الفصل السابع والعشرون

المزيد من التجارب الغذائية

كنت أتوق للالتزام بالبراهماشاريا فكرًا وقولًا وفعلًا، وكنت أيضًا متلهفًا لتكريس جلِّ وقتي لنضال الساتياجراها وأن أعد نفسي لها عن طريق زيادة نقاء نفسي. وهكذا وجدت نفسي مضطرًّا لإحداث بعض التغييرات في حياتي وأن أفرض على نفسي المزيد من القيود فيما يتعلق بالطعام. كان الدافع وراء التغييرات السابقة صحيًّا بقدر كبير، أما التجارب الجديدة فكانت بدافع ديني.

كان للصوم والقيود الغذائية في تلك المرحلة دور أكثر أهمية في حياتي، فعاطفة الإنسان تصاحب بصورة عامة شهوة الطعام، وهكذا كان الحال معي. لقد واجهت العديد من الصعوبات في محاولة السيطرة على العاطفة والطعام، ولا أستطيع أن أدعي حتى في الوقت الحالي أنني نجحت في السيطرة عليهما كليًّا. وكنت أعتبر نفسي شرهًا، فلم يبد لي ذلك قيدًا كما كان يظن أصدقائي، فلولا القيود الغذائية التي فرضتها على نفسي، لكنت انحدرت إلى مستوى أقل من الحيوانات ومت منذ أمد بعيد، ومع ذلك، بذلت جهودًا مضنية للتخلص من عيوبي بعد أن أدركتها بصورة كافية. وبفضل تلك الجهود، كرست قوتي البدنية ووقتي طوال تلك السنين للعمل.

نتيجة لإدراكي لضعفي ونتيجة لاتصالي غير المتوقع برفقة جيدة، بدأت اتباع نظام غذائي يقتصر على الفاكهة أو الصوم في عيد «إيكيداشي»١ والالتزام أيضًا بالاحتفال بعيد «جانماشتامي»٢ وغيرها من الأعياد الدينية.

بدأت باتباع نظام غذائي يقتصر على الفاكهة، لكن من منطلق التحكم في شهوات النفس لم أجد فرقًا كبيرًا بين نظام غذائي مكون من الفاكهة ونظام يتكون من الحبوب. فقد وجدت أن متعة التذوق ذاتها متوافرة في كلا النظامين، بل إنها قد تتوافر أكثر في الفاكهة إذا اعتاد المرء عليها؛ لذلك السبب نظرت نظرة جدية إلى الصوم أو تناول وجبة واحدة فقط في أيام الأعياد الدينية. وإذا ما احتجت إلى كفارة أو ما شابهها، كنت أستغل تلك الفرصة أيضًا للصوم.

لكنني وجدت أيضًا أن الغذاء يحدث متعة أكبر، وزادت رغبتي في الطعام نتيجة لشدة ضعف جسدي. واتضح لي أن الصوم سلاح ذو حدين فيمكن أن يستخدم كسلاح فتاك بغرض التساهل وبنفس الطريقة يمكن أن يستخدم كضابط للنفس، وقد أثبتت العديد من خبراتي اللاحقة وخبرات غيري تلك الحقيقة المروعة. كنت أرغب في تنمية بنيتي الجسدية وممارسة التدريبات الرياضية، لكن نظرًا لأن هدفي الرئيسي كان التحكم في نفسي والتغلب على شهوة الطعام، اخترت أولًا نوعًا واحدًا من الطعام ثم اخترت نوعًا آخر وفي نفس الوقت وضعت حدًّا لكمية الطعام. لكن الاستمتاع بالطعام ظل يطاردني، فكلما تركت شيئًا وأخذت آخر، كان ذلك الآخر يمنحني متعة أكبر وأكثر عذوبة من سابقه.

وقد لازمني في تلك التجارب الكثير من الرفاق، أهمهم هيرمان كالنباخ. وقد كتبت عن السيد هيرمان في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا، ولا حاجة لأن أعيد الكلام ذاته هنا. كان كالنباخ يلازمني دائمًا، سواء في الصوم أو في التغييرات في النظام الغذائي. كنت أقيم معه في منزله عندما كانت حركة الساتياجراها في أوجها، وناقشنا التغييرات التي أحدثناها في الغذاء ووجدنا أن النظام الغذائي الجديد يوفر لنا متعة أكثر من النظام القديم. بدا مثل ذلك الحديث ممتعًا للغاية وقتها، ولم أرَ فيه خطأ على الإطلاق. لكن خبرتي علمتني أنه كان من الخطأ الحديث عن متعة الطعام؛ فالمرء لا يأكل لكي يشبع شهوته، وإنما ليحافظ على وظائفه الجسدية. عندما يساعد كل عضو حسي الجسد الذي يساعد بدوره الروح؛ يختفي المذاق الخاص للطعام، ووقتها فقط يبدأ الجسد في العمل بالطريقة الفطرية الصحيحة.

مهما تعددت الخبرات ومهما عظمت التضحية، لا تعتبر عزيزة في سبيل تحقيق ذلك التناغم مع الطبيعة. لكن للأسف يندفع التيار في الوقت الحالي بشدة في الاتجاه المعاكس. نحن لا نخجل من التضحية بالعديد من أرواح الآخرين لتزيين الجسد الفاني، ومن أجل محاولة إطالة العمر لبضع لحظات زائلة، مما ينتج عنه قتل أنفسنا جسدًا وروحًا. ونفسح المجال أمام المئات من الأمراض الجديدة من أجل محاولة إشفاء مرض واحد قديم. وأثناء سعينا للتمتع بالملذات الحسية، نفقد في النهاية قدرتنا حتى على الاستمتاع. كل تلك الأمور تمر أمام أعيننا، وليس هناك من هو أكثر عمى ممن يعمون عن رؤيتها.

بعد أن ذكرت الهدف من تلك التجارب وتسلسل الأفكار التي قادت إليها، أقترح الآن أن أصف التجارب الغذائية بمزيد من التفصيل.

هوامش

(١) إيكيداشي: اليوم الحادي عشر بعد اكتمال القمر أو بعد ظهور القمر الجديد. ويتمثل الاحتفال به في الصوم عن القمح والحبوب بأنواعها والأطعمة المعدة من الحبوب وأنواع معينة من الفاكهة والتوابل.
(٢) جانماشتامي: عيد هندوسي للاحتفال بميلاد كريشنا، وهو التجسيد الثامن للإله فيشنو.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤