الفصل الحادي والعشرون

راما، نصير من لا نصير له١

لقد اكتسبت معرفة طفيفة عن الهندوسية وغيرها من أديان العالم، ومع ذلك، كان عليَّ إدراك أن ذلك لا يكفي لتخليصي من محني، فالمرء لا يعرف ما ينجيه في وقت المحن ولا يملك وقتها أدنى فكرة عنه، فإن كان ملحدًا، فسيعوِّل نجاته على الحظ، وأما إن كان مؤمنًا فسيرجع الفضل في إنقاذه إلى الإله. وقد يعتقد أن دراسته الدينية أو ممارساته الروحانية هي السبب فيما أنعم به الإله عليه. لكنه لا يعلم وقت إنقاذه هل كانت ممارساته الروحانية هي التي أنقذته أم غيرها. وكم ممن يفتخرون بقوة إيمانهم رأوا تلك القوة وهي تخر إلى التراب؟ فالمعرفة بالدين، مقارنة بالخبرة العملية به، ليس لها قيمة في أوقات المحن.

شهدت إنجلترا أولى لحظات اكتشافي لحقيقة عبث المعرفة الدينية المجردة من التجربة العملية. ولا أعلم الأسباب التي أنقذتني من محني السابقة، فقد كنت شديد الصغر، لكنني الآن أبلغ من العمر عشرين عامًا، واكتسبت مزيدًا من الخبرة كزوج وأب.

دُعيت أنا وصديق هندي في السنة الأخيرة من إقامتي في إنجلترا في عام ١٨٩٠م إلى مؤتمر نباتي عقد في بورتسماوث Portsmouth، وهي مدينة ساحلية تضم عددًا هائلًا من المجندين في البحرية، وتنتشر في بورتسماوث المنازل التي تقطنها سيدات سيئات السمعة، لا أقول إنهن عاهرات، ولكن من ناحية أخرى تُثار حول أخلاقهن كثير من الشكوك، وقد أنزلنا القائمون على المؤتمر بأحد هذه المنازل، وبالطبع لم تكن لجنة الاستقبال على علم بحقيقة المكان؛ فليس من السهل على مسافرين عابرين مثلنا معرفة أي المساكن حسنة السمعة وأيها سيئ السمعة في مدينة مثل بورتسماوث.

عدنا من المؤتمر في المساء. وجلسنا بعد تناول العشاء للعب الورق (الكوتشينة)، فانضمت إلينا مالكة المنزل، وهذا أمر مألوف في إنجلترا حتى في المنازل المحترمة. وأخذ كل لاعب في إطلاق النكات البريئة لتمضية الوقت، لكن رفيقي ومالكة المنزل أخذا في إطلاق المزاحات البذيئة، ولم أكن أدري أن صديقي ماهر في مثل هذه الأمور. راقتني تلك المزاحات، فانضممت إليهما، وما إن هممت بتجاوز حدود الأدب، وتركتُ أوراقَ اللعب وانصرفتُ عن اللعبة، حتى أجرى الإله على لسان رفيقي التحذير المبارك: «من أين يأتي هذا الشر الذي بداخلك يا فتى؟ انصرفْ على الفور!»

شعرت حينها بالخزي، فتقبلت التحذير وشعرت بالامتنان لصديقي. وفررت من المكان حين تذكرت عهدي الذي قطعته لوالدتي. وذهبت إلى غرفتي وأنا أرتعد وقلبي يخفق كطريدة فرت من مطاردها.

أتذكر أن هذه كانت المرة الأولى التي تثيرني امرأة غير زوجتي. لم أنم تلك الليلة، وراودتني أفكار شتى. فهل يجب عليَّ مغادرة هذا المنزل؟ هل ينبغي لي أن أهرب من المكان؟ أين كان عقلي؟ ماذا كان سيحدث لو لم أتمالك نفسي؟ فقررت من وقتها أن أتصرف بحذر أكبر، وألا أغادر المنزل فحسب بل بورتسماوث كلها. لم يتبق على المؤتمر سوى يومين على أكثر تقدير، فرحلت عن بورتسماوث في الليلة التالية. أما صديقي، فمكث في المدينة لبعض الوقت.

لم أكن في ذلك الوقت على دراية بجوهر الدين أو الإله وكيف يتدخل في مصائرنا. واستطعت فقط أن أدرك، بصورة مبهمة، أن الإله هو الذي أنقذني من هذه المحنة، وكان هو الذي طالما أنقذني من جميع محني. أعلم أن عبارة «أنقذني الإله» تحمل معنى أعمق بداخلي الآن، مع أنني لا أزال أشعر بأنني لم أدرك معناها كليًّا حتى الآن، فأنا في حاجة إلى المزيد من الخبرة كي أستطيع فهمها بصورة أكثر شمولًا. لكن ما أدركه حقًّا هو أن الإله أنجاني في جميع المحن التي مررت بها — المحن ذات الطبيعة الروحانية، وكمحام، وعند إدارة المؤسسات، وفي السياسة. عندما كنت أفقد الأمل «وعندما يفشل الأصدقاء في مساعدتي وتتبدد محاولات مواساتي»، كنت أجد العون يأتيني من العدم. التضرع والعبادة والصلاة ليست خرافات، بل هي أفعال حقيقية أكثر واقعية حتى من الأكل والشرب والجلوس والسير. ولن أكون مبالغًا إذا قلت إنها الأفعال الوحيدة الحقيقية وما عداها زائف.

تلك العبادة أو الصلاة ليست عبارة عن فصاحة أو ثناء كاذب، بل أفعال تنبع من القلب. وهكذا، إذا ما نجحنا في تطهير قلوبنا بأن «نملأها بالحب، والحب فقط»، ونجحنا في المحافظة على جميع الأوتار في لحن متناغم، «نجدها تذوب في الموسيقى مختفية بذلك عن الأنظار.» فالصلاة لا تحتاج إلى الكلام، لأنها غنيَّة بذاتها عن أي مجهود حسي. ولا يساورني أدنى شك حول كون الصلاة وسيلة ناجحة لتطهير القلب من الأهواء، لكن يجب أن يصاحبها تواضع تام.

هوامش

(١) Nirbal ke bala Rama: عبارة تتكرر في أنشودة سورداس المشهورة «هو نصير من لا نصير له، وقوة كل ضعيف.»

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤