الفصل الحادي عشر

الإصلاح الصحي وانقشاع المجاعة

كان من المستحيل أن أتسامح مع أي عضو لا يقدم أي نفع للجالية، وكنت دائمًا ما أعارض إخفاء عيوب الجالية أو التستر عليها أو الإلحاح على حقوقها دون أن أطهرها مما يشوبها من نقائص؛ لذلك عملت منذ استقراري في ناتال على تبرئة ساحة الجالية من تهمة كانت قد وجهت إليها، ولا أستطيع القول بأن تلك التهمة لا تستند إلى أية حقائق، وكان مفادها أن الهنود مهملون في عاداتهم ولا ينظفون منازلهم ولا الأحياء التي يقطنون بها؛ نتيجة لذلك، بدأ كبار أعضاء الجالية بالفعل في تنظيم وتنظيف منازلهم، لكن لم يُجْرَ فحص لجميع المنازل إلا عندما كان الطاعون يهدد دربان، وقد جرى ذلك بعد عقد المشاورات مع أعضاء مجلس البلدية والحصول على موافقتهم، وحين أبدوا رغبتهم في أن نتعاون معهم، وقد أسهم تعاوننا في تيسير عملهم، وفي نفس الوقت خفف من الصعاب التي نتعرض لها. فحينما يتفشى أي وباء، ينفد صبر السلطة التنفيذية عادة وتبدأ في اتخاذ إجراءات مبالغ فيها، وتتصرف بقسوة بالغة. ومن ثَمَّ، تجنبت الجالية مثل ذلك الاضطهاد باتخاذ الإجراءات الصحية طوعًا.

لكن هذا لم يحُلْ دون تعرضي لبعض التجارب المريرة. وجدت أنه ليس من السهل أن أعتمد على مساعدة الجالية في تأدية واجباتها مقارنة باعتمادي عليها في مطالبتي بحقوقها. فقوبلت في بعض الأماكن بالسباب، وفي البعض الآخر باللامبالاة المهذبة. لقد كان من الصعب على الناس أن يحملوا أنفسهم على تنظيف الأحياء التي يعيشون بها، وكان من المستحيل بالطبع أن نتوقع أن يجمعوا المال من أجل العمل اللازم للنظافة. وقد علمتني تلك التجارب أكثر من سابقتها أنه كان من المستحيل أن نقنع هؤلاء الأشخاص بالعمل لولا تحلينا بالصبر. إنها مهمة المصلح المتلهف للإصلاح، لا المجتمع الذي لا يجب أن يتوقع منه المصلح غير المعارضة والبغض، والاضطهاد الشديد. فلماذا يعتبر المجتمع ذلك الذي يعتبره المصلح أعز إليه من حياته ذاتها رجعية؟

ومع ذلك، كان لتلك الثورة الفضل في إدراك الجالية الهندية بقَدْرٍ ما ضرورة الحفاظ على نظافة منازلهم والبيئة المحيطة، وحظيت باحترام وتقدير السلطات بالمدينة. فقد رأوا أنني مع عملي على التعبير عن الشكاوى والمطالبة بالحقوق، كنت حريصًا في الوقت ذاته على تطهير الذات.

بقي شيء واحد يجب إنجازه، ألا وهو إيقاظ حس المستوطنين الهنود بواجبهم نحو وطنهم. كانت الهند بلدًا فقيرًا، فرحل المستوطنون الهنود إلى جنوب أفريقيا بحثًا عن الثراء، وبذلك كان عليهم أن يستقطعوا جزءًا من أموالهم من أجل إخوانهم بالهند في وقت المحن. وهذا بالفعل ما فعله المستوطنون الهنود عندما وقعت المجاعات القاسية في عامي ١٨٩٧م و١٨٩٩م، فلقد تبرعوا بكرم من أجل إنقاذ المتضررين من المجاعة، وكانت التبرعات في عام ١٨٩٩م أكثر منها حتى في عام ١٨٩٧م. وطلبنا الأموال من الإنجليز، فلم يخيبوا رجاءنا. وحتى الهنود العاملون بعقود لأجل أسهموا في رفع المحنة عن إخوانهم في الهند. وقد استمر النظام الذي بدأناه حين وقعت تلك المجاعات. ونعلم أن الهنود المقيمين بجنوب أفريقيا لم ينقطعوا عن إرسال إسهامات ضخمة إلى الهند في أوقات المحن القومية.

وهكذا كشفت لي خدمة الهنود في جنوب أفريقيا دائمًا دلالات جديدة للحقيقة في كل مرحلة من مراحلها. فالحقيقة كالشجرة الضخمة التي تطرح المزيد من الثمار كلما أوليتها رعاية أكبر. وكلما بحثت أعمق في منجم الحقيقة، اكتشفت جواهر أثمن في هيئة فرص لمجموعة أكثر تنوعًا من الخدمات.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤