الفصل السادس والأربعون

تحول الموكلين إلى زملاء

إن الفرق بين ممارسة المحاماة في ناتال وممارستها في الترانسفال يكمن في أن نقابة المحامين في ناتال كانت عامة، فكان يمكن لمحامي المرافعات، الذي في درجة مدافع، أن يعمل وكيلًا قانونيًّا أيضًا. أما في الترانسفال فنجد، كما هو الحال في بومباي، أن الوكلاء القانونيين منفصلون عن المدافعين. وكان محامي المرافعات يتمتع بحق الاختيار بين العمل مدافعًا أو وكيلًا قانونيًّا. ولذلك، اعتمدت أثناء إقامتي في ناتال كمدافع، أما في الترانسفال فسعيت للحصول على اعتمادي وكيلًا قانونيًّا. فعملي مدافعًا كان سيحول بيني وبين الاتصال المباشر بالهنود، ولم يكن الوكلاء القانونيون البيض في جنوب أفريقيا ليوكلوني.

لكن حتى في الترانسفال كان المجال مفتوحًا أمام الوكلاء القانونيين للمثول أمام القضاة. وفي إحدى المرات، بينما كنت أترافع في قضية أمام قاض في جوهانسبرج، اكتشفت أن موكلي قد خدعني، ورأيته ينهار تمامًا في منصة الشهود، وعلى الفور طلبت من القاضي رد الدعوى. دُهش محامي الخصم من موقفي، وسُرَّ القاضي بما فعلت. عنفت موكلي لتوكيلي في قضية باطلة، فقد كان يعلم أنني لا أقبل أبدًا مثل تلك القضايا. وعندما ناقشته في الأمر، أقر بخطئه، وأعتقد أنه لم يسخط عليَّ لأنني طلبت من القاضي رد الدعوى. على كل حال، لم يؤثر تصرفي في تلك القضية بالسلب على ممارستي للمحاماة، بل جعل عملي أكثر يسرًا. ووجدت أن التزامي بقول الصدق عزز من سمعتي الحسنة بين العاملين بالمهنة، ومع حاجز اختلاف اللون الذي كان يقف حائلًا بيني وبينهم، كنت قادرًا في بعض الأحيان على الفوز بتقديرهم.

واعتدت أثناء ممارستي للمحاماة ألا أخفي جهلي عن موكليَّ أو زملائي، وكنت عندما أجد نفسي تائهًا، أنصح موكلي باستشارة محامٍ آخر. وفي حالة تمسك الموكل بي، كنت أطلب منه أن يسمح لي بطلب مساعدة محامٍ آخر يفوقني خبرة. وقد جعلتني صراحتي أحوز على إعجاب موكليَّ وثقتهم المطلقة. وكانوا دائمًا يتطوعون لدفع الأتعاب الإضافية في حالة الحاجة إلى استشارة محامٍ أكثر خبرة. وقد ساعدتني تلك الثقة وذلك الإعجاب في تأدية العمل العام.

أشرت في الفصول السابقة إلى أن الهدف من ممارستي للمحاماة في جنوب أفريقيا كان خدمة الجالية، ولتحقيق تلك الغاية، كان لا بد من اكتساب ثقة الناس. قدم الشعب الهندي الكريم عملًا مهنيًّا لخدمة الجالية كان يمكن أن يتقاضوا عنه أجرًا، وعندما طلبت منهم أن يعانوا ويلات السجن من أجل الحصول على حقوقهم، وافق العديد منهم بكل سرور. ولم تكن موافقتهم على طلبي بسبب صحته أكثر منها نتيجة لثقتهم وإعجابهم بي.

يجول العديد من الذكريات العطرة بخاطري الآن وأنا أكتب هذا الجزء من الكتاب. فقد تحول المئات من موكليَّ إلى أصدقاء وزملاء حقيقيين في الخدمة العامة، وقد أضفت صلتي بهم البهجة على حياة كانت مليئة بالصعاب والمخاطر.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤