الاطلاع على الأديان
وقد تركت هذه الكلمات عظيم الأثر في قلبي، ولا يزال صداها يتردد في أذني، فوجدت أن قيمة الكتاب لا تقدر بثمن، وقد أخذ هذا الانطباع في النمو حتى أصبحت أؤمن بأن هذا الكتاب هو الأكثر واقعية في تناول معرفة الحقيقة، وقد قدم لي مساعدة جليلة في الأوقات العصيبة. قرأت تقريبًا جميع الترجمات الإنجليزية التي تناولت «الجيتا»، وأرى أن أفضلها ترجمة السير إدوين أرنولد. فقد كان أمينًا في نقل النص، بالإضافة إلى أن ترجمته تبدو كنص إبداعي وليس عملًا مترجمًا. ومع أني قرأت «الجيتا» مع هذين الصديقين، لا أزعم أنني تدارستها وقتها، فلم أبدأ في قراءة الكتاب بصورة يومية إلا بعد مرور بضع سنوات.
قابلت، في نفس الوقت تقريبًا، مسيحيًّا صالحًا من مانشستر في فندق يقدم الأطعمة النباتية. وحدثني عن المسيحية، وأخبرته عن ذكرياتي في راجكوت عن المسيحية. وقد آلمه ما قصصت عليه من أحداث. قال لي: «أنا نباتي، ولا أشرب الخمر. ولكن للأسف يتناول الكثير من المسيحيين اللحم ويشربون الخمر، لكن الكتاب المقدس لم يأمرنا بذلك. من فضلك، اقرأ الإنجيل.» قبلت نصيحته، فأحضر لي نسخة من الإنجيل، وأظن أنه كان يبيعه، فاشتريت منه نسخة تحتوي على خرائط وفهرس أبجدي وغيرها من الوسائل الإيضاحية المساعدة. وبدأت في قراءة الكتاب، لكنني لم أستطع قراءة العهد القديم، فقرأت «سفر التكوين»، أما الفصول التي تلته فكانت دائمًا ما تجعلني أشعر بالنعاس. إلا أنني قرأت الأسفار الأخرى بقدر أكبر من الصعوبة ودون اهتمام أو فهم، وذلك فقط لأستطيع القول بأنني قرأت الكتاب. وكذلك أعيتني قراءة «سفر العدد».
ومع ذلك، خلَّف العهد الجديد لديَّ انطباعًا مختلفًا تمامًا، خاصة «عظة الجبل» التي أُشرب قلبي حبها. قارنت ما جاء بموعظة الجبل بما ورد في «الجيتا». وكم أسعدني الجزء الذي يقول فيه المسيح: «وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا. ومن أخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضًا.» فتذكرت قول الشاعر الجوجراتي شامال بات: «أعط وجبةً شهيةً لمن منحك جرعة ماء» وغيره. حاول عقلي الصغير أن يدمج تعاليم الجيتا وكتاب «ضياء آسيا» وتعاليم موعظة الجبل، فكان الإنكار للذات أجلَّ موعظة دينية أعجبتُ بها.
ولم أتمكن من الاطلاع على المزيد من الأديان في ذلك الوقت نتيجة لانشغالي بالمذاكرة استعدادًا للامتحانات. ولكن رسخت في ذهني أهمية قراءة المزيد من الكتب الدينية والاطلاع على جميع الديانات الرئيسية.
في ذات الوقت تقريبًا، توفي برادلاف، ودفن في مقبرة ووكينج، وشيعتُ الجنازة كما شيعها — على ما أظن — جميع الهنود المقيمين بلندن، وحضر عدد من رجال الدين لتأدية القداس الأخير، وكان علينا انتظار القطار في طريق عودتنا من الجنازة، فقام أحد الملحدين وحاول إحراج أحد رجال الدين قائلًا: «حسنًا يا سيدي، هل تؤمن بوجود الإله؟»
قال الرجل الصالح بصوت منخفض: «أجل.»
قال الملحد بابتسامة مليئة بالثقة: «وتتفق معي أن محيط الأرض يبلغ ٢٨٠٠٠ ميل، أليس كذلك؟»
قال رجل الدين: «بالطبع.»
قال الملحد: «إذن أخبرني ما حجم إلهك وأين هو؟»
قال رجل الدين: «حسنًا، إننا لو عرفناه حقًّا لعرفنا أنه يسكن قلبي وقلبك.»
قال الملحد متوجهًا إلينا وتعلو وجهه نظرة النصر: «لا تسخر مني الآن كأني طفل.»
فلزم رجل الدين الصمت بتواضع.
كانت هذه الواقعة من الأمور التي زادت من استنكاري للإلحاد.