الساتياجراها في المنزل
دخلت السجن لأول مرة في عام ١٩٠٨م. ووجدت أن القوانين المفروضة على المساجين مماثلة للقوانين التي يتبعها من يلتزم بعهد البراهماشاريا طواعية — وهو من ينشد التحكم في شهوات النفس. فقد كان أحد تلك القوانين، على سبيل المثال، يقضي بأن ينهي المساجين وجبة العشاء قبل غروب الشمس، ولم يكن يُسمح للهنود أو الأفارقة بتناول الشاي أو القهوة. وكان يمكنهم إضافة الملح إلى الطعام المطهو إذا أرادوا، لكن لم يكن يُسمح لهم بوضع أي إضافات لمجرد إشباع شهيتهم. وعندما طلبت من طبيب السجن تقديم مسحوق الكاري ووضع الملح على الطعام في أثناء طهيه، أجابني قائلًا: «لست هنا لإشباع شهيتك. ومن الناحية الصحية، أجد أن مسحوق الكاري ليس عاملًا غذائيًّا أساسيًّا، أما لملح فليس هناك فرق بين أن تضعه في أثناء الطهي أو بعده.»
وأخيرًا تغيرت تلك القيود، وهو أمر لم يكن سهلًا، لكن في كلتا الحالتين كانت القواعد المفروضة تساعدني على التحكم في شهوات نفسي. نادرًا ما تنجح القيود التي يفرضها عامل خارجي على الإنسان، لكن عندما يفرض الإنسان تلك القيود على نفسه تؤتي ثمارها بلا ريب. توقفت وقتها عن تناول الشاي وكنت أنتهي من وجبة العشاء قبل غروب الشمس. والآن لا يتطلب الالتزام بهذين القيدين مني أي مجهود.
ومع ذلك حدثت واقعة أجبرتني على الامتناع عن تناول الملح بالكلية، وقد استمر ذلك القيد لمدة عشر سنوات متواصلة. قرأت في بعض الكتب التي تتناول النباتية أن الملح ليس مكونًا غذائيًّا رئيسيًّا للإنسان، بل على العكس فالطعام الخالي من الملح أكثر فائدة من الناحية الصحية. واستنتجت أن البراهماشاري يستفيد من الطعام الخالي من الملح. وقرأت وأدركت أن أصحاب الأجساد الضعيفة يتعين عليهم تجنب الحبوب، التي كنت مغرمًا بها بشدة.
بدأت كاستوربا، التي حظيت بفترة راحة قصيرة بعد خضوعها للعملية الجراحية، في التعرض للنزيف مرة أخرى، وبدا المرض مستعصيًا، ولم تجدِ المعالجة المائية وحدها نفعًا، ولم تكن كاستوربا مؤمنة بالطرق العلاجية التي أتبعها، لكنها لم تعارضها، وبالطبع لم تطلب أية مساعدة خارجية، وعندما فشلت كل محاولاتي العلاجية، ناشدتها أن تمتنع عن تناول الملح والحبوب، وكانت ترفض مهما توسلت إليها أو ذكرت حججًا تؤيد وجهة نظري. لم تجد في نهاية الأمر إلا أن تتحداني، فقالت لي: إنه حتى أنا لا يمكنني أن أمتنع عن تناول تلك العناصر الغذائية إذا ما طُلب مني ذلك. تملكني شعور بالألم مصحوبًا بشعور بالسعادة، فقد أسعدني أن أجد الفرصة لأعبر لها عن مقدار حبي لها، فقلت لها: «أنتِ مخطئة. فإذا كنت مريضًا ونصحني الطبيب بالامتناع عن تناول هذه المواد الغذائية أو غيرها، كنت سأستمع لنصيحته دون تردد، ولأثبت لكِ ذلك، سأمتنع عن تناول الملح والحبوب لمدة عام دون وجود حاجة طبية، وسواء امتنعتِ أنتِ أم لا.»
دُهشت كاستوربا بشدة وهتفت بحزن شديد: «أرجو أن تسامحني، لم يكن عليَّ أن أغضبك، فأنا أعرفك جيدًا، وأعدك أن أمتنع عن جميع هذه الأشياء، لكنني أستحلفك بالإله أن ترجع عن عهدك، فأنا لن أستطيع تحمل ذلك.»
– «إن امتناعك عن تناول تلك المواد الغذائية سيعود عليك بالنفع، ولا يراودني أي شك في أن صحتك ستتحسن عند امتناعك عن تلك المواد الغذائية. أما أنا، فلا يمكنني الرجوع عن عهد أخذته جادًّا على نفسي، ولا شك أن ذلك سيعود عليَّ بالنفع، فالقيود، أيًّا كان الدافع وراءها، دائمًا ما تفيد الرجال. لذلك يجب أن تتركيني وشأني. وسيكون هذا اختبارًا لي، وفي نفس الوقت مساندة معنوية لك لأساعدك على الالتزام بقرارك.»
هكذا فقدت الأمل في إقناعي بالعدول عن عهدي، قائلة: «أنت شديد العناد، ولا تصغ إلا لنفسك.» وأخذت تبكي منفسة عن حزنها.
أود أن أعتبر تلك الواقعة نموذجًا لمبدأ الساتياجراها، وواحدة من أجمل ذكريات حياتي.
بدأت كاستوربا بعد ذلك في التحسن بسرعة، وسواء نتيجة لتناول الغذاء الخالي من الملح والحبوب أو نتيجة لغيرها من التغيرات التي أحدثتها في طعامها، أو نتيجة لحرصي الشديد على الالتزام الصارم بضوابط الحياة الأخرى، أو نتيجة للإثارة العقلية التي سببتها الواقعة، فأنا لا أعلم أي تلك العوامل كان له الفضل الأكبر في شفائها. لكن كاستوربا استجمعت قواها بسرعة، وتوقف النزيف تمامًا. وقد أضافت تلك الواقعة إلى سمعتي كمعالج.
أما أنا، فقد أصبحت في حال أفضل بعد أن امتنعت عن تناول تلك المواد الغذائية، ولم أكن أشتاق للأشياء التي أمتنع عنها. مر العام ووجدت حواسي أكثر خضوعًا من ذي قبل. لقد أثارت تلك التجربة لديَّ الرغبة في التحكم في شهوات النفس، فامتنعت عن تناول تلك المواد الغذائية لمدة طويلة بعد عودتي إلى الهند، ولم أتناول الملح والحبوب سوى مرة واحدة أثناء وجودي في لندن في ١٩١٤م، لكنني سوف أتحدث عن تلك الواقعة والطريقة التي عدت بها لتناول تلك المواد الغذائية في فصل لاحق.
لقد جعلت العديد من زملائي يجربون تناول الغذاء الخالي من الملح والحبوب، وقد أحرزت نتائج جيدة في جنوب أفريقيا. قد يكون هناك رأيان مختلفان فيما يتعلق بقيمة هذا الغذاء من وجهة النظر الطبية، أما من الناحية المعنوية فلا يراودني شك في استفادة الروح من أي نوع من أنواع العزوف عن الملذات. يجب أن يختلف طعام من يلتزم بالتحكم في شهوات النفس عمن هو غارق في الملذات، بنفس الطريقة التي يجب أن يختلف بها أسلوب حياة كل منهما. إن الطامحين إلى الالتزام بالبراهماشاريا كثيرًا ما يفسدون نهايتهم باتباع طرق تتناسب مع حياة الملذات.