خامسًا: الإبداع العلمي

(١) الإبداع الطبيعي

الكندي: ظهر الإبداع مبكرًا للغاية عند الكندي (٢٥٢ﻫ) أو الفلاسفة مرورًا بالسجستاني (٣٣١ﻫ) وابن باجه (٥٣١ﻫ) حتى شرف الدين الطوسي (٦٧٢ﻫ). وتبقى ظاهرة الإبداع الفلسفي عند الكندي ظاهرة فريدة تسترعي الانتباه وفي حاجة إلى تفسير. فالإبداع عادة ما يكون لحظة ثالثة بعد النقل لحظة أولى، ثم التحول لحظة ثانية. عند الكندي الإبداع لحظة أولى. لذلك تنقل الفلسفة من مرحلة النقل إلى مرحلة الإبداع مباشرة بل في جيل واحد، وشخص واحد، هو الكندي نفسه. لذلك سُمي بحق فيلسوف العرب.

(أ) الإبداع المبكر

فمن مجموع رسائل الكندي المنسوبة إليه لا يذكر أعلام الوافد إلا في ١٤٪ منها، أرسطو ثم سقراط ثم إقليدس ثم أفلاطون ثم باقي الرياضيين مثل أرشميدس، وأسقلاوس، ومناطقة مثل فرفوريوس وجغرافيين مثل بطليموس أو أطباء مثل أبقراط وجالينوس.١ وأحيانًا تذكر بعض الرسائل بأسماء الكتب الوافدة دون مؤلفيها مما يدل على تحول الكتاب الوافد إلى موضوع مثالي دون مؤلفه. عاش المؤلف، مات المؤلف مثل رسائل «أثولوجيا» و«الخير المحض».٢
ومن الرسائل المتاحة والمطبوعة حاليًّا، لا توجد رسائل تحتوي على عناوين وافدة من مجموع رسائله الفلسفية الخمس عشرة بما في ذلك «رسالة في دفع الأحزان» إلا رسالتان، الأولى بها اسمًا أرسطو وأفلاطون، والثانية بها اسم أرسطو فحسب في بيئة حضارية تقوم على الرواية والخبر.٣ وفي رسائله العلمية لا توجد أية إشارة إلى أي اسم علم إلا القدماء.٤ ولا توجد في رسائله الأخرى المطبوعة أو المخطوطة أي إشارة إلى اليونان إلا في رسالتين، الأولى من أجل تصحيح قول أسقلاوس وليس تبعية له. والثانية أثولوجيا أرسطوطاليس من أجل إكمال النسق العقلي بالنسق الديني.٥ ومن مجموع الرسائل والكتب لم تظهر أسماء الوافد إلا في ثلاثة، والرابعة تشير إلى القدماء بوجه عام مما يدل على أن الإشارة المشخصة إلى أفلاطون وأرسطو وأسقلاوس تتم في إطار حضاري عام. وقد ذكر هؤلاء الثلاثة لأنهم الأشهر فلسفيًّا وعلميًّا.٦ ومن مجموع الرسائل الفلسفية والعلمية يتصدر أفلاطون ثم أرسطو ثم سقراط والإسكندر، ثم فيثاغورس ثم أبقراط ومارينوس ونيرن. يذكر أفلاطون وأرسطو وسقراط والإسكندر في الفلسفة، وفيثاغورس في الرياضة، وأبقراط في الطب، وأكثر من نصف الرسائل الفلسفية والعلمية المنشورة لا توجد بها إشارة إلى اليونان لا عامة ولا خاصة، لا في العنوان ولا في الصلب، لا صراحة ولا ضمنًا أي إن الإبداع الفلسفي والعلمي ممكن دون الغير، الوافد أو الموروث، «بقدرة العقل على التركيز على موضوعه، والتأمل في الطبيعة. الإبداع الفلسفي ممكن دون اليونان.٧
أما بالنسبة إلى الموروث فقد بدأ الإبداع أيضًا مستقلًّا عنه إلى حد كبير كما هو مستقل عن الوافد. فمن رسائل الكندي الفلسفية اثنتان فقط يحملان لفظ الله «وحدانية الله»، «طاعة الله عز وجل»، ولا شيء في الرسائل العلمية.٨ ورسالة واحدة بها لفظ قرآني عام مثل الرؤيا.٩ فنسبة موضوعات الموروث في المؤلفات المطبوعة قليلة للغاية حتى بعد إضافة موضوع الرؤية مما يدل على أولوية الإبداع على الوافد والموروث معًا.١٠ فإذا أخذ المخطوط والمترجم في الاعتبار تزيد النسبة قليلًا على فرض أن روحانية مثل أرواح.١١ وإذا أخذت كل المؤلفات المنسوبة إلى الكندي المطبوعة والمخطوطة والمفقودة ألا يتجاوز الموروث طبقًا لعناوينها إلا نسبة ضئيلة عن التوحيد والعدل والاستطاعة والإباحة العقلية قبل الحظر. وهي موضوعات كلامية اعتزالية. وموضوعات الزجر والفأل موضوعات قرآنية. والرد على المنانية والثنوية والملحدين والنصارى فرق غير إسلامية كجزء من الفرق داخل الحضارة الإسلامية. والمنانية أهمها وهي موضوع أربع رسائل نظرًا لخطورة الثنائية على التوحيد.١٢ وموضوع النبوات وإثباتها موضوع كلامي، والروحانيات والكواكب والطب واستحضار الأرواح موضوعات موروثة. ورسالة واحدة تستشهد بآية قرآنية، وأخرى تذكر الله عز وجل. فموضوعات الرسائل ثلاث كلها موروثة: كلامية وفرق وروحانيات.١٣ وفي معظم الرسائل الفلسفية لا توجد آيات قرآنية إلا في ثمانية منها في السؤال عن معنى وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. والثانية داخل رسالة عن كمية كتب أرسطوطاليس. فالغاية إذن ليس أرسطو بل التوجه القرآني. أرسطو مجرد مادة. المهم هو التصور الإسلامي في النص.١٤
ويمكن تصنيف كل مؤلفات الكندي في سبعة عشر علمًا أو موضوعًا لا تزيد العلوم الفلسفية بالمعنى الدقيق، الفلسفية والمنطقية والجدليات والنفسانيات والسياسيات والتقدميات على ربع المؤلفات، والثلاثة أرباع الأخرى كلها في العلوم الرياضية والطبيعية. بل إن المؤلفات الفلسفية بالمعنى الدقيق لا تنفصل عن المؤلفات العلمية، وتبدو مرتبطة بالطبيعيات وبالحس وبالرياضيات والصناعة، كما أن الكتب المنطقية مرتبطة بالصناعة وبالطبيعيات وبالأصوات.١٥ وبعض الموضوعات العلمية ترتبط ببعض الموضوعات الفلسفية بالمعنى العام مثل التشابه بين رئيس البدن ورئيس المدينة في الطبيات، والرد على المنانية، والجدل في الفلكيات، وبعض موضوعات الأخلاق مثل الوفاء في الأنواعيات (الكيمياء).١٦ والغالب على مؤلفات الكندي النزعة العقلية وكأن الفلسفة بدأت علمية عقلية، وأن الإشراقيات طارئة عليها ومتأخرة عنها. من حيث الكم أكثرها الرياضيات والفلكيات ثم الكيمياء ثم الفلسفة ثم الطبيعيات والجغرافيا والجدليات. وأقلها النفسانيات والتقدميات ثم السياسيات.

وقد قام الكندي بكل هذا التأليف دون شرح أو تلخيص أو جوامع كما فعل ابن رشد فيما بعد من أجل تمثل الوافد واستيعابه. كانت معرفته به مباشرة من الترجمة وربما كان هو مترجمًا. كانت الترجمة جديدة لا تحتاج إلى شرح أو تصحيح فهم من سوء تأويل الشراح كما شعر ابن رشد الحاجة إلى ذلك فيما بعد. وربما لأنه كان عالمًا يفكر على معطيات العلم، ويتأمل في الظواهر الطبيعية مباشرة دون توسط النصوص الوافدة أو الموروثة على عكس الفارابي الذي كان يعرض الوافد، وابن سينا الذي كان ينسق الوافد وينظر الموروث. كان الفيلسوف ذا ثقافتين، وافدة وموروثة. يتلقى الموروث أولًا كما تلقى الكندي علوم القرآن والدين والكلام ثم اللغة والأدب ثم الوافد، العلوم الدخيلة، مثل الفلسفة. وكان على علم باللغات السريانية واليونانية. كان أعلم أهل زمانه بأرسطو. وكان العصر يساعد على ذلك، الحرية التي أباحها الخلفاء مثل المأمون، وإباحة الكلام، وامتزاج الأديان وثقافات الشعوب. وبالرغم من أن التأليف في موضوعات الثقافة الوافدة إلا أنه يمثل قمة الاحتواء بعد أن قام العرض والتأليف بتطويع المادة العلمية.

ومعظم الرسائل الإبداعية العلمية الخالصة إنما تنبت أيضًا ردًّا على أسئلة من الواقع وليس تبعية للوافد كما هو الحال في رسالة «في مائية ما لا يمكن أن يكون لا نهاية له». والإجابة طبقًا لقدرة المسائل على النظر والفهم، وتكرار السؤال والجواب في المقدمة والخاتمة مع الدعوة للسائل بالسداد والتوفيق. وهي نفس الطريقة التي اتبعها الفارابي في «المسائل المتفرقة» وابن سينا في «الإجابة على أسئلة البيروني والسهلي». وكانت رسالة «الإبانة عن أي جرم الفلك لا يقبل شيئًا من الكيفيات الأولى» بناءً على سؤال.١٧ وفي باقي المؤلفات المفقودة هناك عشرات رسائل من هذا النوع، السؤال والجواب، في الرياضيات والطبيعيات والمنطق أي في المسائل العلمية وليس في المسائل العملية كما هو الحال في الفقه.١٨
ويبرز هذا النوع الأدبي، السؤال والجواب، في الإبداع الفلسفي، في السؤال عن العلة الفاعلة القريبة، وعن وحدانية الله أو عن معنى آية وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ. فموضوع السؤال ليس بالضرورة الوافد بل يكون الموروث أيضًا أو ما ينتج في الوعي الجمعي من حصيلة الجمع بين الوافد والموروث. فالسؤال عن الآخر وعن الأنا، عن لسانهم ولساننا، مع الدعاء بالسداد والتوفيق.١٩ السائل يسأل الحكيم فيصبح الحكيم مسئولًا. والجواب المختصر القصير أفيد عمليًّا من الجواب المسهب الطويل. وتكون فرصة الكندي في هذه الدعوات التحرر من الأسلوب الركيك. فيطلق لعواطفه العنان في السجع الأدبي واستعمال المترادفات والصور والتشبيهات التي تختفي تمامًا في مرحلة النسق المنطقي عند ابن سينا، وتعود في مرحلة المراجعة السلفية عند الغزالي والمراجعة العقلية عند ابن رشد. فالإجابة عن تحديد وقت الدعاء بناءً على سؤال. والمسائل عويصة على الروحانيين. وهي مشكلة في الواقع وليست في الوافد، مسألة صعبة على الفلاسفة وعلى غير الفلاسفة، على الفضلاء والأراذل إلا لمن عرفوا الموضوع في الموروث. فالموروث به حل لكل المسائل العويصة.٢٠
بل إن الموضوعات العلمية الخالصة أيضًا كتبت كإجابات على أسئلة. فالسؤال لا يقتصر فقط على الاهتمام العام بل يتعلق أيضًا بالاهتمام الخاص مثل السؤال عن علة اللون اللازوردي الذي يظن أنه لون السماء. والإجابة قدر اهتمام السائل وقدرته على الفهم مع الدعوة له بالتوفيق في بداية الرسالة وفي نهايتها. وكذلك السؤال عن الجرم الحامل بطبعه اللون من العناصر الأربعة وهو مركب منها، والإجابة قدر فهم السائل وكأن الإجابة لها مستويات، خاصة وعامة مع الدعاء بالتوفيق. وكذلك السؤال عن الضباب والثلج، وهي ظواهر تسترعي نظر العالم والإنسان العادي لما فيها من حب الاستطلاع، ضباب الصباح، والثلج على قمم الجبال يلاحظها أناس قدموا من الصحراء. والإجابة كافية، لا بالمسهبة ولا بالمخلة. ومع الثلج يكون السؤال عن البرد والرعد والبرق والصواعق القريبة والبعيدة التي قد تكون أسباب وضعها الله في الكون. والإجابة أيضًا بحسب موضع السائل من العلم والدعوة له بالتوفيق.٢١
ويبدو التأليف المصطنع حتى في الإبداع الفلسفي كما هو الحال في «الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد». فالإبداع في بدايته يبحث عن شكل يستقر في نهايته. والكندي أو المبدعين ما زال يبحث عن شكل الخطاب. فبعد الدعاء والمقدمة عن المنهج والموضوع تبدأ القسمة العقلية له. ثم يتعين. الحديث في الطبيعيات والإلهيات ثم في الحيوان والنبات والعمران. ثم تأتي الخاتمة من المنهج عودًا على بدأ، وخاتمة ثانية. فالأقسام متداخلة. وكل قسمة نتيجة للأخرى. ويصعب التمييز بينها إلا على وجه العموم. والرسالة ناقصة لا يوجد بها إلا الفن الأول. ويبدو التأليف المصطنع أيضًا في «وحدانية الله وتناهي جرم العالم». إذ تتضمن الرسالة الدعاء ثم السؤال والإجابة. المقدمات الأولى عن المنهج ثم تطبيقاتها لإثبات الموضوع. وقد يقل هذا التأليف المصطنع حتى يمكن اكتشاف الأقسام المتضمنة فيه والتي لم تصل بعد إلى حد البنية، مثل «رسالة الكندي إلى أحمد بن محمد الخراساني في إيضاح تناهي جرم العالم». إذ يمكن التعرف على ثلاثة أقسام الأول الدعاء القصير ثم الحديث عن منهج الفكر الرياضي. والثاني ذكر المصادرات الرياضية الأربعة. والثالث تطبيق البرهان الرياضي في الموضوع الفلسفي وفي البرهان الفلسفي أيضًا.٢٢

(ب) في المعادن والكيمياء

ويبدو إبداع الكندي (٢٥٢ﻫ) مبكرًا في العلوم الطبيعية وفي علم المعادن وفي علم الكيمياء. ففي علم المعادن رسالة «السيوف وأجناسها». وهي رسالة تخلو من الوافد أو الموروث ككونين علميين ولكنها تنظر للواقع تنظيرًا مباشرًا.٢٣ ولا تنقسم أبوابًا أو فصولًا، ولكنها تبدأ بمقدمة عامة عن الحديد الذي تصنع منه السيوف، الحديد والفولاذ وأنواعها العتيق وغير العتيق فالقسمة أولى طرق التعريف.٢٤ وتظهر البيئة الجغرافية التي تشتق منها أسماء السيوف وكلها أسماء محلية مثل فارس وسرنديب على حدود الأوطان وفي قلبها، والكوفة والبصرة وخراسان والمنصورة وخسروان ودمشق ومصر وبغداد. وقد تكون النسبة إلى شخص مثل زيد. وتظهر أسماء الأقوام مثل الروم والشراة والفرنجة. وقد يحال إلى العصور والأزمان مثل الجاهلية. ويظهر الجناح الشرقي فارس والهند قدر ظهور الجناح الغربي، روما والفرنجة وكما تبدأ بأمر مولانا الإمام أن يرسم أوصاف السيوف بقول يعم أجناسها تنتهي بالدعوة له بطول العمر والبقاء.٢٥
وفي علم الكيمياء كتب الكندي رسالة ثانية «فيما يطرح على الحديد والسيوف فلا تتثلم ولا تكل».٢٦ والموضوع عربي أصيل منذ الشعر العربي قبل الإسلام في مجتمع قبلي محارب، وإسلامي فاتح. ومنهج الكندي الكيمياء العملية وما وقعت له من معاناة في الموضوع. فالكيمياء ممارسة عملية أكثر منها بحثًا نظريًّا. فالرسالة في صناعة السيوف بحيث لا تتلم ولا تتأكل ابتداءً من برادة الحديد وسقاياتها، وآلات قطع السيوف والزجاج. كما تقوم على منهج القسمة مثل قسمة الحديد إلى لونين، ذكر وأنثى ثم انقسام الذكر إلى قسمين، والأنثى إلى قسمين، فالمنطق آلة للعلم والعقل مدخل إلى الطبيعة.

وتخلو الرسالة من الأبواب والفصول. إنما تبدأ كثر من الفقرات بتعبير «نوع آخر» طالما أن الرسالة في أنواع الحديد والسيوف. والقليل «باب آخر» «أو كلاهما» باب «نوع آخر» أو «آخر» فحسب، وتظهر البيئة المحلية في اشتقاق الأسماء مثل الفرس والحجاز وسرنديب. وقد تختلف الأسماء والمسمى واحد. وتظهر البيئة الشرقية الهندية مثل برادة الزماهن وصفة السيوف الهندية. والأسلوب لم يستقر بعد من ناحية التأليف العربي كما هو معروف في خطاب الكندي. والرسالة موجهة إلى المعتصم أمير المؤمنين والدعوة له «أدام الله تعالى عزك، وحرس أيامك». وتظهر العبارات الإيمانية خلال الرسالة مثل «إن شاء الله تعالى»، في آخر كثير من الفقرات. وتنتهي بالصلاة على محمد وآله وسلم.

(٢) الإبداع الطبي

ويتركز الإبداع العملي في الإبداع الطبي أكثر من باقي العلوم الطبيعية كالطبيعة والكيمياء والنبات والحيوان والمعادن. وقد بلغت شهرة الطب العربي الآفاق. والعلم جزء من الفلسفة والعلماء هم الفلاسفة.٢٧ ولم تكن الفلسفة علمًا مجردًا بل كانت تجارب حية للفلاسفة الذين كتبوا سيرة ذاتية تعبر عن مسارهم الفلسفة أو كتبها تلاميذهم نيابة عنهم.٢٨ وبالرغم من أن التأليف كان أقرب إلى الجمع ثم الإضافة، وضع الأدبيات السابقة مع الموضوع، فتاريخ العلم جزء من العلم، إلا أن الإبداع العلمي واضح يتجاوز الوافد والموروث المشخص في أسماء الأعلام والمصنفات إلى الحديث عن القدماء أو المتقدمين. ليس العلم آخر مرحلة فيه بل هو تاريخه أيضًا لمعرفة تطور العلم ومراحله. فلعل أزمة العلم في عصر تجد حلًّا لها في تاريخه.٢٩ الجديد يخرج من القديم ويتجاوزه ولا ينقطع معه ويناقضه. وهو نمط تطور الوحي ومراحله، المسيحية من اليهودية والإسلام من المسيحية، نموذج التواصل والانقطاع في آن واحد. لذلك ضم الطب العربي طب الإغريق وطب باقي الشعوب مع طب العرب.

(أ) الرازي

وبالرغم من دخول «الحاوي» و«المنصوري» في أشكال التأليف الأخرى إلا أن «تقرير الرازي حول الزكام المزمن عند تفتح الورد» للرازي (٢٥١–٣١٣ﻫ) يمثل نموذجًا للإبداع الخالص في الطب. يخلو من الوافد والموروث على حد سواء.٣٠ ويأخذ شكل السؤال والجواب، وهو شكل التأليف الفقهي كما هو معروف في أحكام السؤال والجواب في علم أصول الفقه، وأسلوب القرآن في الإجابة على أسئلة في صيغة وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ … والتي عرفت بمصطلح أسباب النزول. فهو تقرير وضعه الرازي لمعالجة أبي زيد البلخي (٢٣٦–٣٢٢ﻫ) أستاذه الذي كان يعاني من الزكام. وانتهى الرازي إلى اكتشاف الطب الجغرافي، طب الفصول الأربعة وطب النباتات أي طب البيئة. ولا يضم من العبارات الدينية في البداية والنهاية أكثر من البسملة والحمدلة والصلاة على خير خلقه محمد المصطفى وآله وصحبه.

(ب) ابن سينا

وتمثل أعمال ابن سينا الطبية الصغرى نماذج من الإبداع العلمي الطبي بالرغم من صمت ابن سينا عن مصادره على نحو ظاهر في باقي المؤلفات.٣١ تمثل هذه الرسائل الصغرى أعمالًا فلسفية إبداعية بالأصالة وليست أعمالًا تجميعية كما هو الحال في «الشفاء». وصيغتها إما السؤال والجواب كما هو الحال في النوازل في الفقه أو الشعر، شكل التعبير العربي الأول الذي جاء القرآن لوراثته. وهو الذي بدأ التخصص في الطب كما وضح ذلك في «الاختصاص». وفي نفس الوقت حاول إقامة الطب على أسس فلسفية كما فعل ابن رشد في «الكليات» فيما بعد. فليس الطب مجرد علم عملي للعلاج. ألقابه كثيرة ومتعددة مثل: حجة الحق، رئيس العقلاء، أمير الأطباء، أبقراط العرب، أرسطو الإسلام، المعلم الثالث، الشيخ الرئيس، شرف الملك (بعد أن تقلد الوزارة). دخلت كثير من الأفكار الشرقية والغربية في مؤلفاته بالإضافة إلى الموروث الشيعي إلا أنه كان قادرًا على تمثل ذلك كله وتجاوزه إلى الإبداع الخالص. يغلب على أعماله الطب ثم الرياضيات ثم اللاهوت ثم الفلسفة ثم علم النفس ثم المنطق ثم التفسير، بالإضافة إلى مراسلات ومؤلفات في الزهد والقصص والعشق والموسيقى.٣٢ ووضع نوعًا من «لسان العرب» لم يتم.
ففي رسالة «رفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية أو تدارك أنواع الخطأ الواقع في التدبير» لابن سينا (٤٢٨ﻫ).٣٣ يحصي الأمراض الكلية بداية بالكليات كما هو الحال في الفلسفة، ويؤسس الطب على المنطق. ويدل تعبير «الأبدان الإنسانية» على النزعة الإنسانية في الطب. فالأبدان ليست مجرد آلات عضوية صرفة. كما أن النصف الثاني من العنوان يشير إلى الطب الوقائي السابق على الطب العلاجي. ويصف ابن سينا أنواع الخطأ في الهواء والحمام والطعام والماء والمشروبات والحركات والاستفراغ. وتخلو الرسالة من الوافد والموروث تمامًا، وابن سينا قادر على ذلك وهو المعروف بإخفاء مصادره. يرجع في التفصيلات إلى الأدبيات السابقة. ويكتفى برصد الأمور الكلية تصنيفًا وجمعًا. يبدأ بالقول. فهو المؤلف وليس الآخر، ويعبر في تركيز شديد، متوجها نحو العمل، واضعًا الطب في بيئته، مكتشفًا الطب الجغرافيا أو الجغرافيا الطبية، ومدركًا أهمية الحمام في العلاج. يحيل اللاحق إلى السابق، والسابق إلى اللاحق لبيان وحدة الفكر. ويتحدد الغرض الكلي للرسالة ومسارها البرهاني دون تكرار ما هو معروف سلفًا. وهو شرط الإبداع. وبين البسملة والحمدلة التقليديين يتم الانتقال من مدح الله إلى مدح السلطان.٣٤
وتخلو «رسالة الأدوية القلبية» له أيضًا من الوافد والموروث، باستثناء الحديث عن الحكماء والأطباء على العموم. وتعتمد على العقل الخالص والرؤية الفلسفة العامة التي يتأسس عليها علم الطب مثل نظرية الخلق، ومفهوم الحياة، ودور الأفلاك والأجسام السماوية. وكل شيء في بدن الإنسان خلقه الله لوظيفة. فغائية الله هي غائية الطبيعة.٣٥ ويجد ابن سينا البرهان على ذلك، ويزيل تناقض الفكر، ويحدد معاني الألفاظ، وينعى جهل الأطباء، ويتحدث بضمير المتكلم.٣٦ ومع البسملة والحمدلة كالمعتاد يتم الانتقال بسهولة من مدح الله إلى مدح السلطان.٣٧

ولما كان الشعر هو ديوان العرب ووسيلتهم في التعبير، نظم ابن سينا «أرجوزة» في ذكر الأمور الطبيعية وتقسيم الطب إلى علم وعمل. تحتوي على أكثر من الف بيت تختصر كتاب «القانون» وتصوغه شعرًا حتى يسهل حفظه. وبحر الرجز سهل التعليم. لم تكن أول قصيدة علمية. سيقتها قصيدة خالد بن يزيد في السيمياء. عيبها فقط ضرورة الحفظ، والاختصار، وعدم الشاعرية، واستبدال الكلمات من النساخ، والانتحال الجزئي. ومع ذلك شرحها كثيرون من الأطباء. لم يذكر فيها وافد ولا موروث إلا مرة واحدة ذكر بقراط في بيت للحفاظ على الوزن والإيقاع ولضرورة الشعر وفي إطار من تصحيح نظريته بعد مراجعتها دون الاعتماد عليها أو استعمالها. فابن سينا فيلسوف وأديب يخضع الأدب للفلسفة نثرًا وشعرًا وينقد أدعياء العلم.

وتقسم الطب إلى علمي وعملي. ويشمل العلمي أربعة أمور: الأمور الطبيعية، وأحوال البدن، والأسباب، والعلامات. ويشمل العملي أمرين: حفظ الصحة، ومعالجة المرض.٣٨ وتبرز المصطلحات الفلسفية الطبيعية عند ابن سينا مثل العقل والطبيعة والقيمة.٣٩
وكما تبدأ الأرجوزة بالبسملة وتنتهي بالحمدلة يتم الانتقال كالعادة من مدح الله إلى مدح السلطان، ومن طاعة الله إلى خدمة الملوك والأمراء، ومن دعاء الله إلى طلب الحاجة عند الخلفاء. كما عبر ابن سينا عن الطب شعرًا حتى يزين به المجالس ويطلع الموك على القوانين الطبية، والذين يفهمون الشعر أكثر مما يفهمون الطب، لا فرق في ذلك بين سني وشيعي.٤٠
أما «أرجوزة في تدبير الصحة في الفصول الأربعة» له أيضًا فهي أصغر من أرجوزة الطب وأكثر تخصصًا في الطب الجغرافي أو الجغرافيا الطبية.٤١ فقد نظم الله الفصول الأربعة، فأصبحت للأزمنة طبائع كما أن للأغذية والأدوية فوائد. ويزيد الناسخ البسلمة والحمدلة، حوالي سبعة أبيات كعمل مشترك بين المؤلف والناسخ.٤٢

(ﺟ) ابن النفيس

وقد ساهم ابن النفيس (٦٨٧ﻫ) في الإبداع الطبي قدر مساهمته في أشكال التأليف الأخرى ابتداءً من الشرح والتلخيص.٤٣
ففي «رسالة الأعضاء» يغيب الوافد والموروث، باستثناء ابن سينا مرة واحدة لبيان وحدة عمل ابن النفيس وشرحه لكتاب «القانون» في الطب إشارة خارجية وليست في النص نفسه كإحالة داخلية.٤٤ ويدل شرحه لعلم الحديث على وحدة المعرفة النقلية والعقلية. وتظهر النزعة الإنسانية في تصوره للطب «في بيان احتياج الإنسان إلى الأعضاء الرئيسية ومواضعها»، وأيضًا «في نواحي الإنسان والاستدلال على أخلاقه من بقية أعضائه»، وفي «المقارنة بين الإنسان والحيوان». فالطب علم إنساني قبل أن يكون علمًا طبيعيًّا.٤٥ ويبدأ ابن النفيس مثل ابن سينا وابن رشد بالقول الكلي قبل الأجزاء. ويتصور الإنسان من أعلى إلى أسفل، من الرئيس إلى المرءوس، من القلب أو الدماغ إلى الأعضاء الخادمة له. فهناك مركزان، القلب والدماغ، وربما أربعة: القلب، والدماغ، والكبد، الأنثيان. والأسلوب دقيق واضح بلا حشو أو إنشاء لذلك جاءت الفصول قصيرة التركيز على العلم وحده وليس سياقه الاجتماعي. ويستعمل ابن النفيس ضمير المتكلم المفردة في أفعال القول. فهو الذي يدرس ويحلل ويصف الأشياء. دون نقل وشرح للأقوال.٤٦ ويقدم ابن النفيس فلسفة في الطب تقوم على وصف الأعضاء ووظيفة البدن بلغة الوجوب أي ضرورة الطبيعة. تبارك الله أحسن الخالقين.٤٧
وبعد البسملة والحمدلة يتم التحول من صفات الله إلى صفات السلطان بل تزيد صفات السلطان عن صفات الله. وكلما زاد تعظيم الله والسلطان زاد تحقير العبد الفقير إلى رحمته تعالى.٤٨
وفي «المختار من الأغذية» له أيضًا يغيب الوافد والموروث على الإطلاق.٤٩ ويتم التوجه إلى الموضوع مباشرة، الأغذية لأصحاب الأمراض على نحو عملي رصدي إحصائي صِرْف دون أفكار أو تصورات أو دلالات، أقرب إلى القاموس منه إلى الفكر مثل ديسقوريدس وابن البيطار. والعبارات الإيمانية قليلة للغاية لا تتجاوز البسملة في البداية والحمدلة والصلاة على محمد وآله في النهاية.
وفي «الموجز الطب» لابن النفيس (٦٨٧ﻫ) يصل الإبداع الطبي إلى مداه.٥٠ إذ يغيب الوافد والموروث كلية، لا جالينوس ولا ابن سينا.٥١ ومع ذلك تظل بعض الكلمات المعرَّبة مثل كيموس، ديابيطس التي استقرت في الطب مثل باقي الأسماء المعربة المستقرة مثل موسيقى وجغرافيا وهندسة. ومن ثم فإنه يكون موجز لكتاب «القانون في الطب» لابن سينا باستثناء التشريح ووظائف الأعضاء ومِن ثَم يكون أدخل في التلخيص لأن ابن النفيس لم يصرح أن الموجز اختصار لا اسمًا ولا مقدمة كما هو الحال في باقي مؤلفاته الشارحة مثل «شرح تشريح ابن سينا». بل إنه لا يعرض آراء ابن سينا، بل ينقده كما نقد جالينوس في عمل القلب والرئتين. بل كان يفضي من كلام جالينوس ويصفه بالعي والإسهاب الذي ليس تحته طائل.٥٢ هو مؤلف إبداعي مستقل، يضم علم الطب في نسق عقلي محكم وبطريقة القوانين الكلية حتى في الطب العملي. كان يكتب من الذاكرة وليس من مصادر طبية سابقة. وكان الدافع مراعاة المشهور في أمر المعالجات من الأدوية والأغذية أي القواعد الطبية العامة، اكتمال العلم بعد تطوره. وتدل كثرة الألقاب على تفرد مؤلفه وإبداعه وشموله. فقد ألف في الفقه وأصول الفقه والحديث والسيرة والنحو والبيان.٥٣
ويقوم على قسمة رباعية تبدأ من الكلي إلى الجزئي ثم إلى الكلي من جديد. أكبرها الفن الثالث عن الأمراض الخاصة بكل عضو، ثم الثاني عن الأدوية والأغذية المفردة والمركبة، ثم الرابع عن الأمراض التي لا تخص العضو، وأخيرًا الأول قواعد الطب النظري والعملي.٥٤
كما يجمع بين النظري والعملي. والنظري يقوم على تحليل الأمور الطبيعية ثم أحوال البدن، فالبدن جزء من الطبيعة، الإنسان عالم أصغر، والعالم إنسان أكبر. وبتفاعل البدن مع الطبيعة تظهر الأسباب والدلائل.٥٥
وبالرغم من الطابع القاموسي للكتاب إلا أن منطق الاستدلال فيه واضح، وتدل عليه أفعال البيان. يجمع بين القياس والتجربة. وتستعمل التشبيهات من أجل توضيح المصطلحات الطبية بعد اشتقاقها اليوناني مثل «البحران»، وهو الوقت الذي يبلغ فيه المرض شدته بحيث يتحول الإنسان من الصحة إلى المرض أو من المرض إلى الصحة.٥٦ فالمرض هو العدو الباغي، والبدن هو المدينة، والطبيعة السلطان المدافع عنها والبحران يوم القتال الفاصل.٥٧
تقل فيه التصورات والموضوعات الدينية بل تغيب غيابًا شبه كلي. فالأرواح وهي القسم الخامس من الأمور الطبيعية في الطب النظري لا تعني النفس كما يراد بها في الكتب الإلهية بل تعني جسمًا لطيف بخاريًّا يتكون من لطافة الأخلاط كتكون الأعضاء عن كثافتها وهي الحاملة للقوى، وأصنافها.٥٨ وفي أقل القليل، وتظهر العبارات الإيمانية خلال الكتاب سؤال الله التوفيق والعصمة وتنتهي بعض الأجزاء بالتعبير الشهير «والله أعلم» تواضعًا وتركًا المجال مفتوحًا لتقدم العلم. ويروح العالم المؤمن بعض وصف القوى والإحساس بالتوافق بين العقل والطبيعة والوحي فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ.٥٩
و«المهذب في الكحل المجرب لابن النفيس» (٦٨٧ﻫ) يمثل أيضًا نموذجًا للإبداع الخالص.٦٠ يغيب فيه الوافد والموروث باستثناء جالينوس مرتين الأولى للمناطقة والثانية اسم دواء، ولفظ اليوناني ثلاث مرات كألفاظ وإحالة إلى معنى قول الرسول عن فوائد إثمد، إنه يحد البصر وينبت الشعر، وأيضًا إلى رؤيته وهو في يثرب نعش النجاشي وهو في الحبشة وهي خارج الرؤية بالعين.٦١
ومع ذلك تذكر أسماء الفرق دون الأشخاص مثل أصحاب الشعاع الرياضيون، الطبيعيون، الفلاسفة، الأطباء، الآخرون. ولا تذكر أسماء الأعلام حرصًا على التجريد، والتمييز بين النظرية وصاحبها، بين بناء العلم وتاريخ العلماء مثل الإحالة إلى القائلين بالمخروطين المصمتين، والقائلين بالمخروطين غير المصمتين، والقائلين بخروج خطين، والقائلين بورود والشبح.٦٢ والمرة الوحيدة التي ذكر فيها اسم علم ابن البيطار إحالة إليه بعد الاقتباس من كلامه من الناسخ، زيادة في أحد المخطوطات.٦٣

والاسم نفسه يدل على المنهج «المهذب في الكحل المجرب». فالمهذب أي المختصر المفيد، والكحل أي العين، فالكتاب في العين، والمجرب إشارة إلى منهج التجربة وكيف أن ابن النفيس يعرض أقوال السابقين على التجربة للتحقق من صدقها دون الاعتماد على سلطة جالينوس من الوافد أو ابن سينا من الموروث، وهو الذي كان يحفظ القانون ظهرًا عن قلب.

ويعتمد ابن النفيس أيضًا على القياس. فالعلم بناء نظري عقلي متسق. وبتطابق التجربة والعقل يصدق العلم، ولو كان الموروث ظاهرًا لصدق الوحي. يعرض المذاهب العلماء في الرؤية، ويذكر حجج كل فريق. ثم يبطل آراء المخالفين، ويدحض حججهم وينصر الحق الذي هو مذهبه، ويورد الأدلة على صحته، ويرد على الشبه التي تقال حوله ويحل شكوكه.٦٤ يبدأ بالتاريخ وينتهي بالبنية. تتوالى الآراء ثم تكتمل الحقيقة.
العين هي بؤرة التحليل. ولا يكتفي بالعين العضوية بل أيضًا في اختلاف الحيوانات بحسب العين، وفي خواص الإنسان في أمر العين، وأعين السودان كحل جاحظة، وأعين الترك ضيقة، وأعين الأعراب نجل متسعة، وأعين المصريين صغار فوق كبر الأنوف.٦٥
وينقسم الكتاب إلى نمطين، القواعد والتفاريع أي الأصول والفروع. وينقسم كل نمط إلى عدة جمل، الأول إلى جملتين وقواعد العمل. وتنقسم كل جملة إلى أبواب، والجملة الأولى إلى أربعة: خلقة العين وفعلها، وأمراضها وأحوالها، وعلاماتها، والثانية إلى بابين حفظ الصحة وعلاج الأمراض. وينقسم النمط الثاني، وهو الأكبر كما إلى سبع جمل: الأدوية، الأصول العملية، الأمراض الخارجية، أمراض الوسط، أمراض المقلة، أمراض القوة الباصرة، أحوال المقلة، أمراض باقي العين. ثم تنقسم الجملة الأولى إلى ما بين الأصول العملية وأحكام الأدوية. وتنقسم الجملة الثانية إلى بابين: أمراض الجفن وأمراض الموق، والجملة الثالثة إلى أربعة أبواب: أمراض الطبقة الملتحمة، وأمراض القرنية، وأمراض العنبية، وأمراض الحدقة وأمراض المقلة.٦٦ فالقسمة عقلية تقوم على بنية عقلية مثل نظري-عملي، أصل-فرع، أحوال-علامات، داخل-خارج، وقاية-علاج، مفرد-مركب، كلي-جزئي.
ويحيل السابق إلى اللاحق، واللاحق إلى السابق، بالتذكير والتقديم والتأخير والتنبيه.٦٧ كما أنه يرد على الاعتراض مسبقًا، ويأخذه بعين الاعتبار في بنية العقل.٦٨
وبالرغم من الطابع الإبداعي الخالص إلا أن العبارات الإيمانية كثيرة ومتنوعة. فلا تعارض بين الإيمان والإبداع. الإيمان تقوى والإبداع عقل مثل: «والله تعالى أعلم»، و«الله أعلم»، إن شاء الله»، «والله هو الموفق للصواب». وقد يكبر التعبير ويصبح «مستعين بالله وحده لا شريك له وهو أعلم». وكثير من هذه العبارات زيادة من الناسخ لأنها توجد في بعض النسخ دون الأخرى مما يدل على قلتها في نص ابن النفيس لانشغاله ببناء العقل الخالص.٦٩

(د) القليوبي

وفي «تذكرة» شهاب الدين أحمد بن محمد سلافة القليوبي الشافعي من القرن الحادي عشر يظهر نوع أدبي جديد هو «التذكرة» بعد الجامع.٧٠ وهو أقرب إلى الكناش القديم أي مجرد تجميع أقوال، وصفات طبية مباشرة ذات توجه عملي ودون أي أساس نظري أو دلالة فكرية. فهو إبداع بالذاكرة أي القدرة على استيعاب المصب دون الروافد، وهو ما يتطلب قدرة على التركيز على الشيء دون رواته، على المتن دون السند. يخلو من أسماء الأعلام مثل جوامع ابن رشد. وفي نفس الوقت يغيب المنهج، قياسًا أو تجربة، أقرب إلى النتائج الجاهزة منه إلى البحث عنها: ومِن ثَم يغيب المسار الفكري، المقدمات والنتائج، ومنطق الاستدلال. ويرث الفقهاء الأطباء كما هو واضح في ألقاب المؤلف «الشافعي» بدلًا من «الحكيم الفاضل»؛ لذلك تدخل بعض الطلاسم والخرافات كوسيلة للعلاج وتحول الطب العلمي إلى طب شعبي.٧١

(ﻫ) ابن شقرون

وتعتبر «الأرجوزة الشقرونية» لعبد القادر بن شقرون من القرن الثاني عشر آخر محاولة في طب المغرب للتعبير عن الطب شعرًا دون إحالة إلى الوافد أو الموروث، بل عودًا إلى ثقافة العرب الأولى كأداة للتعبير عمَّا اختزنته الذاكرة العربية لما أبدعه العقل العربي سلفًا.٧٢ وهي من وزن الرجز، إجابة بالشعر على سؤال بالشعر. العصر انتكاس في الطب ولكن الشكل الأدبي إبداع خالص. تحول الشعر الغنائي العربي التقليدي إلى شعر تعليمي. واستطاع الشعر قبل الوحي احتواء الحضارة بعد الوحي كأداة للتعبير. ويغلب على الأرجوزة التوجه العملي، التغذية والصحة والعلاج بالأعشاب كما هو الحال في الطب المتأخر. ومع ذلك يعتمد الطب في الأرجوزة على العقل والقياس حتى يكون مفهومًا.٧٣ ولا حرج من تخصيص فصول للجماع والذَّكر. والموضوعات كلها محلية، الطب البيئي المباشر بمصطلحات عربية أصيلة كالخلق والطبع ومنهج التجربة والمجريات على المأكول والمشروب والملبوس. وذلك مثل الأبيات عن فواكه الفصول.٧٤ ويتم التعبير عن مضمون العبارات الدينية التقليدية شعرًا في البداية والنهاية على أساس العقائد الأشعرية. فالله خالق كل شيء، والطبيعة تعمل بأمره، الخير من الله، والشر من النفس، ودعوة الله للهداية. وتشتق صفات الله من الطب والنبات والطبيعة، والنهاية بالصلاة والسلام على الرسول وخير الأتباع.٧٥
١  ينسب إلى الكندي ٣٦١ رسالة، يذكر الوافد في ٢٦ رسالة منها أي حوالي ١٤٪ من مجموع التأليف مما يدل على قدر كبير من الإبداع. يذكر أرسطو (٦)، سقراط (٥)، إقليدس (۳)، أفلاطون (۲)، أرشميدس، أسقلاوس، فرفوريوس، بطليموس، أبقراط، جالينوس (١).
٢  مثل: رسالة في المقولات العشر، رسالة في سمع الكيان، تفسير كتاب أثولوجيا، مختصر كتاب أبوطيقا (الشعر)، تفسير كتاب سوفسطايقا (المغالطين)، شرح كتاب أبوديقطيقا (أنالوطيقا الثاني، البرهان)، تفسير أنالوطيقا الأولى (تحليل القياس)، مختصر كتاب باري أرمنياس (العبارة)، مختصر (جامع)، كتاب قاطيغورياس (المقولات)، كتاب الحروف، كتاب التفاحة، كتاب الخير المحض، تفسير كتاب المجسطي.
٣  في القول في النفس، المختصر من كتاب أرسطو وأفلاطون وسائر الفلاسفة، الرسائل ج۱، ص٢٧٢–٢٨١، في كمية كتب أرسطوطاليس وما يحتاج إليه في تحصيل الفلسفة ص٣٦٣–٣٨٣.
٤  رسالة في السبب الذي له نسبت القدماء الأشكال الخمسة إلى الأسطقسات، (السابق، ج۱، ص٥٤–٦٣).
٥  رسالة في تصحيح قول أسقلاوس في المطالع (مخطوط)، وتصانيف ص٧٥، أثولوجيا، أرسطوطاليس (مخطوط)، ص٦٩.
٦  مجموعة الرسائل (٨٣)، أفلاطون (١٧)، أرسطو (١٦)، سقراط، الإسكندر (٤)، فيثاغورس (٣)، أبقراط، مارينوس، نيرن (١).
٧  الرسائل الفلسفية الست: (١) في الفاعل القريب الحق الأول التام والفاعل الناقص الذي هو بالمجاز. (٢) في إيضاح تناهي جرم العالم. (٣) في مائية ما لا يمكن أن يكون لا نهاية له وما الذي يقال لا نهاية له. (٤) رسالة في وحدانية الله وتناهي جرم العالم. (٥) في الإبانة عن الصلة الفاعلة القريبة للكون والفساد. (٦) إنه توجد جواهر لا أجسام والرسائل العلمية الثماني. (١) في الإبانة عن أن طبيعة الفلك مخالفة الطبيعة العناصر الأربعة. (٢) في أن العناصر والجرم الأقصى كرية الشكل. (٣) في علة الثلج والبرد والبرق والصواعق والرعد والزمهرير. (٤) في الجرم الحافل بطباعه اللون من العناصر الأربعة والذي هو علة اللون في غيره. (٥) في العلة التي لها يبرد أعلى الجو، ويسخن ما قرب من الأرض. (٦) في علة اللون اللازوردي الذي يرى في الجو في جهة السماء ويظن أنه لون السماء. (٧) في العلة التي لها تكون بعض المواقع لا تكاد تمطر. (٨) رسالة في تلوُّن كون الضباب.
٨  هما: رسالة في وحدانية الله وتناهي جرم العالم، رسالة في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل.
٩  رسالة في ماهية النوم والرؤيا.
١٠  النسبة ٢ : ٤٢ وبإضافة الرؤيا ٣ : ٤٢ أي ٥٪ تقريبًا. وإذا أضيف المخطوط والمترجم تصبح النسبة ١٠٪. وإذا كانت رسائل الكندي ٣٦١ رسالة موضوعات الموروث منها ٢٧ رسالة أي نسبة ١٣٪ من مجموع التأليف في حين أن ٨٧٪ إبداع خالص.
١١  وهي: (١) مقالة في الرد على النصارى. (٢) الرسالة الحكمية في الأسرار الروحانية. (٣) رسالة في روحانيات الكواكب. (٤) رسالة في استحضار الأرواح. (٥) رسالة في الرؤيا والمنام، تصانيف ص٧٠–٧٩.
١٢  مثل: (١) القول في الرد على النصارى وإبطال تثليثهم على أصل المنطق والفلسفة، (٢) رسالة في الرد على المنانية في العشر مسائل في موضوعات الفلك، (٣) كتاب رسالته في الرد على المنانية، (٤) كتاب رسالته في الرد على الثنوية، (٥) كتاب رسالته في نقض مسائل الملحدين.
١٣  كتاب في الرد على المنانية، إحدى فرق الضلالة القائلين بالأصلين النوعيين، (٧) رسالته في ما بعد الطبيعة في الرد على المنانية، (٨) في موته دون كماله لسني الطبيعة التي هي ١٢٠ سنة (سِفر التكوين ٦: ٣ «لا تحل روحي على الإنسان أبدًا لأنه جسد وتكوين أيامه ١٢٠ سنة».) (٩) كتاب التوحيد المعروف بفم الذهب، الموضوعات الكلامية مثل: (١) كتاب في الفلسفة الأولى فيما دون الطبيعيات والتوحيد، (٢) كتاب في أن أفعال الباري جل اسمه كلها عدل لا جور فيها، (٣) كتاب رسالته في التوحيد من جهة العدد، (٤) كتاب رسالته في تثبت الرسل عليهم السلام، (٥) كتاب رسالته في الاستطاعة وزمان كونها، (٦) كتاب رسالته في التوحيد بتفسيرات (الآيات القرآنية)، (٧) كتاب رسالته في افتراق المال في التوحيد وأنهم مجمعون على التوحيد وكل قد خالف صاحبه، (٨) كتاب في إثبات النبوة، (٩) كلام له مع ابن الراوندي في التوحيد، (١٠) كلام دُوِّن على بعض المتكلمين، (١١) كلام في المبدع الأول، (١٢) رسالة إلى أحمد بن المعتصم في تجويز الدعاء من الله عز وجل لمن دعا به، (١٣) رسالة في أن ما بالإنسان إليه حاجة صلاح له في العقل جل أن يحظر.
١٤  رسالة في الإبانة عن سجود الجرم الأقصى وطاعته لله عز وجل، سؤال عن معنى وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ وفي كمية كتب أرسطوطاليس … قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ.
١٥  الارتباط ببعض المسائل العلمية في الرسائل ٧، ٨، ٩، ١٠، وبالطبيعيات في ١، ١٧، وبالحس في ١٨، وبالصناعة في ١٩. والكتب المنطقية المرتبطة بالصناعة في ٣١، وبالطبيعيات في ٣٠، وبالأصوات في ٢٩٠ وفي الطبيعيات التشابه بين رئيس البدن ورئيس المدينة في ١٢٥. وفي الفلكيات الرد على المنانية والجدل في ٢٥، وفي الأنواعيات (الكيمياء) في ٢٥. وكان من الأفضل في الرسائل المنشورة الفلسفية والعلمية تصنيفها حسب العلوم أو الموضوعات: الفلسفة وتشمل المنطق وما بعد الطبيعة (رسالتان)، والتصور الديني للعالم (٧ رسائل)، والنفس (٦رسائل)، والعلمية فيما يتعلق بالطبيعيات والفلك والآثار العلوية. (في الجزأين ٢٥ رسالة ١٤ فلسفية + ١١ علمية).
١٦ 
ابن أبي أصيبعة القفطي ابن النديم العلم أو الموضوع
٢٢ ٢٠ ٢٢ (١) الفلسفية
١١ ٩ ٩ (٢) المنطقية
١٠ ١١ ١١ (٣) الحسابيات
٨ ٨ ٨ (٤) الكريات (حساب الدوائر)
٨ ٦ ٧ (٥) الموسيقيات
٢٣ ١٨ ١٩ (٦) النجوميات
٢٥ ٢١ ٢٣ (۷) الهندسيات
٢٠ ١٤ ١٦ (۸) الفلكيات
٣١ ٢٤ ٢٢ (٩) الطبيعيات
٩ ٩ ١٠ (۱۰) الأحكاميات (المواليد)
٢١ ١٦ ١٧ (۱۱) الجدليات
٥ ٥ ٥ (۱۲) النفسانيات
١٢ ١٢ ١٢ (١٣) السياسيات
١٨ ١١ ١٤ (١٤) الإحداثيات (الأرصاد)
٩ ٨ ٥ (١٥) الأبعاديات (الجغرافيا)
٥ ٤ ٥ (١٦) التقدميات (التاريخ، الأخبار)
٤٢ ٣٢ ٣٣ (۱۷) الأنواعيات (الكيمياء)
٢٨١ ٢٢٨ ٢٤١ المجموع
٦١ ٦٢ ٦٥ مجموع العلوم الفلسفية
٢٥٪ ٢٧٪ ٢٧٪ نسبة العلوم الفلسفية
١٧  في مائية، رسائل ج٢ ص١٩٤، ١٨٤، ١٩٨، طبيعة الفلك ص٤٦، العناصر ج٢ ص٤٨.
١٨  هذه الرسائل هي: (١) مسائل سئل عنها في منفعة الرياضيات، (۲) في مسائل سئل عنها عن أحوال الكواكب، (٣) في جواب مسائل طبيعية في كيفيات نجومية، (٤) فيما سئل عنه من شرح ما عرض له الاختلاف في صور المواليد، (٥) في المسائل، (٦) في مدخل الأحكام على المسائل، (۷) في جواب أربع عشرة مسألة طبيعية سأله عنها بعض إخوانه، (۸) في جواب ثلاث مسائل سئل عنها، (٩) مسائل كثيرة في المنطق ونيره وحده والفلسفة، (١٠) مسائل في مساحة الأنهار وغيرها، تصانيف ص١١، ١٧، ٢٧، ٤٠، ٤٤، ٤٦.
١٩  العلة ج١ ص٢١٥-٢١٦، وحدانية الله ج١ ص٢٠١-٢٠٢.
٢٠  نصوص فلسفية مهداة، ص٦٥.
٢١  اللون ج٢ ص١٠٣، ١٠٨، الجرم الحامل ج٢ ص٦٤، ١٦٨ الثلج ص٨٠.
٢٢  الإبانة عن العلة الفاعلة القريبة للكون والفساد، الرسائل ج١ ص٢١٤–١٣٧، رسالة الكندي إلى أحمد بن محمد الخراساني في إيضاح تناهي جرم العالم، رسائل ج١ ص١٨٦–١٩٢.
٢٣  الكندي: السيوف وأجناسها، أخرجها عبد الرحمن زكي، المدرس المنتدب بمعهد الآثار.
٢٤  الحديد ينقسم إلى معدن وما ليس بمعدن أي الفولاذ. والفولاذ ينقسم إلى العتيق والمحدث وما ليس بعتيق ولا محدث ينقسم إلى غير مولد سليماني وغير مولد سرنديبي. والسرنديبية تنقسم إلى أربعة أقسام، والمولد إلى خمسة أقسام.
٢٥  الأنواع أحد عشر نوعًا وهي: اليمانية، القلعية، السلمانية، السرنديبية، البيض، الفرنجية، المولدة، المحدثة البصرية، الدمشقية، المصرية، الزمان.
٢٦  الكندي: رسالة فيما يطرح على الحديد والسيوف فلا تتثلم ولا تكل، ص١٥٩–١٧٦ وعنوانها في المتن في اتخاذ جواهر الحديد للسيوف وغيرها من الأسلحة وسقاياتها وأنواع الحديد التي تطبع بها السيوف وما يطرح فيها.
٢٧  وهذا عكس ما هو سائد في الحضارة الغربية أن العلم ضد الفلسفة وعلى نقيضها.
٢٨  وذلك مثل سير حنين بن إسحاق، الرازي، والغزالي. وسيرة البوزجاني عن ابن سينا.
٢٩  هذا على عكس الغرب الحديث الذي يفصل بين تاريخ العلم والعلم من أجل ضرب مؤامرة الصمت عن مصادره والترويج لأسطورة الإبداع العبقري الذاتي على غير منوال سابق.
٣٠  الرازي: تقرير حول الزكام المزمن عند تفتح الورد، تحقيق د. فريدون، زهاو، مجلة تاريخ العلوم العربية، معهد التراث العلمي، جامعة حلب، المجلد الأول، العدد الأول، ١٩٧٧م.
٣١  ابن سينا: من مؤلفات ابن سينا الطبية: كتاب دفع المضار الكلية عن الأبدان الإنسانية، كتاب الأدوية الطبية، الأرجوزة في الطب بالإضافة إلى أرجوزة في تدبير الصحة في الفصول الأربعة، دراسة وتحقيق د. محمد زهر البايا، معهد التراث العلمي العربي، جامعة حلب، ١٩٨٤م.
٣٢  عدد الأعمال: الطب (٤٣)، الرياضيات (٤١)، اللاهوت (٣١)، الفلسفة (٢٦)، علم النفس (٢٣)، المنطق (٢٢)، التفسير (٢).
٣٣  السابق، ص١٢-١٣، ٧٣، «إلا أن غرضنا في هذا الكتاب كما أمرنا به الاختصار وإفادة العمل دون إفادة حقيقة العلم، وأن نجتنب الكلام فيما كفيناه وسلف للمتقدمين فيه العناية به. فلذلك لم نشتغل بالمجتنبات، واشتغلنا بالمعدلات. فلنعد الآن أصناف الخطأ الواقع فيها لا على سبيل التقسيم بل على سبيل التصنيف والجمع بوجه كلي» (السابق، ص٥٣).
٣٤  «إن الشيخ الجليل أبا الحسن بن محمد السهلي، وهو من عرف بعلو الهمة، وشرف الأرومة، ومحبة العلوم الحقيقية، والأخذ فيها بالحق الأوفر وارتباط المبرزين فيها وتحصيلهم عنده من حيث كانوا واحدًا بعد واحد لما اصطنعني بنظمي في عقد جملته، وضمني إلى زمرته أمرني فيما أمر من الأوامر الحكمية أن أعمل كتابًا في رفع المضار الكلية للأبدان الإنسانية. إذ تأمل الكتب الطبية فوجدها قد صرف فيها أكثر العناية إلى تحذير الأمور الضارة، وقصر فيها كل التقصير في تدارك ما يقع للمتهورين الواقعين فيما حذروه المخالفين لما أمروا به. فتلقيت أوامره العالية بالطاعة بقدر الاستطاعة، ورجوت أن تنتج بركة طاعتي لولي نعمتي ضروبًا من التوفيق يقصر عنها ذات مقدرتي، واستعنت بالله نعم المعين.» (السابق، ص١١).
٣٥  إن الله تعالى خلق التجويف الأيسر من تجويفي القلب خزانة للروح ومعدنا لتولده. وخلق الروح الحيواني مطية للقوى النفسانية تسر بها في الأعضاء الجسدانية (السابق، ص٢٢١).
٣٦  السابق، ص٢٣٥-٢٣٦، ٢٤٧–٢٤٩.
٣٧  كتب الشيخ الرئيس … إلى الشريف السعيد أبي الحسين بن علي بن الحسين الحسيني. ورد على أمر السيد أن أجمع لمجلسه مقالة تشتمل على أحكام الأدوية القلبية أتحرى فيها الاختصار فتلقيته بالطاعة، وسألت الله التوفيق والعصمة … وقد حان لنا أن نتمم المقالة حامدين الواهب القوة على تتميمها ولله الحمد والمنة وهو حسبنا ونعم الوكيل (السابق، ص٢٢١، ٢٩٤).
٣٨  الأمور الطبيعية هي: الأركان (ماء، هواء، تراب، نار)، الأخلاط (صفراء، دم، سوداء، بلغم)، الأمزجة (مفردة، مزدوجة)، الأعضاء الأصلية (المني، الطمث، الجنين، التشريح)، الأرواح (عوامل نفسية، وحيوانية وطبيعية)، القوى والأفعال (الجذب والدفع). وأحوال البدن هي: الصحة والمرض ولا هذا ولا ذاك. والأسباب هي: الهواء، والطعام والشراب، وحركة البدن وسكونه، وحركة النفس وسكونها، والنوم واليقظة، والاستفراغ والاقتباس. والعلامات سواء الشعر وكثرة اللحم، وكثرة الشحم، والذكورة والأنوثة، وسرعة النبض، ورائحة البول ولونه وضعفه، ورائحة البراز ولونه، وكثرة النوم وقلته. والطب العملي يشمل حفظ الصحة الغذاء والشراب، والدواء، والأفعال، والأمكنة والفصول، وحالات التنفس وتشمل معالجة المرض الأغذية والدواء المفرد، والدواء المركب، وعدم الجمع بين الفصد والدواء، والاستحمام، والنوم، والسن … إلخ (السابق، ص٧–١٠).
٣٩  مثل:
وقسم العقل على البرية
والحس والحياة بالسوية
واعتلق الجميع بالطبيعة
فأكملت حكمته البديعة
فعند ذلك فاز بالفضيلة
من نزه النفس عن الفضيلة
(السابق، ص٩).
٤٠  «لما جرت عادة الحكماء وفضلاء القدماء بخدمة الملوك والأمراء والخلفاء والوزراء ورؤساء القضاة والفقهاء بتصانيف المنثور والمنظوم، وفي تواليف الصنائع والعلوم لا سيما شعراء الأطباء فإنهم كثيرًا ما وضعوا الأراجيز، وألقوا الكنانيش ليتبين ألكنهم من راجزهم وماهرهم من عاجزهم فأنتج ذلك اطلاع الملوك على القوانين الطبية والمناهج الحكمية، ولما رأيت صناعة الطب بأرض فارس عارية عن محاضرات المجالس ومناظرات البيمارستانات والمدارس وقد استباح الطب من لا مادة له من فتونه، ولا معرفة له بقانونه، ولا صورة له في نفسه، ولا سيما مع قلة درسه، فتصدر وتشيخ من لم يكن له في الصناعة رسخ. لذلك جريت على سنن القدماء، واتبعت سنن الحكماء، فخدمت حضرة سيدنا الوزير الفقيه الأجل القاضي السني المحل أطال الله بقاءه، وأدام عزه وعلاه، وكيت حسدته وعداه بهذه الأرجوزة المشتملة من الطب على جميعه ومن تقسيمه على بديعه، وكسوتها دار الكمال، وحلة الجمال بسهولة المضمون، وخفة الموزون لتكون أيسر طلبًا وأقل تعبًا. وهو إن نظر إليها بفهمه، وحصلت في خزائن علمه استعان فيها على العالم الجليل بالجرم القليل وحاز بين الصناع والرعاع والمبتدئ والمنتهي، والمحقق والممخرق، وإلى الله أرغب في المعونة إلى ما يقرب إليه ويزلفه لديه، فهو المستعان، وعليه التكلان.» (السابق، ص٨٩).
٤١  تشمل ١٤٧ بيتًا فقط.
٤٢  يقول:
راجيًا ربه ابن سينا
ولم يزل بالله مستعينًا
إن أسطقسات الوجود أربعة
أودع فيها الله سرًّا أبدعه
سبحانه أبدعها بحكمته
طبيعة قائمة بقدرته
(السابق، ص١٩٥).
٤٣  ابن النفيس: رسالة الأعضاء، دراسة تحقيق يوسف زيدان، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ١٩٩١م.
٤٤  هذا هو المذهب المشهور. وأما رأينا فيه فقد بيَّناه في كتابنا في شرح كتاب القانون للشيخ الرئيس أبي علي ابن سينا قدس الله روحه (السابق، ص٩٢).
٤٥  السابق، ص٩٧–١٠١، ١٦١–١٦٦، ١٦٩–١٧١، ١٧٥–١٧٨.
٤٦  السابق، ص١٠٥–١٠٧، ١١١–١١٣.
٤٧  السابق، ص٩٢، ١٣٥، ويمكن مقارنة ابن النفيس مع موريس ميولوبونتي في فلسفة الجسم والوجود في العالم.
٤٨  قال الفقير إلى الله تعالى علي بن أبي الحرم القرشي عفا الله عنه: إن المقدم العالي، المولوي، اللبيري السفهسلاري، المجاهدي، المرابطي، المؤيدي، المظفري، المنصوري، العالمي، العادلي، الحسامي، حسام الدين خليل أمير المؤمنين لا زال محروس الجناب، عالي الركاب، أجل من أن يخدم بالأشياء الدنيئة الديناوية … فرأيت أن أقدم بها (الرسالة) جرايته العالية لأشرفها باسمه، وأُعلي قدرها برسمه. (السابق، ص٨٧-٨٨).
٤٩  ابن النفيس، المختار من الأغذية، دراسة وتحقيق د. يوسف زيدان، الدار المصرية اللبنانية، القاهرة، ١٩٩٢م.
٥٠  ابن النفيس: الموجز في الطب، تحقيق عبد الكريم الغرباوي، مراجعة د. أحمد عمار، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ١٩٨٦م.
٥١  يذكر جالينوس مرة واحدة في آخر سطر في الكتاب كصاحب دواء، واستعملوا دواء جالينوس وغيره من العلاج المذكور (السابق، ص١٢٦).
٥٢  له مؤلفات أخرى شارحة. فقد شرح كتاب القانون في الطب لابن سينا كله في عشرين مجلدًا وشرح مفردات القانون. وشرح كتب بقراط كلها. كما شرح مسائل حنين بن إسحاق بالإضافة الي التعليقات على كتاب الأوبئة لأبقراط وعلى تكهناته في «شرح تقديمات المعرفة» (السابق، ص١٢–١٦).
٥٣  مثل: الشيخ الإمام العالم، الحبر الكامل، قدوه العلماء، ورئيس الحكماء، فريد عصره، ونسيج وحده المتطبب (السابق، ص٣١).
٥٤  رتب الكتاب على أربعة فنون: (١) في قواعد جزأي الطب النظري والعملي بقول كلي (٤٦). (٢) في الأدوية والأغذية المفردة والمركبة (٦١). (٣) في الأمراض المختصة بعضو عضو وأسبابها وعلاماتها ومعالجاتها (١٤٥). (٤) في الأمراض التي لا تختص بعضو دون عضو وأسبابها وعلاماتها ومعالجتها (٥٤) (السابق، ص٣١).
٥٥  النظري يشمل أجزاءً أربعة: العلم بالأمور الطبيعية، العلم بأحوال بدن الإنسان، العلم بالأسباب، العلم بالدلائل. والأمور الطبيعية سبعة: الأركان، المزاج، الأخلاط، الأعضاء، الأرواح، القوي، الأفعال. وتضم أحوال البدن الصحة والمرض ولا صحة ولا مرض. والطب العملي يشمل حفظ الصحة وعلم العلاج (التدبير والأدوية واليد). والأمراض العامة التي لا تخص عضو عضوًا ستة: الحميات، والبحران، والأورام، والكسر، والزينة، والسموم.
٥٦  مثل: سنبين ذلك (السابق، ص٢٨٤، ٧٨).
٥٧  السابق، ص٢٩٠.
٥٨  السابق، ص٣٥.
٥٩  السابق، ص٣١، ٣٦، ٤٦، ١١٢ فلنختم الكتاب حامدين لله ومصلين على خير رسله محمد وآله وصحبه. نجز في شهر ذي العقدة سنة ثلاث وتسعين وستمائة وحسبنا الله ونعم الوكيل (السابق، ص٣، ٦).
٦٠  ابن النفيس: المهذب في الكحل المجرب، تحقيق د. محمد ظاهر الوفائي، د. محمد رواس قلعة جي، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الدار البيضاء، ١٩٨٨م.
٦١  جالينوس (السابق، ص٥٧، ١٤٦)، لفظ اليوناني ص٧٣، ٢٥٧، ٢٧٤، الرسول (السابق، ص٢٠٨)، رؤية الرسول (السابق، ص٨٣).
٦٢  السابق، ص٨٦-٨٧.
٦٣  السابق، ص٢١٠.
٦٤  الفصل الرابع: في مذاهب العلماء في الرؤية. الخامس: في ذكر حجج القائلين بهذه الآراء. السادس: في إبطال آراء المخالفين ودحض حججهم ونصرة الحق الذي هو مذهبنا. (٧) في بسط الكلام في تحقيق مذهبنا وتثبيته. (٨) في شبه يمكن إيرادها على مذهبنا في الأبصار. (٩) في حل هذه الشكوك (السابق، ص٨٦-٩٧).
٦٥  السابق، ص٤٢–٤٦.
٦٧  وذلك في عبارات مثل: «وستعرف ذلك»، «كما ستعرفه»، «لما قدم ذكره، قبل ذلك» … إلخ.
٦٨  ويتضح ذلك من عبارات: «وليس لقائل أن يقول»، «ولقائل أن يقول»، «والذي نقوله نحن».
٦٩  والله تعالى أعلم (٥٠)، والله أعلم (٣٨)، والله أعلم وأحكم، والله تعالى أحكم وأعلم، والله تعالى أعلم وأحكم (١)، إن شاء الله تعالى (٦)، إن شاء الله (٢)، والله الموفق للصواب، والله هو الموفق للصواب (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب (٢)، والله أعلم وأحكم بالصواب، والله تعالى أعلم وأحكم وهو الموفق للصواب، والله تعالى الموفق للصواب، والله الموفق، وبالله التوفيق (١)، بإذن الله (١).
٧٠  شهاب الدين أحمد بن محمد سلافة القليوبي الشافعي: تذكرة، على هامش مختصر تذكرة الإمام السويدي في الطب، مكتبة القاهرة، بالصنادقية بالأزهر، لصاحبها علي يوسف سليمان (د. ت).
٧١  السابق، ص٨، ٨٨-٨٩.
٧٢  عبد القادر بن شقرون: الأرجوزة الشقرونية، تحقيق وتعليق د. بدر التازي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٨٤م، وتتكوَّن من ٦٧٤ بيتًا.
٧٣ 
(٣٧٤) القول في الخضر والبقول
كما اقتضته حكمة العقول
(٤٣٣) البرد طبعه كذا الترفاس
من كمأة كما اقتضى القياس
(السابق، ص١٢٣، ١٤١، ١٥٧).
٧٤  الأبيات من ١–٢١.
٧٥  الأبيات ٦٦١.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤