الشعر والشاعر١

هو وحي في شعاع القمر
يملأ القلب ضياءً وسلاما
أو حديث في حفيف الشجر
أفشت الريح له سرًّا فهاما
أو بكاء في حنين الوتر
ملأ الأنفس وجدًا وغراما
هو طلُّ الفجر فوق الزهر
يملأ الروض دموعًا وابتساما
ثم يبدو مثل قدح الشرر
بين خفق القلب والهم صداما
أو تراه كالوصايا العشر٢
بين ومض البرق والرعد كلاما
ذلك الشعر إذا ما ترجما
عن خفايا وحيه اللفظ المبين
رب شعر وحيه قد كتما
أبلغ الأشعار ما لا يستبين

•••

يخلق الشاعر خلقًا آخرًا
من خيال حائر فيه المدى
يجعل الليل غرابًا طائرًا
خاف نسر الصبح لما أن غدا
ويرى النجم شريدًا حائرًا
هام يبغي في الدياجي موردا
ويضيق الناس عنه ثائرًا
فيرى القصة خلقًا مسعدا
يبرأ الأبطال فيها ساحرًا
فتراهم في البرايا خلدا
مثلًا في البر يبقى سائرًا
أو حليف اللعن يبقى أبدا
كم هدى الشاعر قبلًا أممًا
ودعا فيها إلى العز المكين!
وبنى للمجد فيهم سلمًا
فاستقاموا للمعالي صاعدين!

•••

وجه من يهواه روض ناضر
ألفت فيه من السحر معاني
ومن الطرة ليل كافر
ضللت فيه دموع وأماني
دولة الحسن، عليها ساهر
نابل من طرفه، والحاجبان
ومن الهجر جحيم ساجر
ومن الوصل فراديس الجنان
غضبة الشاعر ليل زافر
جلل الأرض بنار ودخان
ورضا الشاعر صبح سافر
ملأ الأرض بنور وأمان
يصبغ العالم ما شاء كما
لعبت باللون أيدي الراسمين
فإذا شاء أراه مأتمًا
وإذا شاء فعُرس الفرحين

•••

ويلف السحب من نيرانها
في إهاب الغيظ والحقد الكمين
ويسل البرق من أجفانها
سيف ثأر مصلتًا للظالمين
ويقود المزن من أرسانها
بيد الريح شمال أو يمين
ويعد الرعد من تحنانها
حين يروي الأرض بالغيث الهتون
أو يرى فيه صدى طغيانها
رددته رهبة للسامعين
ويقيم الطير في أفنانها
شاديات باكيات كل حين
ويرى النهر دموعًا ودمًا
في عراك الدهر والقلب الحزين
أو يرى الصفحة سردًا محكمًا
نسجته الريح بين الناسجين

•••

ويرى الورد ضحوكًا طربًا
إذ تحليه من الطل درر
فإذا الورد ذوى واكتأبا
حسب الطل هو الدمع انتثر
ويرى البانة قدًّا معجبًا
ماس في الروض دلالًا وخطر
ويرى الجدول صلًّا هاربًا
في ظلال الأيك أعياه الوزر
ويظن الريح دارت لعبًا
في ذرى الأشجار تلهو بالطرر
ويخال الطير غنى مطربًا
يقرأ الحسن بصفحات الزهر
ضاق هذا العيش إلا حلمًا
راق في الأحزان نوم البائسين
تضحك الآمال فيه كلما
أبكت الآلام عيش الكادحين

•••

صاح والشاعرُ في نظراته
يخرق الستر إلى سر الضمير
فيرى الآمال في طياته
ودبيب الحزن فيه والسرور
يكشف المحزون عن أناته
ويراه الناس في ثوب الحبور
ويجلي الحب عن سوءاته
وجميع الناس منه في غرور
ويرى المحسن في هالاته
حين يخفي فضله كل كفور
فشعاع الشعر في ومضاته
كاشف للناس عن ذات الصدور
يقرأ الشاعر ما قد أُبهما
في ضمير الدهر آلاف السنين
ويرى الغائب مشهودًا كما
بَصُر الهدهد بالماء المعين

•••

يجهد الشاعر طول العمر
فيرى الآمال يأسًا ومحالا
فتراه مثل بازٍ صرصر
ملأ اللوح صياحًا وصيالا
أو تراه مثل ليث هصر
عض في الأسر قيودًا وحبالا
ثم يلهو بجمال الزهر
كاتمًا في الصدر غمًّا ووبالا
فتراه عندليب الشجر
واصفًا في الروض حسنًا وجمالا
أو تراه كحمام هدر
رتل الحزن نشيدًا فأطالا
صاح ما الشعر سبيلًا أممًا
هو صهر القلب في نار الشجون
صاح ما الشعر كلامًا، إنما
هو ذوب النفس أو ماء العيون
١  الاثنين أول رمضان سنة ١٣٥٢ﻫ/١٨ ديسمبر سنة ١٩٣٣.
٢  يروى أن وصايا موسى الكليم أُوحيت إليه في جو مبرق مرعد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤