الفصل الخامس

الطاقة المتجددة

من بين العديد من التعميمات بشأن الطاقة التي أكدنا عليها في الفصل الثالث، ثمة نقطتان وثيقتا الصلة على نحو خاص بموضوع مصادر الطاقة المتجددة؛ أولًا: كل صورة من صور الطاقة المتنوعة يمكن أن تتحول إلى صورة بديلة، وثانيًا: كل الصور المتوفرة لدينا تأتي أصلًا من أشعة الشمس. وهذا يعني أنه بمنح بعض الاهتمام للمقاييس الزمنية الجيولوجية، فإن الطاقة كلها طاقة شمسية.

إذن، ما هي السمة المميزة التي تسمح لنا بوصف بعض أشكال الطاقة بأنها متجددة؟ لا يتصل الأمر بالمصدر الأساسي إلا بصلة ضعيفة، وإنما يتعلق بالنطاق الزمني للتجدد. إذا كان الوقت اللازم للتحوُّل يُقاس بالساعات أو الأيام أو الأشهر — مدة زمنية قصيرة بالنسبة لأعمار البشر — نعتبر المصدر متجددًا. من ناحية أخرى، إذا كان الوقت اللازم طويلًا عندما يُقاس من واقع خبراتنا، فإننا نصنف المورد على أنه غير متجدد. ومن ثَم، بما أن تكوين الوقود الحفري يحدث على مدى دهور من العصور الجيولوجية، فهو غير متجدد، في حين أن نمو النبات عن طريق التمثيل الضوئي والتغيرات في الرياح أو المد والجزر تُصنف في عداد الموارد المتجددة؛ لأن تحوُّلات أشعة الشمس إلى هذه الأشكال تحدث في غضون ساعات أو أيام أو شهور.

هذا الفهمُ لما هو متجدد أو غير متجدد مهمٌّ باعتباره إطارًا لتقييم بعض الدعوات بتصنيف موارد على أنها متجددة عندما يكون التحرك ذا دوافع سياسية و/أو اقتصادية. وبحلول منتصف عام ٢٠٠٩، كانت ٢٨ ولاية أمريكية، إضافة إلى مقاطعة كولومبيا، قد حددت حصصًا تُلزم شركات توفير الكهرباء بأن تكون نسبة مئوية من مبيعات الطاقة أو السعة المركبة قادمةً من الموارد المتجددة.1 ولتقديم حوافز اقتصادية توجد إعفاءات ضريبية فيدرالية ومِنح وقروض جديدة ممتدة متاحة لتلك التجهيزات التي تندرج تحت مسمى متجددة. وثمة فوائد إضافية ترافق هذه التسمية؛ هي «أرصدة الطاقة المتجددة» التي يمكن أن تصبح قابلة للبيع إذا أصبحت المعايير الوطنية المقترحة قانونًا.

مع وجود مليارات من الدولارات على المحكِّ، تضغط جماعات الضغط على المشرِّعين لتوسيع حدود التعريف، وتمكَّنَتْ في بعض الولايات من تضمين مصادر للطاقة مثل نفايات الفحم وغاز الميثان المستخرج من مناجم الفحم والإطارات القديمة باعتبارها مصادر متجددة، وتوجد ضغوط أخرى على المشرِّعين من أجل اعتبار حرق القمامة عملية متجددة، والبعض يريد تضمين الطاقة النووية تحت هذا المسمى. وبتذكر أن الغرض من الانتقال للطاقة المتجددة هو الحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من خلال تقليل اعتمادنا على الوقود الحفري، فإن هذا الفصل سيتبنى نظرة أضيق إلى ما ينبغي اعتباره من الطاقة متجددًا. ونستثني نفايات الفحم والميثان المستخرج من مناجم الفحم والوقود النووي؛ إذ إنها تأتي من مورد محدود، ويمكن القبول بالقمامة والإطارات المعاد تدويرها بقدر ما يتبين في الواقع أنها إمدادات مستمرة ويمكن الاعتماد عليها. سينصبُّ تركيزنا في الأجزاء التالية على الجوانب الفنية والتخطيطية للانتقال من وضعنا الحالي.

ينبغي للمرء أن يسأل أولًا: أين نقف اليوم؟ مرة أخرى نتوجه إلى بيانات وزارة الطاقة2 للحصول على إجابة، وكما هو موضح في الشكل ٥-١، يُصنَّف ٧٪ فقط من استهلاك الطاقة كله في الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٧ بأنه من مصادر متجددة. ويمكن تقسيم هذه الشريحة الصغيرة نسبيًّا من الدائرة لمزيد من الأقسام الفرعية: تمثِّل مصادرُ الكتلة الحيوية التي تشمل الخشب وكذلك النفايات أكبرَ مساهمة (٥٣٪)، وتليها الطاقة الكهرومائية (٣٦٪)، ويبقى ١٠٪ فحسب لجميع مصادر الطاقة المتجددة التي تُعزَى إلى الرياح ومصادر الطاقة الحرارية الأرضية، وفقط ١٪ لتحويل الطاقة الشمسية إلى حرارة وكهرباء.
fig16
شكل ٥-١: استهلاك الطاقة المتجددة في الولايات المتحدة لعام ٢٠٠٧ (المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية، إدارة معلومات الطاقة، مكتب الفحم والطاقة النووية والكهربائية والوقود البديل).
يختلف التوزيع نوعًا ما إذا تحول الانتباه إلى الاستخدام العالمي.3 فالطاقة الكهرومائية هنا أكثر هيمنة؛ إذ تمثل حوالي ٦٦٪ من إجمالي الطاقة المتجددة على مستوى العالم، وحرق المواد ذات الأصل البيولوجي والمحاصيل المخمرة إلى كحول ينتج نحو ٢٢٪، أما طاقة الرياح فتنتج حوالي ٥٪. وعلى المستوى العالمي ينتج تحويل الإشعاع الشمسي إلى طاقة مفيدة ٧٪، وهي زيادة ملحوظة عن الجزء الضئيل المذكور في بيانات الولايات المتحدة. وثمة مخطط أعمدة يقارن هذه المقادير في الشكل ٥-٢؛ حيث ضُمنت مصادر الطاقة الحرارية الأرضية أيضًا للمقارنة. ويتم الحصول على الطاقة الحرارية الأرضية من خلال الاستفادة من حرارة الماء الساخن والبخار تحت السطح، لكنها ليست متجددة بالمعنى الحرفي؛ لأن مصادرها مستودعات محدودة يمكن أن تنفد في النهاية. وعلى نفس المنوال، الطاقة النووية التي تعتمد على الانشطار النووي ليست متجددة؛ لأن اليورانيوم مورد محدود. والمواد البيولوجية بالتأكيد متجددة في كل دورة نمو، مع أن احتراقها في نهاية المطاف يعيد إلى الغلاف الجوي ثاني أكسيد الكربون الذي استُخرِج ليساعد على النمو.
fig17
شكل ٥-٢: الطاقة المتجددة في العالم لعام ٢٠٠٩ (المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية، سجل بيانات الطاقة المتجددة لعام ٢٠٠٨).

(١) الطاقة الكهرومائية

إن استخدام النواعير لحصد الطاقة المتدفقة في الجداول والأنهار ومساقط المياه أمر يعود إلى زمن بعيد في الواقع، وكانت هذه النواعير مستخدمة في الولايات المتحدة حتى وقت متأخر من القرن التاسع عشر حتى حَلَّت محلها المحركات البخارية والمحركات الكهربائية. وفي الوقت الراهن عادة ما يُحبس تدفق المياه خلف سدود كبيرة، ويُطلق بطريقة خاضعة للسيطرة لتشغيل توربينات متصلة بمولدات كهرباء. عادة لا تتحقق المقدرة الكاملة للسد (التي تُسمَّى القدرة)؛ لأن إطلاق المياه تحكمه قيود مضافة متعلقة بالإمدادات والصيانة واحتياجات الري، ويُطلَق على جزء القدرة الذي يُستخدَم فعليًّا «مُعامل الحمل»، ويُعبَّر عنه بنسبة مئوية. ويوضح الجدول ٥-١ القدرة والإنتاج الفعلي للطاقة لتسع دول هي أكبر منتجي الطاقة الكهرومائية، ويبلغ مجموع القدرات في الجدول ٥٤٢ جيجاواط، ولكن هذا المجموع ليس كل ما يمكن استخراجه على مستوى العالم من طاقة المياه، وتُبنى حاليًّا السدود في أماكن كثيرة حول العالم لزيادة الإمدادات. ويبلغ أحد التقديرات للقدرة الإجمالية المحتملة حوالي ٣٠٠٠ جيجاواط.
يوجد أكبر معدل نمو في الطاقة الكهرومائية في الوقت الراهن في الصين؛ حيث سيكون مشروع «سد الممرات الثلاثة» الأكبر في العالم. وأيضًا في الصين، يُعَدُّ سد زياوان الذي اكتمل بناؤه مؤخرًا أطول سد في العالم مع قدرة تخزين مياه مساوية لجميع خزانات جنوب شرق آسيا مجتمعة، وهذا السد هو واحد من ثمانية سدود تحت الإنشاء على النصف الأعلى من نهر ميكونج. وفي الوقت نفسه، بدأت لاوس بناء سلسلة من ٢٣ سدًّا من المأمول الانتهاء منها بحلول عام ٢٠١٠ على الجزء الأدنى من النهر ذاته، وقد أعربت دراسة حديثة للأمم المتحدة عن مخاوف من أن التغيرات المصاحبة في تدفق النهر سوف تؤثر على التنوع البيولوجي وتلحق أضرارًا بالنظام الإيكولوجي الذي يُعَدُّ موطنًا لعشرات الطيور النادرة والأنواع البحرية الصالحة للأكل.4

وسواء نظر المرء إلى التكاليف البشرية للسكان المشردين أو انتبه إلى العواقب الإيكولوجية لبناء السد، فإنه يجب مقارَنة الآثار السلبية مع البدائل. فمع التخفيف الملائم لأسوأ العواقب، ربما تستحق السدود هاتين التكلفتين إذا قورنتا بالتكاليف التي سيدفعها العالم لزيادة محطات توليد الكهرباء التي تعمل بالفحم في ظل التصنيع السريع النمو، ولا ينبغي أن يكون الكمال المثالي عدوًّا للتحسن المحدود.

جدول ٥-١: قدرة توليد الطاقة الكهرومائية لكلِّ بلد.
البلد القدرة جيجاواط معامل الحمل نسبة مئوية الإنتاج الفعلي جيجاواط
الصين ١٤٥ ٣٧٪ ٥٤
كندا ٨٩ ٥٩٪ ٥٣
البرازيل ٦٩ ٥٦٪ ٣٩
الولايات المتحدة الأمريكية ٨٠ ٤٢٪ ٣٤
روسيا ٤٥ ٤٢٪ ١٩
النرويج ٢٨ ٤٩٪ ١٤
الهند ٣٤ ٤٣٪ ١٥
اليابان ٢٧ ٣٧٪ ١٠
فرنسا ٢٥ ٢٥٪ ٦

(٢) الوقود الحيوي

توجد عدة فئات فرعية رئيسية من العمليات التي تنتج منتجات تندرج تحت مسمى الوقود الحيوي، وربما استُخدمت النباتات الخشبية من المواد المعروفة والمستخدمة منذ فترة طويلة مثل المحاصيل الزراعية والأشجار التي تُزرَع لهذا الغرض، أو بقايا الغابات والحقول وذلك بوصفها موادَّ خامًا. واقترح أيضًا لهذا الاستخدام زراعة محاصيل جديدة مثل الثمام العصوي الذي يمكن زراعته في الحقول غير المستخدمة، أو زراعة الطحالب في أحواض اصطناعية. وأيًّا كان المصدر المحدد، فإن أبسط طرق المعالجة التكنولوجية هي الاحتراق الخاضع للسيطرة في الفرن؛ فيَنتج عنه منتَج غازي ساخن (يتألف في الأساس من البخار وثاني أكسيد الكربون، ويصاحب ذلك النيتروجين من الهواء المستخدم للاحتراق) يمكن استخدامه لتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء بطريقة تقليدية. ومع ذلك، هذه الطريقة لا تنتج الوقود السائل اللازم لاستخدام وسائل النقل، كما أنها لا تقلل من عبء غازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

ولتصنيع وقود سائل قابل للاحتراق فإن المواد النباتية يمكن أن: (١) تُعالج كيميائيًّا و/أو تخمر لإنتاج الكحوليات، أو (٢) تُحوَّل كيميائيًّا و/أو تحفيزيًّا إلى هيدروكربونات شبيهة بوقود الديزل. وأول هذه البدائل يُستخدَم بالفعل على نطاق واسع، وتؤكِّد المؤشرات على أن أهميته ستستمر لعدة سنوات قادمة، وهذا يشمل زراعة الذرة وقصب السكر لغرض واضح، وهو تحويلها إلى إيثانول كمادة تضاف لوقود البنزين. ويشمل أيضًا هدفًا بعيد المدى وهو تحويل النباتات السليلوزية غير المخصصة للتغذية إلى هذا الوقود. السليلوز سكر مركب وهو أحد المكونات الرئيسية في جميع النباتات النامية تقريبًا، ولكنه لا يتخمر بسهولة، بل يجب تحليله أولًا بالوسائل الكيميائية أو الإنزيمية لإنتاج السكريات البسيطة التي يمكن بعد ذلك تحويلها إلى كحول.

التحويل البيولوجي للمحاصيل إلى وقود معروف منذ أبحاث وايزمان، الذي كان قادرًا على إنتاج الكحول البوتيلي (بوتانول) والأسيتون اللَّذين كانت بريطانيا العظمى في حاجة ماسَّة لهما خلال سنوات الحرب العالمية الأولى. مع ذلك، كان أسلوب الإنتاج غير مربح، عندما انحسرت الحاجة، وتُركت هذه العملية. في الآونة الأخيرة، تدرس شركة بريتش بتروليوم وشركة دوبونت صورة محدَّثة من هذه العملية لإنتاج الوقود الذي تطلقان عليه «بَيوبوتانول».5 وتأمل الشركتان أن تبدآ الإنتاج على نطاق واسع بحلول عام ٢٠١٣، مع أن هذا قد يكون توقعًا مبالِغًا في التفاؤل.
والعمليات المستخدمة فعليًّا، المعتمدة على تخمير الذرة أو السكر، حساسة للغاية تجاه الاحتياجات السياسية الوطنية والتداعيات الدولية، وتقدم أمثلة ممتازة على التفاعل المكثف بين التطوير التقني والفوائد الاقتصادية للأطراف المعنية والقرارات السياساتية. وفي البرازيل، حيث البترول غالي الثمن والسكر رخيص، كان تخمير قصب السكر — ولا يزال في الوقت الراهن — هو أساس صناعة البنزين. وفي الولايات المتحدة، أسهم الإيثانول المصنوع من الذرة بحوالي ٩٪ من السوق المحلية للوقود السائل في عام ٢٠٠٩، وتزداد النسبة المئوية من أجل الوفاء بمعايير الوقود الفيدرالية التي تنص على الزيادة من ٩ مليارات جالون في ٢٠٠٨ إلى ٣٦ مليار جالون بحلول ٢٠٢٢.6 واستباقًا للحاجة إلى تلبية المتطلبات الجديدة، دخلت العديد من شركات النفط الكبيرة هذا المجال، على سبيل المثال اشترت شركة سونوكو مصنعًا قائمًا من المتوقع أن يقدِّم ٢٥٪ من الإيثانول اللازم للتحويل إلى البنزين.7
سواء كانت العملية تبدأ بشراب قصب السكر أو شراب الذرة، فإن عملية التخمر من الناحية الفنية متطورة ومدعومة في الولايات المتحدة من خلال مِنح فيدرالية للمزارعين ومعامل التكرير، والاستفادةُ من الوقود الحيوي التي يجب السعي وراءها قبل كل شيء هي الاعتمادُ على المزارع المحلية لتحل محل النفط المستورد، ولكن كان هذا الهدف موضع جدل منذ طَرَحَ بيمنتل وباتزك تساؤلات حياله.8 فدرس هذان المؤلفان الطاقة المستخدمة في: (١) زراعة المحصول. (٢) تشغيل الآلات الزراعية. (٣) الري وتشغيل الآلات ونقل المحاصيل. (٤) أخيرًا، تخمير وتقطير الإيثانول من المزيج المائي؛ وخلصا إلى أن الطاقة المستخدمة في إنتاج الإيثانول بهذه الطريقة أكبر من الطاقة التي ينتجها الإيثانول كوقود. قدمت الحجج المضادة القوية من قِبَل ممثلي الصناعة وتقارير وزارة الزراعة الأمريكية ومختبر أرجون الوطني استنتاجًا معاكسًا، وألقت باللوم في هذا التناقض على استخدام بيمنتل لبيانات عفى عليها الزمن لا تعكس الوضع الحالي.
تنقسم الانتقادات الرئيسية لهذا الارتباط بالإيثانول إلى شقين: الأول هو أن استخدام الذرة الواسع النطاق لإنتاج الوقود تسبَّبَ في ارتفاع أسعار الذرة على نحو كبير، مما أضَرَّ جميع المستهلكين وخاصة الفقراء في أجزاء أخرى من العالم الذين يعتمدون على الصادرات الغذائية من الولايات المتحدة. والشكوى الثانية هي ثمرة ارتفاع الأسعار، التي جعلت المزارعين في مختلف أنحاء العالم يحولون المراعي والغابات إلى أراضٍ لإنتاج المحاصيل. وتطرح ممارسات إزالة الغابات تلك كميات كبيرة من غازات الدفيئة في الجو، كما أزالت التغيرات في المناظر الطبيعية بعضَ مصارف ثاني أكسيد الكربون النَّشِطة للغاية التي يعتمد العالم عليها في كل موسم نمو. يشير أحد التقديرات9 إلى أن انبعاثات الكربون التي تنتج عن إزالة الغابات الاستوائية في أماكن مثل البرازيل وإندونيسيا والكونغو مسئولة الآن عن ١٧٪ من جميع الانبعاثات العالمية التي تسهم في تغير المناخ.
تشير حسابات سيرشيجر10 إلى أن حرق إيثانول الذرة كوقود يُنتج ضِعف انبعاثات غازات الدفيئة التي يُنتجها البنزين الخالي من الكحول، إذا ما أُدرِجت الانبعاثات الناتجة عن تحويل الأراضي في الحسابات. ويرى أنه لا توجد فائدة في استخدام الوقود الحيوي عندما تُدرَج التكلفة الكاملة الواقعة على البيئة في عملية الحساب، وقُبِلَ هذا الموقف من قِبَل مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا،11 وهو المسئول عن تنفيذ معايير الوقود في ولاية كاليفورنيا، والتي تتطلب تخفيضًا بنسبة ١٠٪ في انبعاثات غازات الدفيئة من وقود النقل بحلول عام ٢٠٢٠. ومن المرجح أيضًا أن تدخل الحكومة الفيدرالية في هذا الجدل؛ إذ يقضي قانون عام ٢٠٠٧ من وكالة حماية البيئة أن تحسب «دورة حياة انبعاثات غازات الدفيئة» لمصادر الطاقة المتجددة.
للتحايل على بعض الصعوبات المرتبطة باستخدام المحاصيل الغذائية لإنتاج وقود سائل، يوجد بحث جارٍ سيستخدم المحاصيل غير الغذائية (أيِ المواد الأولية السليلوزية) كمواد خام لتصنيع الإيثانول أو لتشكيل مكونات أخرى للوقود؛ والهدف من ذلك هو إنتاج هذه المواد الأولية من المحاصيل المعمرة المزروعة خصوصًا لهذا الغرض، والموجودة على أطراف الأراضي، لمنع المنافسة مع الإنتاج الغذائي.12 ويدعم الخطواتِ في هذا الاتجاه القانونُ الأمريكي لعام ٢٠٠٧ الذي يقضي بإنتاج ١٦ مليار جالون من الإيثانول من السليلوز بحلول عام ٢٠٢٢، فضلًا عن توجيه الاتحاد الأوروبي الذي يقضي بأنه يجب أن يأتي ١٠٪ من إجمالي وقود النقل في أوروبا من مصادر متجددة بحلول عام ٢٠٢٠. وقد أدَّى تمرير الكونجرس لمشروع قانون المزارع الأمريكي لعام ٢٠٠٨ إلى المزيد من المعالجة لمسألة الوقود الحيوي، وإلى تقديم إعانات لإنتاج الإيثانول من السليلوز ووقود الديزل الحيوي تقدر بما يصل إلى دولار واحد للجالون لمعامل التكرير، و٤٥ دولارًا لطن الكتلة الحيوية للمزارعين. وانتهى هذا الخصم الضريبي الفيدرالي في بداية عام ٢٠١٠؛ مما جعل هذه العمليات أقل جاذبية من الناحية الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، توقَّفت كثير من الأسواق الخارجية عندما فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على جميع أنواع الوقود الحيوي.
الفئة الفرعية الثانية من عمليات إنتاج الوقود السائل — تلك التي تركز على الهيدروكربونات كهدف لها — لم تختبر حتى الآن على أيِّ نطاق خارج المختبر. والعمليات التي تجري حاليًّا دراستها كمرشحات للنشر على نطاق واسع13 تستند إلى مجموعة متنوعة من الخطوات الكيميائية التي تحوِّل الزيوت المستخرجة من النباتات أو الطحالب إلى مركبات مشابهة لتلك الموجودة في المنتجات البترولية، ويمكن استخدام هذه المنتجات كبنزين أو وقود ديزل أو وقود طائرات نفاثة، وهذا يتوقف على الظروف التفصيلية لخطوات التحويل. وخطط الأعمال الجارية، التي تستهدف تواريخَ بدايةً من ٢٠١١ حتى ٢٠١٦، تتطلب مصانع ذات قدرات إنتاجية تصل إلى ١٠٠ مليون جالون من الوقود سنويًّا بأسعار ستكون تنافسية عندما يبلغ سعر النفط ٦٠ دولارًا للبرميل. على سبيل المثال، أعلنت إكسون-موبيل عن نيتها لاستثمار ٩٠٠ مليون دولار على مدى ٥ سنوات لتطوير عملية لإنتاج الوقود السائل المكرر من الطحالب.

مع ذلك، يستند نوع مختلف آخر من هذه العمليات على التغويز الكيميائي في درجة حرارة عالية للمواد الخام لإنتاج غاز وسيط يُسمَّى «الغاز التركيبي»، بعد ذلك يعالج ما يُسمَّى بالغاز التركيبي (خليط من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون) لتشكيل الهيدروكربونات المطلوبة باستخدام المواد المحفزة. يمكن للمرء أيضًا أن يرى هذه العملية كأسلوب لتخزين جزء من الطاقة الكيميائية التي كانت موجودة في المواد الخام النباتية من خلال عملية التمثيل الضوئي؛ أولًا في صورة غاز تركيبي، ثم في صورة وقود هيدروكربوني. مع وضع هذا في الاعتبار، سوف نناقش ملامح هذه العملية بالتفصيل في الفصل السادس الذي يتناول تخزين الطاقة.

أيًّا كانت تفاصيل المعالجة، فإنه ينبغي أن يضاف في تقييم الفوائد المحتملة لاستخدام ما يُسمَّى «الكتلة الحيوية» كمادة خام أن أيَّ كتلة حيوية هي جسم صلب ضخم يحتوي على كمية كبيرة للغاية من المياه. والتكاليف النسبية للشحن والتجفيف سوف تحدُّ من معالجة النباتات التي ستكون قريبة من مصدر الكتلة الحيوية، ومن ثَم ستميل إلى تقييد مساحة (وكفاءة حجم) منشأة التصنيع.

الحجة التي قد تبدو الأكثر قوةً في الجدل الدائر حول بدائل الوقود الحيوي هي تلك التي قدَّمها بوضوح شديد كامبل ولوبيل وفيلد.14 وتناولوا مباشَرةً البديلين الحاليين لاستخدام الكتلة الحيوية: (١) التحويل إلى إيثانول لتشغيل المركبات ذات محركات الاحتراق الداخلي، أو (٢) التحويل إلى كهرباء لتشغيل السيارات المعتمدة على البطاريات الكهربائية. وقارنت تقييماتُ دورة الحياة مسافاتِ النقل وانخفاضات غازات الدفيئة التي ستتحقق من تخصيص مساحات الأراضي لأحد هذين الخيارين، وهو ما يمثِّل الطاقة اللازمة لزراعة المواد الأولية وتحويلها إما إلى كهرباء أو إلى إيثانول، وكذلك الطاقة اللازمة لتصنيع المَركبات والتصرف فيها. واكتشفوا أنه «يمكن للمرء أن يسافر باستخدام الكتلة الحيوية النامية على هكتار من الأراضي عندما يتم تحويلها إلى الكهرباء لمسافة أكبر مما يقطعها عندما يتم تحويل الكتلة الحيوية إلى إيثانول.» وتشير نتائج عملهم أيضًا إلى أن انبعاثات غازات الدفيئة تصبح أقل عند اتباع مسار التحويل إلى كهرباء وتفضيله عن مسار التحويل إلى كحول، حتى عندما تُسقط آثار استخدام الأراضي من الحسابات. وربما تنبع مزايا غير مباشرة أخرى من مسار التحويل إلى كهرباء من خلال سهولة الربط مع المصادر المتجددة الأخرى مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، أو نحصل حتى على فائدة أكبر من التمركز إذا أصبح عزل ثاني أكسيد الكربون أسهل.

(٣) طاقة الرياح

كما هي الحال مع طاقة الماء، فإن لاستخدام الرياح في تشغيل طواحين الهواء تاريخًا طويلًا. أما الجديد فهو التكنولوجيا الآلية المتطورة المرتبطة بتوليد الكهرباء، التي توفر تجميعًا أكثر كفاءة للطاقة. والطاقة التي تُجمَّع من طاحونة الهواء تتأثر كثيرًا بسرعة الرياح (فتختلف مع مربع السرعة؛ أيْ إن انخفاض السرعة إلى النصف سيؤدي إلى خفض الطاقة المجمعة إلى الربع)؛ ونتيجة لذلك من الضروري وضع طواحين الهواء في المواقع التي من المعتاد أن تهب عليها الرياح القوية. وكما هو موضح في الشكل ٥-٣، المواقع المفضلة في الولايات المتحدة هي في وسط وشمال وغرب البلاد، وكذلك على طول سواحل المحيط الأطلسي وسواحل المحيط الهادئ.15 وكذلك تختلف سرعات الرياح باختلاف الوقت في اليوم وفصل السنة؛ فتبلغ ذروتها عادة في الصيف وتهبط إلى أدنى مستوًى في منتصف فصل الشتاء؛ ونتيجة لذلك، لا تولِّد مزارع الرياح سوى جزء بسيط من قدرتها المقدرة، وعادة ما يكون الإنتاج حوالي الثلث، وهذا يعني في الواقع أن المرء لا يمكن أن يعتمد على طاقة الرياح وحدها، ولكن يجب أن يخطِّط للتكامل مع مصادر أخرى يمكن الاعتماد عليها.
fig18
شكل ٥-٣: موارد طاقة الرياح في الولايات المتحدة على ارتفاع ٥٠ مترًا (المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية، المختبر الوطني للطاقة المتجددة، أطلس موارد طاقة الرياح في الولايات المتحدة).
في عام ٢٠٠٧ كان لمزارع الرياح الموجودة في الولايات المتحدة قدرة تراكمية تبلغ نحو ١٨ جيجاواط من الطاقة، وقد زيدت هذه القدرة إلى ٢٥ جيجاواط في عام ٢٠٠٨، ثم زيدت مرة أخرى إلى ٣٥ جيجاواط بحلول نهاية عام ٢٠٠٩، بمساعدة من الخصومات الضريبية الفيدرالية وحوافز الاستثمار، فضلًا عن قوانين الولايات التي تقضي بأن يأتي جزء من الطاقة المحلية من مصادر الطاقة المتجددة.16 وقد وُضِعت خطط للتوسعات الكبيرة، سواء في البر أو في المواقع البحرية، ويظهر نمط النمو الأمريكي في القدرة التوليدية من هذا المصدر في الشكل ٥-٤ عن السنوات ١٩٨١–٢٠٠٨.17
fig19
شكل ٥-٤: نمو قدرة توليد الكهرباء من الرياح في الولايات المتحدة (المصدر: وزارة الطاقة الأمريكية، إدارة معلومات الطاقة، مكتب الفحم والطاقة النووية والكهربائية والوقود البديل).
يوجد في المملكة المتحدة حاليًّا حوالي ٢٫٥ جيجاواط من طاقة الرياح، وتمت الموافقة على ٨٫٥ جيجاواط إضافية ولكن لم تُدمج بعدُ، واقترحت زيادة إضافية قدرها ٢٢ جيجاواط عن طريق تركيب ٧ آلاف توربين رياح جديد. واذا سارت الأمور وفقًا لهذه الخطة، سوف تكون قدرتها الإجمالية ٣٣ جيجاواط، وهي إضافة كبيرة للغاية إلى اﻟ ٧٥ جيجاواط الموجودة حاليًّا في المملكة المتحدة من الفحم والغاز والطاقة النووية والطاقة المائية. وكان الهدف الذي وَضعته المفوضية الأوروبية هو إنتاج ٢٠٪ من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام ٢٠٢٠، ووصلت الدنمارك بالفعل لهذا الهدف. ومنذ عام ٢٠٠٦، بدأت الصين في ضخ استثمارات ضخمة في التقنيات الخضراء بهدف الوصول لزيادة كبيرة في توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة الأخرى بحلول عام ٢٠٢٠.18

(٤) الطاقة من المد والجزر والأمواج

اقتُرِحَ تجميع الطاقة الكهربائية من أمواج المحيط على محمل الجد19 في وقت مبكر في عام ١٩٧٤، ولكن يمكن تلخيص النتيجة بسهولة كالآتي: كان المصدر متاحًا دائمًا ولم يُستخدَم قطُّ لأن الاستثمارات كانت دائمًا ما تُعتبَر كبيرة للغاية لدرجةٍ لا يبررها التوفير في مجال الطاقة. تتغير الصورة اليوم مع ارتفاع تكاليف الطاقة وظهور خطر الاحترار العالمي. أورد سكراجز وجيكوب20 ما توصل إليه معهد أبحاث الطاقة الكهربائية في الولايات المتحدة حول أن الطاقة الكامنة في أمواج المحيطات في الولايات المتحدة تماثل الطاقة المولدة حاليًّا من الطاقة المائية التقليدية، وأورَدَا أيضًا تقدير صندوق الكربون في المملكة المتحدة الذي يفيد بأن الموارد البحرية المجديَة اقتصاديًّا تبلغ حوالي ١٤٪ من الطلب المحلي الحالي.

لإيجاد المواقع المناسبة لاستخراج الطاقة من البحر، يبحث المرء عن ترددات الموجات المنخفضة والموجات عالية السعة. وهذا يعني أن المياه العميقة مفضلة عن الشواطئ الضحلة، والشواطئ الغربية عادة ما تكون أفضل من الشواطئ المواجهة للشرق. تتشكل الموجات في المياه العميقة وتتبدد طاقتها بينما تقترب من الشاطئ؛ ففي الأعماق الأقل من ٢٠ مترًا تكون الطاقة أقل من ثلث الطاقة التي كانت تحملها الموجة في المياه العميقة. في عام ٢٠٠٩ كانت توجد تجهيزات قبالة سواحل البرتغال (تقدر قدرتها بنحو ٢٫٢٥ ميجاواط)، وإسبانيا (١٫٤ ميجاواط)، وأوريجون (٢ ميجاواط)، ولا يوجد حتى الآن أيُّ اتفاق بشأن أفضل تصميم، ووحداتُ الاختبار المختلفة صغيرةٌ وتستخدم تقنيات وأنظمة هندسية مختلفة، وعادة ما تُضبَط للعمل بأفضل شكل مع تردد موجي معين، ولكن الموجات الحقيقية تُظهِر سلوكًا عشوائيًّا على مجموعة من الترددات، ويلزم وضع توقعات إحصائية ومراقبة وثيقة لتحسين النظام بأكمله.

مع أن المد والجزر والأمواج تمثِّل أشكالًا من الطاقة المائية، فإنها تختلف عنها اختلافات مهمة عديدة؛ ويتمثَّل أحدها في أن طاقة المد والجزر هي الشكل الوحيد من أشكال الطاقة التي تُستمَد مباشَرةً من حركة القمر حول الأرض، وحركة كوكب الأرض في مداره حول الشمس. وهذه الحركات النسبية تنتج تغيرات في الجاذبية، والتي تغيِّر على نحو دوري مستوياتِ المياه التي نشير إليها بالمد والجزر. ويعتمد حجم التذبذبات في المد والجزر في أيِّ موقع معين على تغير مواقع القمر والشمس بالنسبة إلى كوكبنا، وكذلك يعتمد على شكل خط الساحل، وانحدار الجرف القاري، وشكل قاع البحر.

لأن مولِّد طاقة المد والجزر يستخدم هذه الظاهرة لتوليد الطاقة، فإن طاقة المد والجزر يمكن التنبؤ بها بدرجة كبيرة ولا تنضب عمليًّا. مع ذلك، فإنها تختلف بشدة باختلاف الجغرافيا والموقع؛ إذ ينبغي اختيار مولِّد طاقة المد والجزر مع الوضع في الاعتبار ارتفاع منسوب المياه أو السرعة الحالية للمد والجزر، وعادة ما يوضع عند مصبات الأنهار أو الخلجان أو بين الكتل الأرضية. وأحد أنواع المنشآت المستخدمة يُطلَق عليه «حاجز صناعي»، وهو في جوهره سد مبني عبر مصب المد والجزر؛ فيحجز الماء لتخزينه من أجل طاقته الكامنة، ويطلق إمدادات المياه المخزنة من خلال توربينات عند الحاجة إلى الطاقة. وتعمل محطة طاقة مد وجزر كبيرة بطاقة ٢٤٠ ميجاواط — وهي أكبر حاجز صناعي في العالم — بنهر الرانس بفرنسا منذ عام ١٩٦٦. وفي بريطانيا، من المخطط أن يستفيد حاجز صناعي ضخم بقدرة ٢ جيجاواط بحلول عام ٢٠٢٨ من موجات المد البالغة ١٥ مترًا على نهر سيفرن، وتبلغ التكلفة المالية المقدرة ٢٩ مليار دولار، ومن المتوقع أن يقدم عائدات طويلة الأجل مع الحد الأدنى من تكاليف الصيانة، وتوفيرًا متوقعًا لما يزيد على ١٩ مليون طن من الفحم سنويًّا. ومع ذلك، غلقُ أيِّ مصب يمكن أن يكون له آثار بيئية بالغة مماثلة لتلك التي تحدث عند أيِّ سد كبير، ما يغيِّر الحياة البحرية والنباتية بالمنطقة. ويوجد أسلوب بديل لتجميع الطاقة الحركية من الماء المتحرك من خلال وضع التوربينات مباشرة أمام التيار المتحرك، أحد أمثلةِ ذلك التوربينُ المنشأ في عام ٢٠٠٨ في خليج سترانجفورد بأيرلندا الشمالية بقدرة ١٫٢ ميجاواط، والذي يُوصَف بأنه أكبر توربين للمد والجزر في العالم.

ينبغي التأكيد على التمييز بين المد والأمواج مرة أخرى فيما يتعلق بالاعتماد عليها؛ وذلك لأنه في حين يمكن التنبؤ بالمد على مدى فترات زمنية قصيرة وطويلة، يعتمد عمل الموجة إلى درجة كبيرة على الرياح المحركة لها. ونتيجة لذلك، سوف تعاني الطاقة المستمدة من حركة الأمواج من عدم الانتظام نفسه الذي تعانيه الطاقة المستمدة من خلال توربينات الرياح.

(٥) الاستخدام المباشر للطاقة الشمسية

أوضحنا وأكدنا سابقًا على نقطة أن كل الطاقات المتجددة تستخدم — على نحو مباشر أو غير مباشر — الإشعاعَ الشمسي باعتباره مصدرًا أصليًّا، ومن ثَم تتكون الرياح بفعل الشمس من خلال تسخين الهواء بطريقة غير متساوية. وتتكون الأمطار والثلوج، التي تتدفق إلى جميع الأنهار، عندما يبرد الهواء بما فيه الكفاية ليتكثف الماء المتبخر سابقًا ويترسب. ولكن عندما نتحدث عن الطاقة الشمسية، فإننا نعني بذلك الاستخدام المباشر لأشعة الشمس، وليس الاستخدام غير المباشر عن طريق الرياح أو الأمواج.

يحدث الاستخدام المباشر لأشعة الشمس من خلال أحد هذين التحولين: (١) يمكن استخدام أشعة الشمس لتوليد الحرارة في أيِّ سائل مخصص لأن يكون ناقلًا، (٢) أو يمكن امتصاص الإشعاع في خلايا فولتضوئية تحول الطاقة إلى كهرباء مباشرة. ويتحقق التحويل المباشر إلى كهرباء بواسطة خلايا سيليكون مصممة خصوصًا لتمتص الضوء وتنتج تيارًا كهربائيًّا، ولكن يجب العمل على إنتاج بدائل أرخص للسيليكون تعتمد على شرائح رقيقة من تيلوريد الكادميوم، وكذلك أساليب لاستخدام عاكسات لتركيز المزيد من ضوء الشمس في مساحة جامع أشعة أصغر.

في الاستخدام السكني، عادة ما تُجمع الطاقة الشمسية عن طريق تسخين سائل متحرك، ويكون الناقل هو المياه الساخنة التي تمر بعد ذلك من خلال أنابيب للتدفئة الداخلية أو الاستحمام. ومن أجل التطبيقات الصناعية التي يمكنها استخدام التسخين العالي الحرارة بكفاءة، يمكن للسائل أن يكون ملحًا منصهرًا يطلق طاقته لتوليد البخار الذي يُستخدَم لتوليد الطاقة. وفي هذه الحالة اقتُرح استخدام مرايا مركِّزة من أجل تغطية مساحة أوسع لجمع أشعة الشمس، التي تنعكس في اتجاه مستقبِل مركزي.

لتشجيع البحث والتطوير في هذا المجال، طرحت الحكومات سياسات تحفيزية للخلايا الفولتضوئية، وتشمل هذه الحوافز مزايا ضريبية تعمل على استرداد جزء من الاستثمارات اللازمة لبناء وتركيب النظم، إضافة إلى فرض قيود على المرافق تُلزِمها بشراء الكهرباء الفولتضوئية من المنتجين. واستجابة لذلك، أَعلن أكبر مرفق في ولاية نيو جيرسي في عام ٢٠٠٩ خطة لتثبيت ٨٠ ميجاواط من أجهزة الجمع المعتمدة على الخلايا الفولتضوئية على مدى ٤ سنوات.21 وفي ألمانيا وكاليفورنيا وفلوريدا، طرحت الحكومات ما يُطلَق عليه «التعريفة التفضيلية لإمدادات الطاقة المتجددة»، التي تحدد سعر الكهرباء المَبيعة إلى المرافق بسعر أعلى من سعر السوق السائد،22 وتشير التقديرات إلى أنه بحلول نهاية عام ٢٠٠٨ سيصبح حوالي ٩٠٪ من القدرة التوليدية من الخلايا الفولتضوئية مربوطة بشبكة المرافق الكهربية. الغرض السياسي من هذا الدعم الحكومي هو تعزيز قدر أكبر من الاستقلالية في قطاع الطاقة المحلي وتسهيل البدء والنمو في صناعة ليست مستعدة بعدُ للمنافسة حتى تصل إلى اقتصاديات الحجم اللازمة. ويمكن رؤية التأثير الفوري للحجم من خلال تذكُّر أن تكلفة الخلايا الفولتضوئية كانت تصل إلى ٢٥ دولارًا لكلِّ واط في عام ١٩٧٩. ويبلغ سعر التكاليف الحالية لوحدات لوحات السيليكون حوالي ٥ دولارات لكلِّ واط، وتزيد إلى ٦٫٤ دولارات لكلِّ واط مع إضافة رسوم التركيب في عام ٢٠٠٩. وللاستشهاد ببعض الأرقام النموذجية،23 ذُكِر أن نظام طاقة شمسية جديدًا بقدرة ٨٠ كيلوواط مركَّبًا على سطح مصنع في فيلادلفيا كلَّف ٥٣٦ ألف دولار، وهو ما يناظر تكلفة ٦٫٧ دولارات لكلِّ واط، ولكن بعد المنح والحسومات الفيدرالية والحكومية، إلى جانب الخصومات الضريبية على الإهلاك، انخفضَتِ التكلفة الصافية (بما في ذلك تكلفة السقف الجديد) إلى ١٩٥ ألف دولار، وهو ما يعطي تكلفة تركيب تبلغ ٢٫٤ دولار لكلِّ واط. وخلصت دراسة مقارنة أجراها جريج نيميت24 إلى أن نسبة ٤٣٪ من الانخفاض في التكلفة في ٢٢ عامًا منذ عام ١٩٧٩ يعود الفضل فيها إلى اقتصاديات الحجم. وعزا ٣٥٪ أخرى من الانخفاض إلى التقدُّم في مجال البحث والتطوير.
أحد التصميمات التي يمكن أن تُحسِّن كفاءة جمع الأشعة في الخلايا الشمسية يَستخدم عواكس لالتقاط الإشعاع على مساحة أكبر. هذا يقلل من التكلفة؛ لأن الجامع العاكس أقل تكلفة من المساحة المعادلة لحجمه من الخلايا الشمسية. وفي حين يبلُغ سِعر وحدات لوحات السيليكون مع رسوم التركيب حوالي ٦٫٤ دولارات لكلِّ واط، فإن نظام الجامعات العاكسة يخفض السعر إلى حوالي ٣ دولارات لكلِّ واط. وتُعَدُّ التقديرات التي يعدها العاملون في هذا المجال25 متفائلةً للغاية على نحو واضح؛ إذ يتوقعون أنه عندما تنخفض تكاليف التصنيع، فإن المحطات التي تستخدم الخلايا الفولتضوئية ستكون قادرة على المنافسة مع طرق توليد الكهرباء بالطرق القياسية بحلول عام ٢٠١٤، حتى دون الحوافز الفيدرالية الأمريكية الحالية البالغة ٣٠٪ كخصم ضريبي على الاستثمار. ومع ذلك، لوضع هذه التقديرات في سياقها تجدر الإشارة إلى أن إجمالي القدرة التراكمية على مستوى العالم لإنتاج الخلايا الفولتضوئية كان نحو ١٥ جيجاواط في عام ٢٠٠٩، كان نصفها في ألمانيا وحوالي ١٠٪ في الولايات المتحدة، وهذا يعني أنه اعتبارًا من ذاك التاريخ فإن إجمالي قدرة الخلايا الفولتضوئية بالميجاواط يبلغ أقل من ٠٫٥٪ من القدرة العالمية لمنشآت توليد الكهرباء.
كما هي الحال في كثير من الأحيان عندما تدخل أجهزة ذات تقنية عالية جديدة في السوق، فإن تكلفة التحول لاستخدام الخلايا الفولتضوئية لا تزال مرتفعة جدًّا للمنافسة مع البدائل التقليدية، فيما عدا حالات خاصة تكون فيها المواقع بعيدة بُعْدًا كبيرًا عن شبكة الإمداد، أو في المناطق التي تتوافر فيها أشعة الشمس بوفرة وترتفع فيها تكاليف الكهرباء كما هي الحال في أجزاء من ولاية كاليفورنيا أو اليابان أو هاواي. من ناحية أخرى، تُعتبَر تكلفة توليد الطاقة الحرارية الشمسية تنافسية مع الفحم النظيف (دون عزل) وأقل تكلفة من الطاقة النووية للمنشآت الصغيرة. وترِد أرقام المقارنة من التقرير الأخير26 للمجلس الوطني للبحوث حول كلٍّ من هذه البدائل لتوليد الكهرباء في الجدول ٥-٢؛ حيث تشمل القوائم تكاليف الطاقة لكلِّ كيلوواط مستخدَم في الساعة (سنت/كيلوواط ساعيٍّ). وبالنظر إلى هذه الأرقام، فإنه ليس من المستغرب أن يمثِّل حرقُ الفحم ٤٩٪ من توليد كهرباء الولايات المتحدة، والغاز الطبيعي ٢١٪، والطاقة النووية ٢٠٪.
جدول ٥-٢: تكاليف الكهرباء في الولايات المتحدة في عام ٢٠٠٥.
المصدر سنت/كيلوواط ساعي
الفحم التقليدي ٤
«الفحم النظيف» (من دون عزل) ٧
الطاقة النووية ١١
الطاقة الحرارية الشمسية ٨
الطاقة الفولتضوئية الشمسية >٢٤
عند تجاهل كل مسائل الاقتصاد والتكاليف للحظة، يظل هناك اعتبار آخر يضع الطاقة الناتجة عن مصادر الخلايا الفولتضوئية في منظور أكثر وضوحًا بوصفها بديلًا محتملًا لمصادر الطاقة الحالية لتوليد الكهرباء. ينبغي أن نسأل: كم من مساحة السطح سنحتاج إلى تغطيتها بخلايا السيليكون للحصول على كمية مفيدة من الطاقة الكهربائية من الشمس عبر الخلايا الفولتضوئية؟ بالوضع في الاعتبار الانعكاس وغطاء السحب والطقس والكثير من التقلبات خلال السنة، فإن الطاقة التي تصل إلى سطح كوكبنا تبلغ في المتوسط حوالي ٢٠٠ واط لكلِّ متر مربع (واط/م٢)، وربما نتوقع أن التحويل للخلايا الفولتضوئية الحالية سيكون فاعلًا بنسبة ١٠٪ ويوفر ٢٠ واط/م٢ في شكل كهرباء.
يتوقع أحد التقديرات الحديثة27 أنه بحلول عام ٢٠٥٠ يمكن للولايات المتحدة استخدام تكنولوجيا الخلايا الفولتضوئية القائمة لإنتاج ٦٩٪ من إجمالي استهلاك الكهرباء؛ أيْ ٧٠٠ ألف ميجاواط. وبحساب بسيط لنسبة هذه الأرقام تتضح ضرورة وجود مساحة ٣٥ تريليون متر مربع أو حوالي ١٤ ألف ميل مربع. وبالوضع في الاعتبار المسافة بين وحدات الخلايا الفولتضوئية وتوفير المساحة للمعدات الإضافية المساعدة ومركبات الخدمة وموصلات وناقلات الكهرباء المجاورة، يمكن للمرء أن يضاعف بإنصافٍ المساحةَ المطلوبة لتصبح ٢٨ ألف ميل مربع؛ أيْ ما يعادل مساحة ٢٣٪ من إجمالي مساحة ولاية نيو مكسيكو مثلًا. بالتأكيد ليست المساحة المطلوبة أمرًا تافهًا، لكن ربما تتحسن الصورة العامة إذا كان من الممكن وضع جامعات الأشعة في مناطق صحراوية فقط؛ حيث يمكن توقُّع أن ينتج الإشعاع الساقط أكثر من ٢٠ واط/م٢، أو إذا زيدت كفاءة الجامعات في تحويل الطاقة زيادة كبيرة. وبافتراض حدوث هذه التحسينات، ستظل الخطط في حاجة إلى الوضع في الاعتبار تكاليف نقل الطاقة لمسافات طويلة للمستهلكين.
إذا ركزنا اهتمامنا بدلًا من ذلك على منزل يتضمن مثلًا ١٠٠م٢ من مساحة السطح المفيدة، فإن مقدار الطاقة نفسه البالغ ٢٠ واط/م٢ يمكن أن ينتج ٢ كيلوواط من الكهرباء؛ أيْ ما يكفي لتلبية الطلب الشهري للمنزل الأمريكي المتوسط من الكهرباء؛ ومع ذلك، هذا التقدير الشهري هو متوسط الاستهلاك على مدى النهار والليل، ووقت هطول المطر وسطوع الشمس، ولن يكون كافيًا في أوقات ذروة الطلب عندما يجب اللجوء إلى المصادر التكميلية. بطريقة أو بأخرى كل مصادر الطاقة المتجددة متقطعة، وهذا يؤدي بنا إلى الفصل السادس؛ حيث سنولي الاهتمام إلى خيارات تخزين الطاقة.

(٦) الطاقة النووية

ذكرنا سابقًا أن الطاقة النووية ليست متجددة بشكل كامل؛ إذ إن إمدادات اليورانيوم محدودة، ولكنْ أيًّا كانت الفئة المناسبة لتصنيفها، فإن للطاقة النووية بعض المزايا الواضحة من بين السبل الممكنة لتوليد الكهرباء. ولما كانت محطات الطاقة النووية لا تحرق وقودًا هيدروكربونيًّا، فإن تشغيل هذه المحطات لا يُنتج ثاني أكسيد الكربون نهائيًّا. وعلاوة على ذلك، الطاقة النووية تقنية معروفة؛ ففي فرنسا يأتي نحو ٨٠٪ من إجمالي الكهرباء المولَّدة من محطات نووية، وفي الولايات المتحدة يُنتِج أكثر من مائة مفاعل نووي تجاري ما يقرب من ٢٠٪ من الطاقة الكهربائية في البلاد في الوقت الراهن. وعلى الرغم من ذلك، لم يُقدَّم طلبٌ لبناء محطة نووية جديدة أو لم تُبنَ أيُّ محطات في الولايات المتحدة منذ أكثر من ثلاثة عقود. وكان غياب أيِّ تحركات جديدة في هذا الشأن استجابة لزيادة تكاليف البناء، فضلًا عن تصاعد المخاوف من مخاطر الإشعاع في أعقاب حادث جزيرة ثري مايل عام ١٩٧٩ في الولايات المتحدة وانفجار عام ١٩٨٦ في تشيرنوبل بأوكرانيا. وإضافة إلى ذلك، تَواصل عدم الارتياح إزاء التخزين الحالي للنفايات النووية فوق الأرض، والذي يحدث حاليًّا في مواقع متعددة منتشرة في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وقد تأجل لعقود اقتراح بتوحيد المواقع في موقع واحد تحت الأرض في جبل يوكا في نيفادا، بسبب الشكوك الجيولوجية وتوقعات الأداء المتغيرة والمعارضة السياسية هناك.28 والآن، بعد إنفاق نحو ١٠ مليارات دولار على دراسات تقييم المخاطر، يظهر من خطط الميزانية الفيدرالية لعام ٢٠١٠29 أن استراتيجية جديدة للتخلص من النفايات النووية سوف تحل محل الفكرة السابقة باستخدام موقع جبل يوكا.
واليوم، مع تصاعد القلق العام بشأن الاحترار العالمي، ربما ندخل فترة من النهضة النووية.30 ففي عام ٢٠٠٨ كان لدى اللجنة التنظيمية النووية طلبات للحصول على إذن لبناء ٣٤ محطة جديدة، وقدَّمَ الكونجرس ضمانات قروض وتأمينًا ضد التأخيرات التنظيمية. مع ذلك، لا يزال تنفيذ مثل هذه الضمانات مصدرًا آخر للجدل، بسبب أن التأخيرات الطويلة وتجاوزات التكاليف في الماضي كانت شائعة في بناء المفاعلات.31 ومع وجود الضمانات الحكومية، فإن أيَّ خسائر للقطاع الخاص يجب أن تكون مغطاة من وزارة المالية الأمريكية. وعلى الرغم من هذا التذليل للعوائق، يجب الاعتراف بأن بناء محطات الطاقة النووية الجديدة يستغرق سنوات عديدة من التصميم إلى البناء حتى الانتهاء، وهذا السبيل كعلاج لاستخدام الوقود الحفري ليس إصلاحًا متوفرًا على المدى القصير، وينبغي أن يُنظر إليه على نحو صحيح كهدف على المدى المتوسط.
كذلك يجري التخطيط لتوسيع القدرة النووية في الخارج، فأعلنت الصين عن خطط منذ ٣ سنوات للانتقال من قدرة ٩ جيجاواط إلى ٤٠ جيجاواط بحلول عام ٢٠٢٠؛ وزادت الصين في الوقت الحالي من النمو المتوقع في هذا المجال لتهدف إلى ٧٠ جيجاواط بحلول عام ٢٠٢٠، و٤٠٠ جيجاواط بحلول عام ٢٠٥٠. إذا حقَّقَ الصينيون أهدافهم لعام ٢٠٢٠، فإنهم يقدِّرون أن الطاقة النووية ستظل لا توفر إلا نحو ١٠٪ من احتياجاتهم من الكهرباء، ولعلمها بالمخاطر المرتبطة بهذا المجال، طلبت الصين خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل العمل فيها والمساعدة في التدريب.32

(٧) الطاقة الحرارية الأرضية

تحت الطبقة الرقيقة التي يعيش عليها البشر من كوكبنا يوجد عالم شديد السخونة، وكان كذلك من وقت نشأته حتى الوقت الحاضر. ويتوقف توفيره مصدرًا مستدامًا للطاقة على قدرتنا على الوصول إلى هذا المخزون الحراري الهائل، ولكنه في معظم المواقع معزول عنا بفعل قشرة عازلة. وفي الأماكن التي تكون فيها القشرة رقيقة أو مكسورة، بالقرب من حدود الصفائح التكتونية عمومًا، يمكننا أن نجمِّع الطاقة — وهذا ما نفعله بالفعل — عن طريق تمرير البخار أو الماء الساخن من خلال الخزانات الجوفية، واستخدام الطاقة لتشغيل مولدات كهرباء أو لتوفير التدفئة. كانت قدرة توليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم من هذا المصدر في عام ٢٠٠٧ حوالي ١٠ جيجاواط، وبلغت التدفئة الحرارية المقدرة ٢٨ جيجاواط إضافية، وهما رقمان صغيران للغاية مقارَنةً بمصادر الوقود الحفري التقليدية.

وللوصول إلى جيوبٍ أعمق من الحرارة ومواقع في أماكن أخرى بعيدًا عن الحدود التكتونية، من الضروري الحفر خلال طبقات من الصخور والأرض، عادة لأعماق تبلغ عدة أميال تحت سطح الأرض. طُوِّرت هذه التقنيات لإنتاج البترول، ولكن تكاليف الحفر حتى الآن أثنت هذه المحاولات، وسيصبح الاستثمار فيما يُسمَّى «أنظمة حرارة الطبقات الجيولوجية المحفزة» أكثر جاذبيةً عندما تصبح أنواعُ الوقود الأخرى أكثر كلفةً، والحدُّ من انبعاث ثاني أكسيد الكربون أكثرَ إلحاحًا. في الواقع، توجد تركيزات من ثاني أكسيد الكربون في بعض الغازات الساخنة تحت القشرة الأرضية، ولكن يمكن إعادتها مرة أخرى إلى الثقوب نفسها التي خرجت منها. وفي أحد الأشكال المختلفة من هذا النهج، يُحقَن الماء المضغوط في عمق الأرض بهدف تكسير الصخور التي تحبس الحرارة تحت الأرض، ولكن ارتبطت هذه العملية بزلازل في المنطقة المحيطة. اضطر مشروع في سويسرا في عام ٢٠٠٦ إلى التوقف عندما سُجلت عدة آلاف من الأحداث الزلزالية وشعر بها السكان خلال ٦ أيام من حقن المياه، وأغلق المشروع على نحو دائم في عام ٢٠٠٩ استجابة لقرارات دراسة حكومية سويسرية.33 وقد أثار مشروع مماثل في عام ٢٠٠٩ في ولاية كاليفورنيا34 المخاوفَ من الزلازل بين السكان؛ لأنه كان مصممًا للحفر إلى أكثر من ٢ ميل (٣٫٢كم) تحت سطح الأرض. وفي أماكن أخرى، مثل نيوزيلندا وألمانيا، تسببت مشاريع الطاقة الحرارية الأرضية في هبوط الأراضي الحدودية.

على الرغم من هذه الحكايات التحذيرية، فإن مزايا الطاقة الحرارية الأرضية كبيرة جدًّا؛ فالإمدادات لا تنضب تقريبًا، وهي متوفرة في جميع أوقات اليوم وطوال فصول السنة، وتكلفة الإنتاج منخفضة باستثناء الاستثمار اللازم للحفر الأولي. وقبل كل شيء، يَعِدُ هذا المصدر بالحد من عبء غازات الدفيئة الكلِّي، ولا يزال يوجد أمل أن ينجح التطبيق العملي في المناطق الأقل كثافةً سكانيةً.

(٨) الانبعاثات غير المباشرة والتكاليف الخفية

الآثار الكاملة لأيِّ تغيير ليست واضحة دائمًا. على سبيل المثال، عندما كان مجلس موارد الهواء في كاليفورنيا في مهمة لتقييم إضافة الكحول إلى البنزين، لم تتحدد نتائج ما توصَّلوا إليه من خلال انبعاثات الكربون الناجمة مباشرة عن احتراق الوقود، بل بشكل حاسم من خلال تأثير ثانوي، وهو الانبعاثات التي جاءت من تحويل الأراضي الذي أعقب الضغوط الاقتصادية التي أوجدها الطلب الجديد على تخمير المحاصيل. تطلَّبَ التقييم الواقعي نظرةً شاملةً على الأمر في سياقه، كما تطلب التعرُّف على الآثار اللاحقة وغير المباشرة على التوازن العام للكربون. ويلزم إجراء تقييم مماثل لكلِّ خطوة مقترحة نحو التحكم في المناخ.

أُثِيرت نقطة ذات حساسية خاصة في هذا الصدد فيما يتعلق بالطاقة النووية.35 للوهلة الأولى، يبدو أن المفاعل النووي لا يُنتج ثاني أكسيد الكربون على الإطلاق، وأن انشطار اليورانيوم لا يُنتج سوى طاقة «نظيفة» في شكل بخار يُستخدَم لتشغيل توربينات؛ ومن ثَم تتولد الكهرباء. مع ذلك، يجب أن ندرك بالفحص الأدق للعملية بأكملها أن إنتاج اليورانيوم و/أو البلوتونيوم لا يخلو من مدخلات من الطاقة؛ أولًا لا بد من استخراج خام اليورانيوم من مصدره بالحفر، ثم يجب تركيز نظير اليورانيوم ٢٣٥ عبر الانتشار الغازي في البداية، ثم باستخدام أجهزة الطرد المركزي العالية السرعة، وأخيرًا يجب تحويل اليورانيوم إلى كريات أكسيد وقضبان وقود مناسبة لإدخالها في قلب المفاعل. تتطلب كل خطوة من هذه الخطوات مدخلات من الطاقة، وفي بعض الحالات يُستخدم الوقود الحفري، وفي خطوات أخرى تُستخدَم الكهرباء المولدة بحرق الوقود الحفري. والتأثير المباشر بالتأكيد هو إطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، ولكن حجم هذه الانبعاثات لم يوثق عمومًا، ربما بسبب ارتباطه باستخدام اليورانيوم في تصنيع الأسلحة؛ ونتيجة لذلك فإنه ليس من السهل تقديرها. أشارت هيلين كالديكوت إلى أن توليد الكهرباء من الطاقة النووية يُنتج ثلث ثاني أكسيد الكربون الذي تنتجه محطة تقليدية مماثلة في الحجم تحرق الغاز الطبيعي. ومع ذلك، حذرت من أنه سوف تظل هناك حاجة إلى نسبة أكبر من الوقود الحفري في المستقبل في الوقت الذي تنخفض فيه جودة خامات اليورانيوم المتوفرة.
fig20
شكل ٥-٥: احتياطيات وموارد أكسيد اليورانيوم بالأسعار المختلفة.
مع ذلك، يظهر موضع شك آخَر في هذا المجال من إمكانية استعادة اليورانيوم من خلال إعادة معالجة الوقود المستنفد. وحتى الآن لم يكن ذلك جزءًا من بروتوكول المحطات النووية في الولايات المتحدة، مع أنه يحدث في دول أخرى، لا سيما فرنسا. وسوف تصبح إعادة المعالجة تلك جذَّابة على نحو متزايد عندما ترتفع تكلفة اليورانيوم المُنقَّى حديثًا، ولكن بالطبع هذا النمط من الاستعادة الكيميائية يتطلَّب أيضًا استثمارًا للطاقة. علاوة على ذلك، كما هي الحال مع الموارد الطبيعية الأخرى، فإن التكلفة تعتمد على سهولة التوافر. وعلى العكس، تصبح استعادة كميات إضافية ذات جدوى اقتصادية عندما ترتفع الأسعار. ونشرت وزارة الطاقة بيانات حول احتياطيات أكسيد اليورانيوم،36 ويبيِّن الشكل ٥-٥ الاحتياطيات المؤكدة والمقدرة والمتوقعة لكلٍّ من التكاليف الثلاثة للرطل الواحد. وكنقطة مرجعية، تجدر الإشارة إلى أن سعر أكسيد اليورانيوم قد اختلف منذ عام ١٩٨١ من الحد الأدنى البالغ ١٠ دولارات إلى الحد الأقصى البالغ ٤٣ دولارًا للرطل الواحد.
لا يُعبَّر دائمًا عن تكاليف تنفيذ التغيير مباشرة في صورة تكاليف بناء أو تكاليف تشغيل. فعلى سبيل المثال، أيُّ تغيير يتطلَّب زيادة في الطلب على مياه الري للزراعة أو مياه التبريد لتوليد الطاقة، سيكون عليه التعامل مع مشكلات إمدادات المياه. حسب الموقع، يمكن للنمو الكبير في الطلب أن يؤدي إلى نقص في المياه وتكاليف كبيرة حتى لو لم يُعبَّر عنها بصورة مباشرة بمصطلحات نقدية بسيطة. وأورد روبرت إف سيرفيس37 دراسات تفيد بأن إنتاج جالون من الكحول من خلال عملية تخمير الذرة يتطلب ٩٨ جالونًا من مياه الري في المتوسط، وهذا يُترجَم إلى زيادة حاجة الري إلى ٢ مليار جالون على الأقل في اليوم الواحد، إذا أرادت مزارع الولايات المتحدة إنتاج محاصيل كافية لتلبية إنتاج الكحول وأنواع الوقود الحيوي المتقدمة الأخرى المنصوص عليها من الكونجرس. ولتوضيح هذه الأرقام في سياق، فإنه يمكن مقارنتها مع احتياجات المياه لوسائل توليد الطاقة الأكثر تقليدية: فمن أجل إنتاج كمية الطاقة نفسها، يتطلب الري في عملية إنتاج الإيثانول من الذرة ما لا يقل عن ٣٠ مِثلًا من المياه التي تتطلبها محطة للطاقة تعمل بالغاز الطبيعي.

هوامش

(1) Felicity Barringer, “With Billions at Stake, Trying to Expand the Meaning of ‘Renewable Energy’,” New York Times, May 25, 2009, p. A8.
(2) US Department of Energy, Energy Information Administration (EIA), Annual Energy Review 2008, published June, 2009, Figure 10.1.
(3) US Department of Energy, 2008 Renewable Energy Data Book, published July, 2009.
(4) Michael Casey, “Dams Pose a Danger to Mekong Waterway,” Philadelphia Inquirer, May 24, 2009.
(5) Glenn Hess, “BP and DuPont Plan ‘Biobutanol’,” Chemical and Engineering News, Vol. 84, No. 26, June 26, 2006, p. 9; also at http://green.blogs.nytimes.com/2009/07/16/biobutanol-creeps-toward-the-market/?scp=1-b&sq=biobutanol+BP&st=nyt.
(6) Clifford Krauss, “Big Oil Warms to Ethanol,” New York Times, May 27, 2009, p. B1.
(7) Harold Brubaker, “Sunoco Wins Ethanol-plant Bid,” Philadelphia Inquirer, May 25, 2009, p. C1.
(8) David Pimentel and Tad W. Patzek, National Resources Reseach, Vol. 14, No. 1 (2005), pp. 65–76.
(9) Thomas L. Friedman, “Trucks, Trains and Trees,” New York Times, November 11, 2009, p. A27.
(10) Timothy Searchiger, Ralph Heimlich, R. A. Houghton, et al., “Use of U.S. Croplands for Biofuels Increases Greenhouse Gases through Emissions from Land-use Change,” science, Vol. 319, February 29, 2008, p. 1238.
(11) Dan Charles, “Corn-based Ethanol Flunks Key Test,” science, Vol. 324, May 1, 2009, p. 587.
(12) G. Philip Robertson, Virginia H. Dale, Otto C. Doering, et al., “Sustainable Biofuels Redux,” science, Vol. 322, October 3, 2008, p. 49.
(13) John R. Regalbuto, “Cullulosic Biofuels—Got Gasoline?” science, Vol. 325, August 14, 2009, p. 822.
(14) J. E. Campbell, D. B. Lobell, and C. B. Field, “Greater Transportation Energy and GHG Offsets from Bioelectricity than Ethanol,” science, Vol. 324, May 22, 2009, p. 1055.
(15) US Department of Energy, Renewable Energy, Wind Powering America, http://www.windpoweringamerica.gov/wind_maps.asp.
(16) Jad Mouawad, “Wind Power Grows 39% for the Year,” New York Times, January 26, 2010, p. B1.
(17) US Department of Energy, Energy Information Administration (EIA), Office of Coal, Nuclear, Electric and Alternate Fuels, Wind Energy Update April 2010, http://www.windpoweringamerica.gov/pdfs/wpa_update.pdf-8031.5KB.
(18) Robert Kennedy, Jr., “The New (Green) Arms Race,” Outreach (Copenhagen: Stakeholders Forum), December 7, 2009; also see Martin Jacques, When China Rules the World: the End of the Western World and the Birth of a New Global Order (New York: Penguin Press, 2009).
(19) S. H. Salter, “Wave Power,” Nature, Vol. 249, 1974, p. 720.
(20) Jeff Scruggs and Paul Jacob, “Harvesting Ocean Wave Energy,” science, Vol. 323, February 27, 2009, p. 1176.
(21) Andrew Maykuth, “PSE&G Plan Takes Solar Energy Public,” Philadelphia Inquirer, July 30, 2009, p. 1.
(22) Michael Scott Moore, “Germany’s Fine Failure,” Miller-McCune, Vol. 2, No. 4, p. 15.
(23) Diane Mastrull, “A Solar Investment,” Philadelphia Inquirer, November 15, 2009, p. C1.
(24) Greg Nemet, IIASA Annual Report for 2008, http://www.iiasa.ac.at.
(25) K. Zweibel, J. Mason, and V. Fthenakis, “By 2050 Solar Power could End US Dependence on Foreign Oil and Slash Greenhouse Gas Emissions,” Scientific American, Vol. 298, No. 1, 2008, pp. 64–73.
(26) National Research Council, Critique of the Sargent and Lundy Assessment of Cost and Performance. Forecasts for Concentrating Solar Power (Washington, DC: National Academies Press, 2002).
(27) Richard M. Swanson, “Photovoltaics Power Up,” science, Vol. 324, May 15, 2009, p. 891.
(28) Rodney C. Ewing and Frank N. von Hippel, “Nuclear Waste Management in the United States—Starting Over,” science, Vol. 325, July 10, 2009.
(29) Office of Management and Budget, A New Era of Responsibilities: Renewing America’s Promise, (Washington, DC: Government Printing Office, 2009), pp. 63–5, http://www.whitehouse.gov/omb/assets/fy2010_new_era/Department_of_Energy.pdf.
(30) Matthew L. Wald, “Nuclear Power may be in Early Stages of a Renewal,” New York Times, October 23, 2009, p. B3.
(31) Matthew L. Wald, “Loan Program may Stir Dormant Nuclear Industry,” New York Times, December 23, 2009, p. B1.
(32) Keith Bradsher, “China, Rushing into Reactors, Stirs Concern,” New York Times, December 10, 2009, p. 1.
(33) James Glanz, “Quake Threat Leads Swiss to Close Geothermal Project,” New York Times, December 11, 2009, p. A12.
(34) James Glanz, “In Bedrock, Clean Energy and Quake Fears,” New York Times, June 24, 2009, p. 1.
(35) Helen Caldicott, Nuclear Power is Not the Answer (New York: The New Press, 2006).
(36) US Department of Energy, Energy Information Administration (EIA), Annual Energy Review 2008, Figure 4.13.
(37) Robert F. Service, “Another Biofuels Drawback: the Demand for Irrigation,” science, Vol. 326, October 23, 2009, p. 516.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤