الفصل الثاني

اكتشافُ الفرص وخلْقُها

اخترعَ جيمس دايسون نوعًا جديدًا من المكانس الكهربائية دون كيس قماشي داخلها، وذلك بعد أن أدركَ أن قوة الشفط في مِكنسته الكهربائية التقليدية أضحت غيرَ فعَّالة عند امتلاء كيسها القماشي بذرَّات الغبار. كان هناك سوق للمكانس الكهربائية قائمًا بالفعل منذ فترة طويلة، ولكن التقنية الجديدة الموثَّقة ببراءة اختراع، والتي طوَّرها دايسون، أحدثت تغييرًا جوهريًّا في آلية تلبية الطلب على أجهزة التنظيف المنزلية الموفِّرة للوقت والجهد. وخلال العملية الطويلة والمُكلِّفة لتطوير تقنيته الجديدة، التي اقتضت اقتراض ٦٠٠ ألف جنيه إسترليني لتأسيس شركته وتطوير حوالي ٥ آلاف نموذج أولي، تحتَّم على دايسون التوصُّل إلى قرارٍ بأن فِكرته ستُؤتي ثمارها في النهاية، وسيُفسَح لها مجال في السوق.

في القرن التاسع عشر، اكتشفَ كلارنس بيردزاي الفكرةَ الأساسية لنوع جديد تمامًا من عمليات إنتاج الأطعمة المجمَّدة. لم تنجح الجهود الأولية لتجميد اللحوم والخضراوات في استخدامها تجاريًّا؛ وذلك لأن العملية استغرقت عدة ساعات، وفقد الطعام قوامه ونكهته. لاحظَ بيردزاي أن الطريقة التي يتبعها هنود الإنويت للتجميد السريع للأسماك ساعدت في احتفاظ الطعام بمذاقه عند طهيه فيما بعد. وعليه، طوَّر بيردزاي التقنية لإعادة إنتاج هذه العملية لخدمة الأغراض التجارية. في البداية، تكبَّدت شركته خسائر مالية بسبب الشكوك التي ساورت المستهلِكين. لكنه مضى قُدمًا في استكمال فِكرته من خلال تطوير عملية جديدة لتعبئة المواد الغذائية في علب الكرتون، والتجميد السريع للمحتويات تحت الضغط. هكذا نشأت صناعة الأغذية المجمَّدة. وقد باعَ شركته للحصول على مواردَ لإطلاق حملة ناجحة لإقناع العملاء بفوائد هذه الفكرة. بعدها حقَّقت الشركة نجاحًا تجاريًّا.

أسَّس مارك زوكربيرج موقعَ التواصل الاجتماعي «فيسبوك». وكان زوكربيرج قد ذاع صيته باعتباره معجزةً في مجال برمجة الكمبيوتر. وقبل تطوير فكرة «فيسبوك»، كان يستغل هذه المهارةَ في تطوير مواقع أخرى، من بينها دليل عبْر الإنترنت يحتوي على التفاصيل الخاصة بالطلاب في سكنه الجامعي بغرض التسلية. وبحلول عام ٢٠١٠، أصبح لدى «فيسبوك» ما يُقدَّر بنحو ٥٠٠ مليون مستخدِم من مختلف أنحاء العالم، ونجح في إدراج شركته في سوق الأوراق المالية.

لا شكَّ أن هؤلاء الأشخاص الثلاثة يُعَدُّون نماذجَ لروَّاد الأعمال. ولكن تختلف المسارات التي سلَكوها نحو ريادة الأعمال. وتوضِّح هذه النماذج أوجه التشابه في المهام العامة لروَّاد الأعمال، وأوجه الاختلاف في تطوير فرصهم الريادية.

مهام روَّاد الأعمال

تقترن مدرسة الفكر الاقتصادي في شيكاغو بفرانك نايت، الذي يشير إلى أن روَّاد الأعمال يمكن أن يحقِّقوا ربحًا خالصًا، وذلك باعتباره مكافأةً لهم على تحمُّل ثَمن الشك وعدم اليقين. يرى نايت أن تحمُّل الشك وعدم اليقين هو المهمة الحقيقية لروَّاد الأعمال. وعدم اليقين مرتبط بتوزيع سلعةٍ ما عندما تكون النتيجة مجهولة. ويشير نايت إلى أن روَّاد الأعمال يخاطرون في عالَم يحيط به الشك وعدم اليقين من كل جانب. وهذه المخاطرة تتعلق بتوزيع النتائج في ظل مجموعة ظروف معروفة، إما من خلال الحسابات القائمة على الاستنتاج النظري وإما من خلال إحصائيات التجارب السابقة.

من وجهة نظر نايت، تتمثَّل مهمة رائد الأعمال في خوض المخاطر المحسوبة العواقب. وقد أدركَ نايت أن روَّادَ الأعمال بحاجة إلى بُعد النظر والتحكُّم في الموارد إذا ما أرادوا دعمَ قراراتهم. وطبقًا لما ذكره، فإنَّ روَّاد الأعمال لا يخشون المخاطرة؛ وذلك لأنهم يموِّلون قراراتهم بأنفسهم.

استخدمَ لين شاكل مصطلح «المستثمِر» بدلًا من رائد الأعمال. يُظهر المستثمِرون الإبداعَ والتلقائية عند التعامل مع عدم اليقين. يتعامل المستثمِر مع عدم اليقين، ويُصدِر قراراتٍ ماهرة، ويجمع الموارد النادرة ويخصِّصها، ويقدِّم منتجاتٍ جديدة. وفي مجال ريادة الأعمال تُدمَج المعرفة والأفكار والمشاعر والخيال والإبداع للتعامل مع غياب المعرفة الكاملة الناتج عن عدم اليقين.

كانت ماي لي هامارجرِن، طالبةً بمدرسة ستوكهولم للاقتصاد، مرتبطة بشابٍّ تختلف ساعات عمله عن ساعات عملها. ولذا، أخذت تفكِّر في طريقةٍ لضبط منبِّهها بحيث لا تُوقِظه. تمثَّلت فِكرتها الإبداعية والمبتكَرة في صنع ساعة اهتزازية مزوَّدة بشاشة تعمل باللمس تُسهِّل التنقُّل بين التوقيت والمؤقِّت والمنبه. فازت فِكرتها في مسابقة لأفكار المشروعات التجارية. وفي سن الحادية والعشرين، بينما كانت لا تزال تدرس، أسَّست هي وطالب الهندسة أوسكار ريتزين براجلوفسكي شركةَ «ميوتواتش» في عام ٢٠٠٨. والآن يُصدَّر المنتج في جميع أنحاء العالم.

تتناول مدرسةُ الفكر الاقتصادي الألماني النمساوي، الذي أرسى قواعدَه جوزيف شومبيتر في أعماله، الصلةَ بين عدم الاستقرار والتنمية الاقتصادية. ويشير شومبيتر إلى أن رائد الأعمال لا يتحمَّل المخاطر. بل إنَّ تحمُّل المخاطر هو مهمة الرأسماليين الذين يوفِّرون التمويل لروَّاد الأعمال. لا يتحمَّل روَّاد الأعمال المخاطر إلا إذا تصرَّفوا كرأسماليين. ويؤكِّد شومبيتر أن روَّاد الأعمال هم صانعو التغيير الفعَّال ومحفِّزوه. إنهم أشخاص مميَّزون لأنهم أصحاب رؤًى. وأيُّ شخص يمارس الابتكار أو يتبنَّى مجموعة جديدة من دمج الممارسات هو رائد أعمال. وبوادر الابتكار هي الخيال والإبداع.

يُنظَر إلى الابتكار الثوري (أو المجدِّد) على أنه شرط أساسي لريادة الأعمال الحقَّة. وتتَّسم ابتكارات شومبيتر بأنها متميزة وجوهرية. ترتبط الابتكارات المتميزة بخمسة مصادر للتغييرات المهمة أو مجموعة الأفكار والممارسات الجديدة. المصدر الأول هو طرح سلعة جديدة، أو تحسين جودة سلعة موجودة بالفعل. والثاني هو فتح سوق جديدة، وبالأخص سوق تصدير في منطقة جديدة. والثالث هو السيطرة على مصدر جديد لتوريد المواد الخام أو السلع نصف المصنعة. وأما الرابع فهو طرح أساليب إنتاج جديدة لم تثبُت فعاليتها بعد. والخامس هو إنشاء نوع جديد من المؤسسات الصناعية، خاصة تأسيس اتحاد احتكاري أو أي نوع آخر من الاحتكار.

يقود الابتكار الثوري إلى منتجات جديدة ينتج عنها تكوين الثروات ومزايا ناتجة عن توفير فرص عمل. تهدِّد هذه المنتجات الجديدة استمرارَ بقاء العديد من المنتجات/العمليات القائمة. يمكن للمؤسسات الجديدة المنخرِطة في الابتكار الثوري أن تدمِّر الأسواق التقليدية التي تخدُمها الشركات الأقل ابتكارًا والقائمة بالفعل. ويمكن أن يؤدي نجاح المشروع الجديد الذي يُقدم الابتكار الثوري إلى تشجيع المقلِّدين. وقد تؤدي زيادةُ نسبة عدم اليقين والمنافسة إلى إغلاق شركات بعض المنافسين الحاليين والجُدد. وسوف يستمر إغلاق الشركات حتى يصبح مستوى الربحية في الصناعة الجديدة أو النشاط الجديد مماثلًا لمعدَّلات العائد في الأنشطة القائمة. سيقتصر جنيُ الأرباح واستمرارية العمل على أفضل الشركات في المجال التي تستخدم التكنولوجيا المناسبة وتستعين بأفضل الممارسات التجارية. سُميت ريادة الأعمال التي تُهدَم في خِضم ابتكارها وتبتكر في خِضم هَدمها بدورة الهدم البنَّاء أو الخلَّاق.

يمكن لروَّاد الأعمال أصحاب المشاريع الصغرى أن يمهِّدوا الطريق أيضًا أمام مجموعة من الأنشطة الجديدة، المكمِلة للمشروع الأصلي المبتكَر. وباستخدام التكنولوجيا الثورية في الأسواق الجديدة وتطويع هذه التكنولوجيا، يمكنهم توليدُ ثروة إضافية وخلقُ فرص عمل لم يتصورها في الأصل روَّاد الأعمال من نوعية شومبيتر، الذين مهَّدوا الطريق أمام الابتكار الثوري في المقام الأول. ولذلك، يرغب صُناع السياسات الساعون إلى تعزيز التنمية الاقتصادية في زيادة عدد المبتكِرين الثوريين من أجل توليد فوائد مباشرة وغير مباشرة مرتبطة بالابتكار الثوري الأصلي.

الدافع الرئيسي لنشاط ريادة الأعمال هو الربح الذي يمكن أن ينشأ من كونك أول مَن يبتكر نهجًا معينًا أو يطرح منتجًا معينًا. يرى شومبيتر أن هذه الأرباح مؤقتة. ذلك أنه في ظل غياب حماية الاحتكار، سيرى الآخرون الأرباح التي حقَّقها الابتكار الجديد، ومن ثمَّ سيُقلِّدون الابتكار الأصلي؛ مما ينتج عنه منافسة وتراجع تدريجي في أرباح الاحتكار المتاحة. وفي وقت لاحق، توقَّع شومبيتر اندثار مهمة رائد الأعمال. كان شومبيتر يعتقد أن فِرق العُمَّال والعلماء العاملين في مؤسساتٍ كبرى سوف يؤدون مهمة التقدُّم التكنولوجي والتغيير بدلًا من روَّاد الأعمال. ومن المرجَّح أن يتوفَّر لدى هذه الفِرق الموارد والمهارات اللازمة لترجمة الرؤية (أي مجموعة الأفكار الجديدة) إلى خطة عمل قابلة للتنفيذ.

تتجسَّد مدرسةُ الفكر الاقتصادي الفرنسي في عمل ريتشارد كانتيلون، الذي غالبًا ما يرتبط اسمه بمصطلح «رائد الأعمال» الذي تناولناه في الفصل الأول. في أوائل القرن السادس عشر في فرنسا، كان يُشار إلى الرجال المشاركين في حملاتٍ عسكرية مهمة بأنهم روَّاد أعمال. كما أطلقت الحكومة الفرنسية في أوائل القرن الثامن عشر المصطلح على مقاولي الطرق والمواني والحصون.

يُشير كانتيلون إلى أن روَّاد الأعمال يتفاعلون مع فرص تحقيق الأرباح، ويتحمَّلون عدم اليقين، ويعملون باستمرار على تحقيق توازن (مؤقَّت) بين العرض والطلب في أسواق معينة. رائد الأعمال هو شخصية محورية تعمل في مجموعة من الأسواق الاقتصادية. استخدم كانتيلون مصطلح «رائد الأعمال» للإشارة إلى الأفراد الذين يسعون إلى تحقيق أرباح المراجحة في ظل ظروفٍ يحيط بها عدم اليقين. المراجحة هي العملية التي من خلالها تتساوى أسعار نفس المنتج المطروح في أسواقٍ مختلفة في ظل غياب تكاليف النقل. باختيار القيام بعمليات المراجحة، يؤدي رائد الأعمال دورَ وسيط مضارب يربط العرض بالطلب. ورائد الأعمال هو شخص يتحمَّل عنصر عدم اليقين، وقد يمتلك رأس المال أو لا يمتلكه. ترتبط الإجراءات التي يتخذها رائد الأعمال بالربح (أو الخسارة). ويتمثَّل دخلُ رائد الأعمال في المبلغ المتبقي بعد سداد جميع المدفوعات التعاقدية. هكذا يُقدِّم كانتيلون تعريفًا أعمَّ يشير إلى أن أي شخص يدير عمله الخاص يمكن اعتباره رائد أعمال.

تؤكِّد مدرسة الفِكر الاقتصادي الكلاسيكي، الذي جسَّده جان بابتست ساي، على تعدُّد الأدوار التي يجب على رائد الأعمال تبنِّيها من أجل تحقيق النجاح. ويُشير قانونه إلى أن كلَّ عرضٍ يمكن أن يخلُق طلبه الخاص. وأن روَّاد الأعمال لديهم القدرة على جمع الموارد وإدارتها. علاوةً على ذلك، فهم يمزجون عوامل الإنتاج ويُنسقونها للحد من المخاطر من أجل استيعاب أيِّ حدثٍ غير متوقَّع والتغلب على المشكلات. لا يقتصر دور روَّاد الأعمال على عملية الإنتاج أو سوق المنتج فحسب. إذ إنه مطلوب منهم جمعُ الموارد (مثل المواد الخام، والمباني، والعمالة، والمصانع، والمعدَّات، والتمويل، وما إلى ذلك) ومعالجة أي عوائق تنظيمية. تُعتبر الدرجة العالية من المهارة والكفاءة شرطًا أساسيًّا لتأسيس شركاتٍ جديدة ناجحة وشرطًا أساسيًّا للتطوير.

اكتشافُ الفرص أم خلْقُها؟

ربما يتعلق الجدل الأكبر المُثار بشأنِ ما يفعله روَّاد الأعمال بما إذا كانوا يكتشفون الفرص الموجودة بالفعل أم إنهم يخلقونها من الأساس. يلخِّص جدول ٢-١ الأبعاد الرئيسية لكل منظور.

يكتشف بعضُ روَّاد الأعمال فرص المشروعات التجارية من خلال يقظتهم وانتباههم إلى الفجوات الموجودة في السوق. ويتضمَّن هذا الانتباه ملاحظة الفرص التي تم التغاضي عنها حتى الآن، وذلك دون البحث عنها. تدرك مدرسةُ الفكر الاقتصادي النمساوي الحديث أن هناك تغيرات مستمرة في عرض المنتجات/الخِدمات والطلب عليها. وفي إطار الفكر الاقتصادي لهذه المدرسة، يرى إزرائيل كيرزنر أن روَّاد الأعمال يعيرون انتباهًا أكبرَ إلى الرسائل المستمدة من الوضع الاقتصادي، والتي تشير إلى وجود خلل في التنسيق، وكذلك إلى المكاسب المحتملة من التجارة. وينتبه روَّاد الأعمال إلى اختلال توازن السوق (المنتجات التي يطلبها المستهلِكون لا تتوافر بسعر مناسب)، ويستشفُّون كيفيةَ استغلال الفجوة الموجودة في السوق عن طريق المراجحة. ومن خلال استغلال فجوة السوق هذه، يمكن لشركة رائد الأعمال أن تدفع مجالًا ما نحو التوازن. ترتكز عقليةُ رائد الأعمال على اليقظة وسرعة البديهة اللذين بموجبهما يَسهُل الاكتشاف السريع للفرص واستغلالها، حتى تلك الفرص غير المؤكَّدة بدرجة كبيرة.

جدول ٢-١: اكتشاف الفرص مقارنةً بخلق الفرص*
نظرية الاكتشاف نظرية الخلق
طبيعة الفرص توجد الفرص بمعزلٍ عن رائد الأعمال (عوامل خارجية؛ موضوعية) لا توجد الفرص بمعزل عن رائد الأعمال (عوامل داخلية؛ متأصلة اجتماعيًّا)
طبيعة رائد الأعمال يختلف في بعض النواحي المهمة عن غيره ممن ليسوا روَّاد أعمال؛ مرحلة استباق الفرصة وترقُّبها قد يختلف أو لا يختلف عن غيره ممن ليسوا روَّاد أعمال؛ مرحلة ما قبل خلق الفرصة؛ قد تظهر أوجه الاختلاف بعد خلق الفرصة
طبيعة سياق اتخاذ القرار محفوف بالمخاطر (يمكن جمْع المعلومات لتقدير مدى احتمالية تحقيق النتائج.) غير مؤكَّد (لا يمكن جمع المعلومات لتقدير مدى احتمالية تحقيق النتائج.)
الأسئلة التقليدية هل روَّاد الأعمال الذين يشكِّلون الفرصَ ويستغلونها مختلفون حقًّا عن الأفراد الذين لا يفعلون ذلك؟ كيف يُقدِّر روَّاد الأعمال مدى خطورة قراراتهم؟ كيف يخلُق عمل روَّاد الأعمال الفرص؟ هل توجَّه أوجه اختلاف بين روَّاد الأعمال الذين يشكِّلون الفرص ويستغلونها وأولئك الذين لا يقومون بأي أنشطة ريادية أو يؤثِّرون فيها؟ كيف يمكن لروَّاد الأعمال استخدام العمليات التدريجية، والمتكررة، والاستقرائية، في اتخاذ القرارات؟
المصدر: ألفاريز وبارني (٢٠٠٧)

في مطلع القرن العشرين، لاحظَ أوستن ريد أن أعدادًا متزايدة من العاملين في الوظائف الإدارية (ذوي الياقات البيضاء) القادمين إلى مدينة لندن يريدون ارتداءَ ملابسَ أنيقة مثل رؤسائهم في العمل، وبأسعار معقولة. ولذا، افتتح أول متجر لحياكة ملابس الرجال عام ١٩٠٠ في شارع فينتشيرش في لندن، بعد أن تعلَّم أسرار المهنة من تجار التجزئة والمصنِّعين الأمريكيين. وفي عام ١٩٢٥، طرح أوستن ريد واحدةً من أولى البِدل الجاهزة بأسعار معقولة. ومن ثمَّ، لعب دورًا رئيسيًّا في تصميم الأزياء الرسمية للرجال البريطانيين، لا سيَّما لأجيال من مديري الإدارة الوسطى (الأقسام). ونظرًا لالتزامه بالابتكار واستعداده للاستجابة للاتجاهات السائدة في السوق الجديدة وممارسات البيع بالتجزئة، افتتح متجرًا رئيسيًّا رائعًا في شارع ريجنت في لندن، يعمل في مجال الحياكة، والملابس الجاهزة، ومنتجات العناية الشخصية. ما زالت مجموعة شركات أوستن ريد، بما حظيت به من موافقات ملكية من جلالة الملكة إليزابيث الثانية وصاحب السمو الملكي أمير ويلز بتوريد منتجاتها إلى العائلة الملكية، تواصل تركيزها على الابتكار والتصميم والجودة.

اتخذت شي جاويانج قرارًا محوريًّا في حياتها بالانتقال من العمل ممرِّضةً في أحد مستشفيات بكين إلى الدراسة في الخارج، والانتقال من كونها ربَّة منزل إلى مليارديرة ورئيس شركة أثاث شهيرة، والانتقال من امتلاك متجر صغير إلى إدارة مدينة مَلاهٍ كبيرة. وهي الرئيس التنفيذي لشركة «إلينوي إنفيستمنت» المحدودة، ومقرُّها بكين، وهي شركة أثاث تستهدف الموظفين من أبناء الطبقة المتوسطة. عندما انتقلت شي مع زوجها إلى سنغافورة صارت تقدِّر القيم الغربية. ولاحظت التصميم الرائع للأثاث والأجهزة المنزلية من الدول المتقدِّمة. بعد ذلك سعَت إلى دراسة تخصُّص هندسة الديكور في جامعة شيكاغو، وراقبت من كثَبٍ اتجاهات الموضة العالمية، وأصبح لديها معرفة بالمواد الخام العالية الجودة، والعلامات التجارية، ومفاهيم التصميم. اكتشفت شي الإمكانات الهائلة لسوق الأثاث المنزلي في الصين، وأنشأت مع زوجها مصنعًا صغيرًا للأثاث أنتجَ أثاثًا منخفض التكلفة غربيَّ الطراز، حظِيَ باهتمام العملاء على الفور. بدأت شي في دراسة اتجاهات السوق، واكتشفت فجوةً فيه، واحتياجًا إلى أسلوب كلاسيكي جديد فريد من نوعه، أسلوبِ ما بعد حداثي. وعليه أنشأت مكتب تصميماتٍ، وبدأت في إنتاج أثاث على طراز إلينوي للعملاء المحليين والمشترين الأجانب. تمتلك شي الآن مَنفذًا لبيع الأثاث تبلُغ مساحته ١٠ آلاف متر مربَّع يبيع علاماتها التجارية وتلك الخاصة بكبار المصمِّمين. كما أنشأت أيضًا أولَ مدينة ملاهي سيارات في الصين تقع بالقرب من مطار بكين الدولي.

يكتشف بعضُ روَّاد الأعمال فرصَ العمل من خلال البحث عنها. بالإضافة إلى ذلك، يُسلِّط كيرزنر الضوءَ على نهجٍ تنموي لاكتشاف الفرص. تُحفِّز احتمالية احتكار الأرباح الأفرادَ على البحث عن المعلومات التي يمكن استخدامها لاكتشاف فرص العمل. ويبحث بعض روَّاد الأعمال باستمرار عن مشكلات السوق ويقيِّمون الحلول الممكنة لهذه المشكلات.

يسعى بعضُ رجال الأعمال إلى زيادةِ معرفتهم وخبرتهم. ويوفِّر اكتساب المعرفة الإضافية فرصًا للاكتشاف الإبداعي. تُظهر دراسة جيم فيت لروَّاد الأعمال المتعدِّدي المشاريع ذوي الخبرة السابقة في مجال مِلكية المشروعات التجارية، أن المعرفة السابقة يمكن أن تساعد في تركيزِ جهود روَّاد الأعمال. بعد ذلك، ينخرط روَّاد الأعمال هؤلاء في عمليات بحثٍ هادفة تتعلَّق بمجموعة محدودة من المجالات التي لديهم معرفة سابقة بها.

يمكن لروَّاد الأعمال جمعُ المعلومات ودمْجها معًا لاكتشاف الفرص. يُميِّز رائد الأعمال أي فرصة (واضحة) للتجارة المربحة، ونظرًا لما لديه من معرفة، فهو يتحلَّى بالقدرة على استغلال الفرص. علاوةً على ذلك، يستطيع رائد الأعمال تحديدَ المورِّدين والعملاء، ويعمل وسيطًا يستفيد من فرص التجارة. يمكن أيضًا أن يؤدي اكتشاف الفرص والسعي وراءها إلى جمْع بياناتٍ إضافية وفرص مشروعات تجارية وتحليلها. قد يُسجِّل الأفراد الذين لديهم القدرة على جمْع المعلومات ومعالجتها معدَّلاتٍ متزايدة ومتسارعة في اكتشاف الفرص واستغلالها. تُشير نظرية كيرزنر إلى أن أي شخص يمكن أن يكون رائد أعمال إذا لم تكن هناك عوائقُ لإدراك ذلك.

وُلِدَت يو يو (المعروفة أيضًا باسم بيجي يو) في الصين. وهي زوجة وأم، شاركت زوجها لي جوكينج في تأسيس شركة «دانجدانج دوت كوم»، وتشغَل منصب الرئيس المشارك. وتُعَد هذه الشركة أكبرَ شركةِ بيع بالتجزئة عبْر الإنترنت في الصين، وهي أيضًا أكبر بائع تجزئة في العالم للكتب والأفلام والموسيقى باللغة الصينية. تخرَّجت يو في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، ثم عملت مترجمةً وسكرتيرة. سافرت إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراستها، وحصلت بعد ذلك على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة نيويورك. وعلى مدار عشر سنوات من العمل في الولايات المتحدة، جمعت رأسَ المال والخبرة اللازمَين لرائد الأعمال. وفي منتصف التسعينيات من القرن الماضي، لاحظت يو نجاحَ متجر بيع الكتب عبْر الإنترنت «أمازون دوت كوم»، وأدركت وجود فجوة في السوق الصينية والحاجة إلى وجود خدمة مماثلة. لكن كان مستخدمو الإنترنت في الصين محدودي العدد، ولم يكن هناك قاعدة بياناتٍ للكتب المكتوبة باللغة الصينية والمطبوعة في الصين. وعلى الرغم من هذه العوائق، أدركت يو وجودَ سوق محتمَلة كبيرة ومربحة. التقت يو ﺑ «لي جوكينج»، ناشِر كتب، في الصين وتزوَّجا. وبالتعاون مع شركائها، بدأت في إنشاء قاعدة بيانات كبيرة تحوي معلوماتٍ عن الكتب المطبوعة في الصين. وعثرت يو على شركاء في الاستثمار الأجنبي، ومكَّنها تمويلهم من تأسيس شركة «بكين ساينس آند كالتشر بووك إنفورمشين كوربورشين»، التي وفَّرت قاعدةُ بياناتها عن الكتب باللغة الصينية مصدرَ المعلومات التي تحتاج إليها هي وزوجها لتأسيس مكتبة إلكترونية على الإنترنت. أثناء جمْع هذه المعلومات، حدَثَت زيادةٌ كبيرة في عدد مستخدمي الإنترنت في الصين. وفي عام ١٩٩٩، أسَّست يو وزوجها متجر بيع الكتب الصينية عبْر الإنترنت «دانجدانج»، وشهدت الشركة نموًّا سريعًا وفوريًّا. وفي عام ٢٠٠٥، اكتشفت يو فرصةً تجارية أخرى مربحة واستغلتها عندما حوَّلت «دانجدانج» من متجرٍ لبيع الكتب عبْر الإنترنت إلى متجر عام.

طُوِّرت آراءُ كيرزنر في إطار تصوُّر سكوت شين وسانكاران فينكاتارامان عن ريادة الأعمال القائمة على الفرص. إذ أشارا إلى أن ريادة الأعمال تتعلَّق بمصادر الفرص، عمليات اكتشاف الفرص وتقييمها واستغلالها، ومجموعة الأفراد الذين يكتشفونها ويقيمونها ويستغلونها. يختلف إطارهما عن الأطر الأخرى في تركيزه على وجود الفرص واكتشافها واستغلالها، وفي دراسته لتأثير الأفراد والفرص بدلًا من السوابق والعواقب البيئية، وكذا اهتمامهما بإطارٍ أوسع نطاقًا من تأسيس الشركات فحسب. إذ يؤخَذ في الاعتبار تصرُّفات الأشخاص والأفكار الفَطِنة التي يقدِّمها الأفراد للشركات والمؤسسات من خلال طرق الاستغلال.

المنهج الاستكشافي

تُميِّز ساراس ساراسفاثي وزملاؤها بين منهجَيْن في التعامل مع الفرص: المنهج الاستكشافي (أي البحث عن الفرص واكتشافها)، والمنهج التوليدي (أي خلق الفرص وتوليدها). ويلخِّص جدول ٢-٢ آراءَ ساراسفاثي وزملائها بشأن أصلِ الفرصِ ومنشئها، وهي آراءٌ تستند إلى كلا المنهجَيْن.
جدول ٢-٢: آراءٌ مستقاة من المنهجَيْن الاستكشافي والتوليدي حول أصلِ الفرص ومنشئها*
الفرْق بين السوق المنطق العملية
المنهج الاستكشافي (البحث والاختيار) توجُّه مدروسٌ وواعٍ للاستحواذ على سوق جديدة، أو محرومة، أو كامنة. يبحث الأفراد أصحاب الرؤى عن فرص السوق ويستغلونها توجد لدى الشخص مجموعةٌ محدودة من الاحتمالات التي يمكن أخذْها بعين الاعتبار. وهو لا يكترث بمقدار البحث الذي أجراه، وإنما يهتم فقط بمجموعة الاحتمالات التي أسفر عنها نظرًا لأن الهدف يكون محدَّدًا مسبقًا في بداية المشروع، فهي عملية ثابتة لا تتطوَّر على مدار المشروع. وتكون المفاجآت أمرًا مستهجَنًا لمُتبعي هذا المنهج
المنهج التوليدي (الابتكار والتحوُّل) يسفر التحوُّل عن ابتكار حاجة جديدة في السوق قد لا تكون مُتعمَّدة أو حتى نتيجة لتوقُّع أو تخيُّل أسواق جديدة محتمَلة. ربما تكون إحدى الطرق لتحقيق دوافع الشخص و/أو لتحقيق نتيجةٍ غير متوقَّعة لقيام الأشخاص بأشياءَ تتصف بأنها ممكنة وتستحق القيام بها يبدأ بإمكانات محلية إلى حدٍّ بعيد، ولكنه لا يختارها. ثم يَعْمِد إلى تحويل الاحتمالات إلى فرص عملية ديناميكية وتفاعلية. تتضمَّن تعاملاتٍ وتفاعلاتٍ مع المساهمين الملتزمين الذين يختارون بأنفسهم المشاركة في عملية ريادة الأعمال التي تقود إلى إحداث تحوُّلات، قد ينتج عنها أسواق جديدة. وتكون المفاجآت أمرًا غير مستهجَن لمُتبعي هذا المنهج
المصدر: منقول بتصرُّف عن ريد وآخرين (عام ٢٠١١، صفحة ٦)

بناءً على الرؤى المستمَدة من نظرية العرض والطلب الخاصة بعلم الاقتصاد الكلاسيكي، فإن المنهج الاستكشافي الذي أوضحه كيرزنر يتعلَّق بالتركيز على تحقيق هدفٍ منشود من خلال مجموعة محدَّدة من الوسائل المتاحة. يرتبط المنهج الاستكشافي بالحَدس المهني الذي يعتمد عليه الفرد في اتخاذ القرارات، والذي يرتكز بالأساس على التنبؤ. (يُقصَد بالحَدْس المهني القواعد الأساسية المُستخدَمة في حل المشكلات، انظر الفصل الخامس). قد يكتشف الناس فرصًا جديدة من خلال إلقاء نظرة أولًا على مناطق النمو التقليدية للسوق وأكبر القطاعات السكانية المحرومة في تلك السوق. تساعد هذه المعلومات في اكتشاف أكثر الفرص الواعدة، والتي من المتوقَّع أن تحقِّق أعلى عوائد بعد التكيُّف مع المخاطر المحتمَلة. وبمجرد اختيار الفرصة، يمكن للأفراد جمْع معلوماتٍ إضافية، وطلب المشورة المهنية الخارجية، ووضع خطط العمل استنادًا إلى أبحاث السوق ودراسة الجدوى والتحليل التنافسي؛ لتحديدِ ما إذا كانت الفرصة المحدَّدة مُربِحة أم لا. بعد ذلك، يتم جمْع الموارد وحشْدها لإقامة مشروع تجاري لاستغلال هذه الفرصة. يطوِّع رائد الأعمال المشروع بما يتناسب مع السوق المتغيِّرة، والظروف التكنولوجية والتنظيمية بمرور الوقت لضمان تمتُّع المشروع بميزة تنافسية مستدامة. يفيد المنهج الاستكشافي في تفسير نجاح الشركات الجديدة في البيئات التي يمكن التنبؤ بها. فهو يفترض أن الشركة الجديدة مشابهة بدرجةٍ كافية لمشروع قائم بالفعل، بحيث تفيد المعلومات الخاصة بالمشروع القائم الشركة الجديدة في اتخاذ قراراتها، وأن البيئة الخارجية مستقرة بما يكفي بحيث تكون نتائج الماضي متناغمة مع الوضع الحالي والمستقبلي.

توضِّح ماري فيربورن سلوك اكتشاف الفرص. إنها رائدة أعمال تدير عدة مشروعاتٍ متزامنة، وتمتلك العديد من الشركات في اسكتلندا. تطلَّعت ماري بوعي إلى التوسُّع في مجال تجاري ذي صلة. وبعد قرار مدروس للانتقال إلى العمل في مجال إدارة الجنازات، استثمرت جهدًا كبيرًا في دراسة كيفية إدارة الجنازات في المملكة المتحدة وأوروبا، كما حضرت مَعرضًا عن إدارة الجنازات في باريس. ومع ذلك، اكتشفت مشروعها التالي بمحض «المصادفة».

المنهج التوليدي

يفترض المنهج التوليدي أن الفرص تُخْلَق. استنادًا إلى رؤى نايت المتمثِّلة في أن التكيُّف مع عدم اليقين هو مسئولية رائد الأعمال، ومنظور شومبيتر الخاص بمجموعة الأفكار الجديدة المرتبطة بالطرق المبتكَرة لإنجاز المهام من خلال التحوُّلات، يركِّز المنهج التوليدي على استخدام مجموعة من الوسائل المتطوِّرة لتحقيق أهداف جديدة ومختلفة. يسعى أصحاب هذا المنهج إلى التحكم في المستقبل وتشكيله بدلًا من محاولة التنبؤ به. وهذا المنهج فعَّال في ظل المواقف التي يسودها عدم اليقين، حيث يتعيَّن على روَّاد الأعمال التعامُل مع مستقبلٍ مجهول ولا سبيل إلى معرفته. والمنطق التوليدي هو نوعٌ من الحَدْس المهني الإنساني يستخدمه روَّاد الأعمال الخبراء في تأسيس الشركات الجديدة. من المُفترَض أنه لا يمكن التنبؤ بالمستقبل بشكلٍ أساسي، ولكن يمكن التحكُّم فيه من خلال الفِعل البشري. في التفكير التوليدي التحويلي، يبدأ الناس بمجموعة من الوسائل. وفي خِضم عملية استخدام هذه الوسائل، تظهر تدريجيًّا مجموعةُ أهداف جديدة ومختلفة. يمكن أن يستدعي المنهج التوليدي أساليبَ إبداعية وتحويلية، مثل: الإضافة إلى شيءٍ موجود بالفعل أو الأخذ منه، إعادة تنظيم المواد الموجودة بالفعل أو تفكيكها وإعادة تكوينها، تحويل الأدوات الموجودة بتوجيهها نحو استخداماتٍ جديدة، زيادة أو تقليل أو إعادة ترتيب التركيز النسبي لمميزات المنتج أو السوق، ابتكار فكرة أو أداة أو تقليدها أو تحريفها أو تغييرها تمامًا، تعمُّد تحوير الفكرة أو المفهوم الأصلي لخلق شيءٍ جديد، تغيير نطاق السوق من خلال اقتراح أسواق أصغر أو أكبر، الاعتماد على الخبرة السابقة أو الذاكرة من خلال ربط المشروع الحالي ببعض المشكلات أو الفرص السابقة.

في بداية عملية توليد الفرص، من المفترَض أن يكون لدى روَّاد الأعمال معلوماتٌ منقوصة. إذ إنه لا يمكن تحديد الأسواق، والمستهلكون ليسوا على دراية بتفضيلاتهم المستقبلية. ومع ذلك، يمكن أن تظهر تقنيات جديدة، وقد تتغيَّر الظروف التنظيمية، ويمكن أن تتصف البيانات المتاحة بأنها محيِّرة ومتضاربة.

فيما يلي المبادئ الخمسة للمنهج التوليدي. الأول هو مبدأ «عصفور في اليد»؛ أي استغلال المتاح. من المفترَض أن يستخدم أصحابُ هذا المنهج الوسائلَ الموجودة فعليًّا، وأن يطرحوا أسئلة من قبيل: «مَن أنا؟» «ماذا أعرف؟» و«مَن أعرف؟» ثم يقرِّرون بعد ذلك ما يمكن فِعله بالاستعانة بالمجموعة الحالية من الكفاءات والموارد والشبكات المتاحة، وما الشركات والأسواق الجديدة التي يمكن تأسيسها باستخدام الموارد والكفاءات المتاحة (أي «ما الذي يمكنني فِعله؟»). لا ينتظر أصحاب المنهج التوليدي الفرصةَ المثالية. إذ من المفترَض أنهم هم مَن يُشكِّلون المواردَ الحالية ويحوِّلونها من أجل خلق فرص جديدة من احتمالاتٍ بحتة. يستند الفعل إلى ما هو متاح حقًّا، ويضعون حدودًا على حجم الموارد التي يمكن استخدامها لإتاحة الفرص. من المفترَض أيضًا أن خلْق سوق جديدة قد يكون نتيجة حادث أو وليد المصادفة. يخلُق أصحاب المنهج التوليدي سوقًا جديدة حتى وإن لم يعتزموا ذلك هدفًا أوليًّا. وتظهر أهداف المشروع خلال عملية التحوُّل.

المبدأ الثاني هو مبدأ «الخسارة المعقولة». يُفترض أن يركِّز أصحابُ المنهج التوليدي على ما يمكنهم تحمُّل خسارته، بدلًا من محاولة توقُّع عائد مثالي من كل فرصة. ينص المبدأ الثالث على أن أصحاب المنهج التوليدي من المفترض أن يتبعوا مبدأ «الشراكة». فهم يكوِّنون شراكاتٍ مع مساهمين راغبين في تقديم التزام حقيقي للمشاركة في خلْق مستقبل متعلِّق بمؤيدي المنهج التوليدي والمنتج والشركة والسوق. ينظر أصحاب المنهج التوليدي إلى العملاء على أنهم شركاء، ويُجرُون معهم عملياتِ بيع مباشرة وسريعة بغرض التعلُّم. يُفضِّل أصحاب هذا النهج خلْق شريحة السوق المستهدَفة الأولية قبل تحليل المنافسين. إنهم يطوِّرون السوق ويشكِّلونها ويحدِّدونها بأنفسهم بدلًا من إيجاد سوق جديدة. يُسمى المبدأ الرابع بمبدأ «المواءمة». يحوِّل أصحابُ المنهج التوليدي مخصَّصات الطوارئ إلى موارد، ويستوعبون المفاجآت التي تنتِج عن الأوضاع التي ينعدم فيها اليقين، ويتعاملون دومًا بمرونة بدلًا من التركيز على الأهداف الحالية. إنهم يركِّزون على غاياتٍ غير متوقَّعة بدلًا من الأهداف المحدَّدة مسبقًا؛ مما يمكنهم من تحويل المعطيات غير المتوقَّعة إلى فرص ثمينة، أو تحويل الليمون إلى عصير ليمون. المبدأ الخامس هو مبدأ «تولي زمام الأمور». لا يُهدِر أصحابُ المنهج التوليدي الوقتَ في التنبؤ؛ لأنهم يشاركون في صنْع المستقبل بدلًا من توقُّعه.

الارتجال التنظيمي

قد يلجأ روَّادُ الأعمال إلى الارتجال التنظيمي وابتكار توليفاتٍ جديدة في حال وجودهم في بيئة خارجية تعاني نقصًا في الموارد. يُقصَد بالارتجال التنظيمي أن تدبِّر الشركة (أو رائد الأعمال) أمرَها من خلال استخدام مجموعة من الموارد المتاحة في حل المشكلات المُستجَدة وخلق فرصٍ جديدة. يرفض بعض روَّاد الأعمال التقيُّد بأي قيود؛ فيرتجلون ويمزجون بين الموارد الموجودة لخدمة أغراض جديدة، ويبتكرون توليفاتٍ جديدة من «كلِّ ما هو متاح». يمكن لروَّاد الأعمال ابتكارُ توليفاتٍ جديدة من العناصر المتاحة، مثل الموارد المادية، والأيدي العاملة، والمهارات، والكفاءات، والعملاء، والأسواق، والبيئة المؤسسية والتنظيمية، واستغلالها لأغراضٍ جديدة.

توجد ثلاث سماتٍ يمكنها تشكيل التفاعل بين روَّاد الأعمال وبيئة السوق. أولًا، يتميِّز روَّاد الأعمال في تحديدِ ما يعتبرونه مواردَ تتيح خلق قيمة. ثانيًا، يحصل روَّاد الأعمال على مزايا متباينة من مواردهم المجمَّعة بناءً على أحكامهم وتصرُّفاتهم الإبداعية. ثالثًا، حتى في البيئات المحدودة الموارد، يرى بعض روَّاد الأعمال إمكانية توافر الموارد. ونظرًا إلى طبيعة أول سمتَين، يمكن لبعض روَّاد الأعمال الاستفادةُ من الموارد التي يعتبرها روَّادُ الأعمال الآخرون أقلَّ قدرة على خلق قيمة.

يأخذ الارتجال التنظيمي بعين الاعتبار كيف يخلُق روَّاد الأعمال في البيئاتِ المحدودةِ المواردِ الفرصَ أو كيف يكتشفونها من خلال استغلال مُدخلات الموارد المؤسسية والاجتماعية والمادية، والتي يرفضها أو يتجاهلها روَّادُ أعمال آخرون. يمكن تطبيق الارتجال على جميع الخطوات الأربع للمنهج التوليدي (أي الارتجال المتوازي)، أو يمكن استخدامه خلال خطوة واحدة من خطوات المنهج التوليدي (أي الارتجال الانتقائي). يلخِّص جدول ٢-٣ العلاقات بين مراحل المنهج التوليدي وأنشطة الارتجال. أثناء الخطوة الأولى من المنهج التوليدي، يُستعان بالارتجال التنظيمي عندما يسعى أصحاب المنهج التوليدي إلى الإجابة عن السؤال الآتي: «ماذا لديَّ؟» وخلال الخطوة الثانية، يقرِّرون بناءً على سؤال «ما الذي يمكنني فِعله؟» وتحديد «الخسارة المعقولة» على صعيد الموارد المجمَّعة والمعلومات والمهارات الحالية. فالأشخاص الذين يعيشون في ظل فراغ مؤسَّسي رسمي قد يخالفون القانون، ويستعينون بالمؤسسات غير الرسمية، ويدفعون رشاوى للحصول على الموارد. خلال الخطوة الثالثة، يمكن لأصحاب المنهج التوليدي تجميعُ الموارد من خلال تكوين تحالفاتٍ استراتيجية وعلاقاتٍ مع المنافسين. علاوةً على ذلك، يمكنهم جمْع الموارد عن طريق التواصل مع الأصدقاء ليصيروا عملاءَ لهم، وضمان أن يصبح العملاء أصدقاء. خلال الخطوة الرابعة، يمكن لأصحاب المنهج التوليدي تحديدُ أهداف جديدة، والعثور على وسائل جديدة، ويمكنهم أيضًا استخدام الاحتمالات لضمان استغلال الفرص. يمكن الاستعانة بأنشطة الارتجال لإعادة تجميع الموارد لأغراضٍ جديدة ورفض التقيُّد بالقيود.

يمكن للتكيُّف أن يضمن استخدام مجموعة الموارد المناسبة في السياقات الملائمة أو غير الملائمة. قد تكون مجموعةُ الموارد والكفاءات والشبكات الحالية المناسبة في سياق مكاني وزماني بعينه غيرَ مناسبة في سياق آخر. يحتاج أصحاب المنهج التوليدي إلى التكيُّف والتوسُّع باستمرار لاكتساب كفاءاتٍ جديدة، و/أو الحصول على موارد جديدة، و/أو إعادة تنظيم الموارد الحالية، وتكوين علاقات جديدة، و/أو التحرُّر من علاقاتٍ قديمة. ومن ثَمَّ قد يحتاج أصحاب هذا المنهج إلى تكرار الخطوات من ١ إلى ٤ باستمرار لضمان وجود دورة موسَّعة من الموارد لخلق الفرص. ولضمان استغلال الفرص، قد يتحوُّل روَّادُ الأعمال بمرور الوقت من المنهج التوليدي إلى المنهج الاستكشافي (والعكس صحيح).

جدول ٢-٣: العلاقة بين خطوات المنهج التوليدي وأنشطة الارتجال*
المنهج التوليدي الارتجال التنظيمي
التحوُّل المدفوع بالوسائل: مَن أنا؟ ماذا أعرف؟ ومَن أعرف؟ ماذا لديَّ (أي الإمكانات المتاحة فيما يتعلق بالموارد المادية، والعِمَالة، والمهارات وما إلى ذلك)؟
ما الذي يمكنني فِعله؟/الخسارة المعقولة استغلال المتاح/رفض التقيُّد بالقيود/تشكيل مزيج من الموارد لخدمة أهداف جديدة، وجمع «الأفكار المختلفة» معًا
التفاعُل مع المساهمين التفاعُل مع العملاء (أي تكوين صداقاتٍ مع العملاء) والوكلاء في البيئة المؤسسية
تعظيم الاستفادة من عنصرَي الاحتمال والمصادفة: أهداف جديدة ووسائل جديدة الارتجال وابتكار توليفاتٍ جديدة/رفض التقيُّد بالقيود
المصدر: سولسفيك وويستهيد (٢٠١٢)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤