الفصل الرابع

قصة الدرويش الأول

تقدم بعد ذلك الدرويش الأول وقال: يا سيدتي، إن سبب فقداني لعيني وحلاقة لحيتي على هذا النحو هو أن والدي كان ملكًا، وكان أخوه ملكًا هو الآخر ولديه ابن وابنة. وبمرور السنوات، اعتدت زيارة عمي من حين لآخر. ونمت بيني وبين ابن عمي صداقة قوية.

في أحد الأيام، زرت ابن عمي، وتعامل معي بلطف غير معتاد. وأعد وليمة ضخمة، وبعد أن أكلنا وشربنا حتى شبعنا، قال لي: «يا ابن العم، أود أن أريك شيئًا ما، لكن يجب أن تبقي الأمر سرًّا.» فأجبته: «بكل سرور.» وبعد أن جعلني أقسم على ذلك، قال: «تعال معي.»

تبعته إلى مقبرة، ووقفنا هناك أمام قبر ضخم. كسر ابن عمي جدار القبر وفتحه ملقيًا الحجارة على الجانب، وتبعته إلى الداخل. فأراني لوحًا حديديًّا بحجم باب صغير. رفع اللوح، وكشف عن سلم متعرج، ثم قال لي: «هناك خدمة أخيرة أود أن أطلبها منك. بعد أن أنزل إلى هذا المكان، ضع اللوح الحديدي مرة أخرى من فوقي.»

بعد أن اتبعت إرشاداته، غادرت وقضيت ما تبقى من الليلة في منزل عمي. وعندما استيقظت صباح اليوم التالي، وتذكرت أحداث الليلة الماضية، ظننت أن الأمر كله كان حلمًا. سألت عن ابن عمي، لكن لم يستطع أحد إخباري بأي شيء، ثم ذهبت إلى المقبرة وبحثت عن القبر، لكنه اختفى. قضيت الليل لا أستطيع النوم في منزل عمي، وكدت أجن من القلق، لكنني كنت قد تعهدت بألا أقول أي شيء عما رأيته. وأخيرًا، عزمت العودة إلى مدينة والدي.

ما إن دخلت بوابات المدينة، حتى قُبض علي، وضُربت، وقُيدت بالسلاسل. فقد تآمر وزير أبي عليه، وفرض سيطرته على المدينة. وحملني رجاله لأمثل أمامه، وقد كان من ألد أعدائي. حرق عيني عقابًا لي، ثم أمر أحد سيافي والدي بأخذي إلى الغابة وقتلي هناك. اتبع الرجل أوامر الوزير، وكبلني إلى ظهر أحد الخيول، وقادني إلى البرية خارج المدينة. وأخيرًا، هم بقتلي، فبدأت في البكاء بحرقة على ما حدث، وأخذ يبكي معي.

أشفق السياف علي وأطلق سراحي، وهو يقول لي: «انج بحياتك، ولا تعد إلى هذه الأرض أبدًا، وإلا سيقتلونك ويقتلونني معك.» لم أكد أصدق حظي الحسن، فقبلت يده، ورأيت أن فقدان إحدى عيني أفضل من فقدان حياتي.

سافرت عائدًا إلى مدينة عمي، وأخبرته بشأن الخيانة التي تعرض لها أبي. فقال لي: «أنا أيضًا أعاني من حزن شديد. ابني مفقود ولا أعلم ما حدث له.» ثم بكى. ولم أستطع البقاء صامتًا، وأخبرته بكل ما رأيته وفعلته. فرأيت حزن الملك يتحول إلى غضب؛ الأمر الذي أدهشني كثيرًا.

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يُقارَن بما سأرويه لكما غدًا إن بقيتُ على قيد الحياة.»

الليلة الخامسة عشرة

في الليلة التالية، وبينما كانت شهرزاد في سريرها، قالت أختها دينارزاد: «رجاءً يا أختاه، اروي لنا المزيد من هذه القصة المذهلة.» وأضاف الملك: «لتكن بقية قصة الدرويش الأول.» فأجابت شهرزاد: «حسنًا، بالتأكيد!»

•••

بلغني — أيها الملك السعيد — أن الدرويش الأول قال للمرأة: عندما رأيت هذه النظرة، يا سيدتي، على وجه عمي، شعرت باستياء شديد، وقلت له: «بالله عليك يا عمي، لا تزد من شعوري بالذنب. فأنا مستاء بما يكفي لما حدث لابنك.» وكان رده: «يا ابن أخي، فلتعلم أن ابني كان يحب إحدى الجنيات بجنون، وكثيرًا ما كنت أمنعه من رؤيتها، لكنه لم يستمع إلي، والآن أدركت كيف خطط لكل شيء من وراء ظهري. لقد أقام مقرًّا أسفل القبر الذي تتحدث عنه، وذهب لمقابلة حبيبته الجنية هناك. لقد فقدته الآن.»

فبكينا، ونظر إلي، وقال: «ستحل محل ابني.» لكن لم يكن هناك وقت للبكاء، إذ سمعنا قرع الطبول وأصوات الأبواق وصياح الرجال وهم يعطون الأوامر ببدء المعركة. سألنا عما كان يحدث، وعلمنا أن الوزير، الذي تخلص من والدي، يهاجم الآن المدينة بقوة عاتية، ولم يتمكن أحد من التصدي له.

كانت المعركة التي تلت ذلك رهيبة، وتمكنت من النجاة بأعجوبة. وعلمت أنني إذا وقعت في يدي الوزير، فسيقتلني ويقتل سياف والدي الذي أنقذ حياتي. وكانت أحزاني حينها أعظم من أي وقت مضى.

لم أستطع التفكير في أي وسيلة للهرب سوى حلاقة لحيتي وحاجبَيّ لتغيير مظهري، وبالفعل فعلت ذلك. وتركت المدينة قاصدًا بغداد ومتظاهرًا بكوني درويشًا، ولم يكشف أمري أحد. وكنت آمل أن أجد شخصًا ما يساعدني في الوصول إلى الخليفة، أمير المؤمنين، حتى أخبره بقصتي. وصلت الليلة، وأثناء وقوفي عند بوابة المدينة، جاهلًا أين يجب علي الذهاب، جاء هذا الدرويش الموجود بجانبي وألقى علي التحية. وبينما نحن نتحدث، انضم إلينا هذا الدرويش الآخر عند البوابة. وسار ثلاثتنا حتى هدانا الله إلى منزلكن وكان من كرمكن أن سمحتن لنا بالدخول.

•••

قالت المرأة: «انهض، يمكنك الرحيل.» فرد عليها: «لا والله لأبقيَنَّ حتى أسمع روايات الآخرين.»

•••

وهنا أدرك شهرزاد الصباح، فسكتت عن الكلام المباح. وقالت دينارزاد لأختها: «يا لها من قصة مدهشة يا أختاه!» فردت شهرزاد: «هذا لا يقارَن بما سأرويه لكما غدًا إذا تركني الملك على قيد الحياة.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤