الفصل الثامن عشر

التعويذة السحرية لكتاب

زادت محنة انتشار وباء الطاعون من مكانتي لدى الهنود الفقراء، وزادت أيضًا من عملي ومسئوليتي. وأصبحت بعض علاقاتي الجديدة مع الأوروبيين وثيقة الصلة حتى إنها أضافت إلى التزاماتي الأخلاقية.

تعرفت إلى السيد بولاك في المطعم النباتي بنفس الطريقة التي تعرفت بها إلى السيد ويست. ففي إحدى الأمسيات، أرسل لي شاب يجلس على طاولة بعيدة قليلًا بطاقة للتعريف به، وأبدى رغبته في مقابلتي. فدعوته للجلوس على طاولتي.

فقال لي: «أنا محرر مساعد في جريدة «ذا كريتيك» The Critic، وقد شعرت برغبة شديدة في رؤيتك عندما قرأت خطابك الموجه إلى الصحافة حول تفشي الطاعون، وأنا مسرور بمقابلتك.»

لقد جذبني صدق السيد بولاك، وبدأ تعارفنا في الأمسية ذاتها، وبدا لي أننا نتبنى الكثير من الآراء المتشابهة حول موضوعات الحياة الأساسية. فقد كان يحب الحياة البسيطة، وكان يتمتع بقدرة مذهلة على نقل أي فكرة تروق له إلى حيز التنفيذ. وكانت بعض التغييرات التي أحدثها في حياته سريعة وجذرية.

كانت مصروفات جريدة «الرأي الهندي» تزداد يومًا بعد يوم. وكان أول تقرير يرسله السيد ويست مقلقًا. فكتب يقول: «لا أتوقع أن تدر الجريدة الأرباح المرجوة، وأخشى أننا يمكن أن نتعرض إلى الخسارة. إن الدفاتر غير منظمة، وهناك الكثير من المتأخرات التي يجب تغطيتها ولكن لا أحد يستطيع فهمها. فيلزم إجراء فحص دقيق للدفاتر. لكن لا تقلق، فسوف أعمل على تصحيح الأوضاع قدر المستطاع، وسوف أستمر في العمل سواء كان هناك أرباح أو لا.»

كان يمكن للسيد ويست أن يرحل عندما اكتشف عدم وجود أرباح، ولم أكن لألومه على ذلك. وفي الواقع، كان يحق له أن يقاضيني لأنني أخبرته بأن الأمر مربح دون امتلاك أي إثبات حقيقي، لكنه لم يشكُ مطلقًا. أعتقد أن ذلك الموقف جعل السيد ويست يعتبرني ساذجًا. وما حدث ببساطة هو أنني قبلت تقدير السيد مادانجيت دون الاهتمام بدراسته، فأخبرت السيد ويست بتوقع تحقيق أرباح.

أدرك الآن أن على من يعمل في مجال الخدمة العامة ألا يعطي بيانات دون الوثوق من صحتها. وفوق كل ذلك، يجب على الباحث عن الحقيقة أن يتوخى الحذر فيما يقول. فمن يسمح لنفسه بإقناع شخص آخر بشيء لم يتحقق منه تمامًا، يعرض الحقيقة إلى الخطر. وإنه ليؤلمني الاعتراف بأنني، بغض النظر عن معرفتي بهذه الحقيقة، لم أتخلص كليًّا من سذاجتي تلك، ويرجع السبب في ذلك إلى طموحي في إنجاز عمل أكثر مما أستطيع إنجازه بالفعل. وكثيرًا ما كان ذلك الطموح يقلق زملائي أكثر مما يقلقني.

توجهت إلى ناتال فور استلامي لخطاب السيد ويست. كنت قد جعلت السيد بولاك كاتم أسراري واستأمنته عليها. جاء السيد بولاك لتوديعي على محطة القطار، وترك لي كتابًا أقرؤه أثناء رحلتي، وقال لي: إنه واثق بأن الكتاب سيعجبني. كان الكتاب هو «حتى الرجل الأخير» لراسكين.

شرعت في قراءة الكتاب، ولم أستطع أن أتوقف؛ فلقد استحوذ عليَّ. استغرقت الرحلة من جوهانسبرج إلى دربان أربعًا وعشرين ساعة. كان المساء قد أقبل عند وصول القطار إلى دربان. ولم أستطع النوم طوال تلك الليلة. فقد قررت أن أغير حياتي وفقًا للأفكار الواردة في الكتاب.

كان ذلك هو أول كتاب أقرؤه لراسكين. ففي أيام دراستي لم أقرأ أية كتب تقريبًا بخلاف الكتب الدراسية، وبعد أن انغمست في الحياة العملية لم يتسن لي إلا اليسير من الوقت للقراءة. لذلك لا أستطيع أن أدعي أن لديَّ معرفة واسعة بالكتب، ومع ذلك، أعتقد أنني لم أخسر الكثير نتيجة لهذا القيد الذي فُرض عليَّ، بل على العكس، يمكن القول بأن قراءتي المحدودة تلك قد مكنتني من استيعاب ما قرأته بالكامل. وكان ضمن تلك الكتب كتاب «حتى الرجل الأخير»، الذي تسبب في إحداث تحول فوري وعملي في حياتي. وقد ترجمته فيما بعد إلى اللغة الجوجراتية تحت اسم «الخير للجميع» Sarvodaya.

أؤمن بأنني اكتشفت بعض معتقداتي الدفينة في كتاب راسكين العظيم. ولهذا السبب استحوذ عليَّ الكتاب وجعلني أغير من حياتي. إن الشاعر هو الذي يستطيع أن يثير أجمل المشاعر الكامنة في داخل الإنسان. وتأثير الشعر على من يتلقونه يختلف من شخص إلى آخر فكل إنسان يختلف عن الآخر في تلقيه له.

أرى أن التعاليم التي ينادي بها كتاب «حتى الرجل الأخير» هي:
  • (١)

    منفعة الفرد تكمن في منفعة الجميع.

  • (٢)

    لا تقل قيمة عمل الحلاق عن قيمة عمل المحامي لأن الجميع يحق لهم أن يكسبوا قوتهم من العمل.

  • (٣)

    إن حياة العمل، أي حياة الفلاح والحرفي، هي الحياة التي تستحق العيش.

وقد عرفت أول هذه التعاليم، أما ثانيها فقد أدركته على نحو يسير، لكنني لم أواجه ثالثها قط. وقد أوضح لي الكتاب أن التعليم الأول يحوي بين طياته التعليم الثاني والتعليم الثالث معًا. واستيقظت قبالة الفجر، متأهبًا لتنفيذ هذه المبادئ.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤