الفصل الخامس

التحليل النقدي للخطاب عمليًّا: الوصف

تتضمن النماذج النصية في الفصول السابقة عددًا بالغ التنوع من المعالم اللغوية، منها ما يتصل بالمفردات والنحو، وبعلامات الترقيم [أي الوصل والفصل] (مثل «علامات التنصيص المخيفة» في الفصل السابق) وتعاقب الأدوار [في الحديث]، وأنماط أفعال الكلام، والطابع المباشر أو غير المباشر للتعبير، والبناء العام للتفاعلات، إلى جانب الأمثلة على معالم النصوص غير اللغوية (أي «البصرية»). وأرجو أن يكون القراء الذين لا يتمتعون بالخبرة في التحليل اللغوي قد أصبحوا يُقدِّرون (حينما يصلون إلى هذه المرحلة من مراحل الكتاب) كيف يمكن للتحليل الدقيق للنصوص من زاوية أمثال هذه المعالم أن يُسهم في فهمنا لعلاقات السلطة والعمليات الأيديولوجية في الخطاب.

ولكن التحليل النصي مجرد جزء من تحليل الخطاب. وارجع إذن إلى الشكل ٢-١ الذي يقول: إن النص والتفاعل والسياق الاجتماعي هي عناصر الخطاب الثلاثة، والتمييز الموازي الذي أقمته بين ثلاث مراحل في التحليل النقدي للخطاب: هي وصف النص، وتفسير العلاقة بين النص والتفاعل، وشرح العلاقة بين التفاعل والسياق الاجتماعي.

وسوف أقدم في هذا الفصل والذي يليه الإجراء الخاص بالتحليل النقدي للخطاب استنادًا إلى هذه المراحل الثلاث. ويتناول هذا الفصل الوصف، ويعرض الفصل السادس للتفسير والشرح. وهذا التقسيم للعمل يتفق مع التضاد الذي أقمته في الفصل الثاني بين الوصف من ناحية، وبين التفسير والشرح من ناحية أخرى، من حيث «أنواع» التحليل في كلٍّ منها. كما توجد اختلافات موازية في تنظيم الفصلين، فنوع التحليل المرتبط بالمرحلة الوصفية يسمح بتنظيم هذا الفصل باعتباره دليلًا عمليًّا مرجعيًّا مصغَّرًا، وأما الفصل السادس فيتناول تحليلًا فكريًّا أعمق. ولكننا، كما ألمحت في الفصل الثاني، نستطيع القول — من زاوية معينة — بأن الوصف يفترض التفسير سلفًا؛ ولذلك فإننا ينبغي ألَّا نبالغ في أهمية هذا التضاد، على الرغم من فائدته من حيث الإجراء المذكور. وسوف يجد القراء أن بعض الموضوعات (بما في ذلك أفعال الكلام والافتراض المسبق) وهي التي قد يتوقعون وجودها في مرحلة الوصف، قد تأخرت مناقشتها كليًّا أو جزئيًّا حتى الفصل السادس؛ لأسباب أشرحها في ذلك الفصل.

كُتِب هذا الفصل على المستوى التمهيدي من أجل الذين لا يُحيطون إحاطةً مستفيضة بدراسة اللغة. وتنظيمه يدور حول عشرة أسئلة رئيسية (وبعض الأسئلة الفرعية) التي يمكننا أن نسألها عن النص، وأرجو أن يؤديَ ذلك إلى أن يُسهِّل على القراء نسبيًّا أن يستوعبوا هذا الإطار ويستعملوه. وسوف يجد القراء أن كل سؤال يتضمن فئاتٍ أو مفاهيمَ تحليليةً موجزة إلى جانب الأمثلة التي توضحها. وأما الإجراء الذي أشرت إليه فأنا أعرضه وحسب، من دون أمثلة تساعد القراء على تطبيقه. ولكن الفصل السابع سيُتيح الفرصة لتطبيق الإجراء على مثال مطول. ودعوني أؤكد أن الإجراء ينبغي ألَّا يُعامَل معاملةَ النص المقدس، فما هو إلا مرشد، وليس بخطة للعمل. وسوف يجد القراء الذين يستعملونه — في بعض الحالات — أن بعض أجزائه تتسم بالتفاصيل المبالغ فيها أو التي لا تتصل. بما يسعَون إليه. وقد يجد القراء في حالات أخرى (خصوصًا مَن يتمتعون بخلفية في الدراسة اللغوية) أن التفاصيل غير كافية وتحتاج إلى استكمالها، وسوف تُفيدهم المراجع المذكورة في آخر الفصل. وأما مجموعة المعالم النصية الواردة هنا فهي مختارة بدقة؛ إذ تقتصر على أهم المعالم في التحليل النقدي.

وهاكم نقطة أخيرة قبل تقديمي الأسئلة العشرة: إن مجموعة المعالم الشكلية التي نجدها في نص معين يمكن اعتبارها خيارات محددة من بين الخيارات المتاحة (في المفردات أو في النحو) داخل أنماط الخطاب التي ينهل منها النص. ولذلك فقبل تفسير المعالم القائمة فعلًا في النص يجب عمومًا أن نأخذ في اعتبارنا أيةَ خيارات أخرى كان يمكن اللجوء إليها، أي من بين نظم الخيارات في أنماط الخطاب التي استُمدت منها المعالم الفعلية. ومن ثَم فإن المرء يتناوب اهتمامه أثناء تحليل النصوص بين ما هو «قائم» فعلًا في النص وبين نمط أو أنماط النصوص التي ينهل النص منها. ويتجلَّى تناوب التركيز المذكور في المناقشة الواردة أدناه.

(ألف) المفردات

  • (١)

    ما القيم الخبراتية التي تتسم بها الألفاظ؟ (ارجع إلى الحاشية الخاصة بالمصطلحات أدناه).

    ما نظم التصنيف المستفاد منها؟

    هل توجد ألفاظ مختلفٌ عليها أيدولوجيًّا؟

    هل في النص إعادة صوغ أو إطناب؟

    ما علاقات المعنى المهمة أيديولوجيًّا (الترادف، والاشتمال والتضاد) القائمة بين الكلمات؟

  • (٢)

    ما القيم العلائقية التي تتسم بها الألفاظ؟

    هل توجد تعبيرات تفيد التلطف في التعبير؟

    هل توجد في النص ألفاظ واضحة الانتماء للأسلوب الرسمي أو غير الرسمي؟

  • (٣)

    ما القيم التعبيرية التي تتسم بها الألفاظ؟

  • (٤)

    ما الاستعارات المستعملة؟

(باء) النحو

  • (٥)

    ما القيم الخبراتية التي تتسم بها المعالم النحوية؟

    ما أنواع العمل والمشاركة المهيمنة؟

    هل العامل غير واضح؟

    هل تستخدم جمل اسمية؟

    هل الجمل مبنية للمعلوم أم للمجهول؟

    هل الجمل موجبة أم منفية؟

  • (٦)

    ما القيم العلائقية التي تتسم بها المعالم النحوية؟

    ما الصيغ المستعملة (صيغة الإخبار أم السؤال النحوي أم فعل الأمر

    هل تستخدم ضمائر المتكلم [منفصلة ومتصلة] وإن وجدت فكيف تستخدم؟

  • (٧)

    ما القيم التعبيرية التي تتسم بها المعالم النحوية؟

    هل توجد معالم مهمة ذوات صيغة تعبيرية؟
  • (٨)

    ما وسيلة الربط بين الجمل (البسيطة)؟

    ما أدوات الربط المنطقية المستعملة؟

    هل تتسم الجمل المركَّبة بالتنسيق أم بالتغليب؟

    ما الوسائل المستخدمة للإحالة داخل النص وخارجه؟

(جيم) الأبنية النصية

  • (٩)

    ما أعراف التفاعل المستعملة؟

    هل توجد طرائق يسيطر بها أحد المشاركين على أدوار الآخرين [في الحديث]؟

  • (١٠)

    ما الأبنية الواسعة النطاق التي يتسم بها النص؟

(١) حاشية القيم الخبراتية والعلائقية والتعبيرية

أميز هنا بين ثلاثة من أنماط القيمة التي قد تتسم بها المعالم الشكلية: القيمة الخبراتية، والقيمة العلائقية والقيمة التعبيرية. فالمَعْلم الشكلي ذو القيمة الخبراتية يتجلَّى فيه أسلوب تمثيل النص لخبرة منتج النص بالعالم الطبيعي أو الاجتماعي ويعتبر مفتاحًا لهذا التمثيل. وتتعلق القيمة الخبراتية بالمضمون والمعرفة والمعتقدات وفق ما ورد في الفصل الثالث. وأما المعلم الشكلي ذو القيمة العلائقية فتتجلَّى فيه العلاقات الاجتماعية المجسدة عن طريق النص في الخطاب، ويعتبر مفتاحًا لها. والقيمة العلائقية تختص (طبعًا!) بالعلائق والعلاقات الاجتماعية. وأما المعلم الشكلي ذو القيمة التعبيرية — أخيرًا — فيتجلَّى فيه تقييم منتج النص (بأوسع معاني التعبير) لجانب الواقع الذي ينبني عليه النص ويعتبر مفتاحًا لفهمه. والقيمة التعبيرية تتعلق بالذوات والهويات الاجتماعية، وإن لم يكن يتعلق بالقيم الذاتية إلا بُعْدٌ واحد من أبعاد المفاهيم الأخيرة. ودعوني أؤكد أن أيَّ معلم شكلي قد يجمع في وقت واحد بين قيمتين أو ثلاثًا من هذه القيم. وهو ما أوضحه في الشكل البياني ٥-١.
fig11
شكل ٥-١: المعالم الشكلية: القيم الخبراتية والعلائقية والتعبيرية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن بعض المعالم الشكلية قد تتميز بما يسمى قيمة الربط أي بالعمل على تحقيق الترابط بين أجزاء النص. انظر السؤال ٨ حيث المناقشة والأمثلة.

(١-١) السؤال الأول: ما القيم الخبراتية للألفاظ؟

أهم جانب من جوانب القيمة الخبراتية في سياق هذا الكتاب أسلوب تشفير الفوارق الأيديولوجية بين النصوص من حيث رؤيتها للدنيا في مفرداتها، والنصَّان التاليان مثال على ذلك، فهما يمثِّلان، وفقًا لدراسة عن لغة «المهن المساعدة»، صياغتَين مختلفتين للممارسات نفسها في الطب النفسي:
الحرمان من الطعام، أو الفراش، أو السير في الهواء الطلق، أو الزوار، أو البريد، أو المكالمات التليفونية؛ والحبس الانفرادي؛ والحرمان من المطبوعات أو المواد الترفيهية؛ وشل حركة الأشخاص بربطهم في ملاءات مبتلة ثم عرضهم على العاملين أو المرضى الآخرين؛ وغير ذلك من ضروب القيود على الحركة الجسدية؛ وتخدير الذهن ضد إرادة العميل؛ والسجن في عنابر مغلقة؛ وشتى ألوان الإذلال العلني مثل تعليق أنباء الاعتزام المزعوم على الهرب أو الانتحار في أماكن بارزة، وفرض الاعترافات العلنية بسوء السلوك أو الإدانة، والبيانات المعلنة عن الأخطاء الفردية في السلوك وأنواع الشذوذ الفردي. (نص الطب النفسي ١)
تثبيط السلوك المرضي وتشجيع السلوك الصحي من خلال تقديم مكافآت انتقائية؛ إتاحة العزلة والقيود والعنابر المقفولة لمنح المريض فرصة الراحة من التفاعل مع الآخرين؛ تمكين المريض من التفكير في سلوكه، حتى يتغلب على الإغراء بالانفلات والاستسلام للاكتئاب، وحتى يشعر بالأمن؛ شل حركة المريض لتهدئته، وإشباع حاجته للاعتماد على الغير، وتقديم خدمات التمريض الإضافية التي يُعلي من قيمتها، وتمكينه من أن يستفيد من المواجهة مع أقرانه؛ ووضع حدود لسلوكه «الخارج»؛ وتعليمه أن العاملين حريصون عليه. (نص الطب النفسي ٢)

النص الثاني يصوغ هذه الممارسات من منظور الأطباء النفسيِّين الذين يحبذونها، على عكس الصياغة «المعارضة» في النص الأول. والواقع أننا نستطيع اعتباره «إعادة صياغة»: يستعاض فيها بانتظام عن صياغة قائمة مهيمنة مُطبَّعة بصياغة أخرى تُعارضها تعارضًا واعيًا.

وفي بعض الحالات تكمن الأهمية الأيديولوجية للنص في مفرداته ذاتها؛ فكلمتا التخريب [أي قلب الأوضاع] والتضامن تنتميان إلى الإطارَين الأيديولوجيَّين «اليميني» و«اليساري» على الترتيب، ووجود إحداهما في أحد النصوص يحدِّد على الأرجح موقعَه الأيديولوجي، ويعتمد ذلك في حالات أخرى على تضافر الكلمات أي اشتباكها مع غيرها، وهكذا نجد في النص الثاني من نصَّي الطب النفسي أن كلمة السلوك تتضافر مع كلمتَي مريض وصحي، مما يُنشئ نظامًا أيديولوجيًّا محددًا (ومهيمنًا) لتصنيف السلوك. وفي حالات أخرى غير هذه وتلك، نجد أن النقل الاستعاري لإحدى الكلمات من مجال استعمالها إلى مجال آخر (انظر السؤال ٤ أدناه) هو الذي يؤدي هذه المهمة، فإن استخدام تعبير الحبس الانفرادي في نص الطب النفسي الأول يصور الحالة الطبية تصويرًا يُوحي بالسجن.
وبعض الكلمات متنازعٌ عليها أيديولوجيًّا، أي إنها مثارُ صراع أيديولوجي، وهو ما يتضح أحيانًا في بعض النصوص، مثل كلمة الاشتراكية التي وردَت في رسالة يزعم صاحبُها وجودَ «خطأ دلالي» في الاعتقاد بأن «مصطلحًا مثل الاشتراكية له معنًى «حرفي» وحقيقي واحد، وهو الإيمان المطلق بالملكية العامة لوسائل الإنتاج والتوزيع والتبادل». ومع ذلك فإن المعانيَ المنوعة للكلمة تشترك في الجوهر وهو «الاعتقاد بضرورة ممارسة السيطرة الاجتماعية لتحقيق مصلحة غالبية العاملين في مجتمع ما». ويبدو أن الرسالة المذكورة تمثِّل من طرف خفي صراعًا أيديولوجيًّا يتقنَّع بدلالة الألفاظ (أو علم الدلالة).

ومن المفيد عمومًا عند إجابة السؤال الأول أن يتناوب التركيز ما بين النص نفسه وبين أنماط الخطاب التي ينهل منها، بما في ذلك نظم التصنيف التي تمثِّل إطار تنظيم المفردات في أنماط الخطاب. فلننظر إلى النص ٥–٢ من هذه الزاوية.

٢٣ خطوة فقط ذات أهمية حيوية للنجاح

كيف تحصل على ميراثك من الصحة الدائمة المشرقة.
كيف تزيد مفرداتك اللغوية.
كيف تدعم قدراتك على التركيز.
كيف تُنمِّي ذاكرتك.
كيف ترعى في نفسك المشاعر الإيجابية.
كيف تكتسب صوتًا جذابًا وكلامًا واضحًا.
كيف تتعلم أهمية الكياسة.
كيف تُعلي من قيمتك في عينَي رئيسك في العمل.
كيف تصوغ المثل العليا، وهي أسس التقدم الجوهرية.
كيف تحقق أهداف النضج.
كيف تبني زواجًا ناجحًا.
كيف تتواصل بفاعلية.
كيف تستمتع بكنوز الأدب.
كيف تحل مشكلاتك.
كيف تكون سعيدًا.
كيف توسع آفاقك الذهنية.
كيف تكتسب الطاقة الفكرية.
كيف تُنمِّي مخيلتك.
كيف تحافظ على انشغالك لتنعم بالطمأنينة.
كيف تسير مسافة الميل الإضافي.
كيف تصبح والدًا أو والدة أفضل.
كيف تحقق السكينة.
كيف تُثري حياتك.
النص ٥–٢ المصدر: ثلاث وعشرون خطوة للنجاح والإنجاز، ر. لومسدن، ١٩٨٤م.
القائمة نفسها تشكِّل تصنيفًا «للخطوات اللازمة للنجاح» ولكنها تنهل أيضًا من نُظُم تصنيف موجودة سلفًا، من بينها نظام خاص بالنفس أو بعض جوانب النفس التي يستطيع الشخص «تنميتها» بنفسه: (قدرات) التركيز، والذاكرة، والمشاعر (الإيجابية)، والآفاق الذهنية، و(الطاقة) الفكرية، والمخيلة. ولاحظ التصور الآلي للنفس الذي تُوحي به كلمةُ قدرات، فكما هو الحال في محركات السيارات، يستطيع المرء الارتقاء بالأداء إذا ازدادت قدرة الآلة! ويتمثل نظام آخر في أساليب تقييم لغة الفرد، وهو مضمر في الثنائيات اللفظية زيادة المفردات، الكلام الواضح، الاتصال الفعال، إلى جانب غيرها من المادة التي أعدَّها المعلن نفسه مثل التحدث بيسر، والكلام بفعالية، والكتابة الأسرع، والقراءة الأفضل. وأما تقييم الأداء اللغوي فمعاييره هي السهولة والكفاءة والأثر الاجتماعي وليست مثلًا مستقاة من التعاطف والمشاركة التواصلية. وهذه الأيديولوجية اللغوية نفعية، بمعنى أن اللغة أداة لإنجاز الأعمال، وهي التي سوف نقابلها مرة أخرى في سياق آخر في الفصل التاسع. وفي كلتا الحالين يمثِّل نظام التصنيف أسلوبًا خاصًّا لتقسيم جانب من جوانب الواقع استنادًا إلى تمثيل أيديولوجي خاص لذلك الواقع. وهكذا فإن بناء المفردات يقوم على أساس أيديولوجي.
وقد تتفاوت نظم التصنيف في أنماط الخطاب المختلفة تفاوتًا كَمِّيًّا بمعنى التعبير عن جوانب معينة من الواقع بصيغ متباينة الدرجات، أي بعدد كبير أو قليل من الألفاظ. وأحيانًا ما نصادف «الإطناب» الذي يعني عادةً درجةً عالية من درجات الصوغ، وكثيرًا ما يتضمن كلمات كثيرة مترادفة أو شبه مترادفة. والإطناب يدل على الانشغال بجانب معين من جوانب الواقع، وهو ما قد يشير إلى أنه من مواقع الصراع الأيديولوجي. فالنص السابق ٢٣ خطوة فقط ذات أهمية حيوية للنجاح يدل على انشغال شديد بالنمو والتنمية، وهو ما يتضح في المفردات الخاصة بهذه المعاني، بما في ذلك الأفعال التالية: تزيد، تدعم، تنمِّي، ترعَى، تبني، توسع، تُثري.
ويصدق ما قلته عن قيمة النظر بالتناوب في النص وفي نمط الخطاب على علاقات المعنى بين الكلمات. هل تذكر مناقشة افتتاحية صحيفة التايمز (صوت الحقيقة الرزين الخافت، النص رقم ٤–٥)؟ لقد قلت في تعليقي إن النص قد أقام علاقة ترادف بين كلمات ليست مترادفةً في أيٍّ من أنماط الخطاب. ولكن النص في حالات أخرى قد ينهل مباشرةً من علاقات المعنى القائمة في أحد أنماط الخطاب. وفي ذلك المثال كانت الأيديولوجيا هي التي تتحكم في علاقات الترادف، والواقع أننا نستطيع أن نعتبر أن بعض علاقات المعنى، مثل الترادف، مرتبطة في أحيان كثيرة بالأيديولوجيا؛ فإما أن تكون الأيديولوجيا مضمرة في نمط الخطاب، وإما يُولِّد النص الأيديولوجيا توليدًا إبداعيًّا. وهكذا فإن أحد جوانب السؤال الأول يتضمن تحديد علاقات المعنى في النص وأنماط الخطاب من ورائها، وكذلك محاولة تحديد أُسُسها الأيديولوجية.
علاقات المعنى الأساسية هي الترادف والاشتمال والتضاد. فأما الترادف فهو، كما رأينا، دلالة الكلمات على المعنى نفسه. ومن العسير العثور على أمثلة كثيرة للمرادفات المطلقة، وإذن فالواقع أن المرء يبحث عن علاقات شبه ترادف بين الكلمات. ومن الاختبارات غير الدقيقة للترادف أن نرى إنْ كان يمكننا استبدال كلمة بكلمة أخرى دون تأثير يُذكَر في المعنى. وأما الاشتمال فهو أن يكون معنى كلمةٍ ما مشتمَلًا عليه في معنى كلمة أخرى؛ ففي أحد الأمثلة الواردة في الفصل الرابع كان معنى الشمولية عنصرًا من عناصر معنى الشيوعية، والماركسية، والفاشية (وهذه من ثَم أسماء تشتمل عليها) في نمط خطاب ذي أيديولوجية معينة، وأما التضاد فهو التعارض في المعنى، أي إنَّ معنى إحدى الكلمات يتعارض مع معنى كلمة أخرى (مثل معاني كلمات مثل امرأة ورجل، وكلب وقطة).

(١-٢) السؤال الثاني: ما القيم العلائقية للكلمات؟

يناقش هذا السؤال أساسًا كيف يعتمد اختيار النص للكلمات على العلاقات الاجتماعية بين المشاركين فيها؟ وكيف يساعد على خلقها؟ فمن المحتمل، كما سبق أن ذكرت، أن تكون للكلمات أمثال هذه العلاقات مع قيم أخرى في الوقت نفسه. فالمفردات العنصرية، على سبيل المثال (كاستعمال كلمة «الزنوج» في النص الوارد في الفصل الثالث) لها قيمةٌ خبراتية من حيث التمثيل العنصري لطائفة عرقية معينة، ولكن استخدامها — وعدم تجنُّبها — قد تكون له قيمة علائقية، وربما كانت تقوم على افتراض وجود أساس مشترك من الأيديولوجيا العنصرية بين المتحدث والمشاركين الآخرين.

وهاك مثالًا آخر من مقالٍ نُشر في صحيفة الجارديان بقلم كریس هوكس، وجو موريللو، وجون هوارد (والتأكيد من عندي):
نتصور أن رجال الصناعة قد وصلوا إلى المرحلة التي أصبحوا يُدركون عندها ضرورة القيام بعمل ما، وإن لم يكونوا على ثقة بماهية هذا العمل. ولسنا نقترح بأن تستمتع الصناعة بمشاهدة المشكلات الشخصية، أو بأن تتدخل دونما داعٍ في الأحزان والأشجان الشخصية! ومن شأن الإيحاء بأنها تملك القوة العاملة لديها أن يُحدث تأثيرًا عكسيًّا. لا بل ولا ندعو إلى العودة إلى المذهب الأبوي في القرن التاسع عشر؛ حيث ازدهر أباطرة صناعة الشيكولاتة والصابون. ولكنَّ مفهومَ رجال الصناعة من حيث التعامل مع الموظفين لديهم باعتبارهم شخوصًا كاملة مفهومٌ لا نستطيع أن نتجاهله.
النص ٥–٣ المصدر: صحيفة الجارديان، ١٧ ديسمبر ١٩٨٦م

التعبيرات المطبوعة بالبنط الثقيل يمكن أن تعتبر صياغة مختلفة أيديولوجيًّا عن الأعمال نفسها، على وجه الدقة، التي يقوم بها أصحاب العمل، ومن ثَم فيمكن اعتبار هذا النص مثالًا للقيم الخبراتية في الصياغة. ولكن المؤلفين يرفضون فيما يبدو الصيغ الثلاث الأولى ويفضِّلون الصيغة الرابعة باعتبارها جزءًا من الجهد المبذول للتوصل إلى علاقة ثقة وتضامن مع القراء المفترضين، وهي اللحظة التي تدخل فيها القيم الخبراتية في الصورة. ولكن القيمة التعبيرية موجودة أيضًا، فالكتَّاب يفترضون، فيما نتصور، أن الصيغ الثلاث الأولى تمثِّل تقييمًا سلبيًّا لدى القراء، وأن الصيغة الرابعة تمثل تقييمًا إيجابيًّا، ومن ثم فإن تفضيل الصيغة الرابعة يعني أن الكتَّاب يفترضون مشاركةَ القراء قيمَهم.

وكثيرًا ما يطبق منتجو النصوص استراتيجيات تكفل تجنُّبَ القيم التعبيرية للألفاظ لأسباب علائقية. فإذا وصفتَ كلمةً بأنها تلطُّف في التعبير كنتَ تعني أنك استبدلتها بكلمة تقليدية أو مألوفة حتى تتجنب القيم السلبية. ونصُّ الطب النفسي الثاني يتضمن فيما يبدو عددًا من نماذج هذا التلطُّف في التعبير، ففيه العزلة بدلًا من الحبس الانفرادي في النص الأول، والعنابر المقفولة بدلًا من العنابر المغلقة، والانفلات بدلًا من الهرب، والاستسلام للاكتئاب بدلًا من الانتحار.
ومن خصائص المفردات المتعلقة بالقيم العلائقية الطابع الرسمي الذي ناقشته في الفصل الثالث. وفيما يلي السؤال الأول الوارد في النص الخاص بالتحقيق والوارد هناك:
س: مستر إيرليكمان: صرَّحت قبل استراحة الغداء بأنك ترى أن دخول مكتب الطبيب النفسي إلزبرج كان مشروعًا لأسباب تتعلق بالأمن القومي. أعتقد أنك شهدت بهذا؟
أي إن الطابع الرسمي للموقف هنا يتطلب علاقات اجتماعية رسمية، وهو ما يتضح في المفردات (وفي غيرها؛ فالمفردات تتسم بغلبة الخيارات «الرسمية»، والابتعاد عن البدائل المتاحة غير الرسمية؛ إذ يقول «قبل استراحة الغداء»، و«صرحت»، بدلًا من «قبل ساعة الغداء»، و«قلت»، مثلًا) وهو تعبير عن التأدب، وحرص المشاركين على عدم إحراج بعضهما بعضًا (بمعنى الرغبة في حب الناس، وتحاشي فرض شيء عليك) والاحترام للمنزلة والموقع.

(١-٣) السؤال الثالث: ما القيم التعبيرية للألفاظ؟

يتضمن نص الطب النفسي الأول عددًا من الأمثلة على تجسيد الألفاظ للتقييم السلبي للممارسات التي يصفها الكاتب، مثل عرضهم، والسجن، وألوان الإذلال، على سبيل المثال. ويوجد المزيد من الأمثلة في النص ٥–٤ الذي يقوم بالدعاية لإحدى حفلات مهرجان سياسي وثقافي.

من المحتمل أن يجد عددٌ كبير من اليساريِّين التقليديِّين صدامًا بين القيم التعبيرية في هذه الفقرة؛ ففي الجملة الثالثة على سبيل المثال التي تبدأ بعبارة: «وإذا كان برنامج اليسار …» نجد أن تعبيرَي الوعي السياسي واليسار يحملان قيمًا تعبيرية إيجابية لمثل هؤلاء القراء. في حين أن تعبيرات مثل النزعة الاستهلاكية، و(الوعي) بالموضة، وربما تعبير أسلوب الملبس ستكون لها قيمة سلبية. أضف إلى ذلك أن كلمات مثل الموضة وأسلوب الملبس يمكن أن تعتبر نشازًا في الخطاب السياسي. وأظن أن تعبير المذاهب السياسية الشخصية ليس له قيمة تعبيرية محددة؛ لأن هذا التركيب اللفظي جديدٌ نسبيًّا على الخطاب السياسي. والتأثير الكامل قد يدفع أمثال هؤلاء القراء إلى الحيرة أو إلى الغضب حقًّا.
والاختلافات بين أنماط الخطاب في القيم التعبيرية للألفاظ مهمة أيضًا من الزاوية الأيديولوجية. فالمتكلم يعبِّر عن تقييمه استنادًا إلى نظم تصنيف تعتبر في جانب منها نُظُمَ تقييم، ولدينا نظم أيديولوجية متضادة تجسِّد شتى القيم في شتى أنماط الخطاب. ومن ثَم فمن الممكن تفسير المثال الوارد أعلاه من حيث مدى تمثيله للصدام الأيديولوجي بين شتى أنماط الخطاب اليساري ونظم التصنيف المختلفة؛ ففي الخطاب اليساري غير التقليدي، تعتبر ألفاظ مثل (الوعي) بالموضة، ومثل المذاهب السياسية الشخصية عناصر ذات قيم إيجابية في نظم التصنيف المرتبطة بالسياسة.

ولقد كانت القيمة التعبيرية للكلمات دائمًا من القضايا الرئيسية عند المهتمِّين بلغة الإقناع. وإذا كانت لا تزال تحتفظ بأهميتها من حيث تركيزنا هنا على الأيديولوجيا، فإن أهميتها أقل ومنظورنا إليها هنا مختلف، فليس ما يهمنا هنا حشد القيم التعبيرية لتحقيق غايات «إقناعية» معينة، بقدر ما يهمُّنا إمكان إحالة هذه القيم التعبيرية إلى نظم تصنيف أيديولوجية متضادة.

اليسار … في زي من الأزياء

«الموضة» دعاية للملابس، فهي تكشف لك عن ماهية الناس، وما يريدون أن يكونوه، ومذاهبهم السياسية. وصناعة «الموضة» في حالة من التغير المستمر؛ إذ تُخرج لنا صورًا جديدة، حيث تلتقي أزياء الشارع بالأزياء الراقية، وبأبنائها «أزياء المحلات الكبرى». وإذا كان برنامج اليسار يضع المذاهب السياسية الشخصية وأسلوب الملبس على قمته، فهل ينبغي أن يكون الوعي بالموضة جزءًا من الوعي السياسي، أم تراه مجرد ذريعة لممارسة النزعة الاستهلاكية؟ ما الجديد الثوري في الزي الجديد الثوري؟

إن جمعية «اليسار غير المحدود» تفخر بأن تقدم أول عرض أزياء يساري في التاريخ؛ إذ يشارك فيه أحدث مُصممي الأزياء من خريجي الجامعة بما صمموه، ويتلوهم بعض الراسخين المفضلين، مثل الأثواب الفضفاضة التي صممها كيسن ليفنجستون، وسترات السفاري، والقمصان الملساء من نوع قمصان تروتسكي، وسترة العمال الغليظة بما عليها من شارات، والقالب الأوروبي الأنيق لصحيفة الماركسية اليوم التي تقدَّم بها العمر، والكثير سوى ذلك.
وسيكون بين الحاضرين محررة باب «أزياء الشارع» في مجلة الهوية، كارين فرانكلين، ومصمم الأزياء الراقية بول سميث، والكاتبة المتخصصة في أزياء المحلات الكبرى أنجيلا ستيفنز التي لا تزال في السابعة عشرة، والصحفية كاثي مايرز من مجلة حدود المدينة. والأضواء، والموسيقى، وعرض الأزياء … والسياسة.
النص ٥–٤: المصدر اليسار غير المحدود، ١٩٨٦م.

(١-٤) السؤال الرابع: ما الاستعارات المستعملة؟

الاستعارة وسيلة لتمثيل جانب من جوانب الخبرة في صورة جانب آخر، وليست مقصورة إطلاقًا على نوع الخطاب الذي ترتبط به نمطيًّا، أي الشعر والخطاب الأدبي. ولكن أي جانب من جوانب الخبرة يمكن تمثيله من خلال أيِّ عدد من الاستعارات، والذي يهمُّنا هنا بصفة خاصة هو العلاقة بين الاستعارات وبدائلها؛ إذ إن الاستعارات المختلفة لها روابط أيديولوجية مختلفة.

وفيما يلي استهلال مقال نُشر في صحيفة اسكتلندية عن أحداث «الشغب» عام ١٩٨١م:

والسرطان ينتشر

إزاء انتشار أعمال الشغب على أيدي الشباب الهائجين من الجنوب، بدأ الناس حتى أكثر المتفائلين منهم يُبدون مخاوفهم على المستقبل، خشيةَ ألَّا تكون هذه البداية أسوأ ما في الأمر. فإلى أيِّ مدًى يمكن أن تنتشر القلاقل؟ وإذا وصلت إلى اسكتلندا فأين تضرب ضربتها؟

التمثيل المجازي للمشاكل الاجتماعية في صورة الأمراض، والذي توضحه هذه الفقرة، بالغ الانتشار. لاحظ أنه يتضمن استعارةً للمرض نفسه باعتباره قوةً غامضة لا عقل لها ودون المستوى الإنساني (أين تضرب ضربتها؟) وأما الدلالة الأيديولوجية لصور المرض المجازية فهي أنها تعتبر المصالح المهيمنة مصالح المجتمع كله، وتفسر ألوان التعبير عن المصالح غير المهيمنة (الإضرابات، والمظاهرات، و«أعمال الشغب») بأنها تقوض (صحة) المجتمع في ذاته. وقد نجد استعارةً بديلة تمثِّل أعمال «الشغب» في صورة الجدل، أو المجادلة التي تعتبر «أعمال الشغب» احتجاجات صاخبة على سبيل المثال. فالاستعارات المختلفة تُوحي بطرائق مختلفة للتعامل مع الأشياء: فالإنسان لا يتوصل إلى تسوية من طريق التفاوض مع السرطان، وإن كان يستطيع ذلك في جدال مع خصمٍ له. وأما السرطان فلا بد من اجتثاثه واستئصاله.

(١-٥) السؤال الخامس: ما القيمة الخبراتية للمعالم النحوية؟

تتعلق الجوانب الخبراتية للنحو بالطريقة التي تتولَّى بها الأشكال النحوية في لغة من اللغات تشفير الأحداث أو العلاقات في العالم، والأشخاص أو الحيوانات أو الأشياء المرتبطة بهذه الأحداث أو العلاقات، وظروفها المكانية والزمنية، وأسلوب وقوعها وهلمَّ جرًّا. ويتناول السؤال الفرعي الأول أدناه هذه الأمور أساسًا وعمومًا، وتتناول الأسئلة الفرعية الأخرى قضايا خاصة مرتبطة بها.

ما الأنماط السائدة من حيث العمل والمشاركة؟

عندما يودُّ المرء التمثيل في النص لعمل أو حدث أو حالة أو علاقة، سواء أكانت أيٌّ من هذه حقيقيةً أو خيالية، فكثيرًا ما يتوافر له أن يختار نمطًا من الأنماط النحوية المختلفة للعمل والمشاركة، وقد تكون لما يختاره دلالة أيديولوجية. هذا فحوى هذا السؤال. وعلينا إذا أردنا استكشافه تفصيلًا أن نتأمل جانبًا من جوانب النحو في الجمل البسيطة باللغة الإنجليزية.

تتكون الجملة البسيطة من النوع «الإخباري» (انظر السؤال السادس) من فاعل يتلوه فعل، وقد يكون الفعل متبوعًا بعنصر أو أكثر من عنصر من هذه القائمة: المفعول به، والخبر، والملحق. والجملة البسيطة لها أنماط ثلاثة، وبكل نمط مجموعة مختلفة من العناصر. وأنا أضع في الجمل التالية عنوانًا بعد كل عنصر، ولا تنسَ أن أيَّ عنصر قد يتكوَّن من كلمة واحدة أو أكثر.
فاعل [مبتدأ] + فعل + مفعول به.

ريجان (فاعل/مبتدأ) يهاجم (فعل) ليبيا (مفعول به).

Reagan (subject) attacks (verb) Libya (object).

شرطة جنوب أفريقيا (فاعل/مبتدأ) أحرقت (فعل) بلدة للسود (مفعول به).

South African Police (subject) have burnt down (verb) a black township (object).

عصابات الكونترا (فاعل) قتلت (فعل) كثيرًا من الفلاحين (مفعول به).

Contras (subject) have killed (verb) many peasants (object).
فاعل + فعل.

ريجان (فاعل/مبتدأ) كان يصيد السمك (فعل).

Reagan (subject) was fishing (verb).

بلدة للسود (فاعل/مبتدأ) احترقت (فعل).

A black township (subject) has burnt down (verb).

كثير من الفلاحين (فاعل/مبتدأ) ماتوا (فعل).

Many peasants (subject) have died (verb).
فاعل/مبتدأ + فعل + خبر.

ريجان (فاعل/مبتدأ) كان (فعل) خطيرًا (خبر).

Reagan (subject) was (verb) dangerous (complement).

كثير من الفلاحين (فاعل/مبتدأ) كانوا (فعل) قتلى (خبر).

Many peasants (subject) were (verb) dead (complement).

ليبيا (فاعل/مبتدأ) تملك (فعل) نفطًا (خبر/مفعول به).

Libya (subject) has (verb) oil (complement).
لاحِظ أن المفعول به والخبر يأتيان بعد الفعل في هذه الأمثلة١ والفرق أن المفعول به، لا الخبر، هو الذي يمكن أن يتحول إلى مبتدأ [نائب فاعل] في الجملة الموازية المبنية للمجهول، ويمكن تطبيق ذلك على جميع الأمثلة التي تتكون من فاعل + فعل + مفعول (وعلى سبيل المثال «بلدة للسود أُحرِقَت على أيدي رجال شرطة جنوب أفريقيا») ولا تنطبق على أيِّ مثال يتكون من مبتدأ [فاعل] وفعل ومفعول به أو خبر (فلا تستطيع مثلًا أن تقول بالإنجليزية: !dangerous is been by Reagan [ولا مقابل لها بالعربية، إلا إن عدَّلتَ التركيب وقلت «خطيرٌ هو ريجان» وهو التعبير الذي أشاعَته الصحافة ويمجُّه الذوق السليم].)
وتوجد اختلافات أيضًا تسمح لضروب أخرى من الألفاظ أن تعمل عمل هذه العناصر المختلفة؛ فالفاعل [أو المبتدأ] أو المفعول به يمكن أن يكون اسمًا (مثل ريجان أو الأولاد) أو ضميرًا [متصلًا أو منفصلًا] (مثل أنا وأنت وهي إلخ) أو عبارة تتضمن اسمًا، تعرف باسم العبارة الاسمية (مثل بلدة من السود، أو كثير من الفلاحين) وهو ما يسمَّى البناء الاسمي  nominalization (والمشروح أدناه). ويمكن للخبر أن يكون كذلك، لكنه يمكن أن يكون صفة (خطير، موتی) أيضًا. واللاحق يمكن أن يكون «حالًا» (وهو الذي ينتهي بالإنجليزية أحيانًا بحرفَي ly) أو شبه جملة من جار ومجرور. وشبه الجملة تتكون من حرف (في، عن، على إلخ) يتبعه اسمٌ أو عبارة اسمية (مثلًا، في البلد، على التل) ولا توجد لواحق في الأمثلة التي توضح أنماط الجملة الثلاثة، وإن كان يمكن لأيِّ نمط منها أن يكتسب شتى اللواحق. حاولْ أن تُضيف اللواحق التالية إلى الأمثلة في صيغة «الحال»، سواء أكان «الحال» مفردًا أو جملة حال: في حالات كثيرة، من دون رحمة، في جنوب أفريقيا، منذ ١٩٨٥م، لسوء الحظ، مرة واحدة، تجدْ أنك تستطيع إضافة «لاحقة» واحدة على الأقل إلى كلٍّ من الجمل المذكورة.
وهذه الأنماط الرئيسية الثلاثة للجملة تعبِّر في أغلب الأحوال (وإن لم يكن في جميع الأحوال) عن الأنماط الرئيسية الثلاثة لما يسمى العمل، وهي على الترتيب الأفعال (فاعل + فعل + مفعول) والأحداث (فاعل + فعل) والتوصيف (مبتدأ + فعل + خبر). فالفعل يقتضي وجود مشاركين اثنين هما الفاعل agent والمفعول به patient وفعل الفاعل يقع على المفعول به بأسلوب ما، وهكذا ففي الأمثلة التي تتكون من فاعل وفعل ومفعول به أعلاه، ريجان، وشرطة جنوب أفريقيا، وعصابات الكونترا هي الفواعل، في حين أن ليبيا، وبلدة للسود، وكثير من الفلاحين، في موقع المفعول به. وليس جميع المشاركين، بالمناسبة، كائنات حية، وعلى الرغم من أن الفواعل أحيانًا ما يكونون كذلك (مثل كثير من الفلاحين) فإنهم أحيانًا ليسوا كذلك (مثل بلدة للسود).
والحادث (أو الحدث) يتعلق بمشارك واحد فقط، وقد يكون من الأحياء (كثير من الفلاحين في أمثلة الفعل والفاعل الواردة أعلاه) أو من غير الأحياء (بلدة للسود). ولكن جمل الفعل والفاعل ليست دائمًا أحداثًا؛ فإذا كان بها مشاركون أحياء فقد تمثِّل نوعًا خاصًّا من الفعل الذي لا مفعول له، أو ما سوف أسمِّيه الفعل غير الموجَّه. ويتضح الفرق إذا حددت السؤال الذي تعتبر جملة الفاعل والمفعول إجابةً طبيعية له: فإذا كانت الجملة تمثِّل من الزاوية الطبيعية المحضة إجابة عن السؤال: ماذا حدث؟ كانت حدثًا، أما إن كانت تمثِّل بالصورة الطبيعية المحضة إجابة عن السؤال: ماذا فعل (الفاعل)؟ كانت فعلًا غيرَ موجَّه. وعلى هذا الأساس نرى أن جملةَ مات كثير من الفلاحين حادثٌ أو حدث، ولكن جملة ريجان كان يصيد [السمك] فعل غير موجَّه.
والتوصيف يتعلق أيضًا بمشارك واحد، ولكن الفعل تتلوه صفة من نوع ما، إما صفة يتسم بها [أي تنتمي إلى] الفاعل، ونسمِّيها صفة المِلكية إذا كان الفعل من صور have أو غير منتمية إليه أي غير مِلْكية بالنسبة لأفعال أخرى (أهمها فعل الكينونة be، ولكن أيضًا يحس، ويبدو، وعدد من أفعال أخرى). وتبدو الصفات اللاملكية نعوتًا صريحة (مثل ريجان خطير) [وهي كما سبق إيضاحه مبتدأ وخبر] وأحيانًا في صورة أسماء (ريجان تهديد) [مبتدأ وخبر].
وتبين بعض الأمثلة التي قدَّمتُها عاليه الإمكانيات الأيديولوجية لاختيار نمط من أنماط العمل؛ فتصوير موت الفلاحين في نيكاراجوا في صورة فعل له فاعل أو فواعل مسئولون عنه، أي باعتباره حدثًا، أو تصويره باعتباره توصيفًا لحال قائمة، من الخيارات ذات الدلالة الواضحة، وقِس على ذلك تصوير إحراق بلدات السود في جنوب أفريقيا في صورة حدث أو فعل له فواعل. وأمثال هذه الاختيارات الخاصة بإبراز الفاعل أو إبقائه في الخلفية قد تتسم بالاتساق والآلية والمنطق السليم، ومن ثَم فهي أيديولوجية، وقد تكون من باب التحرز الواعي أو الخداع المقصود. ومن الصعب أن نعرف إلى أي نوع ينتمي المثال التالي؛ فقد ورد في مقال كتبَه صحفيٌّ يُدعَى «هوجو ينج» ويقول فيه: إن السياسيِّين يتلاعبون بأجهزة الإعلام أكثر مما تتلاعب أجهزة الإعلام بالصحفيِّين:

كان (مستر كينوك) قد وافق منذ فترة على إجراء مقابلة معه يوم الأحد المقبل، وكان من الواضح أنه كان يتصور أن تُجرَى في غمار الجلبة التي أحاطت بانطلاق [حملة حزب العمال] التي كان شعارها «الاستثمار في الشعب». ولكن حدث في غضون ذلك أن تصدَّرت قضية الدفاع قائمةَ الاهتمامات، وتحوَّل البرنامج استجابةً لهذه الأنباء، إلى برنامج عن سياسة حزب العمال الخاصة بالدفاع، ولم يكن زعيم الحزب يريد الخوض في ذلك الموضوع …

النص ٥–٥ المصدر صحيفة الجارديان، ١٦ أكتوبر ١٩٨٦م
لاحِظ غياب الفاعل في الجملة الثانية التي تقول إن قضية الدفاع تصدَّرت قائمة الاهتمامات (أي إنها حدث) وإن البرنامج تحوَّل إلى … (وهو توصيف). وللمرء أن يسأل أين الفاعل الذي جعل قضيةَ الدفاع تحتلُّ موقع الصدارة وغير طبيعية البرنامج؟ ربما كانت المعلومات المتاحة عن الموقف آنذاك ذات صلة بالموضوع، ألَا وهي أن مؤتمر حزب المحافظين كان قد انعقد قبل كتابة هذا العمود بأسبوع، واختار أن يجعل سياسة الدفاع التي وضعها حزبُ العمال القضية التي يجب على المحافظين التركيز عليها في الحملة الانتخابية الوشيكة.

هل الفاعل غير واضح؟

فيما يلي الجزء الأول من نصٍّ صادفناه في الفصل الثالث، ويزيد من إيضاح مرمانا، ويبيِّن كذلك أن تعمية الفاعل يمكن أن يكون من ورائها دافعٌ أيديولوجي:

مشكلة سقوط بعض حمولة المحجر

لا تزال الشاحنات غير المغطاة الخارجة من محجر میدلبارو تُثير المشاكل؛ لأنها تُسقِط بعض الأحجار منها …

النص الإنجليزي يتكون من جملتَين بسيطتَين هنا، وكلٌّ منهما يتكون من فاعل + فعل + مفعول به. أما فاعل الجملة الأولى فهو الشاحنات غير المغطاة الخارجة من محجر میدلبارو وأما الفعل فهو لا تزال تُثير، والمفعول به هو المشاكل. والجملة الثانية تتكون من فاعل «مضمر» (هو الشاحنات) وفعل هو تسقط ومفعول به هو الأحجار. ففي الجملة الأولى نجد أن الفاعل على غير العادة من الجماد، أي إن «الفاعلية» في تعبير «إثارة المشاكل» منسوبة إلى الشاحنات، ولكن الأَوْلى كما بيَّنت في الفصل الثالث، أن تُنسَب إلى الأشخاص الذين يتحكمون فيها. وسبق لي أن قلت: إن الفواعل من الأحياء، وهذا هو الحال عمومًا. ولكن الفواعل يمكن أن يكونوا أسماء للجماد، أو صفات مجردة، أو أبنية اسمية (انظر أدناه). ويجب على المرء في أمثال هذه الحالات، وفي هذا المثال، أن يُبديَ الحساسية لأي تعمية للفاعلية أو للعِلِّية أو المسئولية وهي التعمية التي قد تكون من ورائها دوافع أيديولوجية.

هل الصيغة الفعلية ما تبدو عليه؟

لدينا في الجملة البسيطة الثانية ما يمكن تمثيله عادةً بعبارة تُفيد وقوعَ حدثٍ ما، أي إن الأحجار (الفاعل) بالإنجليزية كانت تسقط (الفعل) من الشاحنات (اللاحقة) ولكنه يقدم إلينا في صورة فعل، ويجعل من الشاحنات فاعلًا من الجماد، وهو ما يدعم موقعها باعتبارها فاعلًا في الجملة الأولى. والواقع أنه من المفيد عمومًا أن ننتبه إلى تغيير الصيغ الفعلية التي تنتمي عادةً لنمط من الأنماط وجعلها تظهر من نمط آخر، وأن ننظر في الأسباب الأيديولوجية من وراء ذلك.

هل تستخدم أبنية اسمية؟

انظر في العنوان مشكلة سقوط بعض حمولة المحجر، تجد أن الصيغة الفعلية التي عادةً ما تتخذ الشكل النحوي للجملة المفيدة يمكن أن تتخذ الشكل النحوي المختزل الذي نسميه البناء الاسمي، كما هو الحال هنا. ومعنى المصطلح أن الصيغة الفعلية تحوَّلت إلى اسم (أو إلى اسم يتكون من عدة ألفاظ، مثلما نراه هنا). والشكل مختزل بمعنى فقدان بعض المعنى الذي عادةً ما يجده المرء في الجملة المفيدة، وهو هنا زمن الحدث، أي إن العبارة تخلو مما يدل على زمن الحدوث، وصيغة البناء (انظر أدناه) والفاعل و/أو المفعول به في حالات كثيرة. ففي هذا المثال نجد أن البناء الاسمي يضغط الصيغتَين الفعليَّتَين اللتين يُفصح عنهما النص في الجملتين البسيطتين؛ فأما كيف نكسر البناء الاسمي لإخراج هاتين الصيغتَين فليس واضحًا. لاحِظ غياب الفواعل؛ إذ لا يحدد العنوان مَن يُثير المشكلة أو من يُسقط الأحجار، وهكذا يتسق العنوان مع النص في الإبقاء على عدم نسبة العلية والمسئولية بوضوح.

هل الجمل مبنية للمعلوم أم للمجهول؟

قد تظهر الصيغ الفعلية في جمل مبنية للمعلوم أو مبنية للمجهول. وجميع أمثلة الجمل المكوَّنة من فاعل + فعل + مفعول أعلاه مبنية للمعلوم. ومقابلاتها المبنية للمجهول هي: هُوجمت ليبيا من جانب ريجان، وأُحرقت بلدة للسود على أيدي شرطة جنوب أفريقيا، وقُتل كثيرٌ من الفلاحين على أيدي عصابات الكونترا [وهي صيغ ذات ركاكة واضحة بالعربية وإن كان بعضها قد بدأ يظهر في أجهزة الإعلام]. ومن الممكن أيضًا في كل حالة حذف العبارة الدالة على الفاعل وهي التي تبدأ [في الإنجليزية] بكلمة by [ومقابلاتها بالعربية من جانب/على أيدي إلخ] أي إن لنا أن نقول فقط هُوجمت ليبيا وهلمَّ جرًّا، حتى نحصل على جملة مبنية للمجهول لا فاعل فيها، وهي الصيغة التي لا توضح العلية ولا الفاعلية. وقد يكون السبب أحيانًا هو الرغبة في تجنُّب الإطناب إذا كانت تلك المعلومات قد وردت من قبل في صورة ما، وهو ما يصدق أيضًا على البناء الاسمي، ولكنه قد يكون في حالات معينة تعمية للفاعل والعلية.

هل الجمل مثبتة أم منفية؟

وأقول أخيرًا: إن أنماط الجمل الثلاثة قد تكون مثبتة أو منفية (عصابات الكونترا لم تقتل كثيرًا من الفلاحين، وهلمَّ جرًّا). وللنفي، بوضوح، قيمة خبراتية ما دام الوسيلة الأساسية التي تُعيننا على التمييز بين ما هو غير واقع وبين ما هو واقع حقيقةً. ولكن أهميته الرئيسية توجد في جهة أخرى، وهو التناص والسياق المتناص لأحد النصوص. وسوف يناقش هذا وذاك في الفصل السادس.

(١-٦) السؤال السادس: ما القيم العلائقية للمعالم النحوية؟

تتسم النصوص بمعالم نحوية منوعة ذوات قيم علائقية. وسوف أركز هنا على ثلاثة معالم هي صيغ الجملة، والشكلية/النوعية [بالأفعال المساعدة] والضمائر.

ما الصيغ المستعملة؟

الصيغ الرئيسية ثلاثة: صيغة الجملة الخبرية، والسؤال النحوي، وصيغة فعل الأمر. وجميع الأمثلة التي مرت بنا صيغ إخبارية، وتتميز الصيغ الإخبارية أو الخبرية بأنها تبدأ [في الإنجليزية] بفاعل يتلوه فعل. وأما صيغ أفعال الأمر فلا يوجد فيها فاعل؛ إذ تبدأ بالفعل، مثل افتح (فعل) الباب (مفعول به)، أو مثل تعالَ (فعل) هنا (لاحق). وأما الأسئلة النحوية، فهي أشد تعقيدًا بسبب تنوع أنماطها. فلدينا أولًا النمط الذي يبدأ بحرف من هذه الحروف: مَن؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟ كيف؟ أي؟ وهي حروف تبدأ في الإنجليزية بحرفَي wh وتنسب إلى هذين الأسئلة؛ مثل لماذا تُشير على أعضاء نقابتك بالإضراب؟ أو أين ولدت؟ ولدينا ثانيًا النمط الذي يبدأ بفعل في الإنجليزية «أتستطيع تقديم الملح لي؟» [وقد أجاز مجمع اللغة العربية حذف همزة السؤال الاستهلالية] «أتستمتع بالموسيقى؟» «أكنت المقصود؟» وهذا النمط كثيرًا ما تكون إجابته بحرف «نعم» أو «لا»؛ ولذلك تُسمى هذه الأسئلة بالإنجليزية أسئلة نعم/لا.

وتختلف هذه الصيغ الثلاث في تحديد مواقع الذوات. ففي حالة الجملة الخبرية المعتادة يعتبر موقع المتكلم أو الكاتب موقع المانح (للخبر أي للمعلومات) ويعتبر موقع المخاطَب موقع المتلقِّي أو المستقبِل. وأما في حالة جملة فعل الأمر فالمتكلم أو الكاتب يطلب شيئًا من المخاطَب (أي يطلب قيامه بعمل ما) في حين أن المخاطَب يشغل موقع الفاعل الذي يصدع بالأمر (مثاليًّا!) وفي حالة السؤال النحوي، نجد أن المتكلم أو الكاتب أيضًا يطلب شيئًا من المخاطَب، وهو المعلومات في هذه الحالة، وأن المخاطَب في موقع مَن يزوِّده بالخبر أي بالمعلومات. وتعتبر ضروب التفاوت المنتظم في توزيع هذه الصيغ بين المشاركين ذات أهمية في ذاتها من حيث علاقات المشاركة: فطرح السؤال أو الطلب، سواء كان للقيام بعمل ما أو للحصول على معلومات، يُفيد عمومًا أن السائل أو الطالب يشغل موقع السلطة، وكذلك تقديم المعلومات، إلا إن كانت قد طُلبت.

ولكن الصورة تتسم بتعقيد يتجاوز ما ذكرناه كثيرًا؛ وذلك لعدة أسباب، الأول «أ» أن العلاقة بين الصيغ وبين مواقع الذوات ليست علاقةَ تناظر بين أطرافِ كلٍّ منهما، وثانيًا «ب» لأن مجموعة مواقع الذوات حافلةٌ بما يزيد كثيرًا عمَّا حددته حتى الآن. فأما بالنسبة للسبب «أ» فالواضح أن الجملة الخبرية قد تكون لها قيمة طلب المعلومات (مثل «لا بد أنكِ أختُ ألان») وأن السؤال النحوي قد تكون له قيمة طلب القيام بعمل ما (مثل «هل تتكرم بالانصراف») وجملة فعل الأمر قد تمثِّل اقتراحًا، مثلًا («حاول نزع الغطاء») وأما بالنسبة للسبب «ب» فنحن نواجه حشدًا من أفعال الكلام التي يمكن أن تُصاغ نحويًّا بأشكال متنوعة، في الصيغ الثلاث جميعًا، بحيث يقابلها حشدٌ موازٍ من مواقع الذوات المحددة، مثل موقع الواعد فيما يُقدِّمه من وعود، وموقع مَن يرمي بالاتهام في التُّهم المطروحة، وموقع المشتكي من شكاواه، وهلمَّ جرًّا. ولكن قيم أفعال الكلام المذكورة لا تتميز بمعالم شكلية. والواقع أن المفسرين هم الذين يحددون قيم هذه الأقوال، استنادًا من جانب إلى معالمها الشكلية، ومن جانب آخر إلى افتراضات المفسر، ولهذا السبب فإنني أتناولها في الفصل السادس من حيث التفسير.

هل توجد معالم مهمة للنوعية العلائقية؟

فلننظر الآن في مفهوم النوعيَّة، وهو مفهوم مهم للقيم العلائقية والتعبيرية في النحو.٢ وتختص النوعية بسلطة المتكلم أو الكاتب، ولها بُعدان يتوقف تحديدُهما على الاتجاه الذي تتخذه السلطة؛ فإذا كان الأمر يتعلق بسلطة أحد المشاركين بالنسبة إلى سلطة الآخرين نشأت نوعية علائقية، أما إذا كان الأمر يتعلق بسلطة المتكلم أو الكاتب بالنسبة إلى صدق تمثيل الواقع أو احتمال هذا الصدق، أصبحت لدينا نوعية تعبيرية أي نوعية تقييم المتكلم أو الكاتب للحقيقة الواقعة. وسوف تناقش النوعية التعبيرية إلى حدٍّ ما في إطار السؤال السابع. ويتوسل التعبير عن النوعية بالأفعال المساعدة النوعية [الخاصة باللغة الإنجليزية] مثل ما يلي:
may, might, must, should, can, can’t, ought.

ولكن أيضًا بشتى المعالم الشكلية مثل صيغة الحال وزمن الفعل.

وفيما يلي نصٌّ قصير يوضح معنى النوعية العلائقية:

كتب المكتبة التي لديك فات موعدُ إعادتها، ولن يُسمح لك باستعمال بطاقة الاستعارة من المكتبة الخاصة بك حتى تُعيد الكتب. وإن لم تُعد الكتب في غضون أسبوعين، كان عليك أن تدفع تكاليف استبدالها قبل أن تستعير كُتُبًا أخرى.

يوجد في هذا النص فعلان مساعدان نوعیَّان، هما may not وmust. أما الفعل may وحده فباعتباره علائقيًّا يمكن أن يُفيد السماح بفعل شيء you may go [أي إن لك أن تذهب] ولكن إضافة حرف النفي not تجعل معناه «عدم السماح». والفعل must يُفيد الإلزام «إنك ملزم بأن تدفع تكاليف الاستبدال». لاحِظ أن السلطة وعلاقات السلطة التي يبني عليها منتجو هذا النصِّ قرارَهم بعدم السماح، أو بفرض الإلزام على مَن يتلقَّى هذا النص، غيرُ منصوص عليها صراحة. وترجع الأهمية الأيديولوجية للنوعية العلائقية، على وجه الدقة، إلى مزاعم السلطة المضمرة، وإلى علاقات السلطة المضمرة، من النوع الذي تمثِّله هذه الفقرة.

هل يُستخدم الضميران نحن وأنت/أنتم؟ وإن كانا يُستخدمان فكيف يُستخدمان؟

كنت أشرت في الفصل الثالث لضميرَي المخاطب T وV للمفرد والجمع على الترتيب، وكيف يرتبط استخدامهما بعلاقات السلطة والتضامن. ولا يوجد في الإنجليزية نظامٌ يميز بين T وV وأما القيم المرتبطة بكلمتَي tu وvous بالفرنسية مثلًا؛ فالإنجليزية تعبر عنها بطرائق لا تدخل في إطار نظام الضمائر فيها، مثل الاختيارات المتاحة بين الألقاب المختلفة وأساليب المخاطبة (أي مخاطبة شخص باسم بیرت، أو بيرت سميث، أو مستر سميث، أو سميث وحسب مثلًا).
ومع ذلك فإن الضمائر في الإنجليزية ذات قيم علائقية من أنواع مختلفة. فلقد ظهرت مثلًا الجملة التالية في افتتاحية صحيفة الديلي ميل البريطانية أثناء «حرب جزر فوكلاند»: «لا نستطيع أن ندَع جنودنا يفقدون تفوقَهم بالتخلِّي عن مواقعهم الحربية والدبلوماسيون الأرجنتينيون يلعبون «الاستغماية» في دهاليز الأمم المتحدة» (دیلي میل ٤ / ٥ / ٨٧). والافتتاحية تستخدم (مثل الكثير من الافتتاحيات) ضميرَ المتكلم الجمع الذي يوصف بأنه «شامل»، أي يشمل القارئ والكاتب معًا، على عكس ضمير المتكلم الجمع «الحصري» الذي يُشير إلى الكاتب (أو المتكلم) إلى جانب شخص واحد أو أكثر سواه، ولكن من دون أن يشمل المخاطب أو المخاطبين. فالصحيفة تتكلم باسمها وباسم قُرَّائها بل باسم جميع المواطنين البريطانيِّين (من ذوي الرأي الصائب؟) وهي بذلك تزعم لنفسها سلطة معينة، تُشبه ما بيَّنَته الأمثلة الخاصة بالنوعية العلائقية أعلاه، أي سلطة الحديث باسم الآخرين. ولاحِظ أيضًا أن كلمة بريطانيا أو الحكومة يمكن أن تحلَّ محلَّ ضمير المتكلم الجمع الأول [لا نستطيع = لا تستطيع بريطانيا أو الحكومة] دون مساس بالمعنى، وهكذا فإن أسلوب الصحيفة في إظهار التماهي بينها وبين الحكومة والدولة هو أن تعاملهما معاملة الأنداد لضمير المتكلم الجمع «الجماعي» أي الشعب البريطاني كله. ويتمثل جانب من جوانب هذا الاختزال في أنه يخدم الأيديولوجيات المشتركة التي تؤكد وحدةَ الشعب على حساب الإقرار بوجود انقسامات في المصالح.
ومن الحالات الأخرى التي يُفيدنا فيها أن نحاول تحديد العلاقات المزعومة ضمنًا حالة استخدام ضمير المخاطب المفرد أو الجمع، وأيضًا في أجهزة الإعلام؛ حيث يتعدد المخاطبون أو مَن يمكن أن يعتبروا مخاطبين، الذين يجهل منتجُ النص هوياتهم. وعلى الرغم من جهل الكاتب الإعلامي بهويات أفراد الجمهور الذين يخاطبهم، فإن مخاطبتهم مباشرةً باعتبارهم أفرادًا باستخدام ضمير المخاطب المفرد أمرٌ بالغ الشيوع. ولنا في الإعلانات مثالٌ واضح؛ إذ يقول «مانشيت» إعلان مكتوب عن حساء «باتشيلور»، مثلًا: «المحصول الأرشق أينما تتسوق». ومثل هذا التظاهر بالمخاطبة الشخصية ينتشر على نطاق واسع في الإعلانات وفي غيرها، وربما كان ذلك يمثِّل محاولةً لتجنُّب الإفراط في تحاشي الطابع الشخصي. ارجع إلى الفصل الثامن حيث المزيد من مناقشة الموضوع. ويستخدم ضمير المخاطب أيضًا على نطاق واسع باعتباره ضمير تنكير، كما نرى مثلًا في الخطاب السياسي للسيدة مارجريت ثاتشر: «عليك أن تكون قويًّا أمام شعبك وعلى البلدان الأخرى أن تعرف أنك تلتزم بكلمتك». وهذا يوحي بعلاقة تضامن بين السيدة ثاتشر (الحكومة) والشعب عمومًا. انظر الفصل السابع لمزيد من التفاصيل.

(١-٧) السؤال السابع: ما القيم التعبيرية للمعالم النحوية؟

سأقتصر على النوعية التعبيرية في تعليقاتي على القيم التعبيرية؛ إذ تتداخل الأفعال المساعدة التي تميز النوعية العلائقية مع الأفعال المساعدة التي تميز النوعية التعبيرية. وهكذا نرى أن الفعل المساعد may يرتبط بمعنى الإمكانية (يمكن أن ينهار الجسر) ويرتبط كذلك بمعنى السماح أو الإذن [مثل عبارة you may enter أي «يُسمح لك بالدخول»] وأن الفعل المساعد must يرتبط «باليقين» (لا بد أن ينهار الجسر تحت ذلك الوزن!) (The bridge must collapse under that weight!). ويرتبط كذلك بالإلزام [مثل عبارة you must go أي يجب عليك أن تذهب] ونجد كذلك أن الفعل المساعد المنفي can’t يُفيد «الاستحالة» (مثل من المحال أن يتحمل الجسر ذلك الوزن) (The bridge can’t take that weight) وأن الفعل should يُفيد الاحتمال أيضًا (مثل: من المحتمل [أو «من المتوقع»] أن يتحمل الجسر هذا الوزن، أي The bridge should take that weight) وغير هذه من الأفعال المساعدة.
ولكن النوعية لا تقتصر، كما قلت في القسم السابق، على الأفعال المساعدة النوعية. ولاحِظ مثلًا بدايةَ النص الذي أوردتُه في إطار السؤال السادس: «كُتُب المكتبة لديك فات موعد إعادتها». الفعل فات هنا فعل في زمن الماضي البسيط. وهذا يمثِّل طرفًا ختاميًّا للنوعية التعبيرية، أي التزام قاطع من جانب منتج النص بصدق المقولة، والطرف الختامي المقابل هو نفيُ المقولة في عبارة: «لم يَفُت موعد إعادة كتب المكتبة التي استعرتها» وهو يمثِّل التزامًا قاطعًا أيضًا بصدق المقولة المنفية. وأما البدائل الممكنة التي تستطيع الأفعال المساعدة تقديمها فتقع ما بين هذين الطرفين القاطعين؛ مثل: «لا بد أن/يجوز أن يكون موعد إعادة كتب المكتبة التي لديك قد فات»، والبدائل الممكنة الوسيطة تتضمن أشكالًا تتضمن صورًا للحال بالإنجليزية وخصوصًا صيغ الحال النوعية لا الأفعال المساعدة، أو الأفعال المساعدة، أو هذه وتلك معًا، كما في الصيغ التالية: ربما/من الممكن/يجوز أن تكون كتب المكتبة التي لديك قد فات موعد إعادتها: (Your library books are probably/are possibly/may possibly be overdue).
واهتمامنا الأيديولوجي ينصبُّ على مزاعم الصدق، أو مزاعم المعرفة التي تتجلَّى في الصور النوعية. وتمثِّل الصحف لنا حالةً طريفة. إذ نجد أن الصحفي عندما يروي حدثًا ما في إطار ما ينقله من أنباء، يُصوره بصفة عامة في صورة الواقع الصادق، أي الحقيقة، من دون اللجوء إلى البدائل النوعية الوسيطة التي ضربت عليها الأمثال عاليه. وتأمَّلْ بداية الخبر المبين في النص ٥–٦، والذي كتبه جوردون جريج، المحرر السياسي بصحيفة ديلي ميل البريطانية، تجدْ أن الأفعالَ كلَّها في زمن المضارع البسيط (يرفض، يضع خطة، تتجهز (أو تستعد)، يلوح) أو في صورة المضارع التام (قُدِّمت الدعوة). وغلبة النوعيات القاطعة يدعم الرأي القائل بأن حالة العالم شفافة، كأنما تكشف عن معناها لأي مراقب من دون الحاجة إلى التفسير أو التمثيل. و«الأنباء» عادةً ما تُخفي الخطوات المعقدة والمرتبكة لجمع المعلومات وتفسيرها، وهي التي يتطلبها إنتاج النصوص، والدور الذي تضطلع الأيديولوجيا به فيها؛ فالأيديولوجيات قائمة في باطن الممارسات والافتراضات الثابتة التي يستعملها المفسرون في التفسير.

«فوت» يرفض العرض المقدم من رئاسة الوزارة ولكن

ماجي تضع خطة الغزو

بقلم جوردون جريج، المحرر السياسي

تستعد السيدة ثاتشر للصدام الحاسم في أزمة جزر الفوكلاند بإنزال لقوات الصاعقة والمظلات. وبينا يلوح احتمال مواجهة دموية، قدمت الدعوة إلى زعماء المعارضة لمناقشة آخر التطورات معها.
النص ٥–٦: المصدر صحيفة دیلي میل ٣ مايو ١٩٨٢م.

(١-٨) السؤال الثامن: ما وسيلة الربط بين الجمل (البسيطة)؟

ينصبُّ تركيزي هنا على القيمة الترابطية للمعالم الشكلية للنص (على عكس القيم الخبراتية والعلائقية والتعبيرية)؛ إذ نجد لهذه القيمة جانبًا «داخليًّا» يميزها عن غيرها، بمعنى أن للمعالم الشكلية قيمًا تلعب دورًا معينًا في ربط أجزاء النص بعضها إلى بعض. ولكن القضية تتعلق أيضًا بالعلاقة بين النصوص والسياقات؛ إذ إن بعض المعالم الشكلية تُشير إلى سياق الحال خارج النص، أو سياقه «المتناص» أي إلى النصوص السابقة المتصلة بها (انظر الفصل السادس). كما أن بعض العناصر الشكلية ذات القيمة الترابطية كثيرًا ما تتسم بقيم أخرى، كما سوف نرى.
توجد عمومًا روابط شكلية بين الجمل في النص، تُعرف في مجموعها باسم التماسك (cohesion). وقد يتضمن إحرازُ التماسك وجودَ روابط بين المفردات في الجمل، إما بتكرار المفردات أو باستخدام مفردات مرتبطة بها. وقد يتضمن أيضًا استخدام أدوات وصل تميِّز شتى العلاقات الزمنية والمكانية والمنطقية (بالمعنى الواسع) بين الجمل. وقد يتضمن ما يسمَّى كلمات إحالية، وهي الكلمات التي تُحيل القارئ إلى جملة سابقة أو — في حالات أقل — إلى جملة لاحقة. وسوف أُطلق على أيِّ معلمٍ شكلي في النص يتسم بقيمة تماسكية، أي يُشير إلى الارتباط بين جملة وجملة، اسم المعلم التماسكي. وأما التعليقات التالية على التماسك فهي منتقاةٌ بحرص بحيث تقتصر على رابطتَين فقط (في السؤالَين الفرعيَّين الأوَّلَين) وعلى الإحالة (السؤال الفرعي الثالث).

ما أدوات الوصل المنطقية المستعملة؟

سبب تركيزي على أدوات الوصل أنها قد تتضمن مفاتيح الافتراضات الأيديولوجية. وقد رأينا مثالًا سابقًا لها، يتضمن علاقة التسليم بشيء ما، في النص المقتطف من صفحة المشكلات في الفصل الرابع (النص ٤–٢): لم أخرج حتى الآن مع أحد قط على الرغم من أن أمي تقول إنني جميلة فعلًا. وأداة الوصل هنا هي على الرغم من، ولكن لاحِظ أن الجملة يمكن أن يُعادَ صوغُها باستعمال أدوات وصل أخرى: تقول أمي إنني جميلة فعلًا، ولكنني لم أخرج مع أحد قط؛ أو رغم أن أمي تقول إنني جميلة فعلًا، فإنني لم أخرج مع أحد قط؛ أو تقول أمي إني جميلة فعلًا، ومع ذلك فإنني لم أخرج مع أحد قط. وفي كل حالة من هذه الحالات يعتمد ترابط المعنى على افتراض أنه إذا كانت الفتاة (بنت الأعوام الثلاثة عشر في هذه الحالة) «جميلة فعلًا» (لا أن أمَّها تقول إنها جميلة فعلًا!) فلها أن تتوقع إمكان خروجها مع أحد الفتيان.
وهاك مثالًا يتضمن علاقة نتيجة: رفضوا أن يدفعوا الإيجار الأكبر عندما أُعلنت زيادة الإيجار. ونتيجة لذلك طُردوا من الشقة. والافتراض في هذه الحالة يقول: إن عدم دفع الإيجار قد يؤدي إلى طرد السكان. وتعبير على الرغم من يشير إلى أن الأمر الذي كان من المتوقع أن يحدث، في ظل الافتراض الذي أشرت إليه، لم يحدث في الواقع، وأما تعبير ونتيجة لذلك فيشير إلى حدوث ما كان متوقعًا، أي إن العاقبة المفترضة لعدم دفع الإيجار قد تحققت فعلًا. والذي تُبيِّنه هذه الأمثلة أن العلاقات العِلِّيَّة أو القائمة على الأسباب فيما بين الأشياء والتي تعتبر قائمة على المنطق السليم، قد تكون قائمةً على المنطق الأيديولوجي السليم. ولكن أمثال هذه العلاقات لا تتوسل دائمًا بأدوات الوصل بل يمكن أن يُوحيَ بها تجاورُ الجمل وحسب.

هل تتميز الجمل المركَّبة «بالتنسيق» أم «بالتغليب»؟

تجمع الجمل المركَّبة بين الجمل البسيطة بطرائق شتى. ويشيع التمييز بين التنسيق الذي يعني تكافؤ أوزان الجمل البسيطة التي تتكون الجملة المركبة منها، وبين التغليب حيث تتضمن الجملة المركبة جملة رئيسية (غالبة) وجملة ثانوية أو أكثر من جملة ثانوية في موقع التابع. ونحن نستخدم في الإنجليزية مصطلح clause لنَصِف به الجملة البسيطة الداخلة في تركيب الجملة المركبة. وتتسم الجملة الرئيسية عمومًا بزيادة بروزها من حيث المعلومات عن الجمل الثانوية، وبأن مضمون الجمل الثانوية يشغل مكانة خلفية. ومن الأمور التي علينا أن ننتبهَ لها الطرائق التي تقسم فيها النصوص المعلومات، استنادًا إلى المنطق السليم، ما بين الأجزاء البارزة نسبيًّا والأجزاء الواقعة في الخلفية نسبيًّا (وهو ما يعني التقسيم إلى أجزاء مهمة نسبيًّا وأجزاء غير مهمة نسبيًّا). وفي بعض الحالات نجد أن مضمون الجمل الثانوية مفترض سلفًا، إما باعتباره معروفًا من قبل، وإما باعتبار أن جميع المشاركين يُسلِّمون بصحته. ولنضرب مثالًا من جملة سبق الاستشهاد بها: «لا نستطيع أن نَدَع جنودنا يفقدون تفوُّقَهم بالتخلي عن مواقعهم الحربية والدبلوماسيون الأرجنتينيُّون يلعبون الاستغماية في دهاليز الأمم المتحدة.» الجملة الأولى (المنتهية بكلمة الحربية) هي الجملة الرئيسية، والثانية (بقية الجملة) ثانوية. وإذا كانت الجملة الأولى تتضمن تأكيدًا، فالجملة لا تؤكد أن الدبلوماسيِّين الأرجنتينيِّين يلعبون الاستغماية في دهاليز الأمم المتحدة بل تفترض ذلك سلفًا. [أي إن الجملة لا ترمي في المقام الأول إلى إعلامنا بما يفعله هؤلاء في الأمم المتحدة بل تفترض أننا على علم سابق به]. انظر الفصل السادس حيث المزيد من مناقشة الافتراضات السابقة.

ما وسائل الإحالة إلى خارج النص أو داخله؟

تتوافر شتى الأدوات النحوية للإحالة بصورة مقتضبة إلى المواد التي سبق تقديمها في نص من النصوص بدلًا من تكرارها كاملةً. وأبرز هذه الأدوات هي الضمائر وأسماء الإشارة (هو، هي، هذا، ذلك إلخ) وأداة التعريف the [«أل» بالعربية]. انظر الجملة التالية: كتبت إحدى صديقاتي كتابًا عن الهند. وهي تحاول منذ عامين نشر الكتاب، ولكن [الناشرين] دأبوا على إخبارها بأنه لن يشتريَه أحد. وأداة التعريف هنا تهمُّنا بصفة خاصة في هذا السياق؛ لأنها تستخدم على نطاق واسع في الإحالة إلى مدلولات (أشخاص أو أشياء أو أحداث) لا يتضمنها النص، بل ولا تتضح من سياق الحالة الخاص بالتفاعل، وإنما تعتبر في عداد المفترض سلفًا. والنص ٥–٧ مثال على ذلك، وهو نصٌّ مطبوع على غلاف علبة تحتوي على حمالة للصدر [سوتيان].
النص ٥–٧ المصدر: بيرلي.

[العنوان يقول: حمالة صدر الأمهات، بالقطن، من إنتاج بيرلي]

[الكلام تحت الصورة: أول حمالة صدر ترعى أنوثتك وأمومتك معًا]
[تفاصيل الإعلان، على الترتيب: القفل أمامي للراحة والتيسير؛ تصميم خاص يمنع الانزلاق؛ الحمالة الأمامية قطنية من ثلاثة أجزاء للراحة والدعم؛ بطانة قطنية لزيادة امتصاص العرق؛ الحمالات مطاطة؛ القفل مكون من ثلاثة أجزاء لإحكام إغلاقه؛ متوافر باللون الأبيض فقط؛ المقاسات من ٣٤–٤٠ (بوصة) ورموزها E/DD/D/C/B]

[يطلب من كبرى المحلات الرئيسية، وعدد مختار من محلات البيع بالتجزئة.]

ويفترض هذا الإعلان سلفًا وجود «أم» و«امرأة» في داخلك (أي في داخل القارئة المفترضة) ويرجع توافق هذين الافتراضَين السابقين إلى افتراض آخر، وهو أن أنوثة المرأة (ربما بالمعنى الضيق هنا الذي يُفيد جاذبيتها الجنسية للرجال) لا تتفق مع أمومتها، أي حتى أتَت شركة بيرلي بحلٍّ للمشكلة! وانظر الفصل السادس أيضًا حيث أقول المزيد عن الافتراضات المسبقة.

(١-٩) السؤال التاسع: ما أعراف التفاعل المستعملة؟

تتعلق المعالم الشكلية على المستوى النصي بخصائص التنظيم الشكلي للنصوص الكاملة. وإزاء المعنى الواسع الذي يُستخدم فيه مصطلح النص في هذا الكتاب (والذي قدمته في الفصل الثاني) فإن هذا يشمل المعالم التنظيمية للحوار (مثل المحادثات، والدروس، والمقابلات الشخصية) وللكلام المنفرد (مثل الخُطب والمقالات الصحفية). ويتعلق السؤال التاسع أساسًا بالحوار، وأما السؤال العاشر فيشمل الحوار والكلام المنفرد (المونولوج). والسؤال التاسع يهتم اهتمامًا عريضًا بالمعالم التنظيمية رفيعة المستوى والتي تتسم بقيمة علائقية، ولكن السؤال العاشر يتناول المعالم ذات القيمة الخبراتية.

وسوف أركز في السؤال التاسع على الأعراف المُطبَّعة وروابطها المضمرة بعلاقات السلطة، على نحو ما ناقشته في القسم الخاص بنظم التفاعل المعتادة وحدودها في الفصل الرابع. وإذن فإن ما يشغلنا هنا هو القيمة العلائقية للجوانب التنظيمية للحديث. ولقد سبق إيرادُ عددٍ من الأمثلة المناسبة لهذا الموضوع في النصوص المقتطفة في الفصول ٢–٤، مثل المقابلة الشرطية في الفصل الثاني، والنص الخاص بوحدة الأطفال المبتسرين، والحوار بين مدير المدرسة والتلميذ في الفصل الثالث، والاستشارة بين الطبيب والمريضة في القسم الذي أشرت إليه لتوِّي في الفصل الرابع.

ما نظام التناوب في المحادثة؟

كيف يتناوب المحدثون أدوارَ الحديث في الحوار؟ تعتمد الإجابة على طبيعة نظام التناوب المعمول به، وهذا يعتمد على علاقات السلطة بين المشاركين (ويعتبر جزءًا منها). فلنبدأ بالنظر في المحادثات غير الرسمية بين الأكفاء. يتحقق التناوب في مثل هذه المحادثات بالتفاوض بين المشاركين على تناوب الأدوار وفقًا للصيغة التالية: للمتحدث أن يختار مَن يعقبه في الكلام؛ فإذا لم يحدث هذا، فللمتحدث التالي أن يتكلم باعتبار هذا دوره؛ وإذا لم يحدث هذا، فللمتحدث أن يواصل الحديث. ومن المفترض أن جميع المشاركين يتمتعون بحقوق متكافئة وفق هذه الصيغة، أي أن يختاروا غيرهم، أو «يختاروا أنفسهم»، أو يواصلوا الحديث.

والمحادثة غير الرسمية بين الأكفاء تتمتع بدلالة كبرى وقوة حشد عظمى بصفتها شكلًا مثاليًّا للتفاعل الاجتماعي، ولكن حدوثها بالفعل محدود إلى أبعد مدى في مجتمعنا المتسم بالانقسام الطبقي وانفصام السلطة. وحيثما تحدث فعلًا، فإن حدوثها نفسه يحتاج إلى تفسير، ويجب ألا يعتبر، على نحو ما نشهده كثيرًا، «الوضع الطبيعي» للتفاعل بصفة عامة.

وأما في الحوار بين غير الأكفاء، فإن حقوق التناوب غير متكافئة، على نحو ما بيَّنَته بعض المقتطفات التي نُوقشت في الفصول السابقة، فلننظر إلى عينة صغيرة من الخطاب في قاعة للدرس:

المعلمة : أين يذهب [الهواء] قبل أن يصل إلى الرئتين؟
التلميذ : إلى القصبة الهوائية يا أستاذة.
المعلمة : في القصبة الهوائية … والآن هل يستطيع أحد أن يذكر الاسم الآخر للقصبة الهوائية؟
التلميذ : قصبة الرئة.
المعلمة : قصبة الرئة … جميل.
النص ٥–٨، المصدر كولتارد ١٩٧٧: ٩٤
يختلف نظام التناوب هنا اختلافًا كبيرًا عن صيغة المحادثة غير الرسمية. فالتلاميذ يتناوبون الكلام عندما يوجِّه المعلم سؤالًا إلى الفصل كلِّه أو إلى تلميذ فرد. والتلاميذ لا يستطيعون في الحالات العادية اختيار أنفسهم، ولكنَّ المعلمين على العكس من ذلك دائمًا ما يختارون أنفسهم؛ لأن التلاميذ لا يستطيعون اختيارَ معلِّميهم. ولا تقتصر القيود التي يواجهها التلاميذ على تناوبهم أدوارَ الكلام، بل إنها مفروضة أيضًا على مضمون ما يقولونه حين تحين أدوارهم [في الكلام]؛ إذ عليهم الاقتصار، أساسًا على تقديم إجابات عن أسئلة المعلم. كما أن معايير الصلة بين الإجابة والسؤال معايير من وضع المعلم أيضًا! وعلى الرغم من كثرة الأسئلة التي يطرحها المعلمون فإن لهم أيضًا أن يؤدُّوا مهامَّ أخرى كثيرة عندما تحين أدوارهم في الكلام، على عكس التلاميذ، فلهم أن يقدموا المعلومات أو يصدروا التعليمات مثلًا، أو — كما رأينا في هذا المثال — يقدموا ردودًا تقييمية لإجابات التلاميذ، إما بتكرار الإجابة (في القصبة الهوائية، قصبة الرئة) أو يقدموا تعليقًا تقييميًّا (جميل). وهيمنة مثل هذا الخطاب في قاعات الدرس تستند إلى أيديولوجيات المراتب الاجتماعية والتعليم، كما أنه يُعيد إنتاج هذه الأيديولوجيات. ومع ذلك فقد نجد قاعات للدرس التي تختلف فيها ممارسة الخطاب والأيديولوجيات اختلافًا بيِّنًا.

هل توجد طرائق لسيطرة أحد المشاركين على مساهمات الآخرين في الحديث؟

قلت في الفصل الأول إن «السلطة في الخطاب» تعني أن المشارك الذي يتمتع بسلطة أكبر يضع القيود على مساهمات المشاركين الأقل سلطة. وتتوافر شتى الأساليب لتحقيق هذا، وسوف أذكر أربعة منها:
  • المقاطعة.

  • إرغام المتحدث على الصراحة.

  • السيطرة على الموضوع.

  • الصوغ.

أما المقاطعة فقد بيَّنتُها في النص الخاص بوحدة الأطفال المبتسرين في الفصل الثالث. ولعلك تذكر أن الطبيب كان يقاطع طالب الطب ابتغاءَ السيطرة على مساهماته: أي لمنعه من الشروع في الفحص الطبي قبل غسل يدَيه، أو منعه من تكرار المعلومات أو تقديم معلومات لا تتعلق بالموضوع.
واللجوء إلى المقولات الغامضة أو التي تحتمل وجهين من وجوه المعنى قد يكون مفيدًا في أيدي المشاركين «الأقل سلطة» عند تعاملهم مع ذوي السلطة، ولكن أصحاب السلطة قد يردون بإرغامهم على الصراحة؛ فقد يُرغِمون مشاركًا على أن يُزيل الغموض بطرح أسئلة؛ مثل: هل هذا تهديد؟ هل تتهمني بالكذب؟ والصمت سلاح آخر في يد المشارك «الأقل سلطة» خصوصًا باعتباره وسيلةً لتحاشي تحديد موقفه بشأن ما يقوله المشارك ذو السلطة الأكبر. ولكن هذا الأخير قد يستطيع إرغام المشارك على كسر صمته وإجباره على الإجابة بأسئلة؛ مثل: هل تفهمني؟ أو هل توافقني؟ أو ما رأيك في هذا؟

ومن المحتمل أن يتولَّى المشارك ذو السلطة تحديدَ شكل «التفاعل» والسيطرة عليه. فكثيرًا ما يكون المشاركون من ذوي السلطة (مثل المعلم) في موقع يمكِّنهم من تحديد طبيعة «التفاعل» وأغراضه في بدايته، وعدم السماح بمساهمات لا تربطها صلة (في نظرهم) بموضوعه.

ومن الأساليب التي تُستخدم على نطاق واسع وبأشكال شتى أسلوب الصوغ، وقد يكون الصوغ في الواقع إعادة صياغة لما قاله المتحدث أو ما قاله غيره، في دور واحد أو سلسلة من الأدوار أو في الحوار برمَّته فعلًا، وقد يقتصر على صياغة ما يُفترَض أن يترتب على ما قيل، أو ما أوحَى ما قيل به وحسب. وتستخدم ضروب الصوغ في تحقيق أغراض معينة مثل التيقن من فهم [فحوى الحوار] أو التوصل إلى تحديد متفق عليه لما دار أثناء التحاور. ولكن الصوغ يستخدم أيضًا في السيطرة على التحاور، وفي اللقاءات الإذاعية بوجه خاص على سبيل المثال، باعتباره حيلةً لتوجيه المشاركين لتقبُّل مفهوم المتحدث لما حدث، وبذلك تقليل الخيارات المتاحة في المساهمات التالية.

وفيما يلي مثال للصوغ واستعماله الاستراتيجي في الخطاب. فالشخص «ألف» يشرح للشخص «باء» الأحداث التي أحاطَت بكسر زجاج نافذة ما:
«أ» كان الزجاج مكسورًا عندما دخلت للغداء.
«ب» حقًّا.
«أ» أي إن ذلك حدث أثناء حديثي للأولاد في الطابق العلوي، یعني.
«ب» وإذن، فإن الأولاد في الطابق العلوي لم يكسروه.
«أ» أتصور ذلك.

«الدور» الثاني من كلام «باء» يقدم صوغًا لما يرويه «ألف»، أي إنه «يقدم» إلى «ألف» خلاصةَ ما قاله الأخير، وهو أنه إن كان يتحدث للأولاد في الطابق العلوي أثناء كسر الزجاج فإن الأولاد لم يكسروه. ويبدو أن «أ» مضطرٌّ إلى التسليم بهذا. وقد يكون الصوغ من المزايا التي يتمتع بها ذوو السلطة، ولكن هذا لا يعني أنهم ينجحون دائمًا في السيطرة عليه. وفيما يلي اختتام مقابلة شخصية بين مدير مدرسة وتلميذ يُشتبه في ارتكابه بعض الجنح:

إن مدير المدرسة هنا يحاول إنهاء المقابلة بأن يقدم إلى التلميذ صوغًا لرد الأخير على التُّهَم الموجهة إليه، ولكن محاولة المدير تفشل، ويسيطر التلميذ على الموقف بمقاطعة المدير وتقديم صوغه الخاص لإنكاره.

(١-١٠) السؤال العاشر: ما الأبنية الواسعة النطاق التي يتسم بها النص؟

النص ٥–٩ مقال من صحيفتي المحلية. وهو يمثِّل كيف يمكن للنص كلِّه أن يتسم ببناء معين، وربما كان يتكون من عناصر متوقعة في نظام متوقع.

رجال الإطفاء يخمدون الحريق

اضطر عمال النوبة الليلية في خط التغليف بمصنع شركة نيرن للمنتجات المغلفة، بمنطقة سان جورج في مدينة لانكاستر، إلى إخلاء المكان بعد اندلاع حريق في أحد الأفران مساء الأربعاء.

وتصدت أربع سيارات مطافئ للحادثة، كما شارك رجال الإطفاء الذين كانوا يلبسون أجهزة تنفس خاصة في مكافحة النيران التي شبت بعد أن اشتعل قسم من أقسام الفرن، بسبب توهج الأسلاك الخاصة بالضوء تحت الأحمر.

ونجمت عن الحريق أضرار خطيرة بأسلاك معدنية طولها عشرون مترًا، وبباطن آلة التغليف، كما ملأ الدخان غرفة التغليف وسد مداخلها.

ولكن القسم عاد للعمل كالمعتاد صباح يوم الخميس.

النص ٥–٩ المصدر صحيفة لانكاستر جاردیان، ٧ أكتوبر ١٩٨٦م.
والأنباء المنشورة عن الحوادث العارضة (أو الأحداث) تشترك عمومًا في العناصر الرئيسية التي نجدها في هذا المثال وهي — فيما يبدو — ما حدث، وما تسبب في حدوثه، وما اتخذ من إجراءات لمواجهته، وما العواقب المباشرة له، وما الآثار الناجمة عنه في الأجل الطويل. فالفقرة الأولى تقدم لنا الآثار المباشرة، تتلوها إشارةٌ إلى ما حدث. ثم تذكر الفقرة الثانية الإجراءات التي اتُّخِذت لمواجهته وتزيد من ذكر تفاصيل ما حدث. وأما الفقرة الثالثة فتزيد من تفصيلات الآثار المباشرة، وتشير الفقرة الرابعة بعد ذلك إلى العواقب في الأجل الطويل. لاحظ أن الترتيب الذي تظهر به هذه العناصر ليس منطقيًّا إلى حدٍّ بعيد، وأن أيَّ عنصر من هذه العناصر يمكن أن يظهر في أكثر من مكان واحد. والحق أن ترتيب العناصر في الأخبار الصحفية يستند إلى أهميتها أو جدارتها بالنشر، بحيث يقدم العنوان مع الفقرة الأولى ما يعتبر أهم الجوانب، أو فحوى النبأ. وفي هذه الحالة نجد أن العنوان يؤكد ما بذل من جهد للتصدي للحادثة، وإن كان يتضمن الإشارة إلى ما حدث (الحريق).

وتعتبر توقعات المشاركين عن بناء التفاعلات الاجتماعية التي يشاركون فيها، أو النصوص التي يقرءونها، عنصرًا مهمًّا من عناصر التفسير، كما يمكن تفسير عناصر معينة وفقًا لما هو متوقع في الأماكن التي تقع فيها هذه العناصر، لا من حيث هويتها (انظر مناقشة النصوص الخاصة في الفصل السادس). ولكن دلالة البناء العام ذات أجل طويل أيضًا؛ إذ يمكن لمثل هذه الأبنية أن تفرض مستويات عليا من النظم المعتادة على الممارسة الاجتماعية بأسلوب يحدد الأغراض ويُغلقها أيديولوجيًّا. وفيما يتعلق بالأنباء التي تنشرها الصحف عن الحوادث في المصانع — مثلًا — نجد أن الإحاطة بالعناصر التي أشرت إليها تجعل من العسير على القارئ إدراك استبعاد عنصر من العناصر، وليكنْ سجل الأمان للشركة المعنية، بسبب عُرفٍ من الأعراف «المطبَّعة». ونجد على العكس من ذلك أن بعض جوانب الأحداث التي لم تفصل الأعراف بينها باعتبارها عناصر بنائية، عادةً ما تختفي عن الأنظار والوعي. وكثيرًا ما يحدث هذا بالنسبة لسجل الأمان والاحتياطات عند النظر في الحوادث التي تقع في المصانع.

المراجع

فيما يتعلق بالمفردات، ومعاني الألفاظ وعلاقات المعنى انظر: ليتش (١٩٧٤م)، وليونز (١٩٧٧م)، وألان (١٩٨٦م). وارجع إلى كتابي كريس وهودج (١٩٧٩م)، وفاولر وآخرين (١٩٧٩م) حيث مناقشات التصنيف، و«الإطناب» overwording وإعادة الصياغة rewording المشار إليهما على الترتيب بالكلمتين relexicalization and overlexicalization ويناقش الكتابان أيضًا العلاقة بين المعنى والأيديولوجيا. وللمزيد من المناقشة النظرية عن تلك العلاقة انظر: بیشیه (١٩٨٢م) وفولوشینوف (١٩٧٣م) وج. ب. طومسون (١٩٨٤م). وبولینجر (١٩٨٠م) يعتبر مفيدًا في شتى جوانب المعنى، بما في ذلك الاستعارة، والتلطف في التعبير. وفيما يتعلق بالاستعارة، انظر ليكوف وجونسون (١٩٨٠م) وجوتلي (١٩٩٧م).

والمدخل إلى النحو في هاليداي (١٩٩٤م) مثمر فيما يتصل بالدراسة النقدية للغة. وانظر أيضًا إيجينز (١٩٩٤م) وج. طومسون (١٩٩٦م). ويعتبر كتاب كويرك وآخرين (١٩٨٥م) مصدرًا شاملًا لجميع جوانب النحو. وفيما يتعلق بالربط بين الجمل انظر هاليداي وحسن (١٩٧٦م)، وعن الافتراضات المسبقة انظر ليفنسون (١٩٨٣م). وسوف تجد مادةً ثرية عن التحليل النحوي في إطار الدراسة النقدية للغة في فاولر وآخرين (١٩٧٩م) وكريس وهودج (١٩٧٩م)؛ وفاولر (١٩٩١م).

وكتاب ساكس وآخرين (١٩٧٤م) دراسة كلاسيكية للتناوب في المحادثة؛ وانظر أيضًا أتكينسون وهيريتيدج (١٩٨٤م)؛ وجودوین وهيريتيدج (١٩٩٠م). وأما سینكلیر وكولتارد فقد وضعا في كتابهما (١٩٧٥م) مدخلًا مبكرًا لتحليل الخطاب في قاعة الدرس. وفيما يتعلق «بالصوغ» انظر هيريتيدج وواطسون (١٩٧٩م). وفيما يتصل بتولِّي المشاركين المتسلطين السيطرةَ على الخطاب انظر ستابز (١٩٨٣م) وتوماس (١٩٩٥م)، وطولبوت (١٩٩٨م). وبالنسبة للمباني الواسعة النطاق للنصوص، انظر براون ويول (١٩٨٣م).

١  غنيٌّ عن البيان أن هذه الأبنية خاصة باللغة الإنجليزية ومقابلاتها بالعربية مختلفة؛ ولذلك فليست الترجمات ترجمات بالمعنى المفهوم، بل وسائل إيضاحية وحسب للمسميات الإنجليزية، وقد أبحتُ لنفسي تحويل الفعل في النمط الثالث إلى الماضي حتى يظهر الفعل المساعد (to be) في اللغة العربية، أما في المضارع فلا يظهر كما هو معروف، ونستعيض بالمبتدأ والخبر عن البناء المذكور؛ وذلك لأن المؤلف يستخدم الأبنية الإنجليزية في إقامة حجته الخاصة بتأثير الأيديولوجيا في الأبنية النحوية الإنجليزية. ولمن يريد الاستزادة في هذا الباب أن يرجع إلى كتاب الدكتور إبراهيم عبادة الجملة العربية: مكوناتها، أنواعها، تحليلها. مكتبة الآداب، القاهرة، ٢٠٠٢م. (المترجم)
٢  النوعية (modality) «ترجمة» اقترحها الأستاذ الدكتور مجدي وهبة، وهي تَصِف ظاهرةً أو فئة نحوية خاصة باللغة الإنجليزية، ويتعذر إيجاد مقابل يعتبر مرادفًا أو مكافئًا لهذه الفئة بالعربية ما دامت العربية تفتقر إلى هذه الفئة تحديدًا وتتضمن مقابلات أخرى خاصة بها للتعبير عن مدلولاتها. وأما تعريفها فيختلط بمفهوم مصطلح آخر هو mood وفقًا لما يقوله جیمز هيرفورد (Hurford) في كتابه عن النحو الإنجليزي (١٩٩٤م) وما قالت به جنیفر كوتس (Coates) في كتابها دلالات الأفعال المساعدة النوعية (١٩٨٣م) ومن قبلهما فرانك بامر (Palmer) في كتابه الفعل الإنجليزي (١٩٧٤م) [الفصل الخامس] وكتابَيه التاليَين المفصَّلَين: الأول هو النوعية وأفعال النوعية في اللغة الإنجليزية (١٩٧٩م)، والثاني النوع والنوعية (١٩٨٦م) الذي يقرن حتى في عنوانه بين modality [النوعية] والنوع [mood]. ولما كانت القاعدة المطبقة في مبحث الترجمة تقول: إنك لا تستطيع أن تترجم أيَّ شيء عن اللغة المصدر إلا إذا كان له مقابلٌ باللغة المستهدفة (أو اللغة الهدف) فإن عدم وجود مقابل في العربية لكلمتَي modality وmood باعتبارهما مصطلحَين متخصصَين في علم اللغة يعني استحالةَ العثور على المقابل العلمي الدقيق باللغة العربية لأيٍّ من هذين المصطلحَين باعتبارهما مختصَّين بظواهر لغوية، وفي هذه الحالة يضع المترجم لفظًا قد تكون له عدة دلالات في سياقات متباينة ثم يجعله في نطاق البحث اللغوي فقط مقابلًا للمصطلح الأجنبي، وواضعو المصطلحات ومؤلفو المعاجم يفعلون هذا باستمرار ولسنا في مجال التدليل على صحته، فما يهمُّنا هو المعنى اللغوي الخاص الذي جعلنا المصطلح العربي يحمله عن المصطلح الإنجليزي. ويقول ر. ل. تراسك (Trask) في معجمه المفاهيم الأساسية في اللغة واللغويات (١٩٩٩م): إن النوعية فئة نحوية ترتبط بالتعبير عن الإلزام، والإذن، والمنع، والضرورة، والإمكانية، والقدرة. وإنه يصعب الفصل بينه وبين النوع (mood) الذي يعبر عن درجة أو شكل من أشكال الواقع. ويُضيف قائلًا: «ولكنَّ اللغويِّين أصبحوا يفضِّلون مصطلحَ النوعية (modality) على امتداد عدة عقود للتعبير عن الفئات الست المذكورة، والمصطلح مريحٌ بصفة خاصة في مناقشة لغة مثل الإنجليزية تتضمن مجموعةً من الأفعال النوعية المساعدة للتعبير عن هذه المفاهيم. وهذه هي: can, could, may, might, will, would, shall, should, must and ought.
إلى جانب أشكالها المنفية» (ص١٨٩).
وأما أقرب الأفعال في العربية إلى ما نسمِّيه الأفعال المساعدة النوعية بالإنجليزية، فهو الفعل «كان»؛ إذ نعتبره فعلًا «ناقصًا»، وإن كان يمكن استخدامه «تامًّا»، مثل قرينه الإنجليزي to be. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤