوهما وجذب آرثر، ودفعه للخلف فألقاه في الجانب الآخر من الغرفة. وصرخ قائلًا: «إياك أن تفعل! من أجل حياتك وحياتها!»

كسا الغضب لحظات وجهي كل من لوسي وآرثر، لكنه سرعان ما اختفى من وجهها وشعرت بالامتنان لما فعله فان هيلسنج. قالت: «أشكرك، أرجوك أن تحميه وتمنحني السلام.» وعندئذٍ لفظت أنفاسها الأخيرة، ورحلت.

اندفع آرثر خارج الغرفة غاضبًا حزينًا. اقترب دكتور سيوارد ووقف إلى جوار فان هيلسنج ناظرًا إلى لوسي المسكينة.

قال دكتور سيوارد: «أيتها المسكينة، يا لها من نهاية مأساوية.»

أجاب فان هيلسنج: «كلا، إنها ليست إلا بداية.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤