الفصل التاسع عشر

غياب ويدون

سارت حياة أبيض الناب مع سيده الجديد في دعة وسكون، فلم يكن يتعرض للضرب، وكانت هناك وفرة في الطعام وكثير من الكلمات الرقيقة. مع ذلك استغرق أبيض الناب وقتًا طويلًا حتى يتكيف مع تلك الحياة؛ إذ استمر في التكشير عن أنيابه في وجه غيره من الكلاب، وظل قلقًا من الأيادي التي تقترب منه أكثر مما يلزم. مع ذلك لم يحدث قط أن نفد صبر سيده بسبب ذلك، ورويدًا رويدًا تعلم أبيض الناب أن يتقبل هذه الحياة الجديدة، ومع أنه لم يكن يهز ذيله أو يعوي في فرح عند مجيء ويدون، فقد كان يعبر عن حبه بطرق أخرى، وحتى إن كان مات هو من يطعمه، فقد كان ولاؤه لويدون فقط.

أعاد مات أبيض الناب إلى العمل في جر المزلجة، وقد أحب الذئب جر المزلجة وكان يبذل قصارى جهده في ذلك سعيدًا به أيما سعادة. في كل يوم كان الفريق يتحرك من أجل إحضار بعض المؤن أو تفقد المنطقة، وكان هذا العمل أسهل بكثير من العمل مع جراي بيفر، فقد كانت المسافات التي يقطعونها أقصر، وكانت الأحمال كذلك أخف من ذي قبل. وقد أجاد العمل مع الكلاب الأخرى، لكنه كان ينأى بنفسه عن الاقتراب منها. وفي ذلك الوقت، لم تكن هناك أي معارك، فما كان مات ليسمح بذلك؛ إذ كان يباعد بين الحيوانات التي تُقدِم على العراك.

في صباح أحد الأيام، رحل ويدون على مزلجته، وكانت قد جرت عادته على قضاء النهار في العمل في مكان آخر، ولذلك لم يشعر أبيض الناب بالقلق. لكن هذه المرة لم يعد ويدون في المساء، واستمر اختفاؤه صباح اليوم التالي، ولم تبدُ على الرجل الثاني أي علامة للانزعاج. كان مات يقوم على تشغيل الكلاب كما هي العادة، فكان يصحبها إلى المدينة لإحضار المؤن ثم يعود. مع ذلك أخذ قلق أبيض الناب يتزايد مع مرور الوقت.

بعد أن ظل ويدون مختفيًا عدة أيام، رفض أبيض الناب أن يتناول الطعام، وجلس في شرفة الكوخ وشرع في الأنين. ضرب برجله على الباب الأمامي للكوخ عسى أن يفتح له سيده، لكنه لم يكن هناك. بدأ إحساس عدم الثقة المألوف لدى أبيض الناب يراوده ثانيةً. كان سيده قد اختفى، وشعر الذئب بالإهمال.

ساور مات القلق حول صحة الذئب فأدخله الكوخ، وكتب خطابًا إلى ويدون يخبره فيه عن أبيض الناب: «الذئب ممتنع عن العمل وعن تناول الطعام، ويريد أن يعرف أين أنت.»

استلقى أبيض الناب على الأرض بالقرب من الموقد دون أن يلتفت إلى الطعام أو إلى مات. حاول مات أن يتحدث إليه حديثًا رقيقًا، لكن لم يكن لذلك جدوى، إذ كان يريد ويدون.

وفي ساعة متأخرة في إحدى الليالي، فزع مات لصوت نحيب خفيض يصدر عن أبيض الناب الذي وقف على أقدامه أخيرًا. كانت أذنا الذئب قد انتصبتا للأمام ناحية الباب، وبعد دقيقة، كان هناك وقع أقدام في الشرفة. انفتح الباب، وإذا بويدون يقف أمامهما.

قال ويدون: «أين الذئب!»

كان أبيض الناب واقفًا بالقرب من الموقد، لكنه لم يندفع إلى الأمام كما فعلت الكلاب الأخرى، بل وقف في مكانه يراقب وينتظر.

قال مات: «يا إلهي، انظر إليه يهز ذيله الآن.»

عندها عبر ويدون الغرفة، ونزل على ركبتيه أمام ذئبه، وأخذ يمسح بيده فوق فروه بينما يهِرُّ الذئب بصوت خفيض.

بعد ذلك دفع أبيض الناب رأسه إلى الأمام فجأة، ووقف بين ذراعي سيده. أحاط ويدون بذراعيه الذئب الذي ظل يداعبه ويركن إلى حضنه.

كان أبيض الناب يتغير، فكان يتعلم أشياء تفعلها الكلاب الأخرى عفويًّا، كأن يهز ذيله ويحيي سيده عند الباب ويركن إلى حضنه؛ أي إنه كان يتعلم الحب.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤