ذكرى ١٩ مارس بعد ثلاثين عامًا

بقلم  محمد لطفي جمعة

ما يزال هذا اليوم بعينه وذاك التاريخ برقمه يمر به فيذكّره حادثة من أهم حوادث حياته وأثرًا من معالم الطريق في سبيل وجوده، ونقطة ارتكاز في دائرة تكوينه، فيبدو اليوم والتاريخ تارة كأنه كوكب قطبي ثابت لا يتحول، ونورًا هاديًا في ديجور الليالي والأيام، وطورًا كأنه سهم من كنانة القدر أصاب فأدمى واستحال انتزاعه، ومرة أخرى كأنه كأس خمر معتقة سبقتها فرحة وصحبتها نشوة وتلتها سكرة وأعقبتها صحوة مريرة أليمة.

ويبدو التاريخ واليوم حينًا كأنه يد بيضاء كريمة فتحت له مغاليق الفكر والنظر والإدراك، وأطلعته على آفاق فسيحة كان لم يبلغ مداها بحكم سنه وقلة تجاريبه، وأنه بعد مضي الأعوام وانسلاخ الليالي والأيام وكر الساعات وفر الدرجات وانطواء صفحات الدهر ليشهد بين الخيال شبحًا كشبح بياتريس التي قادت دانتي في سياحته القدسية إلى الأعراف والبرزخ والجنة والجحيم، وإنه ليجلس أحيانًا في يوم ١٩ مارس في أحد الأعوام التي تلت تلك الحادثة العجيبة مسندًا رأسه بين راحتيه ويسأل نفسه ترى كيف كانت تكون الحياة لو لم يقع في هذا النهار ما وقع ولو لم ألتق بمن التقيت به؟ وهل إذا عدت إلى ذلك التاريخ وخيّرت بين قبوله واقتحامه بما جرى فيه، أكنت أقبل عليه وعليها أم أعرض عنهما جميعًا، تاركًا سير الأقدار في المجهول الأعظم الذي لا أعلم ما وراءه وقد يكون خيرًا مما جرى أو شرًّا منه؟

نعم إن الماضي منسي ومن الخير أن ينسى في رأي بعض الناس؛ لأن ذكراه بخيره وشره أليمة على النفس، فإن كان خيرًا تألمت النفس من الحاضر، وإن كان شرًّا فإنه تنغيص وتحريك للأسى.

ليل ١٩ مارس سنة ١٩٤٧

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤