الفصل الثاني

قصة الصياد والجني

الليلة الخامسة

في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاءً يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وقال الملك: «لتكن قصة الصياد.» فأجابت شهرزاد: «كما تشاءان.»

•••

يُحكى أنه كان هناك صياد عجوز للغاية، له زوجة وثلاث بنات. وكانوا فقراء للغاية حتى إنه لم يكن لديهم ما يكفيهم من الطعام كل يوم. كان هذا الصياد يلقي بشبكته في المياه أربع مرات يوميًّا.

وفي أحد الأيام، والقمر لا يزال في السماء، والنهار لم يطلع بعد، خرج الصياد متجاوزًا أطراف المدينة وصولًا إلى شاطئ البحر، ثم خاض في الماء، وألقى بشبكته، وانتظر حتى غاصت. وجمع الحبل، وبدأ في سحب الشبكة، وشعر أنها تزداد ثقلًا حتى أصبح غير قادر على سحبها أكثر من ذلك. فخلع ملابسه وغطس في الماء، سابحًا تحت الشبكة، وأخذ يهزها ويجرها حتى جلبها أخيرًا إلى الشاطئ.

ذهب الصياد لفتح الشبكة، والسعادة تغمره. لكنه عندما فعل، لم يجد سوى جرة كبيرة فارغة. فحزن الصياد بعد كل هذا العمل، وقال: «يا له من صيد غريب!»

صلى الصياد لربه، ونظف شبكته وأصلحها، ونشرها لتجف، ثم خاض في الماء مرة أخرى وألقى بها ثانيةً. علقت الشبكة مرة أخرى، وكان عليه أن يغوص في الماء ليحررها. وعندما سحبها إلى الشاطئ، ونظر بداخلها، ملأت الدموع عينيه. لم يكن في الشبكة سوى لوح خشبي متعفن. فصاح: «هذا أغرب يوم شهدته عيناي!»

بسط الصياد شبكته مرة أخرى لتجف، ودعا ربه ثانيةً. وعندما جفت، ألقاها مرة ثالثة، وانتظر حتى غاصت. وعندما رفعها هذه المرة، لم يجد بداخلها سوى صخور وزجاجات مكسورة. فأخذ يبكي حظه السيئ.

رفع الصياد عينيه إلى السماء، وقال: «يا إلهي، أنت تعلم أنني ألقي بشبكتي في المياه أربع مرات فقط كل يوم، وقد ألقيتها ثلاث مرات بالفعل، ولم تعد هناك سوى محاولة واحدة. فاجعل البحر يساعدني يا إلهي!»

ألقى الصياد شبكته في الماء للمرة الرابعة، وشاهدها وهي تغوص. وعندما سحبها، لم تتحرك. فأخذ يهزها، واكتشف أنها معلقة في القاع. مرة أخرى، غاص في الماء، وعمل فترة طويلة على هزها حتى حررها وسحبها إلى الشاطئ. كان هناك شيء ثقيل بداخلها. وعندما فتحها، رأى جرة نحاسية بسدادة في طرفها.

سعِد الصياد، وقال لنفسه: «سأبيعها في السوق، فهي تساوي بالتأكيد مبلغًا كبيرًا من المال.» وحاول تحريك الجرة، لكنها كانت ثقيلة للغاية حتى إنه لم يتمكن من زحزحتها. فقرر نزع السدادة، وإخراج محتويات الجرة. وتمكن أخيرًا من نزعها باستخدام سكينه، ثم أمال الجرة على الأرض وهزها، لكن لم يخرج منها شيء، فأصابته دهشة بالغة.

لكن بعد برهة تصاعدت سحابة كبيرة من الدخان، وأخذت تزداد حجمًا حتى أخفت ضوء النهار. واستمر الدخان في التصاعد من الجرة، ثم تجمع وتشّكل حتى تجسد أمامه جني قدماه على الأرض ورأسه تناطح السحاب. كانت رأسه تشبه القلعة، وفمه كالكهف، وأسنانه أنياب مهيبة.

عندما رآه الصياد، ارتعد من الرعب، وتوقف فكه عن الحركة، وجف فمه.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مذهلة!» فردت شهرزاد: «ليلة غد، سأروي لكما شيئًا أكثر تشويقًا، هذا إن بقيتُ حية.»

الليلة السادسة

في الليلة التالية، قالت دينارزاد لأختها: «رجاءً يا أختاه، إذا لم يكن النوم يغالبك، فاروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والصياد.» فردت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الصياد سأل الجني: «أيها الجني، لماذا توجد في هذه الجرة؟» فأجاب الجني: «ابتهج!» سأله الصياد: «ولماذا أبتهج؟» فأضاف الجني: «ابتهج لأنك على وشك أن تُقتل.»

عبس الصياد عند سماعه ذلك، وقال: «لماذا ترغب في قتلي وأنا أعدتك إلى هذا العالم؟»

فأجاب الجني: «تمن أمنية!» سعِد الصياد ثانيةً، وقال: «ماذا أتمنى؟» فأجاب الجني: «أخبرني كيف تود أن تموت.»

سأل الصياد: «هل هذا جزاء تحريري لك من الجرة؟» فأجاب الجني: «لتسمع قصتي، أيها الصياد. لقد أغضبتُ الرب، فوضعني في هذه الجرة النحاسية، وأحكم غلقها، وألقى بي في البحر. وظللت هناك مائتي عام، وأنا أفكر: «أي شخص سيحررني، سأجعله غنيًّا.» لكن مرت الأعوام المئتان، ولم يحررني أحد. وعندما دخلت في المائة عام التالية، قطعت على نفسي عهدًا بأن: «أي شخص سينقذني، سأجعله ملكًا وأمنحه ثلاث أمنيات كل يوم.» لكن هذه الأعوام المائة انقضت، وأعوام أخرى كثيرة حتى الآن، ولم يحررني أحد. فغضبت غضبًا عارمًا، ودمدمت لنفسي قائلًا: «من الآن فصاعدًا، أي شخص سيحررني، سأجعله يختار بنفسه كيف يموت.» وبعد فترة وجيزة، ظهرت أنت وحررتني، لذلك أخبرني كيف تود أن تموت.»

عندما سمع الصياد ما قاله الجني، رد عليه قائلًا: «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. أبعد كل هذه السنوات، ولحظي السيئ، أحررك الآن. أعتقني، وسيعفو عنك الله. أما إذا قضيت عليّ، فسيقضي عليك الله.» فكرر الجني قوله: «أخبرني كيف تود أن تموت.»

أيقن الصياد الآن أنه سيموت، فبكى، وقال: «أبنائي، ربي لا تفرق بيني وبينهم.» واستدار ثانيةً للجني وقال: «بالله عليك، أعتقني جزاءً لي على تحريري لك من هذه الجرة.» فأجاب الجني: «موتك هو جزاء إنقاذك لي.»

فكر الصياد بعد ذلك مع نفسه: «إنه ليس سوى جني، وأنا بشر. أنا أكثر ذكاءً منه.» ثم سأله: «هل تعدني بالإجابة عن سؤال واحد قبل أن تقتلني؟» فأجاب الجني: «اسأل.»

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارَن بما سأرويه ليلة غد.»

الليلة السابعة

في الليلة التالية، قالت دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا واحدة من قصصك الممتعة.» وأضاف الملك: «لتكن نهاية قصة الجني والصياد.» فأجابت شهرزاد: «على الرحب والسعة!»

•••

بلغني — أيها الملك — أن الصياد قال للجني: «بالله عليك، أخبرني هل كنت حقًّا داخل هذه الجرة.» فأجاب الجني: «أقسم بالله أنني كنت حبيس هذه الجرة.» قال الصياد: «أنت تكذب، فهذه الجرة ليست كبيرة بما يكفي لتسع إحدى يديك. فكيف تسع جسمك بأكمله؟» فرد الجني: «ألا تصدق أنني كنت بداخلها؟» قال الصياد: «نعم، لا أصدق.»

فانتفض الجني وتحول إلى دخان تصاعد وامتد فوق البحر وانتشر فوق الأرض، ثم تجمع وبدأ يدخل في الجرة. وعندما اختفى الدخان، صاح الجني من الداخل: «يا صياد، أتصدقني الآن؟»

أمسك الصياد السدادة على الفور، وثبتها بإحكام في فتحة الجرة، ثم صاح: «والآن، أيها الجني، أخبرني كيف تود أنت أن تموت، لأنني سألقيك في هذا البحر، وأقيم منزلًا هنا على الشاطئ، وأحذر كل صياد يمر بالمكان من الجني الذي سيخيره بشأن كيفية موته.»

أدرك الجني أن الصياد خدعه، وقال: «أيها الصياد، لا تفعل ذلك بي، لقد كنت أمزح معك فقط.»

فرد الصياد: «إنك لأكثر الجن دناءة وخسة.» ثم بدأ يدحرج الجرة ناحية البحر. صاح الجني: «لا! لا!» لكن الصياد أجاب: «نعم! نعم!»

وأخيرًا، طلب الجني بصوت رقيق: «أيها الصياد، إذا فتحت الجرة، فسأجعلك غنيًّا.» فرد الصياد: «أنت تكذب، وسأعاقبك بإلقاء هذه الجرة في قاع البحر!»

صاح الجني: «يا صياد، لا تفعل! حررني هذه المرة، وأتعهد بألا أزعجك أو أمسك بأذى أبدًا، ولكنني سأجعلك غنيًّا.» عندما سمع الصياد ذلك، جعل الجني يتعهد أمام الله أنه إذا حرره وأطلق سراحه، فلن يؤذيه ولكن سيجعله غنيًّا.

بعد أن قطع الجني هذا العهد على نفسه، فتح الصياد الجرة، وبدأ الدخان في التصاعد ثانيةً. وعندما برز الجني، ركل الجرة بعيدًا لتطير في الهواء وتصل إلى منتصف البحر. وعندما رأى الصياد ذلك، أيقن أنه سيموت قريبًا. لكنه صاح: «أيها الجني، لقد تعهدت أمام الله. فلا تغدر بي، وإلا فسيهلكك الله.»

ضحك الجني عندما سمع ما قاله الصياد، ورد: «أيها الصياد، اتبعني.» وتبعه الصياد حتى وصلا إلى جبل خارج المدينة، فتسلقاه إلى الجانب الآخر ووصلا إلى غابة. وفي منتصف الغابة، كانت هناك بحيرة محاطة بأربعة تلال.

نظر الصياد إلى البحيرة متعجبًا حيث امتلأت بأسماك متعددة الألوان. وطلب الجني من الصياد أن يلقي بشبكته. ففعل، ثم سحبها وبها أربع سمكات: «واحدة بيضاء، وأخرى حمراء، وثالثة زرقاء، ورابعة صفراء.»

قال له الجني: «والآن، خذ هذه الأسماك إلى ملك مدينتك، وسوف يمنحك ما يكفي لجعلك غنيًّا. لكن لا تصطد هنا أكثر من مرة واحدة في اليوم.» ثم ركل الجني الأرض، فانشقت وبلعته كاملًا.

وفعل الصياد — يا سيدي الملك — كما أخبره الجني، وباع السمك مقابل مبلغ مناسب من المال. وأصبح يذهب كل يوم إلى البحيرة الغامضة، ويصطاد كل يوم أربع سمكات — بيضاء وحمراء وزرقاء وصفراء — ثم يبيعها للملك. ومنذ ذلك الحين، لم يمر يوم على زوجته وأبنائه بلا طعام. ونعموا جميعًا بسعادة غامرة، وأخذ الصياد يحصي النِعم التي أُنعم عليه بها من اليوم الذي التقى فيه الجني الرهيب.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «أختاه، يا لها من قصة غريبة ومذهلة!» فردت شهرزاد: «إنها لا تقارَن بالقصة التي سأرويها غدًا، هذا إن بقيتُ على قيد الحياة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤