الفصل الخامس والأربعون

ألاعيب محامين؟

لم يساورني شك بشأن صحة نصيحتي لموكلي، لكنني كنت أشك في مدى قدرتي على تولي القضية باقتدار. شعرت أن الترافع في قضية بتلك الصعوبة أمام المحكمة العليا سيكون أكثر خطورة، فوقفت أمام هيئة المحكمة أرتعش وجلًا.

وما إن أشرت إلى الخطأ في الحسابات، حتى قال أحد القضاة: «هل هذا أحد ألاعيب المحامين يا سيد غاندي؟»

شعرت بجسدي يغلي عند سماعي لذلك الاتهام. فقد كان من الصعب أن أحتمل اتهامي باستخدام الألاعيب دون أي مبررات تدعمه.

قلت في نفسي: «من الصعب النجاح في قضية بذلك القدر من الصعوبة في ظل وجود قاض متحامل من البداية.» لكنني استجمعت أفكاري وأجبته: «أنا مندهش سيادتكم من أن تشتبه في ممارستي للألاعيب دون أن تستمع إليَّ.»

قال القاضي: «أنا لا أتهمك بشيء، إنما هو مجرد إيحاء.»

– «إن هذا الإيحاء يبدو لي كالاتهام. ألتمس من عدالتكم أن تنصت لي أولًا، ثم يمكنك أن توجه لي الاتهام إذا ما وجدت سببًا لذلك.»

أجاب القاضي: «آسف لمقاطعتك، يمكنك المضي في مرافعتك.»

كنت أملك وثائق كافية لدعم مرافعتي. وقد حزت انتباه هيئة المحكمة من البداية بفضل السؤال الذي وجهه لي القاضي. شعرت بشجاعة كبيرة واستغللت الفرصة للخوض في توضيح أكثر تفصيلًا. استمعت هيئة المحكمة لي بسعة صدر، وتمكنت من إقناع المحكمة بأن الخطأ الذي حدث كان نتيجة للإهمال ليس إلا. ومن ثَمَّ شعرت هيئة المحكمة بأن ليس عليها إلغاء الحكم بأكمله، وهو الأمر الذي تطلب الكثير من الجهد.

بدا لي أن محامي الخصم شعر بالطمأنينة لاعتقاده بأنه لن يكون في حاجة للترافع كثيرًا بعد الإقرار بالخطأ. لكن القضاة أخذوا في مقاطعته لاقتناعهم بأن الخطأ جاء نتيجة لزلة قلم يمكن تعديلها بسهولة. عمل محامي الخصم جاهدًا على معارضة الحكم، لكن القاضي الذي كان يشك فيَّ في البداية أصبح الآن إلى جانبي تمامًا.

فسأله القاضي: «ماذا كنت ستفعل لو أن السيد غاندي لم يقر بالخطأ؟»

– «كان من المستحيل أن نتمكن من الاستعانة بمحاسب أكثر خبرة وأمانة من المحامي الذي استعنا به.»

استطرد القاضي قائلًا: «تفترض المحكمة أنك ملم بقضيتك تمامًا. إذا لم يكن لديك ما تعرضه على المحكمة غير الخطأ الذي يمكن أن يقع فيه أي محاسب ذي خبرة، لن تجد المحكمة ضرورة لإجبار الأطراف للجوء إلى محاكمة جديدة ومصروفات جديدة بسبب خطأ واضح. لن نطلب بدء محاكمة جديدة بسبب خطأ يمكن تصحيحه بسهولة.»

وهكذا رفضت المحكمة اعتراض المحامي. ولا أذكر هل صدَّقَت المحكمة على الحكم بعد تصحيح الخطأ أو أمرت المُحكم بتصحيحه.

سعدت بقرار المحكمة، وكذلك سعد به موكلي والمحامي المتمرس. وتأكدت قناعتي بأنه يمكن ممارسة المحاماة دون الحيد عن الصدق.

فليتذكر القارئ إذن أنه حتى الصدق في ممارسة المهنة لا يمكنه أن يخلصها من عيوبها الأساسية التي تفسدها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤