الفصل الرابع

الصدمة الأولى

تركت بومباي يائسًا، واتجهت إلى راجكوت لتأسيس مكتبي الخاص، وهناك أخذت أتقدم على نحو معتدل، لقد عادت عليَّ كتابة العرائض والمذكرات بمتوسط ربح يصل إلى ٣٠٠ روبية شهريًّا. ويرجع الفضل في حصولي على ذلك العمل إلى نفوذ شريك أخي أكثر منه إلى كفاءتي، فقد كان لدى شريك أخي عمل مستقر، لكنه كان يرسل جميع العرائض والمذكرات وغيرها الخاصة بشخصيات ذات شأن أو التي يراها ذات أهمية إلى كبار المحامين، أما أنا فقد كنت أكتب العرائض الخاصة بموكليه من الفقراء.

يجب أن أعترف بأنني كنت مضطرًّا للتنازل بعض الشيء فيما يتعلق بأمر العمولة التي رفضت أن أدفعها في بومباي، أخبرني البعض أن الأمر يختلف في الحالتين، ففي حين كانت العمولة تُدفع إلى سماسرة القضايا في بومباي، فهي تُدفع هنا إلى المحامين الذين يسندون إليك القضايا. وقيل لي إن جميع المحامين هنا، دون استثناء، يدفعون نسبة من أتعابهم كعمولة. كانت مناقشة أخي لي في هذا الأمر مفحمة، فقال لي: «ألا ترى أن لديَّ شريكًا آخر، وسوف أميل دائمًا إلى أن أعهد إليك بجميع القضايا التي يمكنك التعامل معها، وسيضعني امتناعك عن دفع العمولة في موقف حرج أمام شريكي، ولأننا نشترك معًا في معيشة واحدة، فإن أتعابك تعد دخلًا مشتركًا لكلينا، وأنا أحصل تلقائيًّا على نصيب منها، لكن أين نسبة شريكي؟ ألن يحصل على عمولته إذا ما أسند القضية إلى محام آخر؟» اقتنعت برأي أخي، وشعرت بأنه إذا كنت سأمارس المحاماة فلا يمكن أن أفرض مبادئي التي تتعلق بالعمولات في هذه القضايا. هكذا أقنعت نفسي، أو دعني أقول خدعت نفسي. ويجب أن أشير هنا إلى أنني لا أذكر دفع أي عمولة في أي قضية أخرى.

ومع نجاحي في الجمع بين الأمرين، حدثت لي أول صدمة في حياتي في ذلك الوقت. كثيرًا ما سمعت عن الضباط الإنجليز لكنني لم أقابل أحدهم وجهًا لوجه من قبل.

كان أخي يعمل سكرتيرًا ومستشارًا لأمير بورباندار الراحل قبل أن يعتلي العرش، وكان ما يقض مضجع أخي حينذاك اتهامه بإعطاء مشورة خاطئة أثناء شغله لتلك الوظيفة، وصل الأمر إلى المعتمد البريطاني الذي كان متحاملًا ضد أخي، لقد كنت أعرف ذلك الضابط عندما كنت في إنجلترا، وكان يعاملني بلطف إلى حد بعيد، فرأى أخي أن أستفيد من تلك المعرفة وأن أحاول أن ألفت نظره إلى خطأ تحامله عليه، لم ترق لي تلك الفكرة بالمرة؛ فلا ينبغي لي استغلال معرفة سطحية نشأت في إنجلترا، وما النفع من تزكيتي لأخي لدى المعتمد البريطاني إن كان مذنبًا؟ وإذا كان بريئًا، فعليه أن يقدم التماسًا باتباع الإجراءات المعتادة ويرى ما تسفر عنه الإجراءات، لم ترق هذه النصيحة لأخي. فقال لي: «أنت لا تعلم شيئًا عن الحياة في كاثياوار، ولم تعرف حقيقة العالم بعد؛ فالنفوذ وحده له قيمة هنا، ولا يصح أن تتهرب من واجبك كأخ لي، في حين يمكنك تزكيتي لدى ضابط، لك سابق معرفة به.»

لم أستطع أن أخذل أخي، فذهبت إلى الضابط على مضض، وكنت أعلم أنه لا يحق لي أن أذهب إليه، وكنت على دراية كاملة بأن هذا يُعد تنازلًا عن احترامي لذاتي، لكنني طلبت مقابلته، وبالفعل ذهبت إليه. حينما جلست معه، أخذت أذكره بمعرفتنا القديمة، ولكن سرعان ما أدركت أن كاثياوار تختلف تمامًا عن إنجلترا، وأن شخصية الضابط تختلف عندما يكون في الخدمة عنها في الحياة اليومية. تذكر المعتمد السياسي البريطاني علاقتنا وأقرها، ولكن ما أخبرته به بعدها جعله يتجمد في مكانه، وكأن لسان حاله يقول: «لا أظن أنك أتيت إلى هنا كي تستغل معرفتك بي، أليس كذلك؟» ومع ذلك، عرضت عليه مشكلة أخي، لكنه كان نافد الصبر. قال لي: «إن أخاك متآمر. لا أريد أن أسمع المزيد، فليس لديَّ متسع من الوقت. إذا كان لدى أخيك أي أقوال يريد أن يدلي بها، فليفعل ذلك عن طريق الإجراءات المتبعة.» كانت إجابته وافية وكنت أستحقها، ولكن أنانيتي عصبت عيني، فاستمررت في رواية قضيتي، فقام المعتمد السياسي من مجلسه وقال: «يجب أن تنصرف على الفور!»

فأجبته: «أرجوك، استمع إليَّ.» لكن ردي زاد من غضبه، فاستدعى أحد الحراس وطلب منه أن يخرجني. كنت لا أزال مترددًا عندما دخل الحارس ووضع يده على كتفي وأخرجني من الغرفة.

انصرف كل من المعتمد السياسي والحارس، ورحلت وأنا أستشيط غضبًا. فكتبت على الفور رسالة مفادها: «لقد أهنتني، وجعلت الحارس يعتدي عليَّ، وإذا لم تصلح ما حدث، فسأضطر إلى مقاضاتك.»

وقد جاء الرد سريعًا مع أحد الفرسان:

لقد كنت وقحًا في حديثك معي، وقد طلبت منك الانصراف فلم ترضخ لطلبي، ولم يكن هناك بد من أن أطلب من الحارس أن يخرجك، وحتى عندما طلب منك الحارس الانصراف، رفضت، فما كان منه إلا أن استخدم القوة اللازمة لإخراجك، ولك مطلق الحرية في مقاضاتي.

عدت أحمل هذا الرد في جيبي وأجر ذيول خيبة الأمل، فشعر أخي بالحزن عندما قصصت عليه ما حدث، ولكنه لم يدر ماذا عساه أن يفعل لمواساتي، فتحدث أخي إلى أصدقائه من المحامين لعدم معرفتي بكيفية مقاضاة المعتمد السياسي، وتصادف وجود السيد فيروزشاه ميهتا في راجكوت في ذلك الحين لحضور قضية ما، ولكن كيف لمحام مبتدئ مثلي أن يقابله؟ فبعثت له بأوراق القضية مع الوكيل الذي أوكل له القضية، ورجوته أن يشير عليَّ في أمري، فأجاب ذلك الوكيل قائلًا: «أبلغ غاندي بأن ما حدث له أمر يتعرض له الكثير من المحامين، إنه حديث الوصول من إنجلترا وسريع الغضب، ولا يعرف طبيعة الضباط الإنجليز. أخبره أن يمزق الورقة ويسكت عن الإهانة إذا كان يريد أن يكسب رزقه هنا ويعيش دون مشاكل؛ فلن تعود مقاضاة المعتمد السياسي عليه بشيء، بل على العكس سوف تدمره. وأخبره أنه ما زال أمامه الكثير ليتعلمه عن الحياة.»

ابتلعت النصيحة كأنني أبتلع سمًّا مرًّا، وسكت عن الإهانة، لكنني تعلمت منها درسًا لن أنساه، فقلت في قرارة نفسي: «لن أحاول أبدًا أن أستغل صداقاتي بهذه الطريقة ثانية.» ومنذ ذلك الحين لم أُخِلّ بهذا القرار قط. لقد غيرت هذه الصدمة مجرى حياتي.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤