الرسائل الشفرية … هي الحل!

لم يتحرك «أحمد» من مكانه، فقال قائد المجموعة التي كانت تحمل المسدساتِ: من أنت؟

لم ينطق «أحمد» مباشرة، وإن كان قد نظر إلى دكتور «بالم»، الذي رفع يده، وهرش رأسه في حيرة. فهِم «أحمد» فيم يفكر دكتور «بالم». انتظر لحظة، غير أن القائد كرر السؤال.

لم تكن إجابة مقنعة يمكن أن يرد بها «أحمد»، وإن كان قد نظر إلى القائد في شك، حتى إنه قال: إنني أسألك: هل تشك في وجودي؟

تذكر «أحمد» فجأةً اسم «دونهايم»، فقال في هدوء: إنني رسول مستر «دونهايم» إلى دكتور «بالم».

كان اسم «دونهايم» كافيًا ليجعل القائد ينظر له في هدوء، وهو يقول: وكيف دخلت هنا، قبل أن تمر علينا؟

ابتسم «أحمد» بعد أن عرف أن اسم «دونهايم» له تأثيره الخاصُّ عند الرجل، فقال: الحقيقةُ أنني لم أجد أحدًا بالبوابة.

ظهرت الدهشة على وجه الرجل، حتى إن «أحمد» ظن أنه أخطأ التفكير.

سأل القائد: وهل تعرف مكان البوابة؟

فجأةً، بدأ الرجال حول القائد يسعلون، بل إن بعضهم استند إلى الحائط القريب منهم، وكأنهم يوشكون على الإغماء. لمعت عينا «أحمد»، فقد فهم ما حدث.

قال «أحمد» وهو يتشمَّم الهواء: هناك شيء غير عادي …

كان القائد قد التفت إلى رجاله ليرى ما حدث. فكر «أحمد» بسرعة أن ينتهز الفرصة، ليقوم بحركة سريعة، يضرب بها القائد المشغول، لكنه لم يفعل ذلك؛ فهو يعرف أن كل شيء سوف ينتهي دون أن يلجأ إلى العنف. ازداد السعال، حتى إن القائد بدأ يسعل هو الآخر.

أسرع «أحمد» بإخراج كبسولات من حقيبته، وقدم واحدةً للدكتور «بالم»، ثم بلع «أحمد» واحدةً، وهو يقول: إن الهواء مسمم، وهذه الكبسولات ضد التسمم، أرجوك ابتلعها فورًا …

نظر دكتور «بالم» إليه في دهشة، كان هو الآخر، قد بدأ يسعل سعالًا خفيفًا فأسرع يبتلع الكبسولة. بدأ الرجال يتساقطون بتأثير الغازِ السامِّ الذي تسرب إلى الحجرة. استند القائد إلى الحائط، وهو يسعل بشدة، كان هو الوحيد الذي لم يسقط بعد …

ابتسم «أحمد» وهو ينظر إلى دكتور «بالم»، ثم قال: هل تثق فيما أقوله؟

لم يرد «بالم» … وإن كانت الدهشة قد ظهرت على وجهه؛ فقد رأى «خالد» يظهر في الباب.

نظر «أحمد» في نفس اتجاه نظرات «بالم»، ثم ابتسم وقال: إنه صديقي …

كانت الدهشة تملأ وجه «خالد»، عندما رأى «بالم» رقم «١» و«بالم» رقم «٢»، نظر إلى «أحمد» الذي ابتسم وهو يقدمهما إليه: دكتور «بالم» الحقيقي … ثم أشار إلى الآخر، وقال: «بالم» الصورة.

كان يتحدث بلغة الشياطين، حتى إن «د. بالم» أبدى دهشته عندما سمع حديثه بالعربية …

سأل «أحمد»: هل كل شيء على ما يرام؟

قال «خالد»: إن الشياطين لا يزالون في الانتظار.

لقد استطعت أن أمرَّ إلى الداخل بعد معركة سريعة، بعد أن رأيت الهجوم الذي بدأ منذ قليل. ولم يكن هناك مفرٌّ من استخدام الغاز السام.

هزَّ «أحمد» رأسه، ثم قال: لقد فكرت فكرة جيدة، ولولاها لكنت الآن في موقف حرج.

كانا يتصرفان بهدوء، وقد فعل «أحمد» ذلك، حتى يعطي لنفسه فرصةً للتفكير. إن الموقف الآن يحتاج إلى الدقة، حتى يمكن الخروج بالاثنين دون أن يصاب أحدهما بسوء.

قال يخاطب دكتور «بالم»: هل يسمح سيدي بصحبتنا إلى الخارج؟

تردد «بالم» قليلًا، ثم قال: الحقيقة أنني لا أدري ماذا أفعل الآن. لقد بدأت أصدقك تمامًا، لكني أخشى أن يكون في الأمر خدعة؟

ابتسم «أحمد» وقال: ثق تمامًا أنها ليست خدعة، وأننا نعمل من أجل إنقاذكما.

فجأةً ظهر أحد الرجال مسرعًا، ثم وقف مشدوهًا عندما رأى كومة من الرجال، ورأى «أحمد» … و«خالد». قال بسرعة: ماذا حدث يا دكتور «بالم»؟

تردد «بالم» قليلًا، لكنه قال في بطء: أقدم لكما مستر «دونهايم».

كان «أحمد» و«خالد» يفكران بسرعة في التخلصِ من هذا الرجلِ، لكنهما عندما سمعا اسمه فكرا بطريقة مختلفة. إن التخلص من «دونهايم» ليس مسألة صعبة، لكنهما يريدان أن يكسبا الموقف في وجوده. إن كشفه أمام دكتور «بالم» سوف يجعل «بالم» يثق فيهما تمامًا، ويمكن بعدها أن ينصرف معهما.

قال «أحمد»: مستر «دونهايم» هل تعتزم صحبة دكتور «بالم» الآن؟

نظر «دونهايم» إليه لحظة، ثم قال: من أنتما؟ ولماذا تسألني هذا السؤال؟

ابتسم «أحمد» وقال: إنني أعتقد أنك سوف تأخذ «بالم» الجديد؛ لأنه يمثل أول انتاج لتجربةِ دكتور «بالم» … أليس كذلك؟

نظر إليه «دونهايم» نظرة جامدة، ثم قال: سوف أرى.

استدار ليعود، ثم فجأة لفَّ بسرعة وهو يُصوب مسدسه إليهما. كان «أحمد» و«خالد» قد توقعا أيَّ تصرف غادر منه؛ ولذلك فقد قفزا مبتعدَين. ولم تكن حركته ثابتةً، فقد اهتزَّ المسدس في يده، وأصابت الطلقة ذراع «بالم» رقم «٢». في نفس اللحظة التي كانت قد خرجت طلقتان في وقت واحد لتستقرا في يده، التي طار منها المسدس، أمسك «دونهايم» بيده، وهو يئنُّ. فلم يكن يستطيع الحركة، في الوقت الذي انشغل فيه دكتور «بالم» بإنتاجه الآلي المتقدم.

حاول «دونهايم» أن يقفز هاربًا، إلا أن «خالد» كان أسرع من البرق إليه، فضربه ضربةً قويةً جعلته يسقط على وجهه.

انضم «أحمد» إلى دكتور «بالم»، الذي قال: إنني الآن أثق فيك ثقة كاملة. تصرف كما تريد، وسوف أكون طوع أمرك …

قال «أحمد»: يجب أن ننصرف الآن، قبل أن يحدث شيء.

أسرع الجميع بالخروج من الحجرة، وبدءوا يهبطون السلم. توقف «أحمد» لحظةً، ثم أرسل رسالةً إلى الشياطين، قال فيها: انضمُّوا إلينا عند المبنى رقم «٥».

ثم أسرع إلى الباقين الذين كان يتقدمهم «خالد»، نزلوا إلى الصالة المتوسطة عند نهايةِ السلمِ، وأصبح الباب أمامهم مباشرةً.

قال «أحمد»: انتظروا، يجب أن نتأكد أولًا …

أرسل رسالةً إلى الشياطين، هل الطريق آمنٌ حول المبنى؟

انتظر لحظة، ثم جاءه الرد: تقدموا …

أخرج الجهاز الصغير، ثم ضغط الزرَّ فانفتح الباب. كان «بالم» الأول يراقب ذلك في دهشة؛ فهو لا يتصور أن شابَّين في عمر «أحمد» و«خالد»، يمكن أن يتصرَّفَا بهذه الطريقة. تقدم «أحمد» في حذر، وبدأ يخرج من الباب، غير أن الطلقات نزلت كالمطر. وفي أقل من ثانية، كان قد انبطح أرضًا، في نفس الوقت الذي كان «خالد» و«بالم» الأول والثاني لا يزالون داخل المبنى. تراجعوا إلى الخلف، وفي نفس الوقت الذي زحف فيه «أحمد» إلى الداخل هو الآخر، ثم أغلق الباب بواسطة الجهاز. كان واضحًا أن المكان محاصر.

أرسل رسالةً إلى الشياطين يسألهم: ماذا حدث؟

انتظر الردَّ، غير أن الردَّ تأخر، فقال «خالد»: يبدو أن الشياطين قد اشتبكوا معهم.

فجأةً جاءه الرد: ينبغي ألا تخرجوا الآن. لقد اشتبكنا معهم، كان هناك كمين في مواجهة المبنى.

نقل «أحمد» الردَّ إلى «خالد»، ثم قال: عليك أن تقوم بمهمة حراسة الدكتور، وسوف أنضمُّ إلى الشياطين.

تحرك «أحمد» في اتجاه الباب، لكن حركته لم تكتمل؛ فقد قال دكتور «بالم»: دعوني أشترك معكما في هذه المعركة …

ابتسم «أحمد» وقال: سوف ننتهي منها سريعًا. إن هناك زملاء لنا في الخارج، عليكما بالتصرف مع «خالد»، والخروج من المبنى؛ خوفًا من التفكير في تدميره.

صمت لحظةً ثم ابتسم قائلًا: إن زميلي يستطيع أن يدبِّر لكما طريقة الخروج. المهم أن تثقا فيه.

ثم فتح الباب بالجهاز، وانهال الرصاص عليه، لكنه انبطح أرضًا، وأخذ يزحف ملتصقًا تمامًا بالأرض. وحتى يكون بعيدًا عن مرمى النيران، ظل يزحف، حتى دخل بين النباتات الموجودة.

اعتدل وأرسل رسالةً إلى الشياطين: أين أنتم؟

جاءه الرد بسرعة: في ثلاثِ نقط، ل و ك و ي …

حدد أماكنهم، ثم بدأ يأخذ مكانًا ملائمًا. كانت الطلقات لا تزال تُتَبادل بين الجانبين. أطلق «أحمد» دفعةَ طلقات، فعرف الشياطين مكانه. بعدها بدأ يستخدم الإبر المخدرة، حدد مكان إحدى المجموعات، ثم أطلق عدة إبر، وانتظر. كانت النتيجة ممتازة، فقد أصبحت النيران هذه المرة أقلَّ. ففهم أنه أصاب بعضهم. أرسل رسالةً إلى الشياطين، يطلب منهم استخدام الإبر المخدرة بدلًا من الرصاص. وبدأ الشياطين تنفيذ فكرة «أحمد». بعد نصف ساعة كانت كمية النيران أقلَّ فعلًا.

فجأةً جاءته رسالة من «خالد» تقول: الموجة «س» استمع … أدهشته الرسالة، لكنه بسرعة أخرج جهاز الاستقبال، وغيَّر الموجة، وبدأ يسمع. التقط بعض الكلمات، التي كانت تبدو أنها آخرُ رسالة. كانت الكلمات بعض الرجال. الموقف «ج». فكر قليلًا، ثم قال لنفسه: إنها رسالة إلى مقرِّ العصابة. إن هذا يعني أن المعركة سوف تكون حادَّة، ما لم تنتهِ الآن. أخذ يفكر: كيف يمكن أن تنتهي المعركة الآن؟

في لحظة، اتخذ قرارًا. أرسل رسالة إلى «خالد»، تقول: «استخدم الخطة «ق»، ومعك «بالم» الأول والآلي.»

جاءه الردُّ: نريد استطلاعًا قبل تنفيذ الخطة … فكر لحظة، ثم أرسل رسالة إلى الشياطين يشرح لهم ما ينوي تنفيذه، وافقوا جميعًا على الخطة، فبدأ التنفيذ. زحف من مكانه، ودار حول المبنى الخامس، حيث يوجد الهدف الحقيقي للمغامرة، دكتور «بالم» … وعندما أصبح خلف المبنى تمامًا، أصدر عدة أصوات بشرية واستمع. كان ينتظر أن يردَّ عليه أحد، إلا أنه لم يسمع شيئًا.

قال بصوت مختلف: إنهم يتقدمون يا مستر «دونهايم»! انتظر أن يسمع أيَّ صوت آخر، لكنه لم يسمع شيئًا. فهِم أن المنطقة ليس فيها أحد. أرسل رسالة سريعة إلى «خالد»، قال في الرسالة: «نفِّذ الخطة، المكان آمن.»

ظلَّ قابعًا في مكانه، في انتظار ظهور «خالد» ومعه دكتور «بالم». كانت الأشياء قد بدأت تتضح. نظر إلى السماء، فرأى بدايات الفجر. قال في نفسه: إن الموقف سوف يتعقَّد، لو طلع النهار، دون أن تنتهي المغامرة …

فجأةً، قفزت إلى ذهنه فكرة، أخذ يقلبها في شتى الاتجاهات، ويضع لها شتى الاحتمالات، لكنها في النهاية كانت خطة طيبة. إن المهم الآن، هو إنقاذ دكتور «بالم» … وهذه مسألة يمكن تحقيقها مع بداية أول ضوء للنهار الذي أوشك أن يظهر. أرسل فكرته في رسالة شفرية إلى الشياطين. كانت الرسالة الشفرية: «١٢ – ١ – ١٦ – ٢٣ – ٢» وقفة «٢٦ – ٢٣ – ٢٨ – ٢٧ – ٢٢ – ٢٧ – ٢– ٣ – ١٠» وقفة «١٠ – ٢١ – ٢٤» وقف «٦٠٠» «٢٣ – ٢٥ – ٢١ – ٢٣» وقفة «٢ – ١ – ٢٣ – ٢٤» وقفة «١– ٢٣ – ٢٨» وقفة «١ – ٢٣ – ٢٤ – ٢٦ – ١ – ١٠» وقفة «٦ – ٢٨ – ٤» وقفة «٣ – ٢١ – ٢٠» وقفة «١٦ – ١ – ١– ١٠ – ٣ – ٢٥ – ١» وقفة «١ – ٢٥ – ١٢ – ٦ – ١ – ٢» وقفة «٣ – ٢٠ – ٥ – ٢٨ – ١٠» انتهى.

انتظر لحظة، ثم بدأ يتلقى الرد الذي كان بالشفرة أيضًا، كان الرد: «٧–١٦–٢٦» وقفة «٥–٢٨–٨–٢٦» وقفة «٢٥ – ٢٠ – ٩» انتهى. أرسل «خالد» رسالة شفرية: «١ – ١٢ – ٣ – ١٨ – ٨» انتهى. وفي نفس الوقت أرسل عميل رقم «صفر» رسالة شفرية: «١٦ – ١ – ١ – ١٠ – ٢٦» وقفة «٢٦ – ٢٣ – ٢٨ – ٢٧ – ٢٢ – ٢٧ – ٢ – ٣ – ١٠» وقفة «١٠– ٢٣ – ٢٤ – ٢ – ٢٥ – ٢٨» وقفة «١ – ٢٣ – ٢ – ٢٧ – ٥ – ٢٨ – ٢٦» انتهى. انتظر قليلًا، وبدأ يتلقَّى الرد: «١٨ – ٢٣ – ٢٤» وقفة «٧ – ٢٨» وقفة «١ – ٢٣ – ١٦ – ١٠ – ٢٨ – ٢١» انتهى … وبعد أن تبادل الرسائل، لم يكن أمام الشياطين سوى الانتظار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤