الفصل الثاني عشر

انظري يا سيدتي، لا توجد اختناقات مرورية!

الاختناق المروري يسد شرايين مدننا … إن حارات المركبات العالية الإشغال ذات الرسوم واستراتيجيات التسعير الأخرى تمنحنا أملًا كبيرًا في حدوث تحسُّنٍ في مستوى الحركة والانتقال لجميع الأمريكيين.

روبرت دبليو بوول الابن،
مدير قسم دراسات النقل، مؤسسة ريزون

إن إدخال رسوم الازدحام في لندن، من نواحٍ مهمة، انتصار للاقتصاد.

دورية «إيكونوميك برسبيكتيفز»1
يُفترض بالطرق الحرة أن تكون مجانية، ولكنها غالبًا يمكن أن تكون مكلفة من حيث الوقت، والمال، والتوتر. كذلك يُعَدُّ الاستخدام غير الفعال للطرق والطرق السريعة مصدرًا كبيرًا للتلوث وسوء الاستخدام البيئي للموارد النادرة. والازدحام موجود في كل مكانٍ هذه الأيام، ويزداد سوءًا. ولو أن هناك قائمة للطرق الحرة المخزية، لأدرجت فيها الطرق السريعة التالية التي تربط بين الولايات الأمريكية:
  • تقاطع طريق لوس أنجلوس و«إس-١٠١» و«آي-٤٠٥»، الذي يسفر عن أكثر من ٢٧ مليون ساعة تأخيرٍ كل عام.

  • تقاطع هيوستن «آي-٦١٠» و«آي-١٠»، الذي يكلف ما يزيد على ٢٥ مليون ساعة تأخير.

  • تقاطع شيكاجو «آي ٩٠ / ٩٤» و«آي-٢٩٠». يُعرف هذا التقاطع بالتقاطع الدائري، ويؤدي إلى ٢٥ مليون ساعة تأخيرٍ كل عام.

  • تقاطع فونيكس «آي-١٠» و«إس آر-٥١»، ويتسبب في ٢٢ مليون ساعة تأخيرٍ سنويًّا.

  • تقاطع لوس أنجلوس «آي-٤٠٥» و«آي-١٠». يتسبب هذا التقاطع الواقع على طريق سان دييجو الحر في ٢٢ مليون ساعة تأخيرٍ سنويًّا.

  • طريق واشنطن «آي-٤٩٥» الدائري، الذي يعلق في ازدحامٍ خانقٍ لساعاتٍ في ساعة الذروة في فترتي الصباح وبعد الظهيرة.

فشلت شبكة طرق آيزنهاور السريعة الواصلة بين الولايات، التي أقيمت في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، في مواكبة تضاعف عدد السيارات لثلاث مرات. وتقول التقديرات المتحفظة لوزارة النقل والمواصلات الأمريكية إن الولايات المتحدة تخسر ١٦٨ مليار دولارٍ سنويًّا من الاختناق المروري على الطرق السريعة. وخسرت منظومة النقل بالشاحنات في عام ٢٠٠٤ نحو ٢٤٣٠٣٢٠٠٠ ساعةٍ بسبب التأخير الناتج عن الزحام المروري، وذلك وفقًا للإدارة الفيدرالية للطرق السريعة. كذلك تُكبد الإعاقاتُ والأزماتُ المروريةُ سياراتِ الطوارئِ والشرطة الكثيرَ فيما يتعلق بالوصول إلى وجهتها في الوقت المناسب؛ فهناك أرواح تُزهق بسبب الازدحام الخانق للمواصلات.

ويشيع التأخر بسبب الزحام المروري في المدن أيضًا؛ فالقليل من أنظمة إشارات المرور يعمل بشكلٍ مثاليٍّ في التقاطعات. ويصف المواطنون والمهندسون منظومة تشييد وإصلاح الطرق بأنها رديئة. بل إن إحدى جمعيات المهندسين مؤخرًا قيَّمت شبكة طرقنا ﺑ (D)، فيما منحت شوارعنا التقييم (D–) على مستوى كفاءة إشارات المرور في الحفاظ على تدفق حركة المرور بانسيابية وأمان.2
يوضح الجدول ١٢-١ مشكلة الاختناق المروري في ساعات الذروة المتصاعدة في الولايات المتحدة؛ ففي عام ١٩٨٣ كان ٣٠ بالمائة من الطرق الأمريكية مختنقًا؛ أما في عام ٢٠٠٣، فكان ٦٧ بالمائة منها شديد الازدحام.
جدول ١٢-١: المناطق الحضرية تواجه اختناقًا مروريًّا في ساعات الذروة يبلغ ٤٠ ساعة أو أكثر لكل شخص. (المصدر: تقرير التنقل الحضري لعام ٢٠٠٥، معهد تكساس للنقل.)
١٩٨٣ ١٩٩٣ ٢٠٠٣
لوس أنجلوس لوس أنجلوس لوس أنجلوس
بوسطن ديترويت سان فرانسيسكو-أوكلاند
دنفر سان فرانسيسكو-أوكلاند واشنطن العاصمة
نيويورك سياتل أتلانتا
فونيكس سان جوزيه هيوستن
سياتل واشنطن العاصمة دالاس-فورت وورث
تامبا-سانت بطرسبرج ريفرسايد (كاليفورنيا) شيكاجو
مينابوليس-سانت بول دالاس-فورت وورث ديترويت
تشارلوت شيكاجو ريفرسايد (كاليفورنيا)
لويسفيل فونيكس أورلاندو
تامبا-سانت بطرسبرج سان جوزيه
أورلاندو سان دييجو
ميامي
بوسطن
أوستن
بالتيمور

إن لزيادة سهولة الحركة والتنقُّل الكثيرَ من المزايا، ومن شأنه أن يمنحنا مزيدًا من الرخاء. وزيادة متوسط السرعة من شأنه تقليل استهلاك الوقود وتكاليف صيانة السيارة واستغلال وقتنا بشكلٍ أكثر إنتاجية. بإيجاز، القضاء على الاختناق المروري من شأنه أن يزيد ثروة كل واحدٍ منا بعدة آلافٍ من الدولارات كل عام، ويحد من التلوث أيضًا.

هل يوجد أي حلٍّ لمشكلة الازدحام المروري المزعجة في مدننا وطرقنا السريعة؟ إنني أعمل بالمنزل؛ ولذا ليس عليَّ أن أقلق كثيرًا بشأن الشوارع والطرق المختنقة، أو رحلات التنقُّل الطويلة. وأظن أن آلافًا يختارون العمل من المنزل لنفس السبب. غير أن هناك ملايين لا يملكون تلك الرفاهية ومرغمون على قطع مسافاتٍ طويلةٍ إلى العمل. فنحو ٣٫٤ ملايين أمريكي يتحمَّلون ثلاث ساعاتٍ في رحلات التنقُّل في كل يوم عمل. ووفقًا لمعهد تكساس للنقل، يقضي المواطن الأمريكي العادي ٤٧ ساعة — أي أكثر من أسبوع عملٍ كامل — في الازدحام المروري. وبإضافة تكاليف الوقت، والوقود، والإهلاك، نجد أن الأمريكيين يخسرون أكثر من ١٠٠٠ دولارٍ سنويًّا في الاختناق المروري.3

لماذا لا تُجدي المنظومة الحالية؟

يعجز الحل التقليدي — المتمثِّل في فرض الحكومة ضرائبَ على المستهلكين ثم تسليم الأموال للدولة لبناء وصيانة الطرق — عن مواكبة حركة المرور المتزايدة على شوارعنا وطرقنا السريعة، ولا يفعل الكثير للتعامل مع الاختناق المروري. ومع تزايد كفاءة السيارات (إذ تسير مزيدًا من الأميال بجالونٍ من الوقود)، انخفض العائد من ضرائب الوقود (للجالون الواحد) بالنسبة إلى الحاجة إلى مزيدٍ من الطرق. علاوةً على ذلك، منذ الانتهاء من شبكة الطرق السريعة بين الولايات في ثمانينيات القرن الماضي، استُخدمت ضريبة الوقود الفيدرالية بشكلٍ متزايدٍ لتمويل المشروعات الموجهة للمصالح السياسية.

ولكن هناك مشكلة اقتصادية أهم. إن العيب الأساسي للمنظومة الحالية لاستخدام الطرق السريعة وتمويلها يتمثل في أن مستخدمي الطرق لا يدفعون التكلفة الحقيقية لاستخدام الطرق السريعة في ساعات الذروة. ونحن هنا بحاجةٍ إلى تطبيق مبادئ المحاسبة والتسعير الهامشي بشكلٍ مستمر؛ فتكلفة التنقُّل على الطريق السريع بالنسبة إلى الرحلة الواحدة دائمًا صفر، ما لم يكن هناك رسم مرور. وحتى في هذه الحالة، لا يختلف رسم المرور بمدى ازدحام الطريق السريع. باختصار، إن شبكة الطرق السريعة بين الولايات تتجاهل آلية التسعير؛ فلا يوجد أي جهدٍ يُبذل لمضاهاة العرض والطلب مع سعرٍ متغيِّر؛ فساعة الذروة، في ظل عدم وجود سعر، تعني أن الطلب يتجاوز العرض، وأن هناك سياراتٍ زائدةً على الطريق السريع.

حلول لازدحام المواصلات الخانق

تقوم الحكومات على المستويات كافةً بتجربة بعض الحلول لمعالجة مشكلة الاختناق المروري: زيادة عدد الحارات، تشجيع تقاسم الركوب بتخصيص حارةٍ مستقلةٍ للسيارات التي تُقلُّ شخصين أو أكثر (حارات المركبات العالية الإشغال)، بناء القطار السريع والمواصلات العامة، وفرض ضرائب على بعض الطرق السريعة والطرق الواصلة بين الولايات. إن توسعة الطرق يمكن أن تواكب الطلبَ في المناطق الحضرية، ولكنَّ هناك حدًّا لهذه التوسعة. تمتلئ نيويورك بعددٍ لا حصر له من الطرق، ولكنها تشهد أسوأ اختناقٍ مروريٍّ في أمريكا. وتعمل شبكات النقل العام ومترو الأنفاق جيدًا على نحوٍ معقولٍ في نيويورك، وشيكاجو، وواشنطن، ومدنٍ أخرى كبيرة، ولكن نسبة الأشخاص الذين يستخدمون وسائل النقل العام صغيرةٌ نسبيًّا (٢٥ بالمائة في نيويورك، و١١ بالمائة في شيكاجو، ولكنها لا تتجاوز ١٫٥ بالمائة على مستوى البلاد)؛ ومن ثَمَّ فإن التكلفة للمتنقِّل الواحد باهظة ولا بد من دعمها دعمًا باهظًا. والمدهش أنه من عام ١٩٦٠ حتى عام ٢٠٠٠، أضافت الولايات المتحدة نحو ٦٣ مليون عامل، إلا أن إجمالي عدد العاملين المستخدمين لوسائل النقل العام انخفض فعليًّا بنحو مليونين.

في النهاية، وبرغم كل هذه الجهود، لا يبدو ممكنًا أن يتواكب العرض مع الطلب دائم التزايد.

أوصى الاقتصاديون لسنواتٍ بحلٍّ يُسمَّى «تسعير فترات الذروة» للمساعدة في التخفيف من السيارات الزائدة خلال ساعة الذروة؛ فمن خلال رفع السعر (رسم المرور) في فترات ذروةٍ معينة، سوف يسلك قائدو السيارات الإضافية طرقًا أخرى، أو يتخذون الطريق الحر في أوقاتٍ مختلفة؛ أي في غير أوقات الذروة. وسوف يعمل المتنقِّلون مع شركاتهم من أجل الذهاب إلى العمل وبدء العمل في فترات ما دون الذروة. في الوقت نفسه، سوف توفر الضرائب تمويلًا إضافيًّا لصيانة الطرق السريعة وبناء حاراتٍ وطرقٍ جديدةٍ أينما تتطلب الضرورة.

النموذج السنغافوري لتسعير الذروة

كانت سنغافورة أولَ دولةٍ تُجرِّب تسعير الذروة على مستوًى قومي، بدءًا من عام ١٩٩٨. فهناك نظام رسوم يُسمَّى تسعير الطرق الإلكتروني يعمل خلال ساعات الذروة في الحي التجاري المركزي وعبر طرق النقل السريع والطرق الشريانية المؤدية إلى داخل وخارج المدينة. وتفرض هيئة المواصلات الأرضية رسومًا تتراوح بين ٠٫٢٥ و٤ دولارات سنغافورية وفقًا للزمان والمكان. وتفرض رسومًا على السيارات ذات الترخيص الخارجي قيمتها ٥ دولاراتٍ سنغافورية يوميًّا. وتلزم كل سيارة بتعليق بطاقة صرَّافٍ آليٍّ على زجاجها الأمامي، مثل ترخيص مرور إي زد، تُقرأ إلكترونيًّا لدى دخول السيارة المدينة وتُخصم تلقائيًّا من حساب بطاقة الصرَّاف الآلي الخاص بمالك السيارة.

على الرغم من أن نظامَ تسعير الطرق الإلكتروني ليس مستساغًا من قِبل السائقين الذين يرَوْن أن من حقهم دخولَ الطرق مجانًا، فإن النتائج كانت إيجابية؛ فقد أفادت مصلحة المواصلات الأرضية مؤخرًا أن الزحام المروري قد تقلَّص بنسبة ١٣ بالمائة خلال ساعات تشغيل نظام تسعير الطرق الإلكتروني، في ظل انخفاض عدد المركبات من ٢٧٠ ألفًا إلى ٢٣٥ ألفًا داخل المنطقة المحظورة. وازداد تقاسم الركوب، كما زادت متوسطات السرعات على الطرق بنحو ٢٠ بالمائة.

ونظرًا لأن سنغافورة جزيرة صغيرة، فقد تبنَّت أيضًا برنامجًا لشهادة الاستحقاق لتقليص ملكية السيارات. وتتبنَّى برمودا برنامجًا مشابهًا يحدد لكل مقيمٍ سيارةً واحدة. ولكنَّ برنامج سنغافورة يتَّسم بمزيدٍ من المرونة؛ فالحكومة تحدد إجمالي عدد شهادات ملكية السيارات في البلاد، بل وتُلزم السكانَ بالمزايدة على حق شراء أي سيارة. وهكذا يمكن لأي مقيمٍ سنغافوريٍّ امتلاك أكثر من مركبة، ولكن لا بد أن يدخل في مزادٍ عليها. وحاليًّا تبلغ تكلفة السيارة الصغيرة ٤٥ ألف دولارٍ سنغافوري، في حين تتكلف السيارة الكبيرة نحو ١٠٠ ألف دولارٍ سنغافوري، بالإضافة إلى ثمن السيارة نفسها.

رسوم الازدحام في لندن

استفادتْ لندن أيضًا من فرض رسومٍ على الازدحام؛ فمع أواخر تسعينيات القرن الماضي، كان أكثر من مليون شخصٍ يدخلون وسط لندن في يوم العمل العادي. وصار المرور مزدحمًا للغاية وسط لندن لدرجة أن متوسط السرعة انخفض لأكثر من ٢٠ بالمائة منذ ستينيات القرن الماضي إلى ٨٫٦ أميالٍ في الساعة بحلول عام ٢٠٠٢. وأظهرت إحدى الدراسات أنه في عام ١٩٩٨، أنفق قائدو السيارات نحو ٣٠ بالمائة من وقتهم بلا حراك خلال فترات الذروة في وسط لندن وأكثر من نصف وقتهم على سرعةٍ أقل من ١٠ أميالٍ في الساعة. وفي استطلاعات الرأي، اشتكى اللندنيون من «وجود حركةٍ مروريةٍ رهيبةٍ في لندن» ورأَوْا أن حل المشكلة أهم من محاربة الجريمة.

وتجاوُبًا مع هذه الأزمة، اقترح كين ليفينجستون، أولُ عمدةٍ للندن، فرض رسوم ازدحامٍ في مايو ٢٠٠٠. وفي عام ٢٠٠٣، بدأت مدينة لندن في فرض رسومٍ يوميةٍ على القيادة أو إيقاف السيارات وسط لندن ما بين الساعة ٠٠ : ٧ صباحًا و٣٠ : ٦ مساءً في أيام العمل، باستثناء العطلات الرسمية. وتقوم كاميرات فيديو ووحدات متنقلة بالتقاط صورٍ للوحات المركبات التي تدخل وتغادر وتقف داخل المنطقة المحددة، وإذا لم يكن قائدو السيارات مسجلين، يتم تغريمهم ١٠٠ جنيهٍ إسترليني. وتظل عائدات الضريبة اليومية مخصصةً للنقل العام.

وقد ساعد الاقتصاديون في تحديد الضريبة اليومية، التي بدأت ﺑ ٥ جنيهاتٍ إسترلينية، وتم رفعها منذ ذلك الحين إلى ٨ جنيهاتٍ إسترلينية. ولكن، لأسبابٍ متنوعة، اكتشفوا أنه لم يكن من المعقول ولا من الملائم تحديد سعرٍ يعادل التكلفة الهامشية للازدحام. ولكن حتى الآن أثبتت رسوم الجنيهات الثمانية صلاحيتها.

وجاءت النتائج مبهرة، إذ أظهرت انخفاضاتٍ في حركة المرور والزحام تجاوزت التوقعات؛ فقد انخفض عدد السيارات الخاصة، والشاحنات الصغيرة، وشاحنات النقل الكبيرة القادمة إلى وسط لندن بنسبة ٢٧ بالمائة. بعبارةٍ أخرى، ما بين ٦٥ ألفًا إلى ٧٠ ألف رحلةٍ لم تَعُدْ تتم. وانخفض معدل استخدام السيارات الخاصة من نحو نصف الحركة المرورية وسط لندن إلى أكثر من الثلث بقليل. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن قطاعًا كبيرًا من العامة تَحوَّل إلى أشكالٍ أخرى من وسائل النقل، إذ يزيد استخدام سيارات الأجرة عن ٢٢ بالمائة، والحافلات لأكثر من ٢١ بالمائة، والدراجات لأكثر من ٢٨ بالمائة. وزاد متوسط سرعات التنقل إلى ١٠٫٤ أميالٍ في الساعة، بزيادة نحو ١٧ بالمائة، وانخفض الازدحام المروري بمتوسط ٣٠ بالمائة.4

علاوةً على ذلك، لم تظهر حالات اكتظاظٍ مروريٍّ ملحوظٍ كما هو متوقع خارج منطقة وسط لندن. بل إن فترات التنقُّل انخفضت بنسبة ٢٧ بالمائة خلال فترة الذروة الصباحية و٣٤ بالمائة في رحلات العودة.

كان واحدًا من أكثر المشكلات إزعاجًا تأثيرُ رسومِ المركبات على مبيعات التجزئة وسط لندن؛ فقد تضررتْ بعض المحالِّ من الرسوم اليومية؛ حيث يمكث المتسوِّقون المحتملون في المنزل أو يشترون عبر الإنترنت، إلا أن استطلاعات الرأي أشارت إلى أنه لم يكن هناك تأثير كبير على المبيعات الإجمالية. والأهم أن الشركات الحكومية والمحلية تبدو مؤيدة لبرنامج رسوم لندن؛ فقد شعر ثمانية وخمسون بالمائة منها أنه قد حسَّنت صورة لندن.

كانت التكلفة هي الجانبَ السلبيَّ الوحيدَ للبرنامج؛ فقد تبيَّن أن تكاليف تدشين وتشغيل البرنامج أعلى بكثيرٍ من المتوقَّع، وأن صافيَ العائدات السنوية قد انخفض عن المستويات المتوقَّعة؛ فبدلًا من تحصيل عائدٍ يُقدَّر ﺑ ٢٣٠ إلى ٢٧٠ مليون جنيهٍ إسترليني، قامت هيئة لندن للنقل فعليًّا بتحصيل صافي عائداتٍ أقل من ١٠٠ مليون جنيهٍ إسترلينيٍّ في ٢٠٠٤-٢٠٠٥.

خطة الدولة الرائدة لحارات المركبات العالية الإشغال: ٩١ حارة مرورٍ سريعٍ في مقاطعة أورانج، كاليفورنيا

لعلَّ أشهر برامج الحد من العبء المروري المرتفع هو حارات المركبات العالية الإشغال؛ حيث تَفرض حاراتٌ خاصةٌ على طريقٍ سريعٍ مزدحمٍ رسومًا تضاهي أسعار السوق (وهي أسعار متباينة وفقًا لظروف الطلب) من أجل امتياز القيادة بأريحية ودون اختناقٍ مروري. وكان أول طريقٍ سريعٍ يُقدِّم حارات المركبات العالية الإشغال هو طريق إس آر ٩١ ريفرسايد الحُر الذي يربط بين أناهايم وريفرسايد، بولاية كاليفورنيا.

كان النمو السكاني المتسارع في ريفرسايد يتسبب في إعاقاتٍ هائلةٍ في كل اتجاه. ومن أجل تخفيف «الزحف في كورونا» كما كان المراسلون يطلقون عليه في الغالب، أبرمت دائرة النقل والمواصلات بكاليفورنيا اتفاقية تأجيرٍ قبل ٣٥ عامًا مع شركة كاليفورنيا للنقل الخاص لإنشاء طريقٍ ذي رسم مرورٍ في وسط طريق إس آر ٩١ يُسمَّى ٩١ إكسبريس لينز. كان ٩١ إكسبريس الذي افتُتح للعامة في ٢٧ ديسمبر ١٩٩٥، أولَ طريقٍ ذي رسومٍ يستخدم نظام تسعيرٍ متغيرٍ بِناءً على الوقت من اليوم. وهو ليس نظامَ تسعيرٍ للازدحام بمعنى الكلمة؛ لأن معدلات الرسوم تُحدَّد سابقًا وفقًا لليوم وليس بِناءً على الازدحام الفعلي. ولكن هذه المعدلات تُعدَّل كل بضعة أشهرٍ بِناءً على التدفُّق المروري الفعلي المقيس في الحارات. وفي عام ٢٠٠١، كانت الرسوم على الساعات الأكثر ازدحامًا (من ٠٠ : ٤ إلى ٠٠ : ٥ مساءً يومَ الجمعة) ٩٫٥٠ دولارات، وهو أعلى رسمٍ لأي طريقٍ ذي رسومٍ في البلاد. أما أعلى رسمٍ في الصباح (٠٠ : ٧-٠٠ : ٨ صباحًا)، فهو ٤٫٠٥ دولارات.

وقد قضت حارات المركبات العالية الإشغال على طريق إس آر ٩١ إكسبريس بنجاحٍ على الازدحام المروري في تلك الحارات، مع إتاحة الحارات الأخرى «مجانًا» لمن يفضلون إنفاق الوقت بدلًا من المال. وبعد أكثر من عشر سنواتٍ من التشغيل، تسير الحركة المرورية في وقت الذروة بيُسرٍ وسهولةٍ على سرعة ٦٥ ميلًا في الساعة؛ ما يمنح قائدي السيارات في ذلك الممر نوعًا من «التأمين ضد الازدحام». وفي عام ٢٠٠٣، قامت مقاطعة أورانج بشراء ٩١ إكسبريس لينز مقابل ٢٠٧٫٥ ملايين دولار. وواصلت المقاطعة برنامج تسعير القطاع الخاص للقضاء على الازدحام المروري.

ولايات أخرى تتبنَّى حارات المركبات العالية الإشغال وفرض الرسوم

حَذَت ولايات أخرى حذوَ كاليفورنيا؛ فقد أُنشئتْ حارات المركبات العالية الإشغال ذات الرسوم أو في طور البناء في دالاس وهيوستن بولاية تكساس، وواشنطن العاصمة الطريق الدائري، ودنفر، ومدينة سولت ليك، وسياتل، ومينابوليس، وميامي وأتلانتا. وقد قال لون أندرسون، المتحدث الرسمي لنادي ميد أتلانتيك، بالجمعية الأمريكية للسيارات في عام ٢٠٠٤: «لقد نفدت الأموال من الصناديق الائتمانية للنقل في منطقتنا. لا يوجد أموال لتنفيذ التغييرات الشاملة التي يود الكثيرون رؤيتها. وحارات المركبات العالية الإشغال توفر تلك الفرصة.»5

كانت حارات الركوب المشترك (أو حارات المركبات العالية الإشغال) الموجودة اليوم قد بُنيتْ في الأساس باعتبارها طرقًا سريعةً للحافلات، ولكن تم فتحها لسيارات الركوب المشترك؛ نظرًا لعدم وجود حركةٍ مروريةٍ كافيةٍ للحافلات تكفي لاستخدام أكثر من مجرد جزءٍ صغيرٍ من سعتها. وعلى طريق واشنطن الدائري (آي-٤٩٥) وطرقٍ سريعةٍ أخرى (آي-٩٥ وآي-٣٩٥)، سوف تكون حارات المركبات العالية الإشغال مجانيةً لمركبات الركوب المشترك التي تُقل ثلاثة أشخاصٍ أو أكثر، وشاحنات النقل المشترك، والحافلات، ولكن بإمكان الأفراد أيضًا استخدام الحارات من خلال دفع رسم مرور. سوف يتم جمع الرسوم إلكترونيًّا؛ ما يعني تجنُّب أكشاك الرسوم المرورية. وسوف تقوم الشرطة بمراقبة حارات المركبات العالية الإشغال لضبط المخالفين وتغريمهم.

تنامت موجةٌ من الرفض في بعض الولايات التي تدرس أو تختبر الطرق ذات الرسوم وحارات المركبات العالية الإشغال. ففي تكساس، أسس أحد المحتجين حزب الرسوم المرورية بتكساس لمناهضة التوسُّع في إنشاء الطرق ذات الرسوم في تكساس، واصفًا إياها بأنها «طرق للسيارات الفارهة»، وتَقدَّم المشرِّعون بعرائضَ لإرجاء بناء مزيدٍ من طرق الرسوم الجديدة. ويرغب المحافظ ريك بيري في بناء ممر ترانس تكساس، وهو طريق ذو رسومٍ يمتد إلى ٣٠٠ ميلٍ موازٍ لطريق آي-٣٥ بين دالاس وسان أنطونيو المزدحم في الغالب. سوف يتم تشغيله من قِبل شركة سينترا، وهي شركة إسبانية، سوف تدفع لولاية تكساس ١٫٢ مليار دولار مقدمًا لتطوير الممر بتكلفة ٦ مليارات دولار. وهناك شكاوى تُقدَّم بشأن استحواذ أباطرة اللصوص الأجانب على طرق تكساس.

ولكن هناك الكثير من الأدلة في صالح الرسوم المرورية ووسائل تسعير الذروة في الولايات المتحدة وفي كل أنحاء العالم باعتبارها وسيلة أفضل لتمويل الطرق والطرق السريعة، والحفاظ على تدفُّق الحركة المرورية بيُسرٍ وأمان. وحسب استنتاج روبرت دبليو بوول الابن، الذي يُعَدُّ مرجعية الدولة الأولى والأساسية في حلول النقل القائمة على السوق، فإن حارات المركبات العالية الإشغال، والإعفاء من الرسوم المرورية، واستراتيجيات تسعير ساعات الذروة؛ تجلب فوائدَ مهمةً تجعل «من الضروري أن تصبح جزءًا مهمًّا من منظومة النقل على وجه السرعة.»6

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤