تربتها وصخورها

إنَّ تربة زحلة وما يجاورها معظمها بيضاء كلسية أشبه بالطباشير؛ ولذلك سمي البقاع الغربي الذي كانت المدينة قاعدته (قبل تنظيم متصرفية لبنان) بإقليم البيَّاض.١ وهي خصيبة فيها كثير من الهوالك الحيوانية والمندثرات النباتية، وخاصتها أنها تصلح لغراس الزيتون والكروم ونحوهما. وأما تربة المدينة فخفيفة لكثرة انحدارها، إلا في المحلات الكثيرة الأشجار فإنها أصون لحفظ التربة، ولا سيما حيث تنبسط الأرض وتستوي طبقاتها، مثل البساتين ومرج عرجموش المعروف بالفيضة ونحو ذلك. فهناك تجد التربة حمراء والأرض تصلح للزرع والغرس فتثمر ثمرًا طيبًا. وفي المدينة ومشارفها آثار خزف وفخار كثيرة، تدل على أنها ربما اتخذت من تربتها، ولا أثر لهذه الصناعة فيها اليوم. ومن خواص هذه التربة أنها لزجة إذا مستها رطوبة؛ ولذلك تكثر الوحول في بعض الطرق التي لم تحصب ولم ترصف. ولقد لاحظ ذلك الأقدمون، فرصفوا أكثر الطرق والشوارع بالحصى المدملك الذي يكثر في مجرى النهر؛ فحبذا لو تنبه المفوض البلدي إلى ذلك في عهدنا.

أما صخورها ففيها انقلاب جيولوجي وتزحزح في طبقاتها وتشويش في تنضيدها، مما يدل على المؤثرات الطبيعية كالأمطار والرياح والمجاري المائية والزلازل والبراكين، التي غيرت ترتيبها وأحدثت هذا الانقلاب العجيب. وفي قمم الروابي والجبال المحدقة بالمدينة فوَّهات البراكين التي اشتعلت في أحد الأدوار وخمدت الآن، وهناك كثير من المصهورات البركانية، كالصوَّان والحمة (الحجارة السوداء) والألماس الكاذب «وتسميه العامة في لبنان ملح القاق»، أما في أعلى جبل صنين فطبقات الصخور على القمة أفقية الوضع وعلى المحيط تنكسر نحو المنحدر إلى الجهات الأربع.

وعلى الجملة فإن صخور زحلة سريعة التفتت رخوة، وذلك من تأثير امتصاص المطر للحامض الفحمي «الكربوني» من الهواء، وتشرُّب الأرض إياه فيتخللها ويفتتها. ولقد تناوب لبنان الفاعلان المهمان المائي الذي يمهد ما ارتفع من الأرض ويعلي ما انخفض منها. والفاعل الناري الذي يسعى بعكس ذلك، فيجعل السطح غير مستوٍ. فكثرت فيه الأودية والمنخفضات والروابي والمرتفعات والسهول والمستويات، كما ترى في وادي البردوني.

ولما كانت صخور زحلة لا تصلح للبناء؛ اتخذ اللبن المجفف بالشمس لبناء بيوتها القديمة، وهو متين يصبر على الفواعل الطبيعية، ويتماسك الجدار المبني به حتى يصير كأنه قطعة واحدة صُبت في قالبٍ واحد. أما الأبنية الحديثة ولا سيما منذ بضع عشرة سنة، فمعظمها من الحجارة التي تقطع من مشارف المدينة على بعد أكثر من ساعة في غربيها، وتنقل على ظهور البغال، فهي كثيرة النفقات لصعوبة النقل من المقاطع (المقالع) البعيدة. وهناك حجر أشبه بالحجر السماقي، كأنه مرصع بفصوص بيضاء وحمراء يقبل الصقل فيصير لماعًا جميلًا، تسميه العامة «شحم بلحم»، تُتخذ منه الأجران للمدقَّقة (الكبة) والأحواض والبوابات ونحوها.

ومن أكبر الصخور في المدينة الذراعان الممتدتان في فم الوادي الغربي عند نزل (لوكندة) الصحة من الجنوب والشمال، ولكنهما لا يستخرج منهما حجر صالح للبناء، حتى إنهم عند تشييد ذلك النزل في آخر الذراع الشمالية لم يقطع منها حجر نافع؛ بل احتاج بانيها إلى تفتيت الصخور وإبعادها ليفسح للبناء محلًّا، واستقدم الحجارة من المقاطع البعيدة. وفي كثير من سفوح وأسناد وادي البردوني على ضفتي النهر طبقات صخرية حصوية مدملكة متراصة تدل على فعل المياه الجارية.

وفي مشارف المدينة كثير من المستحجرات الحيوانية، ولا سيما عند عين حزير وعين السواعير وغيرهما مثل الحلزون (البزَّاق) والتوتيا والمحار (صدف الدُّر) وبعض الأسماك، ومن أعجبها حيوان مائي بحجم الفرنك أو أكبر مستطيل الشكل، له على ظهره نقش بديع كأنه منبت شعر أو ريش، ومن ذلك حجارة صدفية مركبة من مسحوقات الصدف المتراصة، وغير ذلك مما يوجد بعضهُ في متحفي الكليَّتين الأميركانية واليسوعية في بيروت.

هوامش

(١) وفي غربيها على طريق بسكنتا والمروج طريق «البياضة» وهي أشبه بالرمل تذريه الرياح في الصيف وتجبله الأمطار وحلًا في الشتاء. ومن هذه الطريق يسلك الناس إلى كرومهم أيضًا، ويضرب المثل بها في لبنان فيقال «مثل بياضة زحلة».

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤