الفصل الثلاثون

نحو التحكم في شهوات النفس

أوضحت في الفصل السابق كيف كان مرض كاستوربا دافعًا لإحداث بعض التغييرات في نظامي الغذائي، وقمت بالمزيد من التغييرات في مرحلة لاحقة لدعم عهد البراهماشاريا، كان أول تلك التغييرات امتناعي عن تناول الحليب، وكنت قد علمت، أول ما علمت، من رايشاندباي أن الحليب يثير الشهوة الجنسية، وقد أكدت الكتب التي تتناول النباتية تلك الفكرة، لكنني لم أكن أستطيع أن أقرر الامتناع عن تناول الحليب ما دمت لم ألتزم بعهد البراهماشاريا. كنت قد أدركت منذ وقت طويل أن الحليب عنصر غير ضروري للإنسان، لكن لم يكن من السهل عليَّ أن أمتنع عنه. وفي حين كانت ضرورة الامتناع عن الحليب من أجل التحكم في شهوات النفس تلح عليَّ، إذ بي أطلع على بعض المطبوعات من كلكتا تصف التعذيب الذي يلاقيه البقر والجاموس على يد مالكيه، وقد كان لتلك المطبوعات أثر مذهل عليَّ، فناقشت الأمر مع السيد كالنباخ.

لقد قدمت السيد كالنباخ إلى القراء في كتابي عن تاريخ الساتياجراها في جنوب أفريقيا، وأشرت إليه في فصل سابق، ومع ذلك أجد أنه من الضروري أن آتي على ذكره هنا بمزيد من التفصيل. لقد التقينا معًا بمحض الصدفة، فقد كان صديقًا للسيد خان، الذي عرفني إليه عندما وجد في أعماقه حبًّا للدنيا ومتاعها.

وعندما تعرفت إلى السيد كالنباخ أذهلني حبه للرفاهية والبذخ، ومع ذلك طرح في أول لقاء لنا عددًا من الأسئلة الدينية الدقيقة. تحدثنا بالصدفة عن تخلي جوتاما بوذا عن متاع الحياة. وسرعان ما تحولت علاقتنا إلى صداقة وطيدة، حتى إننا أصبحنا نفكر بنفس الطريقة. وكانت لديه قناعة بأن عليه أن يقوم بذات التغييرات التي قمت بها في حياتي.

كان السيد كالنباخ في ذلك الوقت عزبًا، وكان ينفق ١٢٠٠ روبية شهريًّا على نفسه بالإضافة إلى إيجار المنزل، أما الآن فقد خفض تكاليف معيشته حتى أصبح ينفق ١٢٠ روبية لا غير شهريًّا. وقد بدأنا نعيش معًا بعد انفصالي عن الأسرة وإطلاق سراحي من السجن لأول مرة. لقد عشنا حياة قاسية حقًّا.

وفي ذلك الوقت أجرينا نقاشًا حول تناول الحليب، فقال كالنباخ: «نحن نتحدث باستمرار عن الآثار السلبية للحليب، فلماذا لا نمتنع عنه؟ فالامتناع عنه أمر ضروري بلا شك.» كنت مندهشًا من الاقتراح الذي رحبت به بشدة. وأخذ كل منا عهدًا على نفسه في ذلك الوقت وفي ذلك المكان بأن يمتنع عن تناول الحليب، وكان ذلك في مزرعة تولستوي في عام ١٩١٢م.

لكن لم يكن ذلك الامتناع كافيًا لي. ولم تمر فترة كبيرة بعد ذلك حتى قررت أن أعيش على نظام غذائي يقتصر على الفاكهة فقط، وكان يتكون من أرخص الفواكه المتوفرة حينها، وكنا نطمح إلى العيش في مستوى أشد الناس فقرًا.

وقد وجدنا أن النظام الغذائي الذي يقتصر على الفاكهة مريح للغاية. فتقريبًا لم تعد هناك حاجة للطهي، فقد كان طعامنا يتكون عادة من الفول السوداني النيئ والموز والبلح والليمون وزيت الزيتون.

ويجب هنا أن أحذر الطامحين إلى الالتزام بعهد البراهماشاريا، لقد اكتشفت علاقة وثيقة بين الطعام والبراهماشاريا، لكن يظل العقل ولا شك العامل الرئيسي في الموضوع. فالعقل غير الطاهر، الذي يدرك صاحبه عدم طهره، لا يمكن للصوم أن يطهره، ولا يمكن لأي تغيير في النظام الغذائي أن يؤثر عليه، فلا يمكن اقتلاع الرغبة الملحة التي تسيطر على العقل إلا عن طريق دراسة الشخص الممعنة لأفعاله ومشاعره والاستسلام لإرادة الإله ورحمته. ومع ذلك توجد علاقة وثيقة بين العقل والجسد، ودائمًا ما يتحرق العقل الشهواني شوقًا إلى الأطعمة الشهية والترف، ولتجنب ذلك يجب فرض القيود الغذائية والصوم. فالعقل الشهواني يصبح عبدًا للحواس بدلًا من أن يسيطر عليها، ولذلك يكون الجسد في حاجة دائمة لأطعمة نقية وغير محفزة ولصوم دوري.

فمن يستخفون بالضوابط الغذائية والصوم يرتكبون خطأ لا يقل حجمًا عن خطأ من يجعلون حياتهم بأكملها مرهونة بها. لقد علمتني خبرتي أن الضوابط الغذائية والصوم يساعدان بصورة كبيرة مَن تميل عقولهم للتحكم في شهوات النفس. وفي الواقع، دون الاستعانة بالصوم والضوابط الغذائية، يكون من الصعب اقتلاع الرغبات الملحة من العقل كليًّا.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤