مقدمة

أُتيح لهذه القصة أن تبلغ من نفس شاعرنا العظيم خليل مطْران موضع الرضا، فأهدى إليَّ هذه القصيدة الرائعة، فضلًا منه أتقبله فخورًا شكورًا، وأكره أن أؤثر به نفسي من دون الذين يحبون الشعر الرفيع، بل أكره أن يحملني التواضع الكاذب على إخفاء هذه المكرمة التي إن صوَّرت شيئًا فإنما تُصوِّر نفسًا كريمة وقلبًا عطوفًا:

دُعاء هذا الكروان الذي
خلَّدْتَهُ في مسمع الدهرِ
له صدًى في القلب والفكر مِن
أشهى مَتاع القلب والفكرِ
لكنه مُشجٍ بترجيعه
لما جرى في ذلك القفرِ
إذ تسكنُ البيداء وَهْنًا فما
ينبضُ إلَّا مُهجُ السفرِ
والليل في التيه السحيق المدى
يُطبِقُ جفنَيه على وِزْرِ
والطائرُ المرتاعُ في جوِّه
يُنذِر بالمأساة في ذُعرِ
يُرِنُّ إرنانَ سهامٍ رَمَتْ
حيثُ رَمَتْ بالشُّعَلِ الحُمْرِ
أسال أدمُعي خَطبُ مَطلولة
مقتولة في زَهْرة العمرِ
جنى عليها واهمٌ أنَّه
يثأرُ للعرض وللطهرِ
وخامرتني حسرةٌ خامرتْ
شهودَ ذاك المصرَع النُّكرِ
أليس للأرواح في بَثِّها
أواصرٌ من حيث لا تدري
جوهرُها فَردٌ وإحساسها
مُشتركٌ في النفع والضَّرِّ
حادثةٌ في ريف مصرٍ جرتْ
ومثلها في الريف كم يجري
قصَّتْ علينا قصصًا شائقًا
في كَلِمٍ أنقى من القَطْرِ
مَسرودةٌ سردًا على صَفوِه
أفْعل في النفس من الخمرِ
يا لغة العُرب التي كاشفتْ
طهَ بما صانت من السرِّ
من أيِّ رَوْضٍ يُجتَنى مثلُ ما
جَناه من أزهارك النُّضْرِ
من أي بَحرٍ والمُنى دُرُّهُ
يُصادُ ما صاد من الدُّرِّ
من أي تبرٍ في غوالي الحِلَى
يُصَاغُ ما صاغ من التبرِ
آياتُ طهَ نَزَلتْ بالهدى
فيمَ استعارت فتنة السِّحرِ
أحْدَثُ ما جاءتْ به طُرفَةٌ
بديعةٌ في أدب العصر
جَلَتْ خيالَ الشِّعر في صورة
أغارت الشعرَ من النثرِ

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤