القرار

صباح جديد، كنت أريد رؤية الشمس، أذكر آخر مرَّة رأيتها يوم حرقت «توحة» سيارتي، كنت أحنُّ اليوم كثيرًا لحياتي، استيقظت نشيطًا، استحممت سريعًا، وارتديت حلَّة رسمية، وأعددت القهوة، وانتظرت «ابنة القمر» بشطائرها، أعددت كل شيء، أو هكذا ظننت.

لكنها لم تكن بمفردها اليوم، كانت بصحبة «الراعي»، تعجَّبْت، فكلاهما كان يرتدي ملابس رسمية، وكأنه يوم مميَّز، لم أشعر بارتياح، تبدَّدت كل ترتيباتي لليوم بقدوم الكاهن الأعظم معها، بَدَوْت فاترًا أمام ابتسامته العريضة وهو يُطالع مشروعه الفني، ولم لا يفخر، قد حول شابًا من اللاشيء لرئيس جمهورية.

تعلمت كل شيء عن التقاليد الرئاسية والمراسم؛ كيف أقف؟ متى أبتسم؟ كيف أُعبِّر عن كلِّ شيء بلغة الجسد؟ لم يختلف الأمر عن تجارب الأداء لأي ممثل، تعلَّمت أن أؤدي دور رئيس الجمهورية، لكنني لم أتعلم أن أكون رئيسًا.

ابتسمت له محيِّيًا وأَنا أُقَبِّل يد نيرمين بشكل مسرحي بعض الشيء، أخجلها تصرُّفي وشعرتُ بأَناملها تحاول الفكاك مني، اعتدلتُ وصافحته، ودعوتهما للجلوس.

– يبدو أنك جاهز الآن سيادة الرئيس (قالها الراعي).

– الأمر يعود لرأي السيدة نيرمين، سيد كمال (قلتها ناظرًا لها بابتسامة أربكتها).

أشادت «نيرمين» بتميُّزي وأثنت عليَّ كثيرًا، كما أثنت على كبير الكهنة، مرت لحظات من الصمت وكأن الجميع في انتظار إطلاق صفارة الانطلاق لقصر الرئاسة، لكن كعادتي كان لي رأي آخر.

– لن أذهب (قلتها بهدوء).

– عفوًا! (سأل الراعي وبدت على نيرمين الدهشة.)

– لن أذهب إلى قصر الرئاسة؛ فلست رئيسًا.

– هل تظنُّها لعبة؟! هل تعلم ما تكلفنا حتَّى نصل بك لهذا؟

– ليست لعبة، ويمكنك اعتبار أنَّني فشلت.

– لكنك تعرف جيدًا مصير من يفشل.

– لن أفاوضك على حياتي، بينما أنت مستعد لمفاوضتي على الاستمرار، هذا هو الفرق.

– هل تترك كل شيء من أجل لا شيء؟!

– لا أحد يحصل على كل شيء، ولا أحد سيمنعني عن اللاشيء.

تلاشى سقف الغرفة بسُحُب الدخان والغضب، كنت أنفث دخان سجائري و«الراعي» ينفث غضبه، و«نيرمين» تحاول تهدئة الموقف أو على الأقل فهمه، فسألَتْ بتودُّد: «لماذا؟»

لم أكن أريد أن أبدو غريبًا فابتسمت لها قائلًا: «لم يكن ضمن أحلامي أن أصبح رئيس جمهورية، أو وزيرًا، أو محافظًا، ولم أجد لديَّ القدرة على تغيير أحلامي، أنا أحلم بفرصة، أعلم أنَّها لن تتحقق؛ فحياتي قبل أن آتي هنا والتي قد ترونها لا شيء كانت هي «الكل» شيء بالنسبة لي، لست أنا من يعيش خلف قناع ورهن نظرات كبير الكهنة، ببساطة لو كنت أرغب بالتمثيل لكنتُ مثَّلت مع أصدقائي من البداية، سيدتي، السيد «كمال» لا يحتاج لرئيس جمهورية، بل لممثل فشل في مواجهة الكاميرات، يُعِدُّه، يُدرِّبه، ليصل بالكثير لمستوى كومبارس متكلم …»

لم أكن أدري أنَّني أثرت غضب «كمال الراعي» للدرجة التي جعلته يصيح فيَّ مهدِّدًا متوعِّدًا، وبأنَّني قد انتهيت ولن تُشرق الشمس عليَّ مرَّة أخرى. حاولت «نيرمين» تهدئته، نجحت لحدٍّ كبير، همست إليه بأنَّها ستتولَّى الأمور، وكل شيء سيكون على ما يرام.

– هل تقبلين الزواج بي؟ سألتها.

– عفوًا؟ قالتها باستنكار وأضافت: «أتزوجك لتصبح رئيسًا؟»

– لا تتزوجيني قبل أن يقتلني السيد كمال.

كانت جملتي الأخيرة وابتسمت بعدها، لم يبقَ إلَّا الكلمة الأخيرة للراعي: «لن يعرف أحد شيئًا عنك، لن يعرف أحد مصيرك …» قالها وقام وأشار لنيرمين لتلحق به، ولأنَّني كنت حريصًا على إفساد متعته، قرَّرت أن تكون الكلمة الأخيرة لي «كلاكما يعرف مصيري …»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤