الفصل السادس

إيجاد الأدلة على النوعية وأدلة النوعية

فن الحكمة هو فن معرفة ما ينبغي أن يُهمَل.

وليام جيمس

مدخل

إليكم هذه القصة الحقيقية: إحدى الجامعات البارزة التي وهبتها الدولة أرضًا تنتفع بها، دفعها الاهتمام بأن تظهر جدِّيتها حيال المحاسبة العامة لأن تضع قائمة شاملة بالمعايير الخاصة بمراجعة أقسامها. وقد اهتمت الصحافة كثيرًا بهذه القائمة، حتى إنَّ مجلة The Chronicle of Higher Education نشرت مقالة بارزة فيها الكثير من المديح والحماس. أما المنطلق الذي انطلقت منه هذه القائمة فكان بسيطًا: عزل المؤشرات المشتركة بين الأقسام الأكاديمية ومثيلاتها في المؤسسات النظيرة، واستخدام ذلك في تحديد المواضع التي يمكن أن تُعتبر فيها أقسام الجامعة مضاهيةً لنظرائها. وقد حصلتُ على نسخة من هذه القائمة وألقيتُ نظرةً على المعايير النوعية التي ينبغي استخدامها في الحكم على ما للنوعية من أبعاد متعددة. وقد لفتتني بوجهٍ خاص تلك المعايير التي ينبغي استخدامها للحكم على نوعية التعليم؛ حيث اشتملت القائمة على ثلاثة معايير: (١) عدد أعضاء الهيئة التعليمية الذين يعملون بدوام كامل (بالنسبة لطلاب الدراسات العليا والطلاب الجامعيين العاديين)، (٢) نسبة أعضاء الهيئة التعليمية الذين يعملون بدوام كامل إلى الطلاب الجامعيين العاديين وطلاب الماجستير، وطلاب الدكتوراه، و(٣) الدرجات (درجات البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه) التي منحتها الهيئة التعليمية. هكذا كان الأمر. فبما أنَّ الأدلة المباشرة أكثر من هذه الأدلة على نوعية التعليم لم تكن متاحة، على الأقلِّ بذلك الشكل الذي تمكن مقارنته بين المؤسسات؛ فقد شعرَت سلطات هذه الجامعة بأنَّ جمع بعض المعطيات كفيل بأن يظهر جهدًا مخلصًا حسن النية، ويكون أفضل من عدم إظهار أيِّ شيء على الإطلاق. ولكن دعونا نفترض أنَّ قسم علم النفس في هذه الجامعة قد صُنِّف الثامن من بين عشرة مؤسسات نظيرة من حيث فعالية التعليم. ما الذي ينبغي القيام به للتقدُّم بهذه المرتبة نحو الأعلى؟ والجواب واضح: الضغط باتجاه زيادة عدد أعضاء الهيئة التعليمية الذين يعملون بدوام كامل، تسجيل مزيد من الطلاب، والعمل بطرائق تستبقي هؤلاء الطلاب ضمن البرنامج لمدة أطول. ولو وضعنا جانبًا وبصورة مؤقتة ما لهذه الاستراتيجيات من مزايا فردية، فإنَّ سؤالين واضحين يطرحان نفسيهما: ما علاقة هذه المعايير بإحساس أيِّ أحد بما يشكِّل التعليم الفعال؟ وما هي العواقب بالنسبة للمؤسسة والطلاب الذين تخدمهم إذا ما فعل قسم أكاديمي معين ما يشعر أنَّه ضروري لكي يغدو أكثر فعالية؟ وبعبارة أخرى، ما هي العواقب التي يمكن أن تترتب على هذا النوع من انزياح الهدف؟
والمؤسف أنَّ هذه القصة ليست بالمثال المعزول، بل مجرد مثال فاقع على نحوٍ خاص. ففي محاولة التعليم العالي الغربي أن يغدو أكثر قابلية للمحاسبة ويطيِّب خاطر نقَّاده، شرع في السير في مسار شديد الخطورة مطاردًا مقاييس النوعية التي قد لا يكون لها سوى علاقة واهية بالنوعية الحقَّة، وقد سبق أن لاحظت كيف انتهى ذلك إلى سعي المؤسسات من الصفِّ الثاني والثالث، بحسب تصنيف U.S. News and World Report، لأن تُحسِّن مكانتها عبر صيرورتها أشد انتقائية وصقلها أوراق اعتمادها البحثية، ولو سارت هذه الأفعال بعكس رسالة المؤسسة. ولنلاحظ، مثلًا، قلَّة عدد الجامعات الشاملة والمدينية التي ظهرت في الصف الأول بحسب U.S. News. هل ذلك لأنَّ هذه المؤسسات لا تقدِّم للطلاب تعليمًا يضاهي نوعية الجامعة البحثية أو كلية الفنون الحرة الانتقائية؟ أم لأنها تقوم بما يُفترض أن تقوم به، ألا وهو التركيز على تطوير موهبة ذلك الجمع الغفير من الطلاب الذين لا يملكون أوراق اعتماد أكاديمية لامعة لكنهم يملكون الطاقة والإمكانية؟ أم لأنَّها تقدِّم للطلاب البالغين غير التقليديين تلك الوسائل لتحسين حيواتهم بالذهاب إلى الكلية ومداومتهم هناك مداومة جزئية؟ ما الذي سيترتَّب على سعي هذه المؤسسات إلى مضاهاة نظيراتها من الصفِّ الأول ذات الهيبة التقليدية والإمداد الحسن؟ ألا يكون حالنا أفضل لو ركَّزت الجامعات وبرامجها الأكاديمية بدلًا من ذلك على الكيفية التي تمكِّنها من الإسهام في الصالح العام، معترفةً بأنَّ سُبل القيام بذلك تختلف باختلاف المؤسسات؟ وإذا لم تكن البرامج الأكاديمية راغبة في أن تلقي على منظومة المديرين والمجلات الأسبوعية الإخبارية بمسئوليتها عن تحديد الأدلة المناسبة التي تكشف عن مواطن الخلل والتقصير في النوعية الأكاديمية، فكيف يُفترض بها أن تقوم بذلك بنفسها؟
إنَّ واحدًا من التناقضات الكثيرة في التعليم العالي هو ذلك التناقض الذي يرتبط باستخدامنا المعطيات. فنحن جماعة مكرَّسة ﻟ «البحث عن الحقيقة وعرضها بحرية» (جمعية المدرسين الجامعيين الأميركية AAUP، ١٩٤٠)؛ لكننا نبدو في معظم الأحيان وكأننا نستخدم المعطيات لمقاصد تتعلَّق بأجندة سياسية نريد دفعها إلى الأمام وتعزيزها. وكما تقول «جمعية فرسان التعليم العالي»:

نادرًا ما تعمل المؤسسات على جعل المعطيات أدوات ذات أهمية استراتيجية بالمعنى الكامل للكلمة؛ أي أدوات لقياس قدرة المؤسسة على إنجاز التزامات راهنة أو السعي وراء فرص جديدة، أو لفهم الأسواق الخارجية والتنافس على برامج وخدمات جديدة أو موجودة من قبل، أو لتحليل فرص القيام بمغامرات جديدة عبر التعاون بين الأقسام والمركز، أو لاستكشاف آفاق تعاون أبعد مع كلياتٍ وجامعات أخرى. وفي حين يبدي التعليم العالي اهتمامًا بالأرقام غير مسبوق، فإنَّ المؤسسات تجد نفسها مشدودة على نحو شاذ وغريب بين طرفي الطيف اللذين يعبِّر عنهما هذان [القولان المتناقضان]: «لقد أرجأنا كل قرار نظرًا لحاجاتنا إلى المعطيات الكافية»، و«لقد اتخذنا قرارنا، اللعنة على المعطيات»، والنتيجة المنطوية على مفارقة ساخرة هي مؤسسة تستخدم المعطيات أحسن استخدام حين تعرض أحكامها العلمية لكنها غالبًا ما تخفق في استخدامها على نحوٍ فاعل في تحسين عملياتها الخاصة، وسياقاتها، وآفاقها.

(٢٠٠٠م، ص١-٢)

وسوف أستكشف في هذا الفصل كيف يمكن للبرامج الأكاديمية أن تعمل على تحديد المعطيات وجمعها بوصفها «أدوات ذات أهمية استراتيجية»، كما تقول هذه الجمعية.

(١) طرح الأسئلة الصحيحة

في تقويم النوعية، السؤال هو كل شيء. وغالبًا ما يبدأ تقويم البرنامج بمناقشة الأدوات التي ينبغي استخدامها، أو ربما يبدأ بمناقشة أهداف البرنامج. وكلاهما ليسا بالمكانين اللذين يحسن أن يكون البدء بهما. وإذا ما أُريد للتقويم أن يكون تقويمًا ذا معنًى بالفعل بالنسبة لأولئك الذين يتأثَّرون به، فإنَّ عليه أن يبدأ بالأسئلة التي لدى هؤلاء. فلا تخطئوا على هذا الصعيد: إنَّ لدى أعضاء الهيئة التعليمية أسئلة كثيرة بشأن نوعية عملهم، سواء على المستوى الفردي أم الجماعي، وهي أسئلة تُحفز وتُثار على نحوٍ خاص حين يكون القسم في سياق مناقشة تقويمية كتلك التي اقترحناها في الفصل السابق. ومن التمارين البسيطة والمفيدة بهذا الصدد أن تُطرح على أعضاء القسم أسئلة محفِّزة كالأسئلة التالية: «ما الذي تريد أن تعرفه مما يساعد قسمنا على تحسين خياراته بشأن استخدام مواردنا؟ ما المعلومات التي يمكن أن تساعدنا على تحسين نوعية العمل الذي نقوم به؟» (فيرين وسلافنغز، ٢٠٠٠م). والمفتاح هنا هو الاعتراف بضرورة طرح هذه الأسئلة، ومناقشتها بين أعضاء هيئة القسم التعليمية، وتأطيرها بطرائق تفضي إلى تحديد الأدلة المفيدة. ويقترح مايكل كوين باتون، وهو نصير عريق لما يُدعى «التقويم الذي يركِّز على النفعية» (١٩٩٧م)، خمسة معايير لأسئلة التقويم الحسنة:
  • (١)

    إمكانية جمع المعطيات التي تمتُّ بصلة للسؤال؛ أي أن يكون سؤالًا أمبريقيًّا حقًّا.

  • (٢)

    وجود أكثر من جواب واحد ممكن على السؤال؛ أي إن الجواب غير محدد مسبقًا في صيغة السؤال.

  • (٣)

    أن يريد المُستخدمون المعنيون بالدرجة الأولى تلك المعلومات التي تعينهم في الإجابة عن السؤال. أي أن يهتموا للإجابة.

  • (٤)

    أن يريد المستخدِمون الإجابة عن السؤال من أجلهم هم أنفسهم وليس من أجل أحد آخر.

  • (٥)

    أن يكون بمقدور المستخدِمين المعنيين أن يشيروا إلى الكيفية التي سيستخدمون بها الإجابة عن السؤال؛ أي أن يكون بمقدورهم تحديد الصلة بين الإجابة عن السؤال والفعل المستقبلي (ص٣٢).

(٢) بعض أسئلة التقويم الرديئة

هنا بعض الأمثلة على أسئلة التقويم الرديئة، والسبل التي تمكِّن من تحسينها:

كيف يمكن لنا أن نُقنع الإدارة بأنَّ الهيئة التعليمية بحاجة إلى مزيد من التخصصات؟ فهذا ليس سؤالًا أمبريقيًّا، بل سؤال سياسي.
هل نقوم بعمل جيد في تدريسنا الطلاب الجامعيين العاديين؟ مع أنَّ هذا السؤال يمكن أن يُطرح بدايةً؛ إلا إنه من الاتساع والإبهام إلى الحد الذي يكاد لا يمكن الإجابة عنه في شكله الحالي. والبداية الأفضل هي مما يتوقع القسم لطلابه أن يتعلموه، ثم تقويم نجاح القسم في تقديم مثل هذا التعلم. فصياغة السؤال بهذه الطريقة تكاد تطرح على الدوام أسئلة أبعد وأعمق بشأن أهمية المنهاج، ورواجه، وتماسكه.
كيف يمكن لنا أن نوثِّق نتائج التعلم في دراستنا الذاتية التي نقدِّمها للجان الاعتماد؟ هذا ليس سؤالًا تقويميًّا، بل سؤال أداتي. سؤال عن كيفية جمع المعطيات التي يريدها أحد آخر.
ما الذي يمكن أن نفعله حيال أعضاء الهيئة التعليمية الكبار الذين باتوا يشكِّلون عبئًا على القسم؟ مع أنَّ هذا السؤال يُطرَح كثيرًا في الأحاديث الخاصة بين أعضاء الهيئة التعليمية (من بين الذين لم يتحولوا إلى عبء بالطبع)، إلا أنَّه مشحون بافتراضات مسبقة حول ما يجعل المرء عبئًا ثقيلًا. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ ما تنطوي عليه هذه التسمية ذاتها يوحي بأنَّ هناك جوابًا وحيدًا هو الجواب الشافي، وهو إيجاد سبيل لإخراج أعضاء الهيئة التعليمية الفاقدين للحيوية واستبدالهم بدماء جديدة. غير أنَّ النظر إلى هؤلاء الأعضاء بصورة مختلفة، يمكن أن يفضي إلى سؤال مختلف، كالسؤال: «ما هي الخيارات المتاحة لمساعدة أعضاء الهيئة الكبار على استعادة حيويتهم؟».
كيف يمكن أن ندفع لجنة الترقية والتثبيت لأن تكافئ التدريس بالقدر الذي تكافئ فيه البحث؟ مرة أخرى، هذا سؤال سياسي وليس أمبريقيًّا فهو يفترض أن السؤال التقويمي («هل تكافئ لجنة الترقية والتثبيت عمل أعضاء الهيئة بطرائق تتَّسق مع التوجيهات؟») قد تمَّت الإجابة عنه أصلًا.
لماذا لا يهتم الطلاب إلا بالحصول على وظائف جيدة؟ مرة أخرى، ثمَّة افتراض للحقيقة هنا ينبغي تحدِّيه. والسؤال التقويمي الأفضل هو: «ما هي التوقُّعات الأساسية التي ينتظرها منا طلَّاب الاختصاص، وكيف يمكن لنا أن نلبيها؟» فإذا ما تبيَّن أن توقعات الطلاب لا تنسجم مع ما ترى الهيئة التعليمية أنَّ على الطلاب توقُّعه، يغدو السؤال عن كيفية التفاوض على القيم، بالسبل المُقترَحة في الفصل الخامس.

(٣) بعض الأسئلة التقويمية الجيدة

هنا، من جهة أخرى، بعض الأسئلة التقويمية الجيدة، بمعنى أنها تلبِّي المعايير ١، ٢، ٣، ٤، ٥ المذكورة أعلاه. وما أقدِّمه هو مجرد عيِّنة من الأسئلة؛ فالقائمة ليست شاملة ولا كاملة. وعلى القسم ذاته أن يقرِّر ما إذا كانت تلبِّي المعيار، أي ما إذا كانت مناسبة لكلِّ قسم بعينه. وأكرر القول أنها مجرد عيِّنة؛ وقد تعمَّدتُ ألا تكون شاملة ولا كاملة.

تعلم الطلاب: كيف يمكن لموضوعات المقرر أن تلبي غايات هذا المقرر؟ ما مدى اطراد تعلم الطلاب واتساقه عبر الأقسام المختلفة من المقرر ذاته؟ إلى أيِّ مدى يتم إدخال أهداف المنهاج الأساسية وتعزيزها على النحو الملائم من مقرر إلى آخر؟ هل تعكس نماذج تلقي الطلاب للمقرَّر وجود الاطراد والتتابع الملائمين؟ هل أُعِدَّ الطلاب كما ينبغي للدراسات العليا أو لاختيار مهنتهم؟
نجاح الطلاب: ما العوامل التي تدفع الطلاب إلى الانتقال إلى تخصص آخر؟ ما العوامل المسئولة عن نجاح أو فشل الطلاب المُخطرين؟ ماذا عن سِجلنا في جذب الطلاب الملونين والاحتفاظ بهم؟ ما مدى ثقة الطلاب بقدرتهم على المنافسة في السوق؟ ما مدى نجاح المتخرجين في تحقيق أهدافهم من حيث المهنة؟
كفاءة المنهاج: ما مدى مساهمة مقرراتنا الخدمية في الأهداف التعليمية العامة للمؤسسة؟ إلى أيِّ مدى تقوم غايات المنهاج على أدلة موثَّقة بشأن ما يحتاج الطلاب لأن يعرفوه ويعملوه؟ ما هو الاتجاه من حيث ساعات التدريسية المكرَّسة للتخرج، وهل ثمة إفراط في هذا الرقم؟ ما هو عدد أقسام المقرَّر المُدرَجة، وهل ثمة إفراط في هذا الرقم؟ ما هو عدد المقررات الدراسية الاختيارية، وهل ثمة إفراط في هذا الرقم؟
الإنتاجية البحثية: ما هي المسارات البحثية لأعضاء هيئة القسم التعليمية؟ هل تتقارب هذه المسارات بطرائق تنسجم مع أولويات القسم والمؤسسة البحثية؟ ما مدى نجاح القسم في توفير مدخل إلى المعلومات الخاصة بالمنح المتاحة لدعم البحث العلمي الخاص بأعضاء الهيئة التعليمية؟ ما هو حجم التوظيفات الخاصة بالبنية التحتية والتي يمكن أن تضع أعضاء الهيئة التعليمية على مستوى المنافسة في الحصول على المكافآت والجوائز؟ إلى أي مدى تجد الأبحاث العلمية التي تقوم بها الهيئة التعليمية منافذها المناسبة؟
إدارة الموارد: ما تأثير المقررات التي يدرسها أعضاء الهيئة التعليمية الذين يُعلمون بصورة مؤقتة أو المساعدون والقائمون بالأعمال على تعلُّم الطلاب وعلى تماسك المنهاج؟ كيف يمكن الموازنة بين حجم الصفِّ ومشاركة الطلاب؟ بين عدد الأقسام التي تتعلَّم عن بُعد ومشاركة الطلاب؟ هل حقق القسم الفائدة المرجوة من الدَّخل الاختياري (مثلًا، الزيادة الناجمة عن المنح البحثية).
مشاركة القسم: ما مدى اطلاع أعضاء هيئة القسم التعليمية على العمل الذي يقوم به زملاؤهم؟ ما هي الطرق الأنسب لكي تباشر الهيئة التعليمية جهودها التعاونية وتعمل على تعزيزها سواء على مستوى التدريس أو البحث؟ إلى أي مدى يتقاسم أعضاء الهيئة التعليمية إحساسًا بعمل القسم الجماعي وإحساسًا بالمسئولية الجماعية عن عمل هذا القسم؟ إلى أي مدى تخضع قضايا القسم للنقاش المفتوح والبنَّاء؟ كيف يضيف القسم قيمةً إلى الكلية أو المؤسسة، وإلى المجتمع؟

(٤) تحديد الأدلة التي يمكن أن تكون مفيدة

ثمة افتراض شائع، لكنه مغلوط، مفاده أنَّ الأدلة والمعطيات هما مصطلحان مترادفان، فهما ليسا كذلك، وقد أفضى الربط بينهما إلى ممارسة محل شك فيما يتعلق بجمع ضروب المعلومات المختلفة التي يمكن أن تكون ذات صلة بالسؤال المطروح، وبتقديم هذه المعطيات جملةً، وتوقع أنَّ يدًا خفية ما سوف تساعد قارئها على الخوض فيها جميعًا وإيجاد الحقيقة. لننظر مثلًا، إلى حجم المعطيات التي جُمعَت من أجل الدراسات الذاتية التي تقوم بها المؤسسة، أو التي جُمعَت كجزء من مبادرات التخطيط الاستراتيجي المختلفة. ولنفكر إلى أي مدى تم تنظيم هذه المعلومات عمدًا؛ بحيث تدعم ادعاءً معينًا أو ترضي ادعاءات منافسة؟ وبعبارة أخرى، إلى أي مدى تُستخدم هذه المعلومات كأدلة؟ لقد لاحظ بيتر إيوِل (٢٠٠٢م) أنَّ للأدلة خمس سمات مميزة:

(٥) الأدلة قصدية وهادفة

تُستخدم الأدلة لِتَمتين حُجة. وكما هو الحال في المحكمة، فإنَّ الأدلة تُقدَّم لإثبات صحة الادعاء. وكتاب الوقائع الذي تقدِّمه كلية ما ليس بحد ذاته، دليلًا، في حين أنَّ دراسة الطلاب المنتسبين إلى الكليَّة أو المسجَّلين فيها، والتي لا بدَّ لها أن تُظْهِر تغيُّر سمات الطلاب بمرور الوقت، هي دليل. والأدلَّة سياقية على الدوام بالنسبة للحُجج التي تُقدَّم.

(٦) لا تغدو الأدلةُ أدلةً إلا نتيجة للتأويل والتفكير

كما يلاحظ إيوِل، فإنَّ الأدلة لا تتكلم من تلقاء ذاتها، بل تقتضي قيام محاولة لاستخراج معنى من المعطيات، وتبيان كيف تفضي الأدلة إلى فهم أفضل لقضيةٍ أو ظاهرة معينة.

(٧) الأدلة متكاملة وتشكِّل كلًّا واحدًا

لا يكون لأجزاء المعطيات المفردة معنى إلا ضمن سياق القضية الأوسع. هكذا، يكون الكلام على مجموع الأدلة، أو على وزنها مجتمعة. وقد تَتخذ الأدلة المتعلقة بالنوعية في القسم الأكاديمي أشكالًا كثيرة، لكن هذه الأشكال جميعها تحتاج لأن تتساند وتتماسك لكي تدعم الادعاء المطروح.

(٨) يمكن للأدلة أن تكون كمية ونوعية على حد سواء

ليس لنمط من الأدلة أن يكون متفوقًا بطبيعته على أيِّ نمط آخر: فذلك كلُّه يتوقَّف على كيفية استخدام هذه الأدلَّة. فالأرقام يمكن أن تكون مفيدة تمامًا في قطع الطريق على التفكير الخادع والبلاغة الغامضة، ويمكن للنص أن يكون بالغ الإفادة في حكاية قصة برنامج ما ومساعدة القراء على إقامة صِلاتٍ بينه وبين أوضاعهم الخاصة.

(٩) يمكن للأدلة أن تكون إما مباشرة أو غير مباشرة

في بعض الأحيان لا يكون من المعقول ولا من المرغوب فيه قياس النوعية على نحوٍ مباشر، وتكون القياسات البديلة أو الوكيلة أكثر فعالية. قد يحسب المرء، على سبيل المثال، أنَّ الفحص الشامل يشكِّل المصدر المباشر للأدلة على تعلم الطلاب الذين يختصُّون، غير أنَّ ضيق بؤرة هذا الفحص قد تخلق حاجة إلى القياسات غير المباشرة، مثل مجموعات الطلاب المركَّزة ومعدلات القبول الجامعي؛ بغية استكمال الصورة.

وباختصار، إذَن، تتحول المعطيات إلى أدلة عن طريق التأويل البشري؛ ولذلك فإنَّ تحديد ما يشكِّل دليلًا — أو الأهمُّ من ذلك، ما يمكن أن تكون المعطيات دليلًا عليه — هو عملية حكم من المستوى الرفيع. وذلك هو السبب في أنَّ المجموعة ذاتها من المعطيات كثيرًا ما يمكن استخدامها لاستخراج حُجج متناقضة. وعلى سبيل المثال، هل تشكل الدرجات المرتفعة التي ينالها خريجو الدراسات العليا في القسم دليلًا على نجاح هذا الأخير في تعليمه للاختصاصيين؟ أم أنها تنمُّ على انحياز القسم إلى إعداد الطلاب في الدراسات العليا، على حساب بقية الأمور؟ وإذا ما كانت المؤسسة شديدة الانتقائية أصلًا، فهل تنمُّ هذه الدرجات على أيِّ شيء يتعدَّى تلك التوقُّعات الكبيرة التي تكون سائدةً ومسيطرةً منذ القبول بأن يبدي هؤلاء الطلاب قدرة أكاديمية مميَّزة؟ والمسألة هي أنَّ الأدلة لا تتكلم من تلقاء ذاتها، شأنها شأن المعطيات. وما تفعله الأدلة الجيدة، أو ينبغي أن تفعله، هو أنها تُشرِك أعضاء القسم وسواهم في حوار مفيد ومُطَّلع حول ما يجري. ويمكن للمرء أن يتوقع في مثل هذه الحوارات بروز حقائق متعددة، فإذا ما أفضى ذلك بدوره إلى خلاف بنَّاء، كان الأمر حسنًا بالفعل.

ولقد كشفت دراسة تقويم الأقسام التي قامت بها بيو (وِرغِن وسوينغن، ٢٠٠٠م) عن عدد كبير من الأدلة التي تُستخدم في تقويم نوعية الأقسام، وهذا ما يشير إليه الجدول ٦-١.
جدول ٦-١: الأدلة المستخدمة في تقويم الأقسام.
مؤهِّلات الهيئة التعليمية الأصول/أوراق الاعتماد الأكاديمية
الشهرة على المستوى الوطني
مؤهِّلات المساعدين
القدرة على الاستجابة للحاجات/الفرص المستقبلية
انسجام مؤهِّلات الهيئة مع حاجات/أهداف القسم
فرص التطور لدى الهيئة
إنتاجية الهيئة التعليمية تمويل البحوث
منشورات الهيئة
جوائز البحوث
مكانة القسم على المستوى الوطني
العبء التدريسي
ساعات التدريس المعتمدة
توزيع معادل تفرُّغ الهيئة
الأطروحات التي يُقدَّم لها النصح، أو يتم ترؤسها
الطلاب تحت الإشراف
المساهمات الخدمية
الامتداد الأكاديمي
التعاون مع وحدات أو برامج أخرى
الكفاءة اتجاهات التكاليف والمصروفات على مستوى الوحدة
معادل تفرُّغ الهيئة/معادل تفرُّغ الطلاب
ساعات التدريس المعتمدة/معادل تفرُّغ الهيئة
الإيرادات/ساعات التدريس المعتمدة
الإيرادات/المصروفات
الميزانية الجارية/معادل تفرُّغ الهيئة
الإنفاق على البحث/معادل تفرُّغ الهيئة
دعم الدولة/الميزانية الكلِّية
نوعية المنهاج عمليات التخطيط
آليات التحكم بالنوعية
أهداف التعلم
متطلبات الاختصاص أو الدراسات العليا
انسجام المقررات مع أهداف المنهاج
تنسيق المقررات
النماذج اللازمة كشرط أساسي
التوازن بين العمق والاتساع
نسبة المقررات المشتملة على تعلُّم فاعل
انسجام الأقسام المتعددة في المقرر
توفُّر المواد الاختيارية
إجراءات النصح والإرشاد
نوعية التعليم عمليات تقويم التدريس والإرشاد
المشاركة في التدريس التعاوني
حجم الصَّف
الابتكار التعليمي
خصائص خلاصات المقررات
استراتيجيات الارتقاء بالتعليم الفاعل
إجراءات وضع المقاييس الأكاديمية
تبني التكنولوجيات المعلوماتية
نوعية الطلاب اختبار SAT عند القبول، أو ACT، أو GRE
استراتيجيات التسجيل والقبول
معدَّلات القبول
الدعم المالي لطلاب الدراسات العليا
التنوع الديمغرافي
إنتاجية الطلاب نماذج التسجيل
عدد الذين يختصُّون
عدد المنقولين إلى مستوى أعلى
واجبات الطلاب
جهد الطلاب
الاحتفاظ/درجات التخرُّج
الدرجات التي نالت مكافآت
زمن الحصول على درجة مشاركة الطلاب
في نشاطات القسم
نتائج التعلُّم عمليات تقويم التعلُّم
تطور الطلاب المعرفي
رضا الطلاب
تصنيف الدرجات أو الشهادات
التمكُّن من المهارات العامة
إنجازات الطلاب
إنجاز الأهداف المطلوبة في مجالات التخصص
الأداء في مقررات الذروة
تعيين الطلاب (في وظائف)
رضا المستخدِم
رضا الخريجين الأداء في امتحانات الإجازة/الشهادة، واختبارات المستوى
نسبة الطلاب الذين يدخلون الدراسات العليا
كفاية الموارد التسهيلات المخبرية/الحاسوبية
مكاتب أعضاء الهيئة التعليمية
غرف الصف
الهيئة الداعمة، عددها ومؤهلاتها
طاقة الاستيعاب
المساهمات في رسالة/أولويات المؤسسة رسالة/رؤية القسم
تميُّز القسم
أهميته بالنسبة للمؤسسة
توفُّر البرنامج ذاته في أمكنة أخرى
العلاقة مع البرامج الأخرى
المساهمة في التطور الاقتصادي، وسواه من المنافع الاجتماعية
الخدمة المقدَّمة لغير الطلاب الذين يختصُّون، التعليم المستمر
التلاؤم مع الخطة الاستراتيجية
مطالب الطلاب
مطالب المستخدِمين
(مُستَمد من ج. ف. وِرغِن وج. ن. سوينغن، تقويم الأقسام،٢٠٠٠م)

ثَمة أكثر من ١٠٠ معيار مستقل. وعلى النقيض من الحكمة التقليدية، يكفي التفحُّص السريع لهذا الجدول كي نتبيَّن ما فيه من توزُّع متساوٍ وعادل بين معايير الدخل (مؤهلات الهيئة، المعادل التفرغي)، والعملية (نوعية المنهاج، واجبات الطلاب)، والخَرج (منشورات الهيئة التعليمية، تعلُّم الطلاب). غير أننا حين نمعن النظر في معايير العملية، نجد أنَّ قلة منها هي التي تتعلَّق بالكيفية التي يمكن مت خلالها للقسم أو البرنامج أن يرتقي بتعلم الطلاب والهيئة التعليمية وبنمائهم وتطورهم. ومع أنَّ التحسين المتواصل هو واحد من الأهداف القيِّمة والمهمة، إلا أننا لا نكثر من تقويمه (ومكافأته، تاليًا). ويبقى أنَّ هذا الجدول يقدِّم، على الأقل، قَدرًا كبيرًا من المعطيات التي يمكن أن تكون مفيدة. وما من مؤسسة تجمع — أو ينبغي أن تجمع — كلَّ هذه المعطيات، مع أننا وجدنا أنَّ معظم المؤسسات قد توفَّرت لها معظم مصادر الأدلة هذه. وهكذا يغدو السؤال المطروح هو كيف نأخذ المعلومات الخام التي لم يسبق تأويلها ونحوِّلها إلى أدلة مفيدة؟

(١٠) الحكم على نوعية الأدلة

على الرغم من الواقعة الفعلية التي مفادها أنَّ ما من سياسات خاصة بمراجعة البرامج المؤسساتية تشتمل على إرشادات يمكن استخدامها في الحكم على صحة الأدلة؛ إلا إنَّه تبقى هنالك إرشادات تتعلق بالنوعية. وكما سبق أن أشرت، فإنَّ الإجابة عن أيِّ سؤال يتعلق بصحة الأدلة يتوقَّف على مدى تلاؤم الأدلة مع السياق: فتقويم نوعية الطلاب بحساب معدلات القبول يكون مناسبًا للجامعة الوطنية الانتقائية أكثر من الجامعة المحلية الشاملة بكثير، وإذ نضع ذلك في الأذهان؛ فإنَّ المؤسسات وأقسامها ينبغي أن تكون قادرة على أن تتفحَّص باحتراس تلك الأدلة التي تستخدمها في تقويم البرامج وإطلاق الأحكام عليها. وثمة إطار متوفِّر أصلًا لذلك، هو مقاييس تقويم البرامج (الطبعة الثانية) (لجنة مشتركة، ١٩٩٤م). فعلى الرغم من أنَّ هذه المقاييس كانت قد وُضعَت لتغطي أشكال التقويم التعليمي جميعًا، إلا إنَّ معظمها مناسب لتقويم برامج التعليم العالي. وهي مقاييس مُصنَّفة في أربعة أصناف، هي التالية بعد إعادة صياغتها:
  • (١)
    مقاييس النفعية: والمقصود منها أن تضمن خدمة معطيات التقويم حاجات المساهمين في البرنامج.
  • (٢)
    مقاييس إمكانية التنفيذ: والمقصود منها أن تضمن أن يكون التقويم واقعيًّا، متبصِّرًا بالعواقب، دبلوماسيًّا، ومقتصدًا حسن التدبير.
  • (٣)
    معايير اللياقة: ويقصد بها أن تضمن أن يُجرى التقويم بصورة صحيحة، وأخلاقية، وباحترام واجب لأولئك الذين تؤثِّر عليهم نتائجه.
  • (٤)
    مقاييس الصواب: ويُقصَد منها أن تضمن أن ينقل التقويم معلومات صائبة تقنيًّا عن البرنامج.
ومقاييس الصواب هي تلك المقاييس التي تتناول الأسئلة المتعلقة بصحة المعطيات. وأحد مقاييس الصواب هذه، مفاده أنَّ إجراءات جمع المعلومات ينبغي أن تُطوَّر بطرائق تضمن أن تكون تأويلات المعطيات صحيحة بالنسبة للاستخدام المُرَاد. فالمعايير والأدلة ليست بطبيعتها صحيحة أو غير صحيحة، والأحرى أنَّ الصحة «تتوقَّف بكلِّ ما للكلمة من معنى على الأسئلة المطروحة، والإجراءات المُستخدَمة، وشروط جَمع المعطيات … وخاصةً على تأويل النتائج» (١٩٩٤م، ص١٤٦). ويطرح إيوِل (٢٠٠٢م) خمسة مبادئ للأدلة الجيدة، مشابهة لتلك التي عممتها «اللجنة المشتركة»:
  • (١)
    الصلة: فالأدلة «مرتبطة على نحوٍ واضح بالادعاء المطروح … بما في ذلك ما يُفترض بأيِّ معلومات تُقدَّم أن تكون دليلًا عليه» (ص٨-٩)
  • (٢)
    إثبات الصحة: توفُّر معلومات كافية تسمح لآخرين بالتعاون المستقل.
  • (٣)
    التمثيل: فالأدلة «نمطية بالنسبة لوضع أو شرط أساسي وليست أمرًا معزولًا» (ص١١).
  • (٤)
    التراكم: فصدقية الأدلة تتحسَّن باستخدام مصادر متعددة.
  • (٥)
    إمكانية اتخاذها أساسًا للفعل: فالأدلة توفِّر «مرشدًا نوعيًّا للفعل والارتقاء … والأدلة المقدَّمة [ينبغي أن] تُحلَّل تأمليًّا وتؤوَّل للكشف عن تطبيقاتها النوعية» (ص١٣).

(١١) إرشادات للحكم على نوعية الأدلة

إذا جمعنا معًا هذين المصدرين من مصادرة الحكمة الخاصة بتقويم نوعية المعطيات من حيث كونها بيِّنات واضحة، نجد أنَّ الإرشادات التالية هي التي تتوفَّر لنا:
  • (١)

    تَطلَّع إلى الانسجام بين الأدلة الممكنة وقيم البرنامج وأهدافه. واحصل على الأحكام التي يطلقها المساهمون في البرنامج (الهيئة التعليمية، المديرون، الطلاب) بخصوص صدقية الأدلة.

  • (٢)

    حدِّد أسباب اختيار المعطيات التي ستُستخدم كأدلة، وبيَّن الصلة بين الأدلة والأسئلة والقضايا المطروحة. تجنَّب اختيار معلومات لمجرد أنها يمكن أن تُحدَّد كميًّا أو لمجرَّد أنها متوفِّرة أصلًا.

  • (٣)

    احترس بصورة خاصة حين تتبنَّى أدوات جديدة أو أدوات سبق تطويرها لأغراض أخرى. لا تستبعدها، ولكن أشِر إلى أنَّ هذه الأدوات هي أدوات للاستكشاف وينبغي تأويلها بحذر وضمن حدود سياقية محددة جيدًا.

  • (٤)

    اجمع الأدلة باستخدام مصادر معطيات متعددة، ولكن قُم بذلك بطريقة مقتصدة وقويمة قدر الإمكان.

  • (٥)

    قوِّم شمولية الأدلة كمجموعة، بالارتباط مع المعلومات التي تحتاجها للإجابة عن مجموع أسئلة التقويم. اسأل: «هل ستفضي لنا هذه المعلومات بما نحتاج لأن نعرفه؟».

  • (٦)

    هيئ للإجابة عن سلسلة من الأسئلة التي تبدأ ﺑ «ماذا لو؟»: «ماذا سنفعل لو بيَّنت الأدلة …؟».

(١٢) الحكم على نوعية الأدلة: مثال

إليكم هذا المثال عن الكيفية التي يمكن بها للقسم أن يحدِّد الأدلة التي تناسب أسئلته التقويمية.

سبق لقسم الفرينولوجي (علم فراسة الدماغ)، وعلى مدى سنوات، أن حدَّد الخدمة المدنية كواحدة من أولوياته العليا، انسجامًا مع دوره كقسم أساسي في جامعة مدينية شاملة. وقد اتخذ ذلك هيئةَ مقررات لتعلُّم الخدمة، تشغل الآن ٢٠٪ من المنهاج الدراسي، وموضوعات خدمة اختصاصية، وأبحاث مشتركة مع هيئات مجتمعية. ومع أنَّ هنالك كثير من الأدلة التي تُروى عن أنَّ استراتيجية المشاركة هذه تعمل عملها، فقد بقيت هنالك أسئلة عما إذا كان الأمر يستحق كلَّ هذا الجهد. وكانت عناية أعضاء الهيئة التعليمية الشابَّة مركَّزة بشكل خاص على أن يعمل التزامهم بالمشاركة على التعجيل بترقيتهم وتثبيتهم، مع أنَّ سجلهم قد يكون فقيرًا من حيث الأدلة التقليدية على الجدارة (كالمنشورات المُحكَّمة)؛ ولذلك فقد كان السؤال التقويمي المركزي المطروح على القسم هو: «كيف يمكن لنا أن نعلم أننا فعالون في مشاركتنا المجتمعية؟» وقد أفضت الجلسة النقاشية الأولى إلى اتفاق على أنَّ الضروب التالية من الأدلة تدلُّ على الفعالية (أو غيابها) (غيلمون،١٩٩٧م):
  • رضا الطلاب عن المشاركة.

  • رضا المجتمع عن المشاركة.

  • الصلات بين البحث المجتمعي والأجندات العلمية والمنشورات، والتقدِمات، والمنح الناجمة عن ذلك.

  • التغيرات في السياسة أو في الممارسة الاختصاصية والتي يمكن ردُّها إلى نشاطات هذه المشاركة.

وحين سُئل أعضاء الهيئة التعليمية: «هل تفضي لنا هذه المعلومات بما نحتاج لأن نعرفه؟»، تبيَّن أنَّ من العسير تبيان الفعالية دون إضافة ما يلي إلى القائمة:
  • نتائج تعلُّم الطلاب انسجامًا مع أهداف المنهاج الدراسي.

وحين نظر أعضاء القسم فيما يمكن أن يفعلوه بالأدلة التي جمعوها، أدركوا أن المعطيات الواردة أعلاه لن توفِّر وحدها أكثر من بضع إرشادات تتعلق بما ينبغي الحفاظ عليه، أو تحسينه، أو تغييره، ولذلك أُضيف إلى القائمة ما يلي:
  • طبيعة المشاركة التي تم التفاوض عليها بين القسم وشركائه في المجتمع، بما في ذلك نماذج المشاركة، وأنواع النشاطات التي يتم القيام بها، ومصدر وطرائق المبادرة إلى الاتصال.

ثم نظر القسم بعد ذلك في الشكل الذي ينبغي أن تتخذه الأدلة. فالمعطيات الخاصة بالنتائج البحثية كانت متوفرة مسبقًا ولا تحتاج إلا لجمعها معًا وإعطائها قوامًا محدَّدًا. والمعطيات الخاصة برضا الطلاب وتعلُّمهم كانت متاحة أيضًا، ولو بصورة جزئية، من خلال عمليات المسح في نهاية المقررات ومشروعات المقررات، على الرغم مما ظهر عند التأمل السريع من أن هذه الأمور لا تكفي كأدلة، ولذلك قرر القسم أن يطلب من الطلاب إعداد مقالات عن تجاربهم مع مناهج تعلُّم الخدمة. أما أصل المشاركة ونماذجها، فضلًا عن درجة رضا الشركاء في المجتمع وتأثير عمل القسم عليهم، فكان من الضروري تحديدها من خلال مسح وجيز وبعض المقابلات المنتقاة (انظر بولامبا وبانتا، ١٩٩٩م) وتعزيز ذلك بمراجعة للوثائق.

وهكذا جمع القسم أدلته. فماذا بعد؟

سوف أناقش في الفصل التالي كيف نضفي معنى على ما تعلمه هذا القسم.

المراجع

  • American Association of University Professors, (1940, 1995), AAUP policy document and report, Washington, DC: author.
  • Ewell, P. (2002), Evidence guide: A guide to using evidence in the accreditation process, Alameda, CA: Western Association of Schools and Colleges.
  • Ferren, A. S., & Slavings, R. (2000), Investing in quality: Tools for improving curricular efficiency, Washington DC: Association of American Colleges and Universities.
  • Gelmon, S. B. (1997), International improvement: The deliberate linkage of assessment and accreditation, Presentation to the 1997 AAHE Conference on Assessment and Quality, Washington, DC: American Association for Higher Education.
  • Joint Committee on standards for Educational Evaluation, James R. Sanders, Chair, (1994), The program evaluation standards: How to assess evaluations of educational programs, Thousand Oaks, CA: Sage.
  • Palomba, C. A., & Banta, T. W. (1999), Assessment essential: planning, implementing, and improving assessment in higher education, San Francisco, CA: Jossey-Bass.
  • Patton, M. Q. (1997), Utilization-focused evaluation: The new century text, Thousand Oaks, CA: Sage.
  • Wergin, J. F., & Swingen, J. N. (2000), Departmental assessment: How some colleges are effectively evaluating the collective work of faculty, Washington, DC: AAHE.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤