علاقات وثيقة بالأوروبيين
لقد أوصلني هذا الفصل إلى مرحلة أصبح من الضروري فيها أن أشرح للقارئ كيف أكتب هذه القصة من أسبوع إلى آخر.
عندما شرعت في كتابة هذه القصة لم يكن في مخيلتي خطة بعينها، فلم أكن أمتلك أي دفتر يوميات أو وثائق أبني عليها قصة تجاربي هذه، فأنا أكتب وفقًا للطريقة التي يرشدني إليها الإله وقت الكتابة. لا أزعم معرفتي الجازمة بأن جميع أفكاري وأفعالي تتم بناء على إرشاد الإله، لكن عند التدقيق في الخطوات العظيمة التي أخذتها في حياتي، وكذلك تلك الخطوات التي قد تُعد أقل منها شأنًا، أجد أنه يمكن القول إن كل تلك الأفعال كانت بناء على توجيه الإله.
إنني لم أرَ الإله، ولم أعرفه حق المعرفة؛ لذلك جعلت من إيمان العالم بالإله إيمانًا خاصًا بي. ونتيجة لأن إيماني لا ينطمس، أعتبر ذلك الإيمان معادلًا للخبرة. على أنه نظرًا لخشيتي أنه قد يُقال إن من يصف الإيمان بأنه خبرة إنما يعبث بالحقيقة، سأكون أكثر دقة إذ أقول إنني لا أجد الكلمة التي تصف إيماني بالإله.
لعل من السهل الآن — بقَدْر ما — فهم السبب وراء اعتقادي بأنني أكتب هذه القصة على النحو الذي يرشدني إليه الإله، فعندما بدأت كتابة الفصل السابق، وضعت له عنوان هذا الفصل، لكنني أدركت وأنا أكتبه أن عليَّ ذكر نوع من التمهيد قبل أن أقص خبراتي مع الأوروبيين. وهذا ما فعلته، وبالفعل غيرت عنوان الفصل.
والآن وأنا أبدأ في كتابة هذا الفصل أجد نفسي أمام مشكلة جديدة. إن اختيار الأمور التي سأذكرها والأشياء التي سأتغاضى عنها فيما يتعلق بأصدقائي الإنجليز الذين سأتحدث عنهم يمثل مشكلة حقيقية، فلو أنني أغفلت أمورًا وثيقة الصلة بالموضوع، ستصبح الحقيقة غامضة، ومن الصعب أن أقرر على الفور الأمور وثيقة الصلة بالموضوع؛ نظرًا لأنني لست واثقًا حتى بمدى ارتباط هذه القصة بالموضوع.
أستطيع الآن أن أفهم بصورة أوضح ما قرأته منذ عهد بعيد عن قصور جميع كتب السير الذاتية كسرد تاريخي. أنا على دراية بأنني لا أكتب في هذه القصة كل ما أذكره عن الماضي، فمن ذا الذي يستطيع القول كم من الأمور يجب أن أذكر وكم منها يجب أن أغفل سعيًا وراء الحقيقة؟ وما قيمة دليل من طرف واحد غير كاف أقدمه كإثبات لأحداث معينة وقعت في حياتي؟ إذا ما جاء شخص فضولي واستجوبني حول الفصول التي كتبتها بالفعل، فلعله سيلقي الضوء على تلك الأحداث بصورة أوسع، وإذا كان ذلك الاستجواب صادرًا عن ناقد عدائي، فمن الممكن أن يطري على نفسه لأنه أظهر «بطلان ادعاءاتي».
لذلك أقف للحظة لأتساءل: هل كان من الأفضل أن أتوقف عن كتابة هذه القصة؟ لكنني يجب أن أستمر في الكتابة مادام صوت الضمير بداخلي لا يمنعني من ذلك. يجب عليَّ أن أتبع القاعدة الحكيمة التي تقول إنه لا يجب التخلي عما بدأت إلا إذا ثبت لك أنه منافٍ للأخلاق.
أنا لا أكتب سيرتي الذاتية بهدف إرضاء النقاد، إنما كتابة هذه السيرة تعتبر في ذاتها إحدى تجاربي مع الحقيقة. ولا شك أن أحد أسباب كتابتي لهذه السيرة هو إرضاء زملائي وتزويدهم ببعض الراحة وغذاء الفكر، فقد بدأت بالفعل في الكتابة بناء على رغبتهم. فلقد كان من الممكن ألا أكتب هذه القصة لولا إصرار السيد جيرامداس والسيد أناند. ولذا أرى أنه إذا كانت كتابتي لسيرتي الذاتية أمرًا يؤخذ ضدي، فهما يتحملان اللوم معي.
أنتقل الآن إلى الموضوع الذي يشير إليه عنوان الفصل. كان بعض الأصدقاء الإنجليز يقيمون معي في دربان كما كان يعيش معي بعض الهنود كأفراد من العائلة، ولا يعني ذلك أن جميع المقيمين معي كانوا راضين عن ذلك، لكنني كنت أصر على بقائهم، ولم أكن حكيمًا في معالجة جميع المواقف، فقد مرت بي بعض التجارب المرة، إلا أن تلك التجارب اشتملت على كل من الهنود والأوروبيين، ومع ذلك، لا أشعر بالندم على أي منها. فمع تلك التجارب المريرة وبغض النظر عن الإزعاج والقلق اللذين كنت كثيرًا ما أسببهما لأصدقائي، لم أغير تصرفاتي وتحملني أصدقائي بصدر رحب. كلما كانت علاقاتي مع الغرباء تؤلم الأصدقاء، لم أكن أتردد في إلقاء اللوم عليهم. أؤمن بأن المؤمنين الذين يرون الإله ذاته في الآخرين كما يرونه في أنفسهم، يجب أن يكونوا قادرين على العيش بين الناس جميعًا بدرجة كافية من الانفصال. ويمكن بذلك صقل القدرة على الحياة، ليس بواسطة تجنب الفرص غير المنشودة لإقامة مثل تلك العلاقات، ولكن عن طريق الترحيب بها بروح الخدمة بالإضافة إلى الحفاظ على النفس دون التأثر بهم.
ومع أن منزلي كان مكتظًّا بالأصدقاء عند اندلاع حرب البوير، فإني استضفت اثنين من الإنجليز من جوهانسبرج كانا من معتنقي الثيوصوفية، أحدهما السيد كيتشين، الذي سأتحدث عنه بمزيد من التفصيل فيما بعد. كان أصدقائي كثيرًا ما يجعلون زوجتي تذرف الدموع المريرة. ولسوء الحظ كان عليها أن تمر بالعديد من المحن بسببي. كانت هذه هي المرة الأولى التي يقيم فيها أصدقاء إنجليز معي كأفراد في أسرتي. لقد مكثت في منازل إنجليزية أثناء إقامتي في إنجلترا، وتكيفت هناك مع أسلوبهم في الحياة، وقد كانت إقامتي بتلك المنازل كإقامتي بفندق، أما هنا فالأمر كان مختلفًا تمامًا، فالأصدقاء الإنجليز أصبحوا من أفراد عائلتي، واعتنقوا الأسلوب الهندي في القيام بالكثير من الأمور. ومع أن أثاث المنزل كان على الطراز الغربي، فإن الحياة بداخله في أغلبها كانت على الطريقة الهندية. أذكر أنني وجدت بعض الصعوبة في إبقائهم كأفراد في العائلة، لكنني أؤكد أنهم كانوا يشعرون وكأنهم في منزلهم، وقد تطورت تلك العلاقات في جوهانسبرج أكثر منها في دربان.