الفصل الثالث

التغاضي عن الإهانة

شعرت بالأسى وأنا أستمع إلى الإهانة، لكنني اعتدت تلك الإهانات نظرًا لأنني تغاضيت عن الكثير منها في الماضي؛ لذلك قررت أن أتغاضى عن تلك الإهانة الأخيرة هي أيضًا وأن ألزم موقفًا هادئًا.

بعث رئيس الإدارة الآسيوية برسالة مفادها أنه كان من الضروري حذف اسمي من قائمة أعضاء الوفد الذي سيقابل السيد تشمبرلن، وذلك بحجة أنني قابلته من قبل في دربان.

لم يحتمل زملائي الهنود فحوى الرسالة، فاقترحوا التخلي عن فكرة الوفد بأكملها، فشرحت لهم الوضع الصعب الذي تمر به الجالية.

قلت لهم: «إذا لم تعرضوا قضيتكم على السيد تشمبرلن، سيعتقد الناس أن قضيتكم ليس لها أساس. على كل حال، يجب أن تكون الشكوى خطية، وقد أعددناها بالفعل، فلا يهم إذا قرأتها أنا أو قرأها أحد غيري. ولن يناقش السيد تشمبرلن الشكوى معنا. أرى أن علينا أن نتغاضى عن تلك الإهانة.»

لم أكد أنهي حديثي، حتى هتف السيد طيب قائلًا: «إن إهانتك هي إهانة للجالية، ألست ممثلًا عنا؟»

أجبته: «صدقت، لكن حتى الجالية عليها أن تتغاضى عن مثل هذه الإهانات؛ فنحن لا نملك خيارًا بديلًا.»

تساءل السيد طيب: «ولماذا نتغاضى عن مثل هذه الإهانة؟ لا يمكن أن يسوء وضعنا أكثر من ذلك، فهل نتمتع بأي حقوق نخشى أن نُسلبها؟»

كان رد السيد طيب شجاعًا، ولكن ما الفائدة؟ لقد كنت أدرك تمامًا حدود الجالية. هدأت من روع أصدقائي، وأشرت عليهم باختيار السيد جورج جودفري، وهو محام هندي، بدلًا مني.

وبالفعل ترأس السيد جورج جودفري الوفد. حاول السيد تشمبرلن أن يخفف من شدة الإهانة، فأشار في رده إلى إقصائي من الوفد قائلًا: «أليس من الأفضل أن أستمع لنائب جديد عن الجالية الهندية، بدلًا من الاستماع إلى نفس الشخص مرة أخرى؟»

لكن كل ما حدث لم يُنه المسألة، بل أضاف إلى عمل الجالية وعملي أيضًا. كان علينا أن نبدأ العمل من جديد. وقد تعرضت للتوبيخ من قبل بعض الأشخاص بقولهم: «لقد اشتركنا في الحرب بناء على طلبك. انظر إلى ما وصلنا إليه الآن؟» لكن ذلك التوبيخ لم يكن له أي أثر. فرددت عليهم: «لست نادمًا على ذلك، وأنا أؤكد على أننا فعلنا الصواب باشتراكنا في الحرب، فعلى الأقل أدينا واجبنا، ولا يجب أن ننتظر مكافأة نظير جهودنا، وأنا أؤمن بأن الأعمال الصالحة يجب أن تطرح ثمارًا طيبة في النهاية. دعونا نطرح الماضي وراء ظهورنا ونركز على المهام التي تنتظرنا.» وهو الأمر الذي وافق عليه الجميع.

ثم استطردت قائلًا: «لأكون صريحًا معكم، لقد انتهيت تقريبًا من العمل الذي استدعيتموني من أجله. لكنني أرى أنه لا يجب أن أرحل عن الترانسفال، حتى إذا سمحتم لي بالعودة إلى الوطن. وبدلًا من أن أقوم بعملي من ناتال كما كان الحال من قبل، يجب الآن أن أقوم بذلك العمل من هنا. يجب ألا أفكر في العودة إلى الهند قبل عام، بل يجب أن أدرج اسمي في محكمة الترانسفال العليا، فأنا أمتلك ما يكفي من الثقة للتعامل مع هذه الإدارة الجديدة. وإذا لم نفعل ذلك، سيطاردون الجالية عبر البلاد وينهبونها نهبًا تامًّا، وسوف نجد في كل يوم إهانات جديدة تنهال علينا. فرَفْض السيد تشمبرلن لرؤيتي وإهانة المسئول لي لا يمكن مقارنتهما بإهانة الجالية بأكملها. وإنه لمن المستحيل أن نتحمل حياة أشبه بحياة الكلاب التي قد يأتي اليوم ونحياها.»

لذا بادرت بالعمل لتشجيع أصدقائي، وناقشت القضايا مع الهنود في بريتوريا وجوهانسبرج، وأخيرًا قررت أن أؤسس مكتبًا في جوهانسبرج.

بالطبع ساورني الشك في قبول إدراجي في محكمة الترانسفال العليا، لكن نقابة المحامين لم تمانع طلبي، وأقرته المحكمة. وكان من الصعب على محامٍ هندي أن يحصل على مكتب جيد في منطقة مناسبة، لكنني كنت على علاقة جيدة بالسيد ريتش، وهو أحد التجار بجوهانسبرج، وبفضل مساعي وسطاء العقارات الذين يعرفهم، تمكنت من الحصول على مكتب في منطقة المحامين بالمدينة، وبدأت في مزاولة نشاطي المهني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤