الفصل السادس

تخزين الطاقة

في دراستنا للمصادر المحتملة للطاقة المتجددة ظهرت ملاحظة مقلقة كانت سمة في جميع البدائل تقريبًا، باستثناء طاقة المد والجزر: كانت المصادر متقطعة. فلأن نصف العالم يكون في ظلام لنصف اليوم، فلا توجد طاقة شمسية تحصد حينها حتى لو كانت السماء صافية، وسيكون انقطاع الطاقة ملموسًا أيضًا خلال ساعات النهار في الأيام الممطرة أو الغائمة. وبالمثل، ستنخفض طاقة الرياح أو تنقطع تمامًا عندما تقل سرعة الرياح على نحو كبير. أحد سبل علاج هذا النقص يتمثَّل في نقل الطاقة لمسافات كبيرة من الأماكن التي تتوفر فيها إلى تلك الأجزاء من العالم التي تحتاج إليها، ولكن هذه الفكرة تفترض أن تكاليف النقل ليست باهظة. إن الاستثمارات اللازمة في بعض المواقع لتركيب الأبراج وخطوط الكهرباء لنقل الكهرباء يمكن أن تصل إلى ٥ ملايين دولار للميل الواحد، وهي تكلفة ضخمة في التقييم العملي لطواحين الهواء أو أجهزة الطاقة الشمسية التي يجب أن تُوضَع بعيدًا عن المراكز السكانية حيث تتوافر الشمس والرياح الكافيتان.

لا تزال هناك قيود أخرى تنشأ عن تبني الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة. أولًا: تُطلب الطاقة القابلة للاستخدام في أوقات محددة، ولكن ليس دائمًا عندما تكون متوفرة، ويجب إمداد هذا الاستخدام في ذروته من مصادر تكميلية يمكن الاستفادة منها في وقت قصير. ثانيًا: تجدر الإشارة إلى أن كثيرًا من استخدام الطاقة لدينا يكون للسيارات والقطارات والطائرات والسفن، وفي المستقبل المنظور ستتطلب هذه الأسواق وقودًا متنقلًا، عادة في شكل سائل وليس توفيره مباشرة من مصادر الطاقة المتجددة. وتشير كل هذه الاعتبارات إلى اتجاه واحد: توجد حاجة ملحة للاحتفاظ بالطاقة مخزَّنةً، لإبقائها في محبس مؤقت من شأنه أن يتغلب على قيود تقطُّع المصدر وتلبية ذروة الطلب ومتطلبات النقل. وعلاوة على ذلك، إذا كانت الطاقة المحولة إلى مخزون يمكن نقلها مثل الطاقة الكهربائية خلال أوقات غير الذروة، فإن الحمل المخفَّض على خطوط الكهرباء خلال أوقات الذروة سيسمح بقدرة نقل أقل وتحقيق توفير مُصاحب لذلك في تكاليف الاستثمار.

سوف نتناول في هذا الفصل مجموعة متنوعة من خزانات الطاقة. إن العديد من بدائل التخزين تأتي في أشكال كيميائية؛ أيْ إنه مهما كانت الطاقة التي نرغب في تخزينها، فإنها سوف تستخدم لتكوين مواد كيميائية يمكن استخراج الطاقة منها في وقت لاحق. وربما تظهر الطاقة المستعادة في شكل كهرباء من بطارية أو خلية وقود، أو يمكن الحصول عليها في شكل حرارة من احتراق وقود سائل أو غازي. ومن أجل بعض الأغراض، من المفيد تخزين الطاقة في شكل طاقة كامنة، إما عن طريق إنشاء خزان مياه كبير في مكان مرتفع، أو عن طريق تخزين الطاقة في شكل هواء مضغوط، وفي كلتا الحالتين ستستخرج الطاقة المخزنة من خلال تشغيل توربينات أو آلات أخرى ذات فائدة مباشرة. ولاحقًا في هذا الفصل، سوف نتناول التخزين في شكل طاقة حرارية في سائل ساخن. يمكن أن يكون السائل عبارة عن أيِّ ناقل للحرارة، ولكن الاقتراحات المطروحة عادة هي تسخين الماء أو الملح المنصهر. وأخيرًا، فإننا سوف نستكمل الدراسة في هذا الفصل بإضافة إشارة إلى جهاز بديل آخَر، وهو الحدافة (أو دولاب الموازنة) التي يمكن استخدامها لتخزين الطاقة في شكل طاقة حركية.

(١) البطاريات وخلايا الوقود

البطاريات مألوفة في الاستخدام اليومي؛ إذ تُستخدَم لتشغيل السيارات وتوفير الطاقة للمصابيح اليدوية والألعاب وساعات اليد وأجهزة الكمبيوتر والهواتف، وتُستخدَم في عدد لا يحصى من التطبيقات المنزلية والنقل. والبطاريات عبارة عن أجهزة كيميائية تخزن الطاقة الكهربائية، ولكننا عادة لا نفكر في حدود التخزين فيها إلا عندما تنفد طاقتها. فعلى النطاق الصغير، في الساعات والمصابيح اليدوية، من الشائع التخلص من البطارية واستبدالها عندما تفقد شحنتها، وهذا ينجح لأننا نستفيد أحيانًا من هذه البطاريات الصغيرة لسنوات، وهي الفترة التي يكون فيها معدل سحب الطاقة صغيرًا مقارَنةً بقدرتها المشحونة بالكامل. من ناحية أخرى، يوجد الكثير من البطاريات التي يجب إعادة شحنها بصورة دورية من أجل تقديم الخدمة العملية، كما هي الحال — على سبيل المثال — مع الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو المحمولة والحواسيب المحمولة، وكذلك مع بطاريات الرصاص الحمضية المعروفة في السيارات والتي يعاد شحنها تلقائيًّا عندما يقود السائق السيارة.

تشترك جميع البطاريات في وجود قطبين؛ أنود (القطب الموجب) وكاثود (القطب السالب)، ولكنها تختلف في استخدام مواد كيميائية مختلفة للأنود والكاثود، وكذلك للموصل الذي يعمل على نقل الشحنات بين القطبين. وكل مجموعة لها خصائصها، وهي قادرة على توفير مزايا محددة في تطبيقات معينة، ولتوضيح هذه النقطة فإنه من المفيد إلقاء نظرة على مجموعة من المواد التي دُرست باعتبارها مرشحة كبطاريات للسيارات الكهربائية والسيارات الهجينة. وإضافة إلى تكاليف المواد والتصنيع اللازمة لوزن وحجم معينين من البطاريات التي يمكن حملها، توجد ثلاثة متطلبات أساسية أخرى: نطاق مقبول من مسافات التنقل بين مرات إعادة شحن البطارية، والقدرة على تسريع كافٍ للسيارة عند الحاجة لذلك، وعدد مقبول من دورات الشحن والتفريغ وإعادة الشحن قبل أن تصبح البطارية عديمة الفائدة. وترجمة هذه التوقعات إلى مواصفات تصميمية سوف يتطلب: (١) أن تكون المسافة المقطوعة بين كل عمليتَي شحن حوالي ٣٠٠ ميل (٤٨٠كم) على الأقل، و(٢) أن تكون البطارية المثبتة قادرة على توليد حوالي ١٥٠ واط لكلِّ كيلوجرام من الوزن، و(٣) أن يكون عدد دورات الشحن أكبر من ألف مرة مما يمكن أن يجعل عمر البطارية ٥ سنوات على الأقل.

وتظهر هذه الخصائص في الجدول ٦-١ لخمسة أنواع من البطاريات التي كانت مرشحة للاستخدام في السيارات. وتُعَدُّ بطارية الرصاص الحمضية المعيارية المألوفة نقطة انطلاق جيدة؛ فهي مقبولة فيما يتعلق بالتسارع، وربما نقبل بعدد دورات الشحن، لكنها ثقيلة للغاية في مقابل الطاقة التي تنتجها، ولن تكون مقبولة في سيارة تعمل بالكهرباء فقط؛ لأنها ستحتاج إلى إعادة شحنها بعد نحو ١٣٠ ميلًا (٢١٠ كيلومترات) فقط. أما مزيج النيكل والكادميوم فيتحمل عددًا أكبر من دورات الشحن، ولكنه فشل أيضًا في تقديم نطاق المسافات المطلوب. ويمكن لمزيج الصوديوم والكبريت أن يفي بالمسافة المطلوبة، ولكن تندرج المادتان تحت المواد المسبِّبة لخطر الاشتعال إذا تعرَّضَتَا للهواء على نحو عرضي. أما بطاريات هيدريد النيكل المعدني وبطاريات ليثيوم أيون فتتحمل كلتاهما عددًا كبيرًا من دورات الشحن وتتمتع بإمكانية معززة للتسارع؛ مما يجعل هذه البطاريات مرشحًا جيدًا لمتطلبات السيارة الهجينة التي تستخدم محرك بنزين لإعادة شحن بطاريتها على نحو دوري.
جدول ٦-١: البطاريات المرشَّح استخدامها في السيارات.
نوع البطارية المسافة المقدرة بالأميال في الشَّحنة الواحدة التسارع النسبي (واط/كجم) عدد دورات إعادة الشحن
بطارية الرصاص الحمضية ١٣٠ ١٦٥ ٦٥٠
بطارية النيكل والكادميوم ١٨٥ ١٥٠ ١٥٠٠
بطارية الصوديوم والكبريت ٥٠٠ ٢٠٠ ٦٠٠
بطارية هيدريد النيكل المعدني (للسيارة بريوس قبل ٢٠٠٩) ٣٠٠ ٦٠٠ ١٠٠٠
بطارية ليثيوم أيون (للسيارة بريوس بعد ٢٠١٠) ٥٠٠ ٦٠٠ ١٢٠٠

متطلبات الوزن والحجم لها الأهمية نفسها في اختيار البطارية؛ فبطارية مزيج هيدريد النيكل المعدني أصغر بكثير في الحجم من بطارية الرصاص الحمضية أو بطارية النيكل والكادميوم، وبطارية الليثيوم أيون أصغر حجمًا وأخف وزنًا من منافسيها. في الواقع، كانت بطارية هيدريد النيكل المعدني الخيارَ التجاري في سيارة تويوتا بريوس حتى نماذج ٢٠٠٩ على الأقل، وأعلنت جنرال موتورز وتويوتا خططًا لإنتاج عدد صغير من المَرْكبات التجارية بعد عام ٢٠١٠ ستعتمد على بطارية ليثيوم أيون.

يوجد شكل مختلف في موضوع طاقة السيارات الهجينة، هو نوع من السيارات الكهربائية يُسمَّى السيارات الهجينة التي تُوصَّل بالكهرباء. والهدف هنا هو تسيير السيارة قدر الإمكان من خلال البطارية، وعدم استخدام محرك البنزين كمصدر للطاقة إلا إذا كانت هناك حاجة لطاقة إضافية أو عندما تكون إعادة الشحن غير عملية. عادة، ستُشحن البطارية بانتظام، وربما كل ليلة عندما تكون تكاليف الكهرباء أقل. وأَعلنت العديد من شركات صناعة السيارات خططًا لإمداد السوق بعشرات الآلاف من هذه السيارات في السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، ولكن يبقى أن نرى هل سيكون المستهلكون على استعداد لدفع التكاليف الأولية الإضافية لهذه المَركبات أم لا. وتدعي تويوتا أن سيارتها بريوس، التي تُوصَّل بالكهرباء والتي تستخدم بطارية ليثيوم أيون، ستقطع مسافة ١٤٫٥ ميلًا (٢٣ كيلومترًا) بشحنة واحدة قبل أن تتحول إلى الأداء الهجين التقليدي، وفي هذا الاستخدام تتوقع تويوتا قطع ١٣٤ ميلًا (٢١٥ كيلومترًا) للجالون الواحد من البنزين.1
يقدر تحليل قام به المجلس القومي للبحوث أن وضع سياسة حكومية لتشجيع شراء السيارات الهجينة الجديدة التي توصل بالكهرباء سوف يتطلَّب دعمًا كبيرًا يصل إلى مئات المليارات من الدولارات،2 ولكن بالطبع ستتغير الصورة تمامًا إذا ما أثمرت الجهود البحثية الحالية عن بطاريات خفيفة الوزن ذات تكلفة منخفضة وكثافة طاقة عالية جدًّا. وهذه النتيجة هي الهدف الطويل المدى للتعاون بين وكالة الطاقة لمشاريع البحوث المتقدمة (أربا إي) ووزارة الطاقة الأمريكية والقطاع الخاص متمثلًا في اتحاد صناعة بطاريات السيارات الأمريكي. وكان التمويل الذي حصل عليه هذا العمل في عام ٢٠٠٩ جزءًا من حزمة تدابير التحفيز البالغة ٧٨٧ مليار دولار التي خصصها الكونجرس.

في استعراض ما يرتبط بهذا الجهد من آمال وشكوك، من المفيد أن نتذكر الثمرات التي يمكن توقُّع جَنْيِها من التحول نحو اعتماد أكبر على البطارية وأقل على محرك البنزين. أولًا، بما أن توليد الكهرباء يحدث في محطات كبيرة لتوليد الطاقة، فإنه تتوفر ميزة العدد الأقل من أماكن العمل في مقابل ملايين المنابع للسيارات. هذه المركزية تسمح باستخدام الوقود الحفري الأقل إنتاجية نسبيًّا لغازات الدفيئة، وستوفر أماكن يمكن فيها إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغازات السائلة من أجل عزله، إذا أثبتت هذه التقنية جدواها، وسوف يتناسب ذلك جيدًا مع أيِّ خطط توسُّع للطاقة النووية. وعلاوة على ذلك، أيُّ كهرباء تولدها تقنيات الطاقة المتجددة يمكن أن تلبِّي احتياجات النقل لدينا من خلال إدخالها مباشرة في الشبكة الكهربائية؛ وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن المنافع السياسية والاقتصادية لتقليل الاعتماد على النفط المستورد ستكون عظيمة.

(٢) الغاز التركيبي والوقود السائل

لا نحتاج — بالنسبة لبعض التطبيقات — لتحويل أشكال الطاقة الأخرى إلى وقود فحسب، ولكن نحتاج أيضًا لتحويلها إلى وقود سائل؛ وذلك من أجل وسائل النقل على نحو أكثر تحديدًا. نحتاج إلى هذا الوقود للسيارات والطائرات في الوقت الراهن، وسوف نظل بحاجة إليه في المستقبل المنظور على الأقل. ذكرنا بالفعل إنتاج الكحول عن طريق تخمير السكر أو الذرة أو غيرها من المحاصيل غير الغذائية، وكذلك ذكرنا مزاياه وعيوبه، وسننتقل الآن إلى نهج بديل يقوم على خليط وسيط من الغازات يُسمَّى «الغاز التركيبي».

الغاز التركيبي هو خليط من غاز أول أكسيد الكربون (الصيغة الكيميائية: CO) والهيدروجين (الصيغة الكيميائية: H2)، يَنتج إما عن طريق تفاعل كيميائي مع البخار أو بواسطة الأكسدة الجزئية لأيِّ مركب عضوي من مجموعة كبيرة من المركبات العضوية، وذلك باستخدام مواد خام مثل الفحم أو الغاز الطبيعي أو الهيدروكربونات الموجودة في أحد المنتجات النباتية التي نطلق عليها الكتلة الحيوية. على سبيل المثال، إذا كان الميثان في الغاز الطبيعي (الصيغة الكيميائية: CH4) هو المادة الخام، يتشكَّل الغاز التركيبي من خلال تفاعل الأكسدة الجزئية:3
ميثان + أوكسجين هيدروجين + أول أكسيد كربون

ويمكن أن يوفر حرق بعض مصادر المواد الهيدروكربونية الطاقةَ اللازمة لهذا التفاعل، ولكن التكلفة ستكون زيادة ثاني أكسيد الكربون المنبعث.

في تفاعل كيميائي لاحق يمكن تحويل الغاز التركيبي إلى أيِّ وقود سائل من مجموعة متنوعة من الوقود السائل، وهذا يتوقف على المادة المحفزة ودرجة الحرارة وظروف الضغط المختارة لحوض المفاعل. أفضل العمليات المطبقة لذلك الأمر هي عملية فيشر-تروبش، التي سُمِّيت باسم مخترعَيْها، اللذين اخترعاها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وبسبب تكاليف الإنتاج، فإن طريقة فيشر-تروبش غير عملية حتى الآن إلا في ظروف خاصة؛ فخلال الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا الفحم لتغذية عملية فيشر-تروبش عندما قُطعت المصادر النفطية الأخرى. وفي جنوب أفريقيا خلال فترة التمييز العنصري، كانت عملية فيشر-تروبش المعتمدة على الفحم والغاز الطبيعي أساس إنتاجهم التجاري لوقود الديزل. من ناحية أخرى، لم تكن هذه العملية حتى الآن تنافسية مع التصنيع المعتمد على النفط، ويمكن أن تصبح جذابة مرة أخرى إذا أصبحت المحاصيل غير الغذائية مصادر طاقة مهمة و/أو أُنتج الهيدروجين باستخدام الطاقة المتجددة على نحو لا يؤدي إلى زيادة عبء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

ويوضح الشكل ٦-١ شكلًا بيانيًّا مصوَّرًا لأحد المصانع التي ستستخدم الفحم أو الغاز الطبيعي أو الكتلة الحيوية لإنتاج الوقود السائل عن طريق الغاز التركيبي الوسيط.4 ويمثِّل المربع المكتوب فيه «تغويز» جميع الخطوات الفرعية التي تنتج الغاز التركيبي الوسيط، وكذلك الإنتاج الثانوي لغاز ثاني أكسيد الكربون. وثمة خطوة إضافية لإزالة الشوائب من تيار الغاز وفصل ثاني أكسيد الكربون من أجل عزله (لم تُطبَّق بعدُ في صورة مجدية تجاريًّا). و«مفاعل عملية فيشر-تروبش» مع عملية التنقية اللاحقة يُكمل التحويل إلى وقود سائل صالح للاستعمال. بطبيعة الحال، ستتطلب كل خطوة من خطوات التصنيع الشامل تطورات مفصلة لعمليات الهندسة الكيميائية، بما في ذلك تنقية الغاز قبل التفاعل وعملية فصل النواتج اللازمة بعد التفاعل، وجميعها تسهم على نحو رئيسي في التكلفة العالية نسبيًّا لهذه العملية التصنيعية. ويوضح الشكل نفسه أيضًا استخدامًا بديلًا للغاز التركيبي، وهو استخدام الغاز لتصنيع البنزين من خلال عملية «موبيل» بواسطة كحول الميثيل (الميثانول) الوسيط، وسوف يعتمد المسار المفضل على الظروف الاقتصادية في وقت معين ومكان معين.
fig21
شكل ٦-١: صنع الوقود السائل عن طريق الغاز التركيبي.
في تحوُّل حادٍّ عن التقنيات التي تستخدم البترول أو الكتلة الحيوية كمواد أولية، عرضت وزارة الطاقة دعم برنامج بحثي جديد لاستكشاف نهج بديل لصنع وقود النقل السائل.5 والهدف هو استخدام «الكائنات الدقيقة لتسخير طاقة كيميائية أو كهربائية لتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى وقود سائل.» النجاح في هذا المسعى قد يكون بعيدًا جدًّا، ولكن الفوائد ستكون كبيرة جدًّا، بما في ذلك — من بين أمور أخرى — القدرةُ على إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون المنبعث من احتراق الوقود التقليدي.

(٣) غاز الهيدروجين

لعدة عقود، حلم البعض بتطبيق «اقتصاد الهيدروجين»، من أجل تخزين الطاقة باعتباره غازًا أوليًّا قابلًا للاحتراق، واستخدام الغاز لكلِّ احتياجاتنا من الصناعة إلى النقل. ولما كان احتراق الهيدروجين ينتج المياه كمنتج وحيد للعملية، فإنه يبدو للوهلة الأولى أنه الحل غير الملوِّث لمشكلتَيْ إمدادات الوقود والاحترار العالمي. ولكن بما أن الهيدروجين لا يوجد إلا في المركبات الكيميائية ولا يوجد في حالته الغازية حرًّا، فإن أيَّ تقييم دقيق لهذه الاحتمالات يجب أن يدرس كيفية تصنيع غاز الهيدروجين. يعتمد أسلوب الإنتاج الحالي على تفاعل البخار مع المصادر الهيدروكربونية من النفط أو الغاز الطبيعي. على سبيل المثال، إذا استخدمنا الغاز الطبيعي، فإن التفاعل يُسمَّى «إعادة التشكيل بالبخار»:
ميثان + مياه هيدروجين + أول أكسيد الكربون
ولإنتاج المزيد من الهيدروجين، يُتبع هذا التفاعل بما يُسمَّى «تفاعل إزاحة غاز الماء»، والذي يستخدم بخارًا إضافيًّا ليتفاعل مع أول أكسيد الكربون الناتج من الخطوة الأولى:
أول أكسيد الكربون + ماء هيدروجين + ثاني أكسيد الكربون
تُنتج هذه العملية الصناعية بالغةُ الكفاءة ملايينَ من الأطنان من غاز الهيدروجين كل عام، ولكن من المهم أن نؤكد أنها تنتج أيضًا ثاني أكسيد الكربون بالقدر نفسه الذي ينتجه حرق الغاز الطبيعي مباشرة كوقود. ولُخصت الصيغ الكيميائية لإعادة التشكيل بالبخار وتفاعل إزاحة غاز الماء في الجدول ٦-٢ بهدف الرجوع إليها.
جدول ٦-٢: المعادلات الكيميائية في تصنيع الهيدروجين.
ميثان + ماء هيدروجين + أول أكسيد الكربون
أول أكسيد الكربون + ماء هيدروجين + ثاني أكسيد الكربون

في ضوء هذا الإنتاج لثاني أكسيد الكربون، من الواضح أنه ما دام الهيدروجين يُصنع من المواد الخام الهيدروكربونية، فإن استخدامه ليس علاجًا للاحترار العالمي. وعلاوة على ذلك، بما أننا لدينا بالفعل نظام ممتاز لنقل الغاز الطبيعي، فلا توجد فائدة متوقعة من اقتصاد يعتمد على الهيدروجين ما لم تُكتشف وسيلة كفءٌ لصنع غاز الهيدروجين لا تعتمد على المواد الهيدروكربونية.

إذا أردنا عدم استخدام المصادر الهيدروكربونية للحصول على الهيدروجين، فإن المصدر المستهدف الواضح هو الماء، والذي يمكن تقسيمه إلى عناصره (الهيدروجين والأكسجين) عن طريق التحليل الكهربي:
الماء (سائل) الهيدروجين (غاز) + أكسجين (غاز)

يمكن إنتاج الكهرباء اللازمة من محطة للطاقة النووية أو من أيِّ مصدر متجدد، سواء كان من طاقة المد، أو أشعة الشمس المباشرة، أو مشتقاتها في الرياح أو الأمواج أو المحاصيل غير الغذائية. هذا السيناريو يثير سؤالين؛ أولًا: ما مدى كفاءة عملية التحليل الكهربي؛ أيْ ما مقدار الطاقة الكهربائية المتاحة الذي يُخزن فعليًّا في الهيدروجين الناتج؟ وثانيًا: هل توجد وسيلة أفضل لتخزين الطاقة الكهربائية من تخزينها في غاز الهيدروجين؟

بالنسبة لمسألة الكفاءة، فمن المسلَّم به عمومًا أنه مع التكنولوجيا الحالية لا يحوِّل التحليل الكهربي للماء ما يكفي من الطاقة الكهربائية إلى طاقة كيميائية في الهيدروجين ليكون مُجديًا اقتصاديًّا. فالطاقة الكهربائية المفقودة تضيع في صورة حرارة، وأرقام التحويل المذكورة عادة ما تكون في حدود ٥٠–٧٠٪؛6 إذ لا يتم إدراج الطاقة المفقودة في توليد الكهرباء. وتعتمد النتائج بشكل كبير على المحفِّز المستخدم للأنود والكاثود في خلية التحليل الكهربي، ويستخدم التطبيق الحالي سبائك البلاتين لهذا، ولكن يوجد أمل للتحسن إذا أمكن اكتشاف أسطح محفزة أفضل.
إحدى الميزات الجذابة للهيدروجين كوقود هي السهولة النسبية التي يمكن أن يتأكسد بها في «خلية الوقود»، وهي الجهاز الذي يحوِّل الطاقة الكيميائية إلى كهربائية؛ أيْ يعكس في الواقع التغيير الحادث عن طريق التحليل الكهربي. يمكن أن تكون خلايا الوقود صغيرة بما يكفي لاستخدامها في السيارات أو في المنازل، مع أن تخزين غاز الهيدروجين قد يكون عاملًا مقيِّدًا. وبالنسبة لتطبيقات السيارات، يُزعم أنه يتم إجراء تحويلات تصل إلى ٤٠–٦٠٪ في تحويل الطاقة الموجودة في الهيدروجين إلى كهرباء،7 ولكن تعتمد التفاصيل على ظروف التشغيل ونوع خلايا الوقود المستخدمة. مرة أخرى، مواد تكوين الخلية حيوية وهذا يترك مجالًا للتفاؤل بشأن اتجاهات المستقبل، ولكن ما مدى بُعْد «المستقبل»؟ كذلك يجب على التقييم الواقعي لإمكانات إنتاج سيارة تعمل بالهيدروجين أن يتضمن السلبيات. ذكر تقييم من قِبَل وزارة الطاقة الأمريكية8 سلبيات مثل تكلفة خلايا الوقود للمركبات، وعدم القدرة على تخزين كميات كبيرة من الهيدروجين، وغياب وجود وسيلة لتوليد الهيدروجين لا تنتج ثاني أكسيد الكربون، وغياب البنية التحتية للتزود بالوقود على مستوى الدولة. وخلص تقييم وزارة الطاقة إلى أن مستقبل الهيدروجين يبعد بأكثر من ٢٠ عامًا، وأنه نتيجة لذلك لا يستحق سوى أولوية منخفضة بين البدائل.

(٤) ضخ المياه أم ضغط الهواء

طالما كانت الطاقة الكهرومائية المثال الأكثر نجاحًا للطاقة المتجددة، ويمكن أيضًا للطاقة الكامنة المرتبطة بمصدر مياه على مستوًى مرتفع أن تُستخدَم لتخزين الطاقة التي تأتي من مصادر أخرى، وذلك ببساطة من خلال إنشاء بحيرة تخزين عن طريق الضخ من مستوًى منخفض إلى مستوًى أعلى. إن تكنولوجيا الضخ متقدمة للغاية، ويمكنها نظريًّا استخدام طاقة من أيِّ مصدر متجدد أو غير متجدد، ولكنها أكثر جاذبيةً لقدرتها على استخدام الطاقة المتجددة التي لا تعتمد على المصادر التقليدية المنتجة لثاني أكسيد الكربون.

ويمكن أيضًا تطبيق الفكرة ذاتها عن تخزين الطاقة في شكل طاقة كامنة في صورة تخزين الغاز المضغوط. فيمكن استخدام الطاقة المتاحة في أيِّ وقت من الأوقات، ومهما كان مصدرها لضغط الهواء. فعندما يُطلق الهواء المضغوط من خلال توربين أو آلة أخرى، فإن تدفق الهواء يحول الطاقة الكامنة إلى طاقة حركية، ثم إلى الطاقة الكهربائية أو الحركة الميكانيكية المطلوبة. ومن أجل تخزين كبير للطاقة يجب أن تكون غرفة الضغط هيكلًا جيولوجيًّا تحت الأرض مثل منجم ملح مستنفد أو حقل غاز طبيعي مستنفد، والتي تتنافس على المساحة مع العزل المقترح لثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، على الجانب الإيجابي، يتفوق الهواء المضغوط تحت الأرض على مستودعات المياه بميزة أنه لا يؤثر على السكان المحليين أو النظام البيئي فوق سطح الأرض، وثمة ميزة أخرى هي الحد من استخدام الوقود الحفري، وذلك على النحو التالي: عندما يتحرر الهواء المضغوط يبرد بينما يتمدد، فيجب رفع درجة حرارته قبل أن يدخل التوربينات. ويتحقق هذا بسهولة عن طريق خلط الهواء بالغاز الطبيعي وإشعال الخليط، ثم تستخدم نواتج الاحتراق الساخنة لتشغيل التوربينات بطريقة تقليدية، ولكنها توفر حوالي ثلثي الوقود الحفري الذي كان سيستخدم لتوليد كمية الكهرباء نفسها.

عند تناول التجهيزات الجديدة من المفيد إجراء مقارنات مع الخيارات المألوفة الموجودة. أحواض الضغط عمومًا تعيش لفترة مفيدة أطول من البطاريات، وتُصنع من مواد غير سامة، ومع ذلك، فصنْعها أكثر تكلفة لكلِّ وحدة لتخزين الطاقة. وللاستخدام عندما تتوفر كثافة ثابتة من الإمدادات، تفضل البطاريات على الهواء المضغوط؛ وذلك لأن البطارية تعمل بتيار ذي جهد ثابت، في حين أن خزان الهواء المضغوط يفقد الضغط عندما يتحرَّر الهواء. من ناحية أخرى، يمكن تقديم الطاقة من الهواء المضغوط بسرعة أكبر، وهي ميزة حيوية عندما تكون السرعة مفضلة.

fig22
شكل ٦-٢: رسم تخطيطي يبين كيف يمكن للطاقة الشمسية أن تنتج الكهرباء عن طريق التخزين الحراري الوسيط في الملح المنصهر (المصدر: برنامج تركيز الطاقة الشمسية في مختبرات سانديا الوطنية).

حتى الآن لا يوجد إلا نظام كبير واحد لتخزين الطاقة في الهواء المضغوط، موجود منذ عام ١٩٩١ في مكينتوش بألاباما بقدرة ١١٠ ميجاواط. ومن المتوقع وصول دعم من وزارة الطاقة في أواخر عام ٢٠٠٩ لوحدات تخزين هواء مضغوط مقترحة، من شأنها أن تضاعف القدرة الحالية بأكثر من ثلاثة أمثال.

(٥) المياه الساخنة أو الملح المنصهر

الحرارة الزائدة تحيط بنا في كل مكان؛ فالشمس ترفع درجة حرارة أسطح منازلنا وجميع الأسطح المكشوفة، والآلات بجميع أنواعها تشتِّت الحرارة جراء الاحتكاك، والثلاجات ومضخات الحرارة تنقل الطاقة الحرارية من الداخل إلى الخارج. والألواح الشمسية على السطح التي تضم أنابيب يمكنها تجميع الإشعاع الساقط من الشمس وتحويل الطاقة إلى مخزون حراري في صورة ماء ساخن، وتستخدم هذه التركيبات عادة لتوفير المياه الساخنة و/أو التدفئة في المنازل، وكذلك في المتاجر والمصانع. إذا كان يمكن تسخين الماء إلى درجة حرارة عالية بما فيه الكفاية ليكون بخارًا، يمكن استخدام النظام لتشغيل توربين وتوليد كهرباء على نطاق أوسع، ولكن هذا التركيب سيتطلب جامعًا عالي الضغط ومجموعة من المرايا لتركيز الإشعاع من منطقة واسعة على السطح الأصغر لجامع الأشعة. ويوجد شكل مختلف من هذا التطبيق يستخدم الملح المنصهر بدلًا من الماء كسائل للعمل عليه، من أجل تذليل الوصول لدرجة حرارة أعلى مناسبة تؤدي إلى تحويل أكثر كفاءة للكهرباء. ويوضح الشكل ٦-٢ تمثيلًا مصوَّرًا لنظام الملح المنصهر.9 والعناصر الأساسية للنظام هي النطاق الكبير الذي يضم مرايا التركيز، وجامع الحرارة المركزي، وخطوط الملح المنصهر المنتشرة، وصهاريج التخزين، ومحوِّل الطاقة النهائية لاستخدام الحرارة لتشغيل المولد التوربيني. وما دامت خزانات السائل الناقل المسخَّن معزولة جيدًا، يمكن الاحتفاظ بالطاقة المخزونة لساعات أو أيام لتكون متاحة عند ارتفاع الطلب، حتى خلال الأوقات التي تنخفض فيها مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

(٦) الحدافة

على الرغم من عدم تطبيق ذلك على نطاق واسع، فإنه ينبغي الإشارة إلى إمكانية تخزين الطاقة في شكل طاقة حركة في عجلة دوَّارة. فأيًّا كانت الطاقة المتاحة (الكهرباء عادة) يمكن استخدامها لزيادة سرعة العجلة، ومن ثَم تُخزن في شكل طاقة حركية، وعندما يُراد استخراج الطاقة من جهاز التخزين هذا، فإنه يمكن ربطه بمولد كهربي أو أيِّ محرك ميكانيكي حسب الرغبة. أحد الأمثلة المثيرة للاهتمام على هذا الربط كان موجودًا في إيفردون بسويسرا لعقود عديدة في خط حافلة قصير المدى. توضع الحدافة على متن حافلة وتعمل مع العجلات عندما يتطلب الأمر تحركها، وتصل العجلة إلى سرعتها القصوى في كل محطة. يعمل النظام بنجاح لأن طريق الحافلة قصير، وتحتاج كل رحلة إلى مخزون قليل نسبيًّا من الطاقة. وفي هذا الصدد من المهم أن نلاحظ أن تكنولوجيا ألياف الكربون المركبة الحديثة جعلت من الممكن صناعة برامق عجلة خفيفة الوزن ذات قوة شد كبيرة للغاية؛ مما يجعل من الممكن الوصول لسرعات دوران أعلى، ومن ثَم زيادة كثافة تخزين الطاقة. وبما أن الطاقة المخزنة تزيد مع زيادة مربع سرعة الدوران، فإن هذه التغييرات لا بد أن تجعل من الحدافة شكلًا من أشكال التخزين الأكثر كفاءةً، ومن ثَم الأكثر جاذبيةً من الناحية الاقتصادية. وتشمل الوحدات التجريبية الآن محامل مغناطيسية وحجرات تفريغ للحد من الخسائر الناجمة عن الاحتكاك إلى الحد الأدنى، وأشير إلى أن استعادة الطاقة المخزونة يصل إلى ٩٠٪.10 ولا تزال الطاقة المقدرة للوحدات القائمة صغيرة للغاية؛ إذ تصل إلى حدود ٤٥ كيلوواط.

وبالمقارنة مع غيرها من أجهزة تخزين الطاقة، فإن مزايا الحدافات الأساسية تتمثل في الاستجابة السريعة (في دقائق)، والعمر الطويل (لمدة عقود) مع دورات متعددة لدخول الطاقة وخروجها، وقلة الحاجة للصيانة. وبالمقارنة مع البطاريات — على وجه الخصوص — يمكن لتكنولوجيا الحدافة التغلُّب على أوجُه قصور البطاريات المتمثلة في القدرات المنخفضة وأوقات الشحن الطويلة.

هوامش

(1) Hiroko Tabuchi, “As Rivals Gain, Toyota Announces Plug-In Hybrid Prius,” New York Times, December 15, 2009, p. B5.
(2) Jad Mouawad and Kate Galbraith, “Study Says Big Impact of the Plug-In Hybrid will be Decades Away,” New York Times, December 15, 2009, p. B5.
(3) This translates into the chemical formula:
(4) Wikipedia article on synthetic fuel, http://en.wikipedia.org/wiki/Synthetic_fuel.
(5) Jeffrey Mervis, “ARPA-E Puts Another $100 Million on the Table,” science, December 7, 2009, http://bit.ly/7xaug5.
(6) Linus Pauling, General Chemistry, Section 15–2 (San Francisco: Dover Publications, 1970).
(7) Fact sheet published by the Department of Energy (DOE) Energy Efficiency and Renewable Energy Information Center, “Hydrogen Fuel Cells,” http://www.hydrogen.energy.gov/pdfs/doe_h2_fuelcell_factsheet.pdf.
(8) Robert F. Service, “Hydrogen Cars: Fad or the Future,” science, Vol. 324, June 5, 2009, p. 1257.
(9) Figure 6.2 is from “Concentrating Solar Power Program at Sandia National Laboratories,” http://www.sandia.gov/Renewable_Energy/solarthermal/NSTTF/salt.htm.
(10) Alan Ruddell, Storage Technology Report: WP-ST6 Flywheel (Didcot, UK: CCLRC-Rutherford Appleton Laboratory, June 17, 2003).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤