الفصل الخامس عشر

الطاعون الأسود (١)

لم ينتقل الهنود فور حصول البلدية على ملكية الأراضي، فقد كان من الضروري إيجاد مساكن ملائمة للسكان قبل طردهم من الحي، ونظرًا لصعوبة ذلك على البلدية، اضطر الهنود للبقاء في الأماكن «القذرة» ذاتها، وتدنت حالة الحي أكثر نتيجة لهذا التمييز. وبعد أن تخلى الهنود عن ملكية مساكنهم، أصبحوا مستأجرين لدى البلدية، مما أدى إلى تدني مستوى الصحة بصورة أكبر بكثير مما كانت عليه. فعندما كانوا هم المالكين، كان عليهم أن يحافظوا على مستوى معين من النظافة، حتى ولو بدافع الخوف من الجزاء القانوني. لكن البلدية بالطبع، لم تشعر بأي خوف! زاد عدد المستأجرين وزادت معه القذارة والفوضى.

وفي حين كان الهنود يشعرون بالغضب جراء ذلك الوضع، كان هناك تفشٍّ سريع للطاعون، والذي يطلق عليه أيضًا اسم الطاعون الرئوي وهو أفظع وأخطر من الطاعون الدبلي.

ومن حسن الحظ لم يكن حي الهنود هو السبب في تفشي المرض، وإنما أحد مناجم الذهب التي تقع بالقرب من جوهانسبرج. كان أغلب العاملين بذلك المنجم من الزنوج، وكان أصحاب العمل من البيض هم المسئولين عن نظافتهم. وكان هناك أيضًا بعض الهنود الذين يعملون في المنجم، فأُصيب ٢٣ منهم سريعًا بالعدوى. وعاد أولئك الهنود في أحد الأيام إلى مساكنهم في الحي بهجوم شرس بعدوى الطاعون. تصادف وجود السيد مادانجيت، الذي كان يجمع مشتركين في جريدة «الرأي الهندي» ويحصل الاشتراكات، في الحي في ذلك الوقت. وكان السيد مادانجيت شجاعًا للغاية. لقد انفطر قلبه على الضحايا الذين سقطوا جراء تلك الكارثة. وأرسل لي يقول: «هناك تفشٍّ سريع لمرض الطاعون. يجب أن تحضر على الفور وتتخذ تدابير فورية، وإلا ستكون العواقب وخيمة. أرجو منك الحضور فورًا.»

كسر السيد مادانجيت القفل الموضوع على أحد البيوت الخالية، ووضع كل المرضى بداخله. ذهبت إلى الحي راكبًا دراجتي، وأرسلنا إلى أمين سجلات البلدية نخبره بالظروف التي اقتحمنا فيها المنزل.

هرع الطبيب جود فري، الذي كان يعمل في جوهانسبرج، إلى موقع تفشي المرض لتقديم المساعدة فور سماعه الخبر، وعمل على تطبيب وتمريض المرضى. لكن كيف يمكن لثلاثة القيام على تمريض ٢٣ مريضًا؟

أؤمن، من واقع خبرتي، أنه إذا كان قلب المرء نقيًّا يجد رجالًا يساعدونه عند وقوع الكارثة وحلولًا للخروج منها. كان يعمل في مكتبي في ذلك الوقت أربعة من الهنود، كاليانداس، ومانيكلال، وجونفانتراي ديساي، وآخر لا أذكر اسمه. كان والد كاليانداس قد عهد به إليَّ، ونادرًا ما التقيت في جنوب أفريقيا بأي شخص أكثر أدبًا وإرادة لتقديم طاعة مطلقة من كاليانداس، ولحسن الحظ لم يكن كاليانداس متزوجًا حينها، فلم أتردد في أن أكلفه بمهامَّ تنطوي على مخاطرة، لكنها في نفس الوقت عظيمة. وقد عينت مانيكلال في جوهانسبرج، وكان هو الآخر غير متزوج حسبما أتذكر، فقررت التضحية بالموظفين الأربعة، بل دعني أقول الزملاء أو الأبناء، ولم يكن هناك حاجة إطلاقًا لاستشارة كاليانداس، أما الثلاثة الآخرون، فقد أبدوا استعدادهم للمساعدة فور أن طلبت ذلك منهم. لقد أجابوني إجابة موجزة ولطيفة، قائلين: «سوف نذهب أينما ذهبت.»

كان السيد ريتش يعول أسرة كبيرة. وكان يرغب في المساعدة، لكنني منعته؛ فلم يطاوعني قلبي أن أعرضه للمخاطرة، ولذلك قام بتقديم المساعدة في خارج منطقة الخطر.

لقد مررنا بليلة عصيبة، ليلة مليئة باليقظة والتمريض. لقد سبق أن مرَّضت أناسًا كثيرين، لكن لم يكن أي منهم مصابًا بالطاعون. انتقلت الشجاعة التي يتمتع بها الطبيب جودفري إلى الآخرين. ولم يكن هناك الكثير من عمل التمريض، فكان العمل منصبًّا على إعطاء المرضى جرعات الأدوية وتلبية احتياجاتهم والحفاظ على نظافتهم ونظافة أسرتهم والتخفيف عنهم.

سعدت كثيرًا بالحماسة والشجاعة المطلقة التي عمل بها الشباب، فقد يستوعب المرء شجاعة الطبيب جودفري ورجل متمرس كالسيد مادانجيت، لكن كيف يفسر المرء روح الشباب الغر أولئك!

أذكر أننا ساعدنا جميع المرضى طوال الليل على اجتياز مرحلة الخطر.

ومع أن القصة مؤلمة، أجد أن الحادثة بأسرها من الأهمية والقيمة الدينية بمكان حتى أنني أجد نفسي ملزمًا بتخصيص فصلين آخرين على الأقل للحديث عنها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤