الفصل الثامن والعشرون

بونا ومدراس

جعل السيد فيروز مهمتي أيسر بكثير. فذهبت من بومباي إلى مدينة بونا، حيث يوجد حزبان. وكنت أريد الحصول على مساعدة جميع الأطراف. قابلت السيد لوكامانيا تيلاك أولًا، فقال لي:

إن قرارك بالحصول على مساعدة جميع الأطراف هو قرار صائب تمامًا. فلا يمكن أن يكون هناك خلاف حول قضية جنوب أفريقيا. لكن عليك أن تجد رجلًا لا ينتمي لأي من الأحزاب ليرأس الاجتماع. عليك بمقابلة الأستاذ بانداركار، فقد مرت مدة كبيرة لم يشارك فيها في أي حركة شعبية. مع ذلك، يمكن أن تستثيره مثل هذه القضية. قابله ثم وافني بما تصل إليه، فأنا أرغب في مساعدتك قدر استطاعتي. وبالطبع يمكنك رؤيتي متى شئت، فأنا رهن إشارتك.

كان هذا أول لقاء لي مع لوكامانيا. وقد أوضح ذلك اللقاء سر شعبيته الفريدة.

قابلت بعد ذلك السيد جوخلي في «كلية فيرجوسون» Fergusson College. وقد رحب بي بحفاوة، وسرعان ما أَسَرَ فؤادي بسلوكه. كان ذلك أول لقاء لي به، ومع ذلك كنا كصديقين يجددان عهد صداقتهم الخالية. كنت أرى السيد فيروز كسلسلة جبال الهملايا، والسيد لوكامانيا كالمحيط، أما السيد جوخلي فكان كنهر الجانج. فيمكن للمرء أن يحصل على حمام منعش في نهر الجانج المقدس. وفي حين لا يمكن للمرء أن يتسلق جبال الهملايا، ولا يمكنه أن يقذف بنفسه في البحر بسهولة، يجد نهر الجانج يدعوه ليحتضنه بين طياته. يا لها من بهجة يشعر بها المرء وهو عائم على سطحه بقارب ومجداف! تفحصني السيد جوخلي بإمعان كناظر مدرسة يتفحص متقدمًا للالتحاق بالمدرسة. وأخبرني بمن ألجأ إليهم والطريقة التي أتقرب إليهم بها. ثم طلب مني أن يلقي نظرة على خطبتي. اصطحبني في جولة داخل الكلية وأكد لي أنه على استعداد لمساعدتي في أي وقت. وطلب مني أن أطلعه على ثمرة لقائي بالدكتور بانداركار، وودعني مبتهجًا. كانت المكانة التي شغلها السيد جوخلي في قلبي في مجال السياسة أثناء حياته وحتى الآن فريدة تمامًا.

استقبلني الدكتور بانداركار بحفاوة الأب. كان وقت الظهيرة حين زرته، وقد تأثر كثيرًا ذلك العالِم الذي لا يكل ولا يمل بحرصي على مقابلة الناس في مثل تلك الساعة. وقد حاز إصراري على أن يكون رئيس الاجتماع شخصًا لا ينتمي لأية كتلة حزبية على تأييده فورًا، وقد عبر عن ذلك بقوله: «نِعم الرأي، نعم الرأي.»

وبعد أن استمع إلى حديثي، توجه إليَّ قائلًا: «إذا سألت أي شخص، سيخبرك بأنني لا أشارك في السياسة، لكنني لا أستطيع أن أخذلك. إن قضيتك قوية وعملك رائع لدرجة أنني لا أستطيع أن أرفض الاشتراك في الاجتماع الذي ستعقده. لقد أحسنت صنعًا باستشارتك لكل من تيلاك وجوخلي. برجاء إخبارهم بأنه يسرني أن أترأس الاجتماع الذي سُيعقد تحت رعايتهم المشتركة. ليس عندي وقت محدد لانعقاد الاجتماع، فاسألهم وأنا أوافق على أي وقت يرونه مناسبًا.» ثم ودعني مهنئًا ومباركًا.

ودون أي ضجة، عقدت تلك المجموعة المثقفة والمتفانية ببونا الاجتماع في مكان صغير وبسيط، وجعلوني أنصرف مبتهجًا وأشعر بثقة أكبر برسالتي.

توجهت بعد ذلك إلى مدينة مدراس التي اتسم أهلها بحماسة شديدة. وقد كان لواقعة بالاسوندرام أثر عميق على الاجتماع. وكنت أرى أن خطبتي طويلة بقدر ما. ومع ذلك، أنصت الناس إلى كل كلمة فيها باهتمام. وفي نهاية الاجتماع، كان هناك تهافت على «الكتيب الأخضر». كنت قد أحضرت معي ١٠٠٠٠ نسخة من طبعة ثانية منقحة للكتاب. وقد بيع في لمح البصر، لكنني وجدت أنه لم يكن هناك داع لطباعة مثل ذلك العدد الهائل. فبسبب حماستي، أخطأت في تقدير الطلب المتوقع على الكتيب. فخطبتي كانت موجهة لمن يتحدثون الإنجليزية فقط، ولم تكن تلك الفئة وحدها من الكثرة بحيث تستلزم العشرة آلاف نسخة بأكملها.

قدم لي الراحل باراميشفاران بيلاي، رئيس تحرير «ذا مدراس ستاندرد» The Madras Standard، أعظم مساعدة هناك. أطلع السيد باراميشفاران على المسألة بعناية، وكان كثيرًا ما يدعوني إلى مكتبه ليقدم لي النصح. وأيد القضية كل من السيد جي سوبرامانيام من جريدة «ذا هيندو» The Hindu والدكتور سوبرامانيام. لكن السيد باراميشفاران وضع كل أعمدة جريدته تحت تصرفي، وقد استفدت من عرضه بالطريقة المثلى. وقد عُقد الاجتماع الذي أُجري في ساحة باشايابا، على ما أذكر، برئاسة الدكتور سوبرامانيام.

كانت العاطفة التي عاملني بها معظم الأصدقاء الذين قابلتهم عظيمة، وكذلك كانت حماستهم للقضية. حتى إنني شعرت بأنني في الوطن، مع اضطراري للحديث معهم بالإنجليزية. فأي حاجز هذا الذي لا يستطيع الحب تحطيمه؟

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤