الصحافة … والأدب

«ليتني أجعلك تحب الكتب أكثر مما تحب أمك، وليت في استطاعتي أن أظهر جمالها أمام وجهك، فالكتابة أعظم حرفة في الوجود.»

من تعاليم الحكيم الفرعوني خيتي داووف

۱

ربما اعتبر بعض الأدباء من الصحفيين وصف أساليبهم بأنها صحفية، نوعًا من تهوين القيمة الأدبية. والحق أن همنجواي كان يعتز بهذه الصفة، فأسلوبه بسيط. وكان يعتز بأنه تعلَّم من الصحافة: الموضوعية، والإيجاز، والوضوح. مع ذلك، فإن قارئ الأدب يختلف عن قارئ الجريدة. قارئ القصيدة والقصة والرواية يختلف عن قارئ الحادثة والتحقيق الصحفي. وإذا كان قارئ الأدب يقرأ — غالبًا — معظم ما تحويه الجريدة من مواد، فإن قارئ الجريدة يكتفي بالنظرة العابرة إلى المواد الأدبية، أو لا يلتفت إليها.

سُئِل أرسكين كالدويل: هل العمل في الصحافة يساعد أو يعوق كتابة القصة القصيرة؟

أجاب: لا أعرف شخصًا واحدًا أضرَّ به التمرين على الكتابة من أي نوع. إن الصحافة، فضلًا عن أنها تفيد في التمرين الدائب على الكتابة، فإنها تساعد أيضًا على تكوين عادة الكتابة كل يوم. إن انتظار الوحي عذر قلَّما تجده لدى المؤلفين الذين تمرَّسوا بالصحافة.

وحتى الآن، فإن جارثيا ماركيث يحرص على العمل في الصحافة، ذلك لأن الصحافة — في تقديره — تحميه، وتحرسه، وتجعله متصلًا بالعالم الحقيقي. كانت الخبرات الصحفية — باعتراف ماركيث — وراء العديد من أعماله الروائية، مثل «قصة غريق»، «حكاية موت معلن»، «نبأ اختطاف»، بل إن رائعته «خريف البطريرك» استلهمها من تغطيته لوقائع محاكمة شعبية لجنرال أمريكي لاتيني اتُّهِم في جرائم حرب.

تمنيت — منذ الصبا — أن تقتصر حياتي على كتابة القصة، لا تشغلني شواغل أخرى من أي نوع. لكن الأمنية ظلَّت في إطارها لم تجاوزه. لا بد — لكي أكتب — أن آكل وأقرأ وأسكن في شقة، وأمتلك قلمًا وورقًا. ولا بد — لتحقيق ذلك كله — أن أحصل على مالٍ، وحتى أحصل على مالٍ، فإنه يجب أن أعمل. وكان وقت العمل — الذي لم أحبه دائمًا — هو المتَّهَم دومًا في السطو على الوقت الذي تمنيت أن يكون خالصًا للإبداع.

تبلورت خططي القريبة في ضرورة أن أظل في عملي بالصحافة، باعتبارها المهنة الأقرب إلى الكتابة الأدبية، وأن أحصل منها على موردٍ يتيح لي تلبية احتياجات العيش، فلا أنشغل بأعمال أخرى تنتسِب إلى الكتابة، لكنها قد تصرفني عن القراءة والكتابة، وأن ألزم نفسي بنظام صارم — مَثَلي فيه أستاذنا نجيب محفوظ — يحرص على الجهد والوقت. وأخيرًا، أن يكون لي بيت زوجية، فلا تواجه مشاعري العاطفية ولا الحسية ما يمكن أن أسمِّيه بالتسيُّب. وهو الأمر الذي كاد يضيع مستقبلي جميعًا، في الفترة القصيرة التي أمضيتها في بنسيون شارع فهمي، أول قدومي إلى القاهرة. وهو ما سأحدِّثك عنه في أوراق أخرى.

أذكر أني مارست في العمل الصحفي جميع أنواع الكتابة؛ كتبت الخبر والتحقيق والمقال والدراسة. أهب كلَّ نوع ما يحتاجه من مفردات لغوية وصياغة وتقنية، باعتبار القارئ الذي أتجه إليه فيما أكتب. وبالتأكيد، فإن قارئ التحقيق الصحفي يختلف عن كاتب المقال الأدبي، واللغة القصصية تختلف عن لغة الصحافة. أتاحت لي الصحافة أن أكتب في كل الظروف، لا أطلب الإضاءة الباهرة، أو الخافتة، ولا الموسيقى الخافتة، وعلَّمتني إلقاء الأسئلة، واتصال التقليب في المصادر والمراجع، وإهمال التعبيرات التي لا معنى لها، ومخاطبة قراء ينتمون إلى مستويات ثقافية مختلفة. كما يسَّرت لي الصحافة سبل اقتناء الكتب التي تعجز مواردي عن شرائها جميعًا. فأنا أكتب في صفحة أدبية، في هذه الصفحة باب للكتب، فأنا أكتب عن كل كتاب يهديه صاحبه — أو ناشره — للجريدة، ثم أحتفظ به لنفسي، وفي بريدي اليومي نصوص أدبية ما بين شعر وقصة ودراسات، تطلب النشر في الجريدة، وهو ما يجعلني في حالة تواصل مع الكتابات الجديدة. وأتاحت لي الصحافة مجالات ربما لم أكن أستطيع أن أقترب منها في الوظيفة العادية. سافرت إلى مدن وقرى داخل مصر وخارجها، والتقيت بشخصيات تمتد من قاعدة الهرم الاجتماعي إلى قمَّته، وبثقافات متباينة، وإن لم يتح لي عملي في الصحافة امتيازًا من أي نوع. كانت جيرتي للشيخ بيصار شيخ الأزهر الأسبق، ولوزيرٍ سابق لا أذكر اسمه، مبعث اعتزازي بأني أجاور ناسًا مهمِّين في غياب أصدقاء من السلطة. وحتى لا أبدو في موضع سيئ الحظ، فإني أعترف بحرصي على الوقوف في الطابور، فضلًا على عدم ميلي إلى مصادقة السلطة، حتى لو تمثَّلت في اكتفائي باجترار صداقات أتيح لطرفها المقابل بلوغ مراكز متفوقة في السلطة. وكان عملي الصحفي، الحياة في الصحافة، الأحداث والشخصيات التي تعرَّفت — بواسطتها — إليها، وراء العديد من أعمالي الروائية، بداية من «الأسوار» — روايتي الأولى — وانتهاء ﺑ «زوينة»، مرورًا ﺑ «النظر إلى أسفل» و«بوح الأسرار» و«الخليج» وغيرها، بل إن الصحفي هو الشخصية الرئيسة في هذه الأعمال.

٢

قد ترضى الصحافة بالكاتب قاصًّا أو روائيًّا أو شاعرًا في بعض الأحيان، لكنها تريده صحفيًّا في كل الأحيان. إنها تريده كاتب مقال أو تحقيق أو خبر … إلخ. مما يتفق مع وطبيعة العمل الصحفي الذي يُعَد الأدب — في تقدير القيادات الصحفية — جزءًا هامشيًّا فيه. أصارحك بأني نشرت روايتي «قلعة الجبل» في الجريدة التي أعمل بها. نقلت المسودات على الآلة الكاتبة، وصوَّرتها، ونشرتها في جريدتي، فلم أتقاض في ذلك كله مليمًا واحدًا، في حين أن الزميل الذي يسبق الآخرين بخبرٍ في بضعة أسطر، يتقاضى مكافأة تبلغ عشرات الجنيهات! وهو ما يعكس نظرة غريبة إلى العمل الأدبي، وقيمته ضمن مواد العمل الصحفي.

وكما يقول كونديرا، فإن التفكير الصحفي تفكير سريع، ولا يسمح بالتفكير الحقيقي، كما أن تصوُّره للعالم في غاية التبسيط.

أما تشيخوف — الذي عمل بالكتابة الصحفية زمنًا — فهو يقول: «أن يكون المرء صحفيًّا، معناه — على أحسن تقدير — أن يكون وغدًا.» وقيل إن الصحفي يكتب للنسيان، أما الأديب فيكتب للذكرى.

٣

الفن — الرواية والقصة على وجه التحديد — عالمي الذي أوثره بكل الود. أتمنى أن أخلص لهما — تجربة وقراءة ومحاولات للإبداع — دون أن تشغلني اهتمامات مغايرة. لكن الإبداع في بلادنا لا يؤكل عيشًا. ربما أتاحت رواية وحيدة في الغرب لكاتبها أن يقضي بقية حياته «مستورًا»، أن يسافر ويعايش ويتأمل ويقرأ ويخلو إلى قلمه وأوراقه دون خشية من الغد، وما يضمره من احتمالات. لكن المقابل المحدد والمحدود الذي يتقاضاه المبدع في بلادنا ثمنًا لعمله الأدبي يجعل التفرغ فنيًّا أمنية مستحيلة! من هنا كان اختياري — الأدق: لجوئي — إلى الصحافة؛ فهي الأقرب إلى قدرات الأديب واهتماماته، وهمومه أيضًا.

كانت قيمة الخبر — أذكِّرك بأن الفترة هي مطالع الستينيات — خمسة قروش. أما التحقيق أو الحوار فيصل إلى خمسين قرشًا. تسجَّل المواد المنشورة في دفاتر ضخمة، أشبه بدفاتر الصادر والوارد، وتُجمَع في نهاية كل شهر، ليتقرر — من مجموعها — مبلغ المكافأة الذي يتقاضاه كل محرر. وكان يتولى عبء التسجيل في «الجمهورية» الزميل الراحل جلال السيد. أما كمال الجويلي في «المساء» فإنه كان يسجِّل المواد المنشورة يومًا، ويهمل التسجيل أيامًا، ويعتمد في نهاية كل شهر على تقديره الشخصي، وكان على الدوام تقديرًا متسامحًا وسخيًّا.

ومع أن من لا حقوق له، لا مسئوليات عليه، فإني تحمَّلت الكثير من المسئوليات دون أن أتمتع بحقٍّ واحدٍ!

كنت أعمل بنصيحة أرسكين كالدويل: «ليس كل الكُتَّاب الذين تُنشَر أعمالهم محترفين. أعمال كثيرة جيدة كتبها كُتَّاب تحيط بهم ظروف قاسية، كالعمل البيتي كل يوم، أو الذهاب إلى العمل خمسة أو ستة أيام في الأسبوع. الكتابة، كهواية جمع الطوابع أو الصيد، من الممكن أن تكون هواية ممتعة، وقليل من جامعي الطوابع أو هواة الصيد يتركون أعمالهم.»

ومع تحفظي على «الصورة» فإني أوافق على المعنى. فليست الكتابة مجرد هواية ممتعة كجمع الطوابع أو الصيد، إنها أمر يجاوز ذلك تمامًا في أهميته وخطورته.

كنت أتذكر المازني العظيم وهو يجد في كل ما يصادفه مادة صحفية، بينما الفن — وحده — شاغله. كتبت فيما أعرفه، واستعنت بالقراءة ومحاولة الفهم والاقتراب المباشر في ما لم أكن أعرفه، ووجدت في حياتي الصحفية — أحيانًا — ما يغري بعملٍ أدبي — روايتي «الأسوار» مثلًا، وروايتي «بوح الأسرار» — لكن الأدب — على الرغم مني — ظل تزجية فراغ، أحاول الكتابة إذا وجدت في أسوار الصحافة منفذًا.

أذكر كذلك قول المازني لأحد الأدباء الذين عابوا عليه وفرة كتاباته: «ستقول إن المازني كان بالأمس خيرًا منه اليوم، وإنه ترك زمرة الأدباء، وانضم إلى زمرة الصحفيين، وإنه يكتب في كل مكان، ويكتب في كل شيء، حتى أصبح تاجر مقالات، تهمُّه ملاحقة السوق أكثر مما تهمُّه جودة البضاعة … أليس كذلك؟ ولكن لا تنس أن الأديب في بلدكم مجبر على أن يسلك هذا السبيل ليكسب عيشه وعيش أولاده، وليستطيع أن يحيا حياة كريمة تشعره بأنه إنسان» (الرسالة، العدد ٨٤٢).

لذلك منيت النفس وأنا أرحب — متحسرًا — بالسفر إلى سلطنة عمان للإشراف على إصدار جريدة أسبوعية — تحوَّلت إلى يومية فيما بعد — بأن أدَّخر في الغربة ما يعينني على الإخلاص للفن وحده، لكن الأمنية ظلَّت في إطارها، لا تجاوزه. وكان لا بد أن أكتب في موضوعات تقترب من الفن أو تبعد عنه. وحتى لا أفقد ذاتي في سراديب مجهولة النهاية، فقد فضَّلت أن تكون محاولاتي أقرب إلى ما يشغلني في الفن، وفي الحياة عمومًا. وبصوتٍ هامسٍ ما أمكن فإن مصر — الموطن واللحظة والماضي والمستقبل — هي الشخصية الأهم في كل محاولاتي الإبداعية. ذلك ما أحرص عليه، وما لاحظه حتى القارئ العادي. تعمدت أن تكون مصر: تاريخها، وطبيعتها، وناسها، ومعاناتها، وطموحاتها، نبض كتاباتي جميعًا. ما اتصل منها بالصحافة، وما لم يتصل، ما اقترب من الأدب وما لم يقترب. وكانت حصيلة ذلك كله — كما تعرف — عشرات الدراسات والمقالات التي تتناول شئونًا وشجونًا مصرية بدءًا من كتابي «مصر في قصص كُتَّابها المعاصرين» مرورًا ﺑ «مصر من يريدها بسوء» و«قراءة في شخصيات مصرية» و«مصر المكان» … إلخ، وانتهاء بما قد يسعفني العمر بإنجازه.

٤

أذكر السؤال الذي وجَّهه أحد تلامذة ريلكه إليه. قال التلميذ: ماذا يمثِّل الفن لديك؟ قال ريلكه: قُم من نومك ليلًا، وألقِ على نفسك السؤال: هل إذا حجبت عني فرصة الإبداع أموت؟ فإذا جاءت الإجابة نعم، اعلم أنه ليس أمامك إلا السير في طريق الفن، ولا تعبأ بشيء!

وقد أعلن بيكسيريكور (١٧٧٣–١٨٤٤م) يومًا «إنما أكتب لمن لا يقرءون»، ذلك لأن ميلودراماته الفاقعة كانت تهدف إلى مخاطبة نوعيات تكتفي بالمشاهدة، ولا تقرأ. أما أنا فقد كنت موقنًا بأني أكتب لغير أحد على الإطلاق … فجريدتي كانت بلا قارئ. حتى الآلاف الذين كانت تسجلهم أرقام مبيعاتها لم يكونوا قرَّاء منتظمين. كانوا «طيَّاري» ينادون على بائع الصحف إذا صعد إلى الأوتوبيس أو الترام أو المترو، أو إذا دفع بالجريدة من نافذة السيارة … ولكن هؤلاء القرَّاء لم يكونوا يشعرون بغياب «المساء» إن لم ينشره البائع أمام أعينهم! تلك كانت مشكلة «المساء»؛ جريدة بلا قارئ، ومع هذا، فقد ظللت أعاني — لأعوام — قلة فرص النشر فيها!

٥

ذلك الوضع الغريب الذي يجعل من الصحافة تابعة، فهي لا بد أن تصدر بتصريح، وأن يصدرها أحد الأحزاب القائمة، أو من خلال شركة مساهمة وفق قواعد تصعِّب الأمور، إلى حد الاستحالة، أو تحصل على ترخيص من خارج مصر، فهي تُعامَل معاملة الصحف الأجنبية، وقد لا يُسمَح لها بدخول البلاد.

كان عام ١٩٥١م أزهى الأعوام في تاريخ الصحافة المصرية، حين صدر العديد من الصحف التي تعبِّر عن وجهات نظر متباينة، وتخاطب القراء في اهتماماتهم ومستوياتهم الثقافية، ولم يكن الأمر يحتاج إلا إلى أفكار وكتابات ومطبعة.

الإعلام في توجهاته الصحيحة يحمل الثقافة إلى المجتمع الذي يخاطبه، هذه نقطة اشتباك مهمة، وضرورية.

فإذا تحوَّلت الصحافة إلى نشرات دعائية أو مبتزة، فإنها تتحوَّل إلى شيء لا صلة له بالثقافة، إنما هي أقرب إلى أنشطة المافيا التي يبرأ منها المثقف والإنسان العادي في آن.

المفروض أن العاملين في الصحافة هم من المثقفين، لذلك فإني أتصور أنه لو حدث توتُّر من أي نوع، فسيكون بين الصحافة التي يحررها مثقفون، وبين السلطة. ولأن الثقافة سلوك وليست مجرد معرفة، فإني لا أغفل هؤلاء الذين لا يعبِّرون عن الضمير الجمعي للوطن الذي يحيون فيه، وأرجو أن يكون المعنى واضحًا.

إن محرري الصحف هم من المثقفين، وإذا كان البعض قد انشغل بقضايا لا تهمُّ الجماعة المصرية، فذلك استثناء وليس قاعدة.

أنا لا أتصور أن الممارسة الاستبدادية تأتي من المثقفين ضد أنفسهم في الصحف التي يتولَّوْن تحريرها.

والحق أن الصحافة بالنسبة لمجتمعات العالم الثالث — ونحن ننتمي إليه — تستطيع — بل يجدر بها — أداء دور تثقيفي مهم في ظل ارتفاع أسعار الكتاب، وتدني مبيعاته بالتالي، وغلبة التفاهة على برامج الإعلام. لكن الجوقة الإعلامية — فيما أرى — تقوِّض الأسهل. وإذا كانت السينما ترفع شعار «الجمهور عاوز كده»، فإني أخشى أن هذا هو شعار الإعلام أيضًا … ولا يخفى أن الكثير من صُحُفنا تلعب على الثالوث المثير: الدين، الجنس، السياسة، باعتباره الوسيلة المؤكدة لتحقيق أفضل توزيع.

٦

ثمة عوامل قد تحُول بين الصحافة الأدبية، والدور الذي ينبغي أن تنهض به … فهي لا بد أن تراعي الغالبية من قرائها، بالاقتصار على مقالات التعريف النقدي، القليلة الصفحات، أو القليلة الأسطر، وعلى التحقيقات الساخنة وأخبار الأدب والأدباء.

وبالنسبة للصحف المتخصصة، فعددها أقل من أن يستوعب الحركة الثقافية في بلادنا، بكل ما فيها من مواهب إبداعية ونقدية ودراسات للإنسانيات المختلفة — بارك الله في مسئولي النشر الذين تدين لهم حياتنا الثقافية بفضل الإيقاف المتواصل لكل المجلات المتخصصة — وليرحم الله «الفكر المعاصر» و«عالَم الكتاب» و«المجلة» و«الكاتب» و«تراث الإنسانية»، ومجلات أخرى كثيرة تعجز الذاكرة عن حصرها.

٧

الشللية! الشللية! الشللية!

إنها المرض الذي استفحل في حياتنا الأدبية في الأعوام الأخيرة. أنت تنشر لي، وأنا أنشر لك … أنت تكتب عني، وأنا أكتب عنك … لا يهم المستوى، ولا الحصول على فرصٍ في النشر وفي التقويم النقدي ربما سواه أجدر بها منه. المهم هو تبادل المنافع والمصالح المشتركة والتربيط وجبر الخواطر. وللأسف، فإن العدوى قد شملت مؤسسات ثقافية عديدة، ومنها الجامعات ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية … وليرحمنا الله!

٨

الآن، فإني أنظر ورائي أحيانًا، وأسأل نفسي: كيف استطعت أن أحيا، ولا أفقد نفسي خلال أعوام طويلة قضيتُها في تلك الغابة الجميلة القاسية المتوحشة المسمَّاة: الحياة الصحفية؟! كيف استطعت الحفاظ على تماسُكي ومُثُلي العليا؟ كيف أفلحت في الابتعاد عن المعارك الشريرة، والإفلات بخسائر — أحمد الله أنها لم تكن فادحة — من «الزنب» و«المهاميز» والمؤامرات التي لا تنتهي؟

(٢٠٠٢م)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤