بالاسوندارام
رغبة القلب الصادقة والخالصة دائمًا ما تجد طريقها إلى التحقق. كثيرًا ما رأيت هذه القاعدة تتحقق من خلال خبراتي. فقد كانت خدمة الفقراء هي الرغبة التي تملأ قلبي، وكانت دائمًا ما تجعلني بين الفقراء وتمكنني من اعتبار نفسي واحدًا منهم.
كان الحزب يضم من بين أعضائه الهنود المولودين في المستعمرات وطبقة الكتبة، إلا أنه لم يصبح بعد في متناول العمال المبتدئين والعاملين بعقود لأجل، الذين لم يكن باستطاعتهم تحمل تكلفة اشتراك الحزب. ولم يكن باستطاعة الحزب إلا أن يحافظ على التواصل معهم عن طريق مساعدتهم. لكن الفرصة أتت في وقت لم يكن الحزب ولا أنا مستعدين لها حقًّا. انغمست في العمل لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر — وهذا الأمر نادر الحدوث — وكان الحزب لا يزال في طور النمو، عندما أتاني رجل من تاميل ممزق الثياب ويحمل بين يديه غطاء للرأس ولديه سنتان مكسورتان وفمه ينزف. وقف الرجل أمامي يرتعش ويبكي، فقد انهال عليه سيده بالضرب المبرح. ولقد علمت كل شيء عنه من أحد الكتبة، وقد كان أيضًا ينتمي إلى تاميل. كان بالاسوندارام — وهو اسم الرجل التاميلي — يعمل بعقد لأجل لدى أحد الأوروبيين المعروفين في دربان. وقد ثار غضب صاحب عمله حتى فقد السيطرة على نفسه وأخذ يضرب بالاسوندارام بشدة حتى كسر له سنتين.
أرسلت بالاسوندارام إلى الطبيب، ولم يكن هناك حينها إلا الأطباء البيض. طلبت من الطبيب أن يمنحني شهادة تشخص إصابة بالاسوندارام. حصلت على الشهادة من الطبيب ثم توجهت وبصحبتي بالاسوندارام إلى القاضي، وقدمت إليه الشهادة. سخط القاضي عندما اطلع على الشهادة، وأرسل في استدعاء صاحب العمل للمثول أمام القضاء.
لم أرغب البتة في معاقبة صاحب العمل، فكل ما كنت أتطلع إليه هو باختصار أن يُحَرَّر بالاسوندارام من العقد الذي بينهما. فقد قرأت القانون الذي يتناول العمل بعقد لأجل، وعلمت أنه في حالة ترك العامل العادي خدمة سيده دون إشعار مسبق، فإنه يتعرض للمساءلة ويمكن لسيده أن يقاضيه أمام المحكمة المدنية. أما في حالة العامل بعقد لأجل، فكان الأمر مختلفًا تمامًا. فالعامل بعقد لأجل، في ظل الملابسات ذاتها، يمكن مقاضاته أمام محكمة جنائية والحكم عليه بالسجن إذا ثبتت إدانته. وذلك هو سبب قول سير ويليام هانتر عن نظام العمل بعقود لأجل إنه تقريبًا لا يقل سوءًا عن الاستعباد. فالعامل بعقد لأجل يُعتبر ملكية خاصة لسيده، مثله مثل العبد.
كان هناك طريقتان فقط لتحرير بالاسوندارام، أولاهما إلغاء المسئول عن شئون العاملين لعقده أو نقله إلى صاحب عمل آخر، وثانيهما إقناع صاحب العمل بتحريره. فذهبت إلى صاحب العمل وقلت له: «أنا لا أريد مقاضاتك أو معاقبتك على ما فعلت. وأعتقد أنك على دراية بمدى قسوة اعتدائك على الرجل. وسأكتفي فقط بأن تنقل العقد إلى صاحب عمل آخر.» فوافق على مطلبي في حينه. ثم ذهبت لرؤية المسئول عن شئون العاملين، الذي وافق بدوره بشرط أن أجد صاحب عمل آخر.
وهكذا أخذت أبحث عن صاحب عمل جديد، وكان يجب أن يكون أوروبيًّا نظرًا لعدم جواز توظيف الهنود لعاملين بعقود لأجل. وكانت علاقتي بالأوروبيين في ذلك الوقت محدودة، فالتقيت بأحدهم. وافق الرجل بكرم على أن يقبل بالاسوندارام لديه، فعبرت له عن امتناني لعطفه وكرمه. أدان القاضي صاحب العمل، وسجل تعهده بنقل العقد إلى شخص آخر.
ذاع خبر قضية بالاسوندارام حتى وصل إلى جميع العاملين بعقود لأجل، فاعتبروني جميعًا صديقًا لهم. رحبت بهذه الصداقة والفرحة تغمرني. ووجدت فيضًا من العاملين بعقود لأجل يتدفق على مكتبي، واستغللت الفرصة كي أطلع على أحوالهم من مآسٍ وأفراح.
وصلت أصداء قضية بالاسوندارام بعيدًا حتى مدراس. وعلم العمال في جميع أنحاء الإقليم، الذين ذهبوا إلى ناتال للعمل بعقود لأجل، بالقضية عن طريق إخوانهم العاملين.
لم تحتوِ القضية في ذاتها على أي عوامل استثنائية، لكن فكرة وجود شخص في ناتال يناصر قضية العاملين بعقود لأجل ويعمل من أجلهم علانية هي التي مثلت لهم مفاجأة سارة وبعثت فيهم روح الأمل.
لقد ذكرت فيما سبق أن بالاسوندارام قد أتى إلى مكتبي وغطاء رأسه في يده. كان هناك أمر آخر يدعو للشفقة لحالنا، وقد عكس هو الآخر ذلنا. لقد رويت بالفعل قصة اضطراري لخلع عمامتي. فقد فُرض على كل عامل بعقد لأجل وكل غريب هندي أن يخلع غطاء رأسه، أيًّا كان، عند زيارته لشخص أوروبي. ولم تكن التحية بكلتا اليدين كافية. ظن بالاسوندارام أن عليه أن يتبع نفس النهج معي. كانت هذه قضيتي الأولى في مجال خبرتي. شعرت بالمهانة وطلبت منه إعادة ربط وشاحه. ففعل بعد أن وقف مترددًا للحظات، لكنني كنت أرى الفرحة في عينيه.
لطالما حيرني أمر البشر، كيف يشعرون بالاحترام عندما يذلون إخوانهم البشر؟