الفصل الثامن عشر

نقابة المحامين والملونون

يرمز للمحكمة بكفتي ميزان متساويتين تحملها سيدة غير متحيزة ومعصوبة العينين لكنها مع ذلك حكيمة، ولعل القدر هو الذي عصب عينيها لكيلا تحكم على الناس وفقًا لمظهرهم الخارجي ولكن وفقًا لجوهرهم. ومع ذلك كانت نقابة المحامين في ناتال تسعى لإقناع المحكمة العليا بمخالفة هذا المبدأ ومناقضة الرمز الذي يشير إليها.

تقدمت للقَبول محاميًا معتمدًا لدى المحكمة العليا، وكنت أحمل شهادة اعتماد من محكمة بومباي العليا، وقد كنت مضطرًّا لإيداع الشهادة الإنجليزية لدى محكمة بومباي العليا عندما كنت مسجلًا بها، وكان عليَّ إرفاق شهادتَيْ حسن سير وسلوك بطلب القَبول. ونظرًا لاعتقادي بأن مثل هذه الشهادات ستكون لها قيمة أكبر في حالة صدورها عن أشخاص أوروبيين، توجهت إلى اثنين من التجار الأوروبيين المعروفين الذين عرفني عليهما السيد عبد ﷲ. وكان يجب أن يكون من يقدم الطلب عضوًا في نقابة المحامين، وكان هناك قاعدة تقول بأن النائب العام يمكنه أن يقدم الطلب دون دفع رسوم. كان السيد إسكومب، الذي سبق وذكرت أنه المستشار القانوني للسيد عبد ﷲ وشركائه، يشغل منصب النائب العام، فذهبت إليه وطلبت منه أن يقدم الطلب، وهو الأمر الذي لم يتردد في قبوله.

فاجأتني نقابة المحامين بإرسال إخطار يفيد معارضتها لطلب قبولي في المحكمة العليا، وكانت إحدى الذرائع التي احتجَّتْ بها هي أن الشهادة الإنجليزية غير ملحقة بالطلب، لكن الاعتراض الجوهري كان يتمثل في أنه عند وضع القوانين الخاصة بقبول المحامين لم يفكر المشرع في إمكانية قبول محامٍ ملون. تدين ناتال بالنمو الذي شهدته للأوروبيين، ومن ثَمَّ كان من الضروري أن يسود نقابة المحامين العنصر الأوروبي. ففي حالة قبول الملونين في النقابة، يمكن أن يتجاوز عددهم عدد الأوروبيين تدريجيًّا وبهذا ينهار الحصن الواقي للأوروبيين.

كلفت نقابة المحامين محاميًا لامعًا لتأييد معارضتهم لقبولي، ونظرًا لوجود صلة بينه وبين شركة دادا عبد ﷲ وشركائه، أرسل إليَّ مع السيد عبد ﷲ كي أذهب لمقابلته، وتحدث إليَّ الرجل بصراحة وسألني عن أسلافي، ثم قال لي: «ليس لديَّ أي تحفظات بشأنك، لكنني كنت أخشى أن تكون أحد الساعين خلف الثراء من المولودين في المستعمرة، وزاد من شكي هذا عدم إلحاقك للشهادة الإنجليزية بطلبك، فهناك الكثير من الأشخاص استغلوا شهادات لم يحصلوا عليها، أما شهادات حسن السير والسلوك فلم تمثل لي أي قيمة، فماذا يعرف عنك هؤلاء التجار؟ وما مدى معرفتهم بك؟»

فقلت له: «لكنني غريب على الجميع هنا، حتى السيد دادا عبد ﷲ لم أعرفه إلا بعد وصولي إلى هنا.»

– «لكنك قلت إنه ينتمي إلى نفس الولاية، وإذا كان والدك رئيسًا للوزراء فهو بلا شك يعرف عائلتك، وبذلك إذا كنت قد قدمت شهادة خطية من السيد عبد ﷲ، لم أكن لأعترض عليها، وكنت سأخبر النقابة بكل سرور أنني لا أستطيع معارضة طلبك.»

أثار هذا الحديث حنقي كثيرًا، لكنني كظمت غضبي، فقلت في نفسي: «لو كنت قدمت شهادة دادا عبد ﷲ، لرُفضتْ ولطُلب مني إحضار شهادات من أوروبيين، وما العلاقة بين قبولي محاميًا ومولدي وأسلافي؟ كيف يمكن استخدام أصلي، سواء كان وضيعًا أو مثيرًا للاعتراض، ضدي؟» لكنني تمالكت أعصابي وأجبت: «أنا على استعداد لتقديم الشهادة الخطية التي تحدثت عنها، مع أنني على يقين من أنه لا يحق للنقابة مطالبتي بكل هذه التفاصيل.»

أعددت شهادة السيد عبد ﷲ وقدمتها إلى المحامي الممثل لنقابة المحامين، لقد كانت الشهادة كافية للمحامي، ولكنها لم تكن كافية للنقابة، فاعترضت النقابة على طلبي أمام المحكمة العليا، التي رفضت الاعتراض دون حتى أن تستدعي السيد إسكومب، وكان منطوق الحكم:

ترى المحكمة أن الاعتراض الذي يرتكز على عدم إلحاق المتقدم لشهادته الإنجليزية غير مقبول موضوعًا، في حالة ثبوت تزوير المتقدم للشهادة، فحينها يمكن مقاضاته ويشطب اسمه من لائحة المحامين، فالقانون لا يميز بين البيض والملونين. وعليه لا تجد المحكمة ما يمنع من إدراج السيد غاندي في لائحة المحامين، وبذلك نقبل طلبه بالانضمام إلى نقابة المحامين. سيد غاندي، يمكنك أن تحلف اليمين الآن.

وقفت لأحلف اليمين أمام أمين السجل. وما إن انتهيت من اليمين، حتى خاطبني رئيس المحكمة قائلًا: «سيد غاندي، يجب أن تخلع عمامتك الآن، ويجب أن تلتزم بقواعد المحكمة الخاصة بالزي الرسمي للمحامين.»

فأدركت ضعفي، وطواعية خلعت العمامة التي رفضت من قبل أن أنزعها أمام محكمة المقاطعة. وليس ذلك بسبب أن اعتراضي على الأمر لم يكن مبررًا، لكن لأنني أردت أن أدخر قواي للمعارك الأعنف، فلا يجب عليَّ أن أهدر قواي النضالية في الإصرار على الاحتفاظ بعمامتي، فقد كنت أستحق قضية أهم للنضال من أجلها.

لم يحبذ السيد عبد ﷲ وغيره من الأصدقاء رضوخي لأمر القاضي (فيا ترى هل كان ضعفًا مني؟) كانوا يرون أن عليَّ التمسك بحقي في ارتداء عمامتي أثناء تأدية عملي في المحكمة، وحاولت أن أقنعهم بوجهة نظري، وحضرتني الحكمة التي تقول: «دارِهم ما دمتَ في دارهم.» فقلت لهم: «كان يمكن أن أرفض خلع عمامتي إذا كان الأمر صادرًا من ضابط أو قاض إنجليزي في الهند، لكن كموظف في المحكمة كان سيشينني أن أتجاهل قواعد المحكمة في ناتال.»

نجحت في تهدئة الأصدقاء إلى حدٍّ ما بهذه الحجة وغيرها من الحجج المماثلة، لكنني لم أنجح في إقناعهم تمامًا بمبدأ النظر إلى الأشياء من وجهة نظر مختلفة في الظروف المختلفة، ولكن طوال حياتي، علمني إصراري على الوصول إلى الحقيقة أن أقدر روعة الوصول إلى التفاهم، وأدركت فيما بعد أن هذه الروح هي جزء جوهري من الساتياجراها، وكانت غالبًا ما تعني تعريض حياتي للخطر وتحمل سخط أصدقائي، لكن هذه هي طبيعة الحقيقة حيث تجمع بين صلابة الحجر ورقة الزهور.

كانت معارضة نقابة المحامين لي بمثابة الدعاية لي في جنوب أفريقيا، حيث شجبت معظم الصحف معارضة النقابة، واتهمتها بالغيرة. وقد أدت هذه الدعاية إلى تسهيل عملي بقدر ما.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤