زحلة بعد سنة ١٨٦٠

أفضنا في تاريخ زحلة مطولًا إلى هذا العهد القريب منا، ولهذا نجتزئ الآن مقتضبين الكلام في ما هي عليه الآن زحلة التي لقَّبها فؤاد باشا العثماني «مدينة» كما مرَّ لأسباب كثيرة أهمها حسن موقعها وعمرانها وكثرة عدد سكانها ونشاطهم، فزحلة هي مدينة لبنان الوحيدة فيه في كبرها وعدد سكانها وموافقة موقعها، وهي الآن مقر قائمية مقام منتسبة إليها مشهورة بنهرها البردوني (البارد)، الذي يَقسمها إلى شطرين وعلى ضفتيه المدينة بأبنيتها وقصورها الفخيمة والأنزال (اللوكندات) البديعة والحدائق الغنَّاء والمتنزهات الفيحاء، التي تجمع في الصيف نخبة المصطافين من القطرين المصري والسوري يتخطرون في طرقها زرافات ووحدانًا، وممتازة بهوائها الجاف ونسيمها المنعش وعنبها اللذيذ ومعيشتها الهنيئة إلى غير ذلك مما تقدم تفصيله في أوائل هذا التاريخ.

أما سكانها فمشهورون بقوة أجسامهم، وجرأتهم وحدَّة أمزجتهم العصبية والدموية، وطيب قلوبهم وكرمهم وفروسيتهم وبسالتهم وحبهم للأسفار، وبراعتهم في التجارة وإقدامهم على تحمل المشاق والمتاعب، وشدة ذكائهم في مجاراة المعاصرين بآداب العلوم وإتقان اللغات والفنون والصناعات، وقد نبغ منهم الرؤساء والصحافيون والمؤلفون والمحامون والشعراء والكُتاب والتجار والصناع، وكان عددهم قبل سنة ١٨٦٠ لا يتجاوز الاثني عشر ألف نسمة، فصار سنة ١٨٨٧ ثمانية عشر ألفًا، واليوم نحو خمسة وثلاثين ألفًا منهم نحو النصف في المهاجر، وهم يقسَّمون بالنظر إلى مواطنهم الأصلية إلى لبنانيين ومعظمهم من قضائي المتن والشوف، وإلى بعلبكيين ومعظمهم من بعلبك وما إليها من القرى، وإلى راسيين ومعظمهم من قرية رأس بعلبك، وإلى دحامرة ومعظمهم من الظهر الأحمر إحدى قرى وادي التيم «والكلمة منحوتة محرَّفة»، وإلى مختلفي الموطن فبعضهم من حماة وحمص، والآخرون من ديار بكر وغيرهم من بعض جهات سورية الأخرى، وهم من الطوائف الكاثوليكية والأرثوذكسية والمارونية والإنجيلية والمسلمية، وبعض السريان الكاثوليكيين والأرثوذكسيين وعدد مكلفيهم نحو ٤٢٥٧ شخصًا. وجميعهم يرجعون إلى أُسر (عيال) معروفة بعضها كثيرة العدد والأخرى قليلته،١ ومساحة عقاراتهم ٢١٤٧ درهمًا وبيوتهم نحو أربعة آلاف، ومدينتهم منظمة تحتاج إلى بعض إصلاحات تزيدها جمالًا وعمرانًا وتوفية للبحث التاريخ حقه من الاستيعاب نشير الآن إلى شئونها العامة باختصار …

(١) حالتها الإدارية

لما نظمت متصرفية لبنان وأسند حكمها إلى داود باشا الأرمني أول متصرفيها، وذلك في ١٠ حزيران سنة ١٨٦١ صارت زحلة مقرًّا للمدير الذي كان إذ ذاك بمثابة قائم مقام، وكان يتبعها البقاع الغربي والشرقي على نحو ما كانت في عهد قائميتي المقام (قاعدة الشوف البياضي).

فكان أول مدير (قائم مقام) تولى إدارة شئونها الأمير عبد الله أبو اللمع سنة ١٨٦١، وسنة ١٨٦٢ سارت العربة بينها وبين بيروت. ويوم الأحد في ١٠ ك ٢ سنة ١٨٦٤ توفي السيد باسيليوس شاهيات أسقف الروم الكاثوليك عن نحو ٦٧ سنة صرف معظمها في خدمة هذه المدينة وعمرانها ونجاح سكانها، فدفن بعد ظهر ثاني يوم الاثنين باحتفال يليق به.٢ ويوم الثلاثاء في ٢٦ ك ٢ من هذه السنة جاء زحلة داود باشا متصرف لبنان، فعزل مديرها الأمير المذكور، ونصب عوضه سليم الصوصه الكاثوليكي من دير القمر، ورتب فيها مجلسين إدارة وجزاء «جناية»، وعين للأعضاء رواتب كما كان الحال في جميع لبنان.
وفي شهر أيار من تلك السنة صارت مساحة عقاراتها. وفي ١٥ أيار من تلك السنة زارها أولاد ملكة الإنكليز (ڤكتورية) ونزلوا في خيامهم على البيادر واستقبلوا بحفاوة. وفي ٨ تموز سنة ١٨٦٥ عُزل الصوصه ونصب عوضه حنا زلزل من بكفيه، وسمي قائم مقام فصارت زحلة قائمية مقام٣ إلى يومنا. وزارها جميع المتصرفين وكثير من المشاهير، وسنة ١٨٦٦ كان الخوري جرجس عيسى الزحلي رئيسًا للمدرسة البطريركية في بيروت التي شيدها،٤ وسنة ١٨٦٧ غرم الزحليون بمائة ليرة فرنسية لمخاصمة بعض أُسرهم وعمروا جسر الصلح، وسنة ١٨٦٨م نصب فرنكو باشا وسلخ البقاع عن زحلة، فصارت قائمية مقام بنفسها، وأنشئ فيها تلغراف بخمسة أسلاك إلى بيروت وبعبدا وبيت الدين وبعلبك ودمشق. وسنة ١٨٧٠ اشتد غلاء الحبوب فيها، فبيع مد الحنطة بأربعين غرشًا فأصدرت زحلة نحو أربعين ألف مد معظمها إلى دمشق وحوران. وسنة ١٨٧٣ من ٢٥ كانون الأول إلى ٦ نيسان سنة ١٨٧٤ كان سقوط الثلج متواصلًا، فسدَّت الطرق وضويق الناس والمواشي، وبيع جوالق (يالق أو خيشة) التبن بستين غرشًا، ورطل الفحم بغرشين ونصف، ورطل الأرز باثني عشر غرشًا، وارتفعت جميع أسعار الحاجات.

وفي شهر أيار صار ثمن مد الحنطة ثلاثة وثلاثين غرشًا، والذرة خمسة وعشرين، والشعير خمسة عشر غرشًا. وسنة ١٨٧٩ نظم رستم باشا فيها المفوض البلدي (المجلس البلدي)، وخصص له ثلث دخل الحسبة ودخلًا آخر وافرًا، ورتب الذبحية غرشًا على كل ذبيح. وسنة ١٨٨٠ كثر الغلاء والثلج والبرد وضويق الزحليون. وسنة ١٨٨٢ نشبت الحوادث العرابية في القطر المصري، فجاء زحلة كثير من سكانه فلاقوا من كرم الوفادة وحسن الحفاوة ما حملهم على قصد ربوعها في كل عام للاصطياف، وكان ذلك بدء قدوم المصريين إلى زحلة ولا سيما في السنة التالية، إذ تفشى الهواء الأصفر في مصر وسورية. وفي شتاء هذه السنة كان صاحب الدولة فوزي باشا السر عسكر العثماني مسافرًا من دمشق إلى بيروت فأوقفته الثلوج الكثيرة في شتوره، فأمر رستم باشا الزحليين أن يرسلوا فعلة لجرف الثلج من أمامه ويدعوه إلى زحلة فنزل فيها ضيفًا كريم المثوى، وحضر الامتحان الانتصافي في المدارس الأسقفية الكاثوليكية، فسرَّ جدًّا من نجاح الطلبة وخطب فيهم محرِّضًا إياهم على الاجتهاد.

وسنة ١٨٨٣ أبدل أعضاء المفوض البلدي الشيوخ بشبان وبدئ بمد طريق العربات منها إلى المعلقة متصلة بطريق بعلبك، وبنيت القنوات (السياقات) لحمل الأقذار. ترتب على كل مكلف (من يدفع المال الأميري) ريال مجيدي وعلى كل ذبيح (رأس غنم) خمسة غروش أنفقت في إصلاح البلدة. وسنة ١٨٨٤ في شهر نيسان ذهب أول مهاجر زحلي إلى أمركة واسمه حبيب أبو جودة، فانفتح لسكانها باب المهاجرة، وفيها إذن السيد أغناطيوس ملوك ببناء كنيسة القديس يوحنا في عين الدوق للرهبنة الحلبية في محلها الحالي. وسنة ١٨٨٥ أمر واصه باشا ببناء دار الحكومة في محلة البيادر بزمن إسكندر أفندي الحداد الجزيني قائم المقام. فقدمت النفقة من صندوق البلدية وأنجزت سنة ١٨٨٨ ودشنها واصه باشا في ١١ تشرين الأول ونقش على بابها تأريخ بقلم الدكتور بشاره زلزل اللبناني٥ ورصفت السوق الجديدة المعروفة بسوق البلاط وأصلحت الطرق. وسنة ١٨٨٩ كثرت مهاجرة الزحليين إلى أمركة وأوسترالية، وفشا السفر بين سكانها فكان الفقراء يرهنون بيوتهم ويسافرون. وسنة ١٨٩٠ كان معرض باريس العام فربح فيه التجار الزحليون، وزال عسرهم المالي لانفتاح أبواب الربح لهم، وفيها مدت طرق العربات في أكثر أحيائها وصارت العربات والعجلات (الكارَّات) تدخل السوق. وسنة ١٨٩١ تفشت الهيضة (الهواء الأصفر) في دمشق وضويقت زحلة بالنطاق الصحي الذي ضرب عليها، وهجم السكان على دار الحكومة بزمن قائم مقامها الشيخ حبيب لطف الله وأبرقوا لمتصرف لبنان واصه باشا فرفع النطاق بعد شهرين من وضعه. وسنة ١٨٩٥ أصلحت جميع طرقها وراجت أعمالها، وشرع بمد طريق العربات حول متنزهاتها، فأُنجز بعد سنة بعهد الشيخ حبيب لطف الله قائم مقامها، وزرع على جانب الطريق أشجار الأزدرخت (الزنزلخت) على أنه لم يُعتنَ بها مع أنها مفيدة كثيرًا للتظليل، ولحمل الغبار الذي يتطاير فيعمي العيون؛ فضلًا عما هنالك من موارد الحطب الذي يقطع منها، فحبذا توجيه النظر إلى العناية بها. وكثرت متنزهاتها وارتاح إلى الاصطياف فيها كثير من المصريين والسوريين، وعاد إليها كثير من أبنائها المهاجرين بأموال وافرة. وفي هذه السنة كانت السكة الحديدية بين بيروت ودمشق وحوران قد أنجزت فراجت أعمال زحلة المجاورة لمحطة المعلقة الكبرى إذ ذاك. وصباح الأربعاء في أول تشرين الأول من هذه السنة (١٨٩٥) احترق أربعة مخازن كبيرة من مخازن سوق البلاط فيها، فقدرت الخسارة بنحو ألفي ليرة، فأمر نعوم باشا متصرف لبنان إذ ذاك باستبدال الفواصل والحواجز الخشبية أو اللبنية بين المخازن بفواصل وحواجز حجرية، فلم يعمل المرممون بذلك. فتجدد الحريق في ليل الخميس في ٢٧ أيار سنة ١٨٩٦ وعمَّ معظم السوق، فكانت الخسارة نحو خمسة آلاف ليرة فبنيت الحواجز جميعها من حجر ورصف السوق بالبلاط. وسنة ١٨٩٧ عمر جسر الصفة (قرب لوكندة الصحة).

وسنة ١٨٩٨ كثر الثلج والجمَد، ووقف القطار الحديدي ثلاث مرات عن مسيره بين بيروت ودمشق، وبقي الثلج إلى أواخر شباط وتضايق الزحليون. وفيها بُني جسر الدباغة (قرب حارة التحتا) وذلك في زمن متصرفية نعوم باشا. وسنة ١٨٩٨ كان بدء نهضتها العلمية والفضل بذلك للكلية الشرقية التي أنجزت تشييدها في هذه السنة الرهبنة الحناوية، وفتحت أبوابها للطلبة كما سنذكر في بحثنا عن المدارس. وكانت قد أسست صحافتها في المهجر كما سترى في باب الصحافة.

وسنة ١٨٩٩ مرَّ بالمعلقة جلالة غليوم الثاني إمبراطور ألمانية، فلاقاه الزحليون ونالوا لديه حفاوة وأُعجب بفوارسها، ولا سيما نجيب بك المعلوف (اليوزباشي اللبناني الآن) وسليم أفندي جرجس مسلم، فإن جلالة الإمبراطورة أخذت بيدها رسمهما أمام خان بيت شاما وهما ذاهبان إلى بعلبك. وسنة ١٩٠٠ أنشأ فارس أفندي البحنسي الزحلي أحد متخرجي كليات الولايات المتحدة مقرأة (غرفة للقراءة)، وعُطِّلت بعودته إلى أميركة. وسنة ١٩٠١ أنشأ يوسف أفندي المشعلاني نزيل زحلة مكتبة (التقدُّم) وجهزها بالكتب العربية والإفرنجية والأدوات المدرسية. وسنة ١٩٠٣ أنشأ مرسلو الأميركان فيها مقرأة (غرفة للقراءة) مجانية وجهزوها بأهم المؤلفات والمجلات والجرائد باللغتين العربية والإنكليزية. وفي أواخرها أنجزت الرهبنة الحناوية ترميم دير النبي إلياس (الطوق) وسنَّمتهُ (سقَّفته بالقرميد)، وذلك في عهد رئيسه الأب أونيسيموس صوايا (سيادة اثناسيوس مطران بيروت ولبنان الحالي)، وهندسه المدبر الأرشيمندريت يعقوب الرياشي، فكانت أبنتيه بغاية الإتقان، أما الكنيسة فبقيت على بنائها القديم منذ نشأتها مكتنفةً بدعائم متينة، وقد نقش فوق بابها الشرقي تاريخ بقلم الشيخ ناصيف اليازجي.٦
وفي أواخر سنة ١٩٠٥ كثرت الثلوج واشتد البرد ووقف القطار الحديدي أحد عشر يومًا، وقرص البرد في الجروم (السواحل) حتى إنَّ مياه نهر الكلب جمدت في صهاريجها، ومات كثيرون صردًا (دنقًا). وفي ٣ نيسان سنة ١٩٠٦ تجدد سقوط الثلج، ووقف القطار ثلاثة أيام وبقي البرد شديدًا إلى يوم عيد الفصح في ١٥ نيسان، وكان في تلك السنة زلزال سان فرانسيسكو وهياج البراكين. وفي ٨ تشرين الأول سنة ١٩٠٦ حفر أساس المستشفى الوطني في زحلة الذي أنشأته جمعية المحبة (دفن الموتى) الكاثوليكية. وفي ٢١ منه تلك السنة وضع أول حجر في أساس كنيسة السريان الكاثوليك في حوش الزراعنة. وفيها أنجزت أبنية الأنزال (اللوكندات) الجديدة الكبيرة بجوار عين الدويليبي على ضفة النهر الشمالية، فكانت من أفخم الأنزال وأتقنها وأجملها موقعًا وشيد أمامها الجسر الحديدي الجديد. وفي أوائل سنة ١٩٠٧ اشتد البرد والجمد وكثر الثلج ووقف القطار الحديدي، وبقي الجو مكدرًا إلى أواخر أيار. ومساء السبت في ١٨ أيار منها وصل تمثال البطريرك بطرس الرابع الجريجيري الكامل من الشبه (البرونز)، وهو هدية المهاجرين الزحليين في أميركة الشمالية والجنوبية، فنصب نهار الثلاثاء في ١٦ حزيران سنة ١٩٠٨ في باحة الدار الأسقفية على قاعدة من الرخام الجميل، وأرَّخ ذلك مؤلف هذا التاريخ بيتين،٧ وهذا التمثال قد سبك في ميلانو «إيطالية» علوه نحو مترين، وارتفاع قاعدته نحو مترٍ ونصف يمثله تمثيلًا بديعًا بحلته الكهنوتية وعلى رأسه «اللاطية»، وهو يبارك بيمناه وعصا الرعاية في يسراه. وفي صيف سنة ١٩٠٧ بدئ بجر مياه الزويتيني إلى أحياء زحلة، وعقدت الحكومة عهدًا بشروط معلومة بتاريخ ٧ نيسان سنة ١٣٢٣ مع الخواجات فرنسيس راهبه وولده وإسكندر أسعد جاويش، فدشن خزان (حاووز) الماء يوم الأحد في أول آب سنة ١٩٠٧ بحفلة حافلة. وأرخ ذلك عزتلو إلياس بك الباشا قائم مقام زحلة بأربعة أبياتٍ نُقشت على صدر الصهريج.٨ وفي ١٤ تشرين الثاني من تلك السنة «١٩٠٧» احترق السوق الجديد الذي بناه في زحلة سعادة الأمير قبلان أبي اللمع، فالتهمت النيران ستة دكاكين، وكانت الخسارة نحو خمسة آلاف ليرة، وفيها اشتد البرد وكثر الجمَد. وفي أوائل سنة ١٩٠٨ توالى سقوط الثلج بكثرة ووقف القطار. وفيها أسس الآباء اليسوعيون مرصدًا فلكيًّا في كساره (قرب زحلة إلى جنوبيها) على علو ٩٢٣ مترًا عن البحر، واشتهر هذا المرصد الذي حضرت آلاته على آخر طرز بدقة إرصاده وذلك لجفاف الجو وعدم التبخر وقلة الضباب، وهو بإدارة مؤسسه الأب برلوتي من ليون (فرنسة) ومن مشاهير الرياضيين، وفي كل شهر يرسل تقويمًا بأرصاده إلى جميع مراصد العالم. وفي صيف هذه السنة أسس «محفل زحلة» الاسكتلندي (نمرو ١٠٤٧) الماسوني.

وفي أول آب سنة ١٩٠٩ أنشأ فارس أفندي مشرق الشويري اللباني مع لجنة زحلية وطنية معرضًا عامًّا في زحلة إلى جنوبي نزل (لوكندة) عين الدوق، وقد جمع نفائس الصناعات الوطنية من فلسطين وسورية ولبنان، وتقاطر الناس إلى زحلة في ذلك الصيف وأقفلت أبوابه في أول تشرين الأول. وفي ٢٠ تشرين الأول سن ١٩٠٩ طاف نهر البردوني وأضر بالعقارات والأبنية وهدم بعض الجسور، وعاد السيل طاميًا في أواسط تشرين الثاني حتى خرَّت منه مرافض الأودية، وكثرت الخسارة في الأراضي التي جرفتها المياه والسيول. وفي صيف سنة ١٩١٠ أسس محفل «الحرية والاعتدال» العثماني الماسوني (نمرو ١٣)، وشاعت في زحلة المبادئ الماسونية.

وفي أواخر سنة ١٩١٠ وأوائل سنة ١٩١١ سقط ثلج كبير في أثناء أربعين يومًا متواصلة وتراكم على الأرض زمنًا طويلًا، وأوقف القطار كل تلك المدة بين بيروت ودمشق وضويقت زحلة، ولكن لم يحدث فيها غلاء مثل غيرها كحلب ودمشق وبعض المدن الأخرى. وفيها أنجزت الدار الأسقفية الكاثوليكية بعناية السيد كيرللس مغبغب، وفيها أنجز سيادة المطران جرمانوس شحاده أسقف زحلة الأرثوذكسي بناء الدار الأسقفية على طرز جميل متقن. وفي ربيع هذه السنة ١٩١٢ وصلت من نيويورك الساعة الدقاقة الكبيرة التي أهدتها السيدة نجلاء المطران الزحلية عقيلة قيصر أفندي الصباغ إلى الدار الأسقفية الكاثوليكية، وستنصب فيها قريبًا. وفيها باع الرهبان الحناويون الأرض الواقعة بين جسر عين الدويليبي وجسر الصلح، فابتاع المفوض البلدي منها محل الحديقة (المنشية)، وسيبدأ بترتيبها قريبًا. وفيها ابتدأ الرهبان المذكورون بتشييد نزل (لوكندة) من أفخم أنزال المدينة عظمًا وهندسةً وإتقانًا، وهو على ضفة النهر الجنوبية إلى غربي جسر عين الدويليبي ومقابل الأنزال الجديدة.

وفي أواخر نيسان وأوائل أيار منها حدثت عواصف وأنواء شديدة في كثير من جهات سورية وسقط ثلج وبرد؛ فأتلف الكروم والتوت، ولا سيما في زحلة والصرود و(الجرود) العالية وأضر بالزروع. وغرقت الباخرة تيتانيك الإنكليزية بصدمة جبل جمدي من القطب الشمالي، وغرق من ركابها نحو ألف وستمائة بينهم نقولا نصر الله من زحلة وسلم نحو ثمانيمائة بينهم السيدة أدال أرملة نقولا المذكور. وتيتانيك أعظم باخرة ونكبتها أعظم نكبة.

وقد تولَّى إدارة قائمية مقام زحلة منذ تنظيم المتصرفية إلى الآن كل من الأمير عبد الله أبي اللمع من فالوغة، وسليم الصوصه من دير القمر، وحنا زلزل من بكفيه بمدة متصرفية داود باشا الأرمني، وكان قائم المقام يسمَّى مديرًا إلى زمن ثالثهم حنا زلزل، فسمِّي قائم مقام وبقي ذلك إلى يومنا، ثم تولى فارس زلزل من بكفيه، وخليل الجاويش من دير القمر، والأمير مجيد شهاب من كفر شيمه بزمن فرنكو باشا، وحبيب العكاوي من دير القمر، وملحم الشميل من كفر شيمه بزمن رستم باشا، وإسكندر الحداد من جزين، والشيخ حبيب لطف الله من بطشيه، وإلياس بك الباشا من دير القمر بزمن واصه باشا، والشيخ حبيب لطف الله (ثانيةً)، وإلياس بك الباشا (ثانيةً)، وسليمان أفندي الجاهل من دير القمر بزمن نعوم باشا، والشيخ حبيب لطف الله (ثالثةً)، وإبراهيم بك أبي خاطر من زحلة، ثم سليمان أفندي الجاهل (ثانيةً) بزمن مظفر باشا، ثم إلياس بك الباشا (ثالثة)، وبطرس بك كرامة من دير القمر، وخليل بك مراد مسلم قائم المقام الحالي من زحلة بزمن صاحب الدولة يوسف باشا فرنكو المتصرف الحالي.

وكان في مديرية زحلة بمدة داود باشا مجلس مؤلف من حبيب بك العن من الروم الكاثوليك، وإبراهيم البحمدوني من الأرثوذكس، وناصيف جدعون من الموارنة، وعبد الوارث من المسلمين، وجميعهم من زحلة. وكان رئيس المجلس سليم الصوصه قائم المقام. ثم بعد أن صارت المديرية قائمية مقام صار القاضي في محكمتها جبران مشاقة من دير القمر، ثم نخله (مخايل) زلزل من بكفيه وجبران مشاقة (ثانيةً)، وملحم زلزل من بكفيه، ونخلة زلزل (ثانيةً)، وأسعد جبور المعلوف من كفر عقاب، والأمير مجيد شهاب (الذي كان قائم مقام)، وأسعد بك زلزل من بكفيه، وداود أفندي عيسى من دير القمر، والأمير مجيد شهاب (ثانيةً)، وإسكندر أفندي الجاويش من دير القمر، وسليم بك أسعد المعلوف من كفر عقاب أيضًا، ثم سليمان أفندي أبو خالد من زحلة وهو الرئيس الحالي.

ومعلوم أنَّ حكومة زحلة تؤلف الآن من قائم مقام ورئيس محكمة كاثوليكيين، وعضوين أرثوذكسي وماروني، وكتَّاب من الكاثوليك، وانتخابها الإداري هو خاص بها لا يشاركها فيه قضاء آخر. فقضاء زحلة ليس فيه مديرين ولا شيوخ صلح، فلهذا يكون انتخاب العضو الإداري فيه بأكثرية واحد وأربعين صوتًا توزَّع على حاراتها العشر هكذا: حارة الراسية سبعة أصوات، وحارة سيدة النجاة (المعالفة) ثلاثة، وحارة مار إلياس المخلصية (الضيعة) سبعة أصوات ستة منها يشترك بها معها حوش الأمراء وصوت للمسلمين، وحارتا مارانطونيوس والقديسة تقلا معًا ثلاثة، وحارتا مار مخايل ومارجرجس معًا أربعة، وحارة سيدة البربارة صوتان، وحارة الميدان صوتان، وحوش الزراعنة صوت، وجميعهم من الروم الكاثوليك، وأما الموارنة فستة أصوات، والأرثوذكسيون ستة أيضًا، وأصوات هاتين الطائفتين مشتركة في جميع الحارات، فلا يمكن حصرها في إحداها، فتوزع كل حارة أصواتها على مكلفيها؛ فيتراوح معدل الصوت غالبًا بين الثلاثين والأربعين مصوتًا من الحاضرين لا الغائبين، فيكون التصويت إفراديًّا، ويترجح الانتخاب لمن ينال واحدًا وعشرين صوتًا فما فوق، وقد انتخب للمجلس الإداري الكبير على هذه الطريقة في أثناء كل ست سنوات٩ كلٌّ من عبد الله أبي خاطر، فاستقال وخلفه عبد الله مسلم وسليم المطران، وناصيف غره، وإبراهيم باشا نعمان المعلوف، وإبراهيم بك عساف مسلم، ونعمان المعلوف، ويوسف بك البريدي العضو الحالي (ثلَّث)، ولهم جميعهم مشاريع مفيدة للبلدة لا تزال ناطقة بفضلهم، فسليم المطران أوصل طريق العربات من شتوره إلى زحلة وبنى جسر الصلح. وناصيف غرة أحال ثلث دخل قلم الحسبة إلى المفوض البلدي. وإبراهيم باشا المعلوف قرَّر الحدود بين ولاية سورية الجليلة ومتصرفية لبنان من جهة البقاع وبناء دار الحكومة الحالية، وأوصل طريق المعلقة إلى زحلة. ونعمان المعلوف أرجع لبلدية زحلة ٣٠ ألف غرش كانت موقوفة في صندوق النافعة من مال الفاعل (المكلف) لإصلاحات البلد، وبنى جسر الصفة، وسعى بجر المياه إلى زحلة، ثم زادت الشركة ثمن المتر مخالفةً لشروطها الأولية فأبى الزحليون، فغرَّمتهم الحكومة بقيمة ١٢٠٠ ليرة عثمانية تعويضًا على الشركة وتوقف العمل. ويوسف بك البريدي أحال ثلثي دخل الحسبة الباقيين في صندوق النافعة إلى المفوض البلدي، وبنى جسري عين الدويليبي والدباغة، وسعى بجلب مياه نبع الزويتيني إلى البلدة ووزع في أحيائها، ونال امتياز الكهربائية وسعى بإنشاء حديقتي البردوني والبيادر. ومما ينتقد في طريقة هذا الانتخاب تفشي الانقسامات والتحزبات إلى وقت طويل مما قد يفضي إلى العداوات الشديدة.

(٢) شئونها الدينية

نبغ من الزحليين عدد من رؤساء الأساقفة والأساقفة ورؤساء الرهبانيات العامين والمدبرين ورؤساء الأديار والمدارس والمؤلفين وغيرهم من أرباب التقوى التي عرف الزحليون بها منذ القديم. فممن نبغ منهم المطوبا الذكر السيد بطرس الرابع الجريجيري بطريرك أنطاكية وإسكندرية وأورشليم للروم الكاثوليك،١٠ المشهور بتقواه وغيرته ومعارفه الواسعة، والسيد غريغوريوس عطا رئيس أساقفة حمص وحماة ويبرود صاحب التآليف الكثيرة،١١ وسيادة الحبرين السيد أكليمنضوس المعلوف مطران بانياس وما يليها،١٢ والسيد بولس أبي مراد مطران دمياط، والنائب البطريركي في رومية، ثم في القدس الشريف لطائفة الروم الكاثوليك، والخوري مرتينوس المعلوف،١٣ والخوري ديمتريوس الجامد، والخوري باسيليوس صوايا، وحضرة الأرشيمندريت سليمان الشامي من رؤساء الرهبنية الباسيلية القانونية المعروفة بالشويرية، والخوري سليمان النمير، والخوري مخايل بشاره المعلوف١٤ اللذان تعاقبا في الرئاسة العامة على الرهبانية المخلصية منذ سنة ١٨٩٨.
والخوري مخايل مقصود الخطاط المشهور،١٥ والخوري بطرس القطيني وكيل المطران باسيليوس شاهيات،١٦ والخوري فيلبس النمير، والخوري جرجس عيسى، والآباء المدبرون ورؤساء الأديار أندراوس حجي، ومرقص القاصوف وبنادكتوس السرغاني، ومكاريوس الحاج نصر، ومخايل البركس، وجبرايل الوف، ويوسف الشامي، وفيلبس الصيقلي، والأخ حبيب مقصود اليسوعي وغيرهم، والأب لويس المعلوف١٧ اليسوعي مدير جريدة البشير ومؤلف معجم «المنجد»، والأرشيمندريت مخايل الوف صاحب المؤلفات المفيدة وجميعهم من طائفة الروم الكاثوليكيين. والإيكونوموس نقولا ظاهر المشهور بتقواه وغيرته الذي تولى نيابة أسقفية سلفكية (زحلة وصيدنايه ومعلوله) الأرثوذكسية نحو أربعين سنة، وتوفي في ١٩ آذار سنة ١٨٨٢م. والإيكونوموس نقولا الصفدي المعروف بإقدامه ونشاطه المتوفى منذ بضع سنوات. والقس لويس البعبداتي النائب البطريركي في رومية، والقس ملاتيوس نكد رئيس مأوى (أنطوش) القديس يوسف لرهبنته، وهما من الرهبنة الأنطونية المارونية وغيرهم من أدباء الكهنة. وقد أُصلح كثير من مقاماتها الدينية وكنائسها وأديارها لجميع الطوائف.

وأُسس فيها كثير من الأخويات والجمعيات الخيرية للطوائف الثلاث، مثل جمعية «بزوغ شمس الإحسان» الأرثوذكسية المؤَسسة سنة ١٨٨٤، وجمعية «شركة الإحسان» الكاثوليكية سنة ١٨٨٥. وجمعية «القديس منصور دي بول» في تلك الأثناء، وجمعية «الاتحاد الروحي» الأميركانية للشبان وجمعية «الخياطة»، التي أسستها المرحومة عقيلة وليم جسب لإعداد ثياب للفقراء وكلتاهما سنة ١٩٠٠، وجمعية المحبة «دفن الموتى» الكاثوليكية سنة ١٩٠٢، وجمعية «نصرة الفقير» الأرثوذكسية سنة ١٩٠٥، وجمعية «دفن الموتى» المارونية، وجمعية «بنات الشففة» الأرثوذكسية سنة ١٩٠٧، و«الجمعية الخيرية الإنجيلية» في تلك السنة أيضًا. وجمعية «جان درك» لراهبات قلبي يسوع ومريم اليسوعيات لإغاثة الفقراء منذ بضع سنوات، وقد أقامت هذه الجمعيات حفلات تمثيلية وخطابية في أوقات مختلفة، فضلًا عن بعض الجمعيات للنساء والذكور من جميع الطوائف مما لم يطل عهدها.

(٣) نهضتها الأدبية والعلمية

مدارسها

كانت زحلة في النصف الأول من القرن التاسع عشر الماضي تتنازع سكانها الحروب الأهلية والتحزبات، فشغلهم ذلك عن الميل إلى العلوم، وكانوا يتلقون مبادئها على بعض الرهبان ولا سيما الآباء اليسوعيين، ولكن لما أسس أحد أبنائها الخوري جرجس عيسى السكاف الراهب الحناوي المدرسة البطريركية في بيروت، وترأسها سنة ١٨٦٦، تنبه الزحليون بواسطة وطنيهم هذا إلى وجوب تلقن المعارف والعلوم، ثم ترأسها من الزحليين الخوري فيلبس النمير، وأدارها الخوري بطرس الجريجيري «البطريرك»، فشاع التعلم بين نفر قليل من سكانها، إلى أن أنشأ الخوري بطرس الجريجيري في ٢ كانون الأول سنة ١٨٦٧ المدرسة الفرنسية في زحلة، فتخرج على يده كثير من الشبان الذين كانوا يتمون علومهم في مدارس بيروت ولا سيما البطريركية منها، فكثر المتأدبون والمتخرجون باللغتين العربية والفرنسية وببعض العلوم. وسنة ١٨٨٧ أنشأ القس دال المرسل الأميركي بمساعدة رفيقه غرينلي مدرسة داخلية في زحلة بقيت سنة واحدة، وأهملت على أثر وفاة منشئها.

وسنة ١٨٨٩ أنشأ المطران جراسيموس يارد الأرثوذكسي مدرسة داخلية، ولم يطل عهدها أيضًا فطوي أمر المدارس الداخلية إلى أن استفزَّت الحمية الأدبية الرهبنية الحناوية الشويرية الكريمة فشيدت «الكلية الشرقية» على رابية في غربي المدينة بعناية سيادة رئيسها العام الإيكونوموس يوسف الكفوري ومدبرها، وقد هندسها ووقف على بنائها حضرة الأرشيمندريت يعقوب الرياشي أحد مدبري الرهبنة إذ ذاك، فكانت أبنيتها فخيمة اتفق عليها نحو عشرة آلاف ليرة وجهزت بالمعدات المتقنة وأرَّخها الشيخ إبراهيم اليازجي بأبيات نُقشت في صدر مدخلها،١٨ وأرَّخها مؤلف هذا التاريخ ببيتين ليُنقشا فوق بوابتها الشرقية الكبرى،١٩ وفتحت أبوابها للطلبة في أوائل تشرين الأول سنة ١٨٩٨، وتناوب رئاستها كل من حضرة مهندسها الأرشمندريت يعقوب الرياشي، فالخوري بولس الكفوري سنة ١٨٩٩، والأرشمندريت ساروفيم الشميل سنة ١٩٠٧، والأرشمندريت مخايل شمعة سنة ١٩٠٨، والخوري كرنيليوس الرياشي سنة ١٩٠٩، والأرشمندريت المدبر أرشيبوس الزرزور سنة ١٩١١، وكان مؤلف هذا التاريخ منذ أول إنشائها إلى الآن مدرِّس آداب العربية والخطابة لحلقاتها العليا، ودرَّس فيها مدة الرياضيات واللغة الإنكليزية، فتخرج في هذه المدرسة كثير من شبان زحلة وغيرها وكانوا في مقدمة المشتغلين بالأعمال المفيدة بنشاط وذكاء.

ومن مدارس زحلة مدرسة الدار الأسقفية الكاثوليكية للذكور وهي قديمة، خرَّجت كثيرين من الأدباء ولا سيما في رئاسة الجريجيري والأرشمندريت مخايل الوف، وهي اليوم راقية بعناية السيد كيرللس المغبغب الذي وسع نطاقها. ومنها مدارس الطائفة المارونية، ولا سيما مدرسة مار يوسف الأنطونية التي سعى بترقيتها الأب ملاتيوس نكد الزحلي المار ذكره، وقد سافر بالرخصة إلى أميركة لجمع الإحسان لتعزيزها، وكذلك مدرسة الآباء اليسوعيين من أقدم المدارس التي أفادت المدينة، وقد حولت منذ أعوام إلى نصف داخلية، ومدرسة الراهبات الداخلية للإناث، ومدرسة الإناث الأسقفية الخارجية الكاثوليكية ومدارس الأرثوذكس للذكور والإناث، وهي الآن بإدارة جمعية فلسطين الروسية، وكذلك مدارس الأميركان للذكور والإناث وأقدمها مدرسة البنات التي أسستها المس بوين طمسن في بيروت سنة ١٨٦٠، ونقلتها إلى زحلة سنة ١٨٦٥ وجميعها راقية مزهرة.

مكاتبها

كان في الدار الأسقفية الكاثوليكية وفي ديري مار إلياس (الطوق) الحناوي ومار إلياس (الضيعة) المخلصي، وفي دير الآباء اليسوعيين كتب مخطوطة نفيسة أُحرقت ونهبت في سنة ١٨٦٠، وبقاياها قليلة ليست بذات شأن، وأهم مكاتبها التي تجددت بعد ذلك:
  • (١)

    مكتبة الدار الأسقفية الكاثوليكية، وفيها نحو ألفي مجلد جددها السيد كيرللس مغبغب، ومعظمها في التاريخ الكنسي واللاهوت والعقائد باللغات اللاتينية والفرنسية والعربية وفيها بعض المخطوطات الدينية.

  • (٢)

    مكتبة الدار الأسقفية الأرثوذكسية، فيها نحو ألف مجلد بينها كثير باللغة الروسية، والباقي بالعربية واليونانية وفيها بعض المخطوطات الدينية.

  • (٣)

    مكتبة دير الآباء اليسوعيين، فيها نحو أربعة آلاف مجلد من المطبوعات في اللغات اللاتينية والفرنسية والعربية، ومخطوطاتها نُقلت إلى ديرهم في بيروت.

  • (٤)

    مكتبة دير النبي إلياس (الطوق)، فيها نحو ستمائة مجلد بينها كثير من المخطوطات الدينية، وفيها بعض شروح الأجرومية والتفتازاني ونحو ذلك.

  • (٥)

    مكتبة دير النبي إلياس المخلصي، ليست بذات شأن الآن؛ لأنها نُقلت إلى ديرهم الكبير.

  • (٦)

    مكتبة الكلية الشرقية، فيها نحو خمسمائة مجلد باللغات العربية والفرنسية والإنكليزية، بينها مخطوطات قليلة، ومن أهم مطبوعاتها «مجموعة الفنون العربية» مصورة ملونة في ثلاثة مجلدات ضخمة، ولها شرح إفرنسي بمجلد واحد.

  • (٧)

    مكتبة الموارنة في ديريهم مار أنطونيوس البلدي ومار يوسف الأنطونياني، وهي مطبوعات حديثة دينية.

  • (٨)

    مكتبة المرسلين الأميركان، فيها أكثر من ألفي مجلد معظمها بالإنكليزية والعربية، ولكن في مكتبة القس وليم جسب نزيل زحلة الآن قسم ذو شأن من مكتبة المرحوم والده هنري جسب، فيه مطبوعات عربية نادرة وبعض المخطوطات.

  • (٩)

    مكتبة الخوري فيلبس النمير الزحلي نحو خمسمائة مجلد معظمها باللغة النمسوية، وبينها بعض المخطوطات الدينية ومنها رحلته إلى النمسة في أربعة مجلدات، ولكنها فُقدت بفقده؟

  • (١٠)

    مكتبة فدعا المعلوف نحو ألف مجلد معظمها كتب تاريخية عربية من نوادر المطبوعات، وقد فُقدت أيضًا بفقده.

  • (١١)

    مكتبة عيسى إسكندر المعلوف مؤلف هذا التاريخ فيها نحو ألفي مجلد باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، وبينها كثير من نفائس المطبوعات. أما مخطوطاتها فنحو ثلاثمائة بينها كثير من النوادر مثل كتاب «جامع الفنون وسلوة المحزون» على نمط دائرة معارف عربية لابن شبيب الحرَّاني، و«الحكم» لأبي الليث السمرقندي، و«شرح قاضي زاده على الجغمين» في علم الفلك، وهي نسخة متقنة الخط والتصوير والحواشي، و«نزهة المحبين» لابن قيم الجوزية، و«مقالات القديس يوحنا الدمشقي» مصورة بالزيت و«ديوان ابن سنان الخفاجي» الحلبي إلى غير ذلك.

وفي زحلة بعض مكاتب خاصة قليلة العدد وحديثة المؤلفات؛ فضلًا عن مكتبة المقرأة (غرف القراءة) الأميركانية المجهزة بكثير من المؤلفات المطبوعة بين عربية وإنكليزية.

جمعياتها العلمية

«جمعية طلب المعارف» أسسها وترأسها الخوري بطرس الجريجيري (البطريرك) سنة ١٨٨٤ في الدار الأسقفية، وبقيت بضع سنوات وكانت تلقى فيها الخطب والمحاورات في مواضيع شتى. و«جمعية النهضة العلمية» أنشأها وترأسها مؤلف هذا التاريخ في «الكلية الشرقية» في ٦ آذار سنة ١٩٠٣ ولا يزال مترئسًا إياها إلى الآن، وهي تمرن الطلبة على الخطابة والمحاورات والإنشاء، وتبحث في جميع المواضيع متحاشية الدينية والسياسية منها، وقد ظهرت فائدتها في طلبة الكلية، ولها سجل يحتوي على قوانينها وجلساتها وجميع الخطب التي تتلى فيها في كل سنة، فُقد بعض أجزائه الأولى، ولهذه الجمعية فرع إفرنسي أيضًا.

صحافتها الأميركية

بدأت الصحافة الزحلية في المهجر، فأنشأ يوسف أفندي نعمان المعلوف جريدة «الأيام» السياسية الحرة نصف أسبوعية في تموز سنة ١٨٩٧م، وكان يعاونه بإنشائها ابن شقيقه جميل بك المعلوف وذلك في مدينة نيويورك، واقتنى لها مطبعة باسمها أيضًا، وكانت أول صحيفة انتقدت أعمال رجال حكومة عبد الحميد بجرأة وبقيت ثماني سنوات وعطلت، ونشرت إدارتها كتابي «خزانة الأيام في تراجم العظام»، و«العقد الثمين في أخبار أربعة سلاطين»، وهو المعروف بأسرار يلدز وهما مشهوران، وفي مطبعة الأيام نشرت جريدة «الإصلاح» لشبل أفندي دموس سنة ١٨٩٩، وعطلت بعد سنة ونصف، وكانت خطتها أشبه بالأيام. وسنة ١٨٩٩ نشر قيصر بك المعلوف جريدة «البرازيل» السياسية الأسبوعية في مدينة سان باولو (البرازيل)، فبقيت أربع سنوات تخدم المهاجرين والحكومة العثمانية وعطلت. وسنة ١٩٠٧ أنشأت «جمعية الشبان الزحليين» في لورنس ماس من أميركة الشمالية جريدة «الوفاء» أسبوعية، وحررها يوسف أفندي مراد الخوري من عبيه (لبنان)، وعطلت بعد نحو سنتين.

صحافتها المصرية

أنشأ نقولا أفندي شحاده الزحلي جريدة «الرائد المصري» السياسية سنة ١٨٩٦، وهي نصف أسبوعية خدمت المصالح العثمانية والمصرية نحو تسع سنوات وأوقفت مؤقتًا. وأنشأ حضرة الأرشمندريت باسيليوس الحاج نقولا الراهب الشويري مجلة «الكائنات» نحو سنة ١٩٠٨، وهي شهرية فلسفية.

صحافتها الوطنية

  • (١)
    المهذب: أنشأ مؤلف هذا التاريخ جريدة «المهذب» لطلبة آداب العربية والبيان في الكلية «الشرقية» تمرينًا لهم على صناعة الإنشاء، وطبعت على الهلام (الجلاتين) فوصلت أجزاؤها إلى أميركة، ورأى بعضها سليم أفندي سركيس في نيويورك، فأعجبته مواضيعها واستفزته الحمية العربية، ففتح اكتتابًا لمشتري مطبعة لها، ثم تبرعت السيدة نجلا المطران الزحلية عقيلة قيصر أفندي الصباغ بمطبعة يدوية صغيرة أرسلت إلى الكلية الشرقية، فسعى الأب بولس الكفوري رئيسها إذ ذاك بتحصيل امتياز «المهذب» سنة ١٩٠٧، وتولى تحريرها منشئها مؤلف هذا التاريخ، ثم استقل الأب بولس الكفوري بالجريدة والمطبعة، وحرر جريدة المهذب كثير من أدبائنا، ولا تزال إلى الآن تُنشر في زحلة. وقد أصدر لها ملحقًا مدة ونشرها مؤخرًا نصف أسبوعية.
  • (٢)
    زحلة: نال امتياز هذه الجريدة سعيد بك حجي سنة ١٩٠٧ ولم ينشرها.
  • (٣)
    العصر: نال امتيازه نجيب أفندي ملحم المشعلاني ولم ينشره.
  • (٤)
    الرأي العام: نال امتيازه إبراهيم بك أبو خاطر ولم ينشره.
  • (٥)
    البردوني: لإسكندر أفندي الرياشي، وهو جريدة أسبوعية نُشرت في ٢٣ حزيران سنة ١٩١٠، ثم عُطلت في آخر سنة ١٩١١.
  • (٦)
    زحلة الفتاة: نال امتيازها إبراهيم أفندي الراعي بشركة بشاره أفندي خليل قريطم المدير المسئول ومدير المطبعة وشكري أفندي البخاش المحرر، فظهر أول عدد منها في ٣ كانون الأول سنة ١٩١٠، وهي الآن نصف أسبوعية، ولا تزال سائرة على قدم النجاح.
  • (٧)
    مجلة الآثار: وهي أول مجلة علمية في زحلة لمنشئها عيسى إسكندر المعلوف مؤلف «تاريخ زحلة» نال امتيازها مع مطبعة باسمها في شهر حزيران سنة ١٩١٠، ونشر أول جزء منها في تموز؛ أي بعد شهر.
  • (٨)
    الخواطر الزحلية: لصاحب امتيازها إبراهيم بك أبي خاطر ظهر أول جزء أسبوعي منها في أواخر كانون الثاني سنة ١٩١٢، وفي شهر نيسان الماضي صارت نصف أسبوعية. وجميعها راقية.

مطابعها

في زحلة مطبعة «المهذب» ومطبعة «زحلة الفتاة» ومطبعة «الخواطر»، وجميعها مجهزة بالمعدات اللازمة، تطبع جميع ما يطلب منها من المؤلفات والمجلات والجرائد والأدوات التجارية. أما المطابع التي لم تفتح حتى الآن، فهي مطبعة «زحلة» ومطبعة «العصر» ومطبعة «الآثار».

أطباؤها وصيدليوها

حصرت الطبابة قديمًا بالكهنة كما أشرنا إلى ذلك في ما مضى، وأقدم طبيب جاء زحلة أبو سليمان خليل الصليبي، ثم المعلم جرجس والسنيور الإيطالي، وتخرج على هؤلاء بعض الزحليين مثل أبي فرح يوسف المعلوف وأخيه عبد الله، وإبراهيم أبي سليمان، وجرجس الخوري، وعبد الله قادري، وأسعد أفندي فاضل ويوسف أفندي الزمار، وعرف بيت الصفدي الزحليون بمداواة الجراح والقروح. ثم كان أول من درس الطب قانونيًّا يوسف القطيني المعلوف وإلياس الزمار في مدرسة قصر العيني بمصر، ثم سليم أفندي فرح المعلوف في الكلية الأميركية في بيروت وجاء زحلة سنة ١٨٧١، ثم توالى بعده الأطباء مثل أمين بك أبي خاطر من كلية الأمير كان نزيل القاهرة وحبيب أفندي جبور وأمين يوسف عطا في قصر العيني، ثم مخايل مسلم ويوسف أفندي أبو سليمان وإسكندر أفندي الزين ويوسف أفندي جريصاتي وعزيز أفندي شحاده من طلبة الكلية الأميركانية، وميشال بك بريدي وميشال أفندي حجي ونجيب أفندي السكاف من طلبة المكتب الطبي الإفرنسي في بيروت، وهم مشهورون ببراعتهم، وفي أميركة أطباء زحليون منهم إبراهيم القطيني المعلوف.

أما الصيدلية فكان قدماء الأطباء يركبون الأدوية بيدهم، وأقدم صيدلية أنشأها الدكتور يوسف القطيني المعلوف، ثم موسى الجريصاتي وهي بإدارة ولده ملحم أفندي الآن وجرجس أفندي الخوري المعلوف، ويوسف أفندي قادري وهذه وقفت، ومخايل أبو سليمان وهي بإدارة أخيه جبران أفندي الآن، ونجيب أفندي مسلم وهي الآن بإدارة يوسف أفندي أبي حاتم، وصيدلية نجيب أفندي نكد ووديع أفندي بريدي ويوسف أفندي حريز.

(٤) عمرانها

معلوم أنَّ أخص أسباب العمران الزراعة والصناعة والتجارة، فزراعة زحلة ضيقة النطاق محصورة «بالكروم» يعصرون منها الخمر ويستقطرون الكحول (العرق)، وعنبها ممتاز وزبيبها فاخر أيضًا و«بالتوت» الذي يربى عليه دود الحرير، ومعظمه في البساتين قرب حوش الأمراء وضواحيه. أما بعض أغنيائها فلهم عقارات واسعة في بلاد بعلبك والبقاع وهي ذات ريع وافر.

وصناعتها القديمة «النسج» حتى كان جميع سكانها يشتغلون به. وقد أميتت هذه الصناعة على عهد إبراهيم باشا المصري، و«الحدادة» ويتبعها سبك الحديد أيضًا، وقد اشتهر بهما بنو الجريصاتي، ولا سيما أحدهم عازار الذي تفوق بعمل المسنونات كالفئوس والسكك للحراثة وبالأجراس الحديدية التي تنسب الأسرة إليها، واشتهر ولداه فرج وعبد الله الجريصاتي وهذا مشهور الآن بأعماله الدقيقة فيها فهو يعمل أنواع القسطاس «القبان» والمضخمات «الطلمبات» وجميع الأدوات والإصلاحات، وعنده آلات إفرنجية يستعين بها على عمله. ومن مشاهير الحدادين غيرهم في القديم بنو أبي زيان، وهم فرع من بني الحداد وأسعد خليل الصيقلي، والآن عبيد الشامي وأولاده وعبد الله طنوس التبشراني وأولاده، وبراعة كل منهم بما خصَّ به من الأعمال.

والقيانة (القردحة) واشتهر بها حنا مخايل عطا (والد الطيب الذكر المطران غريغوريوس) وموسى ابن شقيقه إبراهيم وتفوَّق موسى بالقيانة، وقد أثنى على براعته المرحوم المستر هنري جسب في كتابه الإنكليزي «خمسون سنة في سورية» ٢ : ٤١٧. وذكر أنه نال جائزة في معرض لندن الذي قدم له بعض مصنوعاته ولن تزال هذه الصناعة في أسرته إلى يومنا، ومن مشاهير قيونهم الآن أسعد بن حبيب بن موسى المذكور، وهو منذ زمن طويل يشتغل في مدينة حلب، وله براعة ذات شأن، وأمين بن سليم بن موسى، وهو في زحلة وله أعمال متقنة، وقد انحطت هذه الصناعة الآن.

و«الصياغة» ومن أقدم المشتغلين بها أسطون خرينق وشقيقه عبده، ثم حنا وعبد الله مسعد، وحنا إلياس الصائغ وولداه منصور (طبيب الأسنان الآن) وعازر، ويوسف خليل الجبلي وأولاده، ثم تفوق في هذه الصناعة أسعد الدويليبي وولداه نجيب ومخايل وابن شقيقه عزيز غالب الدويليبي، ونالوا شهرة واسعة بجميع أنواع المصوغات والمجوهرات، وأحرزوا شهادة في معرض الشوير اللبناني، ومن البارعين بالصياغة سليم بالش ونايف الطباع وغيرهما.

و«الدباغة» ومن أقدم المشتغلين بها بنو الأبرص وريا وحافظ على الطريقة البسيطة، وأول من أدخل إليها الدباغة الإفرنجية هو إبراهيم زيدان القاصوف الذي ذهب إلى الأستانة وأثينة وعاد متفوقًا فيها، فأسس معملًا سنة ١٨٧٩، هو الآن بإدارة شقيقه حبيب وولده خليل، وهو بغاية الإتقان يُدبغ فيه الساتنه وغيره، ومن أهم المعامل أيضًا معمل عيد سابا فرح وأولاد نقولا سابا، وسليمان الأبرص، وحبيب غنطوس وغيرهم.

و«البناء» وكان أولًا باللبن وبعد سنة ١٨٦٠ جاء كل من طنوس أبي نادر صوايا وحنا أبي ليلى صوايا من الشوير فعمرا البيوت والكنائس بالحجر، فالثاني عاد إلى الشوير والأول بقي في زحلة، واشتهر بعده ولداه أسعد ونعوم ولا سيما راجي بن أسعد. ومن مشاهير بنائي زحلة القدماء والحديثين موسى البريدي وولداه عبد الله ونعمان ونقولا القرعوني وابن عمه مخول وخليل الطباع وإبراهيم فرج حريز وغيرهم.

و«النجارة» لم تكن هذه الصناعة متقنة كثيرًا في القديم، ومن البارعين فيها إذ ذاك أبو عساف جرجس أبو زيان ويوسف المعقر، وسنة ١٩٠٠ أنشئ معمل الخواجات مخايل وإبراهيم أبي عفش لجميع أنواع النجارة الإفرنجية (الموبيليا)، مما تحتاج إليه البيوت على الطرز الحديث، وكان الفضل في إنشائه لأحدهم المرحوم إبراهيم الذي توفي سنة ١٩٠٦، وبعد وفاته اشترك شقيقه مع صهره الخواجة يوسف الحمصي، وصار المعمل باسم عفش وحمصي وعملته نحو أربعين وصناعته متقنة كل الإتقان.

«عصر الخمر واستقطار العرق» كان أبو موسى إلياس الخياط وإلياس رابيه أول من استقطرا العرق وعصرا النبيذ الفاخر، وكانا ينقلان ذلك إلى العساكر الفرنسية المخيمة في عكاء، ويبيعانه لهم في مطلع القرن التاسع عشر. ثم أتقن ذلك موسى بن إلياس الخياط المذكور على يد الأخ بوناتشينا اليسوعي الذي قتل سنة ١٨٦٠ كما مر، ولن يزال بنوه يعملون الصنفين إلى يومنا، وقد ذكرت دائرة المعارف العربية جودة العرق الزحلي في الجزء العاشر صفحة ١٩٩، وزحلة تصدر الآن إلى الولايات العثمانية نحو ألف قنطار عرق في السنة وهو مورد ذو شأن، وأنشئت له معامل منذ القديم منها معمل حبيب أبي صيبعه وولده فارس ومراد داود ويوسف المعقَّر وحبيب سرور وبني الخياط ويوسف الراسي وجرجس غنطوس، وبعضها يحضِّر المشاريب الإفرنجية كالكنياك وغيره.

ومن صناعات زحلة المفيدة «نسج البسط المنقوشة والعباءات» (العبي) الصوفية بحرير مقصب، وأول من عملها أبو مخول الحمصي وولده مخول ثم أبطلت. وعمل اللبد (اللباد) والسروج والجلالات وغيرها مما لم نتوفق إلى معرفة شيء من تأريخها، وقد فصلنا أشياء كثيرة من هذا القبيل في كتابنا «دواني القطوف» صفحة ١١٩.

إنَّ تجارة زحلة الوطنية أهمها جلب الأغنام والحنطة والصوف والسوس، فضلًا عن الاتجار بالبضائع والأصناف الأخرى، وقد امتدت علاقاتها بزمن الطيبيي الذكر المطران أغناطيوس العجوري والمطران باسيليوس شاهيات إلى حلب، واتصلت إلى أرض روم وبقية البلاد السورية. أما الآن فانحطت تجارتها ببعض الأصناف المذكورة لكثرة المزاحمين وللمهاجرة، وقد اشتهر الزحليون بأسفارهم البعيدة وتحملهم المشاق.

أما تجارتهم في المهجر فهي راقية في هذه الأيام، وقلما يذكر التجار السوريون في عواصم ومدن أميركة الشمالية والجنوبية وأوسترالية والترنسڤال ومصر، ولا يكون بين مشاهيرهم الزحليون وهم كثيرون.

إلى غير ذلك مما لا محل الآن لتفصيله بعد أن امتد بنا نفس الكلام إلى هذا الحد، وتقاضانا محبو المطالعة إنجاز هذا التأريخ رغبةً في مطالعته وتشوُّفًا للوقوف على مباحثه مما لم ينشر بعد عن هذه المدينة المحبوبة.

هوامش

(١) من أراد أن يقف على أصول معظم الأسر الزحلية وفروعها ومناشئها، فليراجع كتابنا «دواني القطوف» المطبوع. أو «الأخبار المروية في الأُسر الشرقية» الممثل بالطبع.
(٢) ساس هذا الأسقف كرسيه مدة ثماني وعشرين سنة وشيد الدار الأسقفية ثم رممها بعد إحراقها سنة ١٨٦٠، ورتب الأكليروس الأسقفي وأوقاف الكرسي، وكان مقدامًا غيورًا حدثت في أيامه معظم حوادث لبنان وأرسل النمير ومقحط إلى أوروبة لجمع الإحسان، فعادا في أول حزيران سنة ١٨٦٤، وبعد وفاته فرغ الكرسي الأسقفي ثلاث سنوات. وسنة ١٨٦٦ نقل السيد أمبروسيوس عبده الحلبي من نيابة الكرسي الأورشليمي إلى أسقفية زحلة بعد أن أقام فيها وكيلًا مدة، وكان عالمًا له ستة مصنفات دينية بين مطبوعة ومخطوطة، وفي هذه السنة أنشأ مدرسة للغات في زحلة، ومكاتب في القرى. وفي أواخر سنة ١٨٧٥ استقال برضاه، وعاد إلى أورشليم، وتوفي فيها. وفي أوائل سنة ١٨٧٦ سيم السيد ملاتيوس الفكاك الدمشقي أسقفًا لزحلة، وبقي فيها إلى ١٢ آب سنة ١٨٨١، فنقل إلى كرسي بيروت ولبنان، وتوفي في صيف سنة ١٩٠٤، وكان مشهورًا ببلاغة وعظه وغيرته وفي صيف سنة ١٨٨١ سيم السيد أغناطيوس ملوك الزحلي خلفًا له على كرسي زحلة، واشتهر بتقواه وطيب سريرته، وتوفي في ٢٦ شباط سنة ١٨٩٨. وفي ٢٨ أيار سنة ١٨٩٩ سيم السيد كيرللس المغبغب اللبناني خلفًا له في بك أوغلي (الأستانة)، وجاء زحلة بعد عشرين يومًا، وهو مشهور بتضلعه من اللغات الكثيرة والعلوم الكنسية والعقائد الدينية مقدامًا جريئًا تقيًّا، وبعد أربع سنوات؛ أي سنة ١٩٠٢ بدأ بترميم الدار الأسقفية وسافر إلى أوروبة وأميركة فبقي نحو أربع سنوات جمع فيها مساعدات مالية لكرسيه، ونال حفاوة كبيرة في ديار الهجرة، وكتبت الجرائد الأجنبية مقالات شائقة عنه وعاد في صيف سنة ١٩٠٧م، ورقي نائبه الأب أندراوس مقصود إلى رتبة أكسرخوس، وسنة ١٩١١ تمت الدار الأسقفية بجميع معداتها، وهي على أجمل هندسة وأبدع طرز أرخها مؤلف هذا التاريخ بقوله:
لأسقفنا المغبغب خير وعظ
به عقل الرعية قد أنارا
أقام مَدارسًا وصروح علمٍ
تزيد الدين والعلم انتشارا
فتنشدنا تواريخ ترجَّى
بزحلة شيد المطران دارا
وكان قد أتم بناء مدرسة سيدة البشارة للبنات في شمالي الكاتدرائية الكبرى سنة ١٩٠٩، فأرخها مؤلف هذا الكتاب ببيتين نُقشا على مدخلها الغربي وحسَّن المدارس والكنائس، ولن يزال دائبًا في نجاح الرعية.
(٣) وإذ ذاك أُبطل مجلس الإدارة ومجلس الجزاء ونُصب في كل قائمية مقام قاضٍ من أكبر طائفة عددًا فيه وأقيم نائب من الطائفة التي بعدها في العدد، وكاتب ممن بعد هذه أيضًا. ونحو سنة ١٨٧٧م أبدلت كلمة «القاضي» «بالنائب»، وكلمة «النائب» لمن يليها «بالمعاون».
(٤) هو الخوري جرجس عيسى السكاف من زحلة وأسرته فرع من أصل بني الحاج شاهين، التي أصلها من كفر بهم قرب حماه ومن أقرب أُسر زحلة والخوري جرجس هذا، هو إلياس بن إبراهيم السكاف ولد نحو سنة ١٨٢٧م، ودخل الرهبنة الحناوية سنة ١٨٤٥م، وسيم كاهنًا سنة ١٨٥٧، وصار قاضيًا في لبنان على عهد قائمية مقام النصارى سنة ١٨٥٩، وسنة ١٨٦١ سافر إلى أرلندة (بريطانية) وبقي ست سنوات وجمع مالًا وافرًا صرف معظمه في تأسيس المدرسة البطريركية في بيروت وناظر بناءها، وأكمل معداتها وترأسها منذ تأسيسها بضع سنوات، وخلفه في الرئاسة الخوري فيلبس النمير، والبطريرك بطرس الرابع الجريجيري وكلاهما من موطنه زحلة. ثم صار وكيلًا للمطران أغابيوس الرياشي في بيروت وله أيادٍ بيضاء على الطائفة فيها، وبقي يخدمها بغيرة إلى أن توفي بالهواء الأصفر في ٨ آب سنة ١٨٧٥، وله بعض المؤلفات الدينية وكتاب مواعظه مخطوط بيده في مكتبة سيادة تلميذه المطران أغابيوس المعلوف أسقف بعلبك وديوان شعر مخطوط بيده أيضًا له نسختان؛ إحداهما في مكتبة سيادته، والثانية في مكتبة مؤلف تاريخ زحلة الذي وضع لهذا الأب ترجمة مطولة في مجلة المشرق ٩ : ٤٩٤ و٥٤١، وكان تقيًّا غيورًا وفقيهًا بارعًا وشاعرًا رقيقًا. نظم تواريخ لطيفة لدور بعض الزحليين ولحمَّامها ودرس العربية على الشيخ ناصيف اليازجي والفقه على الشيخ يوسف الأسير.
(٥) وهو قوله:
مقام لقسط الحكم فام فأصبحت
به زحلة الغناء مشهورة الفضل
أفاء عليه الله من آي عدله
بعبد الحميد المرتضى السابغ الظل
يحدث عن آلاء واصا وزيره
كما حدث الروض النضير عن الوبل
فإن رمت رسم الحق فيه مؤرخًا
فقل دام مبناه على صخرة العدل
(٦) وهو قوله كما في ديوانه المطبوع وذلك بتاريخ سنة ١٧٧٣م:
زوروا حمى بيعةٍ كالنجم طالعةٍ
قد شيدت باسم إيليا الغيور هنا
في بابها لاح تأريخ يقول له
يا حي كن شافعًا يوم القضاء بنا
(٧) وهما قوله:
إن فات زحلة أن تضم بقلبها
جسد الشهير بحبه الوطني
نالت بيوم أرخته نصبها
تمثال بطرسنا الجريجيري
(٨) وهي قوله:
في عصر من يرد الظمآن مورده
غوث البرية سلطان السلاطين
عبد الحميد الذي تجري عدالته
كالكوثر العذب في روض الرياحين
وعهد يوسف باشا من بحكمته
قد ساس لبنان بالإنصاف واللين
بشر ربوعًا بتاريخ لزحلة ما
تدفق الماءُ من نبع الزويتيني
(٩) كان انتخاب مجلس الإدارة لأول عهد المتصرفية سنة ١٨٦١ / ١٢٧٧ يجري بحضور المتصرف وبمعرفة رؤساء الطوائف الست عن كل طائفة عضوان وبقي ذلك أكثر من ثلاث سنوات، ثم فوض الانتخاب إلى شيوخ الصلح في القرى، وبقي ذلك إلى يومنا، ففي كل سنتين يقترع لانتخاب ثلث الأعضاء الذين يكونون اثني عشر عضوًا (راجع كتاب «الهدية الوطنية» لجرجي أفندي تامر صفحة ٢٧٣).
(١٠) هو بشاره بن نعمة الجريجيري، ولد في زحلة في ١٨ آب سنة ١٨٤٠، وتلقى العلوم الابتدائية في وطنه، ومال إلى التقوى، فسامه سنة ١٨٦٢ المطران باسيليوس شاهيات كاهنًا باسم بطرس في كاتدرائية بيروت، ثم رافق الأب ميخائيل اليسوعي في سفرته الطويلة في بلاد العرب والعراق، فكابد مشاق كثيرة، وعاد بعد سنة إلى بيروت، وأتم دروسه الدينية والفرنسية في مدرسة اليسوعيين في بيروت وغزير. وسنة ١٨٦٦ أدار المدرسة البطريركية في بيروت، وعاون وطنيه الخوري جرجس عيسى رئيسها ومؤسسها، وعاد سنة ١٨٧١ إلى زحلة ورقى مدارسها. وسنة ١٨٧٤ سافر إلى بلوا (فرنسة)، وأتم في كليتها علومه العالية، واشتهر بمواعظه البليغة وطاف أوروبة، وعاد إلى زحلة وعمَّم مدارسها، وعزم على إنشاء مدرسة كلية فيها، فلم يتوفق إلى ذلك. وسنة ١٨٨٦ سيم مطرانًا على بانياس، وهناك ظهرت مواهبه، واستدر الإحسانات بمساعيه حتى اقتنى عقارات كثيرة للكرسي ذات ريع وافر، وبنى الدار الأسقفية الفسيحة والكاتدرائية، وشيَّد ميتم مدرسة القصير الزراعية، وجمع إليها بعض الأيتام، وأسس كثيرًا من المدارس والكنائس في القرى. وسنة ١٨٩٨ رقي إلى المنصب البطريركي الذي خدمه بغيرة ونشاط، ولكن لم يفسح له في الأجل لتتم فيه مساعيه الكبيرة التي كان ينويها. وقد نال حفاوة كبيرة في طوافه سنة ١٩٠٠ في الأستانة العلية وأوروبة ومصر، فكان مظهر الإكرام والإعجاب بمواهبه السامية وإقدامه وبلاغته وتقواه، كما يستفاد من رسالة «الرحلة البطريركية» التي نشرها الأرشيمندريت ميخائيل الوف. وعاد إلى بيروت حيث استأثرت به رحمة ربه في ٢٤ نيسان سنة ١٩٠٢م، وجرى له مأتم حافل لم يسبق مثله في بلادنا، ومن أراد تفصيل أعماله وما اشتهر به فليراجع كتاب «التحفة الملية في التهانئ البطريركية» المطبوع في ٢٣٢ صفحة، وكتاب «شعاع الفضائل» المطبوع في ٢٣٠ صفحة. وكان أول من اقترح إقامة تمثال له في زحلة قيصر بك المعلوف صاحب جريدة (البرازيل) إذ ذاك، كما في «شعاع الفضائل» صفحة ١٧١، وتمثاله الآن في زحلة — رحمه الله — عداد حسناته.
(١١) هو ميخائيل بن حنا عطا، وُلد في زحلة سنة ١٨١٥م، وانتظم في سلك أكليرس المطران أغناطيوس العجوري، واتصل بالطيب الذكر البطريرك مكسيموس مظلوم الشهير، وتلقى عليه بعض العلوم الدينية ورافقه إلى مصر حيث سامه قسًّا باسمه سنة ١٨٣٧، وبعد سنة سامه السيد باسيليوس شاهيات كاهنًا في دمشق، وعُين نائبًا بطريركيًّا فيها فنال حظوة لدى إبراهيم باشا المصري ورجاله، ولا سيما حنا بك البحري وبطرس كرامه الحمصيين، وقد خدم الطائفة بغيرة ونشاط وسنة ١٨٤٩ سيم مطرانًا على كرسي حمص وحماة ويبرود وبقي يديره بإخلاص فشيد الكنائس وأنشأ المدارس وسافر إلى أوروبة ومصر ونال إكرامًا فيهما، وسنة ١٨٦٣ طبع شجرة تاريخ من تأليفه فيها تسعة عشر غصنًا تفرعت منها الحوادث الدينية والمدنية على أسلوب جميل، وسنة ١٨٧٣ ألف رسالة «سلسلة البراهين» في تاريخ بطاركة أنطاكية، وسنة ١٨٧٤ وضع «مختصر تاريخ طائفة الروم الكاثوليكيين»، وهو الذي طبعه شاكر البتلوني في بيروت. ومن مؤلفاته «تاريخ زحلة» و«تاريخ حمص» وهما الآن مفقودان، وله غير ذلك من المؤلفات المفيدة وقد أقيم له يوبيل أسقفي حافل في يبرود كما نشر وصف ذلك في رسالة ضمنت وصف الحفلة والهدايا والتهانئ وبقي دائبًا في خدمة الدين والتاريخ إلى أن انتقل إلى رحمته تعالى في دمشق سنة ١٨٩٩ أثابه الله، وقد أرَّخ مؤلف هذا الكتاب وفاته بقوله من أبيات:
فعاش زها تسعين عامًا مجاهدًا
بوزناته حتى ملاها من الكسبِ
وقام بأعباء الرئاسة دائبًا
بخدمتها في نصف قرن بلا كربِ
فسقيًا لذكرى في التواريخ أفردت
وطوبى لأبرار يموتون بالربِّ
(١٢) راجع ترجمته في «دواني القطوف» صفحة ٦٨٥.
(١٣) راجع ترجمته في «الدواني» صفحة ٥٣٥.
(١٤) راجع ترجمته في «الدواني» صفحة ٥٤٠.
(١٥) كان من كهنة المطران باسيليوس جبله، وبعد وفاته استقدمه السيد مكسيموس مظلوم مطران حلب إليها فخدم الطائفة فيها بإخلاص، ولما سافر مظلوم إلى أوروبة استقدمه كاهنًا لكنيسة القديس نيقولاوس التي شيدها في مرسيلية سنة ١٨٢٢ وبقي يخدم الأنفس بغيرة إلى أن توفي فيها سنة ١٨٣٩ وله منسوخات بخطه الجميل وكان مشهورًا بتقواه وذكائه.
(١٦) راجع ترجمته في «الدواني» صفحة ٣٢١.
(١٧) راجع ترجمته في «الدواني» صفحة ٤٧١.
(١٨) وهي:
لرهبنة الشوير عميم فضلٍ
يفوح ثناه في عُجم وعُرب
بنت للعلم مدرسة أضاءت
بأنوار المعارف كل لبِّ
هي الشرقية انبلجت كشمس
بزحلة تنجلي من غير حجب
ولكن نورها ما زال يزهو
لدى التاريخ في شرق وغرب
(١٩) وهما:
بنى رهبان يوحنا مقرًّا
على أس التقى والعلم قرَّا
فيكفيهم مقال مؤرخيه
بزحلة شيدوا للعلم ذكرى

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤