الفصل السابع عشر

الاستقرار في ناتال

كان السيد حاجي محمد حاجي دادا يُعد زعيمًا للجالية الهندية في ناتال في ١٨٩٣م. وكان السيد عبد ﷲ حاجي آدم أكبر الأثرياء الهنود، لكن جميع الهنود بما فيهم السيد عبد ﷲ حاجي آدم كانوا يقدمون السيد حاجي محمد عليهم في القضايا العامة، فعُقد اجتماع برئاسته في منزل السيد عبد ﷲ تقرر فيه الاحتجاج على مشروع قانون الحرمان من حق التصويت.

وفد كثير من المتطوعين لحضور هذا الاجتماع، ودُعي الهنود المولودون في ناتال، الذين كان أغلبهم من الشباب الهندي المسيحي، وكان من الحضور السيد باول، مترجم محكمة دربان، والسيد سوبان جودفري، مدير إحدى المدارس التبشيرية، وقد كانت مهمتهم جمع أكبر عدد من الشباب المسيحي في الاجتماع، وقد كانوا جميعًا متطوعين.

وانضم إلينا كثير من التجار المحليين، ومن الجدير بالذكر انضمام السادة داود محمد ومحمد قسام قمر الدين وأدامجي مياخان وأيه كولاندافيلو بيلاي وسي لاشيرام ورانجاسامي بادياشي وعماد جيفا. علاوة على ذلك، انضم إلينا بالطبع بارسي روستومجي. ومن الكتبة الذين انضموا إلينا، السادة مانيكجي وجوشي ونارسينرام وغيرهم من العاملين لدى دادا عبد ﷲ وشركائه وغيرها من الشركات الكبرى. ولقد فوجئوا جميعًا عندما وجدوا أنفسهم يشاركون في الخدمة العامة، فدعوتهم للمشاركة فيها وكانت تجربة جديدة عليهم. وفي ظل النكبة التي تعرضت لها الجالية، زالت كل الفوارق بين الهنود من غني وفقير، وعظيم ووضيع، وسيد وخادم، وهندوسي ومسلم وبارسي ومسيحي وجوجراتي ومدراسي وسندي، وغيرها من الفوارق التي طالما شتتت شمل الهنود، فأصبح الجميع سواسية ويعملون كأبناء وخادمين للوطن.

اجتاز مشروع القانون، أو كاد أن يجتاز، مرحلة المناقشة الثانية بالمجلس، وقد اسْتُخْدِم عدم احتجاج الهنود على مشروع القانون الصارم في الكلمات التي تناولت المسألة دليلًا على عدم أهليتهم للتصويت.

شرحت الوضع للحضور، وأول خطوة أقدمنا عليها كانت إرسال برقية إلى رئيس المجلس لطلب إرجاء أي مداولات تتعلق بمشروع القانون، وأرسلنا برقية إلى رئيس الوزراء، السيد جون روبنسون، وأخرى إلى السيد إسكومب بصفته صديق السيد دادا عبد ﷲ. وجاء رد رئيس المجلس سريعًا بأن المداولات بشأن مشروع القانون ستؤجل لمدة يومين، الأمر الذي أضفى على أنفسنا البهجة والسرور.

وضعنا صيغة العريضة التي ستقدم إلى المجلس التشريعي، وكان يجب تحرير ثلاث نسخ للمجلس وواحدة للصحافة، وجعلنا العريضة متاحة لجمع أكبر عدد من التوقيعات، وكان لا بد أن ينتهي كل ذلك العمل في ليلة واحدة، فأمضى المتطوعون ممن يعرفون اللغة الإنجليزية وغيرهم الليل بطوله في العمل. كتب النسخة الرئيسية من العريضة السيد آرثر، وهو رجل كبير السن معروف بحسن خطه في الكتابة، أما باقي النسخ فكتبها آخرون إملاء، وبهذا أصبح هناك خمس نسخ جاهزة في وقت واحد. وخرج التجار المتطوعون على عرباتهم أو العربات التي دفعوا ثمن إيجارها لجمع التوقيعات على العريضة، فأُنجزت كل هذه المهام في وقت وجيز، وأرسلنا العريضة، التي نشرتها الصحف وأيدتها، والتي أثرت في أعضاء المجلس. وعند مناقشة العريضة في المجلس، تقدم المؤيدون للقانون بحجج واهية للرد على ما جاء في عريضة الاحتجاج، ومع ذلك كله، صدر القانون.

كنا نعلم جميعًا أن إصدار القانون كان أمرًا مُعدًّا مسبقًا، لكن الثورة التي حدثت بثت روحًا جديدة في أفراد الجالية، وجعلتهم يدركون أن الجالية الهندية هي كيان واحد لا يتجزأ، وأن من واجبهم الدفاع عن الحقوق السياسية للجالية بقدر واجبهم المتمثل في الدفاع عن حقوقها التجارية. كان اللورد ريبون وقتها يشغل منصب وزير المستعمرات، وكان من المقرر إرسال عريضة مطولة إليه، لكن المهمة لم تكن بهذه البساطة. انضم إلينا المتطوعون وقام كل منهم بعمله.

تعرضت للكثير من المشقة أثناء صياغتي لهذه العريضة، وقد قرأت كل ما كُتب عن الموضوع، وكان دفاعي يرتكز على مبدأ وحجة، فقلت: إننا كنا نتمتع بحق التصويت في ناتال كما كنا نتمتع بنوع من حق التصويت في الهند، وإن من حقنا الاحتفاظ بذلك الحق نتيجة لأن عدد الهنود القادرين على استخدامه ضئيل للغاية.

تمكنا من جمع عشرة آلاف توقيع في أسبوعين، ولم يكن جمع مثل ذلك العدد من التوقيعات من جميع أرجاء الإقليم بالمهمة السهلة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار قلة خبرة المتطوعين في مجال العمل هذا، وكنا نختار المتطوعين المؤهلين بعناية لأننا قررنا ألا يوقع أحد على العريضة دون أن يفهم مضمونها كليًّا، وكانت القرى تقع على مسافات متباعدة، ولم يكن في وسعنا إنجاز المهمة إلا بتكريس المتطوعين جل جهدهم لإنجازها، وهذا ما حدث بالفعل، فقد أدى كل منهم عمله بحماسة. ويحضرني وأنا أسطر هذه الكلمات كل من السيد داود محمد والسيد روستومجي والسيد أدامجي مياخان وعماد جيفا، حيث يرجع الفضل إليهم في الحصول على أكبر عدد من التوقيعات. أخذ السيد داود يطوف بعربته طوال اليوم لجمع التوقيعات، وكان كل ذلك بدافع الحب، فلم يطالب أي منهم بأي مال ولو حتى المصروفات التي كانوا ينفقونها من أموالهم، وتحول بيت السيد دادا عبد ﷲ فورًا إلى مكتب عام ومقر للاجتماعات، حتى إن عددًا من المتطوعين المتعلمين الذين ساعدوني وغيرهم كانوا يتناولون طعامهم هناك. وهكذا تحمل كل من ساعد في ذلك العمل جزءًا كبيرًا من المصروفات.

أخيرًا قدمنا العريضة، وطبعنا ألف نسخة لتوزيعها، ولأول مرة أعطت هذه العريضة الشعب الهندي خلفية عن الأوضاع في ناتال، وأرسلت نسخًا لجميع الصحف ووكلاء الدعاية الذين أعرفهم.

أيدت جريدة التايمز الهندية في مقالتها الافتتاحية المطالب الهندية بقوة، وأرسلت العريضة إلى الصحف ووكلاء الدعاية بإنجلترا ممن ينتمون إلى أحزاب مختلفة، وأيدت التايمز بلندن موقفنا، فبدأت تراودنا الآمال بأنه لن يُصَدَّق على القانون.

كان من المستحيل أن أترك ناتال في ذلك الوقت، فقد كان الأصدقاء الهنود يحيطون بي من كل جانب ويلحون عليَّ للبقاء معهم بصورة دائمة، فعبرت لهم عن الصعاب التي أواجهها، وقررت ألا أعيش على النفقات العامة، وشعرت أنه من الضروري أن أحصل على منزل مستقل، ويجب أن يكون ذلك المنزل مناسبًا ويقع في موقع ملائم. وكنت مقتنعًا بأنني لن أستطيع أن أضيف إلى الجالية إلا إذا عشت في المستوى الذي يعيش فيه المحامون عادة. وبدا لي أنه لن يمكنني إدارة مثل هذا البيت بما يقل عن ٣٠٠ جنيه إسترليني في السنة. وهكذا رهنت إقامتي بجنوب أفريقيا بضمان أعضاء الجالية عملًا قانونيًّا يغطي مثل ذلك المبلغ على الأقل، وأخبرتهم بالأمر.

فأجابوني: «إننا نريدك أن تحصل على ذلك المبلغ نظير خدماتك العامة، وسنتمكن من جمعه بسهولة، وذلك بالطبع بجانب الأتعاب التي ستحصل عليها نظير عملك القانوني الخاص.»

فقلت: «لا أستطيع أن أتقاضى المال نظير الخدمة العامة، فلن يتطلب العمل مني الكثير من مهارات المحاماة، وسيتركز على توجيه المتطوعين إلى ما يجب عمله، فكيف أتقاضى المال نظير ذلك؟ وكثيرًا ما سأطلب منكم الأموال اللازمة للعمل، وإذا كنت سأحصل منكم على هذا المبلغ كراتب فيمكن ألا أطلب منكم مبالغ كبيرة للعمل لأن ذلك قد يضر بمصلحتي. وهكذا سنجد أنفسنا في جمود تام. علاوة على ذلك، آمل في أن تتمكن الجالية من الحصول على ما يزيد على ٣٠٠ جنيه إسترليني سنويًّا من أجل الخدمة العامة.»

– «لكننا نعرفك جيدًا الآن ونحن واثقون بأنك لن تطلب أي أموال لست في حاجة إليها، وإذا كنا نرغب في بقائك معنا، ألا يستوجب ذلك منا توفير نفقاتك؟»

– «إنكم تتحدثون على هذا النحو لما تشعرون به من حب وحماسة وقتية. فما أدراني أن يدوم ذلك الحب والحماسة إلى الأبد؟ ووضعي كصديق ومرشد لكم سيجعلني أوجه إليكم بعض الكلمات القاسية، ولا أدري إذا كنتم حينها ستظلون تُكنُّون لي نفس التقدير أم لا. على كل حال، لن أقبل أي أموال نظير الخدمة العامة، ويكفيني أن توافقوا جميعًا على توكيلي في قضاياكم وغيرها من الأعمال القانونية، وذلك لن يكون من السهل عليكم، فأنا محامٍ ملون. ولست موقنًا من استجابة المحكمة لي. وأنا غير متأكد من نجاحي كمحامٍ. وهكذا، ستتعرضون لجانب من المخاطرة إذا وكلتموني في قضاياكم. وسأعتبر حينها أن مجرد توكيلكم لي هو مقابل خدماتي العامة.»

نتيجة لذلك الحوار وكلني عشرون من التجار محاميًا لهم لمدة سنة. إضافة إلى ذلك، اشترى لي السيد دادا عبد ﷲ الأثاث اللازم لمنزلي بدلًا من منحي مبلغًا من المال كان يعتزم إعطائي إياه عند سفري. وهكذا استقررت في ناتال.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤