الفصل الأول

صرير العاصفة

كانت تلك هي رحلتي البحرية الأولى مع زوجتي وأطفالي. كثيرًا ما أشرت، خلال سردي للقصة، إلى أنه نتيجة لزواج الأطفال الشائع بين الهندوس من الطبقة المتوسطة، يكون الزوج متعلمًا وتبقى الزوجة غالبًا أمية. هكذا نجد فجوة كبيرة تفصل بينهما، فيتعين على الزوج أن يكون معلمًا لزوجته. بناء على ذلك، كان عليَّ أن أختار لباس زوجتي وأطفالي، وطعامهم والسلوكيات التي تتناسب مع البيئة الجديدة التي سيعيشون فيها. وعندما أسترجع ذكرياتي، أجد الكثير من المواقف الطريفة التي وقعت في تلك الأيام.

تعتبر الزوجة الهندوسية طاعتها المطلقة لزوجها أسمى عقيدة، في حين يعتبر الزوج الهندوسي نفسه سيد زوجته ومالك أمرها وعليها أن تلبي له جميع طلباته واحتياجاته.

اعتقدت في تلك المدة أنه يجب أن نرتدي ما يرتديه الأوروبيون ونتصرف كما يتصرفون قدر المستطاع حتى نبدو متمدنين. وذلك لأنني ظننت أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد توفر لنا بعض النفوذ، فبدون النفوذ لن نتمكن من خدمة الجالية الهندية.

وهكذا اخترت طريقة لباس زوجتي وأطفالي. فقد كان ذلك أفضل من أن يُعرف أنهم ينتمون لطبقة التجار بكاثياوار. كان البارسيون أكثر الهنود تمدنًا، لذلك اخترنا اللباس البارسي عندما وجدنا أن اللباس الأوروبي غير مناسب بالمرة. فلبست زوجتي الساري١ البارسي، في حين ارتدى الأطفال المعاطف والسراويل البارسية. وبالطبع كان يجب عليهم ارتداء الأحذية والجوارب، التي استغرق اعتيادهم إياها بعض الوقت. فكانت الأحذية تقيد أقدامهم، في حين كانت الجوارب تغرق في العرق. وكان كثيرًا ما تتقرح أصابع أقدامهم. لقد كنت أمتلك إجابة لكل اعتراضاتهم تلك، لكن في قرارة نفسي كنت أعلم أن سلطتي هي السبب في تخليهم عن تلك الاعتراضات وليس إجاباتي. إن موافقتهم على إجراء تغيير في لباسهم جاءت كما لو كانت الخيار الوحيد أمامهم. وكذلك الأمر، وبنفور أكبر، فيما يتعلق بقبولهم استخدامهما. وعند زوال افتتاني بعلامات التمدن تلك، تخلوا عن استخدامهم للشوكة والسكين. أعتقد أن عودتهم لأسلوب معيشتهم القديم كان لا يقل صعوبة عليهم بعد أن تعودوا على أسلوب الحياة الجديد. لكنني الآن أجد أننا أصبحنا أكثر حرية وبساطة بعد أن تخلينا عن بهرجة «التمدن».

كان برفقتنا على نفس الباخرة عدد من الأقارب والمعارف. وكنت كثيرًا ما أزورهم وغيرهم من ركاب سطح السفينة. فنظرًا لأن السفينة كانت ملكًا لدادا عبد ﷲ، كان لي مطلق الحرية في التحرك أينما شئت.

استغرقت الرحلة ثمانية عشر يومًا فقط، حيث إن الباخرة انطلقت مباشرة إلى ناتال دون أن ترسو في أي ميناء من موانئ التوقف. وهبت ريح عاصف في حين كنا نبعد عن ناتال مسافة أربعة أيام فقط، وكأنها تحذرنا من العاصفة الحقيقة القادمة. كنا في شهر ديسمبر/كانون الأول الذي يتسم بهبوب الرياح الموسمية في نصف الكرة الجنوبي. لذلك فمن المألوف أن تهب العواصف الضعيفة والقوية في البحر الجنوبي في ذلك الوقت من العام. كانت العاصفة التي تعرضنا لها عنيفة وطويلة حتى إن الركاب شعروا بالذعر. لقد كان المشهد مهيبًا، بحيث اتحد الجميع لمواجهة ذلك الخطر العام. نسي الجميع خلافاتهم وبدءوا جميعًا، من مسلمين وهندوس ومسيحيين وغيرهم، يفكرون في الإله الواحد الأحد. وقد أخذ البعض منهم على نفسه العهود والنذور. وشارك ربان السفينة الركاب في صلواتهم. وقد أكد لهم أنه مع أن السفينة لا تزال معرضة للخطر فإنه تعرض لمحن وصعاب أسوأ من تلك، وأوضح أن السفينة جيدة الصنع يمكنها الصمود تقريبًا في أي طقس. لكن كلمات الربان لم تهدئ من روع الركاب أو تطمئنهم. كنا نسمع في كل لحظة جلبة وأصوات تحطم تنذر بحدوث خرق في السفينة وتسرب للمياه. أخذت السفينة تتأرجح وتتمايل كما لو أنها ستنقلب في أي لحظة. وكان من المستحيل أن يظل أي شخص على ظهرها. كانت الكلمة الوحيدة التي يمكن أن تسمعها على ظهر السفينة وقتها «قضاء الإله نافذ». أذكر أننا ظللنا في هذه المحنة لما يقرب من ٢٤ ساعة. أخيرًا صفت السماء، وأشرقت الشمس بنورها، وأخبرنا الربان أن العاصفة قد انتهت. فتهللت وجوه الركاب بالفرحة، واختفى ذكرهم للإله مع انتهاء الخطر. وعادوا لتناول الطعام والشراب والغناء والمرح من جديد. زال الخوف من الموت، وتحولت حالة التضرع المؤقتة إلى الإله إلى ما يسمى «مايا».٢ وكان هناك بالطبع الناماز٣ المعتادة والدعاء، لكنها لم تكن بنفس الإجلال الذي كانت عليه في وقت الشدة.

لقد جعلتني العاصفة أتوحد مع الركاب. لم يتملكني الرعب الشديد من العاصفة حيث إنني تعرضت لمثل ذلك الموقف من قبل. فأنا بحار جيد ولم أكن أصاب بدوار البحر. لذلك كنت أتحرك بين الركاب دون خوف أطمئنهم وأخفف عنهم، وأمدهم بتقرير من الربان كل ساعة. وقد ساعدتني الصداقات التي كونتها في هذه المحنة كثيرًا كما سنرى فيما بعد.

رست الباخرة في ميناء دربان في الثامن عشر أو التاسع عشر من ديسمبر/كانون الأول. ووصلت الباخرة ناديري في نفس اليوم.

لكن في الحقيقة، لم تكن العاصفة الحقيقية قد هبت حتى الآن.

هوامش

(١) الساري: الزي التقليدي للنساء في شبه الجزيرة الهندية.
(٢) maya: كلمة مشهورة في الفلسفة الهندوسية، وليس هناك كلمة تقابلها في الترجمة تقريبًا، لكنها تُرجمت عدة مرات إلى «وهم» أو «خداع».
(٣) namaz: الصلاة المفروضة على المسلمين في القرآن الكريم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤