الفصل الخامس

الخَبَّاز (الإنسان الطحان)

أسمع هبوب الأعاصير،
أعلم أن النهاية وشيكة.
أخشى أن تَفيض الأنهار،
أسمع أصوات الغضب والخراب.
من أغنية «باد مون رايزينج»، لفرقة الروك الأمريكية «كريدنس كليرووتر ريفايفل»، ١٩٦٩

واجهت كاسحة الجليد البحثية السويدية «أودين» بينما كانت تشقُّ طريقها في الصيف عبر المياه ذات اللون الأزرق السماوي لبحر لابتيف بشمال سيبيريا، أجزاءً ضخمة من المُحيط تفور كالمياه الغازية تمامًا. وكتب رئيس البعثة الاستكشافية أوريان جوستافسون من جامعة ستوكهولم مُعلقًا على الأمر: «كانت مفاجأة إلى حدٍّ ما.» في رأيه، تنشأ الفقاعات المُنبعِثة من المنحدر القارِّي أسفل السفينة مع ذوبان غاز الميثان المُجمَّد المُترسِّب في قاع البحر. عادةً ما تكون هذه الفقاعات مُحاصَرةً بالضغط والبرد، ولكنها تتسرَّب الآن إلى السطح مع ارتفاع درجة حرارة المياه في المُحيط المُتجمِّد الشمالي (بابادوبولو، ٢٠١٤).

اكتشف الفريق العِلمي السويدي الروسي المُشترك وهم يُبحرون عبر المنحدَر القاري الذي يتدرَّج عمقه من مائة إلى ألف مترٍ باستخدام اختبارات صوتية وجيوكيميائية وجود «أعمدة هائلة من غاز الميثان تتسرَّب من قاع البحر على عُمقٍ يتراوَح بين ٥٠٠ و١٥٠ مترًا.» وفي العديد من الأماكن، شُوهِدت فقاعات الميثان وهي تَخترق سطح المُحيط. أشار التحليل الكيميائي لعيِّنات مياه البحر إلى أن مُستويات الميثان المُذاب أعلى من مُعدَّلها الطبيعي بما يتراوَح بين عشر مرات إلى خمسين مرة.

إذا نظرْنا إلى الأمر بمعزل، فسنجدُه مُجرَّد أمر غريب؛ قليل من الفقاعات المُتسرِّبة يبدو أنها لا تُشكِّل فارقًا يُذكر. ولكن على العكس من ذلك تمامًا، فهي بمثابة خُطى هادئة تنحدِر بنا نحو كارثةٍ على مستوى الكوكب. إلا أن ما شهده فريق أودين البحثي، لم يكن مجرَّد حادث مُنفرِد، بل حلقة في سلسلة مُتزايدة من الحوادث؛ فقبل أسبوع أو أسبوعين فقط في حرارة الصيف التي سجَّلت أعلى مستوياتها في صيف القطب الشمالي في عام ٢٠١٤، ظهرت فجوة عملاقة على نحوٍ غامض في التندرا السيبيرية. جذبت الفجوة التي يَبلغ عرضُها وعُمقها ثمانين مترًا انتباه وسائل الإعلام العالَمية في البداية كظاهرةٍ جيولوجية غريبة ومُثيرة، وظهرت مجموعة من النظريات الغريبة لتفسيرها، بداية من الفضائيين، واصطدام نيزك وصولًا إلى الهبوط الأرضي. وكانت إحدى السِّمات الغريبة التي ميَّزَتها هي حلقة من الأرض المُنفجِرة حول حوافها، التي يبدو أنها قد قُذِفَت إلى الخارج، وهو ما يُشير إلى وجود بعض الضغط الداخلي الذي حدث له تنفيس مُنفجِر على نحوٍ مُفاجئ. خلص العلماء الروس إلى أنَّ الفجوة قد حُفِرَت من خلال مزيجٍ من ذوَبان التربة الصقيعية، وثوران غاز الميثان الذي كانت تحتويه، والتي كانت مُتجمِّدة سابقًا في التندرا السيبيرية لعشرات الآلاف، وربما لملايين السنين. وما بدا حدثًا فريدًا آخر، اتَّضح لاحقًا أنه ليس كذلك؛ إذ سرعان ما اكتُشِفَت فجوات مُماثلة عبر سيبيريا، وهي منطقة من الكوكب ارتفع مُتوسِّط درجات الحرارة فيها بمقدار درجتَين مئويَّتَين بالفعل (مقارنة بالأرض بالكامل التي بلغ ارتفاع الحرارة فيها إلى موجب ٠٫٨٥ درجة مئوية) في النصف الأخير من القرن. قالت الباحثة الروسية مارينا ليبمان: «أقول إنَّ هذه عملية جديدة لم تُلاحَظ من قبل. يُمكن أن يُنظَر إليها على أنها ردة فعلٍ للتغيُّرات في درجة الحرارة والتي تُطلِق الغازات التي ربما كانت مُخبَّأة في شكل بقايا هيدراتية سائلة من الطبقات العُليا من التربة الصقيعية» (ليسوفسكا ولامبي، ٢٠١٤).

الميثان عبارة عن غاز أقوى بعدة مرات من غاز ثاني أكسيد الكربون من حيث التعجيل بتغيُّر المناخ، وهو ما يعني أنه لديه القدرة على تسخين الكوكب بسرعة تفوق سرعة احتراق الوقود الأحفوري بكثير. يُقدِّر العلماء أنه قد يكون هناك ما يَصِل إلى خمسة تريليونات طن من الميثان المحتبَس في التربة الصقيعية على الأرض (شور وآخرون، ٢٠١٥) وفي الرَّواسب البحرية الضحلة، المعروفة باسم الهيدرات أو مركبات الكلاثريت (المركبات القفصية)، الموجودة في المنحدَرات القارية حول العالَم. غاز الميثان هذا، عبارة عن النفايات المُتراكمة من مئات الملايين من السنين من المواد النباتية المُتحلِّلة والطحالب والعوالق في المحيطات والمُستنقَعات؛ أي أنه كومة عالَمية هائلة من السماد، بنفسِ حجم جميع رواسب الفحم والنفط والغاز التي وُجدت على الإطلاق أو أكبر وهو يتشكَّل من خلال عمليات بيولوجية جيولوجية مُماثلة. ظلَّ غاز الميثان، الذي يُشبه تمامًا الفقاعات التي تَرتفع إلى سطح بركة راكدة عند تحريك الوحل، ساكنًا ومُتجمِّدًا داخل قاع البحر أو رواسب التندرا بفعل البرد والضغط الشديدَين. ومع ارتفاع حرارة المُحيط القطبي الشمالي والكُتَل الأرضية في الوقت الحاضر، بدأت هذه الرواسب الطبيعية الشاسعة في الذوبان والتسرُّب، مما يُضاعف من آثار ارتفاع حرارة الكوكب الذي يُحدِثه الكربون الذي يَنبعث في الغلاف الجوي بفعل الأنشطة البشرية.

تضاعفَت التقارير العلمية عن تسرُّب غاز الميثان، حيث ترصُد دراسة كندية مُستمرة منذ منتصَف ثمانينيَّات القرن العشرين، زيادةً إجمالية قدرُها ٨٪ في غاز الميثان في الغلاف الجوي، ولكنَّها تَكشف أيضًا عن سلسلةٍ من الارتفاعات الشديدة المفاجئة في الغاز المُتسرِّب خارج النطاق المُعتاد. وقد لقَّب العلماء نُذُر السوء هذه بلقب «أسنان التنِّين»، وهي أولى الأنفاس النارية لظاهرة الاحتباس الحراري الجامح. تُشير تقارير أُخرى إلى أنَّ الكربون الأرضي، على الأقل، يتسرَّب حاليًّا بمعدَّلٍ ثابت وبكميَّات مُعتدلة. ومع ذلك، فأكبر مركباته تسرُّبًا هو غاز الميثان الموجود في قاع البحر.

كما أخبر عالِم الجليد الكندي الدكتور تيم بوكس مُتابعيه على تويتر بإيجاز: «إذا تسرَّب جزء صغير من الكربون الموجود في قاع البحر في القطب الشمالي إلى الجو، فنحن هالكون لا محالة» (بوكس، ٢٠١٤).

تحذيرات عالمية

لقد فهمَ العِلم الآلية التي تُحرِّك الاحتباس الحراري منذ عام ١٨٩٦ على الأقل، عندما اكتشفَها العالِم السويدي سفانت أرهنيوس أثناء محاولته قياس درجة حرارة سطح القمر. كان أرهنيوس يَقيس الأشعة تحت الحمراء (أي الحرارة) المُنعكِسة من سطح القمر، ولاحَظَ أن قياساته كانت أدقَّ عندما كان القمر مُرتفعًا في السماء، عنها عندما كان مُنخفضًا في الأُفق، حيث كان على الإشارات تحت الحمراء الضعيفة أنْ تمُرَّ عبر جزءٍ أكبر من الغلاف الجوي للأرض لتصلَ إلى المُراقب. وقد أشار عمل علماء سابقين إلى قُدرة بعض الغازات، مثل ثاني أكسيد الكربون، على حبس الحرارة. استنتَجَ أرهنيوس من ذلك أنَّ الغازات الموجودة بالغلاف الجوي، وخاصة ثاني أكسيد الكربون وبخار الماء، كانت تَمتصُّ إشارات الأشعة تحت الحمراء الحرارية الآتية من القمر. دفعَت هذه المُشاهَدة أرهنيوس لحساب أنَّ خفْض حجم ثاني أكسيد الكربون إلى النصف في الغلاف الجوي للأرض سيؤدي إلى فقْد الكوكب للحرارة، ممَّا يُؤدِّي إلى عصرٍ جليدي؛ في حين أن مضاعفة حجمِه ستُؤدِّي إلى تخزين حرارة كافية لرفع درجات الحرارة العالَمية بمقدار من خمسٍ إلى ستِّ درجات مئوية. ومن هنا، وُلدت بداية «نظرية الدفيئة»، ولكنها كانت تُعتبَر في ذلك الوقت أمرًا مُثيرًا للفضول العِلمي، أكثر من مسألة تتحكَّم في مصير الحضارة. أدرك أرهنيوس أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرْق الفحم صناعيًّا ومنزليًّا من شأنها أن تميل أيضًا إلى رفع درجة حرارة الأرض، ولكنه اعتبر أنَّ هذه العملية ستستغرِق مئات السنين؛ نظرًا لأن الكميات التي كانت تُحرَق في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت صغيرة نسبيًّا.

تمَّ البحث في هذه المسألة على نحوٍ مُتقطِّع على مدار نصف القرن التالي، ولكن لم يبدأ العلماء في فَهم أن الأنشطة البشرية المختلفة — وخاصة التلوث — كانت تُغيِّر السلوك المادي للغلاف الجوي حتى ستينيَّات القرن العشرين. وقد أدَّى هذا الاكتشاف إلى إجراء بحوثٍ أدقَّ وإلى نشأة عِلم المناخ الحديث. في ذلك الوقت، كان القلق السائد هو أن انبعاثات الدخان وجزيئات السخام الناتج عن الأنشطة البشرية قد تُعيد المناخ إلى عصرٍ أكثر برودة، وهي نظرية تدعمها الملاحَظة التي مفادُها أن الثورات البركانية الكبرى التي دفعت الغازات والجزيئات الدقيقة إلى الغُلاف الجوي العلوي عادة ما يتبعها سنواتٌ من البرودة نتيجةً لتأثير ما يُعرَف باسم «ظاهرة المظلة». ومع ذلك، بحلول أوائل سبعينيَّات القرن العشرين، كانت قراءات درجات الحرارة تُظهر أكثر فأكثر أنَّ ما كان يَحدُث في العالَم فعليًّا هو زيادة درجات الحرارة وليس انخفاضها. لقد كانت وسائل الإعلام في ذلك الوقت مفتونة أكثر بفكرة «عصر جليدي» جديد، بدلًا ممَّا بدا وكأنه خبر جيد. وهكذا، ومع تناقُض ما يقوله العلماء مع ما تَذكُرُه وسائل الإعلام، كان الجمهور والمُشرِّعُون يَشعرون بِحيرة لا يُؤاخَذون عليها، وهي مُعضلة استمرَّت حتى القرن الحادي والعشرين.

ومع ذلك، بحلول منتصَف سبعينيات القرن العشرين، كانت النماذج المناخية المُبكِّرة تُشير بشكلٍ لا لبس فيه إلى الاستنتاج القائل بأنَّ تضاعُف مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي من شأنه أن يرفع درجات الحرارة العالمية بمقدار درجتَين مئويَّتَين على الأقل. اعتمد والاس بروكر، باحث في مرصد لامونت دورتي إيرث بجامعة كولومبيا، هذه الظاهرة بشكلٍ رسمي في الثامن من أغسطس عام ١٩٧٥، في مقال نُشِر في مجلة «ساينس» العلمية وطرح السؤال التالي: «التغيُّر المناخي: هل نحن على شفا احتباسٍ حراري واضح؟» (بروكر، ١٩٧٥). وفي هذه الأثناء، كان باحثون آخرون يجمعون أدلةً على أن «الاستجابات» المختلفة في نظام الأرض — مثل حجم الغطاء الجليدي، والمعدل الذي تَمتصُّ به المحيطات ثاني أكسيد الكربون وتُطلِقه، والغطاء السحابي، وذوَبان الجليد في القطب الشمالي … إلخ — يُمكن أن يكون لها تأثيراتٌ كبيرة، حيث سيدفع بعضُها العمَلية بشكلٍ أسرع، بينما سيعمل البعض الآخر على إبطالها وهو ما سيُؤدي إلى إبطائها. بحلول عام ١٩٧٩، كان الاتجاه الذي تَنحو إليه الأدلَّة واضحًا بما فيه الكفاية لأن يَخلُص المؤتمر العالمي للمناخ إلى أنَّ ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الأنشطة البشرية يَعمل على تسخين الغلاف الجوي السُّفلي. ومن هنا وُلِد إجماع علمي عالمي عزَّزه تراكم كميات هائلة من الأدلة المادية، وتطوير نماذج التنبؤ بالمناخ، ورؤية أعمق لكيفية عمل نظام الأرض.

مُتلازمة الزهرة

موجود في السماء عند كل غروب شمس صافٍ وكأنه نذير يتوهَّج في السماء العتيقة، إنه كوكب الزُّهرة. لقد كان «نجم المساء» موضع رهبةٍ وتبجيل لدى البشر على مرِّ العصور. كان يراه كلُّ من له عيون تُبصر، وعلى الرغم من ذلك، فقد فشلَ الجميع تقريبًا في قراءة رسالته التحذيرية.

إن درجة الحرارة على سطح هذا الكوكب الجميل الذي يُشبه اللؤلؤة حارقة؛ إذ تبلُغ ٤٦٢ درجة مئوية، أي أنها ساخنة بما يكفي لصهر الرصاص (درجة حرارة انصهار الرصاص هي ٣٢٧٫٥ درجة مئوية، ٣٢١ درجة فهرنهايت). غلافُه الجوي فائق الكثافة يُسبِّب ضغطًا يفوق ضغط غلافنا الجوي باثنين وتسعين مرة، وهو عبارة عن مزيجٍ قاتل من ثاني أكسيد الكربون وحمض الكبريتيك. إنه حارق، عارٍ تمامًا إلا من الصخور، وخالٍ تمامًا من الماء والحياة. كل هذا هو نتاج اضطرابٍ عنيف حوَّل الكوكب الشقيق للأرض إلى شيءٍ كئيب يُذكِّرنا بتصوُّراتنا الدينية عن الجحيم المُستعِر.

كان عالِم الأرض جيمس هانسن مهووسًا بكوكب الزهرة وكيف أصبح على ما هو عليه اليوم منذ أن انضمَّ إلى معهد جودارد لدراسات الفضاء التابع لناسا كباحثٍ شاب. يقول هانسن إنه من بين الكواكب الثلاثة التي تُشبه الأرض (المريخ والأرض والزهرة)، فقط كوكب الأرض هو الذي يتمتَّع ﺑ «مناخ معتدل» مناسِب لتنشأ فيه الحياة وتَزدهر. أما كوكب المريخ فشديد البُرودة، حيث تكون درجة الحرارة في الأيام العادية سالب ٥٠ درجة مئوية، وكوكب الزهرة شديد الحرارة. يَستنتج هانسن أن هذه التناقُضات الصارخة تَسبَّب فيها عاملان رئيسيان؛ ألا وهما: وضاءة الكوكب، أي الجزء من حرارته الذي يعكسه إلى الفضاء مرةً أُخرى، والغطاء الحراري الذي يَحبس الغازات في غلافه الجوي. بالنسبة للمريخ، فغلافُه الجوي رقيق للغاية وذو قوَّة عزلٍ قليلة، لذا تُفقَد معظم حرارة الكوكب على الفور، وهو ما يَجعله شديد البرودة. تَحبس الأرض بعض الحرارة القادمة من الشمس (حوالي ٧١٪)، وتعكس البقية (٢٩٪)، وهو ما يحافظ على «دفيئة» مريحة يمكن أن تزدهر فيها الحياة. وعن كوكب الزهرة، كتب هانسن: «يحتوي كوكب الزهرة على الكثير من غاز ثاني أُكسيد الكربون، فتصِل درجة حرارته إلى عدة مئات من الدرجات» (هانسن، ٢٠٠٩). ويعتبِر أن هذا قد حدث كنتيجةٍ لعملية احتباسٍ حراري جامحة ارتفعَت فيها درجة حرارة الكوكب إلى ١٠٠ درجة مئوية، وهو ما جعل مُحيطاته تَغلي وتتبخَّر في الفضاء، وعندئذٍ أصبح السطح ساخنًا لدرجة أنَّ جميع الكربون المُتبقِّي أُطلِقَ في الغلاف الجوي، ممَّا شكَّل الفرن الكوكبي العاصف الحالي. دفع إدراك هانسن لهذا النذير السماوي الكئيب إلى المخاطرة بحياته المهنية لتنبيه أقرانه من البشر إلى ما قد يَحدُث للأرض إذا عبَّأنا الغلاف الجوي لكوكبنا بالكثير من الكربون.

بصورة منهجية، شرع هانسن في تقديم المشورة لزملائه من العلماء ولحكومة الولايات المتحدة ولصناعة الوقود الأحفوري وللجمهور. وفي عام ١٩٨٨، أخبر هانسن الكونجرس الأمريكي بأن انبعاثات الكربون الناتجة عن الأنشطة البشرية قد أثَّرت بالفعل على مناخ العالَم بشكلٍ ملموس. وفي العام نفسه، خلصَ مؤتمرٌ دولي لفيزياء الغلاف الجوي إلى أن التغييرات كانت تُشكِّل «تهديدًا كبيرًا للأمن الدولي … وأنها بالفعل تتسبَّب في عواقب وخيمة في أجزاء كثيرة من العالم.» كما حذَّر المؤتمر أنه لتجنُّب هذا الأمر، يجب على البشرية أن تسعى إلى الحدِّ من الانبعاثات الكلية للكربون إلى مستوًى يصِل إلى ٨٠٪ من ذلك المستوى الذي كان سائدًا في عام ١٩٨٨ (المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ١٩٨٨). أثارت حملة هانسن الصريحة غضب إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وغضَب جماعات الضغط الأمريكية المَعنية بالوقود الأحفوري، واتُّخِذت خطوات لإسكاته (هانسن، ٢٠٠٩)، ولكنها لم تَنجح؛ حيث أصبح أكثر صراحةً وإصرارًا. شارك هانسن في الاحتجاجات العامة واعتُقلَ عدة مرات. لقد أساء إلى بعض زملائه من العُلماء بتجاوزه الحد غير المُعلَن بين العِلم الحيادي والدفاع الحماسي عن القضايا. انتقد هانسن الصناعة والحكومة الأمريكية لبذلِهما جهودًا شديدة الضآلة وبعد فوات الأوان، وطالَب بمحاكمة المديرين التنفيذيين لشركات الفحم والنفط بتُهمة ارتكاب «جرائم أخلاقية عُليا ضدَّ الإنسانية والطبيعة».

أصدر هانسن كتابه «عواصف أحفادي» بعد أن أصبح جَدًّا يهتمُّ بمُستقبَل أحفاده وبعد أن أغضبتْه مُلاحظة عابرة قالَها المذيع التلفزيوني لاري كينج أنه «لا أحد يهتمُّ بما سيحدُث بعد خمسين عامًا من الآن» (هانسن، ٢٠٠٩). ويُقدِّم الكتاب الذي يُعتبر مزيجًا بين العِلم والنقد السياسي اللاذع الدليلَ العِلميَّ على ظاهرة الاحتباس الحراري، ورد فعل الحكومة الأمريكية المُتهاون. ومع ذلك، يُختَتم الكتاب بنبرةٍ تفاؤلية تثقُ في أن الأشخاص الذين يهتمُّون بأحفادهم سيتصرَّفون بناءً على الحقائق الخاصة بالاحتباس الحراري. ولكن يُحذِّر هانسن فيه أيضًا من أننا إذا حَرَقنا كل النفط والفحم ورمال القار المُتاحة لنا، «فستكون مُتلازمة الزهرة حتمية».

لم يكن هانسن الصوت الوحيد؛ إذ يُمكنُك اليوم أن تملأ مكتبةً معتبَرة بكتُب عن نظرية الاحتباس الحراري وتداعياتها. أصدر بيل ماكيبين في عام ١٩٨٩ كتاب «نهاية الطبيعة»، الذي لاقى إشادةً عامة بوصفِهِ أول رصْد مُهِم يستهدف القرَّاء العاديِّين حول عواقب تغير المناخ الذي يتسبَّب فيه الإنسان. ونشَر عالِم الأحياء الأسترالي تيم فلانري في عام ٢٠٠٥ كتاب «صانعو الطقس»، وهو عبارة عن سردٍ بلُغةٍ وصفية واضحة عن العواقب التي سيَجنيها البشر جرَّاء تدخُّلهم في المناخ. في العام التالي، أصدر نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور كتابَهُ وفيلمه الوثائقي الشهير «حقيقة مُزعجة»، ونشر الصحافي البيئي البريطاني جورج مونبيوت كتاب «الحرارة: كيف نَمنع الكوكب من الاحتراق». وفي عام ٢٠٠٧، أصدر مارك ليناس كتاب «ست درجات: مُستقبلنا على كوكب أكثر سخونة». ثم في عام ٢٠٠٨، أصدر عالم الأحياء البريطاني بيتر وارد كتابًا بعنوان «تحت سماء خضراء» يصِف وقائع الاحتباس الحراري في الماضي والانقراض الجماعي الذي تسبَّبت فيه، بينما تنبأ الكندي جوين داير بالآثار الجيوسياسية في كتاب «حروب المناخ». كما ناشَد توم فريدمان الكاتب في صحيفة «نيويورك تايمز» أمريكا أن تقود الطريق نحو الخروج من الأزمة في كتاب «ساخن ومُسطَّح ومُزدحِم». وفي عام ٢٠٠٩، كتب العالِم الإنجليزي الشهير جيمس لافلوك وصاحب فرضية جايا، «وجه جايا المُتلاشي: التحذير الأخير»، وخلُص في هذا الكتاب إلى استنتاج مُتشائم يقول إنه «لا يستطيع أي تصرُّف بشري التقليل من أعدادنا بالسرعة الكافية حتى لإبطاء وتيرة تغيُّر المناخ … لا يبدو أننا لدَينا أدنى فَهم للمأزق الذي نمرُّ به … قد تمنعُنا رغبتنا في مواصلة أعمالنا كالمعتاد مِن إنقاذ أنفسنا» (لافلوك، ٢٠٠٩). في عام ٢٠١٠، نشر الأكاديمي الأسترالي كلايف هاميلتون كتاب «مرثية لجنس البشر» الذي حلَّل فيه بدقَّة الإحجام غير العادي للسياسيِّين ورجال الصناعة والجمهور عن اتخاذ إجراءاتٍ بشأن خطرٍ واضح وحاضر يُهدِّد مُستقبَلَهم. بينما كشَفَ المؤرخ الأمريكي نعومي أورسكيس عن الدور المُضلِّل لجماعات الضغط المُدافِعة عن مَصادر الوقود الأحفوري في تقويض ثقة الجمهور في عِلم المناخ في كتابه «تجار الشك». فمن خلال هذه الكتُب وعشرات الكتب والبرامج التلفزيونية والأفلام ومؤتمَرات تيد (اختصار التكنولوجيا والترفيه والتصميم) ومئات التقارير الرسمية وأكثر من ١٢ ألف ورقة عِلمية وعشرات الآلاف من التقارير الإعلامية، بالكاد يُمكن للبشرية أن تدَّعي أنها لم تتلقَّ تحذيرًا كافيًا عن مخاطر حرق الوقود الأحفوري وتحرير غاز الكربون.

الحقائق

في عام ١٩٨٩، قرَّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة العالَمية للأرصاد الجوية أن الوضع كان خطيرًا بما يَكفي لتشكيل فريق عمل دولي أوحد لتولي مسئولية توعية العالَم بقضايا المناخ باستخدام النتائج العِلمية التي خضعت لمُراجعة الأقران؛ ومِن ثمَّ أنشئت الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ.

خلال الربع التالي من القرن، عمل الآلاف من الباحثين في مئات الجامعات ومؤسسات البحث حول العالَم على توثيق وتفسير التغيُّرات في مناخ الأرض التي كانت قياساتُها تَتراكم بالمليارات. كانت البيانات كلها، سواءً التي قِيست على الأرض أو في الهواء أو في المحيطات، أو على السطح في شكل ارتفاع مُستوى سطح البحر، تُشير إلى نفس الشيء: تَرتفِع درجة حرارة كوكب الأرض على نحوٍ ثابت. وقد أُعلن عام ٢٠١٤ رسميًّا أشدَّ الأعوام حرارة على الإطلاق، حيث ارتفَعَت درجة الحرارة بمقدار ٠٫٦٩ درجة مئوية عن متوسِّط الحرارة على مدى القرن العشرين بأكمله، ليتحطَّم هذا الرقم القياسي في عام ٢٠١٥ وفقًا لتصريحات المنظَّمة العالَمية للأرصاد الجوية (٢٠١٦). وفي فبراير ٢٠١٦، صُدِم العالَم بتقارير تُفيد بأن سطح كوكب الأرض عند شمال خطِّ الاستواء قد ارتفَعَت حرارته بالفعل بمقدار درجتَين مئويتَين عن درجات الحرارة في سنوات ما قبل الصناعة؛ حيث إنَّ هذا قد كان الحدَّ الذي لم يكن من المُفترَض تجاوزه أبدًا (دايك، ٢٠١٦). خلال القرن الحادي والعشرين، سُجِّلَت تسعٌ من أصل عشر سنوات على أنها الأشدُّ حرارةً على الإطلاق، وارتفَعَ متوسِّط درجات الحرارة في جميع أنحاء العالَم لمدة ثمانيةٍ وثلاثين سنة مُتتالية منذ عام ١٩٧٧ (الإدارة الوطنية للمُحيطات والغلاف الجوي، ٢٠١٤). هذه المعلومات والمصادر العِلمية التي تستند إليها، متاحة مجانًا لأي مُواطن مُثقَّف ولدَيه إمكانية الولوج إلى الإنترنت وما يكفي من الاهتمام بمُستقبل أطفاله. (انظر شكلَي ٥-١ و٥-٢).
fig7
شكل ٥-١: تُظهر القياسات العِلمية من جميع أنحاء العالم مؤشِّراتٍ تصاعُدية في درجات الحرارة العالَمية منذ بداية العصر الصناعي، حيث تُسجِّل باستمرار أرقامًا قياسية جديدة منذ وقتٍ مُبكِّر من القرن العشرين. (المصدر: الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (ناسا، ٢٠١٥).)
fig8
شكل ٥-٢: «مقياس حرارة» كوكب الأرض: تُشير العديد من الدراسات العلمية إلى ارتفاع منسوبِ سطح البحر بشكلٍ مطَّرد منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر؛ وذلك بسبب كلٍّ من ذوبان الجليد القُطبي والتمدُّد الحراري في الطبقة العُليا من مياه البحر. وفي حين أنَّ الدراسات ترصُد نتائج مختلفة من مكانٍ إلى آخر، إلا أنها تتَّفق على هذا الاتجاه. (المصدر: الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ (٢٠١٤أ).)
في ضوء الأدلَّة المُتزايدة، رفعت الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ تحذيراتها بصورةٍ مستمرَّة حول مخاطر تغيُّر المناخ منذ ظهور تقريرها التجميعي الأول في عام ١٩٩٠. وخلصت في تقريرها الخامس (نوفمبر ٢٠١٤) إلى أن:
  • التأثير البشري على نظام المناخ واضح، وانبعاثات غازات الدفيئة بشرية المنشأ هي الأعلى في التاريخ. كان للتغيُّرات المناخية الحديثة تأثيرات واسعة النطاق على النُّظُم البشرية والطبيعية.

  • ارتفاع درجة حرارة النظام المناخي أمر مؤكَّد لا لبسَ فيه، ومنذ خمسينيات القرن العشرين، كان العديد من التغيُّرات الملحوظة التي طرأت، تغيُّرات لم يسبق لها مثيل على مدًى يمتدُّ من عشرات حتى آلاف السنين. لقد ارتفعت درجة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات، وتقلَّصت كميات الثلج والجليد، وارتفع مستوى سطح البحر.

  • من المُرجَّح بشدة أن تكون انبعاثات الكربون البشرية هي «السبب الرئيسي للاحتباس الحراري الملحوظ منذ منتصَف القرن العشرين».

  • اتَّصلَت بعض التغيُّرات الحادة في الطقس والمناخ ﺑ «التأثيرات البشرية».

  • تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي هي الأعلى منذ ٨٠٠ ألف عام.

  • «سيزيد استمرار انبعاث غازات الاحتباس الحراري من احتمالية حدوث تأثيراتٍ حادة قابلة للانتشار ولا رجعةَ فيها على الناس والنظم البيئية.»

  • من المُحتمَل حدوث المزيد من الفيضانات والموجات الحارة.

  • ستؤدِّي التغيُّرات المناخية إلى تضخيم المخاطر الحالية وخلْق مخاطر جديدة للإنسانية والعالَم الطبيعي على حدٍّ سواء.

  • ستكون هناك مخاطر كبيرة تُهدِّد الأمن الغذائي العالَمي.

  • ستستمرُّ هذه الآثار لعدَّة قرون، حتى لو توقَّفَت الانبعاثات (الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، ٢٠١٣).

قد فسَّرت السيناريوهات المعروفة باسم «مسارات التركيز التمثيلية» ما يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل مناخنا. على سبيل المثال، يُوضِّح شكل ٥-٣ الفرق بين سيناريو (مسارات التركيز التمثيلية (٢٫٦)) تتوقَّف فيه انبعاثاتنا من الكربون في عام ٢٠٢٠، حيث تصِل الانبعاثات إلى ذُروتها ثم تبدأ في الانخفاض، وسيناريو تستمرُّ الانبعاثات فيه بالارتفاع تماشيًا مع نموِّ الطلَب على الوقود الأحفوري (مسارات التركيز التمثيلية (٨٫٥)). في السيناريو الأول، ستكون درجة حرارة الكوكب أعلى بمقدار درجتَين مئويتَين، وفي السيناريو الثاني، ستكون أعلى بمقدار خمس درجات مئوية.
fig9
شكل ٥-٣: العالَم الساخن: تأثير استمرارنا في حرْق الوقود الأحفوري كما نريد (مسارات التركيز التمثيلية (٨٫٥)) مقارنة بالجهود الناجحة في الحدِّ من انبعاثات الكربون (مسارات التركيز التمثيلية (٢٫٦)). (المصدر: الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ (٢٠١٤ب).)

لذا فالرسالة التي لا بدَّ أن يخرج بها الإنسان سواء كان حكيمًا أم لا هي أنَّ العالم ذا المناخ المُعتدِل الذي وُلدت فيه حضارتنا، وتطوَّرت فيه الزراعة والمدن والصناعة والتكنولوجيا المُتقدِّمة قد ضاع بلا عودة. ربما لا يَزال أمامنا خيار حول حال الكوكب الذي سينتهي بنا المطاف فيه، ولكن حتى هذه الفرصة آخِذة في التلاشي بسرعة.

إنَّ عصرَنا هو عصر جديد ويتفرَّد بكونه محفوفًا بالمخاطر، ولكنَّنا لا نُقَدِّر مدى خطورته جيدًا أو على نطاق واسع.

كيف نُحافظ على «برودتنا»

كي نحظى بأيِّ فرصةٍ للحفاظ على برودتنا، بالحفاظ على زيادةٍ عالَمية في درجات الحرارة بمقدار درجتَين مئويتَين أو أقل، فلا بدَّ أن تتخلَّص الإنسانية من إدمانها على الوقود الأحفوري بالكامل. لم يَعُد هذا الأمر محلَّ شكٍّ على الإطلاق، فنُقطة الأزمة تقترِب بسرعة ويقبع وراءها طريق يُمكن أن يُدمِّر الحضارة.

ستكون هذه النقطة هي إطلاق البشر ﻟ ٢٩٠٠ مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، والتي لن يكون هناك بعدَها أي فرصة للإبقاء على «كوكب الأرض الأدفأ» في السيناريو الأول المذكور أعلاه، ولا لمنع كوكب الأرض ذي الحرارة الأعلى في السيناريو الثاني. لقد أطلَقنا بالفعل ١٩٠٠ مليار طنٍّ من ثاني أكسيد الكربون منذ بداية العصر الصناعي؛ ومن ثمَّ فقد قطَعنا ثُلثَي الطريق نحو نقطة الأزمة. منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ومع التعافي من «الأزمة المالية العالمية»، أطلق العالم ٥٠ مليار طنٍّ إضافية من غازات الدفيئة (في صورة غازات مكافئة لثاني أكسيد الكربون) في الغلاف الجوي للأرض كل عام.1 بافتراض وجود نموٍّ اقتصادي عالَمي مُستقر، فإن هذا يعني أن «نقطة اللاعودة» تجاه عالَمٍ ساخن قد يتمُّ الوصول إليها خلال ثلاثينيَّات القرن الحادي والعشرين.

إذا كنا لا نُريد أن يَحترق كوكبنا، فلا بدَّ أن تبقى مُعظَم احتياطاتنا المعروفة من الطاقة الأحفورية تحت الأرض، يقول كريستوف ماكجليد وبول إيلكينز من جامعة كوليدج بلندن: «ثلث احتياطيَّات النفط ونصف احتياطيات الغاز و٨٠٪ من احتياطيات الفحم يجِب أن تظلَّ غير مُستخدَمة من عام ٢٠١٠ إلى ٢٠٥٠، لتحقيق الهدف المُتمثِّل في ارتفاع درجة الحرارة بمقدار درجتَين مئويتَين.» وأضافوا، أن ذلك يتضمَّن عدم استخدام أي نفطٍ غير تقليدي (سواء من رمال القار أو الفحم أو الطَّفل الصفحي) أو النفط القطبي الشمالي على الإطلاق (ماكجليد وإيلكينز، ٢٠١٥).

تُوجَد طريقةٌ أخرى للتعبير عن نقطة الخطر؛ ألا وهي تركيز غازات الدفيئة في الغلاف الجوي للأرض. لقد بدأ ذلك في العصر الصناعي بحوالي ٢٦٠ جزءًا من مُكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل مليون جزء من الغلاف الجوي. في خمسينيَّات القرن العشرين، تجاوز التركيز ٣٠٠ جزء في المليون، وبدأت حرارة الكوكب في الازدياد بشكلٍ ملموس. في أوائل الثمانينيَّات، وصَلَ التركيز إلى ٣٥٠ جزءًا في المليون، وبحلول عام ٢٠١٥ وصل إلى ٤٠٠ جزء في المليون، وكان يَرتفع بمُعدَّل ٢ جزء في المليون سنويًّا. وفقًا للهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ، إذا أردنا قصر ارتفاع درجة حرارة الكوكب إلى زيادةٍ تبلُغ درجتَين مئويتَين، فيجِب ألَّا نَسمح أبدًا لتركيز ثاني أكسيد الكربون بأن يصِل إلى مُستوًى أعلى من ٤٥٠ جزءًا في المليون. ومع ذلك، يُعارض العديد من العلماء هذا الأمر بحجَّةِ أن ٣٥٠ جزءًا في المليون، أو حتى ٣٠٠ جزء، هو الحد الأقصى لتكون الأرض كوكبًا صالحًا للحياة. على سبيل المثال، صرَّح جيمس هانسن وزملاؤه بأنه «إذا أرادت البشرية الحفاظ على كوكبٍ شبيه بالكوكب الذي نشأت عليه الحضارة لأول مرة وتكيَّفت معه الحياة على الأرض، تُشير أدلة عِلم المناخ القديم والتغير المناخي المستمر إلى ضرورة خفضِ تركيز ثاني أكسيد الكربون … إلى ٣٥٠ جزءًا في المليون على أكثر تقدير … يُمكن تحقيق الهدف الأوَّلي بالوصول إلى تركيز ٣٥٠ جزءًا من المليون من ثاني أكسيد الكربون من خلال التخلُّص التدريجي من استخدام الفحم إلا في الحالات التي يُحتَجَز فيها ثاني أكسيد الكربون، واعتماد المُمارسات الزراعية والحرجية التي تَعزل الكربون. إذا لم يكن التجاوُز الحالي لهذا الحد من تركيز ثاني أكسيد الكربون وجيزًا، فنحن أمام إمكانية وضْع بذورٍ لتأثيراتٍ كارثية لا رجعة فيها» (هانسن وآخرون، ٢٠٠٨).

إذا لم نَنجح في خفض انبعاثات الكربون التي نُنتجها، فقد حذَّر البنك الدولي من أننا في طريقنا إلى:
  • «عالَم ذي مناخ وطقس قاسيَين يُسبِّبان الدمار والمُعاناة الإنسانية.»

  • موجات حرارة شديدة، لا سيما على اليابسة داخليًّا، بدرجات حرارة تتراوَح من ٤ إلى ١٠ درجات مئوية أعلى من الوقت الحالي. سيَرتفع مُتوسِّط درجات الحرارة في الصيف بمقدار ٦ درجات مئوية أو أكثر.

  • ارتفاع مُستويات سطح البحر بمقدارٍ يتراوَح بين نصف متر إلى مترٍ واحدٍ بحلول عام ٢١٠٠، مما يُعرِّض المدن المنخفِضة في جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية للفيضانات المُزمِنة وهو ما سيدفع لإخلاء بعض الجزُر.

  • درجات حرارة مرتفعة من شأنها أن تُدمِّر محاصيل الأرز والقمح والذرة والمحاصيل الهامة الأخرى.

  • ستتعطَّل الإمدادات الغذائية الزراعية في جميع أنحاء العالم، مع حدوث مجاعات في بعض المناطق وتقلُّبات كبيرة في الأسعار والإمدادات لكل المناطق.

  • ندرة حادَّة في المياه في المناطق الجافة، مما سيُؤثر على المدن وإنتاج الغذاء والأسماك. وزيادة الفيضانات في المناطق الاستوائية.

  • سيتأثر ٨٠٪ على الأقل من سكان العالَم بشكلٍ مباشر بواحدٍ أو أكثر من هذه الآثار (البنك الدولي، ٢٠١٣).

أعلن جيم يونج كيم رئيس مجموعة البنك الدولي أنه، «يُمكن، بل لا بدَّ من تجنُّب ارتفاع درجة حرارة العالَم بمقدار أربع درجاتٍ مئوية؛ إذ لا بدَّ أن نحافظ على مستوى احتباس حراري أقل من درجتَين مئويتَين. يُهدد عدم اتخاذ إجراءات بشأن تغيُّر المناخ بأن يجعل العالَم الذي سيَرِثُه أطفالنا، عالمًا مختلفًا تمامًا عما نعيش فيه اليوم. يعدُّ تغيُّر المناخ أحد أكبر التحديات المُتفرِّدة التي تُواجه التنمية، ونحن بحاجةٍ إلى تحمُّل المسئولية الأخلاقية في اتخاذ الإجراءات اللازمة نيابةً عن الأجيال المُقبلة، ولا سيما الأشخاص الأكثر فقرًا» (البنك الدولي، ٢٠١٢).

الاحتباس الجامح

في عام ٢٠٠٩، اكتشف ريتشارد زيبي من جامعة هاواي وزملاؤه اكتشافًا مُقلقًا للغاية أثناء فحصهم لحدثٍ وقع قبل ٥٥ مليون عام تقريبًا، عندما عانت الأرض من حُمَّى مفاجئة، وارتفعت درجة حرارتها بمقدار من خمس إلى تسع درجات مئوية.

وقع هذا الحدَث الذي يُعرَف باسم «فترة الحرارة القصوى بين نهاية عصري الباليوسين والإيوسين» فقط منذ حوالي عشرة ملايين سنة بعدما سحقَ اصطدام كويكب بالأرض الديناصورات. حدثت هذه الفترة «شديدة الحرارة» فجأة (من الناحية الجيولوجية) — في أقل من ألفَي عام — واستمرَّت حوالَي ١٧٠ ألف سنة قبل أن يبرُد الكوكب مرةً أخرى. صحِب ارتفاع درجة الحرارة موجة انقراض ضخمة للحياة في المُحيطات على وجه الخصوص، إلا أن معظم الثدييات البرية الصغيرة قد نجَت. بالتحقُّق من سجلات الرواسب البحرية القديمة، استطاع زيبي أن يُظهر أنه قد كانت هناك قفزة حادة بنسبة ٧٠٪ في تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي في ذلك الوقت. ومع ذلك، فقد خلص إلى أنه لم يُوجَد سوى كمية كافية من الكربون لدفع المناخ إلى أن يُصبح أكثر سخونةً بمقدار درجةٍ إلى ثلاث درجات مئوية، وأنه لا بدَّ وأنه قد كانت هناك آلية أخرى أدى إليها الاحتباس الأولي، وهو الأمر الذي أدَّى بعد ذلك إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض ارتفاعًا شديدًا بمقدار من أربع إلى ستِّ درجاتٍ مئوية إضافية (زيبي وآخرون، ٢٠٠٩). هذه العملية هي عملية «الاحتباس الحراري العالَمي الجامح» الذي يُهددنا الآن.

تكمُن أهمية فترة الحرارة القصوى بين نهاية عصري الباليوسين والإيوسين في أنه على ما يبدو، قد أطلقت العمليات الطبيعية نفْس الحجم من الكربون في الغلاف الجوي للأرض وفي المُحيطات الذي يُطلقه البشر اليوم من خلال حرْق الوقود الأحفوري وإزالة غابات العالَم (حوالي ثلاثة تريليون طن في المُجمَل)، وقد كان ذلك هو ما تسبَّب في موجة الارتفاع الحاد في حرارة الكوكب.

أما فيما يتعلَّق بالآلية التي يُمكن أن تُطلق فجأة كمياتٍ هائلة من الكربون الإضافي إلى الغلاف الجوي والمُحيطات وترفع درجات الحرارة العالمية من ستٍّ إلى تسع درجات مئوية، فالتفسير الأرجح هو الذي وُصِفَ في بداية هذا الفصل — الذوبان والتسرُّب السريعان لمليارت الأطنان من الميثان المتجمد (CH4)، المُحتبس حاليًّا في رواسب التندرا وقاع البحر. ترتبط هذه الظاهرة التي أُطلق عليها اسم «مدفع هيدرات الميثان» (كينيت وآخرون، ٢٠٠٣) لدى العلماء ليس فقط بما حدَث في فترة الحرارة القصوى بين نهاية عصرَي الباليوسين والإيوسين، ولكن أيضًا، وفقًا لما ذكَره عالِم الحفريات بيتر وارد، ﺑ «الموت العظيم» الذي حدث في العصر البرمي، وهو أسوأ حدث انقراض في تاريخ الحياة على الأرض (وارد، ٢٠٠٨). تكمُن أهمية الهيدرات في أنها تتكوَّن من غاز الميثان، وهو غاز أقوى بمقدار ٧٢ مرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2) كعامل تعجيل بتغيُّر المناخ على المدى القصير، وأقوى بمقدار ٢٥ مرة على مدار قرنٍ أو نحو ذلك. يمكن إطلاق الهيدرات من خلال عملية تُعرَف باسم «انقلاب المُحيط»، وهو تحوُّل في أنماط تيارات المياه العالَمية ناجم عن ارتفاع الحرارة المُعتدل، حيث تنتقل المياه السطحية الأدفأ إلى الأعماق وتُذيب رواسب الغاز المُتجمِّد. وهو ما يُطلِق بدوره عدة تريليونات طنٍّ من الميثان الذي من شأنه أن يتسبَّب في ارتفاع درجات الحرارة العالَمية بشكل حادٍّ وجنوني. بمجرد بدء هذه العملية، يرى معظم الخبراء أنَّ الاحتباس الحراري سيحدُث بسرعةٍ كبيرة يُصبِح معها من المُستحيل أن يتمكن الإنسان من فعل أي شيءٍ لوقفه، حتى ولو توقَّف عن حرق الوقود الأحفوري على الفور.

تُعتبَر ضربة الاحتباس الحراري المُزدوجة هذه الناجمة عن إطلاق البشر لثلاثة تريليونات طن من الكربون الأحفوري، والذي سيُعجِّل بدوره الوصول إلى المرحلة الثانية التي لا يمكن السيطرة عليها والتي يدفعها ذوبان خمسة تريليونات طن من رواسب الميثان الطبيعية بالكامل أو جزئيًّا (بوفيه وأرتشر، ٢٠٠٤) هي التهديد الرئيسي، بالإضافة إلى الصراع النووي (الفصل الرابع)، الذي يَحيق بالحضارة في القرن الحادي والعشرين وببقاء الجنس البشري.

يذكر التقرير الخامس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ أنَّ ذوبان ما بين ٣٧ و٨١٪ من التربة الصقيعية في التندرا شِبه مؤكَّد، وأضاف أنه «هناك خطر كبير بانبعاثاتٍ ضخمة من الكربون والميثان نتيجةً لذوبان التربة الصقيعية» (الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ، ٢٠١٤ب. ص٧٤). وهو ما يُمكن أن يَنطوي على تسرُّب ما يصل إلى ٩٢٠ مليار طن من الكربون. ومع ذلك، لم تجرؤ الهيئة على تقدير انبعاثات الميثان من ذوبان الهيدرات الموجودة في قاع البحر، وهي أكبر بكثير، وقد انتقد عددٌ من العلماء علنًا هذه الهيئة المناخية الرائدة في العالَم لصمتِها فيما يتعلَّق بهذا التهديد الضخم للوجود البشري. يُعتقَد أن تَكتُّم الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ يستند إلى عدم وجود بياناتٍ علمية كافية لإصدار تصريح على نحو واثق، وجزئيًّا، إلى خوفها من الأذى الذي قد تُحدثه جماعات الضغط الداعِمة لمصادر الوقود الأحفوري جرَّاء أي تقديرات سابقة لأوانها. ومع ذلك، يُجادل النُّقَّاد، أنه بحلول الوقت الذي سنَعرف فيه على وجه اليقين أنَّ الميثان الموجود في القطب الشمالي وفي قاع البحر يتسرَّب بكمياتٍ كبيرة، سيكون الأوان قد فات لفِعل أي شيء حيال ذلك.

تكمُن الصعوبة في أنه لا أحد يعرف مدى سرعة حدوث ارتفاع في حرارة الأرض؛ لأن هذا يَعتمد على شيء لا يُمكن التنبؤ به علميًّا؛ ألا وهو سلوك الجنس البشري أجمع والتوقيت الذي سنتصرَّف عنده. على الأرجح، سيُؤدِّي الفشل في إنهاء انبعاثات الكربون في الوقت المناسِب إلى ارتفاع درجة الحرارة من ٤ إلى ٥ درجات مئوية. أما فيما يتعلَّق بما قد يعنيه ذلك، فإليكم بعض الآراء البارزة:
  • ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ٥ درجات مئوية سيَعني أن الكوكب لن يتمكَّن من توفير الاحتياجات الأساسية سوى لأقلِّ من مليار شخص. هانز يواخيم شينهوبر، معهد بوتسدام لأبحاث تأثير المناخ (كانتر، ٢٠٠٩).

  • مع ارتفاع درجات الحرارة من ٤ إلى ٧ درجات مئوية، سيتعيَّن على مليارات الأشخاص الانتقال من أماكنهم، ما سيترتَّب عليه صراع شديد الحدَّة. نيكولاس ستيرن، كلية لندن للاقتصاد (كانتر، ٢٠٠٩).

  • نقص الغذاء، وأزمات اللاجئين، وإغراق مدن كبرى ودول جزرية بأكملها، والانقراض الجماعي للنباتات والحيوانات، وتغيُّر المناخ بشكلٍ كبير بحيث قد يكون من الخطير على الناس الذهاب إلى العمل أو اللَّعِب في الخارج خلال الأوقات الأشدِّ حرارة من العام. التقرير الخامس الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ (٢٠١٤ب).

  • قد تَنخفض محاصيل الذُّرة وفول الصويا في الولايات المتحدة بنسبة من ٦٣ إلى ٨٢٪. شلينكر وروبرتس، جامعة ولاية أريزونا (شلينكر وروبرتس، ٢٠٠٩أ).

  • سيكون محكومًا على نسبةٍ تصِل إلى ٣٥٪ من أنواع الأرض بالانقراض. كريس توماس، جامعة ليدز (توماس وآخرون، ٢٠٠٤).

  • قد يتسبَّب ذوبان الجليد في القطب الشمالي مصحوبًا بالتمدُّد الحراري في ارتفاع منسوب مياه البحر في النهاية بمقدار ٦٥ مترًا (١٨٠ قدمًا)، أي ما يُعادل الطابق العشرين من المباني الشاهِقة، ممَّا سيُؤدي إلى إغراق مُعظم المدن الساحلية في العالَم وتشريد ثُلث السكان أو أكثر (وينكلمان وآخرون، ٢٠١٥).

  • تزايُد حدَّة عدم الاستقرار العالَمي والجوع والفقر والصراعات. حدوث نقصٍ في الغذاء والمياه، وتفشِّي الأمراض الوبائية، ونشوب النزاعات حول اللاجئين والموارد، والدمار الناجم عن الكوارث الطبيعية في مناطق في جميع أنحاء العالم. تشاك هاجل، وزير الدفاع الأمريكي (هاجل، ٢٠١٤).

  • «تحدِّيات لا تكاد تُصدَّق بينما يكافح المجتمع البشري للتكيُّف … اضطرار مليارات الأشخاص لإعادة التوطين … تفاقم الاضطرابات، خاصة على الموارد … ترجيح النزاعات المُسلَّحة وإمكانية نشوب حرب نووية» كيرت كامبل، مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (كامبل وآخرون، ٢٠٠٧).

  • «ما لم نتحكَّم فيه (الاحتباس الحراري)، فهذا سيَعني انقراضَنا في نهاية المطاف» هيلين بيري، جامعة كانبيرا (سنو وهانام، ٢٠١٤).

  • «كان عام ٢١٧٥ مجتمعًا عالميًّا أكثر بساطةً من الآن: ٣٠٠ مليون شخص يتحدَّثُون لُغتَين رئيسيَّتَين فقط — ألا وهما الإنجليزية والروسية — يجتمعون حول شواطئ المُحيط القطبي الشمالي …» جوين داير في «حروب المناخ» (داير، ٢٠٠٨).

مناخ من الشك

بالنسبة للمُواطن العادي من ساكني كوكب الأرض، فأحد أكثر الجوانب التي لا يُمكن تفسيرها لتغيُّر المناخ هو لِمَ لَمْ تفعل الحكومات سوى القليل على الرغم من الكثير من الأدلة الموثوقة التي وُوجهت بها حول الخطورة الشديدة التي تُهدِّد مستقبل البشر.

ظهرت الإجابة في أوائل عام ٢٠١٤، عندما قال سيناتور أمريكي من رود آيلاند يُدعى شيلدون وايتهاوس لمجلس الشيوخ الأمريكي: «لقد وصفتُ الكونجرس بأنه مُحاط بحاجزٍ منيع من الأكاذيب. اليوم سأكون أكثر تحديدًا. ما يحدُث ليس مجرد كذبٍ حول التغير المناخي، بل هناك هيكل كامل من الأكاذيب المُصمَّمة بعناية. هذا الهيكل كبير ومُصمَّم بدهاء بارع: منظَّمات مُزيَّفة صُمِّمت لتبدو وكأنها حقيقية؛ رسائل يُروِّج لها خبراء العلاقات العامة بكثافةٍ لتبدو وكأنها رسائل صادقة؛ علماء يتلقَّون المال من المُلَوِّثين، ويتمُّ الدفع بهم إلى الإعلام عندما يَحتاجون إليهم؛ والأمر كله يبدو كبيرًا ومُعقدًا بما فيه الكفاية؛ بحيث أنك عندما ترى أجزاءه، يُمكن أن تُخدَع وتظنُّ أن هذا ليس هو الوحش نفسه» (وايتهاوس، ٢٠١٤).

مُستشهدًا بدراسةٍ أجراها روبرت برول، أستاذ عِلم الاجتماع والعلوم البيئية بجامعة دريكسيل، وبكتبٍ لكلٍّ من نعومي أورسكيس وآرون ماكرايت ورايلي دَنلاب، استطرد وايتهاوس مُفصلًا كيف أنه بين عامي ٢٠٠٣ و٢٠١٠ «قَدَّمت مائة وأربعون مؤسسة مِنَحًا بلَغ مجموعها ٥٥٨ مليون دولار إلى إحدى وتسعين مُنظمة تُعارض بصورةٍ حثيثة تغيُّر المناخ.» تلقَّت هذه المؤسَّسات التمويل من قطاع الوقود الأحفوري وتطوَّرت من الحملات الصناعية السابقة التي استهدفت تشويه رأي العِلم حول تدخين التبغ والأمطار الحمضية واستنفاد الأوزون. ونظرًا لأن مُعظم تمويل هذه المؤسَّسات يكون عبارة عن «أموال مجهولة المصدر»، لا تخضع للرقابة العامة، فيُعتَقَد أن حجم حملاتهم في جميع أنحاء العالَم أكبر بكثير. استغلَّ هذا المشروع الناقد استعداد وسائل الإعلام تقديم أي ادِّعاء أو بيان، بصرف النظر عن صحته، لتزييف انطباع عن وجود «مناظرات» عالَمية حول صحة علم المناخ، وهو أمر غير صحيح على أرض الواقع. وجدت محاوَلة للتحليل العِلمي لأسباب اختلاف السياسيين، في كثيرٍ من الحالات، مع ناخبيهم بشأن تغيُّر المناخ أنهم مُحاطون ﺑ «غرف الصدى» التي تتكرَّر فيها نفس الادِّعاءات مرارًا وتكرارًا على مسامع أفرادٍ من مصادر مُتعدِّدة، الأمر الذي يُؤدي لتعزيز تحيُّزاتهم الشخصية، بصرْف النظر عن صِدق المعلومات أو مصدرها (جاسني وآخرون، ٢٠١٥). باستخدام هذه الأساليب، تمَّ إغواء السياسيين في النُّظم الديمقراطية الغربية بشكلٍ خاص، ورشوتهم، وقمعِهم، وغسْل أدمغتهم، وتضليلهم كي لا يتَّخذوا الإجراءات الضرورية لسلامة مواطنيهم، بل لسلامة الكوكب بأسرِه.

إيان دنلوب هو شخص يفهم كيف حدَث كل هذا، حيث كان هذا المهندس الذي تلقَّى تدريبه في المملكة المُتحِدة يعمل لسنواتٍ عديدة كأحد كبار المسئولين التنفيذيين في «شركة شل للنفط» ورئيس «جمعية الفحم الأسترالية» قبل أن يُصبح واحدًا من أكثر الأصوات تأثيرًا على الساحة العالَمية حول مخاطر الوقود الأحفوري. عندما كان لا يزال مسئولًا تنفيذيًّا شابًّا في مجال النفط، شارك دنلوب في وضع نموذج لبيئة الطلَب المستقبلية المادية والاقتصادية والجيوسياسية على البترول، وقد درَّبه هذا الدور على التفكير في الصورة الأشمل والتفكير طويل المدى. عندما بدأت تتجمَّع الأدلة الأولى على تغيُّر المناخ، قال إنَّ صناعة الطاقة الأحفورية استجابت بشكلٍ إيجابي، واستثمرَت في مصادر الطاقة المُتجدِّدة وبحثَت عن سبلٍ للحدِّ من انبعاثاتها: «لقد كانت صناعة تقدُّمية أكثر بكثيرٍ مما هي عليه اليوم» (دنلوب، ٢٠١٥، مراسَلة شخصية).

ويقول دنلوب إن ما تغيَّر هو حدوث تشوُّه عالَمي في طرُق مكافأة كبار مُديري الشركات، «منذ أوائل التسعينيات، غَيَّرَ هيكل المكافآت المُخصَّصة لإثابة كبار المُديرين التنفيذيِّين من أخلاقيات الشركات. وقد أُجْبِرَت الشركات على التركيز تركيزًا شديدًا على التخطيط على المدى القصير، بدلًا من التخطيط على المدى الطويل. تُخطِّط الشركة العادية اليوم لثلاث سنوات قادمة، وغالبًا ما يكون لأقلِّ من ذلك بكثير. ليست هذه هي الطريقة التي يُدار بها العمل، ولكن هذا هو ما يتطلبه السوق الآن.»

كان تأثير ذلك على شركات الفحم والنفط والغاز هو دفْع مُديريها التنفيذيين إلى السعي لتحقيق أرباح فورية والتغاضي عن القضايا «الطويلة المدى» مثل تغيُّر المناخ أو مصير البشرية. يضيف دنلوب قائلًا: «هؤلاء أناس مُدرَّبون جيدًا ومُتعلمون على المُستويين التقني والعلمي. إنهم يَفهمون ما يحدُث، وعادة ما يتَّفق الأفراد على المستوى الشخصي الخاص على أن تغيُّر المناخ يُمثِّل مشكلةً ضخمة للعالَم ولصناعتهم وشركاتهم، ولكن بعدئذٍ يتحكَّم هيكل المكافآت الخاص بشركتهم في طريقة سَير الأمور. لقد قيَّدوا أنفسهم بالتزاماتٍ مالية شخصية كبيرة، لذا عليهم الاستمرار. وقد أدَّى ذلك إلى خلق صناعةٍ مصابة بالفصام، تعرف أن الكربون أمر خطير، ولكنها تتصرَّف كما لو أنَّ العكس هو الصحيح. لقد هُمِّشَت الأخلاق … تنخرط جماعات الضغط في صناعة الطاقة دون خجلٍ في التلاعُب بحكوماتنا كي لا تفعل سوى القليل حيال هذه القضية، وكل ذلك تحت ذريعة الأرباح القصيرة الأجل.» ويتمثَّل مقياس نجاحهم في أن الحكومات في جميع أنحاء العالَم تدفع نصف تريليون دولار من أموال الدعم الضريبي إلى صناعات الوقود الأحفوري (وايتلي، ٢٠١٣).

يقول دنلوب إنَّ العامِل الثاني هو أن صناعة الوقود الأحفوري، ببساطة، قد أصبحت في وضعٍ أصعبَ من أن تستطيع مواجهته وأنها غير قادرة على التعامُل مع ظرفٍ لم يكن عليها أن تتعامل معه من قبل على الإطلاق؛ ألا وهو حقيقة أنَّ البشرية لم تعُد بحاجةٍ إلى هذه الصناعة. لقد استمرَّت صناعة الوقود الأحفوري انطلاقًا من فرضية أنَّ النظام العالَمي في القرن الحادي والعشرين سيستمرُّ في العمل بشكلٍ أو بآخَر كما كان في القرن العشرين، وأنَّ كلَّ ما هو مطلوب هو مجرد القيام بتغييرٍ تدريجي أو بتطبيق حلولٍ تقنية، مثل احتجاز وتخزين ثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، فقد بدأ المستهلكون في جميع أنحاء العالم في الوقت الحاضر في التخلِّي عن الوقود الأحفوري لأسبابٍ تتعلَّق بالتكلفة والتلوُّث السام والتحذيرات المُتزايدة بشأن تغير المناخ، ولذا أصبح المستثمرون يشعرون بالفزع. تُعيد القوى الفاعلة بتنوُّعها، مثل الصين الشيوعية (ماثيوز وتان، ٢٠١٤)، والكنيسة الكاثوليكية الرومانية (البابا، ٢٠١٥)، وأمريكا الرأسمالية، والهند الديمقراطية، والدول الإسكندنافية الاشتراكية، النظر في الطاقة والتأثير على المفاهيم العالمية حول حِكمة استخدام النفط والغاز والفحم. كما تنتبه الشركات ذات الثِّقَل إلى الأمر؛ ففي عام ٢٠١٤، اعترفت «بي إتش بي بيليتون»، وهي أكبر شركة تعدين في العالَم، علانية أنها قد يتعيَّن عليها التخلِّي عن استخدام الفحم، وهو أضخم أعمالها وأكثرها إدرارًا للرِّبح (كير، ٢٠١٤). بينما أعلنَت شركة «كول إنديا»، أكبر شركة حكومية هندية في مجال استخراج الفحم عن خطة استثمار مليارات الدولارات في محطَّات الطاقة الشَّمسية التي تعمل بالجيجا واط (شادا، ٢٠١٤).

يقول إيان دنلوب: «إننا نُواجه مخاطر كبيرة حقًّا؛ نقاط تحوُّل مثل ذوبان الصفائح الجليدية، وانقلاب المُحيطات وتحمُّضها، وتسرُّب هيدرات الميثان. أشكُّ فيما إذا كان المدير التنفيذي العادي الذي يعمل في مجال الوقود الأحفوري يفهم هذه الأشياء حقًّا، ولكن من يفهمها منهم يشعُر بالرُّعب الشديد.» ثم يَختتم قائلًا: «إنني مُتفائل بأن البشر قادِرُون على التغلُّب على التحدِّي الذي يفرضه الاحتباس الحراري، ولكنَّه سيكون تحوُّلًا صعبًا للغاية.»

المال والمنطق

في أوائل القرن التاسع عشر، كان مُلَّاك قنوات المياه مَرعوبَين من تهديدٍ جديد لوجودِهم الاقتصادي؛ إنها السِّكَك الحديدية. لقد فعلوا كلَّ ما في وسعهم للضغط على الحكومات لمنْع وتأخير بناء تلك الوحوش الحديدية،2 ولكنَّهم فشلوا؛ ونتيجةً لذلك، لا تُستخدَم القنوات المائية في نقل البضائع والمسافِرين إلا في نطاقٍ محدود للغاية، بينما لا تُستخدَم العربات التي تجرُّها الخيول في أيٍّ منهما! تُذكِّرنا هواتفُنا الذكية بأن التقنيات القديمة دائمًا ما تتفوَّق عليها تقنيات أفضل وبأسعارٍ معقولة وأكثر تماشيًا مع المطالب الحديثة. بالطريقة نفسها، ستحلُّ الطاقة المُتجدِّدة النظيفة محلَّ الوقود الأحفوري، ولكن السؤال الوحيد هو ما إذا كان سيتحقَّق ذلك في الوقت المناسب لإحداث تغيير ملموسٍ في قضية الاحتباس الحراري … أم بعد فوات الأوان.

تحدَّى الخبير الاقتصادي الإنجليزي نيكولاس ستيرن بصورةٍ شاملة الأسطورة التي خلقتْها الصناعة، والتي تقول إن مصادر الطاقة المُتجدِّدة أغلى ثمنًا من مصادر الطاقة الأُحفورية، وقد خلص كتاب «تقرير اقتصاديات التغيُّر المناخي» الذي ألَّفه في عام ٢٠٠٦ إلى أنَّ الاحتباس الحراري الخارج عن السيطرة سيُكلِّف العالَم ما لا يقلُّ عن خُمس، إن لم يكن نصف، نشاطِه الاقتصادي، في حين أن حلَّ هذه المشكلة لن يتكلَّف سوى ٢٪ فقط. بمعنًى آخر، تزيد تَكلفة التخاذُل من عشرة إلى ٢٥ مرة عن تكلفة اتخاذ الإجراءات اللازمة (ستيرن، ٢٠٠٦).

علاوةً على ذلك، فمع الدعم الحثيث من دول مثل ألمانيا وإسكندنافيا وبريطانيا والصين والهند والعديد من الدول الأفريقية والفاتيكان، فمن الواضح أن الطاقة المتجدِّدة هي ما ستُحرِّك المرحلة الضخمة القادمة من النمو الاقتصادي العالمي. أما البلدان التي ستتجاهَل هذا المؤشر، فلن تجد ما تَقتات عليه سوى فُتات ما تبقَّى من الروَّاد الأوائل. تنبَّأت دار النشر الأمريكية بلومبرج، التي تتبنَّى علانيةً مبدأ السياسة الخضراء (النمو المُستدام وغير التضخُّمي الذي يَحترم البيئة)، في تقريرها «توقعات السوق لعام ٢٠٣٠» أنه «بحلول عام ٢٠٣٠، سيكون قد تحوَّل مزيجُ الطاقة في العالَم، من النظام الحالي الذي يَعتمد ثُلثاه على الوقود الأحفوري، إلى نظامٍ يَعتمد أكثر من نصفه على مصادر الطاقة الخالية من الانبعاثات. ستُسيطِر مصادر الطاقة المُتجدِّدة على أكثر من ٦٠٪ من القدرة الجديدة البالِغة ٥,٥٧٩ جيجا واط و٦٥٪ من استثمارات الطاقة البالغة ٧٫٧ تريليون دولار» (بلومبرج نيوز، ٢٠١٣).

ومع ذلك، فهذا التفاؤل ما زال لا يُجيب عن السؤال الحاسم، وهو: هل ستَنجح البشرية في خفضِ الانبعاثات في وقتٍ كافٍ لتدارُك تغيُّر المناخ الذي لا رجعة فيه وعواقبه على الحضارة ككلٍّ قبل حدوثه أم لا؟ مع الأسف، قد يتقرَّر مصير هذا الأمر في النهاية على يد ٩٠ شركة كبيرة تَمتلِك احتياطيَّاتٍ من الفحم أو الغاز أو رمال القار، والتي يبدو أن مالكيها يُولون الأولوية لرفاهيتِهم الشخصية وليس لفُرَص بقاء أحفادهم على قيد الحياة.

أساطير الهندسة المناخية

أدَّى اليأس الناجم عن عجز المليارات من البشر عن التأثير على المصالح الشخصية لشركات الوقود الأُحفوري المُصمِّمَة على زيادة انبعاثات الكربون في العالَم، إلى طرح عددٍ من «الحلول التقنية» التي تهدف إلى تبريد الأرض بشكلٍ اصطناعي، وتَشمل هذه الحلول ما يلي:
  • رش جزيئات الكبريتات في الغلاف الجوي العُلوي كما يحدُث بفعل البراكين، لخلق تأثير «ظاهرة المظلة» وتبريد الكوكب.

  • رش المياه المالِحة فوق المحيطات لتبييض السحب المُنخفضة وعكس المزيد من أشعة الشمس.

  • القيام بعملية استِمطار مصحوبة برشِّ رقائق معدنية صغيرة لتعكس المزيد من أشعة الشمس.

  • توليد فقاعات صغيرة على سطح المُحيط لتبييضِه وعكس المزيد من أشعة الشمس.

  • ترقيق سحُب السمحاق العالية بشكل مُصطَنع للسماح بتسريب المزيد من الحرارة.

  • استخدام محاصيل وأشجار وسقوف أكثر لمعانًا لتَعكس المزيد من أشعة الشمس.

  • استخدام مرايا كبيرة في الفضاء أو بالونات في الغلاف الجوي العلوي لكي تَنحرِف أشعة الشمس.

  • تغذية المُحيطات بجزيئات الحديد لمساعدة الطحالب في امتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون.

  • إعادة زراعة الغابات عالميًّا، وخاصة في المناطق الاستوائية والسافانا، لامتصاص المزيد من ثاني أكسيد الكربون

تَستند كلُّ هذه المقترحات على افتراضٍ يُثير الإحباط إلى حدٍّ ما، مفادُه أن الإنسانية تَفتقِر إلى الحِكمة اللازمة لمنعِ صناعة الوقود الأحفوري من تدمير مناخ الأرض — ومن ثمَّ حضارتها — ومن ثمَّ فلا مفرَّ من اتخاذ إجراءات للتعويض عن الضرر الذي تُسببه.

يعيب هذه الخيارات عيبان رئيسيان؛ العيب الأول هو أنه أيًّا كان الخيار الذي سيقع عليه الاختيار، فيُحتمَل أن يضرَّ بمليارات البشر في جزءٍ أو آخر من العالم — التبريد السريع، على سبيل المثال، سيُؤذِي من يعيشون بالقُرب من القُطبَين، في حين أن إعادة زراعة الغابات على نطاقٍ واسع ستُؤثر على الزراعة وإنتاج الغذاء. تَنطوي مُعظَم عمليات العبَث بالمناخ على زيادة حجم وشدَّة الفيضانات المحلية والحرائق والجفاف.3 أما العيب الثاني، فهو أنه من غير المُرجَّح أن يتمكَّن الإنسان من التحكُّم في جوِّ كوكبٍ بنفس الدقة التي يُمكننا التحكُّم بها في حَضَّانات الأطفال الرُّضَّع. فالمناخ ببساطة شاسع حجمًا وشديد التعقيد ويَحتوي على الكثير من التفاعُلات والتأخير في حدوث التغيير. وكذلك، إذا واصلنا حرْق الكربون وحدَثَ أن فشل «نظام تكييف الهواء» الذي نَستخدمه، سترتفع درجة حرارة الكوكب على الفور، وسيُصاحب ذلك عواقب وخيمة على البشرية.

يخشى الكثير من العلماء الآن أن الأفراد أو الجماعات، الذين يَشعُرون بالرُّعب من الآثار المتزايدة للاحتباس الحراري قد يُقرِّرون تطبيق إجراءاتٍ هندسة مناخية من جانبٍ واحد على كوكب الأرض، وهو ما سيَصحبُه عواقب غير مدروسة ولا يُمكن حصرُها. يمكن أن تشمل هذه الجماعات شركات الوقود الأحفوري التي تَسعى جاهدةً لدعم أعمالها المُلَوِّثة للكوكب، والدول المعرَّضة للخطر ذات الأنظمة السياسية الاستبدادية، والجماعات الدينية التي تُصوِّر لنفسها أنها تَحمل على عاتقها مُهمَّة إنقاذ البشرية، والجماعات المَعنية بالبيئة، المُتحمِّسة لمحاولة إنقاذ الحياة البرية والمساحات الطبيعية، والأفراد أو الشركات التي تسعى إلى تحقيق «الثراء السريع» من خلال تسويق التقنيات العالمية الجديدة. في الواقع، يُحذِّر الأكاديمي الأسترالي كلايف هاميلتون من أنه قد تمَّ بالفعل استصدار العشرات من براءات اختراع لتقنيات هندسة مناخية مَشكوكٍ في فعاليتها لإغواء المُستثمِرين السُّذَّج (هاميلتون، ٢٠١٥).

في عام ٢٠١٥، حذَّرت لجنة خبراء عقَدَتها «الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم» من مخاطر الهندسة المناخية، مُضيفة أنه «لا يُوجَد بديل عن القيام بتخفيضاتٍ كبيرة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأُخرى لتخفيف الآثار السلبية لتغيُّر المناخ، وللحدِّ من تحمُّض المُحيطات في الوقت نفسه» (الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم، ٢٠١٥).

لخَّص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مدى إلحاح الوضع المناخي قائلًا: «نحن الجيل الأخير الذي يُمكنه مُحاربة تغيُّر المناخ. إنَّ من واجبنا التصرُّف حيال هذا الأمر» (مون، ٢٠١٥).

ما الذي يجِب علينا فعلُه؟

  • (١)

    وقْف حرْق جميع أنواع الوقود الأحفوري قبل عام ٢٠٣٠ والاستعاضة عنها بمصادِر الطاقة المُتجدِّدة.

    كيفية التطبيق: «هناك خيارات وسُبُل تفصيلية للتخفيف من تغيُّر المناخ وضعتْها الهيئة الدولية المَعنية بتغيُّر المناخ (الهيئة الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، ٢٠١٤أ) وأيضًا في العديد من التقارير الحكومية الفردية. وهي تَشمل استراتيجيات مثل الاستعاضة عن محطات الطاقة البالية التي تَعتمد على الفحم بأجيالٍ من المحطَّات النظيفة، والإسراع بالاستثمار في مصادر الطاقة المتجدِّدة، وأنظمة مُقايضة انبعاثات الكربون، والتعجيل في توفير الطاقة في الصناعة والنقل والمدن، وتقنيات الطاقة الحديثة، وإعادة زراعة الغابات والغطاء النباتي للمساحات الطبيعية، وإعادة تدوير المواد، وخفض الإنتاج المُكثَّف للُّحوم … إلخ (ينطبق خفض الإنتاج المُكثف للُّحوم على حيوانات المزارع التي تتغذَّى على الحبوب مثل الدواجن والخنازير، وكذلك الأبقار التي تُنتج اللحم البقري والألبان. والرعي يمكن إدارته بطرُق إما تكون مُحايدة أو تُخزِّن الكربون).»
  • (٢)

    إعادة تشجير وزراعة أكبر قدرٍ مُمكِن من مساحة اليابسة بما يصِل إلى النصف.

    كيفية التطبيق: «يُمكن دعم ذلك اقتصاديًّا من خلال مُقايَضة انبعاثات الكربون، ولكن لا بدَّ من اتِّباع النهج المُنظَّم الذي أَجْمَله إي أو ويلسون في كتابه «نصف أرض: كفاح كوكبنا من أجل البقاء» (ويلسون، ٢٠١٦ب) في تطبيق ذلك، وبنقل الجزء الأكبر من منظومة الإنتاج الغذائي العالَمي من المساحات الطبيعية الريفية إلى المدن (حيث تتوفَّر كلُّ المياه والمُغذِّيات اللازمة بالفعل لإنتاج طعامٍ حجم بصمتِه على الكربون والموارد أقل بكثير).»
  • (٣)

    زيادة وتيرة البحث والاستثمار في الطاقة النظيفة والمتجدِّدة في جميع أنحاء العالم.

    كيفية التطبيق: «رفع بحث وتطوير الطاقة المُتجدِّدة إلى مستوى «حالة الحرب» عالميًّا؛ وذلك لتسليم تقنيات جديدة في الوقت المُحدَّد لتجنُّب خطر ارتفاع درجة حرارة الأرض. وهو جهدٌ تعاوني على مستوى الجنس البشري لا بدَّ وأن يُطبَّق على المستويات العالمية والثنائية والوطنية والعِلمية والصناعية والمحلية.»
  • (٤)

    تطوير شراكات عالمية لتسريع استخدام الطاقة النظيفة والمُتجدِّدة.

    كيفية التطبيق: «استخدام نموذج الشراكات الناجحة بين الحكومة والقطاع الخاص التي أُنشئت في مجال البنية التحتية الرئيسية في العقود الأخيرة لإدخال الطاقة النظيفة على المستويات الوطنية والإقليمية والحضرية والمحلية.»
  • (٥)

    تحويل إنتاج الغذاء من نُظم الزراعة الموسَّعة إلى النُّظم الحضرية المحلية المُكثَّفة التي تَستخدِم كمياتٍ أقل بكثير من الطاقة والنقل والتربة والمياه والمُغذيات. «إعادة الطبيعة البرية» إلى ما يصِلُ إلى نصف مساحة الأراضي الزراعية الموجودة في العالَم لامتصاص المزيد من الكربون.

    كيفية التطبيق: «سيُؤدِّي نقص المياه والمُغذِّيات والمناخ إلى الدفع في هذا الاتجاه، ولكن يُمكن التعجيل بالأمر من خلال تطبيق حوافز الاستثمار وزيادة البحث والتطوير.»
  • (٦)

    تقديم حوافز اقتصادية للمُزارعين في جميع أنحاء العالَم لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون عن طريق «زراعة الكربون» و«إعادة الطبيعة البرية».

    كيفية التطبيق: «سيكون من الضروري إشراك المُزارعين والسكَّان الأصليِّين في دورهم الجديد. انظُر النقطة السابقة، وكذا انظُر الفصلَين الثاني والسابع.»
  • (٧)

    الاستعاضة عن وقود الطائرات ووقود النقل المُخصَّص للمسافات الطويلة، والبلاستيك، والألياف الصناعية، والبتروكيماويات والعقاقير المصنوعة من النفط، بالزيوت المُتجدِّدة الخالية من الكربون التي تُصنَع من الطحالب وغيرِها من النباتات. الاستعاضة عن النَّقل الحضري بمَركبات كهربائية تعمل بالكهرباء المُتجدِّدة.

    كيفية التطبيق: «أن تُوفِّر الحكومات حوافز للصناعة للتخلِّي عن الوقود الأحفوري كمادةٍ خام لوقود النقل، والمواد الكيميائية، والعقاقير، والبلاستيك وغيره، والاستعاضة عنه بالبدائل الطبيعية (الفصل السابع). توعية المُستهلكين ليلعبوا دورًا في دفع الطلَب على المُنتجات غير الأحفورية في السوق.»
  • (٨)

    وقف جميع الإعانات الحكومية المُخصَّصة لصناعة الوقود الأحفوري على الفور.

    كيفية التطبيق: «نظرًا لأنَّ العديد من الحكومات والسياسيِّين يتلقَّون الرشاوى والتمويل الانتخابي من شركات الوقود الأحفوري لفعل القليل أو لعدَم فعل شيءٍ من الأساس حيال تغيُّر المناخ، فإن هذا لن يحدُث إلا من خلال ضغط المواطنين وفضْح الفساد في الحكومات قانونيًّا وإعلاميًّا.»
  • (٩)

    تصميم مدنٍ ومبانٍ خالية من الكربون وموفِّرة للطاقة، وإعادة تدوير العناصر الغذائية والمياه على حدٍّ سواء.

    كيفية التطبيق: «يُمثِّل هذا تحديًا للمُخططين العمرانيِّين والمهندسين المعماريين والمهندسين والبنَّائين في جميع أنحاء العالَم لتصوُّر وتخطيط وبناء مدُن المُستقبل الحضرية النظيفة والخضراء والسريعة الاستجابة للمُتغيِّرات. لحُسن الحظ، أصبحت الحكومات الحضرية أكثر اتساقًا مع احتياجات سكانها الذين يواجهون مخاطر مختلفة تتعلَّق بوجودهم، وما إلى ذلك، من معظم الحكومات الوطنية، وقد بدأت عملية التنافُس على تصميم أنظمة حضرية مُتجدِّدة، ولكنَّها بحاجةٍ لأن تسير بوتيرة أسرع.»

ما الذي يُمكنك فعله؟

  • استخدِم قوَّتك كمُستهلِك واعٍ لإرسال مؤشِّر سعر لا يُمكن للصناعة أن تتجاهله من خلال اختيار المنتجات التي تُنتَج باستخدام الطاقة النظيفة فقط، أو التي تستخدِم الوقود الأحفوري بصورةٍ أقل.

  • لا تُصوِّت لأيِّ سياسيٍّ غير مُلتزم فعلًا وقولًا بحماية أحفادك عبر الدفاع عن المناخ.

  • اتَّخِذ خطواتٍ لتقليل انبعاثات الكربون الخاصَّة بك. يُوجَد الكثير من النصائح المُمتازة المتاحة.

  • ثقِّف نفسك وعائلتك حول مُحتوى دورة حياة الكربون للسلع المُصنَّعة ومواد البناء، وما إلى ذلك. ليس كلُّ ما يُزعَم أنه صديق للبيئة هو كذلك.

  • ضع في اعتبارك أن تُقلل من السفر جوًّا، وأن تستخدِم وسائل النقل العام أو المشي أو ركوب الدراجات أكثر، وأن تُقلِّل من كميات اللحوم التي تَتناولها ومن استخدام المُنتَجات البلاستيكية، وأن تَستخدِم الملابس لتُشعرَك بالحرارة أو بالبرودة، وأن تزرع المزيد من الأشجار.

  • ادعم الشركات التي تُطبِّق أخلاقيات الحفاظ على المناخ بحسْم.

  • اختَرِ الطعام الطازج الذي ينتج محليًّا؛ إذ إنه لم يتسبَّب في انبعاثات كربون ضخمة في النقل والمُعالَجة والتبريد.

  • انضمَّ إلى الحركة العالَمية المتزايدة لسحب الاستثمار من صناعة الوقود الأحفوري وعارِضْ إنشاء مناجم جديدة وإجراء أعمال التنقيب.

  • انضمَّ إلى مجموعات الجوار التي تَعمل على خفض انبعاثات الكربون المحلية أو عزل الكربون في التربة. شارِك معرفتَك الشخصية ونصائحك مع الآخرين.

  • انضمَّ إلى وسائل التواصُل الاجتماعي الإلكترونية والعالمية لتبادُل الأفكار والتعبير عن وجهات النظر وإرسال رسائل واضحة للحكومات والشركات في جميع أنحاء الكوكب، بأن مواطنيهم يَرغبُون في إنهاء انبعاثات الكربون.

  • لا تَستثمِر في أي شركة لا تهتمُّ بمستقبل أحفادك ولا تعمل لديهم أو تَشتري منهم.

هوامش

(2) see for example, (Lewis 1959).
(3) See for example, the work of the Integrated Assessment of Geoengineering Proposals (IAGP), led by the University of Leeds, UK http://www.iagp.ac.uk/.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤