بحور الشعر
قد يَغضَبُ العَرُوضُ من تَجاسُري،
أو تضحك الأشعارُ من تهوُّري،
إذا تلاطمَت في نظمي البحورْ،
وأثمرَت شُجَيرتي
ما لم يدُر بخاطر الجذوعِ والجُذُورْ؛
فالراجزُ ابنُ عصرِنا لا يأنَفُ الهَزَجْ
إذا به امتزَجْ،
أو استحال «كاملًا» برغم يأسِهِ
وخانَهُ في جَهْره وهمسِهِ،
أو خال أمواجَ «الرَّمَلْ»
إذا تلصَّصَت بين الثَّبَجْ
متاعَ كلِّ راكبٍ متن اللجَجْ
من الزِّحَافِ والعِلَل!
وإن تمازجَت «أهزاجُه» و«وافرُه»،
أفتى بأنَّ شِعْرَه مَشاعرُه،
وصاح محتجًّا بقولٍ يعصمُه:
«الشعر صعبٌ وطويلٌ سُلَّمُه.»
لكل عصرٍ في القَرِيض لُغتُهْ،
وكل شاعرٍ لديه مذهبُهْ،
لكنني واللهِ ما قصدتُ أن أُشاركَ الأمراءَ ألحانَ الفَخارْ،
أو أن يُتوِّجَ هامتي إكليلُ غارْ،
ولستُ أرجو موقعًا بين السحابِ أو تسنُّمَ الذُّرا،
أو أطلب المعالي أو أُناجِز العُلا،
فإن صوتيَ الحميمَ واهنٌ خَفيضْ،
هَيْهاتَ أن أَشْدو كمِثْل معبدٍ أو كالغَريضْ،
وكلُّ ما لديَّ من رؤًى بعضُ وَمِيضْ،
سوانحُ القَريضْ،
أمشاجُ أنغامٍ تناهَتْ للأُذُنْ
وقتَ المِحَنْ،
وأنا أُطِلُّ مِن عَلٍ،
فأرى محيطَ الدهرِ يبتلعُ الزَّمَنْ
والماءُ طوفانٌ يفورُ إلى القُنَنْ.
مَن يعصمُ الإنسانَ مِن أمرِ الإلهِ إلا مَن رَحِمْ؟
في الكونِ دَوَّاماتُ ريحٍ صَرْصرٍ وعاتيَة
هل كنتُ نفسًا لاهِيَة؟
هَلِ استمعتُ للنَّذيرِ عندما جاءَ النَّذيرْ؟
ما أَقْبحَ البسمةَ في وجه المَنُونْ!
المدُّ يعلو والسَّفينُ يضيعُ في لُججِ الهَديرْ
«هذا الَّذي كُنتُمْ به تَسْتعجِلُونْ.»
هل آنَ للأمواهِ أن تَغِيضْ؟
أمواجُ نَفْسٍ هاجَ في أرجائها بحرٌ عَريضْ،
شَاقَها شطُّ الأمانْ،
تاقَتْ إلى الوَرْقاءِ والزَّيتونِ والرَّوْضِ الأريضْ،
وللأماسيِّ الحِسانْ،
الغافلاتِ عن الزمانْ،
وبَوَارقِ الأحلامِ في عُليا الجِنانْ.