فاتحة

بسم الله، وعلى هدًى من الإيمان بالله.

وبعد، فهذا كتاب عن فضائل الإسلام وأباطيل خصومه، يتقاضانا التمهيد له أن نقدم بين يديه بكلمة موجزة عن فضل الدين كله، أو فضل العقيدة الدينية في أساسها؛ إذ لا محل للكلام على فضل دين من الأديان ما لم يكن أمر الدين كله حقيقة مقررة أو ضرورة واضحة، ولا معنى كذلك لأنْ نقصر الخطاب على المؤمنين المصدقين ولا نشمل به المشككين والمترددين، بل المنكرين والمعطِّلين؛ لأن المتشكك والمعطل أولى بتوجيه هذا الخطاب من المؤمن المصدق، ولا فضل لدين على دين ما لم يكن للدين كله فضل مطلوب تتفاوت فيه العقائد كما يتفاوت فيه من يعتقدون ومن لا يعتقدون.

هل للدين حقيقة قائمة؟

هل للدين ضرورة لازمة؟

سؤالان متشابهان، بل سؤال واحد في صورتين مختلفتين، ولسنا نزعم أن الصفحات القليلة التي نقدم بها هذا الكتاب كافية للإجابة عن هذا السؤال الذي يجاب عنه كل يوم بما يتسع بعد الجواب الواحد لألف جواب، ولكننا نزعم أن هذه الكلمة الموجزة كافية لموضعها المقدور من هذا الكتاب؛ لأنها تكفي لهذا الموضع إذا تركت شكوك المترددين والمنكرين مضعوفة الأثر منقوضة الأساس، وتكفي لموضعها إذا تركت من يشك ويتردد وقد أحسن الوَهْن في بواعث شكه وأسباب تردده، وبحث عن جانب الحقيقة فيها فلم يجده، أو بحث عنها فوجدها في الجانب الآخر أقرب إلى العقل والبداهة، وأجدر بالاتجاه في وجهتها إلى نهاية المطاف.

ونحن في بداءة الطريق نحب أن نصحب القارئ على بصيرة من الباب الذي نستفتح به طريق البحوث في هذا الكتاب، بل نستفتح به الطريق في كل بحث تشعبت حوله المسالك واضطربت عنده الآراء. وبابنا هذا قبل كل طريق من تلك الطرق أن نسأل: إذا كان هذا الأمر غير حسن فما هو الحسن؟ ثم هذا الذي نستحسنه كيف يكون؟ وأي الأمرين إذنْ هو الأقرب إلى العقل أو الأيسر في التصور؟ فإن كان ما نستحسنه هو الأقرب إلى عقولنا والأيسر عندنا في الإمكان، فقد حُقَّ لنا أن نفضله وننكر ما عداه، وإن عرفنا بعد المقابلة بينهما أن الذي ننكره أقرب إلى العقل والإمكان من الذي نستحسنه، فقد وجبت علينا مراجعة التفكير ووجب في رأينا — قبل رأي غيرنا — أن نصطنع الأناة ونتردد في الجزم والتفضيل.

•••

ونبدأ الآن من البداءة في هذه الفاتحة فنقول: إن أكبر الشبهات التي تعترض عقول المتشككين والمنكرين شبهتان، هما: شبهة الشر في العالم، وشبهة الخرافة في كثير من العقائد الدينية. وخلاصة شبهة الشر أنهم لا يستطيعون التوفيق بين وجود الشر في العالم وبين الإيمان بإله قدير كامل في جميع الصفات، وخلاصة شبهة الخرافة في كثير من العقائد الدينية أنهم لا يستطيعون التوفيق بين العقائد وبين المحسوسات والمعقولات التي تتكشف عنها معارف البشر كلما تقدموا في معارج الرُّقيِّ والإدراك.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤