الفصل الثاني والعشرون

اختبار الإيمان

مع أنني استأجرت مكتبًا في حي فورت ومنزلًا في منطقة جيرجوم، لم يشأ الإله أن أستقر، فما إن انتقلت إلى منزلي الجديد، حتى أصيب مانيلال — ثاني أبنائي، الذي كان قد أصيب بمرض الجدري منذ بضع سنوات — بالتيفود بالإضافة إلى إصابته بالتهاب رئوي وأعراض هذيان في الليل.

استدعيت الطبيب الذي أخبرني بأن الأدوية لن تكون فعالة في حالة مانيلال، لكن البيض ومرق الدجاج سيساعدانه كثيرًا.

كان مانيلال في العاشرة من عمره فقط، وكان من المستحيل أن نستشيره في الأمر. وكان عليَّ أن أقرر نيابة عنه بصفتي والده وولي أمره. كان الطبيب بارسيًّا صالحًا، فأخبرته بأننا جميعًا نباتيون ولا يمكننا أن نترك ابننا يتناول البيض أو مرق الدجاج. فسألته إذا كان هناك طعام آخر ينصح به.

أجابني الطبيب الصالح: «إن حياة ابنك في خطر. على كل حال، يمكن أن تعطيه الحليب المخفف بالماء، لكن ذلك لن يمده بالغذاء الكافي. وكما تعرف، العديد من الأسر الهندوسية تستدعيني، ولم أجد منهم من يعترض على أي علاج أصفه. أعتقد أنه عليك ألا تكون قاسيًا على ابنك إلى هذه الدرجة.»

فقلت للطبيب: «أظنك على حق. فمهنتك كطبيب تحتم عليك أن تنصحني بهذا، لكن على عاتقي مسئولية هائلة. فلو أن ابني راشد لكنت استمعت إلى قراره واحترمته، لكن عليَّ الآن أن أقرر نيابة عنه، وأرى أن إيمان المرء يخضع للاختبار بصدق في مثل هذه المحن، وسواء كان رأيي صحيحًا أو خاطئًا، تقضي عقيدتي بأنه لا يجوز للمرء أن يتناول اللحوم أو البيض أو ما شابهها، فينبغي أن نضع حدًّا للوسائل التي نحافظ بها على بقائنا أحياء. وهناك أشياء بعينها لا يمكن أن نقدم عليها حتى لو من أجل الحياة ذاتها. فديانتي، كما يتراءى لي، تحرم تناول اللحوم والبيض حتى في مثل هذه الظروف، لذلك يجب أن أتحمل المخاطرة المحتملة. لكنني أرجو أن تقدم لي خدمة واحدة. فنظرًا لعدم تمكني من استعمال العلاج الذي وصفته لابني، سوف أحاول استخدام بعض وسائل المعالجة المائية التي أعرفها، لكنني لا أعرف كيفية قياس النبض ولا فحص الصدر والرئة وما إلى ذلك، وسأكون ممتنًا إذا مررت من حين إلى آخر كي تفحصه وتطلعني على حالته.»

قدَّر الطبيب معاناتي فوافق على طلبي. ومع أن مانيلال لم يستطع أن يدلي برأيه، فقد أخبرته بالحديث الذي دار بيني وبين الطبيب وسألته عن رأيه. فقال لي: «جرب المعالجة المائية يا أبي، فأنا لن أتناول البيض أو مرق الدجاج.»

سُررت لسماع ذلك، مع يقيني بأنني لو كنت قد أعطيته البيض أو مرق الدجاج لم يكن ليرفض.

كنت على دراية بطريقة كون Kuhne١ للمعالجة المائية، فجربتها أيضًا. ورأيت أن الصوم يمكن أن يساعده هو الآخر. فبدأت أعالج مانيلال بالاستحمام النصفي وفقًا لطريقة «كون»، ولم أكن أتركه في المياه أكثر من ثلاث دقائق قط. وكنت أعطيه عصير البرتقال الممزوج بالماء لمدة ثلاثة أيام.
لكن حرارة مانيلال أخذت في الارتفاع حتى وصلت إلى ١٠٤ درجة فهرنهايت،٢ وفي المساء كان يصاب بالهذيان. بدأ القلق يتسلل إلى قلبي. ماذا سيقول الناس عني؟ وماذا سيكون ظن أخي الكبير بي؟ ألا يمكن أن نستدعي طبيبًا آخر؟ لماذا لا نستدعي طبيبًا متخصصًا في علم الطب الهندي (آيورفيدا)؟ وما الحق الذي يملكه الآباء لكي يفرضوا رغباتهم على أبنائهم؟

كانت هذه الأفكار تطاردني أينما ذهبت، لكن بعد ذلك بدأت الأمور تتخذ مسارًا مختلفًا. لا بد أن الإله كان مسرورًا لأنه وجدني أعالج ابني بنفس الطريقة التي كنت سأعالج بها نفسي. كنت أؤمن بالمعالجة المائية، ولا أعتقد كثيرًا في المعالجة الإخلافية. لم يكن الأطباء واثقين بإمكانية شفاء ابني، وكان جلُّ ما يستطيعونه هو أن يجربوا الأدوية أملًا في أن تشفيه. كانت حياة ابني بين يد الإله. فلماذا لا أدع الأمر في يد الإله وأستمر من أجله في اتباع المعالجة التي أرى صوابها؟

كان عقلي مشتتًا بين هذه الأفكار المتضاربة. خيم الظلام، وكنت جالسًا على الفراش بجوار مانيلال، فقررت أن أحضر ملاءة مبللة وأضعها على جسده. قمت من مضجعي وبللت الملاءة، ثم عصرتها، وغطيته بها تاركًا رأسه فقط خارج الغطاء. ثم غطيته بغطاءين، ووضعت على رأسه منشفة مبللة. كان جسده يحترق كالنار، وكان شديد الجفاف، فلم يكن على جسده نقطة عرق واحدة.

كنت منهكًا تمامًا، فتركته في رعاية والدته وخرجت للسير على شاطئ شاوباتي لأستعيد نشاطي. كانت الساعة قرابة العاشرة، والشوارع خالية إلا من عدد قليل من المارة. ونادرًا ما كنت أنظر لأي من المارة نتيجة استغراقي في تفكير عميق، وأخذت أقول في نفسي: «يا إلهي إني أسلم أمري إليك لتخرجني من هذا الابتلاء.» وشفتاي ما تنفك تذكر «الراماناما». عدت بعد فترة وجيزة إلى البيت، وكان قلبي يخفق.

ما إن وطِئَت قدماي الغرفة حتى سألني مانيلال: «هل عدت يا أبي؟»

فأجبته: «أجل يا بني.»

قال لي: «من فضلك يا أبي أخرجني من تحت الغطاء، فأنا أحترق.»

سألته: «هل يفرز جسدك عرقًا يا بني؟»

فأجابني: «إنني غارق في عرقي. أرجوك أخرجني.»

تحسست جبهته، فوجدت قطرات العرق تكسوها، وأخذت حرارة مانيلال في الانخفاض، فتوجهت إلى الإله بالشكر.

فقلت له: «اصمد قليلًا يا بني، إن المرض بدأ في الانقشاع الآن. كل ما تحتاجه هو إفراز القليل من العرق وستكون بخير، ووقتها سأخرجك.»

لكنه أجابني: «لا، أرجوك. أنقذني من هذا الجحيم. ويمكنك أن تغطيني في وقت آخر إذا أردت.»

ألهيت مانيلال حتى أتمكن من إبقائه تحت الغطاء لبضع دقائق أخرى. أخذت قطرات العرق تسيل على جبهته، فنزعت عنه الغطاء وبدأت في تجفيف جسده، وخلد الأب والابن إلى النوم في فراش واحد.

نام كل منا في هذه الليلة كالجثة الهامدة، وفي الصباح انخفضت حرارة مانيلال بصورة كبيرة. وواظب مانيلال على تناول الحليب المخفف وعصير البرتقال لمدة أربعين يومًا. وساعتها فقط ذهب عني الخوف. كانت الحمى التي عاناها مانيلال مستعصية، لكننا استطعنا أن نتغلب عليها ونتجاوز الأزمة.

الآن يتمتع مانيلال بصحة جيدة تميزه عن أخوته. لا أحد يستطيع أن يجزم إذا كان شفاء مانيلال كان نتيجة لرحمة الإله أو المعالجة المائية أو النظام الغذائي والتمريض الجيد. ولندع كل شخص يقرر ذلك وفقًا لاعتقاده الخاص. أما أنا، فأنا متأكد من أن الإله هو الذي أنقذني، ولم يتغير اعتقادي هذا حتى هذه اللحظة.

هوامش

(١) كون: طبيب ألماني، وهو رائد في المعالجة المائية.
(٢) ١٠٤ درجة فهرنهايت: ما يعادل ٤٠ درجة مئوية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤